دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 166 ـ 180
(166)
أنّ لكلّ ذي حقّ إجبارَ من عليه الحقّ على أدائه ، من غير فرق بين تعلّقه بمصلحة المتعاقدين وعدمه ، حتّى فيما إذا شرط العتق والوقف للّه سبحانه ، إذ ربّما يتعلّق غرض البائع من البيع بعتق المبيع أو جعله وقفاً ، فعندئذ يملك الشارط على ذمّة المشروط عليه حقّاً ، وهو أن يقوم بالإعتاق ، والوقف للّه سبحانه ، ولأجله يجوز له الإجبار وإن كان ما يقوم به هو العمل للّه سبحانه ، وإلى ما ذكرنا يشير الشيخ بقوله : « لعموم وجوب الوفاء بالعقد والشرط ، فإنّ العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين ، فإنّ المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط فيُجبر على تسليمه ». (1)

    الرابع : ثبوت الخيار مع القدرة على الإجبار
    هل للمشروط له الفسخ مع التمكّن من الاجبار فيكون مخيّراً بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذّر الإجبار ؟ والظاهر هو الأوّل ، لأنّ الدليل الوحيد للخيار في غير ما ورد فيه النص هو بناء العقلاء ، والخيار عند العقلاء ، مترتب على تخلّف الشرط على وجه الإطلاق سواء أمكن الإجبار أو لا ، وهو حاصل.
    استدلّ القائل بأنّ الفسخ بالخيار في طول الإجبار بالعمل بالشرط بقوله : إنّ الخيار على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورد الضرر وهي غير جارية في صورة إمكان الإجبار ، أو أنّ مدركه الإجماع ، والقدر المتيقّن منه هو غير مورد القدرة كما لا يخفى.
    يلاحظ عليه : أنّ مدركه هو بناء العقلاء على الخيار عند التخلّف وهو حاصل ، وذلك لأنّ التعهد من كلّ من الطرفين كان مشروطاً لبّاً بالوفاء بالمعاملة
1. المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 285.

(167)
بتمام أجزائها وخصوصياتها ، فإذا تخلّف أحد المتعاقدين لم يكن هناك دليل على لزوم الوفاء.

    الخامس : حكم الشرط المتعذّر
    قد تعرّفت على حكم الشرط المتخلّف (1) ، بقي الكلام في حكم الشرط المتعذّر ، نظير ما إذا باع حنطة كلّية وتعهّد أن تكون حمراء ، وفقدت الحنطة الحمراء بعد البيع في السوق ، أو اشترط خياطة ثوب معيّن فسرق الثوب قبل إجراء الخياطة ، ففي المقام قولان :
    الأوّل : ما اختاره المشهور من كونه مخيّراً بين الإمضاء والفسخ ، ووجه ذلك ما ذكره الشيخ الأعظم بأنّ المقابلة عرفاً وشرعاً بين المالين ، والتقييد أمر معنوي لا يعدّ مالاً وإن كانت مالية المال تزيد وتنقص بوجوده وعدمه.
    ولما كان ما ذكره منافياً لثبوت الأرش في أوصاف الصحة ، قال : إنّ ثبوت الأرش فيها لأجل النص ، فبقيت أوصاف الكمال ( كون الحنطة حمراء ) تحت القاعدة ، أعني : عدم تعلّق الأرش بغير المالين. (2)
    و أورد عليه السيد الطباطبائي بما هذا حاصله : إنّ الوصف والشرط وإن لم يكونا مقابلين بالعوض في مقام الإنشاء إلا أنّهما مقابلان بالعوض في عالم اللب ، لأنّ المفروض أنّ للوصف والشرط قسطاً من الثمن ، بمعنى أنّهما موجبان لزيادة قيمة العين ونقصانها ، ومقتضى هذه المقابلة جواز الفسخ وجواز الأرش بمعنى جواز استرداد ما يساوي ذلك المقدار في عالم اللب على ما بيّنوه في خيار العيب من نسبة التفاوت بين القيمتين إلى الثمن والأخذ بمقدار النسبة. (3)
1. مرّ الكلام فيه ، في الفصل الثاني من المقصد الأوّل.
2. المتاجر : قسم الخيارات ، ص 285.
3. تعليقة السيد الطباطبائي : 2/130 و425.


(168)
    يلاحظ عليه : أنّه قدَّس سرَّه ببيانه هذا وان مهّد الطريق لجواز أخذ الأرش ، ولكن كلامه لا يخلو من إشكال ، وهو أنّه ليس في المقـام إلا معاوضـة إنشائية حسيّة وليس عن المعاوضـة اللبّية بين العقلاء عين ول ا أثر ، فليس للمعاملة ظاهر وباطن.
    و لو فرضنا وجود المعاوضتين فتأثير الوصف أو الشرط لبّاً لا يزيد عن تأثير الدواعي الباعثة للبيع بأزيد ، ومن المعلوم أنّ تخلّف الداعي لا يؤثر شيئاً ، ومثله ما هو الدخيل في ارتفاع القيمة في الضمير.
    فالأولى أن يحسم إشكال الشيخ بالصورة التالية :
    إنّ من لاحظ المعاملات الرائجة بين الناس يقف على أنّ الثمن يقسّط على كلّ ما له دخل في المرغوبية حتى « الحرز » فضلاً عن الشروط والأوصاف التي ربّما يشتري المبيع لأجلها ، وتكون هي المطمح في مقام الإنشاء ، فكيف يقسّط الثمن على الأجزاء دون الأوصاف والشروط ؟!
    و ما ذكره الشيخ الأعظم من أنّ التقييد أمر معنوي وإن كان صحيحاً لكن القيود أُمور ملموسة ، سواء كان القيد وصفاً للمبيع أو كان إيجاد فعل كالخياطة المنضمّة إلى المبيع ، فكلّها ملموسات في الخارج ، فلماذا لا تقابل بالمال ؟ فالشروط المذكـورة في العقـود أو المبنيّ عليهـا العقـد ، تُخصِّص لنفسهـا قسطاً مـن الثمن فـي مقـام الإنشـاء وإن لم يتشخّص القسط في مقـام العقد بالدقّة ، فعلى ضوء هذا فلو تعذّر الشرط فلماذا لا يكون استرداد ما يساويه من الثمن مطابقاً للقاعدة ؟
    الثاني : كونه مخيّراً بين الإمضاء مع الأرش وعدمه ، وبين الفسخ ، وهذا هو


(169)
الذي اختاره العلاّمة في خصوص التعذّر ، والصيمري في الأعم من التعذر والتخلّف ، وقد ظهر وجه ذلك ممّا ذكرناه من أنّ الثمن يقسّط على المبيع بذاته ووصفه والشرط المنضمّ إليه.

    السادس : جواز إسقاط الشرط الصحيح
    يجوز للمشروط له إسقاط شرطه إذا كان الشرط ، شرط فعل غير متحقّق بعد ، كالخياطة ، بخلاف شرط النتيجة الحاصل بنفس العقد ، ككون الحمل ملكاً له عند بيع الدابّة ، فلا مجال للإسقاط لصيرورته مالكاً للحمل.
    و قد استثني من جواز الاسقاط مثل شرط الوقف ، كما إذا قال : بعتك بشرط ان توقفه للفقراء ، وذلك لاجتماع حقوق ثلاثة فيه : حقّ للمشروط له لتعلّق غرضه بهذا الأمر المطلوب ، وحقّ اللّه ، حيث يجب عليه الوقف تقرّباً إليه سبحانه ، وحقّ للفقراء وانتفاعهم به ، فلا يصحّ إسقاط مثل هذا الشرط.
    و لكن الظاهر كون الحقّ واحداً وهو حقّ المشروط له ، فله إثباته وإسقاطه ، وأمّا ما يرجع إلى اللّه فليس إلا حكمه سبحانه على العمل بالوقف إذا تحقق ، وهو حكم لاحق ، وأمّا الفقير فهو ينتفع بتحقق هذا الشرط وليس طرفاً للحقّ والمفروض انتفاؤه بإسقاطه.
    و نظيره إذا نذر إعطاء دينار للفقير المعيّن وتخلّف ، فليس للفقير الإجبار بما أنّه طرف الحقّ ومتعلّقه وإنّما هو ينتفع به.
    نعم لو عمل بالشرط ووقف المبيـع ، يكون المـوقوف عليـه طرفاً للحـق ، وله المطالبة بغلّة الموقوفة وإقامة الدعوى على المانع ، إذا كان الموقوف عليه


