إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 211 ـ 225
(211)
    إذا عرفت ذلك ، فقد قال المحقّق الخراساني بجريان الاستصحاب في الأوّلين دون الثالث.
    أمّا الأوّل فلأنّ الطبيعي في الخارج عين الفرد فلا اثنينية بينهما في الخارج فاستصحاب بقاء زيد عين استصحاب بقاء الإنسان.
    وأمّا الثاني فلأنّه لا وجود للكلي إلاّ بمنشأ انتزاعه ، فالفرد ـ وإن شئت قلت : منشأ الانتزاع ـ في الخارج نفس العنوان المنتزع الذي هو الموضوع للحكم فاستصحاب العين ( الذي ملكه أو غصبه عمرو ) كاف في استصحاب آثار الملكية والغصبية عليه ، ونظير ذلك استصحاب بقاء الولي والزوج فيترتب عليه بقاءً آثار الولاية والزوجية.
    هذا كلّه بالنسبة إلى الأوّلين.
    وأمّا الثالث فلايصحّ استصحاب الفرد أي الجسم وإثبات عنوان الأسود وترتيب أثر الكلي على الفرد ، وذلك لأنّ نسبة الفرد إلى العنوان الكلي كنسبة المباين إلى المباين ، فهو أشبه باستصحاب الحياة وإثبات نبات اللحية.
    هذا توضيح كلامه في المقطع الأوّل.
    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره في المقطع الثالث صحيح ، إنّما الكلام في جريان الاستصحاب في القسمين الأوّلين وترتيب الأثر الكلي على الفرد المستصحب ، وذلك أمّا لاحاجة إلى هذا الاستصحاب أو انّه مثبت.
    أمّا الأوّل : فهو جارفي القسم الأوّل ، وذلك لأنّه إذا كان كل من الفرد والكلي مسبوقاً باليقين فيجري الاستصحاب في كل منهما مباشرة ولاحاجة إلى استصحاب الفرد لغاية إثبات أثر الكلي على الفرد إذ هو أمر لغو.


(212)
    وأمّا الثاني : فالضابطة صحيحة ، ولكن الإشكال في الأمثلة فانّ ما مثل به لهذا القسم من قبيل المحمول بالضميمة وليس من المحمول بالصميمة ، لما تبيّن في محله من أنّ الميزان في الخارج المحمول هو ما يكون وضع الموضوع كافياً في وضع المحمول كالإنسان بالنسبة إلى الممكن ، وليس المقام كذلك ، إذ ليس فرض الموضوع في الخارج كالفرس كافياً في انتزاع الملكية أو الغصبية ما لم تنضم إليه حيثية عقلائية ، وهي دخول الشيء في حيازته أو خروجه منها مع استيلاء الغير عليه.
    ومن هنا يعلم أنّ الزوجية والولاية من قبيل المحمول بالضميمة ، لأنّ فرض الإنسان لايلازم فرض الزوجية والولاية. ومنشأ الخلط انّ المحقق الخراساني جعل الضابطة في الفرق بين القسمين الأخيرين وجودَ ما يحاذيه في الخارج وعدمه ، فجعل ما لايحاذيه من المحمول بالصميمة ، وما يحاذيه من المحمول بالضميمة ، مع أنّ المقياس ليس ذلك ، بل المقياس كفاية فرض الموضوع في وضع المحمول وعدمها.
    هذا كلّه حول المقطع الأوّل ، وإليك الكلام في المقطع الثاني.
    ب : لا فرق بين المجعول بنفسه أو بمنشأ انتزاعه
    لا يشترط في الأثر أو المستصحب ـ إذا كان المستصحب حكماً شرعياً ـ أن يكون مجعولاً بنفسه ، بل يكفي كونه مجعولاً بمنشأ انتزاعه ، وعلى ذلك فالجزئية والشرطية والمانعية وإن كانت أُموراً انتزاعية عقلية لكنّها تنتزع من الحكم التكليفي بالشرط أو الجزء أو المانع ، فإذا قال سبحانه : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرافِقِ ) (1) ينتزع منه الشرطية ، فإذا قال
1. المائدة : 6.

(213)
النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » ، أو قال : « يا علي لاتصلِّ في جلد ما لايشرب لبنه ، وما لايؤكل لحمه » (1) تنتزع منه الجزئيّة والمانعية.
    وعلى ذلك فنفس هذه الأحكام يصحّ أن تقع مصبّاً للاستصحاب ، لأنّها أحكام شرعية بمعنى انّ وضعها ورفعها بيد الشارع ولو باعتبار منشأ انتزاعها ، كما يصحّ أن تقع أثراً للمستصحب كاستصحاب الجزء والشرط والمانع لغاية ترتب هذه الآثار : الجزئية ، الشرطية ، المانعية.
    يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ استصحاب هذه العناوين كاستصحاب جزئية السورة وشرطية الشرط أو مانعية المانع في حال التعذر لاغبار عليه ، فتكون النتيجة كونها شرطاً أو جزءاً أو مانعاً مطلقاً في عامة الأحوال حتى حال التعذر فيسقط الأمر بالباقي ، إنّما الكلام في جريان استصحاب الفرد وترتيب أحد هذه الآثار عليه حيث قال : « فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية والمانعية بمثبت » ، لأنّ ما ذكره لايعود إلى معنى صحيح ، لأنّ استصحابهما بما هما شرط أو مانع عبارة أُخرى عن استصحاب نفس الشرطية والمانعية ، فلاحاجة إلى ذلك الاستصحاب مع جريانه مباشرة في الأثر المترتب عليه أي الشرطية والمانعية.
    وثانياً : لاحاجة حتى إلى استصحاب هذه الأُمور ( الجزئية والشرطية والمانعية ) بعد إمكان جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية كاستصحاب وجوب الوضوء ووجوب السورة وحرمة لُبْس غير المأكول في الصلاة.
    ج : عدم الفرق بين وجود الأثر وعدمه مستصحباً وأثراً
    لا فرق بين كون المستصحب أو الأثر المترتب عليه بين أن يكون وجود
1. الوسائل : 3 ، الباب 2 من أبواب لباس المصلي ، الحديث 6.

(214)
الحكم الشرعي أو عدمه فكلّ من وجود الحكم الشرعي وعدمه يصلح لأن يكون مستصحباً ، كما يصلح أن يكون أثراً مترتباً على الموضوع ، فكما أنّ نفس التكليف يقع مستصحباً أو أثراً مترتباً على المستصحب هكذا يكون عدم التكليف وعدم المنع من الفعل ، يقع مستصحباً وأثراً مترتباً على المستصحب وذلك لأنّ الحكم وجوداً وعدماً بيد الشارع.
    ثمّ أشار إلى إشكال الشيخ على استصحاب البراءة عن التكليف ، وحاصل إشكاله عبارة عن : أنّ استصحابها إمّا أن يكون بلحاظ نفسه ، فالعدم ليس مما تقع عليه يد الجعل التشريعي ، وإمّا بلحاظ آثاره من الثواب والعقاب فهي من الآثار العقلية. (1)
    وأجاب بوجهين :
    الأوّل : انّا نختار الشقّ الأوّل ، وهو أنّ الاستصحاب بلحاظ نفسه ، وقد عرفت أنّ عدم المنع أيضاًحكم شرعي ولاحاجة في استصحاب الحكم الشرعي إلى ترتيب أثر آخر عليه حتى يقال انّ الثواب والعقاب من الأُمور التكوينية.
    الثاني : انّا نختار الشق الثاني لكنّ الأثر العقلي أو العادي إنّما لايترتب إذا كان أثراً لوجود الشيء واقعاً أو لعدمه كذلك ، وأمّا الأثر المترتب على مطلق وجود الشيء أو عدمه ولو في الظاهر فيترتب عليه لكون الأثر لازم أعم وذلك كعدم العقاب فهو ليس من آثار عدم الحكم واقعاً ، بل يكفي في عدمه عدم الحكم ظاهراً لاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لأنّ وجود الحكم واقعاً ـ مع عدم وصوله ـ لايكفي في ترتب الأثر أي العقاب ، بل عدم وصوله كاف في عدم صحة العقاب سواء أكان الحكم موجوداً في الواقع أو لا ، وسيوافيك توضيحه في
1. الفرائد : 204 طبعة رحمة الله بعد الفراغ من دليل العقل على البراءة.

(215)
الاستثناء الآتي.
    د : فيما يعد أثراً للوجود الأعم من الواقعي والظاهري (1)
    ما ذكرنا من أنّه لايثبت بالاستصحاب الأثر العقلي والعادي ، فإنّما هو فيما إذا كان كلّ منهما من آثار وجود المستصحب واقعاً ، وأمّا إذا كان أحد ذينك الأثرين من آثار مطلق وجود المستصحب من غير فرق بين وجوده الواقعي أو التعبدي الظاهري ، فلاشك أنّه يترتب عليه وإن كان عقلياً أو عادياً وذلك في الأمثلة الآتية :
    1. نظير ترتب الأجزاء على استصحاب طهارة الثوب في الصلاة وإن تبين بعد عدمها ، وذلك لما ثبت من محله من أنّ الشرط في حال الصلاة أعم من الطهارة الواقعية أو الظاهرية ، وعليه تكون الصلاة واجدة لشرطها واقعاً ، لأنّ الشرط أعم منهما ، فيترتب عليه الإجزاء ، لأنّه من الآثار العقلية التي ترتب على مطلق وجود الشيء ولو ظاهراً.
    2. وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة من أنّه يترتب على مطلق الحكم المحرز بدليل شرعي بإحراز الوجوب ولو بالاستصحاب فهو كاف في ترتب هذه الآثار.
    3. ما عرفت في الاستثناء الثالث من أنّ قبح العقوبة من الأحكام العقلية اللازمة لمطلق عدم المنع ولو ظاهراً.
    إلى هنا تم ما رآه المحقّق الخراساني من التنبيه على الموارد التي توهم أنّها من الأصل المثبت وليس منها.
1. هذا العنوان ناظر إلى التنبيه التاسع.

(216)
التنبيهات
11
    يشترط في الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا أثر شرعيّ ، وهل يشترط أن يكون كذلك حدوثاً وبقاءً ، أو يكفي بقاءً ؟ الظاهر هو الثاني ، لأنّ الاستصحاب نوع إعمال تعبّد من الشارع وهو رهن ترتب الأثر عليه وكونه مصوناً عن اللغو ، وفي مثل هذا يكفي كون المستصحب حكماً شرعياً بقاءً لاحدوثاً ، أو ذا أثر شرعي كذلك.
    فالأوّل : نظير استصحاب عدم التكليف ، فانّه ليس مجعولاً شرعياً من الأزل إلاّ انّه حكم مجعول فيما لايزال ، لما عرفت من أنّ عدم التكليف بقاء مجعول شرعاً.
    والثاني : نظير استصحاب حياة الولد الصغير ، فانّه ربّما لايترتب عليه الأثر المخصوص ، أعني : وراثته من أبيه في حياة أبيه إلاّ شأناً ، فإذا تُوفي الأب تستصحب حياة الولد ، ليرثه فعلاً.
    والوجه في الجميع واضح ، لأنّ صحة الاستصحاب رهن ترتب الأثر ليصون فعل العاقل عن اللغو ، ويكفي في ذلك مطلق الأثر ولو بقاءً فقط ، وقد أوضحنا حال المثال الأوّل وقلنا إنّه لايخلو من إشكال من وجهين :
    1. عدم وحدة القضية المتيقّنة مع المشكوكة كما في مثال عدم القرشية ، فانّ المتيقّن منه هو القضية بصورة السالبة بانتفاء الموضوع ، والمشكوك هو السالبة


(217)
بانتفاء المحمول.
    2. عدم كونه مصداقاً لنقض اليقين بالشك عرفاً ، فلو لم يُحكم على المرأة المردّدة بين القرشية وغيرها ، بعدم القرشية ، لايقال انّه نقض يقينه بالشك.


(218)
التنبيهات
12
    إذا حصل اليقين بوجود الشيء ثمّ طرأ الشك في بقائه فالمحكَّم هو استصحاب بقائه ، كما أنّه إذا حصل اليقين بعدم الشيء ثمّ طرأ الشكّ في انقلابه إلى الوجود فالمحكّم هو استصحاب عدمه ، وأمّا إذا كان وجود الشيء محققاً وكان الكلام في تقدّمه وتأخّره فهنا مقامان :
    الأوّل : فيما إذا قيس تقدّم الشيء الموجود أو تأخّره إلى أجزاء الزمان ، كما إذا مات زيد قطعاً وشك في تحقّقه يوم الخميس أو يوم الجمعة. (1)
    الثاني : إذا قيس وجود الحادث بالنسبة إلى حادث آخر ، كما إذا علم بموت المتوارثين وشك في المتقدّم والمتأخر منهما ، وله أقسام ستوافيك. وإليك الكلام في المقام الأوّل :

    المقام الأوّل : في القياس إلى أجزاء الزمان
    إذا علمنا بموت زيد يوم الخميس ، أو يوم الجمعة ، فهنا موضوعات ثلاثة :
    1. عدم موته إلى يوم الجمعة.
1. أو إذا علم بحدوث الكرّية إمّا يوم الخميس أويوم الجمعة ، وافترضنا غسل ثوب نجس فيه يوم الخميس ، فعلى الأوّل يحكم عليه بالطهارة ، دون الثاني.

(219)
    2. تأخّر موته عن الخميس.
    3. حدوث موته يوم الجمعة.
    فبما أنّ المستصحب هو بقاء حياته ، أو عدم موته إلى يوم الجمعة ، فتترتب عليه آثار عدم موته أو حياته إلى ذاك الزمان ، ولايثبت به الموضوعان الآخران ، لأنّهما لازمان عقليان للمستصحب ، لأنّه إذا كان حيّاً إلى فجر يوم الجمعة بحكم الاستصحاب ، وعلمنا بموته قطعاً في أحد اليومين يحكم عليه عقلاً بـ :
    تأخر موته عن الخميس.
    حدوث موته في الجمعة.
    وبما انّهما من الآثار العقلية للمستصحب فلايثبتان به ، وبالتالي لاتترتب عليه الآثار المترتبة على ذينك الموضوعين ، كما إذا نذر إعطاء درهم إذا تأخر موته عن الخميس أوحدوثه يوم الجمعة.
    نعم يمكن تصحيح الأوّل ( إثبات تأخّر موته عن الخميس وترتيب أثره عليه ) بالوجهين التاليين :
    1. خفاء الواسطة وانّ الأثر المترتب عليها في نظر العرف يترتب على نفس المستصحب.
    2. دعوى الملازمة بين التنزيلين ، وأنّ التعبّد بعدم موته إلى يوم الجمعة يلازم عرفاً بالتعبد بتأخر موته عن الخميس أو حدوثه في الجمعة. فلايصحّ التعبّد بأحد التنزيلين دون التعبّد بالآخر.
    وأمّا الثاني ( حدوث موته ) فيمكن تصحيحه بالوجه التالي :
    3. انّ الحدوث ليس أمراً منتزعاً من الوجود المسبوق بالعدم حتّى يكون


(220)
لازماً عقلياً للأمرين ، بل هو أمر مركب من أمرين : أحدهما محرز بالأصل ، وهو عدم موته إلى يوم الخميس ، والآخر بالوجدان.
    ولكن المساعدة مع هذه الوجوه أمر مشكل كما لايخفى.

    المقام الثاني : في القياس إلى حادث آخر
    إذا علمنا بحدوث حادث لكن شككنا في سبقه أو لحوقه أو تقارنه بحادث آخر ، فهو على قسمين :
    فتارة يكون كلّ واحد من الحادثين مجهول التاريخ ، وأُخرى أن يكون أحدهما مجهولاً والآخر معلوماً ، فهاهنا موضعان من البحث.

    الموضع الأوّل : فيما جهل تاريخهما
    إذا كان كلّ من الحادثين مجهول التاريخ ، فهو على أقسام أربعة ، لأنّ الأثر إمّا يترتب على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر ، أو على نوع عدمه عند وجود الحادث الآخر.
    وعلى كلّ تقدير فإمّا أن يترتب على نوع وجود الحادث أو عدمه بالمعنى التام ، أو بالمعنى الناقص ، فتكون الأقسام أربعة ، وإليك التفصيل :
    1. أن يترتب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر على نحو مفاد كان التامة.
    2. أن يترتب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر على نحو مفاد كان الناقصة.


(221)
    3. أن يترتب الأثر على نوع عدم الحادث عند وجود حادث آخر على نحو مفاد النفي الناقص.
    4. أن يترتب الأثر على نوع عدم الحادث عند وجود حادث آخر على نحو مفاد النفي التام. فهذه هي الأقسام الأربعة للموضع الأوّل.
    وها نحن نتناول كلّ واحد من هذه الأقسام بالبحث.
    القسم الأوّل : ما إذا ترتّب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر على نحو مفاد كان التامة ، وله صور ثلاث :
    الصورة الأُولى : أن يترتب الأثر على الحالة الخاصة من وجود أحد الحادثين دون الحادث الآخر ، وأن يترتب الأثر على حالة واحدة منه كالسبق مثلاً ، دون الحالات الأُخر من التقارن والتأخر.
    الصورة الثانية : أن يترتب الأثر على الحالة الخاصة لوجود كلّ واحد من الحادثين.
    الصورة الثالثة : أن يترتب الأثر على الحالتين من أحد الحادثين دون الحادث الآخر ، دون أن يقتصر ترتب الأثر على حالة واحدة ، بل يترتب على حالتين منه كالسبق والتأخّر.
    إذا عرفت هذه الصور من القسم الأوّل ، فلنذكر حكم كلّ صورة على حدة.
    الصورة الأُولى : إذا علمنا بموت أخوين أحدهما غير عقيم وله أولاد والآخر عقيم.
    أمّا غير العقيم منهما فيرثه أولاده سواء أكان متقدّماً موته على موت الأخ


(222)
العقيم أو مقارناً أو متأخراً ، فهذا لايترتب أثر على أية حالة من حالاته.
    وإنّما يترتب الأثر على سبق موت الأخ العقيم على ذاك الأخ الذي له ولد ، حيث لو سبق موت العقيم على غيره لورثه الأخ ثمّ أولاده ، فالأثر يترتب على حالة واحدة من وجود أحد الحادثين دون الآخر فتجري ـ إذا كان الأثر مترتباً على مفاد كان التامة كموت الأخ المتقدّم على موت الأخ الآخر ـ أصالة عدم سبق موت الأخ العقيم على غيره ، فتكون النتيجة انّه لايرثه غير العقيم لاحتمال تقارنهما أو تأخر موت العقيم عن غيره.
    الصورة الثانية : أن يترتب الأثر على نوع وجود كلّ من الحادثين ، كما إذا علمنا بموت الولد والوالد ، والمفروض انّ سبق موت كلّ واحد على الآخر موضوع للأثر ، فلو سبق موت الولد يرثه الوالد ، ولو كان العكس يرثه الولد ، فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى جريان الأصلين ، والتساقط لأجل التعارض ، فيقال عدم سبق موت الأب على موت الابن وبالعكس.
    والحقّ أن يقال : انّه إمّا أن يكون هناك علم بسبق أحد الموتين على الآخر أو لا.
    فعلى الأوّل يتساقط الأصلان للعلم بكذب أحدهما.
    وعلى الثاني لا مانع من جريانهما لعدم العلم بكذبهما لاحتمال تقارن موتهما ويترتب على كلّ أصل أثره.
    الصورة الثالثة : ما إذا كان الأثر يترتب على أحد الحادثين لكن دون أن يقتصر على حالة واحدة ، بل يترتب على كلتا الحالتين منه. مثلاً إذا نذر أحد انّه لو سبق زيد على عمرو فعليه أن يعطيه ديناراً إلى الفقير وان تأخر عن عمرو فعليه أن يعطي درهماً إليه.


(223)
    فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى تعارض الأصلين وتساقطهما ، فأصالة عدم سبق زيد على عمرو معارضة بأصالة عدم تأخره عنه فيتساقطان ، لكن بناء على ما ذكرنا يجري فيه التفصيل السابق في الصورة الثانية ، وهو انّه لو علمنا بالسبق والتأخر وانّ زيداً إمّا كان سابقاً على عمرو أو متأخراً عنه ففي ذلك يجري الأصلان فيتعارضان فيسقطان للعلم بكذب أحد الأصلين.
    وأمّا لو لم نعلم بوجود أحد الوصفين بل احتملنا التعارض فيجري الأصلان بلا تعارض لاحتمال تقارنهما فلايجب عليه دفع شيء.
    هذا كلّه حول القسم الأوّل بصوره الثلاثة ، وإليك الكلام في غيره.
    القسم الثاني : أن يترتب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود حادث آخر على مفاد كان الناقصة.
    فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى عدم جريانه وقال : « فلا مورد هاهنا للاستصحاب ، لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب » ولأجل ذلك لم يذكر فيه الصور الثلاث التي ذكرها في القسم الأوّل ، وذلك كما إذا قال : « إذا كان موت الوالد متقدّماً على موت الابن يرثه الابن » ، فلايجوز فيه الاستصحاب لعدم اليقين السابق فيه ، كما ذكره في الكفاية.
    أقول : إنّ هناك موضوعاً للأثر في لسان الدليل ، ومستصحباً.
    فالأوّل : عبارة عن موت الوالد السابق على موت الولد الذي يستلزم إرث الولد ، فلا شكّ انّه فاقد للحالة السابقة لأنّ القضية موجبة ، وصدق الموجبة فرع وجود الموضوع ، ولم يكن لنا علم بموت الأب ، بل كان العلم متعلّقاً بحياتهما.
    والثاني : عبارة عن سلب هذه الموجبة المحصلة ، بأن يقال : لم يكن موت


(224)
الوالد سابقاً على موت الولد ، ومن الواضح أنّ نقيض الموجبة المحصلة هو السالبة المحصلة ، وهي لاتحتاج في صدقها إلى الموضوع بل تصدق مع عدمه.
    فإذاً للمستصحب حالة سابقة ، وهي السالبة المحصلة ، وما ليس له حالة سابقة هو الموضوع للأثر ، والغاية سلب الموضوع الموصوف لغاية سلب أثره.
    القسم الثالث : إذا ترتب الأثر على عدم أحدهما في ظرف حصول الآخر على نحو النفي الناقص كأن يكون موضوع الأثر « الماء غير الكر في زمان حدوث الملاقاة » . وعلمنا بحدوث الكرية والملاقاة ، ولم نعلم المتقدّم والمتأخر فلايجري فيه الأصل ( أصالة عدم كرية الماء إلى زمان الملاقاة ) لإثبات كون الماء موصوفاً بالعدم المذكور ، لأنّه يتوقف على اليقين بكونه موصوفاً بالعدم في وقت ثمّ يُشك في بقائه على ما كان من الوصف المذكور ، إذ الماء من الأوّل غير معلوم الاتصاف ، لأنّ الوصف ( الكريّة ) إن كان وجد متأخراً عن زمان حدوث الآخر ( الملاقاة ) كان الماء موصوفاً بالعدم المذكور وإن كان متقدّماً أو مقارناً له فهو غير موصوف ، وحيث لم يعلم أنّه متأخر أو متقدّم فقد شكّ في اتصافه بذلك في جميع الأزمنة.
    وأمّا استصحاب عدم الماء بصورة السالبة بانتفاء الموضوع ، بأن يقال : لم يكن ماء ولا كرّية ، فقد انقلب العدم في الماء إلى الوجود ونشك في انقلابه في جانب الكرّية فنستصحب عدم الماء الكرّ ، فهو لايثبت موضوع الأثر ، أي الماء غير الكرّ.
    القسم الرابع : إذا كان الأثر مترتباً على عدم وجود حادث عند وجود حادث آخر لكن على مفاد النفي التام كالنجاسة المترتبة على عدم كرّية الماء عند الملاقاة ، فقد منع المحقّق الخراساني من جريان الأصل وعلله بعدم اتصال زمان الشكّ بزمان اليقين.


(225)
    وقد اختلفت كلمة الشرّاح والمحقّقين في بيان مراده ، فقد أوضحه المحقّق النائيني بالبيان التالي بتصرّف منّا :
    وحاصله : انّ هنا ساعات ثلاث :
    الساعة الأُولى : وهو ظرف اليقين بعدم الكرّية والملاقاة.
    الساعة الثانية : وهو ظرف اليقين بتحقّق إحداهما وليس هناك أيُّ شك.
    الساعة الثالثة : العلم بوجود الكرية والملاقاة ، وهذه الساعة هي ظرف الشك ، وذلك لأنّ الشكّ في بقاء عدم الكرية إلى زمان الملاقاة لايحصل إلاّ بعد العلم بالملاقاة ، ولايحصل العلم بها إلاّ في الساعة الثالثة ، ويكون الشكّ حاصلاً حين العلم بالملاقاة ، وليس إلاّ الساعة الثالثة ، فتكون الساعة الثانية خالية عن اليقين التفصيلي والشكّ.
    أمّا اليقين التفصيلي أي اليقين بأحدهما المعين فواضح.
    وأمّا الشكّ فلأنّه فرع حصول المتعلّق ، أعني : الملاقاة.
    وباختصار
    1. انّ الشكّ في المتقدّم والمتأخر لايحصل إلاّ بعد العلم بحدوث الحادثين.
    2. العلم بحدوث الحادثين حاصل في الساعة الثالثة ، فيكون موطن الشك هو الساعة الثالثة.
    3. فالاستصحاب يتبع الشك ولايتقدّم عليه ، فاستصحاب عدم تقدّم كلّ إنّما يجري في الساعة الثالثة.
    4. وعلى ذلك لايكون زمان الشكّ متصلاً بزمان اليقين ، لأنّ موطن اليقين هو الساعة الأُولى وموطن الشكّ هو الساعة الثالثة ، فالساعة الثانية تكون فاصلة
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس