إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الثالث ::: 586 ـ 600
(586)
    وعلى ضوء ذلك نقول : جزئية السورة المنسية مرفوع بالنسيان ، كما أنّه مرفوع بالاضطرار والإكراه ، نظير رفع وجوب الوضوء الضرري والحرجي بقاعدتي لا ضرر ولا حرج.
    الصورة الثالثة : إذا كان لدليل المركب إطلاق بالنسبة إلى ما عدا المنسي ، كما هو الظاهر من قوله : « لا تعاد الصلاة إلا من خمس » : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ولم يكن لدليل الجزء إطلاق مثله ، كما هو الحال في الاستقرار في حال الصلاة الذي ليس له دليل سوى الإجماع ، والمتيقن منه حال الذكر ، فلو نسي وصلّـى بلا استقرار يصحّ الإتيان بما عدا المنسي لافتراض وجود الإطلاق بالنسبة إليه.
    وأمّا احتمال جزئية الجزء أو الشرط فيجري فيهما البراءة لفرض عدم الدليل الاجتهادي الدال على وجوبه.
    فقد خرجنا بتلك النتيجة : أنّ مقتضى القواعد في الصورتين ـ مع قطع النظر عن حديث الرفع بالنسبة إلى الفقرات الباقية ـ هو بطلان الصلاة في الصورتين الأُولتين ، ولكن بالنظر إلى نسبة حديث الرفع إلى النسيان والاضطرار والإكراه هو الصحّة فيهما.
    وأمّا الصورة الثالثة : فالصلاة صحيحة لجريان البراءة في احتمال جزئية الجزء وشرطية الشرط ، فالصحّة في الأُوليين برفع النسيان ، وفي الثالثة برفع ما لايعلمون.
    إلى هنا تمّ الكلام في مقتضى الدليل الاجتهادي.
    وإليك الكلام في المقام الثاني.


(587)
    الكلام في مقتضى الأُصول العملية
    الكلام في مقتضى الأُصول العملية يختص بما إذا لم يكن في المقام دليل اجتهادي ، وليس هو من هذه الصور إلا الصورة الرابعة : أعني إذا لم يكن لدليل المركب ولا لدليل الجزء إطلاق فأتى بالواجب ما عدا المنسي ، ثمّ ذكر بعد الفراغ من العمل ، والمورد مجرى للبراءة لعدم الدليل الاجتهادي ، في كلا الطرفين إذ الواقع لا يخلو عن أحد أمرين : إمّا أن تكون الجزئيّة مطلقة فتلزم إعادتها ، أو مختصة بحال الذكر ، فيكفي ما أتى به ، فيكون مرجع التردد بين الأمرين إلى الشكّ في ثبوت جزئية الجزء أو شرطية الشرط في حال النسيان وعدمه ، ومعه يكون المرجع هو البراءة.
    إلى هنا علم أنّ حكم الصورتين الأُولتين هو البطلان ولزوم الإعـادة ـ لولا حديث رفع النسيان ـ كما أنّ حكم الصورتين الأخيرتين هو الصحّة لجريان البراءة عن جزئية الجزء وشرطية الشرط.
    الصحّة رهن التكليف بما عدا المنسيّ
    ثمّ إنّ هنا إشكالاً ، أشار إليه الشيخ ، وغيره في كلماتهم. وهو : أنّ رفع الجزئية والشرطية ، أو رفع وجوب الجزء والشرط برفع النسيان ، أو رفع ما لا يعلمون ، لا يضفي على العمل الناقص الصحة ، فمادام لم يتعلّق الأمر بما عدا المنسي فالصحّة رهن تعلّقه به وهو أمر غير ممكن ، لأنّ تكليف الناسي به ، وإيجاب العبادة الخالية عن ذلك ، أمر غير ممكن ، لأنّه لابدّأن يكون الخطاب به بعنوان الناسي ، فإن التفت إليه ينقلب إلى الذاكر ، فلا يكون الحكم الثابت بعنوانه فعليّاً في حقّه ، وإن لم يلتفت فلا يعقل انبعاثه ، ويكون الجعل لغواً.


(588)
    نعم ما يمكن أن يقال : إنّه لا حاجة إلى إحراز الأمر بماعدا المنسي ، إذا كان لدليل المركب إطلاق بالنسبة إلى الأجزاء الباقية ، ولم يكن لدليل الجزء إطلاق كما هو الحال في الصورة الثالثة إذ معنى إطلاق دليل المركب أنّ سقوط وجوب المنسي وعدم الإتيان به في حالة النسيان لا يُخلّ بمطلوبية الأجزاء الباقية فانّها مطلوبة مطلقاً كان المنسي معه أو لا ، وهذا يلازم وجود الأمر ، فالحاجة إلى إحراز الأمر بما عداه إنّما هو في الصورالثلاث ، أعني الأُولى والثانية والرابعة بحالها.
    فإن قلت : فعلى هذا يكون الحكم بصحّة العمل المركب المنسي بعضُ أجزائه ، أمراً غير ممكن ، مع أنّ حديث « لا تعاد الصلاة إلا من خمس » دل على صحّة الصلاة المنسي بعض أجزائها غير الخمسة.
    قلت : إنّ القائل بامتناع خطاب الناسي يصحح العمل من جانب آخر وهو : إحراز وفاء المأتي به بالملاك الملزَم وسقوط الأمر باستيفاء ملاكه ، وإن كان إحرازه أمراً مشكلاً.
    ثمّ المحقّق الخراساني حاول أن يصحح تعلّق الأمر بما عدا المنسي بوجهين :
    الأوّل : أن يكون الواجب في حقّ الذاكر والناسي ماعدا المنسي ، ويختص الذاكر بخطاب يخصّه بالجزء المنسي ، والمحذور في تخصيص الناسي بالخطاب ، لا تخصيص الذاكر ، به. وهذا كما إذا كان الواجب في حقّ الذاكر والناسي ما يتقوم به العمل ، أعني : الأركان الخمسة ، ثمّ يكلّف خصوص الذاكر ببقية الأجزاء والشرائط ، وهذا بالنظر إلى « حديث لا تعاد الصلاة إلا من خمس » الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ، غير بعيد.
    وإن كان الإذعان به يتوقف على دليل قاطع.
    وقد أشار المحقّق الخراساني إلى هذا الجواب بقوله : كما إذا وجّه الخطاب ـ على نحو يعم الذاكر والناسي ـ بالخالي عمّا شكّ في دخله مطلقاً ، وقد دلّ دليل


(589)
آخر على دخله في حقّ الذاكر.
    فإن قلت : إنّ المحاولة وإن صححت إمكان تعلّق الأمر بما عدا المنسي ثبوتاً ، لكنّها لا تجدي في مقام الإثبات ، وذلك لأنّ الناسي ، قصد الأمر المتوجه إلى الذاكر المتعلّق بالمنسي وغيره ، مع أنّ الأمر المتوجه إليه ، هو الأمر المتعلّق بما عدا المنسي ، فما قصده ليس أمر الناسي ، وما هو أمره لم يقصده.
    قلت : إنّ الناسي قصد أوّلاً وبالذات الأمر الفعلي المتوجه إليه ، لكنّه تخيّل أنّ الأمر المتوجه إليه هو الأمر المتوجه إلى الذاكر ، غفلة عن حقيقة الحال ، ومثل هذا لا يضرّ ، لأنّه من قبيل الخطأ في التطبيق ، وهذا نظير من اقتدى بالإمام الحاضر جداً ، لكن زعم أنّه زيد فبان أنّه عمرو ، فصلاته محكومة بالصحّة ، لأنّ المقصود الواقعي هو الاقتداء بالإمام الحاضر زيداً كان أو عمراً ، والتطبيق ناش عن الغفلة والجهل بالواقع.
    الثاني : انّ الخطاب يتوجه إلى الناسي لا بعنوانه ، بل بعنوان عام ملازم ، كما إذا قال : أيّها البارد مزاجاً صلّ كذا ؛ أو خاص ، كما إذا قال : يا زيد صلّ كذا ، أي يذكر الأجزاء دون السورة ، وإليه أشار المحقّق الخراساني بقوله : أو وجّه إلى الناسي بخطاب يحضه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص ، لا بعنوان الناسي لكي يلزم استحالة إيجاد ذلك عليه بهذا العنوان لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة.
    يلاحظ على هذا الجواب : أنّه مجرّد زعم وخيال لا واقع له لعدم وجود خطاب شخصي في الشريعة ، وأمّا العنوان العام أعني البارد مزاجاً فليس يلازم الناسي ، بل النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه.
    ثمّ إنّ المطلوب في المقام ، إثبات تعلّق الأمر بما عدا الناسي حتى يحكم بصحّة صلاة الناسي ، وعدم لزوم الإعادة عليه بعد رفع النسيان وما أُفيد من


(590)
الجوابين ، لا يتكفلان ذلك ، وأقصى ما يُثبتان إمكان التعلّق وعدم استحالته ، وأين هو من إثبات الوقوع في الشريعة ، حتى تترتب عليه صحّة الصلاة.
    فلا محيص عن محاولة ثالثة تتكفل إثبات الوقوع ، وهذا ما سنذكره في الجواب الثالث الذي أخذنا لُبَّه عن العلمين الجليلين السيد البروجردي في درسه الشريف والسيد الإمام الخميني ـ قدّس سرّهما ـ وإليك البيان وحاصل كلامهما بتوضيح منّا :
    تصحيح تعلّق الأمر بخطاب واحد
    إنّ الناسي لا يحتاج إلى خطاب خاص يبعثه إلى الخالي عن المنسي ، بل الذاكر والناسي ، مثل الحاضر والمسافر والصحيح والمريض ، محكوم بنفس الخطاب الموجّه إلى الذاكر ، كما أنّ المسافر والمريض محكومان بنفس الخطاب الموجّه إلى الحاضر والصحيح ، فالكلّ محكوم بالإرادة الاستعمالية بالصلاة الجامعة (1) للأجزاء والشرائط ، وأمّا حسب الإرادة الجدّية فالمسافر والمريض والناسي محكوم بأقلّ ممّا حكم على مقابليهم ، وهذا على طرف النقيض من الجواب الأوّل ، حيث إنّه على أساس أنّ الجميع في المرحلة الأُولى محكومون بالأركان الخمسة ، ثمّ يختص الذاكر ، بأُمور زائدة عليها بالأمر الثاني.
    وأمّا على هذا الجواب فليس هنا إلا أمر واحد وهو متعلّق بالعنوان الجامع للأجزاء والشرائط المجردة عن الموانع والقواطع حسب الإرادة الاستعمالية ، لكن الإرادة الجدّية تعلق في حقّ المسافر والمريض والناسي بأقل من ذلك ، كاستثناء الركعتين في مورد المسافر حيث قال : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
1. و بهذا يفترق هذا الجواب عن الجواب الأوّل ، حيث إنّه كان مبنياً على أنّ الأمر متعلّق بالأركان ، والأمر الثاني مختص بالذاكر ، وهو الإتيان بها ، مع أجزاء وشرائط أُخرى.

(591)
جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة ) (1) فلفظة ( أَنْ تَقْصُروا مِنَ الصَّلاة ) دالّ على أنّ المسافر محكوم بنفس الأمر المتوجه إلى الحاضر ، لكن يجوز له قصرها ، ونظيره المريض والناسي ، الذي يجمعهما المعذور فقد دلّ الدليل على رفع الجزء الحرجي والمنسي عنهما ، ومرجع رفعه في حقّهما إلى استثنائهما من دون أن يمس الاستثناء ، كرامة الأمر ، أو يحوج الآمر ، إلى أمر آخر بالخالي عنه.
    ويؤيد ذلك ما سبق من أنّ الأمر المتعلّق بالمركب يدعو جميع الأصناف إلى العنوان الذي تعلّق به الأمر لكن بالإرادة الاستعمالية ، ولما دلّ الدليل الخارجي على عدم مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدّية في بعض الأجزاء لطروء عنوان مانع عن الامتثال كالمرض والنسيان ، تسقط دعوة الأمر بالنسبة إليه بحكم العقل ، ومع ذلك تبقى دعوة الأمر إلى الأجزاء الباقية ، لأنّه يدعوه إلى العنوان ، وهو أمر مقول بالتشكيك يصدق على الجامع للجزء المنسي والخالي عنه ، وليست دعوة الأمر إلى الباقية مشروطة بدعوته إلى الأجزاء المنسية لما علمت من وجود المرونة في صدق العنوان على كلا الفردين من الصلاة ، وليس صدق عنوان الصلاة على الصلاة المقصورة أولى من صدقها على الصلاة الرباعية المنسية سورتها.
    هذا هو الحقّ القراح في المسألة الذي عليه ، سيد مشايخنا المحقّق البروجردي ، والسيد الإمام الخميني ـ قدّس اللّه سرّهما ـ.
    فإن قلت : ما هو السرّ في الإصرار على إحراز الأمر بما عدا المنسي ، مع كفاية الملاك في صحّة العبادة ؟
    قلت : إنّ إحراز الملاك أشكل من إحراز تعلّق الأمر بما عدا المنسيّ ، للشك في وفاء ما أتاه الناسي بغرض المولى ، فلا مناص عندئذ من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ، وقضاء الواجب بعد رفع النسيان.
    ثمّ إنّه ما قررناه ، يعلم أنّ الاشكال الذي أثاره المحقّق النائيني وتبعه تلميذه
1. النساء : 101.

(592)
الجليل ليس بمهمّ ، وإليك كلامهما :
    قال الأُستاذ قدَّس سرَّه : إذا كان لدليل المنسي إطلاق يشمل صورة النسيان ، فمقتضى إطلاقه هو عدم التكليف ببقية الأجزاء ، فإنّه ليس في البين إلا تكليف واحد تعلّق بجملة الأجزاء ومنها الجزء المنسي ، وهذا التكليف الواحد سقط بنسيان بعضها فلابدّ من سقوط التكليف المتعلّق بجملة العمل ، فلو ثبت التكليف ببقية الأجزاء فهو تكليف آخر غير التكليف الذي كان متعلّقاً بجملة الأجزاء ، ولابدَّ من قيام دليل بالخصوص على ذلك فالتكليف بما عدا المنسي يحتاج إلى دليل غير الأدلّة المتكفلة لبيان الأجزاء. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ الاشكال مبني على أنّ متعلّق الأمر هو الأجزاء مباشرة ، فكأنّ بأمر المولى ، بالتكبير ، والقراءة ، والحمد والسورة ، ـ كما إذا نسي الحمد ـ سقط التكليف المتعلّق بهذه الأجزاء فتعلّقه بغير المنسي يحتاج إلى دليل.
    ولكنّك عرفت أنّ متعلّق التكليف هو العنوان الذي هو وجود إجمالي للأجزاء ، والأجزاء وجود تفصيلي له ، فمتعلق الأمر هو العنوان ، لا الأجزاء بلا واسطة ، وقد عرفت أنّ الإرادة الاستعمالية تعلّقت بالعنوان الذي هو عبارة إجمالية عن الأجزاء والشرائط بأجمعها ، لكن المولى أشار بدليل آخر إلى سقوط الإرادة الجدّية في حقّ المنسي ، وإخراجها عن تحت الأمر ، لكن إخراجها ، لا يوجب سقوط الأمر عن العنوان ، لما عرفت من صدق العنوان على الواجد والخالي ، فالأمر باق على العنوان وله دعوة إلى الأجزاء إلا ما خرج بالدليل.
    بذلك تقف على عدم تمامية ما أفاده تلميذه الجليل حيث قال : إنّ نفي الجزئية أو الشرطية لا يكون إلا برفع منشأ انتزاعهما من الأمر بالمركب أو المقيّد ، ولا يترتب عليه ثبوت الأمر بالمنسي كما هو المدعى وقد علم ممّا ذكرنا عدم تماميته فلاحظ.
1. فوائد الأُصول : 4/216.

(593)
    التنبيه الثاني : في حكم الزيادة عمداً أو سهواً
    وتحقيق المقام يتوقف على البحث في أُمور :
    الأوّل : في تصوير الزيادة في الجزء والشرط مع أنّه إن أخذ « لا بشرط » لا تتحقق الزيادة ويكون الزائد من مصاديق المأمور به ، وإن أُخذ « بشرط لا » يكون تكراره موجباً لنقص الشرط.
    الثاني : هل يعتبر في تحقّقها أن يكون المزيد من سنخ المزيد عليه أو لا ؟ وبعبارة أُخرى : هل يعتبر كون المزيد من سنخ أجزاء الواجب قولاً وفعلاً ، أو لا ؟
    الثالث : هل يعتبر قصد الزيادة إذا كان المزيد من سنخ أجزاء الصلاة أو لا ، بل يكفي مطلق الإتيان به وإن لم يكن عن قصد ؟
    الرابع : حكم الزيادة حسب القواعد الأوّلية.
    الخامس : حكم الزيادة حسب القواعد الثانوية.
    وإليك دراسة الكل واحداً بعد الآخر.
    الأوّل : تصوير زيادة الجزء والشرط
    فصّل المحقّق الخراساني في تصوير الزيادة ثبوتاً ، بين أخذ الجزء في الواجب لا بشرط ، واعتبار عدم الزيادة في أصل المركّب لا في جزئية الجزء وشرطيّة الشرط ، وبين أخذهما بشرط لا ، فعلى الأوّل تكون الزيادة من قبيل زيادة الجزء ، وعلى الثاني فهو يكون من قبيل نقص الجزء أو الشرط لعدم الإتيان به بوصفه ، أعني بشرط كونه وحده.
    يلاحظ عليه : أنّ المحاولة غير ناجحة في كلا الوجهين :
    أمّا الأوّل : فلأنّه إذا كان الجزء مأخوذاً لا بشرط ، ولم تكن الزيادة قيداً في


(594)
جزئيته ، وإنّما تكون قيداً مأخوذاً في المركب ، لا يكون الفرد الثاني زيادة في الجزء ، لأنّ المفروض أخذ طبيعي الجزء ، جزءاً للصلاة ، وهو يجتمع مع الواحد والكثير ، فالفرد الثاني لا تنطبق عليه زيادة الجزء ، ولو كان مخلاً فإنّما هو لاعتبار أخذ عدم الزيادة جزءاً أو شرطاً في المركّب ، فيكون الفرد الثاني موجباً لفقدان الشرط أو الشطر.
    وأمّا الثاني : فانّ الجزء فيه مركّب من جزئين ، ذات الجزء وقيد الوحدة ، والفرد الثاني بالنسبة إلى ذات الجزء زيادة ، وبالنسبة إلى قيد الوحدة منشأ للنقيصة ، ولا مانع من أن يكون شيء واحد منشأ للزيادة والنقصان.
    وأجاب المحقّق الخوئي بوجه آخر وهو : أن يكون مأخوذاً بنحو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات ففي مثل ذلك وإن كان انضمام الوجود الثاني وعدمه على حدّسواء في عدم الدخل في جزئية الوجود الأوّل ، إلا أنّه لا يقتضي أن يكون مصداقاً للمأمور به وحينئذ تتحقق الزيادة. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ أخذه على نحو صرف الوجود لا يخلو من حالتين ، إمّا أن يكون مأخوذاً « لا بشرط » فلا يكون زيادة في الجزء ، لأنّ المأخوذ هو ذات الجزء من غير تقييده بوحدة ولا كثرة فيكون الفرد الثاني ، كأذكار الركوع والسجود كلما زادت يكون الزائد ، جزءاً لا زيادة ، وإن كان مأخوذاً بشرط لا فيكون من قبيل النقيصة.
    والأولى أن يجاب : بأنّ الموضوع في المقام وفي الروايات عرفي ، والزيادة تصدق على الفرد الثاني من غير نظر إلى هذه الدقة العقلية وقوله : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » ناظر إلى الاستعمالات العرفية حتى لو أُخذ الجزء بنحو بشرط لا ، ويرشدك إلى هذا أنّ الركعة الثالثة زيادة في صلاة الفجر ، والركعة الرابعة زيادة في صلاة المغرب ، ومثله الركوع والسجود الثاني ، مع أنّ الجميع أخذ بشرط لا.
1. مصباح الأُصول : 2/467.

(595)
    نعم لا تتصور الزيادة فيما إذا كان الجزء طبيعي الجزء ، بلا تحديد في جانب القلّة والكثرة ، كما ذهب إليه بعضهم في أذكار الركوع والسجود ، فما أُتي فهو من مصاديق الجزء.
    الثاني : في شرطية كون المزيد من سنخ المزيد فيه وعدمها
    هل يشترط في صدق الزيادة كون المزيد من سنخ المزيد فيه ، أو لا ؟ أو يفرّق بين الإتيان ، بقصد الجزئية فتصدق الزيادة أو لا معه ، فلا تصدق ؟
    لا شكّ انّ الزيادة في التكوين رهن كونه مسانخاً للمزيد فيه ، فلو أضاف عموداً ، جنب عمود آخر ، أو زاد في كمية جزء لمعجون ، يطلق انّه زاد فيه ، دون ما إذا لم يكن مسانخاً ، كما إذا أدخل في الدواء المحدّد أجزاؤه ، شيئاً لا يمتّ له بصلة كطحين الحنطة.
    وأمّا الأُمور الاعتبارية فلو كانت الزيادة مسانخة للمزيد فيه فسيأتي الكلام فيه في الأمر الثالث ، إنّما الكلام في صدقها فيما إذا لم يكن مسانخاً كحركة اليد في الصلاة ، والتأمين والتكتّف ، فالظاهر الفرق بين الإتيان به بقصد الجزئية فتصدق الزيادة دونما إذا لم يقصد ، ولذلك لا تصدق الزيادة على الأُولى دون الأخيرين حيث إنّ أهل الخلاف يأتون بهما بنية الجزئية.
    الثالث : في شرطية قصد الجزئية في الجزء المسانخ وعدمها
    هل يشترط في صدق الزيادة الإتيان بالجزء المسانخ بقصد الجزئية أو لا يشترط ، أو يفصل بين الأقوال والأفعال ؟
    والأخير مختار المحقّق النائيني قدَّس سرَّه ، كما أنّ الأوّل مختار المحقّق الخوئي ، ولعلّ الأظهر هو الوجه الثاني ، وإليك بيان الوجهين ثمّ المختار.


(596)
    قال المحقّق النائيني : ما كان من سنخ الأقوال كالقراءة والتسبيح فيعتبر في صدق الزيادة قصد الجزئية وإلا كان من الذكر والقرآن غير المبطل ، وأمّا ما كان من سنخ الأقوال كالقيام والركوع فلا يعتبر في صدقها قصد الجزئية فانّ السجود الثالث زيادة في العدد ، المعتبر من السجود في الصلاة في كلّ ركعة وإن لم يقصد بالسجود الثالث ، الجزئية. (1)
    يلاحظ على الشق الأوّل : أنّ عدم الصدق عند عدم قصد الجزئية لورود الدليل على أنّ ذكر اللّه حسن في كلّ حال ، أو قراءة القرآن جائز في تمام الأحوال ، وإلا لصدق الزيادة سواء قصد الجزئية أو لا.
    وقال المحقّق الخوئي في لزوم قصد الجزئية : إنّ المركّب الاعتباري كالصلاة مثلاً مركّب من أُمور متباينة مختلفة وجوداً وماهية ، والوحدة بينهما متقومة بالقصد والاعتبار ، فلو أتى بشيء بقصد ذلك المركب كان جزءاً له وإلا فلا ، وما ورد من أنّ الإتيان بسجدة التلاوة في أثناء الصلاة زيادة فيها ، تعبّد شرعي وإن لم يكن من الزيادة حقيقة.
    والأولى أن يقال : انّ المركب الاعتباري وإن كان مؤتلفاً من أُمور مختلفة وجوداً وماهية ولكن تكبيرة الافتتاح يعدّ دخولاً في عمل واحد مستمر عرفاً إلى أن يأتي بما جعله الشارع خروجاً عنه ، والهيئة الاتصالية المستمرة هي التي تبلع تلك المواد المختلفة ، وتضفي عليها صورة وحدانية ، وعند ذلك لوكان الزائد من غير جنس المزيد لا يعد زيادة في الفريضة لعدم التسانخ بين المزيد والمزيد عليه كحركة اليد أو وضع اليد اليمنى على اليسرى بل يعدّ أمراً أجنبياً ، اللّهمّ إلا إذا قصد الجزئية ، وأمّا إذا كان المزيد من جنس المزيد فيه ، فالعرف لا يتوقف في وصفه بكونه زيادة في الفريضة وإن ادّعى المصلّي أنّه ما أتى به ، بعنوان انّه جزء من
1. فوائد الأُصول : 4/241.

(597)
الصلاة ، بل يرى المماثلة العرفية كافية.
    ويشهد بذلك ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السَّلام قال : « لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة ». (1) وحمل ذلك على التعبد والمجاز ، غريب مع ورودها في غير واحد من الروايات.
    الرابع : ما هو مقتضى القواعد الأوّلية في الزيادة ؟
    المراد من القواعد الأوّلية في المقام ، ما يكون مرجعاً عند فقد الدليل الاجتهادي الدال على الصحّة أو البطلان وليس هو إلا الأُصول العقلية والشرعية كما أنّ البحث ليس مركزاً على الزيادة السهوية بل يعمّ العمدية منها ذلك لأنّها تفارق النقيصة ، حيث إنّ العمدية من النقيصة مبطلة قطعاً ، لأنّ البطلان من لوازم الجزئية عند ترك الجزء عمداً وليست كذلك الزيادة العمدية.
    إذا عرفت ذلك : فاعلم أنّه لا شكّ في بطلان العمل بالزيادة في القسمين التاليين :
    1. إذا أخذ الجزء لا بشرط واعتبر عدم الزيادة قيداً للمركب لا للجزء.
    2. إذا أخذ الجزء بشرط لا.
    لأنّ الزيادة توجب عدم مطابقة المأتي به للمأمور به فلا كلام في بطلان المركّب في هذين القسمين وخروجهما عن محطّ البحث.
    إنّما الكلام في القسم الثالث ، هو انّه لم تُحْرز كيفية اعتبار الجزء ودار الأمر بين كونه من ذينك القسمين أو القسم الثالث وهو أخذ الجزء لا بشرط في جانب الزيادة على نحو لو أتى بها يكون من مصاديق المأمور به لا أمراً زائداً عليه.
1. الوسائل : الجزء 4 ، الباب 40 من أبواب القواعد ، الحديث 1 وغيره.

(598)
    فمرجع الشكّ عندئذ إلى أخذ العدم قيداً للمركب أو لجزئية الجزء ، أو أخذ الزائد مانعاً أو قاطعاً والأصل في الجميع هو العدم.
    فإن قلت : إذا دار الأمر بين أخذ الجزء « لا بشرط » وأخذه « بشرط لا » ، فقد دار الواجب بين المتبائنين ، لأنّهما قسمان من أقسام اللا بشرط المقسمي والحكم فيهما هو الاحتياط ، أي ترك الزيادة ، والإعادة معها.
    قلت : الميزان في كون المورد مجرى للبراءة أو لا ، كون أحد الطرفين أقلّ مؤنة من الطرف الآخر ، ووجود السعة فيه دون الآخر ، والحكم في المقام كذلك ، لأنّ في أخذ العدم قيداً للمركب أو لجزئية الجزء ضيقاً ليس في جانب الآخر أي أخذ الجزء لا بشرط. نظير ذلك ، دوران الأمر بين كون الخصال ترتيبيّاً أو تخييراً إذ لا شكّ انّ في الثاني سعة دون الأوّل (1) وعلى ذلك يصحّ العمل مع الزيادة العمدية أو السهوية لعدم الدليل على أنّ عدمها مأخوذ في الصلاة في جانب الجزء أو المركب.
    لكن الحكم بالصحّة فيما إذا كان قاصداً للامتثال مطلقاً سواء كان الزائد دخيلاً أو لا ، كما إذا كان قاصداً لامتثال الأمر الفعلي المتوجه إليه لكنّه يتصوّر انّ الواجب هو المشتمل على الزائد ، فيأتي به ، فيكون المقام من قبيل الخطأ في التطبيق.
    أمّا لو لم يكن قاصداً إلافي صورة خاصة وهي ما إذا كان الزائد دخيلاً في العبادة على نحو لو لم يكن جزءاً للواجب لما قصد الامتثال ، فهو محكوم بالبطلان لعدم قصد امتثال الأمر الواقعي وإن كان ذلك نادر الوجود.
    وربما يتمسك ـ مكان البراءة ـ بالاستصحاب لإثبات الصحّة قد قُرر بوجوه مختلفة نذكر ما هو الصحيح عندنا.
1. وهذا غير ما مرّ في الأوامر من أنّه إذا دار كون الواجب تعينياً أو تخييرياً ، فالأصل كونه تعينياً ، فلاحظ.

(599)
    الأوّل : استصحاب الهيئة الاتصالية
    اعلم أنّ الموجود ينقسم إلى : قار الذات ، وغير قارها. والمراد من الأوّل ما يتحقّق عامة أجزائه في زمان واحد ، كالأنواع الجوهرية ، والمراد من الثاني خلافه ، أي لا تجتمع أجزاؤه دفعة واحدة في زمان واحد على الرغم من كونه موجوداً وجدانيّاً لا كثرة فيه ، وذلك لأنّ لوجوده سيلاناً عبر الزمان ، فكما أنّ الزمان موجود غير قار الذات فهو أيضاً يسايره وذلك كنفس الحركة وسيلان الماء إلى غير ذلك من الموجودات المتدرّجة الذات.
    والصلاة من المقولة الثانية فرغم انّ لها وجوداً وحدانياً لكنّها توجد متدرجة بأوّل جزئها ، أعني : التكبيرة ، وتنتهي بآخر جزء منها بلا تخلّل عدم بينهما ، غير انّ الاتصال في الصلاة اعتباري وفي غيرها كسيلان الماء والحركة حقيقي.
    ثمّ إنّ الصلاة عبارة عن الأقوال والأفعال وأمّا السكنات المتخلّلة فخارجة عنها ، غير انّ الهيئة الاتصالية لهذا الموجود الاعتباري تجعل السكنات داخلة فيها ، فليس المصلي حال كونه ساكناً غير قارئ ولا فاعل ، خارجاً عن الصلاة بل هو فيها ، فكأنّ الهيئة الاتصالية كخيط يضم شتات الأجزاء ويوصل بعضها ببعض فالآتي بالمركب داخل فيه من أوّله إلى آخره حتى في السكونات المتخلّلة.
    والذي يدل على أنّ الشارع اعتبر الهيئة الاتصالية فيها هو انّه يعبر عن كثير من المفسدات بالقواطع (1) إذ لولاها لما كان لاستعماله وجه.
    مضافاً إلى ذلك انّ ارتكاز المتشرعة يدل على تلك الهيئة.
1. الوسائل : الجزء 4 ، ص 1240 ، أبواب قواطع الصلاة إلى ص1484. روى أبو بكر الحضرمي عنهما عليهما السَّلام : « لا يقطع الصلاة إلا أربعة....لاحظ باب 1 ، الحديث 2. كان علي ( عليه السَّلام ) يقول : « لا يقطع الصلاة الرعاف » ( الباب 2/8 ).

(600)
    إذا عرفت ذلك ، فلو أتى المصلّي بشيء يشك في قاطعيته كالتجشّؤ فيستصحب بقاء الهيئة الاتصالية وهذا يكفي في صحّة الصلاة.
    الثاني : استصحاب عدم وقوع القاطع والمانع في الصلاة
    توضيحه : أنّ مشكوك المانعية والقاطعية ، إمّا أن يكون مقروناً مع الصلاة من افتتاحها ، ففي مثله ، لا يجري ذاك الاستصحاب لعدم حالة سابقة مقطوعة ؛ وأمّا إذا لم يكن كذلك وكانت الصلاة في افتتاحها مجردة عنه ففي مثله يجري الاستصحاب المذكور ، كما إذا حمل اللباس المشكوك في أثنائها ، أو أتى بجزء زائد فشك في وقوع القاطع وعروض المانع على الصلاة وعدمهما ، فيقال لم تكن الصلاة في مفتتحها مشتملة عليه والأصل بقاؤها على ما هي عليها ، وتكون النتيجة كون الصلاة بلا مانع والهيئة الاتصالية بلا قاطع. ولو كان التقرير الأوّل مختصاً بالشكّ في عروض القاطع ، لكن هذا التقرير يعمّ الشكّ في حدوث المانع.
    ثمّ إنّ سيدنا الأُستاذ قدَّس سرَّه أورد على هذا الاستصحاب بأنّه مثبت ، وحاصل ما أفاد : إنّ الأثر ربما يترتب على كون الشيء موصوفاً بعنوان كما إذا قال : صلّ خلف الرجل العادل ، وأُخرى على الموضوع المقيد بالشيء كما إذا نذر التصدّق إذا قامت البيّنة على عدالة زيد ، ولكلّ أثر خاص ، فلو أراد أن يأتم بزيد فشك في كونه عادلاً وقت الائتمام أو لا ، فله أن يستصحب الموضوع الموصوف ويقول : كان زيد عادلاً والأصل كونه كذلك ، ولا يصحّ له استصحاب القيد بأن يقول : عدالة زيد كانت ثابتة والأصل بقاؤها ، وذلك لأنّ استصحاب القيد لا يثبت كون زيد عادلاً إلا على القول بالملازمة العقلية بين بقاء عدالته وكونه عادلاً.
    وعلى ذلك فجريان الاستصحاب في نفس القيد ، أي القول بعدم تحقّق القاطع لا يثبت كون الصلاة غير مقرونة بالمانع والقاطع.
    يلاحظ عليه : أنّ عدّ مثل هذا من المثبتات يوجب إدخال كثير من الاستصحابات في الأصل المثبت ، مثلاً ، استصحاب بقاء الوقت لا يثبت كون
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الثالث ::: فهرس