إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الأوّل ::: 1 ـ 15

إرشاد العقول
إلى
مباحث الأصول
يبحث عن الأدلة اللفظيّة
تقريراً لمحاضرات
العلاّمة المحقّق
آية الله جعفر السبحاني ( دام ظلّه )
تأليف
محمد حسين الحاج العاملي
الجزء الأوّل
نشر مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام )


(4)
بِسم اللهِ الرّحمن الرحيم
فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إذا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ
التوبة : 122        


(5)
    كلمة المحاضر
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد للّه الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته ، وردعت عظمتُه العقولَ فلم تجد مساغاً إلى بلوغ غاية ملكوته.
    والصلاة والسلام على من بعثه بالنور المضي ، والبرهان الجلي ، محمّد نبي الرحمة ، وعلى آله الذين هم كنوز الرحمن إن نطقوا صدقوا ، وإن صَمتوا لم يُسبقوا.
    أمّا بعد ، فإنّ من مفاخر الشيعة الإمامية هو فتح باب الاجتهاد في الأحكام الشرعية منذ رحيل الصادع بالحق ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) إلى يومنا هذا ، والاجتهاد هو الذي يضفي على الشريعة ، غضاضة وطراوة ولا يناله إلاّ ذو حظ عظيم.
    إنّ الخوض في عباب هذا الفن رهن علوم جمّة ، من أهمها : علم الأُصول الذي هو : العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية أو ما ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل.
    وممّن وفّقه اللّه لدراسة هذا العلم ، دراسة معمّقة الشيخ الفاضل المحقّق الثبت محمد حسين الحاج العاملي ( حفظه اللّه ) فحرّر ما ألقيناه من محاضرات على فضلاء الحوزة العلمية ببيان سهل وأُسلوب جزل بعيداً عن الإطناب والاقتضاب ،


(6)
وها هو الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ يقدّمه لطلاب هذا العلم ، وقد لاحظته فرأيته وافياً بالمطلوب جامعاً لنكات البحث.
    فأسأل اللّه سبحانه أن يوفّقه لصالح العلم والعمل ، وأن يجعله ذخراً للإسلام والمسلمين.
جعفر السبحاني
قم ـ مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السَّلام )
1 شعبان المعظم 1422 هـ


(7)
    كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد للّه الذي خضع له كلّ شيء ، وقام به كلّ شيء ، والصلاة والسلام على الداعي إلى الحقّ والشاهد على الخلق الذي بلّغ رسالات ربّه محمّد خاتم رسله وأفضل سفرائه ، وعلى آله الذين هم أساس الدين وعماد اليقين.
    أمّا بعد ، فقد أسعفني الحظ في سالف الزمان وقمت بنشر ما استفدته من شيخي العلاّمة الحجّة الفقيه آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني ( مد ظلّه ) وقد كان لما نشرته من المباحث العقلية لعلم الأُصول صدى واسع في الأوساط العلمية ، ولم يخطر ببالي نشر ما استفدته من أُستاذي الكبير في مجال المباحث اللفظية ، ولكن لما شجّعني غير واحد من الأعزّاء على نشر ما بقي من المباحث لتكتمل الدورة الأُصولية ، شمّرت عن ساعد الجد وقمت بتبييض المباحث المذكورة في قوالب واضحة غير مخلّة بالمراد ، ولا مطنبة في البيان ، سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يطيل عمر شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ الذي كان ولم يزل يربي جيلاً بعد جيل بعلمه وفكره وقلمه وبيانه.


(8)
    كما أسأله سبحانه أن يجعل ما بذلته من الجهود في إخراج الجزءين الأخيرين كتاباً نافعاً ينتفع به روّاد العلم وطلاّب الفضيلة.
محمد حسين الحاج العاملي
جبل عامل ـ جزين
15 شعبان المعظم 1422 هـ
يوم ميلاد الإمام القائم ـ عجلّ اللّه تعالى فرجه ـ


(9)
    مقدمة وفيها أُمور :
    1. موضوع العلوم ومسائلها وتمايزها و ...
    2. الوضع وفيه جهات من البحث
    3. الحقيقة والمجاز
    4. استعمال اللفظ في اللفظ وأقسامه
    5. وضع الألفاظ للمعاني الواقعية
    6. وضع المركبات
    7. علائم الوضع أو تمييز الحقيقة عن المجاز
    8. تعارض الأحوال
    9. في الحقيقة الشرعية
    10. ألفاظ العبادات والمعاملات أسام للصحيح أو للأعم
    11. الاشتراك اللفظي
    12. استعمال المشترك في أكثر من معنى
    13. المشتق وانّه حقيقة في المتلبس أو الأعم
    14. مسائل في المشتق


(10)

(11)
    الأمر الأوّل
في موضوع العلوم ومسائلها وتمايزها
    بحث المحقّق الخراساني في الأمر الأوّل عن الموضوعات التالية :
    1. تعريف موضوع العلم.
    2. ما هي النسبة بين موضوع العلم وموضوع المسألة ؟
    3. لزوم وجود موضوع لكلّ علم.
    4. تمايز العلوم.
    5. ما هو موضوع علم الأُصول ؟
    6. ما هوتعريف علم الأُصول ؟
    7. ما هو الفرق بين المسائل الأُصولية والقواعد والمسائل الفقهية ؟
    فهنا جهات من البحث :

    الجهة الأُولى : تعريف موضوع العلم
    قالوا : إنّ موضوع كلّ علم بأنّه « ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية » ، المهم هو التعرف على أمرين :
    1. العرض في المنطق والفلسفة.


(12)
    2. الذاتي وأقسامه.
    أمّا الأوّل فانّ العرض في الفلسفة يقابل الجوهر ، فالماهية إذا وجدت وجدت لا في موضوع فهو جوهر كالإنسان ، وإذا وجدت في موضوع فهو عرض كالسواد.
    هذا هو العرض حسب الاصطلاح الفلسفي.
    وأمّا العرض في الاصطلاح المنطقي فهو أوسع من سابقه ، وهو يطلق على الخارج عن ذات الشيء ، المحمول على الشيء لاتّحاده معه في الخارج ، وعلى هذا فالناطق عرض بالنسبة إلى الحيوان لخروجه عن حقيقته وصحّة حمله عليه لوحدتهما في الخارج في مورد الإنسان ، والمراد من العرض هنا هو المصطلح المنطقي لا الفلسفي ، وربّما صار الخلط بين الاصطلاحين منشأً للاشتباه.
    أمّا الثاني أي الذاتي فيطلق و يراد منه أحد المعاني الثلاثة :
    1. الذاتي في باب الايساغوجي ( الكلّيات الخمس ) ، والمراد منه ما كان جنساً أو فصلاً أو نوعاً للشيء ، وبعبارة أُخرى : ما يكون مقوّماً للموضوع ومن ذاتيّاته ، ويقابله العرضيّ ، وهو ينقسم بدوره إلى عرض عام وخاص كما هو مفصّل في المنطق.
    2. الذاتي في باب البرهان ، وهو عبارة عن الخارج عن ذات الشيء ، المحمول على الشيء من دون حاجة في الانتزاع أو في الحمل إلى وجود حيثية تقييدية في جانب الموضوع ، وهذا كما في قولنا : الإنسان ممكن ، فانّ الإمكان ليس مقوّماً للإنسان ، إذ ليس هو نوعه أو جنسه أو فصله ، ومع ذلك ينتزع منه أو يحمل عليه بلا حاجة إلى حيثية تقييدية على نحو يكون وضع الإنسان ملازماً لوضع الإمكان.


(13)
    وربّما يمثّل بحمل الموجود على الوجود ، والأبيض على البياض ، وربّما يطلق عليه المحمول بالصميمة ، ويقابله ما يسمّى المحمول بالضميمة كحمل الأبيض على الاسم ، فلا يوصف بكونه أبيض إلاّ بعد ضمّ البياض إليه وعروضه عليه.
    3. الذاتي في باب الحمل والعُروض ، ويقابله الغريب ، وهو المراد من قولهم موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فمحمولات المسائل أعراض ذاتية لموضوع العلم.
    وقد اختلفت كلمتهم في تفسير العرض الذاتي في المقام ، فذهب المحقّق الخراساني تبعاً للمحقّق السبزواري في تعاليقه على الأسفار (1) بأنّ المعيار في كون العرض ذاتياً أو غريباً هو أن يكون العرض من قبيل الوصف بحال الشيء لا الوصف بحال متعلّق الشيء.
    وبعبارة أُخرى : العرض الذاتي ما يعرض الشيء بلا واسطة في العروض.
    توضيحه : انّ الواسطة تطلق على عدّة معان :
    1. الواسطة في الثبوت ، وهي ما تكون علّة لعروض المحمول على الموضوع كالنار الموقدة تحت القِدْر التي تكون علّة لعروض الحرارة على الماء في قولنا : الماء حار.
    2. الواسطة في الإثبات ، وهي ما تكون علّة لحصول اليقين بثبوت المحمول للموضوع ، كقولنا : العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث ، فالعالم حادث ، فالتغيّر سبب لحصول اليقين بحدوث العالم. وبذلك يطلق على الحد الأوسط ، الواسطة في الإثبات.
    3. الواسطة في العروض ، وهي المصحِّحة للنسبة بحيث لولاها لما صحّت
1 ـ الأسفار : 1/32.

(14)
النسبة ، كما في قولنا : جرى الميزاب ، فانّ الجاري حقيقة هو الماء لكن علاقة المجاورة أو الحالّية والمحلّية تُصحح نسبة الجريان إلى الميزاب لكـن ادّعاءً ومجـازاً.
    إذا وقفت على ذلك فنقول : إنّ الميزان في عدّ العرض ذاتياً أو غريباً هو كون الوصف بحال الموصوف ، أو بحال المتعلّق ، وهذا هو المقياس لذاتية العرض وغرابته سواء كان عارضاً بلا واسطة ، أو بواسطة مساو ، أو بواسطة أخصّ أو أعمّ. فوجود الواسطة وعدمها ونسبتها مع ذي الواسطة ليس مطروحاً في المقام ، وإنّما المطروح كون النسبة حقيقية أو مجازية ، وعلى ذلك تكون الأمثلة التالية من العرض الذاتي.
    أ : إذا عرض للموضوع بواسطة مباينة ، كالحرارة العارضة للماء بواسطة النار.
    ب : إذا عرض للموضوع بواسطة أعمّ كالمشي العارض للإنسان بواسطة الحيوان الأعمّ من الموضوع.
    ج : إذا عرض للموضوع بواسطة أخصّ ، كالضحك العارض للحيوان بواسطة الإنسان.
    فكلّ ذلك يعدّمن العرض الذاتي دون العرض الغريب. فأخصّية الواسطة أو أعمّيتها أو تباينها لا يضرّ بكون المحمول عرضاً ذاتياً بالنسبة إلى موضوع العلم إذا كان الوصف حقيقياً لا مجازياً.

    تفسير الذاتي عند القدماء
    إنّ القدماء من علماء المنطق ( الذين هم الأساس لتعريف موضوع العلم


(15)
بأنّه ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ) ذهبوا إلى أنّه يشترط فـي مقدّمـات البرهان أُمور أربعة :
    الأوّل : أن تكون النسبة ضرورية الصدق بما لها من الجهة ، وإن كانت ممكنة ، بمعنى أنّه إذا صدق أحد النقيضين كالإيجاب ، يكون النقيض الآخر أي السلب ممتنعاً ، فقولنا : الإنسان كاتب بالإمكان ، ضروري الصدق أي ممتنع خلافها ، بمعنى انّ قولنا : « ليس الإنسان كاتباً بالإمكان العام » محكوم بالامتناع.
    الثاني : أن تكون دائمة الصدق بحسب الأزمان ، فقولنا : الإنسان كاتب بالإمكان العام ، قضية صادقة في عامّة الأزمان.
    الثالث : أن تكون كلّية الصدق بحسب الأحوال ، فالإنسان في كلّ أحواله كاتب بالإمكان ، سواء أكان قائماً أم قاعداً.
    الرابع : أن يكون المحمول ذاتياً للموضوع ، وقد عرّفوا المحمول الذاتي بما يكون الموضوع مأخوذاً في حدّ المحمول ، مثلاً انّ الفطوسة من العرض الذاتي بالنسبة للأنف ، لأنّا إذا أردنا أن نعرف الفطوسة نعرفها بقولنا : « الأنف الأفطس ».
    ونظير ذلك إذا قلنا : الإنسان متعجّب ، و العدد زوج أو فرد ، حيث إنّ الإنسان مأخوذ في تعريف المتعجّب ، فانّه الإنسان الذي تعرضه الدهشة والاستغراب ، كما انّ العدد مأخوذ في تعريف الزوج ، إذ هو العدد المنقسم إلى متساويين.
    فلو كان هناك معروض وعارض فلا يكون الثاني عرضاً ذاتياً إلاّ إذا كان المعروض مأخوذاً في حدّه وتعريفه.
    ومن ذلك يعلم أنّ تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن ، والممكن إلى
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الأوّل ::: فهرس