دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 151 ـ 165
(151)
    و على كلّ تقدير يسقط العمل بالشرط.
    ب : أنّ الشرط المنافي لمقتضى العقد ، مخالف للكتاب والسنّة الدالّين على عدم تخلّف العقد عن مقتضاه ، فاشتراط تخلّفه عنه ، مخالف للكتاب.
    توضيحه : إنّ الكتاب والسنّة يأمران بالوفاء بالعقود ، يقول سبحانه : ( أَوفُوا بالْعُقُود ) ومعنى الوفاء بالعقود هو الأخذ بمقتضاها والشرط المنافي لمقتضى العقد إذا وجب الوفاء به يكون معناه ، يجب الوفاء على خلاف مقتضى العقد وهو مخالف لمضمون الآية.
    يلاحظ عليه : أنّ مرجعه إلى الشرط الرابع ، مع أنّ المفروض كونه شرطاً مستقلاً.
التحقيق
    إذا اشترط أحد الشريكين أن يكون سهيماً في الربح دون الخسران ، فهل يعدّ هذا مخالفاً لمقتضى العقد ؟
    لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 281 ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص 483.


(152)
    الفصل السادس
انتفاء الجهالة الموجبة للغرر
    من شرائط صحّة العقد ، عدم الجهالة ، قال الشهيد في « اللمعة » : « ويصحّ اشتراط سائغ في العقد إذا لم يؤدّ إلى جهالة في أحد العوضين ». (1)
    وقال المحقّق المراغي في ضمن بيان الشروط الخارجة عن القاعدة : الشرط المؤدّي إلى جهالة في أحد العوضين. (2)
    و قال الشيخ الأنصاري : أن لا يكون الشرط مجهولاً يوجب الغرر في البيع ، لأنّ الشرط في الحقيقة كالجزء في العوضين. (3)
    والظاهر من هذه العبارات أنّ بطلان الشرط المجهول لأجل سراية جهالة الشرط إلى جهالة العوضين ، وقد ثبت في محلّه ( باب شرائط العوضين ) أنّ الجهل بالعوض أو العوضين مبطل للبيع.
    توضيحه : إنّ الشرط لما كان مرتبطاً بالعقد فيكون بمنزلة وصف مأخوذ في أحد العوضين من جهة المعاوضة ، وحكمه بمنزلة أصل العوضين ، فكما أنّ
1. الروضة البهية : 3/505 ، قسم المتن.
2. العناوين : 2/288 ، العنوان 46.
3. المتاجر : قسم الخيارات ، ص 282 ، ولعلّ مراد الشيخ من قوله : « يوجب الغرر في البيع » هو إيجابه الجهل بأحد العوضين.


(153)
العوضين لو كانا أو أحدهما مجهولي الوصف تبطل المعاملة للزوم الغرر ، فكذلك الشرط إذا جهل بنفسه أو شرط على نحو يوجب تزلزلاً وتردّداً في العوض قابلاً للنقص والزيادة فيبطل ، لأنّ ذلك راجع إلى أصل العوض. (1)
    مثلاً إذا باع وشرط على المشتري أن يخيط له ثوباً ما ، أو يبني جداراً ما ، فإنّ الجهالة في الموردين تسري إلى الجهالة في الثمن. وذلك لأنّ هناك ثوباً يخاط بدينار وثوباً يخاط بمائة دينار فإذا اشترط عليه الخياطة المجهولة يكون الثمن مجهولاً.
    أقول : إذا كان وجه بطلان الشرط المجهول هو سرايته جهالة إلى العوضين يجب استثناء موردين :
    الأوّل : إذا كان الشرط المجهول تابعاً غير مقصود بالأصالة ، كما إذا باع دجاجاً مع بيضه فلا يضرّ الجهل بحال البيض من حيث الصغر والكبر ، ومثل ما إذا باع حيواناً مع حمله ، ففي هذا المورد يصحّ العقد قطعاً ، لعدم استلزام الجهل بالشرط الجهلَ بالمعوض.
    الثاني : إذا كان وجه البطلان سراية جهالة الشرط إلى جهالة أحد العوضين فلابدّ من التفصيل بين عقد يداق فيه كالبيع والإجارة ونحو ذلك ، وعقد لايداقّ فيه ويتحمّل فيه الجهالة كالصلح ، فإنّ أساسه على التسامح والتساهل ، كما أنّه لابدّ من التفصيل في الصلح أيضاً بين المقدار الذي يُتحمّل فيه ، وما لا يتحمّل ، فيحكم بالبطلان في الثاني دون الأوّل.
    وعلى كلّ تقدير فليس هذا الشرط ، أمراً مستقلاً بل يرجع إلى عدم مخالفته للكتاب والسنة ( الشرط الرابع ) لأنّ السنّة دلّت على شرطية معلومية العوضين ، فاشتراط الشرط المجهول ، كأنّه نفي لوجوب معلومية العوضين.
1. العناوين : 1/289 ، العنوان 46.

