|
|||
(376)
الآمرة بالتوقّف حيث قال الكليني ، وفي رواية أُخرى : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك » . (1)
والظاهر انـّها ليست رواية مستقلة ، بل هي نفس رواية محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري بتبديل قوله : « كان صواباً » إلى قوله : « وسعك » . 7. ما في الفقه الرضوي : والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيّام حيضها ـ إلى أن قال : وقد روي ثمانية عشر يوماً ، وروي ثلاثة وعشرين يوماً ، وبأيّ هذه الأحاديث أخذ من باب التسليم جاز. (2) والحديث يصلح للتأييد لاللتأسيس. 8. ما رواه صاحب « غوالي اللآلي » عن العلاّمة ، عن زرارة ، قال : سألت الباقر ( عليه السلام ) فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ ... فقلت : إنّهما معاً موافقان للعامة أو مخالفان فكيف أصنع ؟ فقال : « إذاً فخذ ما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط » . فقلت : إنّهما معاً موافقان للاحتياط أو مخالفان له ، فكيف أصنع ؟ فقال : « إذن فتخيّر أحدهما ، وتأخذ به وتدع الآخر » . (3) يلاحظ على الرواية بأنّها من المراسيل التي لايقام لها وزن حيث رواه صاحب المستدرك ( المتوفّى عام 1320 هـ ) عن « غوالي اللآلي » الذي ألّفه ابن أبي جمهور ( المتوفّـى حوالي 900 هـ ) عن زرارة ( المتوفّـى عام 150 هـ ). مضافاً إلى أنّ التعبير عن الخبرين المختلفين بالمتعارضين اصطلاح جديد 1. الوسائل : 18/77 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 6. 2. المستدرك : 17/306 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 12. 3. المستدرك : 17/303 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 2. (377)
بين الفقهاء ولم يكن له ذكر في أحاديث أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) وإنّما الوارد في كلماتهم « المختلفين » .
فتلخص من ذلك : انّ ما يدل على التخيير قليل جداً وأوضحها هو رواية الحسن بن الجهم ثمّ الحارث بن المغيرة مع ما في الضعف في الاسناد. ولعلّ المجموع من حيث المجموع كاف في إثبات المطلوب. الطائفة الثانية : ما يدل على التوقّف هناك طائفة من الروايات تدلّ على أنّ الأصل في الخبرين المتعارضين هو التوقّف إلى أن يلتقي الإمام ( عليه السلام ) ، وإليك ما يدلّ عليه : 1. روى الكليني عن سماعة ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ قال : « يُرجئه حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه » . (1) 2. ما رواه صاحب الاحتجاج عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه ، قال : « لاتعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله » ، قلت : لابدّ أن نعمل بواحد منهما ، قال : « خذ بما فيه خلاف العامة » . (2) ويحتمل وحدة الحديثين لوحدة الراوي عن الإمام وإن اشتمل الحديث الثاني على زيادة. 1. الوسائل : 18/77 ، الباب9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 5. 2. الوسائل : 18/88 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 42. (378)
3. ما رواه الكليني عن عمر بن حنظلة (1) في مقبولته المعروفة عند ما يفترض الراوي مساواة الخبرين في المرجّحات ، فأجاب : « إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » . (2)
4. ما رواه صاحب السرائر عن كتاب « مسائل الرجال » انّ محمد بن علي ابن عيسى (3) كتب إلى الإمام الهادي ( عليه السلام ) يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك وقد اختلف علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه ، أو الردّ إليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب ( عليه السلام ) : « ما علمتم أنّه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا » . (4) وروى صاحب المستدرك عن محمد بن علي بن عيسى القمي ما يقرب من هذا. (5) 5. ما رواه صاحب غوالي اللآلي في مرسلة عن العلاّمة ، عن زرارة عند ما يفترض الراوي مساواة الروايتين في المرجحات ، فقال الإمام : « إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » . قال : وفي رواية أنّه ( عليه السلام ) قال : « إذن فأرجه حتى تلقى إمامك فتسأله » . (6) 1. عمر بن حنظلة أبو صخر العجلي البكري الكوفي ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ، تلقّى المشهور روايتَه بالقبول ، وله أكثر من سبعين رواية. 2. الوسائل : 18/76 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 1. 3. محمد بن علي بن عيسى القمي ، كان وجهاً بقم وأميراً عليها من قبل السلطان ، وكذلك كان أبوه يعرف بالطلحي ، له مسائل لأبي محمد العسكري. 4. الوسائل : 18/86 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 36. 5. المستدرك : 17/305 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 10. وفيه محمد بن عيسى مكان محمد بن علي بن عيسى ، ولعلّهما شخصان ، أو سقط « علي » من قلم الناسخ. 6. المستدرك : 17/303 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 2. (379)
إلى هنا تمّ ما وقفنا عليه. نعم ورد الأمر بالتوقّف في حديث جابر عن أبي جعفر ( عليه السلام ) لكن مورده هو تشابه الحديث بين المعنيين لا الخبرين المتعارضين ، فلاحظ. (1)
الجمع بين الطائفتين قد قام غير واحد من المحقّقين بالجمع بين الطائفتين بوجوه ، أوضحها ما أفاده الشيخ الأعظم من حمل روايات التوقف على صورة التمكّن من لقاء الإمام ، ويشهد على ذلك أُمور : 1. قوله ( عليه السلام ) في حديث سماعة : يُرجئه حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه. 2. قوله ( عليه السلام ) في حديث آخر عنه : لاتعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. 3. ما في رواية عمر بن حنظلة : فارجئه حتى تلقى إمامك. 4. وفي كتاب مسائل الرجال : فردّوه إلينا. 5. وفي رواية غوالي اللآلي : فارجئه حتى تلقى إمامك فتسأله. وهذه التعابير تحكي عن أنّ ظرف الأمر بالوقوف هو تمكّن الراوي من الرجوع إلى من يُوقفه على جليّة الحال. وهذا بخلاف أخبار التخيير ، فهي واردة إمّا في الأعم من المتمكن وغيره ، أو في خصوص صورة العجز العرفي. ثمّ إنّ سيدنا الأُستاذ أورد على هذا الجمع ما هذا حاصله : إن أُريد من التمكّن في أخبار التوقّف هو التمكّن الفعلي بأن يكون الإمام 1. الوسائل : 18/86 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 37. (380)
حاضراً في البلد ، فهو مخالف لسياق الأخبار ، حيث إنّ الظاهر من بعضها انّه لم يكن للراوي طريق إلى حكم الواقعة يحسم مادة الخلاف ، ولذا أمر الإمام ( عليه السلام ) سماعة بالتوقّف في حال لم يكن متمكّناً من لقاء الإمام ، بشهادة أنّه لمّا قال سماعة إنّه لابدّ من العمل بأحدهما ، فأجاب الإمام بالأخذ بما خالف العامة. (1) ولو كان متمكناً أمره بالسؤال لا العمل بما خالف العامة.
وإن أُريد من التمكّن الأعم من الحال والاستقبال في مقابل عدم التمكّن مطلقاً يلزم حمل أخبار التخيير على الفرد النادر ، وأمّا حمل أخبار التخيير على زمان الغيبة فبعيد ، لصدورها في عصر الحضور ، كما هو الحال في حديث الحسن بن جهم والحارث بن المغيرة. (2) يلاحظ عليه : أنّ المراد من التمكّن وعدمه ليس هو التمكّن العقلي حتى يرد عليه ما ذكر ، بل المراد التمكّن العرفي وعدمه ، فانّ الرواة حسب ظروفهم كانوا على صنفين : فصنف كان يتمكّن من لقاء الإمام ولو بطيّ مسافة يسيرة. وصنف آخر لايتمكّن من لقاء الإمام إلاّ بطيّ مسافة بعيدة ، كما هو الحال في شأن علي بن المسيب (3) قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : شقّتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال : « من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا » . (4) 1. لاحظ الحديث الثاني. 2. الإمام الخميني : الرسائل : 2/51. 3. علي بن المسيب عربي تيمي ينسب إلى قبيلة هَمْدان ، وثّقه الطوسي في رجال الرضا عليه السَّلام. 4. الوسائل : 18/106 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 27. (381)
وعلى ضوء ذلك فأخبار التخيير محمول على غير المتمكّن عرفاً ، وما أكثره بين الناس ، وعندئذ لايلزم حملها على الفرد النادر.
وأمّا حديث سماعة فقد أمره الإمام بالتوقّف ، لأنّه كان متمكّناً من لقاء الإمام ، ولو بعد أيام وكان تكليفه التوقّف ، ولكن لمّا كان المورد من الأُمور المضيّقة التي لاتقبل الاستمهال ولو مدّة يسيرة رخّص الإمام أن يعمل بمخالف قول العامة. ثمّ إنّ هناك وجوهاً أُخرى ذكرت للجمع بين الروايات ليس لها شاهد يدعمها ، وقد أشرنا إلى بعضها. (1) وقبل أن نذكر الطائفة الثالثة نشير إلى نكات في أخبار التخيير : الأُولى : هل الأخذ بأحد الخبرين لازم ؟ هل الأخذ بأحد الخبرين لازم أو لا ؟ وجهان : 1. لزوم الأخذ ، لأنّ الظاهر منها إفاضة الحجّية على المتعارضين بعد سقوطهما عند العقل والعقلاء ، وما هذا شأنه لايوصف بالجواز ، بل يكون منجِّزاً لو أصاب ومعذِّراً لو خالف. 2. عدم اللزوم ، لأنّه المتبادر من قوله : « فموسَّع عليك بأيّهما أخذت » . الظاهر هو الأوّل ، لما ذكرنا من أنّ المتبادر إفاضة الحجّية على الخبرين عند التعارض لمن لم يتمكن عرفاً من لقاء الإمام ، فيكون العمل به واجباً. وأمّا قوله : « فموسّع عليك » ، فليس بصدد بيان انّ الأخذ بأحدهما جائز 1. لاحظ الكافي : 1/66 ، وقد ذكرناها على التفصيل في الدورة الثالثة. (382)
وليس بواجب ، بل هو لدفع توهّم الحظر ، وذلك لأنّه لمّا كان حكم الخبرين المتعارضين عند العقلاء هو السقوط وعدم الاعتماد على واحد منهما ، وكان الحكم الشرعي غير ذلك ، حاول الإمام تخطئة ذلك الرأي ، فعبَّر بالتوسع لردّ الحظر والمنع ، لالتحديد الموضوع من حيث لزوم الأخذ وعدمه
الثانية : هل مصبّ التخيير هو المسألة الأُصولية أو الفقهية إذا قلنا بالتخيير بين المتعارضين ، فهل مصبّه هو المسألة الأُصولية ( التخيير بين الحجّتين ) فيكون المجتهد هو المخاطب ، أو المسألة الفقهية ( التخيير بين المضمونين ) ، فيعم الخطاب للمجتهد والمقلّد غير انّ الأوّل ينوب عن الثاني ، فيكون التخيير في المقام نظير التخيير بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة. فعلى الأوّل يجب على المفتي الإفتاء بما أخذوا بالتخيير بين مضموني الخبرين ، بخلاف الثاني إذ يجب عليه الإفتاء بالتخيير بين المضمونين ؟ وجهان والمشهور هو الثاني كما حكاه شيخنا الأنصاري ( قدس سره ). استدل للوجه الأوّل بأنّ التخيير حكم للمتحيّر ، وهو المجتهد ، ولايقاس هذا بالشك الحاصل للمجتهد في بقاء الحكم الشرعي « ببيان انّ حكمه ـ البناء على الحالة السابقة ـ مشترك بينه وبين المقلِّد » وذلك لأنّ الشكّ هناك في معنى الحكم الفرعي المشترك ، والتخيير هنا في الطريق إلى الحكم فعلاً ، فالتخيير مختص بمن يتصدّى لتعيين الطريق كما أنّ العلاج بالترجيح مختص به. استدل للوجه الثاني بأنّ نصب الشارع للأمارات يشمل كلا الصنفين ، إلاّ أنّ المقلد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلّة من حيث تشخيص مقتضاها ورفع موانعها ، فإذا أثبت ذلك المجتهد جوازَ العمل بكلّ من الخبرين المتكافئين (383)
المشترك بين المقلّد والمجتهد ، تخيّر المقلّد كالمجتهد ، ولأنّ إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلّد لم يقم دليل عليه فهو تشريع.
هكذا ذكر الشيخ الأنصاري دليل كلا الوجهين وأضاف : « والمسألة محتاجة إلى التأمّل ، وإن كان وجه المشهور أقوى » . (1) وجه كونه أقوى هو ظهور روايات التخيير في التخيير بين مضمون الخبرين في مقام العمل مثل قولهم : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك » وقد تكرّر لفظه أو مضمونه فيها ، غير انّ الظاهر من مرفوعة العلاّمة كون التخيير في المسألة الأُصولية حيث قال : « إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » وهو لايخرج عن حدّ الإشعار مع ضعف سنده كما مرّ. ومع الاعتراف ببعض الظهورات المقتضية لكون مصب التخيير هو الحكم الفرعي ، يمكن أن يقال انّ مصبَّه هو المسألة الأُصولية ، وذلك لأنّ الروايات بصدد إفاضة الحجّية لكلّ من المتعارضين في الظاهر ، لأجل صيانة الحجّة الواقعية مهما أمكن ، فلو حكم بالتخيير ، فمعناه هو التخيير بين الحجّتين لابين المضمونين إلاّ إذا كان هناك ملازمة بين التخييرين. ولو شك في مصبِّه ولم تَظهر قوة أحد الوجهين يدخل المقام في باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، حيث نعلم بحجّية ما اختاره المجتهد وأفتى به ونشك في حجيّة الآخر ، فالعقل يحكم بالأخذ بالأوّل ، وتكون النتيجة خلاف ما عليه المشهور. 1. الفرائد : 440. (384)
الثالثة : هل التخيير بدوي أو استمراري ؟
هل التخيير بين الخبرين بدوي بمعنى انّه إذا طبق العمل على مضمون أحد الخبرين ، فليس له العدول عنه في الواقعة الثانية ، أو استمراري بمعنى ثبوته طيلة عمره ، فلو صلّى صلاة الجمعة في يومها فله أن يصلّـي صلاة الظهر في يومها الآخر ؟ والأوّل خيرة الشيخ الأعظم ، والثاني خيرة المحقّق الخراساني ، وفصّل المحقق النائيني بين كون مصب التخيير هو المسألة الأُصولية فالتخيير بدوي ، وكونه المسألة الفقهية فالتخيير استمراريّ. (1) استدل الشيخ بأنّ مصدر التخيير إمّا الأخبار أو الاستصحاب. فالأُولى مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحيّـر بعد الالتزام بأحدهما : والثاني غير جار ، لأنّ الثابت سابقاً ثبوت الاختيار لمن تحيّر فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضعه الأوّل. (2) يلاحظ على الأوّل : بأنّ الموضوع للتخيير من حضر عنده الخبران ولم يُميِّز الصادق عن الكاذب ، والموضوع بهذا الوصف باق حتى بعد الأخذ بأحدهما. وعلى الثاني بمثل ذلك ، فانّ الموضوع ، للتخيير هو من حصره عند الخبران المتنافيان ، وهو أيضاً باق بعد الأخذ بأحدهما. والأولى أن يستدل على التخيير البدوي بأنّ القول بالاستمرار ربّما يستلزم المخالفة العملية التدريجيّة والمخالفة العملية عندما إذا كان أحد الخبرين صادقاً وهي قبيحة من غير فرق بين الدفعية والتدريجية. 1. فوائد الأُصول : 4/768. 2. الفرائد : 440. (385)
وأمّا التفصيل الذي حكيناه عن المحقّق النائيني ، فقد أفاد في وجهه انّه إذا كان التخيير في المسألة الفقهية يكون التخيير في المقام كالتخيير بين القصر والإتمام في المواطن الأربعة ، وأمّا إذا كان التخيير في المسألة الأُصولية يكون التخيير في المقام بمعنى جعل أحد المتعارضين حجّة شرعية وجعل مؤدّاه هو الحكم الكلي الواقعي المتعلّق بأفعال المتكلّمين فلا معنى لاختيار الآخر. (1)
يلاحظ عليه : أنّه لاملازمة بين كون التخيير في المسألة الأُصولية ، وكونه بدوياً ، لأنّ معناه على هذا هو كونه مخيّراً في الإفتاء بإحدى الحجّتين ، وهو كما يمكن أن يكون بدوياً ، يمكن أن يكون استمراريّاً ، وأمّا تفسيره بأخذه طريقاً محرزاً للواقع وجعل مؤدّاه هو الحكم الواقعي ، فلا دليل عليه. الطائفة الثالثة : الآمرة بالأخذ بذي الترجيح إذا كانت الطائفة الأُولى دالة على التخيير ، والثانية على التوقّف ( وقد عرفت الجمع بينهما ) فهناك طائفة ثالثة تدل على الأخذ بذي الترجيح ، وما ورد من الأخذ بأحوط الخبرين ، كما في مرفوعة زرارة (2) ، أو بالأحدث منهما كما في رواية معلى بن خنيس (3) ، فليس طائفة مستقلة ، لأنّ الأخذ بالخبر الموافق للاحتياط لأجل كونه مرجحاً ، أو الأخذ بالأحدث ، لكونه يدل على أنّ غير الأحدث صدر تقية ، وعلى هذان فليس هذان الصنفان طائفة مستقلة ، في مقابل الطوائف الثلاث ، وإذا عرفت ذلك فنقول : يقع الكلام في هذا الطائفة في جهات : 1. فوائد الأُصول : 4/768. 2. غوالي اللآلي : 4/133 ؛ المستدرك : 17/303. 3. الوسائل : الجزء 18 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 8 وغيره. (386)
1. التعرّف على أقسام المرجحات.
2. كون الأخذ بذات المزية لازم أو لا. 3. هل يقتصر على المنصوص أو يتعدّى عنه إلى غيره ؟ وإليك دراسة هذه الجهات واحدة تلو الأُخرى. الجهة الأُولى في أقسام المرجّحات
إنّ المرجحات الواردة في الروايات على أقسام ، وبما انّ مقبولة عمر بن حنظلة هي بيت القصيد في هذا الباب نذكر المرجحات وفق الترتيب الوارد في الرواية المذكورة ، ونعرض عمّا ورد في مرفوعة العلاّمة عن زرارة ، لما ذكرنا من أنّها ليست برواية ، وإنّما هي منتزعة من عدّة روايات :
1. الترجيح بصفات الراوي. 2. الترجيح بالشهرة العملية. 3. الترجيح بالكتاب والسنّة. 4. الترجيح بمخالفة العامة. 5. الترجيح بالأحدثية هذه هي المرجحات الواردة في المقام ، وإليك البحث فيها على وجه التفصيل : (387)
1. الترجيح بصفات الراوي
قد ورد الترجيح بصفات الراوي في عدة من الروايات ، إلاّ أنّ الكلام في كونها مرجّحة للخبر في مقام الإفتاء أو مرجّحة لحكم القاضي عند الاختلاف. وعلى كلّ تقدير فقد ورد الترجيح بها في الروايات التالية : أ : رواية عمر بن حنظلة ما رواه الكليني بسند صحيح عن عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك ؟ قال : « من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ، وقد أمر اللّه أن يُكفر به ، قال تعالى : ( يُريدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوت وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بهِ ) » . قلت : فكيف يصنعان ؟ قال : « ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه ، فإنّما استخف بحكم اللّه ، وعلينا ردّ ، والرّادّ علينا ، الرادُّ على اللّه ، وهو على حدّ الشرك باللّه » . قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، (388)
ولا يُلتفت إلى ما يحكم به الآخر » . (1)
وقد أخذنا الحديث من كتاب الكافي لا من الوسائل ، لأنّه جزّأ الحديث إلى مقاطع أورد كل جزء في باب خاص. وقد آثار الحديث جدلاً واسعاً في السند والمتن. أمّا السند ، فلانتهائه إلى عمر بن حنظلة الذي لم يرد في حقّه مدح ولاتوثيق ، وقد حاول بعض المتأخرين إثبات وثاقته بروايتين تاليتين : الأُولى : ما رواه محمد بن يعقوب بسند صحيح عن يونس ، عن يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « إذاً لايكذب علينا » . (2) ولكن الكلام في يزيد بن خليفة فانّه لم يوثّق. قال النجاشي : له كتاب ، يرويه جماعة. وقال الطوسي : إنّه واقفي ، إلاّ أن يوثّق لأجل رواية صفوان بن يحيى عنه ، (3) وهو لايروي إلاّ عن ثقة. الثانية : ما رواه الكليني بسند صحيح عن علي بن الحكم ، عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « يا عمر لاتُحملوا على شيعتنا وأرفقوا بهم ، فإنّ الناس لايحتملون ما تحملون » . (4) 1. الكافي : 1/67 ، باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم ، الحديث 10 ، وسيوافيك ذيل الحديث في أقسام المرجحات. 2. الكافي : 3 ، باب وقت الظهر والعصر من كتاب الصلاة ، الحديث 1. وما في معجم رجال الحديث : 13/27 يونس بن يزيد بن خليفة مصحّف تبدّلت لفظة « عن » إلى « بن » . 3. الكافي : 2/76. 4. روضة الكافي : 8 ، الحديث برقم 334 ؛ ولاحظ أيضاً الوسائل الجزء 4 ، الباب 5 من أبواب القنوت ، الحديث 5 ففيه : قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السَّلام : القنوت يوم الجمعة : فقال : أنت رسولي إليهم في هذا إلى غير ذلك من الروايات التي نقلها في قاموس الرجال : 8/167. (389)
وإثبات الوثاقة بها دوري ، لأنّ الراوي هو نفس بن حنظلة.
والعمدة ما ذكرنا من نقل صفوان بن يحيى وابن مسكان عنه ، مضافاً إلى اتّفاق المشهور على قبول تلك الرواية ولذلك وصفت بالمقبولة. وأمّا الإشكالات على المتن فربما تناهز العشرة أو يقرب منها ، وقد ذكرنا بعضها في مبحث القضاء ، وسيوافيك بعضها الآخر في مبحث الاجتهاد والتقليد ولاحاجة لنذكرها هنا. فالأولى عطف عنان الحكم إلى تحليل الرواية. لا شكّ انّ الإمام ( عليه السلام ) رجّح حكم الأعدل والأفقه والأصدق والأورع في الحديث على ما ليس كذلك. لكن مورد الترجيح هو تقديم حكم أحد القاضيين على الآخر ، وهو لايدل على تقديم رواية أحد الراويين على الآخر ، وذلك للفرق بين باب القضاء والإفتاء ، فإنّ الأوّل شُرّع لرفع المنازعة وفضّ الخصومة ، وهو لايقبل التأخير ، إذ فيه مظانة النزاع والنقاش في حين انّ الإفتاء ليس كذلك. وإلى ذلك يشير المحقّق الخراساني بقوله : لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة ، ولا وجه معه للتعدّي منه إلى غيره كما لايخفى. (1) ب : رواية داود بن الحصين ما رواه الصدوق بسند كالصحيح (2) عن داود بن الحصين ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف ، 1. كفاية الأُصول : 2/392. 2. لما في طريقه إلى داود ، الحكم بن مسكين وهو من رجال ابن أبي عمير. (390)
فرضيا بالعدلين ، فاختلف العدلان بينهما ، عن قول أيّهما يمضي الحكم ؟ قال : « ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما ، فينفذ حكمه ولايلتفت إلى الآخر » . (1)
ويرد على الاستدلال ما أوردناه على سابقتها من أنّ مورد الترجيح هو حكم أحد القاضيين على الآخر ، ولايكون دليلاً على المقام. ج : رواية موسى بن أكيل ما رواه الشيخ الطوسي بسند صحيح عن ذُبيان بن حُكَيم ، عن موسى بن أُكْيَل ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : سُئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ ، فيتفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما ، فاختلفا فيما حكما ، قال : « وكيف يختلفان ؟ » قال : حكم كلّ واحد منهما للّذي اختاره الخصمان ، فقال : « ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين اللّه ، فيمضي حكمه » . (2) والحديث أجنبي عن المقام ، لأنّ الضمائر ترجع إلى الحكمين اللّذين اختار كلّ واحد من المتحاكمين ، وبما انّ القضاء أمر لايخلو تأخيره من مضارّ ناسب أن تكون الأورعية من المزايا ، بخلاف الإفتاء. نعم اختلاف الحكمين وإن نشأ عن الاختلاف في الحديث المروي عنهما ( عليهما السلام ) ، لكنّه سبب الاختلاف في القضاء وليس هو مورداً للترجيح. إلى هنا تم الكلام في المرجح الأوّل ، وثبت انّه لايمت إلى ترجيح الرواية بصلة. 1. الوسائل : 18 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 20. 2. الوسائل : 18 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 45. ولم يوثّق ذُبيان لكن موسى بن أُكيل النميري كوفي ثقة. |
|||
|