إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 481 ـ 495
(481)
شككت في مسح رأسك فأصبت في لحتيك بللاً » فالشكّ فيها شكّ بعد الفراغ ، والمسح ببلل اللحية استحبابي ، بقرينة قوله في الفقرة الرابعة : « وإن لم تصب بللاً ، فلاتنقض الوضوء بالشكّ وامض في صلاتك » . فإنّ المضيّ في الصلاة قرينة على حدوث الشكّ في تلك الحالة ، إنّما هو بعد التجاوز عن المحلّ.
    2. موثّقة بكير بن أعين قال : قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ؟ قال : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » . (1) ودلالته بالمفهوم حيث خصّ السائل السؤال ببعد الوضوء وجاء الجواب على طبق السؤال. وبما أنّ التخصيص في كلام السائل تكون دلالتها على الرجوع في الأثناء ضعيفة.
    3. مرسلة أبي يحيى الواسطي ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : قلت : جعلت فداك ، أغسل وجهي ثمّ أغسل يدي ويشكّكني الشيطان أنّي لم أغسل ذراعي ويدي ؟ قال : « إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلاتعد » . (2)
    وجه الدلالة : أنّه لو كان الشكّ في الأثناء مشمولاً للقاعدة ، لما تمسّك الإمام في الحكم بعدم العود بالأمارة الظنيّة.
    لكن في الرواية ملاحظتان :
    أ : أنّها مرسلة لايصحّ الاحتجاج بها.
    ب : يمكن أن يقال : إنّ الشكّ في أثناء الوضوء مشمول لقاعدة التجاوز ، وأمّا أنّ الإمام لم يتمسّك بها بل تمسّك بالأمارة الظنيّة ، فإنّما هو لأجل إزالة شكّ السائل الّذي كان كثير الشكّ بشهادة قوله : « ويشكّكني الشيطان » وعندئذ لايكون التمسّك بها دليلاً على عدم جريان القاعدة في الأثناء.
1. الوسائل : 1/331 ، الباب 42 من أبواب الوضوء ، الحديث 7.
2. الوسائل : 1/331 ، الباب 42 من أبواب الوضوء ، الحديث 4.


(482)
    4. موثّقة ابن أبي يعفور ـ ذكرها الشيخ في عداد ما يدلّ على لزوم الالتفات إذا شكّ في الأثناء ـ عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه » . (1)
    والرواية جديرة بالبحث صدراً وذيلاً.
    أمّا الصدر ، أعني قوله ( عليه السلام ) : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره » .
    فإن رجع الضمير إلى « شيء » يلزم كفاية التجاوز عن محلّ غسل العضو ، وإن لم يفرغ من الوضوء ، فيكون مخالفاً لما سبق من الروايات والإجماع المدّعى ; وإن رجع إلى الوضوء كان الصدر موافقاً لما مرّ من روايتي زرارة وأبي يحيى الواسطي. ولعلّهما قرينتان منفصلتان على تعيّن عود الضمير إلى الوضوء.
    وعلى هذا فالصدر خال عن الإشكال ، إنّما الإشكال في الذيل ، فانّ الضمير فيه يرجع إلى الشيء المشكوك من الوضوء ، والشيء المشكوك هو غسل أحد الأعضاء ، فلازم ذلك كفاية التجاوز عن الشيء المشكوك وإن لم يفرغ عن العمل. وهو يخالف الروايات السابقة والإجماع المدّعى.
    وقد حاول بعض أساطين العلم كالشيخ الأعظم (2) ، وغيره الإجابة عن الإشكال ولكن الأولى في الإجابة أن يقال : إنّ الذيل بإطلاقه يدلّ على كفاية التجاوز عن الشيء المشكوك وله مصداقان :
    أ : التجاوز عنه بالاشتغال بعضو من أعضاء الوضوء.
1. الوسائل : 1/330 ، الباب 42 من أبواب الوضوء ، الحديث 2.
2. الفرائد : 413.


(483)
    ب : التجاوز عنه والدخول في عمل غير الوضوء.
    ومفاد الإطلاق كفاية كلا التجاوزين إلاّ أنّه يقيّد بما عرفت من الأدلّة على عدم كفاية الاشتغال بعضو من أعضاء الوضوء ، بل لابدّ من الدخول في عمل آخر ، وليس هذا إخراجاً للمورد بل تقييداً للمطلق.

    الأمر الثاني عشر
في اختصاص القاعدة بالإخلال عن سهو
    لو احتمل كون الترك مستنداً إلى العمد ، فهل يقع مجرى للقاعدة أو لا ؟ يظهر من الشيخ كونه مجرى لها ، قال في ذيل الموضع السابع ما هذا لفظه :
    يمكن استفادة الحكم من قوله : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ » فانّه بمنزلة صغرى لقوله : فإذا كان أذكر فلايترك ممّا يعتبر في صحّة عمله الذي يريد براءة ذمّته ، لأنّ الترك سهواً خلاف فرض الذكر وعمداً خلاف إرادة الإبراء. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ الأذكرية إنّما تعالج احتمال الترك سهواً لا احتمال تركه عمداً بشهادة انّ كثيراً من الذاكرين يتركون الواجب ، أصلَه وفرعَه.
    فإن قلت : إذا أحرز انّه كان ـ وراء الأذكرية ـ بصدد إبراء الذمّة عن يقين لماذا لاتجري القاعدة ؟
    قلت : إنّ إحراز ذلك يوجب الاستغناء عن القاعدة ، لأنّ إحراز ذلك لايجتمع مع احتمال ترك الجزء عمداً.


(484)
    والذي يؤيد اختصاص القاعدة بصورة احتمال الترك سهواً وعدم عمومها لاحتمال الترك عمداً هو ارتكاز العقلاء ، فإنّهم لايعتدون بالشكّ فيما إذا كان احتمال الترك مستنداً إلى السهو لا إلى العمد فربما يكون ذلك الارتكاز قرينة لعدم الإطلاق الوارد في الروايات.
    وعلى ضوء ذلك فلو احتمل ترك الجزء عمداً يجب الرجوع إلى القواعد الأُخر. مثلاً لو احتمل ترك الجزء عمداً ، يجب عليه إعادة الواجب إذا كان الوقت باقياً دونما إذا خرج الوقت فانّ المرجع فيه هو البراءة عن القضاء ، لما تُقرر في محلّه من أنّ القضاء بأمر جديد وهو مشكوك بعدُ ، لا بالأمر الأوّل الذي سقط بخروج الوقت.
    فإن قلت : يجب عليه القضاء في الصورة الثانية أيضاً بأصالة عدم الإتيان بالواجب في وقته.
    قلت : إنّ الاستصحاب لايثبت عنوان الفوت الذي هو أمر وجودي وموضوع لوجوب القضاء في الأدلّة ، بل هو من العناوين اللازمة للمستصحب.


(485)
    الأمر الثالث عشر
اختصاص القاعدة بالشكّ الحادث بعد العمل
    إنّ مصبّ القاعدة هو الشكّ الطارئ بعد مضي العمل ، وأمّا لو كان الشكّ موجوداً قبل العمل لكنّه ذهل عنه ثمّ التفت إلى الشكّ السابق بعد العمل ، فلاتجري فيه القاعدة. وإليك أحكام الصور المترتبة عليه.
    الصورة الأُولى
    لو كان المكلّف محدِثاً وشكّ في ارتفاعها ثمّ غفل ودخل الصلاة وأتمها فشكّ في صحّتها ولايحتمل انّه توضأ بين الشكّ والصلاة ، فلاتجري قاعدة الفراغ ، لأنّ مجراها هو الشكّ الحادث ، والشكّ بعد الصلاة في المقام ، هو نفس الشكّ الموجود قبل الصلاة ، لكنّه غفل عنه عبْر الصلاة ثمّ عاد الشكّ نفسه.
    والمرجع بعد عدم جريان القاعدة هو قاعدة الاشتغال ولزوم إفراغ الذمّة بإعادة الصلاة.
    ويمكن أن يقال : إنّ المرجع استصحاب الحدث والنتيجة على كلا الوجهين واحدة ، وهو عدم جواز الاقتصار بالصلاة السابقة.
    نعم ذهب سيّدنا الأُستاذ إلى أنّ المرجع هو قاعدة الاشتغال ولايجري استصحاب الحدث في حال الغفلة عن الشكّ ، لأنّ حجّية الاستصحاب متوقفة على الشكّ الفعلي الذي يكون ملتفتاً إليه ليكون الاستصحاب مستنداً للفاعل في عمله كما هو الشأن في كلية الحجج عقلاً ، وعلى ذلك لايكون الاستصحاب حجّة


(486)
وجارياً في حال الغفلة عن الشكّ أو اليقين. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ الشكّ ليس معدوماً في النفس بل مخزون فيها وموجود بالفعل لكنّه غافل عنه ، وهذا المقدار من الشكّ كاف.
    نعم ما أفاده من أنّ الالتفات إلى الشكّ شرط لحجّية الاستصحاب والمفروض انّه غير ملتفت إليه لايخلو من وجه.
    ويمكن أن يقال : انّ المصلّـي وإن كان غير ملتفت إلى شكّه لكن المجتهد الذي يريد الإفتاء في المسألة يتّخذ يقين ذلك المصلّـي وشكّه موضوعاً للحكم بعدم جواز نقض يقينه بالشك وينوب عنه في الاستصحاب فيكون محكوماً بكونه محدثاً.
    وعلى ذلك فالقاعدتان : الاشتغال واستصحاب الحدث ، جاريتان وإن كانت النتيجة واحدة.
    الصورة الثانية
    تلك الصورة ولكنّه يحتمل انّه توضأ بين الشكّ والصلاة. ذهب المحقّق النائيني إلى أنّه تجري قاعدة الفراغ ، لكون الشكّ الحادث بعد الصلاة ليس نفس الشكّ الموجود المغفول عنه قبلها ، بل طرأ لأجل احتمال انّه توضّأ وصلّـى فلايزيد حكمه عمّا إذا علم بالحدث واحتمل بعد الفراغ من الصلاة ، انّه توضأ وصلّى ، فكما تجري القاعدة هناك فهكذا المقام.
    يلاحظ عليه : أنّ أركان استصحاب الحدث تامة في المقام لما عرفت من أنّ اليقين والشكّ موجودان في خزانة النفس وإن كان الإنسان غافلاً عنهما ، وهذا
1. فرائد الأُصول : 413.

(487)
المقدار من الوجود لهما كاف في حكم المجتهد بحرمة نقض اليقين بالشكّ وصيرورته محكوماً بالحدث.
    والشكّ الحادث بعد الصلاة وإن كان شكّاً جديداً مسوِّغاً لجريان قاعدة التجاوز وحاكماً على الاستصحاب الجاري بعد الصلاة ، لكن الاستصحاب الجاري قبل الصلاة حاكم على القاعدة.
    وما أفاده من أنّ حكمه لايزيد على ما إذا علم بالحدث واحتمل بعد الفراغ من الصلاة انّه توضّأ وصلّى ، فغير تام ، للفرق بين المقيس والمقيس عليه ، لعدم اكتمال أركان استصحاب الحدث في الثاني دون الأوّل ، لأنّه ليس في المقيس عليه إلاّ اليقين فقط وهو غير كاف في الاستصحاب فتجري القاعدة ، بخلاف المقيس إذ فيه وراء اليقين وجود الشكّ وإن ذهل عنه بعده فيجري الاستصحاب قبل الصلاة ويكون حاكماً على القاعدة الجارية بعدها.
    الصورة الثالثة
    لو كان متطهّراً ثمّ شكّ في الطهارة وذهل وصلّـى وشك بعدها ، فالاستصحاب قبل الصلاة وبعدها والقاعدة متوافقة المضمون ولاتترتب ثمرة عملية عليه لتعيين ما هو المرجع.




(488)
    الأمر الرابع عشر
في اختصاص القاعدة بالذاكر دون الغافل القطعي
    الظاهر اختصاص القاعدة بمن اشتغل بالعمل عن ذُكر إجمالي ولكنّه يحتمل عروض الغفلة عليه فيترك الجزء والشرط.
    وأمّا لو علم بغفلته حين العمل ولكنّه يحتمل انطباق العمل على الواقع من باب الصدفة والاتّفاق ، كما لو توضّأ ولم يحرّك خاتمه ولكن يحتمل وصول الماء إلى تحته صدفة ، فلاتجري القاعدة ، بل مجراه ما إذا كان انطباق العمل على الواقع معلولاً لكونه مريداً لإبراء ذمّته ، لالانطباقه عليه من باب الصدفة.
    وبعبارة أُخرى : القاعدة تعالج الشكّ النابع من احتمال عروض الغفلة ، وأمّا الشكّ النابع من واقع تكوينيّ ، وهو : هل اتصال الخاتم بالاصبع على نحو يمنع من وصول الماء أو لايمنع ؟ فلاتعالجه ، لأنّ الوصول وعدمه ليس له صلة بالأذكرية والأقربية ، بل نسبته وعدمه إليهما على وجه سواء.
    وبعبارة ثالثة : انّ مصب القاعدة ما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة حتى يختلف حال المكلّف إلى حين العمل وحين الشكّ ، وأمّا إذا كانت صورة العمل محفوظة على وجه يكون شاكاً في كلتا الحالتين ، فلاتكون مجرى للقاعدة وفي المقام لو التفت حين العمل بأنّه اغتسل من غير تحريك لخاتمه يشك كشكّه بعد العمل.
    ويدلّ على ما ذكرنا أُمور :
    الأوّل : ما دلّ على أنّ العامل حين العمل أذكر وأقرب إلى الحقّ من حين الشكّ ، وهذا يستلزم أن تكون الحالتان مختلفتين من حيث الذكر والقرب إلى


(489)
الحقّ ، وأمّا إذا ساوت الحالتان كما في المقام فلاتجري فيها القاعدة ، وذلك لأنّ الشكّ لايختص بوقت الفراغ عن العمل بل يعمّ حينه فلو ألفته أحد حين العمل إلى كيفية عمله لشكّ.
    فخرجنا بهذه النتيجة : انّه في كلتا الحالتين شاك وليس في أحدهما أذكر ، واحتمال كون الأقربية من قبيل الحِكَم ، لامناط الحُكم وملاكه يكفي في صرف إطلاق الأدلّة عن هذه الصورة ولايلزم العلم بكونهما ملاكين أو مناطين للحكم.
    وعلى هذا لو صلّى إلى جانب من دون تحقيق وفحص ، ثمّ شكّ بعد الفراغ في أنّ الجهة التي صلّى إليها هل كانت قبلة أو لا ؟ لاتجري قاعدة الفراغ ، لتساوي الحالتين في الأذكرية والأقربية ، ولو صحّت صلاته وكانت الجهة قبلة ، فإنّما صحّت من باب الصدفة والاتفاق ، لا من باب انّه بصدد إبراء الذمّة.
    ومثل ذلك لو توضأ من أحد الإناءين المشتبهين ، فلاتجري قاعدة الفراغ ، لأنّه لو صادف كونه ماءً مطلقاً ، فإنّما هو من باب الصدفة لا من باب كونه مريداً للعمل.
    وباختصار انّ الظاهر من الروايات انّ الحكم بالصحّة يجب أن يكون نابعاً من سعيه لإبراء ذمّته لا من باب احتمال كون المأتي به مطابقاً للواقع من باب الصدفة.
    الثاني : انّ الظاهر من الروايات انّ مورد القاعدة عبارة عمّا لو كان الشكّ نابعاً من الجهل بكيفية العمل على وجه لو ارتفع الجهل ، لارتفع الشكّ ، وأمّا إذا كان الشكّ طارئاً حتى مع العلم بكيفية العمل ـ كما في المقام ـ حيث يعلم بأنّه لم يحرك خاتمه ومع ذلك يشكّ في وصول الماء ، فلاتجري القاعدة.
    الثالث : انّ القاعدة وإن لم ترد إمضاءً لما في يد العرف حتى تتبعه سعة


(490)
وضيقاً كحجّية خبر الواحد ، ولكنّها وردت في موضع فيه حكم العقلاء بعدم الالتفات ، وبما انّ حكمهم مختص بما إذا كان المكلف ملتفتاً حين العمل إلى الحكم والموضوع وكان بصدد أداء ما في الذمّة ولكن يحتمل عروض الغفلة على التفاته ، فيحكم بعدم الاعتناء ولايعم ما إذا كان غافلاً حين العمل ولكن يحتمل انطباقه على الواقع صدفة ومن غير إرادة.
    هذا هو مقتضى القاعدة ، نعم ربما يظهر من بعض الروايات عدم وجوب الاعتناء إذا أتى بالعمل غفلة وساوت الحالتان من حيث الأذكرية وهي رواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن الخاتم إذا اغتسلت ؟ قال : « حوّله من مكانه » وقال في الوضوء : تُديره ، فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلاآمرك أن تعيد الصلاة » . (1)
    ورواه الصدوق وقال : إذا كان مع الرجل خاتم فليدوّره في الوضوء ويحوّله عند الغسل ، قال : وقال الصادق ( عليه السلام ) : « إن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلاأمرك أن تعيد » . (2)
    وأجاب عنه المحقّق الخوئي بعدم دلالة الخبر على المدّعى إذ ليس فيه ما يدل على أنّ السؤال أيضاً كان من جهة الشكّ في وصول الماء ، وانّ الحكم بالتحويل والإدارة إنّما كان من هذه الجهة ، بل ظاهره كون التحويل ـ في الغسل والإدارة في الوضوءـ مطلوباً في نفسه لالرفع الشكّ في وصول الماء ، وإلاّ لم يكن لذكر خصوص التحويل ـ في الغسل والإدارة في الوضوء ـ وجه ، لكفاية العكس أيضاً في إيصال الماء ، بل يكفي كلّ واحد من التحويل والإدارة فيهما ، فاعتبار هذه
1. الوسائل : 1/329 ، الباب 41 من أبواب الوضوء ، الحديث 2.
2. الوسائل : 1/329 ، الباب 41 من أبواب الوضوء ، الحديث 3.


(491)
الخصوصية يشهد بكونهما مطلوبين في نفسهما. والحاصل ليس الخبر راجعاً إلى الشكّ في وصول الماء ، فإذا شكّ في وصول الماء يجب تحصيل العلم بوصوله بنزع الخاتم أو تحريكه. (1)
    أقول : ما ذكره احتمال عقلي لايتبادر من الرواية ، فانّ المتبادر من الأمر بالتحويل والتدوير لكونها مقدّمتين لاغتسال ما تحت الخاتم ، فالسؤال عن نسيان التحويل والتدوير يرجع إلى الشكّ في اغتسال ما تحته والأمر بعدم الإعادة يرجع إلى الحكم بالصحة مع الشكّ في الانغسال.
    وتوضحه رواية العمركي ، عن علي بن جعفر في نفس الباب (2) ، فاحتمال كون السؤال عن الوجوب النفسي والجواب عن نفيهما خلاف المتبادر. وأمّا التعبير في الوضوء بالتدوير وفي الغسل بالتحويل ، فلعلّ كون الإسباغ في الغسل آكد من الوضوء ، فاكتفى في الأوّل بالتدوير وأمر في الثاني بالتحويل.
    والأولى أن يجاب : انّ السند غير واف لإثبات الحكم ، لأنّ الحسين بن أبي العلاء لم يوثّق وإن كان ممدوحاً وله إحدى وعشرين رواية. (3) ويحتمل انّ الإمام شاهد الخاتم ولم ير انّه مانع من الانغسال.
    والحاصل انّه لايمكن الاحتجاج بهذه الرواية في مورد يكون الحكم فيه على خلاف القاعدة.
1. مصباح الأُصول : 3/307 ـ 308.
2. الوسائل : 1/389 ، الباب 41 من أبواب الوضوء ، الحديث 1.
3. قاموس الرجال : 3/410.


(492)
    الأمر الخامس عشر
في كون الشكّ في الانطباق نابعاً من احتمال طروء السهو
    الظاهر من الروايات انّ مصبّ القاعدة هو الشكّ في انطباق العمل للمأمور به وعدمه من أجل احتمال طروء السهو والنسيان على المكلّف أثناء العمل ، وأمّا إذا كان الشكّ في الانطباق معلولاً للجهل بحكم اللّه الشرعي فهو خارج عن مصب الروايات ، والفرق بين هذا المقام والمقام السابق بعد اشتراكهما انّ الصحة في الموردين مسندة إلى الصدفة الخارجة عن الاختيار ، هو انّ الشكّ في الصحّة هناك معلول الجهل بكيفية الموضوع وفي المقام نتيجة الجهل بالحكم الشرعي.
    ويترتب على ذلك المسائل التالية :
    1. إذا كان جاهلاً بوجوب القصر على المسافر فصلّـى ثمّ شكّ في أنّه أتمّ أو قصر ، فهو بطبع الحال يُتم ، ولكن يحتمل التقصير لعلّة من العلل ، كزعم أنّ ما بيده ركعة رابعة مع أنّها كانت ثانية ، أو تقصير إمامه صلاته وهو تبعه صدفة ، أو غير ذلك.
    2. إذا اعتقد أنّ المسافر مخيّر بين التمام والقصر ، ويحتمل أنّه اختار القصر لكونه أخف.
    3. إذا صلّى باعتقاد انّه لاتجب السورة أو جلسة الاستراحة بين السجدتين وغفل عن صورة العمل ، فلايدري هل صلّـى مع السورة أو لا ؟ أو هل صلّى مع الاستراحة بين السجدتين أو لا ؟ فهو بطبع الحال يصلّي بلا سورة أو جلسة


(493)
الاستراحة لكنّه يحتمل انّه صلّى معهما لعلّة.
    4. إذا قامت البيّنة على أنّ الجهة الخاصة قبلة فصلّى إليها ، ثمّ تبيّن فسق الشاهدين ، فشكّ في صحّة الصلاة وانطباقها على المأمور به ، لاحتمال كذب قولهما أو عمل بخبر الواحد ، ثمّ تبيّن كون الراوي ضعيفاً أو الخبر معارضاً بأقوى منه.
    والوجه في عدم جريان القاعدة هو انّ مصبّه ما إذا كان مقتضى طبع العمل هو الصحّة بحكم ذاكرية العامل لا ما إذا كان الفساد راجحاً والصحّة مرجوحة كما في المثال الأوّل ، أو كان احتمال الصحة والفساد متساويين.
    وإن شئت قلت : إنّ مصب القاعدة ما إذا كان الشكّ نابعاً من أمر واحد ، وهو عروض الغفلة على وجه لولاه لما كان هناك شكّ بخلاف المقام ، فإنّ الشكّ فيه ليس نابعاً عن عروض الغفلة بل من الجهل بكيفية الموضوع ، كما في مسألة الخاتم أو الجهل بالحكم كما في المقام.
    نعم ذهب المحقّق الهمداني إلى جريان القاعدة في هذا القسم من الشكّ قائلاً : بأنّ العمدة في حمل الأعمال الماضية الصادرة من المكلّف على الصحيح ، هي السيرة القطعية ، وأنّه لولا ذلك لاختلّ نظام المعاش والمعاد ، ولم يقم للمسلمين سوق ، فضلاً عن لزوم العسر والحرج المنفيين في الشريعة ، إذ ما من أحد إذا التفت إلى أعماله الصادرة منه في الأعصار المتقدمة من عباداته ومعاملاته إلاّ ويشكّ في كثير منها ، لأجل الجهل بأحكامها واقترانها بأُمور لو كان ملتفتاً إليها لكان شاكاً ، فلو لم يحمل عملهم على الصحيح وبنى على الاعتناء بالشكّ الناشئ من الجهل بالحكم ونظائره ، لضاق عليهم العيش ، وهذا الدليل وإن كان لبيّاً يشكل استفادة عموم المدعى منه ، إلاّ أنّه يعلم منه عدم انحصار الحمل على


(494)
الصحيح بظاهر الحال ، فلايجوز رفع اليد عن الأخبار المطلقة بسبب التعليل المستفاد من قوله : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ » ، لأنّ جعله قرينة على التصرّف في سائر الأخبار فرع استفادة العلية المنحصرة منه والمفروض عدم الانحصار هذا مع أنّ دلالته عليه في حدّ ذاته لايخلو من تأمّل فلاينبغي الاستشكال في جريان القاعدة في جميع موارد الشكّ. (1)
    يلاحظ عليه : أنّه لايلزم من عدم جريان القاعدة الاختلال في النظام.
    أمّا العبادات فلأنّه لايترتب على الشكّ في صحّة العبادات لأجل الجهل بأحكامها سوى احتمال القضاء ، وبما انّه بأمر جديد وهو بعد مشكوك لايلزم منه الحرج وإن لم تجر القاعدة ، واستصحاب عدم الإتيان بالمأمور به في ظرفه لايثبت عنوان دليل القضاء في الأدلّة الشرعية : أعني الفوت. بل العنوانان متلازمان.
    وأمّا المعاملات ففي قسم الزكوات والأخماس لايلزم الحرج وإن لم تجر القاعدة ، لأنّ الغالب دفعهما إلى مراجع الدين وأصحاب الفتيا أو وكلائهم.
    وأمّا المعاملات بالمعنى الأخصّ فلايلزم من عدم جريان القاعدة الحرج إذا شكّ في فساد المعاملات ، وذلك لأنّ أقصى ما يمكن أن يقال جريان استصحاب عدم تحقّق العقد الجامع ، وهو إمّا فاقد للحالة السابقة إذا كان بنحو النفي الناقص ، أو مثبت إذا كان بنحو النفي التام.
    وعلى فرض جريان الأصلين وإثبات الفساد فالرضاء بالتصرف من الطرفين كاف في المقام حيث إنّهما راضيان بالتصرّف سواء أصحت المعاملة أم لا ، وأمّا احتمال البطلان في الأحوال الشخصية لأجل الجهل بالأحكام فقليل ، لأنّ المتصدّي لها غالباً هم العلماء والعارفون بالأحكام.
1. تعليقة المحقّق الهمداني على الفرائد.

(495)
    الأمر السادس عشر
في تقدّم القاعدة على الاستصحاب
    لا شكّ في تقدّم قاعدة التجاوز ، على الاستصحاب بشهادة انّ الإمام قدّمها عليها في صحيحتي زرارة (1) وإسماعيل بن جابر. (2) لأنّ الأصل انّ المصلّي لم يؤذن ، ولم يُقم ولم يركع ولم يسجد ، مع أنّ الإمام أمر بعدم الاعتداد بالشكّ.
    إنّما الكلام في وجه تقدّمهاعليه ، وقد ذكر في ذلك وجوه :
    1. رائحة الأمارية في القاعدة ، لكونه حين العمل أذكر. (3) أو أقرب إلى الحقّ. (4) من زمان الشكّ ، وفي رواية عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه (5) الإخبار عن تحقّق المشكوك حيث سئل أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عمّن أهوى إلى السجود ولم يدر أركع أو لا ؟ قال : « قد ركع » فانّ الإخبار عن تحقّق المشكوك آية انّ القاعدة طريق إلى إحراز الواقع ولا دليل له سوى كونه بصدد إبراء الذمّة ، وكأنّ أصالة عدم طروء الغفلة أمارة عقلائية إلى تحقّق الواقع.
    2. لولا تقديم القاعدة على الاستصحاب تلزم لغوية القاعدة أو اختصاصها بموارد نادرة ، وذلك لأنّ الحالة السابقة إمّا هي الصحّة أو الفساد أو مجهولة لأجل تعاقب الحالتين ، كما إذا توضّأ وأحدث ولم يعلم المتقدّم منهما ولا المتأخّر ، ولم تكن الحالة المتقدّمة عليهما معلومة.
    فالقاعدة في الصورة الأُولى غير محتاجة إليها ، لأنّ المفروض انّ الحالة
1. تقدّم الجميع برقم 11 و12.
2. تقدّم الجميع برقم 11 و12.
3. تقدّم الجميع برقم 2 و13 و16.
4. تقدّم الجميع برقم 2 و13 و16.
5. تقدّم الجميع برقم 2 و13 و16.
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس