عِند قَدَمَي الإمام المهدي ( عليه السلام ) ::: 1 ـ 15

عِند قَدَمَي الإمام المهدي ( عليه السلام )
دراسة عقائديّة في الامام المهدي ( عليه السلام )
من ظهوره السعيد إلى نظامه السديد


(4)
بسم الله الرحمن الرحيم
    * إلى سَيّدة نساءِ العالَمين
    * إلى أمِّ الأئمّةِ الهُداةِ المَعصومين
    * إلى التي دارَتْ على معرفتِها قرونُ الأوّلين
    * إلى الاُسوةِ الحسنةِ لبقيّةِ اللهِ الكبرى في الأرَضين
    * إليكِ أيّتُها الصديقةُ الشهيدةُ أُهدي كتابَ ولدكِ المنتقم الامام القائم ( عليه السلام ) ، راجياً من حنانكِ المأمول ، التفضّل بالقبول
رقُّكِ : على
قم المشرّفة 14/ع2/1428


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين ، وصلواتُه على أحبّ خلقه إليه محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم وظالميهم وقاتليهم ومنكري فضائلهم إلى يوم الدين.
    وبعد ..
    فان الامام المنتظر الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا فداه هو تلك الأُمنيّة الكبرى والأُنشودة العظمى التي انتظرتها الأجيال ، وعقدت عليها الآمال ، بعد ما وعد به الله الذي لا يُخلف الميعاد ولا يتخلّف عنه القوّة والسداد ، حيث قال في كتابه الكريم وخطابه العظيم :
    ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (1).
    وحينما يظهر الامام المهدي ( عليه السلام ) وعند قدميه المباركتين تنعُم الأمّة نِعَماً لم يتنّعّموا مثلها قطّ.
    فيتبدّل الخوف إلى الأمن ، والفقر إلى الغنى ، والظلم إلى العدل ، والجهل إلى العلم ، والفساد إلى الصلاح ، والضعف إلى القوّة ، والجحيم إلى النعيم.
    وتمتلأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً ، بعد أن ارتمست في الظلم والجور والجهل.
1 ـ سورة القصص ، الآية 5.

(6)
    ويتحقّق آنذاك عصر النور والعلم والقدرة والسعادة والسلامة والخير والبركة.
    وتتشرّف الأرض بدولة الله ، دولة الرسول ، دولة أهل البيت ، الدولة الكريمة التي لم نزل ولا نزال ندعو الله لها ، ونبتهل إليه بها ، ونتوجّه إليه بأنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الاسلام وأهله ، وتُذلّ بها النفاق وأهله.
    ولقد وعد الله تعالى بنصره وتمكينه بقوله عزّ اسمه :
    ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (1).
    ولا عجب في ذلك والله غالبٌ على أمره ، وهو الناصر لأنبيائه وأولياءه.
    وتاريخ الأنبياء شاهدٌ حيٌّ على غالبيّة الله ونصره ..
    فكما أن جدّه الرسول قام من مكّة وحيداً غريباً ، ودخلها بنصر الله تعالى فاتحاً رهيباً ، ونزل فيه قوله تعالى :
    ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (2).
    وكما أن النبيّ نوح ( عليه السلام ) انتصر على البشريّة الفاسدة ، واجتاح بطوفانه الكرة الأرضيّة ، وتغلّب على جميع القوى الكافرة ، حتى صاح بأعلى صوته :
    ( لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهَ إِلاَّ مَن رَحِمَ ) (3).
    وكما أن ابراهيم الخليل ( عليه السلام ) فاجأ العالم في عصره لأوّل مرة بكسر أصنام الكفر ، وتلقّى النار بالبرد والسلام ، وانتصاره الساحق على المشركين.
1 ـ سورة النور ، الآية 55.
2 ـ سورة الفتح ، الآية 1.
3 ـ سورة هود ، الآية 43.