(170)
شخصياً.
    ثمّ إنّ الشرط الفاسد من أقسام الشرط ، والبحث عن كونه فاسداً ومفسداً أو فاسداً فقط يرجع إلى البحث عن أحكام الشروط ، فاللازم هو البحث فيه في هذا المقام ولذلك خصّصنا البحث الآتي بأحكام الشرط الفاسد ، من حيث كونه مفسداً أو لا.

    السابع : حكم الشرط الفاسد
    إذا تحقّق العقد بأركانه ولكن تضمّن شرطاً فاسداً ، فهل فساد الشرط يسري إلى العقد أو لا ؟ وقبل أن نخوض في صلب الموضوع لابدّمن تحرير محلّ النزاع فنقول :
    تحرير محل النزاع
    إنّ الشرط الفاسد على قسمين :
    الأوّل : ما يكون فاسداً بذاته ، ويتسرّب فساده إلى العقد بلا كلام ويزلزل أركان العقد ، وذلك كالأمثلة التالية :
    1. إذا كان الشرط منافياً لمقتضى العقد بحيث يرجع إلى إنشاء المتناقضين.
    2. إذا كان الشرط مستلزماً للدور.
    3. إذا كان الشرط مستلزماً لعدم التمكّن من القصد الجدّي للبيع كما قيل فيما إذا باعه بثمن نقد وشرط بيعه ثانياً منه بنفس ذلك الثمن.
    4. إذا كانت جهالة الشرط موجبة لحدوث الجهل بوجود المبيع ، أو وصفه ، أو القدرة على التسليم ، على نحو يجعل البيع غررياً ، كما إذا باع وشرط تسليم


(171)
المبيع في قلّة جبل ، أو في واد غير ذي زرع ، فلا شكّ في كونه مفسداً لتسرّب الخلل إلى شرائط العوضين ، وهذا بخلاف ما إذا لم تكن الجهالة موجبة لواحد منها.
    الثاني : ما يكون فاسداً بذاته ، ولكنّه ليس على نحو يتسرّب فساده إلى العقد ولا يزلزل أركانه ، كما إذا تزوّج واشترط عليه كون الطلاق بيد الزوجة ، فالعقد كامل الأركان ، والشرط وحده فاسد ، فيقع الكلام هل هذا النوع من الشرط مفسد للعقد أو لا ؟ والكلام في المقام منصبٌّ على القسم الثاني ; إذ لا شكّ أنّ الشرط الفاسد في القسم الأوّل فاسد ومفسد.
    إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ في المسألة قولين :
    أ. العقد فاسد لفساد الشرط ; وقد حكي ذلك عن العلاّمة والشهيدين والمحقّق الثاني.
    ب. العقد صحيح ، والشرط فاسد ، وفساد الشرط لا يبطل العقد وإنّما يؤثر في حدوث الخيار للمشروط له ; وهو خيرة الإسكافي والشيخ الطوسي وابن البرّاج وابن سعيد الحلي. (1)
    وإليك دراسة أدلّة القولين :

    أدلّة القائل بكونه مفسداً
    استدلّ القائل بأنّ الشرط الفاسد مفسد بوجوه :
    الأوّل : أنّ للشرط قسطاً من العوض ، فإذا سقط لفساده ، صار العوض مجهولاً. ويكون هذا القسم أيضاً من مقولة القسم الأوّل الذي مرّ انّه يُفسد بلا كلام.
1. المختلف : 5/298.

