إرشاد العقول إلى مباحث الأصول الجزء الثاني ::: 151 ـ 165
(151)
وسيوافيك ما هو المرجع من الأُصول ، وعلى الثالث يؤخذ بإطلاق دليل الواجب ويثبت تعدد المطلوب ويجب القضاء بنفس الأمر الأوّل.
    وعلى الرابع يكون الأمر على العكس ، إذ إطلاق القيد يثبت كون الوقت دخيلاً في تمام مراتب مصلحة الواجب لا في بعضها.
    وبعبارة أُخرى يكون إطلاق المقيَّد بياناً للمطلق ، فيؤخذ به لا بالمطلق فلا تتم مقدّمات الحكمة في جانب دليل الواجب.
    والظاهر انّ محط النزاع هو الثاني لا الأوّل ولا الأخيران.

    الأصل العملي في المسألة
    إذا كان دليل الواجب أو دليل التوقيت مهملاً بالنسبة إلى خارج الوقت فما هو المرجع عند الشكّ ؟
    فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ المرجع هو أصالة البراءة وعدم وجوبها في خارج الوقت لا استصحاب وجوب المؤقت بعد انقضاء الوقت ، وذلك لعدم جريان الاستصحاب في المقام لعدم اتحاد القضيتين ، وذلك لأنّ الوقت إمّا قيد للموضوع ( الغُسْل ) أو للمحمول الوجوب ، وعلى كلا الفرضين فإبقاء الحكم بعد خروج الوقت قضية أُخرى غير القضية المتيقنة.
    نعم يستظهر من الروايات الواردة في المستحبّات المقيّدة انّ القيد ليس ركناً بل يأتي بالمستحب خارج الوقت أيضاً كما إذا ورد بزيارة الحسين تحت السماء إذا لم يتمكّن منه لعذر أو لغير عذر فيجوز له الزيارة في البيت وغيره.
    ثمرات القولين :
    تظهر الثمرة في موارد نذكر منها ما يلي :


(152)
    1. إذا ترك الواجب في وقته قطعاً ، فهل يجب عليه القضاء أو لا ؟ يجب على القول الثاني دون الأوّل ، كما إذا لم يخرج الفطرة في وقتها المحدد ، أو تساهل في صلاة الخسوف والكسوف حتّى انجلى النيران ، فهل يجب القضاء أو لا ؟
    2. إذا أتى بالواجب ولكن شكّ في صحّة العمل لأجل الشكّ في الشرائط وعدمها على النحو التالي :
    أ. إذا توضّأ في الظلمة بمائع مردد بين كونه ماء مطلقاً أو مضافاً فشكّ في صحّة العمل بعد خروج الوقت.
    ب. إذا صلّى على جهة ثمّ شكّ بعد خروج الوقت انّها كانت إلى القبلة أو لا.
    ج. إذا توضّأ أو اغتسل والخاتم على اصبعه مع العلم بعدم تحريكه وقت العمل ، فشكّ بعد خروج الوقت في جريان الماء تحته وعدمه.
    توضيحه : انّه لو قلنا بأنّ الأمر الأوّل كاف في إيجاب القضاء ، فالعلم بالقضاء وإن لم يكن موجوداً في الصور الثلاثة ، لكن على القول بهذا الأصل ينقلب الشكّ في المقام ، إلى الشكّ في أصل الامتثال الذي يعبّر عنه بالشكّ في السقوط حيث بعد خروج الوقت يشكّ في أنّه هل امتثل ما علم اشتغال ذمته به ، يقيناً أو لا ، وبما انّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية ، يحكم العقل بلزوم الاشتغال في حالة الشكّ.
    وأمّا لو قلنا بأنّ الأمر الأوّل غير كاف في إيجاب القضاء فلا يجب شيء خارج الوقت ، لأنّه لو علم قطعاً بعدم الامتثال في الوقت فلا يجب القضاء عليه خارج الوقت ، فكيف إذا شكّ في الامتثال ؟ فعدم وجوب شيء بطريق أولى.
    فإن قلت : المشهور عدم العبرة بالشكّ بعد خروج الوقت ، فلماذا لا يكون


(153)
هو المرجع بعد خروجه في هذه الصور الثلاث ؟
    قلت : إنّ القاعدة المزبورة راجعة إلى الشكّ في أصل الإتيان ، فلا يعتد به خارج الوقت ، وأمّا المقام فالشكّ إنّما هو في صحّة العمل المأتي به لا في إتيانه.
    فإن قلت : إنّ مقتضى قاعدة الفراغ هو الحكم بصحّة العمل ، وعليها ، فالوضوء في الصورة الأُولى والثالثة محكوم بالصحة ، مثل الصلاة في الصورة الثانية.
    قلت : سيوافيك في محلّه انّ القاعدة إنّما تجري فيما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة حتى لا يكون حال العمل وحال الشكّ سيّان من حيث التذكر وعدمه ، وأمّا المقام فالحالتان متساويتان من حيث التذكر بشهادة انّه لو نبّهه إنسان حال العمل ، وسأله عن إطلاق الماء وعدمه ، أو جريان الماء تحت خاتمه وعدمه أو كون الجهة قبلة أو لا ، لأجاب بالشك وعدم الترجيح بواحد من الطرفين ، ومثله لا يكون مجرى للقاعدة ، لأنّ المتيقّن منها ما يكون حال العمل أذكر من حال الشكّ كما في روايات الباب ، فلاحظ.


(154)
    الفصل الثاني عشر     إذا أمر المولى فرداً ، ليأمر فرداً آخر بإنجاز فعل ، فهل الأمر الصادر من المولى أمر بذلك الفعل أيضاً أو لا ؟ وإليك بعض الأمثلة :
    1. إذا أمر سبحانه نبيّه أن يأمر الأُمّة بغضِّ الأبصار عن النساء الأجنبيات وقال : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُروجَهُمْ ) (1) ، هل ينحصر أمره سبحانه في الأمر بالنبي فقط ، أو يسري أمره إلى نفس الفعل ، أعني : غضّ البصر ؟
    2. إذا أُمر أولياءُ الصبيان بأمرهم بالصلاة ، فهل يتلخص أمر الشارع في الأمر بالأولياء أو يسري إلى نفس الفعل أي الصلاة أيضاً ، فعندئذ تصبح صلاتهم ، شرعية ؟
    3. إذا أمر الوالدُ ، الولدَ الأكبر بأمر الولد الأصغر ببيع الدار ، فهل يكون
1. النور : 30

(155)
الأصغر مأموراً من جانب الوالد أيضاً ، أو لا ؟ فلو باع الدار قبل أمر الولد الأكبر يكون بيعه صحيحاً لازماً أو لا ؟ والكلام يقع في مقامين :
    الأوّل : في مقام الثبوت
    إنّ للمسألة صوراً ثلاث في عالم التصوّر :
    الف : إذا تعلّق غرض المولى بإنجاز الفعل وكان أمر المأمور الأوّل طريقاً للوصول إليه ، على نحو لو كان المأمور الثاني حاضراً لدى المولى ، لأمره بالفعل مباشرة.
    ب : إذا كانت المصلحة قائمة بمجرّد أمر المأمور الأوّل للثاني منهما من دون أن يكون إنجاز الفعل مورداً للغرض ، مثلاً إذا كان المأمور الثاني معروفاً بالتمرّد عن طاعة المولى ، فيأمر المولى أحد ملازميه بالأمر لغرض أن يقوم بفعل كذا ، فيكون تمام المصلحة قائماً بالإنشاء. وأمر المأمور الأوّل الثاني.
    ج. إذا تعلّق الغرض بنفس الفعل لكن ـ بعد أمر المأمور الأوّل ـ فيكون كلا الشيئين متعلّقين للغرض.
    فعلى الأوّل ، يكون الأمر بالأمر ، أمراً بنفس الفعل ، دون الصورتين الأخيرتين ، وذلك لأنّ الأمر الثاني إمّا تمام الموضوع كما في الصورة الثانية ، أو جزءه كما في الصورة الثالثة ، فلا يصحّ القيام بالفعل قبل ثبوت الموضوع كلّه أو جزؤه.

    ثمرات المسألة
    الثمرة الأُولى : إذا أمر الولي الصبي بالصلاة ، فهل تكون الصلاة مأموراً بها للآمر الأوّل ، أو ينحصر مفاد أمره بنفس الأمر بالثاني ؟ مثلاً ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه قال : « إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين ،


(156)
فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين » فالحديث يدلّ على أنّه سبحانه أمر الأولياء بأمر الصبيان بالصلاة في سنين خاصّة ، فلو قلنا بأنّ الأمر بالأمر بالشيء أمر بنفس ذلك الشيء تقع صلاة الصبي متعلقاً بأمره سبحانه فتصبح صلاته وصومه ، شرعية يُكتفى بصلاتهم وصيامهم عند النيابة عن الغير كما يجوز الاقتداء بهم ، إلى غير ذلك من آثار الصحة ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّه ليس أمراً بالفعل ، بل أمر بالأمر فقط ، فلا يترتّب عليها آثار الصلاة الشرعية.
    والظاهر هو الأوّل فانّ المتبادر عرفاً في هذه المواضع انّ أمر المولى طريق إلى قيام الصبي بالصلاة ، فلو قام بها من دون أمر الآمر الثاني لكان مثل ما إذا قام بعد أمره ، وهذا يكشف عن عدم مدخلية أمره ، فيكون أمره بالأمر أمراً بذلك الشيء.
    كما أنّ أمر الإمام أولاده بالصلاة ، طريقي لا موضوعي ، فأولاد الإمام في خمس سنين ، وأولاد غيره في سبع سنين مأمورون شرعاً ، بأمر غير إلزامي لإتيان الصلاة.
    وربّما تردّ الثمرة بأنّه لا حاجة في إثبات شرعية عبادات الصبي ، إلى هذه القاعدة المتمثلة في هذه الرواية لوجود روايات كثيرة في هذا المورد حيث حكم عليهم بالأمر بالعبادات المحمول على الاستحباب في سنين خاصة. (1)
    يلاحظ عليه : أنّه لا مانع من إثبات المطلب من طريقين ، أحدهما ما أُشير إليه في الروايات ، وثانيهما هذه القاعدة.
1. الوسائل : 6 ، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث 1 ـ 14.

(157)
    إثبات شرعية عبادات الصبي بالعمومات
    ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على شرعيّة عبادات الصبي بالعمومات الواردة في الكتاب والسنة الشاملة للبالغ والصبي ، غاية الأمر انّ حديث الرفع ( رفع القلم عن ثلاثة ، ... الصبي حتّى يحتلم ) رفع الإلزام لا أصل الحكم ولا أصل المحبوبية ، لانّه حديث امتنان ولا امتنان في رفع الحكم غير الإلزامي ، فتكون عباداته شرعية. (1)
    يلاحظ عليه بأمرين :
    1. انّ القول بشمول الخطاب والعمومات لكلّ مميّز ، سواء أكان بالغاً شرعياً أم لا ، خرق للسنّة السائدة بين الأُمم والعقلاء ، فانّ مصبّ القوانين بين العقلاء في عامّة الحضارات هم البالغون لا غيرهم وإن كانوا مختلفين في حدّ البلوغ ولم يثبت انّ للشارع طريقة خاصّة تخالف طريقتهم.
    وبعبارة أُخرى : انّ تعيين نصاب خاص لشمول القانون في المجتمعات الإنسانية ـ بلا فرق بين الدينية وغيرها ـ لقرينة على أنّ التشريع الإسلامي كسائر التشريعات ، رهن الوصول إلى ذلك النصاب غير أنّ الشارع قد حدّد النصاب ولم يفوضه إلى العرف والعقلاء ولكنّه لا يكون مانعاً ، عن انصراف العمومات والخطابات إلى البالغ ذلك النصاب.
    فإن قلت : إذا كان غير البالغ غير مشمول للحكم ، فما معنى « رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم » ، فانّ الرفع فرع الثبوت.
    قلت : إنّ استعمال الرفع ـ وإن لم يكن الحكم ثابتاً ـ لأجل قابلية المميّز
1. مستمسك العروة الوثقى : 8/424 ، المسألة 2 ؛ حقائق الأُصول : 1/342.

(158)
للحكم عليه بشيء من الأحكام ، نظير رفع الحكم عن النائم بل في المجنون أيضاً بإلزام الولي بمراقبته ، فوجود المقتضي للإيجاب ، صار مصحّحاً للاستعمال.
    2. انّ المنشأ هو البعث نحو المطلوب وهو أمر بسيط دائر أمره بين الوجود والعدم وليس أمراً مركباً من أصل الحكم والإلزام حتى يرفع الثاني ويبقى الأوّل.
    الثمرة الثانية
    الثمرة الثانية ما مرّ في صدر البحث من أنّه لو أمر الوالد ولده الأكبر ، بأمر الولد الأصغر ، ببيع الدار ، فاطّلع الولد الأصغر قبل أمر الأكبر فباعه ، فلو قلنا بأنّ مثل هذا الأمر ، أمر بنفس الفعل يكون البيع صحيحاً لازماً دون ما لم نقل فيكون بيعاً فضوليّاً.


(159)
    الفصل الثالث عشر     إذا أمر المولى بشيء ، ثمّ أمر به ثانياً ، فهل هو تأكيد للأمر الأوّل ، أو إيجاب ثان غير الإيجاب الأوّل ويعبّر عنه بالتأسيس؟ هنا صور :
    1. إذا قيّد الأمر الثاني بشيء يدلّ على التعدد ، كما إذا قال : صلّ ، ثمّ قال : صلّ صلاة أُخرى.
    2. إذا كان السبب للأوّل ، غيره للثاني ، كما إذا قال : إن ظاهرت فاعتق ، وإن أفطرت عمداً فاعتق.
    3. إذا كان أحد الأمرين خالياً عن ذكر السبب والآخر محفوفاً بذكر السبب فقط كما إذا قال : توضّأ ، ثمّ قال : إذا بُلت فتوضّأ.
    4. إذا كان كلّ من الأمرين خالياً من ذكره.
    لا إشكال انّ الأمر الثاني في الصورة الأُولى يحمل على التأسيس أي تعدد الوجوب ، وتعدد الواجب ، لمكان قيد « أُخرى » ، وأمّا الصورة الثانية فيحمل على التأسيس أي تعدد الوجوب ، وأمّا تعدد الواجب ـ أي العتق وعدمه ـ فهو مبني على ما سيأتي في باب المفاهيم من التداخل في المسببات أو لا ، وانّه هل يمكن


(160)
امتثال وجوبين ، بفعل واحد أو لا ؟
    وأمّا الصورتان الباقيتان ، فإطلاق المادة وعدم تقييدها بقيد « أُخرى » يقتضي الحمل على التأكيد ، لامتناع تعلّق الوجوبين الكاشف عن الإرادتين ، بشيء واحد ، لأنّ تشخّص الإرادة في لوح النفس بالمراد فلا يعقل التعدد فيها مع وحدة المشخِّص ، هذا حول المادة ، وأمّا الهيئة فربما يقال بأنّها ظاهرة في التأسيس أي تعدد الوجوبين.
    يلاحظ عليه : أنّ الأمر بعد الأمر ظاهر في تعدد الطلب ، وأمّا إنّه طلبُ تأسيس أو طلبُ تأكيد فلا ظهور له في واحد منهما ، فيؤخذ بإطلاق المادة وانّ الموضوع هو نفس الوضوء الآبي عن تعلّق إرادتين به وتكون النتيجة هي التأكيد.
تمّ الكلام في المقصد الأوّل ( الأوامر )
وحان البحث في المقصد الثاني ( النواهي )


(161)
    وفيه فصول :
    الفصل الأوّل : في مادة النهي وصيغته
    الفصل الثاني : في اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوانين
    الفصل الثالث : في كشف النهي عن الفساد وعدمه
    وفيه مقامان :
    الأوّل : كشف النهي في باب العبادات ، عن الفساد
    الثاني : كشف النهي في باب المعاملات عن الفساد



(162)

(163)
    الفصل الأوّل
في مادّة النهي وصيغته
    أسقط المحقق الخراساني البحث في مادّة النهي مع أنّها مثل مادة « الأمر » قابلة للبحث فيها من جهات شتّى ـ على ضوء ما مرّ في مادة الأمر ـ وخصَّ البحث بصيغة النهي التي تمثّلها لفظة « لا تفعل » مكان « إفعل » في جانب الأمر ، كما أسقط كثيراً من المباحث التي خاض فيها في صيغة الأمر نظير : دلالتها على الحرمة وعدمها ، واشتراط العلو أو الاستعلاء وعدمهما ، وظهورها في النفسي العيني التعييني وعدمه ، ودلالتها على الفور والتراخي وعدمه ، إلى غير ذلك من المباحث ، وإنّما ركّز في المقام على الأُمور التالية :
    1. انّ مفاد هيئة النهي هو الطلب.
    2. انّ متعلّق الطلب ، هو الترك لا الكف عن الفعل.
    3. انّ النهي لا يدل على الدوام ، غير أنّ العقل يحكم بأنّ الطبيعة لا تنعدم إلا بانعدام جميع أفرادها.
    4. إذا خالف النهي فهل يدلّ على إرادة ترك المتعلّق ثانياً أو لا ؟
    وإليك دراسة الكلّ واحداً بعد الآخر.


(164)
    الف : مفاد الهيئة
    ادّعى المحقّق الخراساني بأنّ مفاد الهيئة في كلا الموردين هو الطلب ، غير أنّه يتعلّق في الأمر بالوجود وفي النهي بالعدم.
    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره ادّعاء محض والمتبادر منهما غير الطلب ، بل الهيئة في الأمر والنهي تدل على البعث أو الزجر ، حيث إنّ الصيغة تقوم مكان البعث أو الزجر بالفعل ، فانّ الإنسان يبعث غلامه بحركة الرأس ويزجره بالإشارة باليد ، فقام الأمر بالصيغة ، مكان البعث بالرأس ، والنهي بالصيغة مكان الزجر باليد.
    ب : متعلّق الطلب
    ذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ المتعلّق في الأوّل هو الوجود وفي الثاني هو العدم.
    لكنّه خلاف التحقيق ، لأنّ الصيغة مركّبة من هيئة ومادة ، والمادة لا تدلّ إلا على نفس الطبيعة ، فأين الدال على الوجود والعدم ؟
    نعم البعث أو الزجر ، لغاية الإيجاد ، أو الاستمرار على الترك وكون شيء غاية شيء ، غيرُ كونه مأخوذاً فيه وبذلك يسقط البحث عن كون المتعلّق هو الترك أو كف النفس ، وما حولهما من النقض والإبرام.
    ج : عدم دلالتها على الدوام
    ذكر المحقّق الخراساني بأنّ الصيغة لا تدلّ على الدوام والتكرار ، غير أنّ إيجاد الطبيعة يتحقّق بوجود فرد واحد ، وعدمها لا يكون إلا بعدم الافراد.
    ما ذكره ( قدس سره ) ونسبه إلى أنّه مقتضى العقل ، منظور فيه ، بل مقتضى العقل انّ


(165)
الإيجاد والإعدام على نسق واحد ، لما حُقِّق في محلّه من أنّ الطبيعة تتكثّر حسب تكثّر الأفراد فزيد إنسان تام ، وبكر إنسان آخر ، وكلّ حائز تمام الإنسانية ، ونسبة الطبيعة إلى الافراد نسبة الآباء إلى الأبناء لا الأب الواحد بالنسبة إليهم ، فإذا كانت الطبيعة متعددة الوجود حسب تعدد الأفراد ، تكون متعددة العدم كذلك.
    نعم ما ذكره صحيح عرفاً ، فلا تكون الطبيعة معدومة ـ عنده ـ إلا بانعدام جميع الأفراد ، فلو نهى عن السرقة وشرب الخمر والغيبة ، فلا يصدق ترك الطبيعة إلا بترك جميع أفرادها وذلك لمناسبات مغروسة في ذهن المكلّف من أنّ النهي عن الشيء لغاية المفسدة الملزمة في كلّ فرد ، فلا يتحقّق الغرض الغائي ـ الاجتناب عن المفسدة ـ إلا بترك جميع الأفراد.
    د. إذا خالف النهي
    إذا خالف النهي ، فهل يدل على لزوم تركه ثانياً أو لا ؟ والظاهر عدم الدلالة لسقوط النهي بالعصيان ، ولزوم امتثاله ثانياً يتوقف على الدليل ، بل إطلاق المتعلّق يدل على العدم ، وإلا لكان على المولى أن يقيّد ويقول : وإن عصيت فلا تفعل أيضاً.
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول الجزء الثاني ::: فهرس