(7)
    وكما أن النبي داود ( عليه السلام ) محى دولة الظلم ، وقتل رأس الظالمين جالوت ، وانتصر على جيشه العرموم بثلاثة أحجار فقط ، سدّدها إليهم وشتّت جمعهم.
    وكما أن النبي سليمان ( عليه السلام ) بسط سلطانه على جميع الكائنات ، وسخّر الأنس والجنّ والموجودات ، واستولى على جميع مناطق الأرض حتى جاء بعرش الملوك من أقصى الأرضين بطرفة العين ، وحتى استغلّ الهواء والفضاء.
    وكما أن النبي يوسف ( عليه السلام ) قفَز من قعر البئر إلى قمّة العرش ، وصار عزيز مصر.
    وكما أن موسى بن عمران ( عليه السلام ) طوى تاريخ الفراعنة الطويل ، وأغرق جيوشهم في البحر ، وأعجب العالم بتسع آيات بيّنات ، وبعصاه التي صارت تلقف ما يأفكون حتى وقع السحرة له ساجدين.
    وكما أن عيسى بن مريم ( عليه السلام ) أغرب أطباء العالم باحياء الموتى ، وابراء المزمنات باذن الله تعالى.
    وكذلك الامام المهدي عليه السلام ..
    بقوّة الله تعالى وقدرته وارادته يظهر على الدين كلّه ، وعلى الأرض جميعه ويكوّن دولة الله في خلقه ، وحكومة السماء في أرضه.
    وهذا الكتاب لمحات تدرس الجانب اليسير من ظهور ذلك الأمل الكبير ، وتحقّق دولته الكريمة ، وحكومته العظيمة.
    وجعلنا الله من أعوانه وأنصاره ، وأقرّ عيوننا بغُرّته الحميدة ودولته الكريمة.
قم المشرّفة / ليلة الجمعة / ميلاد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) وولده الامام الصادق ( عليه السلام )
علي بن السيد محمد الحسيني الصدر


(8)
    في البدء : الظهور
    حينما يظهر الامام المهدي ( عليه السلام ) من غيبته الحكيمة ؛
    حينما تخرج الشمس الساطعة من وراء السحاب المجلّل ؛
    حينما يتجلّى نور الله تعالى في أرضه وسماءه ؛
    حينما يأتي بقيّة الله وخليفة رسول الله ؛
    حينما يجيء صاحب العصر وناموس الدهر ؛
    تكون تلك البشرى السارّة إيذاناً بنهاية دور الغيبة ، وبداية الدولة الحقّة التي بشّرت بها الأنبياء ، ووعدتها كتب السماء.
    ويكون ذلك الظهور المُشرق إعلاناً لانتهاء الظلم والفساد ، وإنتشار العدل والرشاد.
    ويكون قدومه المبارك إقامة لأسعد الحياة ، وأزهى الحضارات ، في خير الدنيا وفوز الأخرى.
    فلنقتبس من أنوار معرفته ، ونلقى الأضواء على ملامح من ظهوره ، وقيامه ، ودولته.

    متى يظهر ؟
    اقتضت الحكمة الالهيّة البارعة أن يكون وقت ظهور الامام المهدي ( عليه السلام ) مخفيّاً


(9)
عند الناس كخفاء ليلة القدر.
    ولم يوقّته نفس أهل البيت ( عليهم السلام ) ، بل منعوا عن التوقيت ..
    ولذلك ورد في حديث منذر الجواز عن الامام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :
    « كذب الموقّتون ، ما وقّتنا فيما مضى ، ولا نوقّت فيما يستقبل » (1).
    ولعلّ من حِكم ومصالح خفاء وقت ظهوره ( عليه السلام ) ما يلي :
    الأوّل : إدراك فضيلة إنتظار الفرج ، الذي هو من أفضل الأعمال وأهمّ الخصال.
    إذ لو كان وقت ظهوره المبارك موقّتاً محدّداً معلوماً ، لكان الانتظار مبدّلاً إلى اليأس في الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين ، ممّن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور.
    فلم تحصل لهم حالة الانتظار ، ولم يفوزوا بفضيلته التي نصّت وحثّت عليه الأحاديث المتظافرة مثل :
    1 ـ حديث أبي بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال ذات يوم :
    « ألا أُخبركم بما لا يقبل الله عزَّوجلَّ من العباد عملاً إلاّ به ؟
    فقلت : بلى.
    فقال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنَّ محمّداً عبده [ ورسوله ] ، والاقرار بما أمر الله ، والولاية لنا ( يعني الأئمّة خاصّة ) ، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم ، والورع ، والاجتهاد ، والطمأنينة ، والانتظار للقائم ( عليه السلام ).
    ثمَّ قال : من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق ، وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده ، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه.
1 ـ الغيبة للشيخ الطوسي ، ص 262.

(10)
    فجدّوا وانتظروا ، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة » (1).
    2 ـ حديث ابي الجارود ، عن الامام الباقر ( عليه السلام ). قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : يابن رسول الله ، هَل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم ؟
    قال : فقال : نعم. قال :
    قال : « فإني أسألك مسألة تجيبني فيها ، فإنِّي مكفوف البصر ، قليل المشي ، ولا أستطيع زيارتكم كلَّ حين.
    قال : هات حاجتك.
    قلت : أخبرني بدينك الذي تدين الله عزّوجلّ به أنت وأهل بيتك ، لأدينَ الله عزَّوجلَّ به.
    قال : « إن كنت أقصرت الخطبة (2) فقد أعظمت المسألة. والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عزّوجلّ به.
    شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والإقرار بما جاء به من عندالله ، والولاية لوليّنا ، والبراءة مِن عدوِّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد ، والورع » (3).
    3 ـ حديث البزنطي ، عن الامام الرضا ( عليه السلام ) أنه قال :
    « ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله عزَّ وجلَّ : ( وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ) (4) ، ( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (5) ؟
1 ـ الغيبة للشيخ الطوسى النعمانى ، ص 200 ، باب 11 ، ح 16.
2 ـ الظاهر أن الخطبة بضم الخاء ، بمعنى ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب.
3 ـ اصول الكافي ، ج 2 ، ص 21 ، ح 10.
4 ـ سورة هود ، الآية 63.
5 ـ سورة الاعراف ، الآية 71.


(11)
    فعليكم بالصبر ، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم » (1).
    4 ـ حديث الاربعمائة الشريف جاء فيه :
    قال أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) :
    « انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فانَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّوجلَّ انتظار الفرج ».
    وقال ( عليه السلام ) :
    « مزاولة قلع الجبال أيسر. من مزاولة ملك مؤجَّل ، واستعينوا بالله واصبروا.
    إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم ».
    وقال ( عليه السلام ) :
    « الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس ، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله » (2).
    فنلاحظ وتعرف من خلال هذه الاحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الالهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفضل أعمال أُمته.
    إذ به فاز الاسلام منذ بدءه ، حينما لم يكن الا هو ( صلى الله عليه وآله ) وابن عمه ( عليه السلام ) وناصراه سيدنا أبوطالب ، والسيدة خديجة.
    وبه دام الاسلام ببركة جهاد وجهود اوصياءه وعترته.
1 ـ كمال الدين ، ص 654 ، ب 55 ، ح 5.
2 ـ البحار ، ج 52 ، ص 122 ، ح 7.


(12)
    وبه يظهر الاسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مُصلحه وصاحبه.
    فانتظار الفرج الحقيقي هي العُدّة والعَدد والحفاظ ، في قبال الصدمات والكوارث والمخططات ، التي يريد بها الاعداء أن يطفئوا نور الله : ( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).
    لذلك يحق أن يكون إنتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الاصيل لبقاء العقيدة الاسلامية الخالصة ، المتجسدة في ظهور الامام المهدي ( عليه السلام ) ودولته الحقّة.
    الثاني : التهيّؤ لمقدمه الشريف ، وإصلاح النفس لقدومه المبارك ، فان هذا الانتظار يسنح الفرصة المناسبة والوازع الأكيد لاصلاح النفس ، وتزكية الروح ، وقابليّة الشخص ، بل تحصيل درجات الفضل والكمال.
    كما نلاحظ ونلمسه فيمن اتّصف بها من المؤمنين المنتظرين الذين حازوا فائق الكرامات ، ونالوا رائق المكرمات ، من كُبّار العلماء والصالحين.
    الثالث : حكمة الامتحان واختبار الخلق.
    فان ممّا تقتضيه الحكمة الالهيّة ، اتماماً للحجّة وكشفاً للمحجّة ، اختبار الناس ليتّضح مدى تصديقهم وتسليمهم لظهور الامام المهدي ( عليه السلام ) الذي لم يعرفوا وقته ، ولم يعلموا زمانه.
    وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطّلعوا على حين تحقّقه ، فيُمتحنون بذلك ، وتتم عليهم الحجّة هنالك.
    قال تعالى :
    ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (1).
1 ـ سورة العنكبوت ، الآية 3.

(13)
    وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
    وبالامتحان يتبيّن الحال وحقائق الرجال.
    فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان ظهور الامام الحجّة ( عليه السلام ) وعدم توقيته ، رعاية لهذه المصالح العامّة ، والدواعي التامّة.
    لكن في نفس الوقت جُعل للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحقّقه ، وتبشر المؤمنين بأوان تبلّجه ، وتفيض علينا شآبيب النور وآيات السرور.
    وقد قُسّمت هذه العلائم إلى أقسام ثلاثة ، لا ينبغي أن يُعدّ جميعها علائم ظهوره ، لأن بعضها تحدث في زمان غيبته ، بل حدث بعضها.
    وبعضها الآخر يحدث قبل ظهوره ..
    والبعض الآخر يكون علامةً قريبة للظهور المبارك بالبيان التالي :
    القسم الاول : العلائم العامة التي تحدث في زمان غيبة الامام المهدي ( عليه السلام ).
    القسم الثاني : العلائم التي تحدث قبل ظهور الامام المهدي ( عليه السلام ) بسنوات غير كثيرة.
    القسم الثالث : العلائم التي هي قريبة من الظهور ، في سنتها أو قبلها.
    والقسم الثالث هذا على نوعين : المحتومة وغير المحتومة.
    ونشير الى هذه الاقسام باختصار :

    القسم الاول : العلائم العامة
    وهي علامات كثيرة وحوادث متكاثرة ، تحدث في الغيبة الكبرى قبل الظهور ، مثل خروج الدجال ونحوه ، وقد جاءت في روايات عديدة مثل :
    1 ـ حديث النزال بن سبرة ، عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : قال خَطَبنا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فحمد الله عزَّوجلَّ وأثنى عليه وصلّى على محمّد وآله ، ثمَّ قال :


(14)
سلوني أيّها النّاس قبل أن تفقدوني ـ ثلاثاً ـ.
    فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال : يا أميرالمؤمنين ، متى يخرج الدجّال ؟
    ... فقال ( عليه السلام ) : احفظ ، فانَّ علامة ذلك ، إذا أمات النّاس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة ، واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الرِّبا ، وأخذوا الرُّشا ، وشيّدوا البنيان ، وباعوا الدِّين بالدُّنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء ، وقطعوا الأرحام ، واتّبعوا الأهواء ، واستخفّوا بالدِّماء.
    وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، وكانت الاُمراء فجرة ، والوزراء ظلمة ، والعرفاء خونة ، والقرَّاء فسقة ، وظهرت شهادة الزُّور ، واستعلن الفجور ، وقول البهتان ، والإثم والطغيان ، وحليت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطوّلت المنارات ، واُكرمت الأشرار ، وأزدحمت الصفوف ، واختلفت القلوب ، ونقضت العهود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنَّ في التّجارة حرصاً على الدّنيا ، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، واتٌّقي الفاجر مخافة شرِّه ، وصُدِّق الكاذب ، وائتُمن الخائن.
    واتُّخذت القيان (1) والمعازف ، ولعن آخر هذه الاُمّة أوَّلها ، وركب ذوات الفروج السروج ، وتشبّه النساء بالرِّجال والرِّجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهد ، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه ، وتُفقّه لغير الدِّين ، وآثروا عمل الدُّنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن
1 ـ القيان : جمع قينة ، الاماء المغنيّات.

(15)
على قلوب الذِّئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر ... » (1).
    2 ـ الحديث العلوي الشريف :
    « يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة ـ وهو شرّ الازمنة ـ نسوةٌ كاشفات عاريات متبرجات ، من الدين [ خارجات خ ل ] ، داخلات في الفتن ، مائلات الى الشهوات ، مسرعات الى اللذات ، مستحلاّت للمحرمات ، في جهنّم [ داخلات خ ل ] خالدات » (2).
    3 ـ الحديث الصادقي الشريف المفصّل ، جاء فيه :
    « ألا تعلم أنَّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف ، هو غداً في زمرتنا.
    فاذا رأيت الحقَّ قد مات وذهب أهله ، ورأيت الجور قد شمل البلاد ، ورأيت القرآن قد خلق ، واُحدث فيه ما ليس فيه ، ووُجّه على الأهواء ، ورأيت الدين قد انكفاً كما ينكفيء الاناء.
    ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقِّ ، ورأيت الشرَّ ظاهراً لا ينهي عنه ويعذَّر أصحابه ، ورأيت الفسق قد ظهر ، واكتفى الرِّجال بالرِّجال والنساء بالنساء ، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله ، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردُّ عليه كذبه وفريته ، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير ، ورأيت الأرحام قد تقطّعت ، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردُّ عليه قوله.
    ورأيت الغلام يعطي ما تعطى المرأة ، ورأيت النساء يتزوَّجن النساء ،
1 ـ كمال الدين ، ص 535 ، ب 47 ، ح 1.
2 ـ منتخب الأثر ، ص 426.
عِند قَدَمَي الإمام المهدي ( عليه السلام ) ::: فهرس