|
|||
(181)
قال النووي : الموقوف هو المروي عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه ، متّصلاً كان أو منقطعاً ، ويستعمل في غيرهم مقيّداً ، فيقال : وقفه فلان على الزهري ونحوه ، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر. (1)
8. المرسل كلّ حديث أسنده التابعي إلى النبيّ وهو مأخوذ من إرسال الدابّة ، بمعنى رفع القيد والربط عنها ، فكأنّ المحدّث بإسقاط الراوي رفع الربط الذي بين رجال السند بعضهم ببعض. وفسّره الشهيد الثاني بقوله : ما رواه عن المعصوم من لم يدركه سواء أكان الراوي تابعيّاً أم غيره ، صغيراً أم كبيراً ، وسواء أكان الساقط واحداً أم أكثر ، وسواء رواه بغير واسطة بأن يقول التابعي : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) مثلاً ، أو بواسطة نسيها بأن صرّح بذلك أو تركها مع علمه بها ، أو أبهمها كقوله عن رجل أو بعض أصحابنا أو نحو ذلك. وهذا هو المعنى العامّ للمرسل المتعارف بين أصحابنا. (2) 1. التقريب والتيسير : 2/149. 2. الرعاية في علم الدراية : ص 136. (182)
1. ما هو الفرق بين المسند والمتّصل ؟
2. عرِّف المرفوع والمعنعن من أقسام الحديث ؟ 3. عرِّف المعلّق من أقسام الحديث. 4. ماهي النكتة التي ذكرها صاحب المعالم في روايات « الكافي » ؟ 5. ما هو المراد من الموقوف والمرسل ؟ (183)
الدرس الثالث والثلاثون
في حجّية المرسل
اختلفت كلمتهم في حجّية المرسل إلى أقوال :
1. القبول مطلقاً ، وهوالمنسوب إلى محمد بن خالد البرقي والد مؤلّف صاحب المحاسن ( المتوفّى عام 274 أو 280 هـ ). 2. عدم القبول مطلقاً و هو خيرة العلاّمة في « تهذيب الأُصول ». 3. التفصيل بين من عرف انّه لا يرسل إلاّ عن ثقة فيقبل وإلاّ فلا. استدلّ للقول الأوّل بأنّ رواية العدل عن الأصل المسكوت عنه ، تعديل له ، لأنّه لو روى عن غير العدل ولم يبيّن حاله لكان ذلك غشّاً وهو مناف للعدالة. وضعفه ظاهر ، لأنّه إنّما يتمّ لو انحصر أمر العدل في الرواية عن العدل ، أو عن الموثوق بصدقه وهو ممنوع. واستدلّ للقول الثاني بأنّه من المحتمل كون المروي عنه ممّن لا يحتج به فلا يكون حجّة. يلاحظ عليه : أنّه إنّما يتم إذا لم يكن المرسِل ملتزماً على عدم الإرسال إلاّ إذا كان الراوي ثقة ، وبذلك يظهر صحّة القول الثالث ، أعني : التفصيل بين من لا يرسل إلاّ عن ثقة و من ليس ملتزماً به ، فيؤخذ بمراسيل الأوّل دون الثاني. (184)
المراسيل الجزمية للصدوق
ثمّ إنّ الصدوق يتفنّن في الحديث المرسل ، فتارة يقول : « عن الصادق عليه السَّلام » ، و أُخرى يقول : « قال الصادق ( عليه السَّلام ) » فسمّي القسم الثاني من المراسيل بالمرسلات الجزمية ، فهل هي حجّة أو لا ؟ ذهب الفاضل التفريشي وغيره إلى حجّية ذلك القسم. قال : إنّ قول العدل : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يشعر بإذعانه بمضمون الخبر ، بخلاف ما لو قال حدّثني فلان. وقال السيد بحر العلوم : قيل : إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجّية والاعتبار ، وإنّ هذه المزيّة من خواصّ هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الأصحاب. وقال بهاء الدين العاملي في شرح الفقيه ـ عند قول المصنّف : و قال الصادق جعفر بن محمّد ( عليه السَّلام ) : « كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » ـ : هذا الحديث كتاليه من مراسيل المؤلّف رحمه اللّه ، وهي كثيرة في هذا الكتاب ، تزيد على ثلث الأحاديث الموردة فيه ، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده من حيث تشريكه على النوعين في كونه ممّا يُفتي به ويحكم بصحّته ، ويعتقد أنّه حجّة بينه و بين ربّه سبحانه ، بل ذهب جماعة من الأُصوليّين إلى ترجيح مرسل العدل على مسانيده محتجّين بأنّ قول العدل : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كذا ، يشعر بإذعانه بمضمون الخبر ، بخلاف ما لو قال : حدّثني فلان عن فلان ، أنّه قال ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كذا. وقال المحقّق الداماد في الرواشح ـ في ردّ من استدلّ على حجّية المرسل مطلقاً ـ : بأنّه لو لم يكن الوسط الساقط عدلاً عند المرسل لما ساغ له إسناد (185)
الحديث إلى المعصوم ... قال : إنّما يتمّ ذلك إذا كان الإرسال بالإسقاط رأساً والإسناد جزماً ، كما لو قال المرسل : قال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أو قال الإمام ( عليه السَّلام ) ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق في الفقيه ، قال ( عليه السَّلام ) : « الماء يطهّر ولا يطهر » ، إذ مفاده الجزم أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولاً في ظنّه ، وإلاّ كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته وعدالته.
وقال المحقّق سليمان البحراني في البلغة ـ في جملة كلام له في اعتبار روايات الفقيه ـ : بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحّة ، ويقولون : إنّها لا تقصر عن مراسيل ابن أبي عمير ؛ منهم : العلاّمة في المختلف ، والشهيد في شرح الإرشاد ، والسيّد المحقّق الداماد. (1) ولعلّ التفصيل بين الإرسال والنقل عن جزم ، والإرسال والنقل بلا جزم هو الأقرب. 9. المصحّف التصحيف : هو التغيير ، يقال : تصحّفت عليه الصحيفة ، أي غيّرت عليه فيها الكلمة ، ومنه : تصحّف القارئ ، أي أخطأ في القراءة ، فإنّ الخطأ رهن التغيير. ثمّ التصحيف يقع تارة في السند ، وأُخرى في المتن ، وثالثة فيهما. فمن الأوّل تصحيف بريد بـ « يزيد » ، وتصحيف « حريز » بـ « جرير » ، وتصحيف « مراجم » بـ « مزاحم » ، والتصحيف في الإسناد غير قليل. قال الشهيد : قد صحّف العلاّمة في كتب الرجال كثيراً من الأسماء ، ومن أراد الوقوف عليها فليطالع « الخلاصة » له ، و « إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة » له 1. خاتمة مستدرك الوسائل : 23/499 ـ 502 ، الفائدة الخامسة. (186)
أيضاً ، وينظر ما بينهما من الاختلاف ، و قد نبّه الشيخ تقي الدين بن داود على كثير من ذلك. (1)
ومن التغيير في المتن قوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوّال » ، فقد صحّف فقرئ « وأتبعه شيئاً ». ثمّ إنّ منشأ التصحيف إمّا البصر ، أو السمع. فلنقتصر في ما يرجع إلى السند من الأقسام بهذا المقدار ، و أمّا ما يرجع إلى المتن فنذكر منه ما يلي : 10. النصّ وهو ما كان صريحاً في الدلالة لا يحتمل إلاّ معنىً واحداً. 11. الظاهر وعرّف بما دلّ على معنى دلالة ظنيّة راجحة مع احتمال غيره كالألفاظ التي لها معان حقيقية إذا استعملت بلا قرينة تجوّزاً سواء أكانت لغوية أم شرعية أم غيرها. (2) والظاهر أنّ التعريف ينطبق على المجمل ، فإنّ المشترك إذا استعمل بلا قرينة يكون مجملاً ، بل الأولى أن يقال : إنّ الظاهر هو ما دون الصريح في الدلالة على المراد ، وقد أثبتنا في الأبحاث الأُصولية أنّ الظواهر كالنصوص من أقسام الدلالات القطعية الكاشفة عن المقاصد الاستعمالية ، وأمّا الكشف عن المقاصد 1. زين الدين ( الشهيد الثاني ) : الرعاية في علم الدراية : 109 ـ 110. 2. عبداللّه المامقاني : مقباس الهداية : 57. (187)
الجدّية فليس هو على عاتق اللّفظ حتى يوصف الظاهر بالنسبة إليه بالظنّ ، فلاحظ. (1)
12. المؤوّل وهو اللفظ المحمول على معناه المرجوح بقرينة حالية أو مقالية. 13. المُجْمَل وهو ما كان غير ظاهر الدلالة على المقصود ، وإن شئت قلت : اللّفظ الموضوع الذي لم يتّضح معناه. هذا إذا جعلنا الإجمال صفة للمفرد ، فربّما يقع وصفاً للجملة ، فيكون المراد ما لم يتّضح المقصود من الكلام فيه. 14. المُبيّن وهو خلاف المجمل ، وقد أشبع الأُصوليون الكلام في المجمل والمبيّن ، بل النصّ والظاهر وهي من صفات مطلق اللّفظ سواء أكان في الحديث أم في غيره ، ووصف الحديث بهما ، لأجل اشتماله عليهما. 1. بيّن الأقوال في حجّية المرسل ؟ 2. ما هو المراد من المراسيل الجزمية للصدوق ؟ وهل هي حجّة ؟ 3. ما هو المراد من التصحيف في المتن وفي السند ؟ 4. بيّن الفرق بين النصّ والظاهر ؟ 1. لاحظ : المحصول : 3/138. (188)
(189)
الدرس الرابع والثلاثـون
طرق تحمّل الحديث
إنّ لتحمّل الحديث طرقاً مختلفة ربما تناهز ثمانية.
1. السماع وهي أن يقرأ الشيخ الحديثَ من حفظه أو من كتاب ، والحُضور يسمعون لفظه ، وهي أرفع أنواع التحمّل عند جمهور المحدّثين ، لأنّ الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته. 2. القراءة على الشيخ وهي أن يقرأ أحد الحضور الحديثَ على الشيخ ، ويُسمّى عند المحدّثين بالعرض ، لأنّ الطالب يعرض على المحدّث ما يقرأه ، ويُشترط في القارئ أن يكون ممّن يعرف ويفهم ، ويُشترط في الشيخ أن يكون بحيث لو وقع من القارئ تحريف أو تصحيف لردّ وإلاّلا يصحّ التحمّل عنه. 3. الإجازة وهي أن يقول المحدِّث لبعض الحضور : أجزت لكم رواية كتاب كذا ، وقد (190)
سمعته من فلان ، ويشترط في الإجازة أن يعرف المحدّث ما يجيز به وان يكون نسخة الطالب مطابقة لأصل المجيز حتى كأنّها هي ، وأن يكون المجيز من أهل العلم.
أمّا صحّة التحمّل عن طريق الإجازة ، فوجهها انّ الإجازة عرفاً في قوة الإخبار بمرويّاته جملة ، فهو كما لو أخبره تفصيلاً ، والإخبار غير متوقّف على التصريح لفظاً كما في القراءة على الشيخ ، وإنّما الغرض حصول الإفهام ، وهو يتحقّق بالإجازة المفهمة ، وليس في الإجازة ما يقدح في اتّصال المنقول بها وفي الثقة به ، فيجري عليها حكم السماع من الشيخ. وقد كان تحمّل الحديث في العصور الأُولى على وجه السماع أو القراءة على الشيخ ، ولكن بعد تقاصر الهمم وانتشار العلم في البلاد ، اقتُصر على التحمّل بالإجازة ، وهي دون السماع والعرض. 4. المناولة والمراد بالمناولة أن يعطي المحدِّث تلميذَه حديثاً أو أحاديث أو كتاباً ليرويه عنه ، ولا كلام بين المحدّثين في صحّة التحمّل بهذا الطريق ، ويشهد لذلك انّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كتب لأمير السرية ، وقال : « لا تقرأ هذا على الناس حتى تبلغ مكان كذا » فلمّا بلغ ذلك المكان قرأه عليهم وأخبرهم بأمر النبي. (1) والمناولة على قسمين : مقرونة بالإجازة ومجرّدة عنها. والأوّل كما إذا قال : خذ هذا الكتاب فأروه عني ، فتعدّ مقرونة بالاجازة. والثاني كما إذا اقتصر على أصل المناولة ولم يعقبها بالإجازة. 1. فتح الباري : 1/153 ؛ صحيح البخاري ، كتاب الجهاد ، الحديث 2 ، 7. (191)
5. المكاتبة
وهي أن يكتب المحدِّث بخطه ، أو يطلب من غيره بأن يكتب عنه بعض حديثه لطالب حاضر عنده ، أو لشخص غائب ويرسل الكتاب مع من يثق به ، وهي أيضاً على قسمين : أ. أن تقترن الكتابة بالإجازة ، فتشبه المناولةَ المقترنة بالإجازة. ب. أن يكتب إليه من غير إجازة. 6. الإعلام وهو أن يُعلم الشيخ تلميذَه بقوله : إنّ هذا الكتاب أو هذا الحديث روايته أو سماعه من فلان ، مقتصراً عليه من غير أن يأذن في روايته عنه ، ويقول : اروه عنّي ، أو أذنت لك في روايته ، وفي جواز الرواية به قولان. والأقوى جواز الرواية بمجرّد هذا القدر. 7. الوصية أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب يرويه ذلك الشيخ ، وقد جوّز بعض السلف للموصى له ، روايته عنه بتلك الوصية ؛ لأنّ في دفعه له نوعاً من الإذن وشبهاً من العرض والمناولة وانّها قريبة من الإعلام. 8. الوجادة بكسر الواو مصدر مولَّد ، وهي أخذ الحديث من صحيفة من غير سماع ولا مناولة ولا إجازة ، ولا شكّ في صحّة هذا النوع من التحمّل ، فله أن يقول : وجدت (192)
أو قرأت في كتاب فلان ، يقول : حدّثني فلان ويسوق باقي الاسناد والمتن ، وهذا هو الذي استمرّ عليه العمل قديماً وحديثاً.
إلى هنا تمت طرق التحمّل وإليك بيان طرق الأداء. يجب على الراوي في كلّ صورة من صور التحمّل ، أن يعبّر بما يوافق كيفيةَ التحمّل ، لأنّ طرق التحمّل التي ذكرناها تتفاوت من حيث القوّة والترجيح ، وعلى ذلك يجب أن يتميّز ما تحمَّل بالسماع عن الشيخ ، عن القراءة عليه ، كما يجب أن يتميّز ما يليهما من طرق التحمّل عن غيره ، فلا يجوز أن يقول سمعت أو حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا فيما إذا تحمّل بالإجازة والمكاتبة فضلاً عن الوجادة. 1. اذكر عناوين طرق تحمّل الحديث. 2. ما هو المراد من الإجازة في طرق تحمّل الحديث ؟ 3. ما هو المراد من المناولة ؟ 4. عرِّف الوجادة. (193)
خـاتمة المطـاف
في نكات رجالية مهمّة
1. الفرق بين الأصل والمصنَّف والنوادر والكتاب
الأصل : عنوان يطلق على بعض كتب الحديث خاصّة ، فيقال له كتاب أصل أو له أصل ، وهكذا ، فيقع الكلام فيما هو المراد منه. والظاهر انّ الأصل عبارة عن الأحاديث التي رواها مؤلّفها عن المعصوم أو عن الراوي عنه ، من دون أن يكتب في كتاب قبله. والسبب لتسميته أصلاً هو انّ كتاب الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعاً من مؤلّفه عن الإمام ( عليه السَّلام ) ، أو سماعاً منه عمّن سمع عن الإمام ( عليه السَّلام ) ، فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتاب من صنع مؤلّفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرّع من وجود آخر ، كما أنّ أصل كلّ كتاب هو المكتوب الأوّلي الذي كتبه المؤلّف فيطلق عليه النسخة الأصلية أو الأصل لذلك. والمصنّف : هو الكتاب الذي كان جميع أحاديثه أو أكثرها منقولاً عن كتاب آخر سابق وجوده عليه ، أو كان فيه كلام المؤلّف كثيراً بحيث يخرجه عن إطلاق القول بأنّه كتاب رواية. والدليل على ذلك انّ الشيخ نقل في مقدّمة الفهرست انّ (194)
أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري عمل كتابين : أحدهما ذكر فيه المصنفات ، والآخر ذكر فيها الأُصول.
والمصنَّف بهذا المعنى يقابل الأصل. والنوادر : هي اسم يطلق على نوع من مصنّفات الأصحاب في القرون الأربعة الأُولى كان يُجمع فيها الأحاديث غير المشهورة ، أو التي تشتمل على مضامين مختلفة لا يمكن تبويبها في باب واحد. ومن هنا يظهر وجه تسمية بعض الأبواب الموجودة في الجوامع الحديثية بعنوان النوادر ، كنوادر الصلاة ونوادر الزكاة ونحوهما ; لأنّ الأحاديث المذكورة في هذه الأبواب ، إمّا شاذة غير معمول بها عند الأصحاب ، وإمّا غير قابلة لتخصيصها بعنوان. وأمّا الكتاب فهو عنوان جامع للجميع. 2. في تعارض الجرح والتعديل إذا تعارض الجرح والتعديل فهل يقدّم الجارح مطلقاً ، أو المعدِّل كذلك ، أو يقدّم الكثير منهما على الأقل ؟ وجوه : فربما يقال بأنّ الجرح أولى بالاعتبار لكونه شهادة بصدور أمر وجودي من الراوي ، بخلاف التعديل فإنّه يشهد على عدم صدور ذنب يزيل عدالته. وربما يعارض بأنّ التعديل شهادة على حصول ملكة وجودية هي العدالة. وربما يتصوّر انّ الأكثر عدداً يفيد الاطمئنان المتآخم للعلم. والحقّ انّ علماء الرجال الذين هم أصحاب الجرح والتعديل ليسوا على درجة واحدة في الوقوف على خصوصيات (195)
الراوي ، فمنهم واقف على خصوصيات الراوي بكافة تفاصيلها ، ومنهم من هو دون ذلك وإن كان له معرفة بالرجال ، فلذلك إذا تعارضت تزكية النجاشي مع جرح الشيخ ، فيقدم الأوّل على الثاني ، وما هذا إلاّ لأنّ النجاشي كان له إلمام واسع بهذا الفن في حين انّ الشيخ مع جلالته ، صرف عمره الشريف في علوم شتّى.
هذا كلّه إذا كان المعيار قول الجارح والمزكّي ، وأمّا لو كان ثمة سبيل آخر يكشف عن الحقيقة فهو أولى بالأخذ ، أعني : جمع القرائن ، فمثلاً : انّ داود بن كثير الرقي ضعّفه النجاشي ، وابن الغضائري ، ومع ذلك لم يأخذ المشهور بتضعيفهما وعملوا برواياته ، لأنّ القرائن تشهد على وثاقته ، وانّ النجاشي خرِّيت هذا الفن ، تبع ابن الغضائري في تضعيفه. 3. الفرق بين المجهول والمهمل كثيراً ما يشتبه المجهول بالمهمل ويستعمل أحدهما بدل الآخر ، بَيْد انّ المجهول غير المهمل ، فالمجهول عبارة عمّن حكم علماء الرجال عليه بالجهالة ، كإسماعيل بن قتيبة من أصحاب الرضا ( عليه السَّلام ) ، وبشير المستنير الجعفي من أصحاب الباقر ( عليه السَّلام ). قال الطوسي في حقّ الأوّل : مجهول من رجال الرضا ( عليه السَّلام ). و ذكره البرقي في رجال الكاظم ( عليه السَّلام ) ، له روايتان في الكافي والروضة. وقال الطوسي في حقّ الثاني : يكنّى أبا محمد المستنير الجعفي الأزرق ، بيّاع الطعام ، مجهول من أصحاب الباقر ( عليه السَّلام ). وأمّا المهمل فهو عبارة عمّن لم يحكم عليه بمدح ولا ذمّ ، وإن عرف حاله وبان أمره. (196)
ومن المعلوم انّ الجهالة من أسباب الطعن في سند الحديث دون الإهمال ، أي ما سكت علماء الرجال في مدحه أو ذمّه. فلابدّ للمجتهد من تتبّع حاله من الطبقات ، والأسانيد ، والمشيخة والإجازات ، والأحاديث ، والسير ، والتواريخ ، وكتب الأنساب وغيرها.
فإن وقع إليه ما يصلح للتعبير عنه بالمجهولية فذاك ، وإلاّوجب التوقّف. وبذلك يعلم أنّ وصف كثير من الصحابة بالجهالة ، كما عليه العلاّمة المامقاني في فهرسه ليس بتامّ ، فانّه ذكر قائمة بأسماء عدد كبير من الصحابة ووصفهم بالجهالة. مع أنّ الصحيح أن يصفهم بالإهمال دون الجهالة ، لعدم وصفهم بالجهالة من قبل علماء الرجال. ثمّ إنّ من أسباب الطعن في الحديث هو جهالة الراوي بالمعنى الذي ذكرناه ، و أمّا الإهمال بمعنى عدم ذكر الراوي بمدح أو ذم ، فليس ممّا يسوغ الحكم بضعف السند أو الطعن فيه كما لا يسوغ تصحيحه أو تحسينه أو توثيقه. 4. الفرق بين المَشْيَخَة والمَشِيخة ؟ اعلم أنّ بين المَشْيَخة والمَشِيخة فرقاً ، وهو : انّ المَشْيَخة ـ باسكان الشين بين الميم والياء المفتوحتين ـ جمع الشيخ كالشيوخ والأشياخ والمشايخ على الأشهر. قال المطرزي : إنّها اسم للجمع والمشايخ جمعها. وأمّا المَشِيخة ـ بفتح الميم وكسر الشين ـ فاسم المكان من الشيخ والشيخوخة ، كالمسيحة من السياحة ، والشيخ والشيخان ، والمتيهة من التيه والتيهان. (197)
ومعناها عند أصحاب هذا الفن : المَسْنَدة أي محل ذكر الأشياخ والأسانيد فالمشيخة موضع ذكر المشْيَخة.
بقيت في المقام نكات رجالية أُخرى ذكرناها في كتابنا « كليّات في علم الرجال » و « أُصول الحديث وأحكامه » فمن حاول التفصيل فليرجع إليهما. 1. ما هو الفرق بين الأصل والمصنّف ؟ 2. إذا تعارض الجارح والمعدل ، فبأيّهما نأخذ ؟ 3. الفرق بين المجهول والمهمل ؟ 4. ما هو المراد من مَشِيخة الفقيه أو التهذيب ؟ وصل الكلام إلى هنا صبيحة يوم الخميس نهاية شوّال المكرم
من شهور عام 1421 هـ وتمّ بيد مؤلّفه الفقير جعفر بن محمد حسين السبحاني التبريزي ( عاملهما اللّه بلطفه الخفي ) وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين |
|||
|