(154)
    ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على بطلان الشرط المجهول بما رواه الفريقان عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) انّه نهى عـن بيـع الغرر. (1) والاستدلال إنّما يتم إذا كان الغرر بمعنى الجهل وهو بعد غير ثابت ، بل هو إمّا بمعنى الخدعة ، أو الخطر ، فلاحظ « المقاييس » لابن فارس ، و « النهاية » لابن الأثير و « اللسان » لابن منظور وكلا المعنيين غير صادقين في المقام.
التحقيق
    هل ورد الحديث بلفظ آخر أيضاً أي « نهى النبي عن الغرر » مجرّداً عن لفظ البيع أو لم يرد ؟ فليلاحظ مصادر الحديث.
1. الوسائل : 12 ، الباب 40 من أبواب آداب التجارة ، الحديث 3 ؛ السنن الكبرى للبيهقي : 6/338 ؛ المستدرك : 13 ، الباب 33 من أبواب التجارة ، الحديث 1.

(155)
    الفصل السابع
عدم استلزامه المحال
    ربّما يكون الشرط محالاً بالذات كالجمع بين الضدّين ، وربّما يكون ممكناً بالذات ويكون وجوده رهن أسباب خاصّة كالنكاح والطلاق ، فإنّها من الأُمور الاعتبارية الممكنة المتحقّقة بأسبابها الخاصّة.
    أمّا الأوّل : فهو خارج عن محطّ البحث ، لأنّه خارج عن قدرة المكلّف أوّلاً ومقاصد العقلاء ثانياً ، وقد أسلفنا الكلام في هذا النوع من الشرط ، في الشرط الأوّل فلاحظ.
    أمّا الثاني : فهو محطّ البحث ، كما إذا باع أو آجر ، وشرط أن تكون بنتُه زوجة له بهذا الشرط ، أو زوجته مطلّقة بهذا الشرط من دون حاجة إلى عقد جديد ، وهذا ما يقال من استلزامه المحال ، لأنّ النكاح والطلاق لا يتحقّقان في عالم الاعتبار إلا بصيغة خاصّة فشرط تحقّقهما بنفس الشرط دون تحقّق أسبابه يرجع إلى شرط ما يستلزم المحال ، لاستلزامه تحقّق المعلول بدون علّته.
    هكذا ينبغي أن يوضح المقام غير انّ العلاّمة أوضح حال هذا الشرط بوجه آخر وقال : إذا باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه لم يصحّ سواء اتّحد الثمن قدراً أو جنساً ووصفاً أو لا ، لاستلزامه الدور ، لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيته له ، المتوقّفة