(172)
    يلاحظ عليه : أنّ شرط الفعل مثل جعل العنب خمراً ، كوصف الصحّة ، فكما أنّ التفاوت بين الصحيح والمعيب مضبوط ، فكذلك التفاوت بين الثمن المجرّد عن الشرط والمقرون به معلوم ، كما إذا باع عبداً بشرط العتق بسبعين ديناراً ، فانّه بلا هذا الشرط يساوي بثمن آخر مضبوط عند العرف.
    الثاني : إنّ التراضي إنّما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص ، فإذا تعذّرت الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيّد بانتفاء القيد وعدم بقاء الجنس ( التراضي ) مع ارتفاع الفصل ( الشرط الفاسد ) فالمعاوضة بين الثمن والمثمن بدون الشرط معاوضة أُخرى محتاجة إلى تراض حديث وإنشاء جديد ، وبدونه يكون التصرّف أكلاً بالباطل.
    يلاحظ عليه : أنّ تصحيح العقد الفاقد للشرط يتوقّف ثبوتاً وإثباتاً على أمرين :
    1. يكون الفاقد نفس الواجد في نظر الناس والمتعاملين ، غير أنّ الثاني يفقد بعض أوصافه الصحيحة أو الكمالية.
    2. إنّ الإنشاء كما يشمل الواجد ، يشمل الفاقد أيضاً.
    أمّا الأوّل : فلأنّ الأوصاف على قسمين ، قسم يعدّ ركناً ويكون ارتفاعه موجباً لانقلابه إلى مبائنه ، فلو قال : بعتك هذه الصبرة على أنّها كذا حنطة ، فبان كذا أُرزاً ، فلا يمكن تصحيحه بالأرش والغرامة ، ولو رضي الطرفان لا يعدّ هذا تحقيقاً للمعاملة السابقة ، بخلاف ما إذا قال : بعتك هذه الصبرة على أنّها حنطة صفراء فبانت حنطة بيضاء ، فلو قبلت الثانية يعدّ القبول تجسيداً للمعاملة السابقة ولا تعدّ معاملة جديدة.
    وأمّا الثاني : فلأنّ الإنشاء مع كونه أمراً بسيطاً له انبساط على الأجزاء


(173)
والأوصاف والشرائط ، مثل الأمر المتعلّق على الأجزاء والشرائط ، فإذا سقط الأمر بجزء أو شرط لنسيان أو اضطرار ، يكون بقاء الأمر على الباقي موافقاً للقاعدة ، ومثله المقام ، فإذا منع الشارع من تنفيذ الشرط ، يكون منعه بمنزلة تضييق انبساط الإنشاء فلا يعدّ شمول الإنشاء للفاقد ، أمراً مخالفاً للقاعدة.
    نعم ، إنّما يتمّ هذا البيان إذا دلّت العمومات أو غيرها على صحّة العقد ، فيكون كاشفاً عن تضييق الإنشاء لا عن إسقاطه عن حدّ الاعتبار.
    الثالث : الروايات التي يستظهر منها فساد العقد لفساد شرطه ، ونذكر منها ما يلي :
    1. صحيحة عبد الملك بن عتبة (1) قال : سألت أبا الحسن موسى ( عليه السَّلام ) عن الرجل ابتاع منه طعاماً ، أو ابتاع منه متاعاً على أن ليس عليّ منه وضيعة ، هل يستقيم هذا ؟ وكيف يستقيم وجه ذلك ؟ قال : « لا ينبغي ». (2)
    والاستدلال به يتوقّف على ثبوت أُمور ثلاثة :
    1. الشرط الوارد في الرواية « ليس عليّ منه وضيعة » شرط فاسد.
    2. دلالة « لا ينبغي » على الحرمة المتعلّقة بالعقد.
    3. النهي عن العقد دليل الفساد.
    أقول : أمّا الأوّل : فهو ثابت ، وذلك لأنّ النفع والضرر تابعان للمال ، فمن يملك المال يملك النفع ويتحمّل الخسران من لا يملكه ، فاشتراط ورود الخسران على غير المالك شرط فاسد مخالف لمقتضى العقد.
1. رجال السند كلّهم ثقات غير الأخير ، فالرواية صحيحة إليه ، وأمّا عبد الملك فقد وثّقه العلاّمة في الخلاصة ، فلو قلنا باعتبار توثيقات المتأخّرين فتدخل الرواية تحت الصحاح.
2. الوسائل : 12 ، الباب 35 من أبواب أحكام العقود ، الحديث 1.


(174)
    إنّما الكلام في الأمر الثاني : فإنّ قوله « لا ينبغي » ليس ظاهراً في الحرمة بل ظاهر في الكراهة.
    وأمّا الثالث : وهو كون النهي التحريمي عن العقد مساوقاً للفساد ، فغير ثابت ، وذلك لما تقرّر من أنّ النهي إنّما يلازم الفساد إذا تعلّق بنفس المعاملة كالنهي عن بيع الخمر ، أو بأثرها كالنهي عن أكل الثمن كقوله : « ثمن العذرة سحت » ، وأمّا إذا كانت المعاملة مشروعة وتضمّنت شرطاً فاسداً فربّما يكون النهي إرشاداً إلى فساد الشرط أو إلى الحرمة تكليفاً ، لا دليلاً على فساد العقد.
    2. رواية علي بن جعفر ، عن أخيه ( عليه السَّلام ) قال : سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ثمّ اشتراه بخمسة دراهم أيحل ؟ قال : « إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس ». (1)
    إنّ ما طرحه علي بن جعفر على أخيه عبارة عن بيع متاع لرجل بثمن نسيئة ثمّ اشتراؤه منه بأقل نقداً ويسمّى هذا في الروايات بـ « بيع العينية » وهو بيع الشيء إلى أجل بزيادة على ثمنه لأجل كون الثمن نسيئة ثمّ الاشتراء منه بأقلّ من الثمن نقداً. (2)
    و أمّا كون الشرط فاسداً هو عدم وجود الجد للبيع بين المتعاملين ، والغرض الواقعي لهما دفع الفائض وأكل الربا لكن بصورة البيع والشرط ، فلذلك قيّد الإمام الصحة بقوله : « إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس ».
    و أمّا دلالته على فساد العقد فلظهور مفهوم « فيه بأس » في الحرمة التي تلازم الفساد.
    يلاحظ عليه : أنّ المورد خارج عن محطّ البحث ، فإنّ مورده ما إذا تمّ أركان
1. الوسائل : 12 ، الباب 5 من أبواب أحكام العقود ، الحديث 6.
2. لاحظ : النهاية لابن الأثير ، مادة « عين ».


(175)
العقد وكان هناك قصد جدّي للمعاملة غير أنّ العقد اشتمل على شرط فاسد ، أمّا المقام فكما قلنا ليس فيه قصد جدّي للمعاملة ، وإنّما الغرض دفع الفائض وأكله لكن في غطاء البيع والشراء ، فالعقد بما أنّه فاقد للقصد الجدي فاسد في حدّ ذاته ، فضلاً عن جهة اشتماله على الشرط الفاسد.

    أدلّة القائل بالصحّة
    قد تعرّفت على عدم صحّة ما استدلّ به على كون الشرط الفاسد مفسداً ، ونبحث الآن عن أدلّة القائل بالصحّة ، نذكر منها وجهين :

    الأوّل : الاستدلال بالعمومات
    استدلّ الشيخ على صحّة العقد بعموم الأدلّة وإطلاقها ، أعني : قوله سبحانه : ( أَوفُوا بِالعُقُود ) وقوله تعالى ( أَحَلَّ اللّه البيع ) بتقريب أنّ العقد صادق على الواجد والفاقد ، وارتفاع الشرط لا يخلّ بالعقد ، وقد تعاهد الطرفان على مبادلة مال بمال ، وهما محفوظان وإن فقد أحدهما الشرط.
    وبذلك تظهر صحّة التمسّك بقوله : ( أَحَلَّ اللّه البيع ) ، لأنّ البيع هو المبادلة بين المالين المحفوظين.
    فإن قلت : إنّ الشرط الفاسد كجعل العنب خمراً لا يخلو من أحد وجهين :
    أ : كونه قيداً للمنشأ ، أي البيع المقيّد بجعل العنب خمراً.
    ب : كونه قيداً للمبيع ، أي المبيع المقيّد بجعله خمراً.
    و على كلا التقديرين ، فالعقد المقيّد خارج عن تحت العموم والإطلاق ، لأجل فساد قيده ، ومعه كيف يجوز التمسّك بها لإثبات صحّة العقد ؟!
    قلت : إنّ الإنشاء وإن كان أمراً واحداً إلا أنّ له انبساطاً على المقيّد والقيد ،


(176)
فإذا فسد الشرط ورفضه الشارع ، يتضيّق الإنشاء وينسحب عن القيد ، فلا يعد بقاء العقد على المقيّد بلا قيد ، أو المشروط بلا شرط ، عقداً جديداً وبيعاً ثانياً ، خصوصاً إذا وافقه العرف ، ودلّت عليه الروايات الآتية.
    والحاصل : انّ لانبساط الإنشاء على المقيّد وقيوده ، تأثيراً خاصّاً في بقائه وعدم عدّه عقداً وبيعاً جديداً ، فإذا دلّ الدليل على بطلان الشرط فإنّما يرفع اليد عن نفس القيد ، لا المقيّد مع القيد ، كما هو الحال في إجراء البراءة عند الشكّ في أصل جزئية الشيء أو شرطيّته عند الجهل أو جزئيّته أو شرطيته عند النسيان ، فدليل البراءة يرفع الجزئية أو الشرطية من دون أن يمسّ كرامة الأجزاء الباقية غير المنسيّة ، ومثله المقام.

    الثاني : الاستدلال بروايات خاصّة
    استدلّ على عدم إفساد الشرط الفاسد بروايات نأتي ببعضها :
    1. روى ابن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عن الشرط في الإماء لاتباع ولا توهب ؟ قال : « يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل ». (1)
    فظاهر الرواية انّه لو شرط في البيع أن لا تورث الأمة ، فالشرط لا يجوز ولا ينفذ لكن العقد صحيح نافذ.
    2. روى سعيد بن يسار ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة ولم يشترط الميراث ؟ قال : « ليس بينهما ميراث ، اشترط أو لم يشترط ». (2)
1. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 3.
2. الوسائل : 14 ، الباب 32 من أبواب المتعة ، الحديث 7.


(177)
    فلو تزوّج المرأة بمتعة وشرط الميراث ، فظاهر الرواية أنّ المرأة لا ترث ، فلازم ذلك انّ العقد يصحّ دون الشرط.
    3. حديث بريرة حيث اشترتها عائشة وأعتقتها ، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا عليها أنّ لهم ولاءها ، فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « الولاء لمن اعتق ». (1)
    فالرواية تدلّ على أنّ العتق كان صحيحاً وتلازم صحّةُ العتق صحّةَ البيع المشتمل على الشرط الفاسد ، فلو كان مفسداً لما صحّ البيع ولا العتق.
    4. رواية زرارة قال : إنّ ضريساً كانت تحته بنت حمران ، فجعل لها أن لا يتزوّج عليها ولا يتسرّى أبداً ، في حياتها ولا بعد موتها ... ، فسأل الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عن ذلك ، فأجابه الإمام ( عليه السَّلام ) : « لك الحقّ ، اذهب وتزوّج وتسرّ ، فإنّ ذلك ليس بشيء ، وليس شيء عليك ولا عليها ». (2)
    بقي هنا أمران :

    الأوّل : ثبوت الخيار في الشرط الفاسد
    قد تعرّفت على وجود الخيار للمشروط له إذا تخلّف المشروط عليه عن القيام بالشرط الصحيح أو عدم وجوده في المبيع. وإنّما الكلام في ثبوته في الشرط الفاسد ، ومحلّ الكلام فيما إذا كان هناك تخلّف ، كما إذا شرط النتيجة وكان فاسداً كملكية الخنزير والخمر ، أو شرط الفعل كجعل العنب خمراً وهو بعد لم يقم به ، لا ما إذا لم يصدق التخلّف كما إذا جعل العنب خمراً.
    ففي المسألة قولان :
1. الوسائل : 14 ، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد ، الحديث 2.
2. الوسائل : 15 ، الباب 20 من أبواب المهور ، الحديث 2.


(178)
    1. ذهب الشيخ الأعظم إلى عدم الخيار ، قائلاً : بأنّ مدرك الخيار الإجماع وقاعدة لا ضرر.
    أمّا الإجماع ، فالقدر المتيقّن منه هو التخلّف عن الشرط الصحيح.
    و أمّا قاعدة لا ضرر فانّ الشارط إمّا عالم بفساد الشرط أو جاهل مقصّر ، فالعالم مقدّم على الضرر ، وأمّا الجاهل فالقدر المتيقّن من القاعدة نفي الضرر غير الآتي عن تقصير المتضرر والمفروض أنّ الجاهل مقصّر.
    2. ثبوت الخيار ، لأنّ دليل الخيار في غير خياري المجلس والحيوان هو بناء العقلاء وهم لا يفرّقون بين الشرط الصحيح والشرط الفاسد ، خصوصاً مع جهل الشارط ، لأنّ المشروط له وإن تعاهد مع المشروط عليه ولكن كان تعاهده على البيع مع شرط خاص ، فإذا ألغى القانون أو الشارع القيدَ وانسحب الحكمُ من الأكثر إلى الأقلّ ، فللمشروط له أن يتوقّف في لزوم الوفاء قائلاً بأنّ التعهّد كان على الأكثر ، والتسليم وقع على الأقل ، فله أن يقبل وله أن يُردّ ولا يعدّ تراجعه نقضاً للعهد.

    الثاني : إسقاط الشرط الفاسد بعد العقد
    إذا قلنا بأنّ الشرط الفاسد ليس مفسداً للعقد فلا موضوع لهذا البحث ، لأنّه ساقط بحكم الشرع; إنّما الكلام على القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد ، فهل يصحّ إسقاط الشرط الفاسد لغاية إصلاح العقد ؟ قولان :
    الأوّل : الصحّة ، وذلك لأنّ التراضي حصل على العقد المجرد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد.
    الثاني : البطلان ، قائلاً بأنّ التراضي إنّما ينفع إذا يتعلّق بما وقع عليه العقد


(179)
كلّه ، أو يلحق بالعقد السابق كما في بيع المكره والفضولي ، وأمّا إذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه فلا ينفع ، لأنّ متعلّق الرضا لم يعقد عليه ومتعلّق العقد لم يرض به.
    ويمكن أن يقال بالصحّة بوجه آخر ، وهو أنّ للعقد الفاسد بقاء عرفياً وعقلائياً ولم يكن فساده لأجل فقد المقتضي وإنّما كان لوجود المانع ، فإذا أُزيل المانع مع كمال الاقتضاء فلا وجه للبطلان.
    نعم لو كان بطلانه لفقد المقتضي كان لما ذكر وجه.
التحقيق
    من أدلّة القائل بأنّ الشرط الفاسد مفسد ، رواية الحسين بن المنذر التي نقلها صاحب الوسائل في الجزء 12 ، الباب 5 من أبواب أحكام العقود ، الحديث 4 ، فهل السند صحيح أوّلاً ، وعلى فرض الصحّة فما هو فقه الحديث وكيفية دلالته على مقصود القائل ثانياً ، ثمّ ما هي أجوبة الشيخ الأنصاري عن الاستدلال بها ثالثاً ؟ لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 288 ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص 536 ـ 537.


(180)
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس