إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 451 ـ 465
(451)
إلاّ أن يستيقن ، لأنّ العصر حائل فيما بينه وبين الظهر ، فلايدع الحائل لما كان من الشكّ إلاّ بيقين » . (1)
    والمراد من الحائل في الرواية هو الصلاة المترتبة على الأُخرى كما هو ظاهر ، والرواية من أدلّة القول بأنّه لو شكّ في الظهر بعد الإتيان بالعصر لايجب عليه إتيان الظهر وإن كان الوقت باقياً ، لأنّ صلاة العصر صارت حائلاً بينه وبين الظهر فلايدع الحائل لما كان من الشكّ إلاّ بيقين.
    6. ما رواه عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « إذا شككت في شيء من صلاتك وقد أخذت في مستأنف ، فليس بشيء ، إمض » . (2)
    الطائفة الثانية : ما ورد في المضي بعد الفراغ من العمل
    7. ما رواه محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) يقول : كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك وذكرته تذكّراً فامضه ، ولا إعادة عليك فيه » . (3)
    8. ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » . (4)
    والحديث وإن كان يعم الشكّ في الأثناء أيضاً كما سيوافيك في الرقم 17 ، ولكنّه في الشكّ في الفراغ عن الصلاة أظهر.
    9. صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في الرجل يشكّ بعد ما
1. الوسائل : 3/205 ، الباب 60 من أبواب المواقيت ، الحديث 2.
2. مستدرك الوسائل : 6/417 ، الباب 20 من أبواب الخلل ، الحديث 3.
3. الوسائل : 1/331 ، الباب 42 من أبواب الوضوء ، الحديث 6.
4. الوسائل : 5/336 ، الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث 3.


(452)
ينصرف من صلاته ؟ قال : فقال : « لايعيد ، ولا شيء عليه » . (1)
    10. صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولاتعد » . (2)
    الطائفة الثالثة : ما ورد في المضي في أثناء العمل
    11.روى زرارة بسند صحيح ، قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ؟ قال : « يمضي » قلت : رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ؟ قال : « يمضي » .
    قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ؟ قال : « يمضي » .
    قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ؟ قال : « يمضي » .
    قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ؟ قال « يمضي على صلاته » .
    ثمّ قال : « يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء » . (3)
    والرواية وإن وردت في مورد الصلاة لكن المستفاد من مخاطبة الإمام لزرارة بقوله : « يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء » ، هو كونها ضابطة كلّية في مجالي العبادات والمعاملات.
    12. صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء
1. الوسائل : 5/342 ، الباب 27 من أبواب الخلل ، الحديث 1 و2.
2. الوسائل : 5/342 ، الباب 27 من أبواب الخلل ، الحديث 1 و2.
3. الوسائل : 5/336 ، الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث 1.


(453)
شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » . (1)
    والمتبادر من الذيل الضابطة الكلّية من غير اختصاص بباب الصلاة فضلاً عن اختصاصها بالركوع والسجود وليس ظهور قوله ( عليه السلام ) : « وكلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه » بأقل من ظهور قوله : « لاتنقض اليقين بالشكّ » في ضرب القاعدة الكلية وإن كان مصدَّراً بالسؤال عن الوضوء.
    13. رواية محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) أنّه قال : « إذا شكّ الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة ، وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك » . (2)
    14. ما رواه حمّاد بن عثمان قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : أشكّ وأنا ساجد فلاأدري ركعت أم لا ؟ قال : « امض » . (3)
    15. ما رواه فضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : أستتمّ قائماً فلاأدري ركعت أم لا ؟ قال : « بلى قد ركعت ، فامض في صلاتك » . (4)
    16. ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ؟ قال : « قد ركع » . (5)
    17. ما رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » . (6)
1. الوسائل : 4/937 ، الباب 13 من أبواب الركوع ، الحديث 4.
2. الوسائل : 5/343 ، الباب 27 من أبواب الخلل ، الحديث 3.
3. الوسائل : 4/936 ، الباب 13 من أبواب الركوع ، الحديث 1.
4. الوسائل : 4/936 ، الباب 13 من أبواب الركوع ، الحديث 3.
5. الوسائل : 4/937 ، الباب 13 من أبواب الركوع ، الحديث 6.
6. الوسائل : 5/336 ، الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث 3.


(454)
    18. دعائم الإسلام : عن جعفر بن محمد عليهما السَّلام أنّه قال : « من شكّ في شيء من صلاته بعد أن خرج منه ، مضى في صلاته ، إذا شكّ في التكبير بعد ما ركع مضى ، وإن شكّ في الركوع بعد ما سجد مضى ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام أو جلس للتشهّد مضى » .
    19. فقه الرضا ( عليه السلام ) : « وإن شككت في أذانك وقد أقمت الصلاة فامض ، وإن شككت في الإقامة بعد ما كبّرت فامض ، ( وإن شككت في القراءة بعد ما ركعت فامض ) (1) وإن شككت في الركوع بعد ما سجدت فامض ، وكلّ شيء تشكّ فيه وقد دخلت في حالة أُخرى فامض ، ولاتلتفت إلى الشكّ إلاّ أن تستيقن ، فانّك ( إذا استيقنت أنّك ) (2) تركت الأذان ـ إلى أن قال : ـ وإن نسيت الحمد حتّى قرأت السورة ، ثمّ ذكرت قبل أن تركع ، فاقرأ الحمد وأعد (3) السورة ، وإن ركعت فامض على حالتك » . (4)

    ج : ما ورد في باب الطواف
    20. ما رواه محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أستّة طاف أو سبعة ، طواف فريضة ؟ قال : « فليعد طوافه » ، قيل : إنّه قد خرج وفاته ذلك ؟ قال : « ليس عليه شيء » . (5)
    21. ما رواه منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن رجل طاف
1. ما بين القوسين ليس في المصدر.
2. ما بين القوسين ليس في المصدر.
3. في المصدر : عدا.
4. انظر فيما نقلناه عن دعائم الإسلام وفقه الرضا ، مستدرك الوسائل : 6/417 ، الباب 20 من أبواب الخلل ، الحديث 1 ـ 2.
5. الوسائل : 9/433 ، الباب 33 من أبواب الطواف ، الحديث 1.


(455)
طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة ؟ قال : « فليعد طوافه » قلت : ففاته ؟ قال : « ما أرى عليه شيئاً والإعادة أحبّ إليّ وأفضل » . (1)
    وثبوت الحكم في باب الطواف مضافاً إلى ثبوته في أبواب الوضوء والصلاة يشرف الفقيه على كون قاعدة التجاوز والفراغ ، قاعدة مطّردة في أبواب الفقه ، كما لايخفى.

    الأمر الرابع
في وحدة القاعدتين أو تعدّدهما
    اختلفت كلمة الأُصوليين المتأخّرين في وحدة قاعدة « التجاوز » مع قاعدة « الفراغ » إلى أقوال :
    1. وحدة القاعدتين. وهي خيرة الشيخ الأنصاري وهي المختار.
    2. تعدّد القاعدتين.
    ثمّ إنّ القائلين بالتعدّد اختلفوا في ملاكه إلى أقوال :
    أ : اختصاص قاعدة التجاوز بالشكّ في وجود الشيء ، وقاعدة الفراغ بالشكّ في صحّة الشيء ، وهذا هو الظاهر من أكثر القائلين بالتعدّد كالمحقّق النائيني والخوئي على اختلاف يسير بين مختاريهما. (2)
1. الوسائل : 9/435 ، الباب 33 من أبواب الطواف ، الحديث 8.
2. حيث خصّ المحقّق النائيني قاعدة الفراغ بالشكّ في الصحة بعد الفراغ عن العمل ، وعمّمها المحقّق الخوئي لكلتا الصورتين سواء كان الشكّ في الصحة بعد الفراغ عن العمل أم في أثنائه ، فلو شكّ في صحّة القراءة وهو في الركوع تعمّه قاعدة الفراغ عند المحقّق الخوئي دون المحقّق النائيني.


(456)
    ب : اختصاص قاعدة التجاوز بالشكّ في الأثناء ، وقاعدة الفراغ بالشكّ بعد العمل.
    ج : اختصاص قاعدة التجاوز بالدخول في الغير دون الفراغ فلايشترط فيه الدخول.
    د : اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة وعمومية قاعدة الفراغ لعامة أبواب الفقه. وإليك دراسة الأقوال.

    القول الأوّل : وحدة القاعدتين
    يظهر من الأمعان في الروايات انّ الشارع جعل الحالة النفسيّة للعامل التي هي عبارة عن كونه بصدد إفراغ الذمّة ، طريقاً إلى إتيانه بالواجب الجامع للأجزاء والشرائط ، وإلى ما ذكرنا يشير فخر المحقّقين ، وهو انّ الأصل في فعل العاقل المكلّف الذي يقصد براءة ذمّته بفعل صحيح وهو يعلم الكمية والكيفية ، الصحّة.
    ويشير إلى ذلك قوله ( عليه السلام ) : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » كما في موثّقة بكير بن أعين (1). وقوله « وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك » كما في رواية محمد بن مسلم (2) إلى غير ذلك من التعاليل.
    وعلى هذا فالمعيار هو كون المكلّف ذاكراً حين العمل وغير ذاكر عند الشكّ ، فيؤخذ بالأوّل دون الثاني من غير فرق بين الشكّ في وجود الشيء أو صحته ، أي سواء أشكّ في قراءة الحمد بعد الدخول في السورة أم في صحّة بعض
1. تقدم برقم 2.
2. تقدّم برقم 13.


(457)
كلماته كذلك.
    وعلى ذلك يكون جعل القاعدتين مستقلتين لغواً ثبوتاً وإثباتاً بعد اجتماعهما تحت ملاك واحد ، وهو كون المكلّف أذكر بعمله حين العمل من حالة الشكّ ، فيكون التجاوز عن الشيء على وجه الإطلاق ملاكاً لعدم الاعتداد بالشكّ لملاك الأذكرية حين العمل.

    القول الثاني : تعدّد القاعدتين
    ثمّ إنّ القائلين بتعدّد القاعدتين اختلفوا في ملاك التعدّد إلى أقوال أربعة كما عرفت ، وإليك دراسة هذه الملاكات الأربعة.
    الملاك الأوّل للتعدّد :
    تخصيص قاعدة التجاوز بالشكّ في الوجود ، وتخصيص قاعدة الفراغ ، بالشكّ في الصحّة ، واستدلّوا على اختلاف الملاكين بهذا النحو بوجوه :
    1. انّ متعلّق الشكّ في قاعدة التجاوز إنّما هو وجود الشيء بمفاد كان التامة ، ومتعلّقه في قاعدة الفراغ هو وجوده بمفاد كان الناقصة ، ولاجامع بينهما فلايمكن اندراجهما تحت كبرى واحدة. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ المجعول هو الأمر الكلّي العام الشامل لكلا الأمرين ، وهو أنّ الشكّ بعد التجاوز عن الشيء بوجه عام لايعتدُّ به ، وأمّا كون الشكّ في إحداهما متعلِّقاً بالوجود وفي الأُخرى بالصحّة فهما من خصوصيات الموارد التي لاتلاحظ في إعطاء الضابطة ، والملاك هو طروء الشكّ في الشكّ بعد التجاوز عنه ،
1. فوائد الأُصول : 4/621.

(458)
وأمّا ما هو متعلّق الشكّ ، فهل هو الوجود أو الصحّة ؟ فغير ملحوظة في ضرب القاعدة كما هو الحال في عامة الضوابط ، فلو قلنا : « كل ممكن فهو زوج تركيبي له ما هية ووجود » ، فهي لاتهدف إلاّ إلى كون الموضوع هو الظاهرة الممكنة وأمّا الخصوصيات من كونه مادياً أو مجرداً فغير ملحوظة في ضرب القاعدة.
    وهذا هو الجواب الحقّ عن أصل الإشكال.
    نعم أجاب الشيخ الأنصاري بوجه آخر وقال : « إنّ الشكّ في صحّة الشيء المأتيّ به ، حكمه حكم الشكّ في الإتيان بما هو هو ، لأنّ مرجعه إلى الشكّ في وجود الشيء الصحيح » وعلى هذا فقد أنكر الشيخ الأنصاري قاعدة الفراغ بالمرّة وأرجعها إلى قاعدة التجاوز ، وأنّ الشكّ في صحّة العمل راجع إلى الشكّ في وجود العمل الصحيح وعدمه.
    وأورد عليه المحقّق النائيني بأنّه ربّما تمسُّ الحاجة لإثبات الصحة بمفاد كان الناقصة ، كما في مورد الوضعيّات إذا شكّ في صحّة العقد في باب الأنكحة والبيوع فانّ المفيد هو إثبات صحّة العقد الموجود ، لا إثبات وجود العقد الصحيح على الوجه المطلق. (1)
    والحقّ في الجواب ما قررناه من أنّ المجعول هو الأمر الكلّي ، والخصوصيات معلومة من خارج وغير دخيلة في الضابطة ، وأمّا ما أجاب به الشيخ فيرد عليه مضافاً إلى ما ذكره المحقّق النائيني ، انّ نفس الإرجاع أمر على خلاف الارتكاز ، فانّ للإنسان نوعين من الشكّ تارة يتعلّق بنفس الوجود وأُخرى بوجوده صحيحاً ، فلاملزم لإدغام أحدهما في الآخر.
    2. انّ متعلّق الشكّ في قاعدة التجاوز إنّما هو أجزاء المركب وفي قاعدة
1. فوائد الأُصول : 4/621.

(459)
الفراغ ، هو نفس المركب بما له من الوحدة الاعتبارية ولفظ « الشيء » في قوله ( عليه السلام ) : « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » (1) لايمكن أن يعمّ الكلّ والجزء في مرتبة واحدة بلحاظ واحد ، فانّ لحاظ الجزء شيئاً بحيال ذاته ، إنّما يكون في الرتبة السابقة على تأليف المركب ، لأنّه في مرتبة التأليف لايكون الجزء شيئاً بحيال ذاته في مقابل الكلّ ، بل شيئية الجزء تندك في شيئية الكل ، ويكون لحاظه تبعياً فلايمكن أن يراد من لفظ « الشيء » في الرواية ما يعم الجزء والكلّ ، بل إمّا أن يراد الجزء فتختص الرواية بقاعدة التجاوز ، وإمّا أن يراد الكلّ فتختص بقاعدة الفراغ.
    وحاصله : انّ إرادة الجزء والكلّ بلفظ واحد مستلزم لاجتماع اللحاظين المختلفين فيه. (2)
    يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّه مبني على اختصاص قاعدة الفراغ بالشكّ في وجود الشيء بعد الفراغ عن العمل مع أنّه على مذهب المحقّق الخوئي يعم الشكّ في وجود الشيء بعد الدخول في غيره كالشكّ في قراءة الحمد بعد الدخول في الركوع ، فالجزء بوصف الجزئيّة ملحوظ في قاعدة التجاوز وفي قاعدة الفراغ أيضاً.
    وثانياً : قد ذكرنا انّ الموضوع هو الشيء بمعناه الوسيع من دون تقييد بالجزئية والكلّية ، وإنّما تعرضانه في مقام التطبيق فهو بإطلاقه يعمُّ القسمين ، وقد قلنا في محله إنّ الإطلاق هو رفض القيود لاالجمع بين القيود ، فقولنا : « إنّما الشك في شيء » أي ذات الشيء لا الشيء المتعنون بالجزئية والكلّية.
    3.يلزم التناقض في مدلول قوله ( عليه السلام ) : « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » لو كان يعمّ الشكّ في الجزء والكلّ ، فانّه لو شكّ المصلّـي في الحمد وهو في الركوع
1. تقدّم برقم 1.
2. فوائد الأُصول : 4/621.


(460)
فباعتبار الشكّ في الحمد بعد ما جاوز محله فلايجب عليه العود ، وباعتبار الشكّ في صحّة الصلاة لم يتجاوز عنها ، لأنّه بعد في الأثناء فيجب عليه العود.
    يلاحظ عليه : أنّ الأصل الجاري في جانب الجزء حاكم على الأصل الجاري في ناحية الكل.
    وجه الحكومة انّ الشكّ في صحّة المجموع إذا كان ناشئاً من الشكّ في وجود الجزء في محلّه يكون التعبّد بوجوده رافعاً للشكّ في صحّة الصلاة.
    4. التجاوز في قاعدة التجاوز إنّما يكون بالتجاوز عن محلّ الجزء المشكوك فيه ، وفي قاعدة الفراغ إنّما يكون بالتجاوز عن نفس المركب لا عن محله. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ التجاوز استعمل في المعنى الجامع الذي يصدق عليه أنّه تجاوز عن الشيء ، وأمّا الخصوصيات ، أعني : التجاوز عن نفس الشيء أو محله ، فإنّما هو من خصوصيات المصاديق.
    وبعبارة أُخرى : التجاوز عن الشيء بمعنى مضيِّ الزمان الذي كان المترقب كون الشيء فيه وهو يجتمع مع التجاوز عن وجوده أو محلّه.
    والحاصل : انّ هذه الوجوه التي أقامها المحقّق النائيني على اختلاف القاعدتين لاتُثبت ما رامه.
    وبذلك يعلم ضعف ما أفاده المحقّق الخوئي حيث إنّه سلّم إمكان جعل قاعدة واحدة تشمل جميع الموارد ، لكن قال بأنّ مقتضى الإثبات هو التعدّد ، وذلك لأنّ الشكّ في الشيء بمفاد كان التامّة أثناء العمل أو بعد الفراغ عن العمل هو مورد قاعدة التجاوز ، والشكّ في صحّة الأمر الموجود ، جزءاً كان
1. فوائد الأُصول : 4/623.

(461)
المشكوك أو كلاً ، هو مورد قاعدة الفراغ ، وقال : الفرق بينهما إنّما هو باختصاص قاعدة الفراغ بالشكّ في الصحّة مع فرض الوجود ، واختصاص قاعدة التجاوز بالشكّ في الوجود دون الصحّة.
    وأفاد في تبيين ذلك : أنّ الروايات الواردة في قاعدة الفراغ بين ما يختص بباب الطهارة ، أو بباب الصلاة ، أو لايختص ويعمّ الطهارة والصلاة وغيرهما ، والظاهر من المضيّ فيما له مفهوم عام هو مضيّ الشيء المشكوك فيه حقيقة ، كروايتي محمد بن مسلم :
    1. سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) يقول : « كل ما مضى من صلاتك وطهورك وذكرته تذكّراً فامضه ولا إعادة عليك فيه » . (1)
    2. وقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » . (2)
    فإذا كان اللفظ ظاهراً في مضي نفس الشيء فحمله على مضي محل المشكوك فيه بتقدير لفظ المحلّ أو من باب الاسناد المجازي يحتاج إلى قرينة ، فيكون مفادهما ، عدم الاعتناء بالشكّ في الشيء بعد مضي هذا الشيء المشكوك ولايصدق المضي إلاّ بعد الوجود.
    فيكون مفادهما قاعدة الفراغ دون قاعدة التجاوز فلو لم يكن في المقام سوى هذين الخبرين لم نستفد منهما قاعدة التجاوز إلاّ أنّه هناك ، روايتان تدلاّن على تلك القاعدة : الأُولى صحيحة زرارة ، والثانية موثّقة إسماعيل بن جابر. ومن المعلوم أنّ المراد من الخروج في الصحيحة هو الخروج عن محلّه ، كما أنّ المراد من
1. تقدّم برقم 7.
2. تقدم برقم 8.


(462)
التجاوز هو التجاوز عن محلّه ، فيكون مفادهما قاعدة التجاوز بمعنى عدم الاعتناء بالشكّ في شيء عند التجاوز عن محلّه. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ وحدة التعبير في كلا الموردين : ( الشكّ في الصحّة ، والشكّ في الوجود ) آية وحدتهما ثبوتاً وإثباتاً فقوله : « كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فامضه كما هو » الذي هو عند القائل ناظر إلى الشكّ في الصحّة نظير قوله : « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » الذي هو ناظر عنده إلى الشكّ في وجود الشيء.
    وما تصوّر من المانع في مقام الإثبات ليس إلاّ اختلاف متعلّق المضيّ فهو في قاعدة الفراغ نفس الشيء وفي قاعدة التجاوز محله ، والاختلاف في المتعلّق من خصوصيات المورد ، فلا مانع من أن يكون الموضوع هو المضي عن الشيء على وجه الإطلاق. ولكنّه في مقام التطبيق يختلف بعض المصاديق عن البعض بمضي نفس الشيء أو محله. هذا كلّه حول الملاك الأوّل كجعل القاعدتين ، وأمّا الملاكات الأُخر فإليك دراستها :
    الملاك الثاني للتعدّد :
    تخصيص قاعدة التجاوز بالشك في الأثناء وقاعدة الفراغ بالشكّ بعد العمل.
    وهذا الملاك غير تام في كلّه ، فانّ رواية محمد بن مسلم أعني قوله : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك وذكرته تذكّراً فامضه فلا إعادة عليك فيه » . (2)
1. مصباح الأُصول : 3/278 ـ 279.
2. مضى برقم 7.


(463)
    وروايته الأُخرى : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (1) يعم الموردين : الأثناء ، وبعد العمل.
    فالروايتان من أدلّة قاعدة الفراغ عند القوم وهو يعم الأثناء أيضاً.
    الملاك الثالث للتعدّد :
    اختصاص قاعدة التجاوز بالدخول في الغير دون الفراغ ، فهو أيضاً غير ثابت ، لما سيوافيك انّ الدخول ليس بشرط مطلقاً إلاّ إذا كان محقّقاً للتجاوز ، فالدخول في الغير ليس شرطاً مستقلاً وإنّما الميزان هو التجاوز.
    نعم تجاوز كلّ شيء بحسبه ، فالتجاوز في الشكّ في الوجود يتحقّق بالدخول إلى الغير والتجاوز في الشكّ في الصحّة يتحقّق بنفس الفراغ عن الشيء.
    الملاك الرابع للتعدّد :
    تخصيص قاعدة التجاوز بالصلاة ، وعمومية قاعدة الفراغ لسائر أبواب الفقه ، وهو كما ترى.
    إلى هنا تبيّن انّ هنا قاعدة واحدة وهي قاعدة التجاوز عن الشيء بعامة أقسامه وانّ الخصوصيات من طوارئ المصاديق ، ولاحاجة إلى جعل قاعدتين.
    بقي هنا شيء وهو مفارقة قاعدة التجاوز عن الفراغ فيما إذا شكّ في أصل التسليم من قبل أن يدخل في شيء آخر ، فلاتجري قاعدة التجاوز لعدم التجاوز عن محلّه وتجري قاعدة الفراغ.
    والجواب عنه واضح ، وذلك لأنّه لو كان الشكّ في صحّة السلام تجري
1. مضى برقم 17.

(464)
القاعدتان ( التجاوز والفراغ ) وإن كان الشكّ في الوجود لاتجريان.
    أمّا الأُولى فلعدم التجاوز عن محلّ الشيء.
    وأمّا الثانية فلأنّه لم يحرز الفراغ.
    والحاصل انّه لاملاك لجعل قاعدتين بعد إمكان التشريع لعامّة الموارد بملاك واحد.

    الأمر الخامس
في اشتراط الدخول في الغير وعدمه
    هل يكفي التجاوز عن الشيء أو يشترط وراءه ، الدخول في الغير ؟ قولان :
    أحدهما : اشتراط الدخول في الغير وراء التجاوز.
    الثاني : انّ تمام الموضوع للصحّة هو التجاوز.
    أمّا الأوّل : فقد استدلّ عليه بصحيحة زرارة (1) وموثّقة إسماعيل بن جابر (2) حيث جاء في الأُولى : « يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » .
    وجاء في الثانية : « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » .
1. تقدّمت الصحيحة برقم 11 والموثّقة برقم 12. ومورد الروايتين الشكّ في وجود الشيء لا في صحّته ، وسيوافيك انّ التجاوز في الشكّ في وجود الشيء ، يتوقف على التجاوز عن محله وهو يتحقّق بالدخول في الغير وكأنّ حقيقة التجاوز رهن الدخول في الغير ، فليس الدخول قيداً زائداً بل محقّقاً للتجاوز.
2. تقدّمت الصحيحة برقم 11 والموثّقة برقم 12. ومورد الروايتين الشكّ في وجود الشيء لا في صحّته ، وسيوافيك انّ التجاوز في الشكّ في وجود الشيء ، يتوقف على التجاوز عن محله وهو يتحقّق بالدخول في الغير وكأنّ حقيقة التجاوز رهن الدخول في الغير ، فليس الدخول قيداً زائداً بل محقّقاً للتجاوز.


(465)
    وبهما تقيّد سائر الروايات التي لم يرد فيها الدخول في الغير. (1)
    وأمّا الثاني : فقد استدلّ عليه بوجهين :
    الأوّل : انّ نكتة التشريع في المقام هو كون الإنسان حين العمل أقرب إلى الحقّ وأذكر في الإتيان بالعمل على وجهه ، وعلى ذلك فتمام الموضوع للقاعدة ، كون الفاعل أذكر من حالة الشكّ وانّ المكلّف الذاكر يأتي بما هي الوظيفة فإذا تجاوز عن العمل لايلتفت إلى شكّه سواء أ دخل في الغير أم لا.
    الثاني : انّ موثّقة ابن أبي يعفور مع أنّه ذكر فيها الدخول في الغير في صدرها ، ولكن لم يذكر في الذيل واكتفى بنفس التجاوز ، وقال : « إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه » . (2)
    هذا هو دليل القولين ، والحقّ هو القول الثاني ، وانّ تمام الموضوع للقاعدة هو التجاوز ، غير أنّه لمّا كان الشكّ في وجود الشيء لا في صحّته ، يتوقّف التجاوز عنه على الدخول في الغير ، يُعتبر فيه الدخول إلى الغير ، بخلاف ما إذا كان الشكّ في صحّة الشيء الماضي فانّ الفراغ عنه يكفي في التجاوز وإن لم يدخل في الغير.
    وعلى ذلك لو شكّ في أصل التسليم وجوداً فلايصدق التجاوز عن المحلّ إلاّ بالدخول في غير حالة الصلاة ، وإذا شكّ في صحّته يكفي الفراغ عن التسليم وإن لم يشتغل بعمل غير الصلاة ، وأمّا الاستدلال بصحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر فليس بتام ، لأنّ مصبّ القاعدة هو الشكّ في الوجود كما هو ظاهر قوله : شكّ في الركوع وقد سجد ؟ قال : « يمضي على صلاته » .ثمّ قال : « يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره » .
1. مصباح الأُصول : 2/282.
2. لاحظ الحديث برقم 1.
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس