عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير ::: 1 ـ 15

سلسلة الكتب العقائدية (34)
عيد الغدير في الاسلام
والتتويج والقربات يوم الغدير
تأليف
العلامة الشيخ الأميني
تحقيق
الشيخ فارس تبريزيان
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


(7)
    كتاب الغدير :
    كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة ، ويمتدّ في الافاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه ... إنّه العمل الموسوعي الكبير الّذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم : من تفسير ، وحديث ، وتاريخ ، وأدب ، وعقيدة ، وكلام ، وفرق ، ومذاهب ...
    جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع وفي صياغة الاديب الذي خاطب جميع القرّاء ، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.
    ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الاحد عشر من ذخائر هامة ، لا غنى لطالب المعرفة عنها ، وتيسيراً لاغتنام فوائدها ، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لطباعتها ونشرها مستقلّة ، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.


(8)
    في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة ، جمع النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المسلمين عند رجوعه من الحج في مكان يسمّى غدير خم ، وخطبهم خطبة مفصّلة ، وفي آخر خطبته قال : « ألستم تعلمون أنّي أَولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ » قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي فقال : « اللّهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه » فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئاً لك يابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
    فهل لهذا اليوم منزلة في الشريعة ؟


(9)
    ذهب الشيعة إلى أنّه يوم عيد وفرح وسرور ، واعتمدوا على روايات كثيرة استدلّوا بها على كونه عيداً.
    وذهب قوم من المسلمين إلى أنه ليس بعيد ، ومن اتّخذه عيداً فهو مبتدع !!
    وتعصّب هذا البعض من المسلمين أشدّ التعصّب ضدّ الشيعة ، وأباح دماءهم لاجل اتخاذهم يوم الغدير يوم عيد.
    ومن نقّب صفحات التاريخ يجد فيها الكثير من هذه التعصّبات والمجازر الطائفية ضد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) لاجل اتخاذهم يوم الغدير عيداً ، ويوم عاشوراء ـ الذي قتل فيه ريحانة الرسول وسبطه الحسين بن علي ( عليه السلام ) ـ يوم حزن وعزاء.
    ووصل التعصّب إلى حدٍّ كانت فيه الدماء تراق والبيوت والمساجد وأماكن العبادة تحرق ... لا لاجل شيء ، سوى الاحتفال بيوم الغدير وإقامة المأتم والعزاء يوم عاشوراء.
    ولمّا لم تؤثّر هذه الافاعيل القبيحة ضدّ الشيعة في نقص عزائمهم ، بل زادتهم إيماناً وقوّةً في التمسّك بما يعتقدونه عن دليل ، اتّخذ أهل السنة منهجاً جديداً للوقوف أمام هذه الشعائر :
    حيث عملوا في مقابل الشيعة يوم الثامن عشر من المحرّم ـ وقال ابن كثير : اليوم الثاني عشر ـ مثل ما تعمله الشيعة في عاشوراء ، من إقامة المأتم والعزاء ، وقالوا : هو يوم قتل مصعب بن الزبير ،


(10)
وزاروا قبره بمسكن ، كما يُزار قبر الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء ، ونظروه بالحسين ! وقالوا : إنه صبر وقاتل حتّى قتل ، وإن أباه ابن عمة النبيّ كما أنّ أبا الحسين ابن عمّ النبي !!
    وعملوا في مقابل الشيعة يوم السادس والعشرين من ذي الحجة زينة عظيمة وفرحاً كثيراً ، واتخذوه عيداً ، كما تفعله الشيعة في يوم عيد الغدير الثامن عشر من ذي الحجة ، وادّعوا أنه يوم دخول النبي وأبي بكر الغار.
    وأقاموا هذين الشعارين زمناً طويلاً.
    راجع : المنتظم 7 : 206 ، البداية والنهاية 11 : 325 ـ 326 ، الكامل في التاريخ 9 : 155 ، العبر 3 : 42 ـ 43 ، شذرات الذهب 3 : 130 ، تاريخ الاسلام : 25.
    والتعصّب إذا استحوذ على كيان الانسان فإنه يعميه ويصمّه ، ويجعله يغيّر حتّى المسلّمات لاجل الوصول إلى أغراضه :
    فنشاهد الطبري في تاريخه 6 : 162 يصرّح بأنّ مقتل مصعب كان في جمادى الاخرة ، فمع هذا فإنهم يجعلوه في اليوم الثامن عشر من المحرّم ليكون في مقابل يوم استشهاد الحسين ( عليه السلام ) يوم العاشر من المحرّم.
    ويوم الغار معلوم لدى الكلّ ـ حتّى من له أدنى معرفة بالتاريخ ـ أنه لم يكن في ذي الحجة ولا في اليوم السادس والعشرين منه ، ومع


(11)
هذا فإنهم يجعلوه في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة ليكون بعد يوم الغدير بثمانية أيام.
    وكنّا نتمنّى أن تنتهي هذه التعصّبات والمجازر الطائفية في عصرنا هذا الذي يسمّى بعصر التقدّم والنور ... وكنّا لا نحتاج إلى إثارة هذه المطالب من جديد.
    ولكن ومع الاسف الشديد نرى أنّ هذه التعصّبات لا زالت قائمة ، وأنّ الشيعة سنوياً تقتل وتحرق مساجدها لاجل إقامة مراسم العزاء على السبط الشهيد وإقامة الفرح والسرور بيوم الغدير.
    وتصاعدت طباعة الكتب ضدّ مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فإنها تطبع وبأعداد هائلة وفي أكثر البلدان ملؤها الافتراء والبهتان ، ولا رادع ولا صادع !! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
    وهذا الكتيّب الذي نقدّمه بين يدي القارئ العزيز ، مستلّ من كتاب الغدير للعلامة الاميني ، فيه ثلاثة بحوث مهمّة :
    1 ـ عيد الغدير في الاسلام.
    2 ـ التتويج يوم الغدير.
    3 ـ صوم يوم الغدير.


(12)
    كتبها العلامة الاميني ، معتمداً فيها على أهم المصادر المعتبرة بين المسلمين.
    وبعد أن استخرجتُها من كتابه الغدير ، الطبعة المتداولة ، وقابلتها مع طبعة النجف ، واستفدت من بعض الفوارق ، أعدت النظر في تقويم النصّ وفقاً للاساليب الحديثة ، وأجريت عملية استخراج الاقوال والاحاديث من المصادر الحديثة ، وبالنسبة للمصادر المفقودة ذكرت الوسائط الناقلة عنها ، وذكرت استدراكاً لما ذكره العلامة الاميني في بحوثه هذه لحديث التهنئة وحديث صوم يوم الغدير ، وحديث التعمّم يوم الغدير.
فارس تبريزيان الحسّون


(13)
    عيد الغدير في الاسلام     وممّا شيء من جهته لحديث الغدير الخلود والنشور ، ولمفاده التحقّق والثبوت ، اتّخاذه عيداً يُحتفل به وبليلته بالعبادة والخشوع ، وإدرار وجوه البرّ ، وصلة الضعفاء ، والتوسّع على النفس والعائلات ، واتّخاذ الزينة والملابس القشيبة.
    فمتى كان للملا الديني نزوعٌ إلى تلكم الاحوال فبطبع الحال يكون له اندفاعٌ إلى تحرّي أسبابها ، والتثبّت في شؤونها ، فيفحص عن رواتها ، أو أنّ الاتّفاق المقارن لهاتيك الصفات يوقفه على من ينشدها ويرويها ، وتتجدّد له وللاجيال في كلّ دور لفتةٌ إليها في كلّ


(14)
عام ، فلا تزال الاسانيد متواصلة ، والطرق محفوظة ، والمتون مقروءة ، والانباء بها متكرّرة.

    إنّ الذي يتجلّى للباحث حول تلك الصفة أمران :
    الاوّل : أنّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب ، وإن كانت لهم به علاقة خاصّة ، وإنّما اشترك معهم في التعيّد به غيرهم من فرق المسلمين :
    فقد عدّه البيروني في الاثار الباقية في القرون الخالية : 334 : ممّا استعمله أهل الاسلام من الاعياد.
    وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 53 : يوم غدير خمّ ، ذكره ( أمير المؤمنين ) في شعره (1) ، وصار ذلك اليوم عيداً
1 ـ وهو قوله ( عليه السلام ) :
محمد النبيّ أخي وصنوي وجعفر الذي يضحي ويمسي وبنت محمد سكني وعرسي وسبطا أحمد ولداي منها سبقتكم إلى الاسلام طرّاً فأوجبت لي ولايته عليكم فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويل وحمزة سيد الشهداء عمّي يطير مع الملائكة ابن أُمي منوط لحمها بدمي ولحمي فأيّكم له سهم كسهمي على ما كان من فهمي وعلمي رسول الله يوم غدير خمّ لمن يلقى الاله غداً بظلمي
    ذكر هذه الابيات العلامة الاميني في كتابه الغدير 2 : 25 ـ 30 ، وذكر من رواها من أعلام العامة : الحافظ البيهقي المتوفى 458 هـ ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي المتوفى حدود 605 في كتابه ألف باء 1 : 39 ، وأبو الحسين الحافظ زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى 613 في كتابه المجتنى : 39 ، وياقوت الحموي في معجم الادباء 5 : 266 ، ومحمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652 في مطالب السؤول : 11 ، وسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرة خواص الامة : 62 ، وابن أبي الحديد المتوفى 658 في شرح نهج البلاغة 2 : 377 ، ... إلى ستة وعشرين نفر ممن رواها من أعلام العامة.


(15)
    وموسماً ، لكونه كان وقتاً نصّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهذه المنزلة العليَّة ، وشرَّفه بها دون الناس كلِّهم.
    وقال ص 56 : وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلَّ عليه لفظ المولى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد جعله لعليٍّ ، وهي مرتبةٌ ساميةٌ ، ومنزلةٌ سامقةٌ ، ودرجة عليَّةٌ ، ومكانةٌ رفيعةٌ ، خصّصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لاوليائه. انتهى.
    تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيّد بذلك اليوم ، سواء رجع الضمير في ( أوليائه ) إلى النبيِّ أو الوصيِّ صلّى الله عليهما وآلهما.
    أمّا على الاوَّل : فواضح.
    وأمّا على الثاني : فكلّ المسلمين يوالون أمير المؤمنين عليّاً شرع ، سواء في ذلك من يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل ،
عيد الغدير في الاسلام والتتويج والقربات يوم الغدير ::: فهرس