(156)
على بيعه ( أي العمل بالشرط ) فيدور ، بخلاف ما لو شرط أن يبيعه من غيره فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة ـ ثمّ قال : ـ لا يقال : ما التزموه من الدور آت هنا ، لأنّا نقول : الفرق ظاهر ، لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل أو العقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع من البائع. (1)
    يلاحظ عليه : أوّلاً : الاشتراط لا يستلزم الدور ، لأنّ ملك المشتري متزلزلاً لا يتوقّف على العمل بالشرط ، بل يتوقّف على إنشاء البائع وقبوله وقد حصل. نعم لزومه يتوقّف على العمل بالشرط فلا دور ، وبيعه ثانياً من البائع يتوقّف على تلك الملكية الحاصلة ، غير المتوقّفة على العمل بالشرط.
    وثانياً : لو سلّمنا الدور فلا فرق بين بيعه من البائع أو غيره ، لأنّ البيع الثاني مطلقاً متوقّف على ملكيته المتوقّفة على البيع الثاني ( العمل بالشرط ).
    واحتمال كون بيعه الثاني من باب التوكيل أو العقد الفضولي خلاف الفرض ، ولأجل ذلك يخرج المبيع عن ملك المشتري ويدخل الثمن في ملكه لا في ملك البائع الأوّل. (2)
1. التذكرة : 10/251 ، الفرع الأوّل.
2. لاحظ : المختار في أحكام الخيار ، ص 494.


(157)
    الفصل الثامن
الالتزام بالشرط في متن العقد
    المشهور انّه يشترط في لزوم الوفاء بالشرط أن يُلتزم به في متن العقد فلو تواطآ عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط ، وقد ادّعى الشيخ الأعظم فيه عدم العلم بالخلاف عدا ما يتوهّم من ظاهر « الخلاف » للشيخ و « المختلف » للعلاّمة.
    أقول : الشروط غير المذكورة في العقد على أقسام ثلاثة ، والنزاع في القسم الثالث دون الأوّلين فهما خارجان عنه ، وهذه الأقسام عبارة عن :
    1. إذا أنشأ شرطاً على نفسه قبل العقد كالخياطة ، التزاماً ابتدائياً وبقي أثره في ذهنه إلى حين انعقاد البيع ، من دون تقييد أحدهما بالآخر لا لفظاً ولا قصداً.
    2. إذا أنشأ التزاماً بشيء ووعد بإيقاع العقد مقيّداً به في عالم القصد فأخلف وعده ، ولم يوقعه مقيّداً.
    3. تلك الصورة لكنّه وفى وقيّد العقد في ضميره بالشرط ، وهذا هو ما يقال الشرط المبنيّ عليه العقد.
    ثمّ إنّ المشهور عدم الاعتداد بالشرط غير المذكور في العقد ، وهو خيرة


(158)
الشيخ الأنصاري (1) ، وكان سيّد مشايخنا العلاّمة السيّد محمد الكوهكمري من المصرّين على لزوم ذكر الشرط في العقد ، غير أنّ لفيفاً من المحقّقين أنكروا ذلك الأصل ، منهم : النراقي في عوائده (2) ، والسيّد الطباطبائي في تعليقته على الخيارات (3) ، والشهيدي في حاشيته. (4)
    وقد استدلّ الشيخ بوجوه :
    1. الإجماع.
    يلاحظ عليه : أنّ الإجماع مدركي ، ولعلّ المجمعين استندوا إلى الوجوه الآتية.
    2. الشرط من أركان العقد. (5)
    يلاحظ عليه : انّه مجرّد إدّعاء لا دليل عليه بل هو من توابع العقد كما هو الواضح من ذكر الشروط بعد العوضين.
    3. إنّ الشرط كالجزء من العوضين ، فيجب ذكره في الايجاب والقبول كأجزاء العوضين. (6)
    يلاحظ عليه : بأنّه لو سلّمنا كونه جزءاً من العوضين ، لا دليل على ذكر كلّ ما يعدّ جزءاً منه ، كما في الشروط التابعة للمبيع كالثمرة على الشجر ، بل لا دليل على لزوم ذكر العوضين في العقد ، بل يكفي مجرّد قوله : بعت واشتريت إذا عيّـن المثمن والثمن ، فما نقل عن الشهيد في « غاية المراد » من وجوب ذكر الثمن في
1. المتاجر : قسم الخيارات ، 282.
2. العوائد : 46 ، ذيل كلام الشهيد في القواعد.
3. تعليقة السيد الطباطبائي : 118.
4. حاشية الشهيدي على خيارات الشيخ : 576.
5. المتاجر : قسم الخيارات ، 283.
6. المتاجر : قسم الخيارات ، 283.


(159)
العقد وعدم الاستغناء عنه بذكره سابقاً ، غير واضح جدّاً.
    3. ما يستفاد من كلام المحقّق المراغي من أنّ الشرط في العقد إنّما هو بمعنى الربط وإحداث العلاقة بين العقد والشرط ولا يطلق الشرط على الإلزام المستقل الذي لا ربط له بشيء آخر. (1) ولا يتحقّق الربط بمجرّد اتفاق الطرفين ما لم يقع تحت الإنشاء.
    يلاحظ عليه : أنّه يكفي في الربط ، إنشاء الالتزام بالشرط قبل العقد وإيقاعه عليه ، مرتبطاً به في القصد والضمير ، والربط الاعتباريّ كما يحصل بذكره في متن العقد ، يحصل بإنشاء الشرط قبل العقد ، ثمّ إنشاء العقد مبنيّاً عليه.
    و قد عرفت أنّ محلّ النزاع فيما إذا أُنشئ الشرط قبل العقد ، ثمّ عقدا بانين على الشرط المنشأ قبله.
    4. يدلّ لفيف من الروايات أنّه لا عبرة بالشرط المتقدّم والمتأخّر.
    أ : عن ابن بكير : قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : « إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة ، فرضيت به وأوجبت التزويج ، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح فإن أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح ». (2)
    ب : عن عبد اللّه بن بكير ، قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : « ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز ». (3)
    ج : عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عن قول اللّه عزّوجلّ : ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) ؟ فقال : « ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز ، وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلاّبرضاها وبشيء يعطيها
1. العناوين : 2/274 ، العنوان 45.
2. الوسائل : 14 ، الباب 19 من أبواب المتعة ، الحديث 1 و2.
3. الوسائل : 14 ، الباب 19 من أبواب المتعة ، الحديث 1 و2.


(160)
فترضى به ». (1)
    وجه الاستدلال : هو ظهور الروايات في أنّه لا عبرة بالشرط قبل النكاح وإنّما العبرة بالشرط المذكور بعد قوله « أنكحت » فيكون من أقسام الشروط المذكورة في متن العقد وهو المراد من قوله : « بعد النكاح » وإلا فلو أُريد الشرط المتأخر عن العقد فيتوجّه السؤال إلى أنّه أيّ فرق بين المتقدّم والمتأخّر.
    يلاحظ عليه : أنّ مورد الروايات هو عقد المتعة وقد ورد عنهم ( عليهم السَّلام ) بسند صحيح لا تكون متعة إلا بأمرين : بأجل مسمّى وأجر مسمّى (2) فدلّ على أنّ المائز بينها وبين الدائم هو ذكر أمرين : الأجل والأجر ، فذكرهما من أركان المتعة وـ لذا ـ لو قصد المتعة وأخلّ بذكر الأجل فالمشهور انّه ينعقد دائماً ، لأنّ لفظ الإيجاب صالح لكلّ منها وإنّما يتمحض للمتعة بذكر الأجل ، والدوام بعدمه فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني.
    وبذلك تبيّن اختصاص الروايات بباب المتعة ، لأنّ ذكر الأجل والأجر فيها من الأركان فلا عبرة للمتقدّم والمتأخّر ، ولا إطلاق فيها بالنسبة إلى غير موردها ممّا لا يعدّ الشرط من الأركان.
    فإن قلت : إنّ رواية محمد بن مسلم مطلق يعمّ الدائم والمنقطع.
    قلت : ليس كذلك ، فإنّ في السؤال قرينة على أنّ المراد هو العقد المنقطع ، وذلك لأنّ الراوي سأل عن قوله عز وجلّ : ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ به مِنْ بعْد الْفَريضَة ) وهو جزء من آية المتعة ، لمجيئه بعد قوله سبحانه : ( فَما استمْتَعْتُمْ منهنّ فاتُوهنّ أُجورهنّ فريضةً ولا جُناح عَليكُمْ فيما تَراضَيْتُمْ ... ). (3)
    ومنه تعلم حال رواية ابن بكير.
1. الوسائل : 14 ، الباب 19 من أبواب المتعة ، الحديث 3.
2. الوسائل : 14 ، الباب 17 من أبواب المتعة ، الحديث 1.
3. النساء : 24.


(161)
    الفصل التاسع
تنجيز الشرط
    والمراد من تنجيز الشرط هو ذكر الشرط في العقد على وجه التنجيز ، بأن يقول : بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي قميصاً ، فخرج ما إذا كان الشرط مقيّداً بقيد كأن يقول : « بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي قميصاً إن جاء زيد » فالخياطة شرط ، وهو مقيّد بمجيء زيد.
    والدليل على ذلك هو انّهم اتّفقوا في باب شرائط العقود على لزوم كون العقد منجّزاً لامعلّقاً ، واستدلّوا عليه بوجوه :
    1. الإجماع المحصّل في كلمات الأصحاب قديماً وحديثاً بحيث لا يعرف منهم مخالف في هذا الباب.
    2. إنّ التعليق في العقد مناف لوضع العقود والإيقاعات المتعارفة بين الناس.
    إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في محلّها. (1)
    فإذا تبيّن لزوم كون العقد منجّزاً لا معلّقاً ، رتّبوا على ذلك لزوم كون الشرط
1. المتاجر ، قسم البيع ، ص 99.

(162)
أيضاً منجّزاً لا مقيّداً ، وذلك لأنّ تقييده يسري إلى العقد ( أصل المعاوضة ) بعد ملاحظة رجوع الشرط إلى جزء من أحد العوضين ، فإنّ مرجع قوله : « بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي قميصاً إن جاء زيد » إلى أنّ المعاوضة بين المبيع وبين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجيء زيد.
    يلاحظ عليه : أنّ القيد في جانب الشرط يرجع إلى الخياطة فقط فهو هادم للإطلاق في جانب الشرط ( على أن تخيط ... ) ولا يرجع إلى أصل المعاوضة ( أي البيع ) ، فالخياطة المقيّدة بمجيء زيد ، هو الشرط ، فيكون القيد راجعاً إلى الشرط لا أصل المعاوضة ، والمتيقن هو كون البيع منجّزاً لا معلّقاً ، وأمّا كون الشرط منجّزاً لا معلّقاً فلم يدل عليه دليل.
    فظهر ممّا ذكرناه أنّه لا يشترط تنجيز الشرط بل يجوز تعليقه بشيء.
تمّ الكلام في شروط صحّة الشرط


(163)
    المقصد الخامس
أحكام الشروط
    إذا اشترط فعلاً على المشروط عليه حتّى يقوم به بعد العقد ، فله أحكام :
    1. صحّة الاشتراط في العقود.
    2. وجوب الوفاء بالشرط.
    3. جواز إجبار المشروط عليه على إنجاز الشرط.
    4. ثبوت الخيار مع القدرة على الإجبار وعدمه.
    5. حكم الشرط المتعذِّر.
    6. جواز إسقاط الشرط الصحيح.
    7. حكم الشرط الفاسد.

    الأوّل : صحّة الاشتراط في العقود
    لا ريب أنّ الشروط خارجة عن اسم العقود وإنّما هو شرط لاحق ، يربطه العاقد بالعقد ويقصدهما معاً على نحو التركيب ، فيحتاج في إثبات صحّة هذا الربط إلى دليل يدلّ على صحّة الأخذ.


(164)
    وقد استدلّ على صحّة الأخذ بأُمور مذكورة في محلّها (1) أوضحها أنّ المعاملات ليست مبنية على التعبّد بل هي أُمور مجعولة عند العقلاء على نحو يتمّ به النظام ، والشارع قرّرهم على ذلك ، فكلّ معاملة شائعة بين الناس ، يُحكم بصحّتها شرعاً لكشف الشيوع عن تقرير الشارع إلا ما ورد المنع عنه ، والمفروض عدم ورود منع من الشارع بل ورد الأمر بالعمل بالشرط حيث قال : « المؤمنون عند شروطهم ».
    وبما أنّ المسألة من الوضوح بمكان نكتفي بهذا المقدار.

    الثاني : وجوب الوفاء بالشرط
    إذا اشترط فعلاً على المشروط عليه حتّى يقوم به بعد العقد ، فهل يجب عليه القيام به تكليفاً ويكون التخلّف عن الإنجاز عصياناً ، أو لا يجب بل يكون أثر الشرط جعل العقد عرضة للزوال ، وللمشروط له الفسخ عند التخلّف ؟ قولان :
    الظاهر هو الأوّل ، أي كون الوفاء بالشرط أمراً واجباً على المشروط عليه ، ويدلّ عليه أُمور :
    1. قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « المؤمنون عند شروطهم » فهو جملة خبرية تخبر بمفادها المطابقي عن أنّ المؤمن مقرون بشرطه وعهده وهو لا ينفكّ عنه في حياته ، وهذا هو المعنى المطابقي للحديث ، ولكنّ الاخبار كناية عن لزوم الوفاء بالشرط وإنجازه للمشروط له ، نظير ذلك قول القائل : « ولدي يصلّي » فإنّ مفاده المطابقي هو الإخبار عن صلاة ولده في المستقبل ، ولكنّه كناية عن الإلزام بالصلاة وأنّ رغبة الوالد بصلاة الولد وصلت إلى حدّ يخبر عن صلاته في الخارج على وجه القطع ،
1. العناوين : 2/205.

(165)
فدلالة مثله على الوجوب آكد من الأمر بها.
    و مثله المقام ، فالجملة الخبرية الحاكية عن عدم انفكاك المؤمن عن شرطه ، كناية عن وجوب الوفاء به ، وأنّ رغبته إلى الوفاء بالشرط بلغت إلى حدّ يخبر عن كون المؤمن غير منفكّ عن شرطه في الخارج.
    2. مرسلة « المؤمنون عند شروطهم إلا من عصى اللّه » (1) بناء على أنّ الاستثناء من المشروط عليه ، أي أنّ المؤمنين ملتزمون بشروطهم إلا من عصى اللّه بالتخلّف.
    3. موثقة إسحاق بن عمّار مسندة إلى علي ( عليه السَّلام ) كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به فإنّ المسلمين عند شروطهم ». (2) والأمر آية الوجوب.
    4. انّ الشرط إمّا جزء من المثمن أو الثمن ، فإذا كان تسليم الثمن والمثمن واجباً تكليفاً بحكم قوله سبحانه : ( أَوفوا بالعُقُود ) يكون القيام بالشرط أيضاً واجباً مثله.
    ثمّ إنّ الوجوب التكليفي يستتبع وجوباً وضعياً بمعنى لزوم الشرط وضعاً كلزوم المشروط.

    الثالث : جواز إجبار المشروط عليه على إنجاز الشرط
    هل يجوز إجبار المشروط عليه على إنجاز الشرط عند الامتناع أو لا يجوز ؟ وليس المراد من الإجبار ، إقدام المشروط له بنفسه بل المراد إرجاع الأمر إلى الحاكم الشرعي حتى ينتصف منه له ; الأقوى هو الجواز ، وذلك لأنّ وجوب الوفاء ليس حكماً تكليفياً صرفاً بل تكليفاً يستتبع حقّاً للمشروط له ، فيجوز له الإجبار ، ضرورة
1. المستدرك : 13 ، الباب 5 من أبواب الخيار ، الحديث 3.
2. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 5.
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس