إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 466 ـ 480
(466)
    ومثلها صحيحة إسماعيل بن جابر حيث قال أبوجعفر : « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد » .
    وبما انّ القاعدة لاتجري في أثناء الوضوء اكتفى في ضرب القاعدة في موثّقة ابن أبي يعفور بنفس التجاوز وقال : « إنّما الشكّ في شيء إذا كنت لم تجزه » ، ولمّا كان الشكّ في الوضوء يلازم غالباً الشكّ في صحّة غسل الأعضاء المغسولة ، اقتصر فيه بالفراغ عن الوضوء وإن لم يدخل في غيره حتى أنّ الجزء الأخير إذا فرغ منه ثمّ شكّ في صحّته تجري فيه القاعدة.

    ما هو المراد من الغير ؟
    لو قلنا بشرطية الدخول في الغير فما هو المراد منه ؟ وجوه :
    أ : التجاوز عن محلّ تدارك الأجزاء المنسية بحيث لو نسي لما كان له العود فيختص بالأركان.
    ب : الأجزاء الواجبة الأصلية دون مقدّماتها.
    ج : الجزء الذي عدّ في الشرع مترتباً على وجود الشيء المشكوك في لسان الأدلّة.
    وعلى هذا فلايكفي الذكر المطلق في الصلاة ، كما إذا قال في أثناء الحمد : « الحمد للّه ربّ العالمين » ، إذ ليس هو مترتباً على وجود الجزء السابق ، ولكن يعمّ كلّ جزء واجب أو مستحب جاء في لسان الأدلّة مترتبين على المشكوك كالقنوت بالنسبة إلى السورة والتعقيبات بالنسبة إلى الصلاة.
    د : ذلك الاحتمال مع تضييق خاص وهو الدخول فيما اعتبر الترتب بين


(467)
المشكوك والدخول فيه بأن يكون سبق الأوّل على الثاني معتبراً في صحّة الثاني ، وترتّب الثاني على الأوّل معتبراً في صحّة الأوّل كأجزاء الصلاة بعضها إلى بعض ، والفرق بين هذا والثالث انّه لايتحقّق المضي للجزء الأخير من الصلاة والوضوء أو الغسل بالدخول في الغير ، سواء أكان المدخول فيه أمراً غير عبادي كالأكل والنوم ، أم عباديّاً لكن غير مترتب كالتعقيبات.
    ومنه يظهر انّ الدخول في الصلاة لايكفي في الوضوء والغسل ، فانّ صحّة الصلاة وإن كانت مشروطة بصحّتهما لكن صحّة الجزء المشكوك من الوضوء كالمسح على الرِجْل اليسرى ليس مشروطاً بصحّة الصلاة.
    هذه هي الوجوه المذكورة.
    يلاحظ على الوجه الأوّل : أنّ قياس الشكّ في الشيء بنسيانه لا دليل عليه ، بل هو مردود برواية زرارة حيث حكم بالتجاوز عند الشكّ في الأذان في حال الإقامة ، أو في التكبير حال القراءة ، مع أنّه يجب العود عند صورة النسيان.
    وأمّا الوجه الثاني : أي اختصاص الغير بالواجب الأصلي دون المقدّمات ، فقد استدلّ عليه الشيخ الأنصاري برواية إسماعيل بن جابر ، وقال : إنّ الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل بن جابر إن شكّ في الركوع بعد ما سجد ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام ، « فليمض » بملاحظة مقام التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقررة بقوله بعد ذلك : « كلّ شيء شكّ فيه ... » كون السجود والقيام حدّاً للغير الذي يعتبر الدخول فيه ، وأنّه لا غير أقرب من الأوّل بالنسبة إلى الركوع ، ومن الثاني بالنسبة إلى السجود ، إذ لو كان الهويّ للسجود كافياً عند الشكّ في الركوع ، والنهوض للقيام كافياً عند الشكّ في السجود ، قبح في مقام التوطئة للقاعدة الآتية ، التحديد بالسجود والقيام ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا


(468)
شكّ قبل الاستواء قائماً. (1)
    يلاحظ عليه أوّلاً : أنّه محجوج بالاكتفاء بالهوي إلى الركوع في حديثين :
    أ : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : قلت له رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ؟ قال : « قد ركع » . (2)
    والهوي إلى السجود بمعنى الانحدار إلى السجود دون الوصول إليه ، وإلاّ يقول : رجل سجد فلم يدر أركع أم لم يركع ؟
    ب : ما رواه فضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : أستتم قائماً فلاأدري أركعت أم لا ؟ قال : « بلى قد ركعت ، فامض في صلاتك ، فإنّما ذلك من الشيطان » . (3)
    والمراد من الاستتام قائماً هو رفع رأسه من الانحناء إلى القيام ولكنّه شكّ هل ركع حال انحنائه أو لا ؟
    وثانياً : أنّ التحديد بالسجود عند الشكّ في الركوع جاء في سؤال زرارة ولم يرد في لسان الإمام.
    نعم التحديد بالسجود عند الشكّ في الركوع وبالقيام عند الشكّ في السجود وإن ورد في لسان الإمام في رواية إسماعيل بن جابر ، لكن عدم التعرض للهويّ في الأوّل وللنهوض في الثاني ، لأجل عدم حصول الشكّ في هذه الحالات للإنسان إلاّ إذا كان وسواساً وهذا لايعني عدم كفايتهما إذا طرأ الشكّ وهو
1. الفرائد : 411 ، طبعة رحمة اللّه.
2. تقدم برقم 16.
3. تقدم برقم 15.


(469)
إنسان عادي أخذاً بالإطلاقات الواردة في الدخول في الغير.
    فتلخص من جميع ما ذكرنا عدم اعتبار كون المدخول فيه واجباً أصلياً ويكفي كونه واجباً مقدمياً.
    فإن قلت : إنّ لعبد الرحمن بن أبي عبد اللّه رواية أُخرى جاء فيها عدم كفاية النهوض عن السجود ، قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) رجل رفع رأسه عن السجود فشكّ قبل أن يستوي جالساً فلم يدر أسجد أم لم يسجد ؟ قال : « يسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً ، فلم يدر أسجد أم لم يسجد ؟ قال : « يسجد » . (1)
    قلت : إنّ أقصى ما تثبته الرواية هو الالتزام بالتخصيص في مورد السجود وبقاء الباقي تحت الإطلاق ، والقول باشتراك النهوض والهوية في الحكم غير ثابت لنا.
    فإن قلت : إنّ الاستدلال بروايتي عبد الرحمن وفضيل بن يسار على كفاية الدخول في الجزء الواجب أصلياً كان أو تبعياً غير تام ، وذلك لأنّ الشكّ في الركوع عند الهويّ إلى السجود أو عند رفع رأسه من الإنحناء إلى القيام أمر نادر ، والشاك فيه يكون وسواساً ، فلعلّ عدم الاعتداد لهذا الوجه لا لكونه دخولاً في الغير بشهادة انّ الإمام قال في رواية فضيل : « فامض في صلاتك فإنّما ذلك من الشيطان » .
    قلت : إنّ الشكّ مطلقاً من الشيطان بالمعنى المراد في الرواية عادياً كان أم غير عادي ، وغاية ما هناك أنّ ثمّة إشعاراً بما ذكر وهو لايقابل الإطلاق.
    فظهر كفاية الجزء التبعي وإن لم يكن أصلياً.
1. الوسائل : 4/972 ، الباب 15 من أبواب السجود ، الحديث 6.

(470)
    وأمّا الوجه الثالث ، أي الدخول في الشيء المترتب على المشكوك وإن كان مستحباً فهو أقوى الوجوه أخذاً بالإطلاق ، وعلى ذلك لو شكّ في القراءة بعد ما قنت فقد دخل في الغير.
    وأمّا الوجه الرابع ، فلم أجد وجهاً له ، فالأقرب هو ثالث الوجوه.

    الأمر السادس
ما هو المراد من المحل ؟
    إذا كان تمام الموضوع هو التجاوز عن الشيء ، فلو كان الشكّ في صحّة الشيء الموجود فالتجاوز عنه بمعنى الفراغ عنه ، الملازم غالباً للدخول إلى الغير وإن لم يكن مشروطاً به ، وأمّا إذا كان الشكّ في وجود الشيء فالتجاوز عن الشيء المشكوك الوجود ، هو التجاوز عن محلّه ، فيكون التجاوز عن الشيء في القسم الأوّل حقيقيّاً وفي الثاني مجازياً ، وقد اختلفت كلماتهم في تفسير المحلّ على وجوه :
    1. المحلّ الشرعي.
    2. المحلّ العقلي.
    3. المحلّ العرفي.
    4. المحل العادي.
    فالمحلّ الشرعي عبارة عمّا جعله الشارع محلاً للجزء ، فجعل محل التكبيرة قبل القراءة ، وهي قبل الركوع.
    كما أنّ المراد من الثاني هو المحل المقرر له بحكم العقل ، وقد مثل له الشيخ


(471)
الأنصاري بالراء الساكنة في التكبيرة بأنّ محلها بعد الباء بلا فصل ولولاه لزم الابتداء بالسكون.
    كما أنّ المراد من الثالث هو الطريقة المألوفة عند العرف في إنجاز العمل الخاص ، وذلك كالقراءة فإنّ الفصل الطويل بين المفردات أو الجمل ، مرغوب عنه عرفاً ، بل يوجب خروج الكلام عن كونه كلا ماً.
    ويمكن إرجاع المعنى الثاني والثالث إلى الأُولى ، لأنّه إذا امتنع التلفّظ بالراء الساكنة إلاّ بوصلها بالباء المفتوحة فهو محلّ شرعي أيضاً ، لأنّ الشرع أمرنا بالنطق بالتكبير بالصورة الممكنة كما أمرنا بالقراءة بالطريقة المألوفة ، والمراد من العادي ما جرى عليه عادة الفرد أو الناس حيث إنّهم لايفرّقون بين غسلات الغسل بل يأتون بها متوالياً ، فإذا شكّ مغتسل في غسل الجزء الأخير بعد ما خرج من الحمام فقد مضى وقته العادي دون الشرعي ، فإذا رجعت المعاني الثلاثة الأُولى إلى شيء واحد فإنّما يقع الكلام في كفاية التجاوز عن المحلّ العادي ، فهل يكفي في تحقّق التجاوز أو لا ؟
    ذهب سيدنا الأُستاذ تبعاً لعدد من المشايخ بعدم الكفاية ، قائلاً : إنّ المراد من المحل هو المحل الشرعي لا العادي ، لأنّ الشارع المقنن إذا قرر للأشياء محلاً فجعل محل القراءة بعد التكبير وقبل الركوع ، وهكذا ، ثمّ جعل قانوناً آخر بأن ّ كلّ ما مضى محلّه فامضه ، لايفهم العرف والعقلاء إلاّ ما هو المحل المقرر الجعلي لا ما صار عادة للأشخاص أو النوع فانّ العادة إنّما تحصل بالعمل وهي لاتوجب أن يصير المحلّ العادي محلاً للشيء. (1)
    ومع ذلك يمكن أن يقال بالكفاية في بعض الصور ، وذلك لأنّ الملاك هو
1. الإمام الخميني : الرسائل : 297.

(472)
كون الفاعل أذكر وكونه حين ينصرف أقرب إلى الحقّ ، وهذا يقتضي التعميم إلى التجاوز عن المحلّ الشرعي أو العادي.
    وبعبارة أُخرى : إنّ تركه إمّا يستند إلى الغفلة وهي ممنوعة ، أو إلى العمد وهو يخالف كونه بصدد إبراء الذمة.
    نعم إنّما يكفي إذا أنجز عملاً وشكّ في كماله ونقصانه ، وأمّا إذا احتمل بأنّه لم يأت أصلاً كما شكّ في إتيان صلاة الظهر قبيل الغروب مع جريان عادته على الصلاة في أوّل الوقت فإطلاقات الأدلّة في وجوب الإتيان عند الشكّ في الوقت متقدّمة على إطلاق قاعدة التجاوز.


(473)
    الأمر السابع
هل المضي عزيمة أو رخصة ؟
    قد تضافر في الروايات الأمر بالمضي (1) ، وعدم الإعادة. (2)
    فهل المضي وعدم الإعادة على وجه الرخصة أو على وجه اللزوم ؟ الظاهر هو الثاني ، لأنّ الظاهر من الروايات هو التعبّد بوقوع المشكوك أو صحته كما في قوله : « بلى قد ركعت » أو « قد ركع » . (3) وعلى هذا يكون الرجوع زيادة بحكم تعبّد الشارع بوجوده أو صحته فيشمله قوله : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » . (4)
    أضف إلى ذلك النهي عن الإعادة في صحيحة محمد بن مسلم حيث قال : « لايعيد ولا شيء عليه » . (5) أو « فامض ولاتعد » . (6)
    وأمّا الاستدلال بالأوامر الواردة مثل قوله : « امض » (7) فهو ضعيف ، لأنّ الأمر في مظانِّ توهم الحظر ( حرمة المضيِّ وعدم الاعتداد ) ففي مثله لايدلّ الأمر إلاّ على الجواز.
    نعم ورد جواز الإعادة في الطواف. (8) فيقتصر عليه.
1. لاحظ الأحاديث برقم 3 ، 6 ، 7 و8.
2. لاحظ الأحاديث برقم 9 و10.
3. تقدّم برقم 15 و16.
4. الوسائل : 5/الباب 19 من أبواب الخلل ، الحديث 1.
5. تقدّم برقم 9.
6. تقدّم برقم 10.
7. تقدّم برقم 14.
8. تقدم برقم 21.


(474)
    الأمر الثامن
في جريان القاعدة في الأجزاء غير المستقلّة
    لا شكّ في جريان القاعدة في الأجزاء المستقلة ، كالشكّ في الأذان عندما أقام ، والشكّ في الركوع بعد ما سجد ; إنّما الكلام في جريانها في غير المستقلّة من الأجزاء ، كالشكّ في الشهادة الأُولى عند ما دخل في الشهادة الثانية ، ومثله الشك في بعض فصول الإقامة أو بعض آيات سورة الحمد وقد دخل في غير المشكوك من سائر الفصول والآيات.
    ذهب الشيخ إلى عدم الشمول وقال : إنّ الأظهر عند الفقهاء كون الفاتحة فعلاً واحداً ، بل جعل بعضُهم القراءةَ فعلاً واحداً ، وقد عرفت النصّ في الروايات على عدم اعتبار الهويّ للسجود ، والنهوض للقيام ، وممّا يشهد لهذا التوجيه ، إلحاق المشهور ، الغسلَ والتيمم بالوضوء في هذا الحكم ، إذ لا وجه له ظاهراً إلاّ ملاحظة كون الوضوء أمراً واحداً يُطلب منه أمر واحد غير قابل للتبعيض ، أعني : الطهارة. (1)
    يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ النصّ لم يرد على عدم اعتبار الهويّ للسجود ، بل ورد على كفايته كما في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه. (2) نعم ورد النصّ على عدم اعتبار النهوض للقيام. (3) وقد مرّ باختصاصه بالمورد ولاتصحّ تسرية
1. الفرائد : 413.
2. تقدم برقم 16
3. الوسائل 4 ، الباب 15 من أبواب السجود ، الحديث 6.


(475)
حكمه إلى كلّ أمر غير مستقل.
    وثانياً : ما استظهره من روايات الوضوء وإلحاق الآخرين به ، أعني : أنّ الوضوء أمر واحد ، يطلب منه أمر واحد غير قابل للتبعيض ، يستلزم عدم جريان القاعدة في الصلاة والحج وسائر الأعمال العبادية إلاّ إذا ورد النصّ به ، لأنّ المطلوب في الصلاة أمر واحد وهو كونها معراج المؤمن ، وفي الحجّ أمر واحد وهو العروج والوفود إلى اللّه ، وهو كما ترى.
    وثالثاً : أنّ الموضوع للقاعدة كون الإنسان أذكر حين العمل ، وأقرب إلى الحقّ من حالة الشكّ فلا فرق بين الجزء المستقل وغيره ، وأقصى ما يمكن أن يقال هو شرطيّة محو صورة العمل عن ذهنه ، ولذا لو شكّ في الكلمات المتقاربة لاتجري لحضور صورة العمل في ذهنه بل يعدُّ المصلي انّه في المحل بعدُ.

    الأمر التاسع
جريان القاعدة في الشكّ في صحّة الجزء المأتي به
    إنّ الأسئلة الواردة في صحيح زرارة (1) وموثقة إسماعيل بن جابر (2) وإن كانت ظاهرة في الشكّ في الوجود ، لكن الكبرى الواردة فيهما تعمّ الشكّ في الصحّة ، أعني : قوله في الأُولى : « إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء » وقوله في الثانية : « كلّ شيء شكّ فيه وقد دخل في غيره فليمض » . ومثلهما موثقة ابن أبي يعفور (3) حيث قال : « إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه »
1. تقدّم برقم 11.
2. تقدّم برقم 12.
3. تقدّم برقم 1.


(476)
حيث فرض الشيء ، محقّقاً ثمّ فرض التجاوز عنه.
    أضف إلى ذلك انّ التعليل بالأذكرية والأقربية إلى الحقّ تعمّ القسمين ، بل يمكن ادّعاء الأولوية في الشكّ في الصحّة ، فإذا جرت القاعدة في الشكّ في أصل الوجود ، فأولى أن تكون جارية في الشكّ في الصحّة بعد تسليم أصل الوجود.

    الأمر العاشر
في جريان القاعدة في الشروط
    قد عرفت جريان القاعدة في الأجزاء مستقلة كانت أم غير مستقلة ، إنّما الكلام في جريانها في الشروط الخارجة عن ماهية المأمور به ، الدخيلة في صحّته أو كماله. وعلى كلّ تقدير فلها أقسام :
    1. ما يكون سبباً لعروض عنوان الصلاة أو الظهر على العمل ، كالنية. فلو شكّ في أثناء العمل في أنّه نوى الصلاة أو لا ، أو صلّـى بنيّة الظهر أو بنيّة النافلة ، فالقول بجريان القاعدة أمر مشكل ، لأنّ جريانها فرع إحراز كون العمل موصوفاً بالصلاة ، أو بالمأمور به ، وأمّا مع الشكّ في أصل العنوان فهو أمر مشكل. اللّهمّ إلاّ أن يقال : يكفي في جريان القاعدة إحراز الموضوع في حال الشكّ ، كما إذا رأى نفسه في حال الصلاة أو قاصداً للظهر في تلك الحالة وإن كان العنوان في ظرف الشكّ مشكوكاً.
    2. ما يكون لذات القيد محل شرعيّ ، كالأذان والإقامة بالنسبة إلى الصلاة حيث إنّ لهما دخلاً في صحّة الصلاة أو كمالها ، فلو شكّ في تحقّقهما في محلّهما بعد التجاوز عنه ، لايُعتدُّ به.


(477)
    و من هذا القبيل إذا شكّ في الإتيان بالظهر وهو يصلّي العصر ، فلايعتدّ بالشكّ ويبني على أنّ صلاته الفعلية حائزة للشرط ، وهو سبق الظهر على العصر. ومع ذلك كلّه إذا فرغ من الصلاة ، فعليه الإتيان بالظهر ، وذلك لأنّ مفاد القاعدة كون صلاة العصر ، حائزة للشرط ، وأمّا أنّه صلاّها في الواقع ونفس الأمر ، فلاتثبته القاعدة.
    وبذلك يعلم أنّ الصحّة الثابتة بالقاعدة ، صحّة نسبيّة لا مطلقة ، وانّ مفادها ، كون صلاة العصر حائزة للشرط ، لا انّ ذمّة المصلّـي فارغة من صلاة الظهر مع بقاء الوقت ، فيشمله إطلاق ما دلّ على وجوب الاعتداد بالشكّ في الشيء قبل دخول الحائل.
    فإن قلت : المشهور انّ أصالة الصحّة أصل محرز للواقع ، وانّه يُبنى على وجود الشرط في الواقع ، ومعه كيف يجب عليه الإتيان بالظهر ؟
    قلت : إنّ أصالة الصحة وإن كانت أصلاً محرزاً ، لكن الإحراز في إطار الشكّ الذي طرأ عليه وهو كون صلاة العصر واجدة للشرط.
    وإن شئت قلت : المحرز هو سبق الظهر على العصر بما انّه شرط لصحة صلاة العصر ، وأمّا إحرازها مطلقاً وفراغ ذمّته مطلقاً فلاتثبتة القاعدة.
    3. ما لايكون لذات القيد مكان خاص كالستر والقبلة ، ولكن التقيّد بها معتبر من أوّل الصلاة إلى آخرها ، فإذا شكّ في الشرط فله صور :
    1. إذا شكّ في وجود الشرط أي التقيّد وقد فرغ من الصلاة ، فالصلاة محكومة بالصحة بحكم القاعدة.
    2. إذا شكّ في الأثناء بالنسبة إلى الركعة السابقة وهو واجد له حين الشكّ ، فهي محكومة بالصحّة أيضاً.


(478)
    3. إذا شكّ في الأثناء بالنسبة إلى الركعة السابقة وهو غير واجد له حين الشك ، فهي محكومة بالبطلان للعلم بعدم وجود الشرط فعلاً ، سواء أصحّت الركعة السابقة أو لا.
    4. إذا شكّ في الأثناء بالنسبة إلى الركعة السابقة ، مع كونه شاكاً أيضاً حين الالتفات ، فعليه الفحص فإن أحرز فهو وإلاّ تكون محكومة بالبطلان.
    وبذلك تبيّن الفرق بين الشكّ في الأذان والإقامة مع كونه في الصلاة ، والشكّ في الاستقبال والستر وهو فيها ، لأنّ للأوّلين محلاً معيناً ، تجاوز عنه حين الشكّ بخلاف الأخيرين فهما معتبران في عامة آنات الصلاة ، فالشكّ فيهما بالنسبة إلى الركعة الماضية وإن كان شكاً بعد المحل ، لكنّه بالنسبة إلى حين الالتفات شك في المحل ، فيجب إحرازه وإلاّ يكون العمل محكوماً بالبطلان.

    الشكّ في الطهارة الحدثية
    إذا شكّ في الطهارة الحدثية وهو في أثناء الصلاة ، فهل تجري القاعدة أو لا ؟ وجهان :
    1. انّ الشرط لصحّة الصلاة ، هو الغسلات والمسحات مع قصد القربة ، كما هو المتبادر من قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلَى المَرافِق ... ) (1). فإذا شكّ في الطهارة وهو في أثناء الصلاة ، فقد شكّ بعد مضي الوقت ، فيحكم بأنّ الصلاة حائزة لشرطها ومع ذلك يجب عليه تحصل الطهارة ، بالنسبة إلى الصلوات الأُخرى ، لما عرفت من أنّ
1. المائدة : 6.

(479)
مفاد القاعدة هو الصحّة النسبيّة ، وانّ الصلاة واجدة لشرطها ، وأمّا أنّ المصلّـي متطهّر واقعاً فلا ، ولذلك يجب إحرازها بالوجدان أو بالأمارة بالنسبة إلى الصلوات الآتية.
    وكون الآية بصدد بيان اشتراط الصلاة بالطهارة وإرشاداً إلى شرطيتها لها لايمنع أن تكون مبيّنة لمحلّها ، فيكون حكم الطهارة الحدثية نظير الأذان والإقامة في أنّ محل إحرازها هو قبل الصلاة.
    2. انّ الشرط هو الحالة النفسانية الحاصلة للنفس بالغسلات والمسحات المقرونة بقصد القربة ، فهي شرط لمجموع العمل ، فيكون حالها حال الستر والقبلة ، فمادام المصلّـي مشتغلاً بالصلاة ، لايصدق عليه انّه تجاوز عن محلّه.
    والظاهر هو الأوّل ، أخذاً بظاهر الآية ، بل يمكن أن يقال بالصحّة حتى على الوجه الثاني ، فإنّ الشرط وإن كان هو الطهارة النفسانية المعتبرة في الصلاة من أوّلها إلى آخرها لكن محلّ إحرازها شرعاً ، هو أوّل الصلاة ، فالشاكّ في الأثناء قد تجاوز عن المحل الذي أمر الشارع بتحصيله فيه ، ولعلّ هذا المقدار ( التجاوز عن محل التحصيل ) يكفي في صدق التجاوز وإن كان نفس الشرط غير متجاوز عنه.


(480)
    الأمر الحادي عشر
في خروج الطهارات الثلاث عن حريم القاعدة
    حكى غير واحد الاتفاق على خروج أجزاء الطهارات الثلاث عن حريم القاعدة ، وانّ الشكّ في الأثناء ، موجب لبطلانها ، وقد ورد النصّ في الوضوء وأُلحق به الغسل والتيمم ، ومن الروايات :
    1. صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
    أ : « إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله وتمسحه ، ممّا سمّى اللّه ، ما دُمت في حال الوضوء.
    ب : فإذا قمت عن الوضوء ، وفرغت منه ، وقد صرت في حال أُخرى في الصلاة ، أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوءه ، لا شيء عليك فيه.
    ج : فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه ، وعلى ظهر قدميك ، فإن لم تُصب بللاً فلاتنقض الوضوء بالشكّ ، وامض في صلاتك.
    وإن تيقّنت أنّك لم تتمّ وضوءك فأعد على ما تركت يقيناً ، حتّى تأتي على الوضوء » . (1)
    ودلالة الرواية على المطلب واضحة. وأمّا قوله في الفقرة الثالثة : « فإن
1. الوسائل : 1/330 ، الباب 42 من أبواب الوضوء ، الحديث 1.
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس