إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 526 ـ 540
(526)
    أ : المساهمة في تعيين كفيل مريم ( عليها السلام ) يقول سبحانه : ( ذلِكَ مِنْ إِنْباءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وما كُنْتَ لدَيْهِمْ إِذ يُلْقُونَ أَقلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون ). (1)
    قال الطبرسي : في الرواية دلالة على أنّهم بلغوا في التشاحّ عليها إلى حد الخصومة ، وفي وقت التشاحّ قولان :
    أحدهما حين ولادتها وحمل أُمّها إيّاها إلى الكنيسة ، فتشاحّوا في الذي يحضنها ويكفل تربيتها. وهذا قول الأكثر.
    وقال بعضهم : كان ذلك وقت كبرها وعجز زكريا عن تربيتها ، وفي هذه الآية دلالة على أنّ للقرعة مدخلاً في تمييز الحقوق. (2) والخصوصية الحافّة بالمقام أمران :
    1. انّهم تقارعوا في مورد التزاحم حيث إنّ كلّ واحد من عبّاد الكنيسة كان يتبنّى حضانتها لنفسه ، لينال شرف ذلك ، فاتفقوا على المساهمة ، فخرج السهم باسم خير الكفلاء لها ، أعني : زكريا.
    2. تقارعوا في مجهول ليس له واقع محفوظ ، معلوم واقعاً ومجهول ظاهراً ، وهذا يدلّ على أنّ القرعة لاتختص بما إذا كان له واقع معلوم ، بل تستخدم فيما إذا لم يكن كذلك ، لأجل تعيّن الحقّ في واحد منهم ، لعدم إمكان التقسيم بينهم أو قيام الجميع به.
    ب : المساهمة في تعيين من يُلقى في البحر ، يقول سبحانه : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ
1. آل عمران : 44.
2. مجمع البيان : 2/747ط دار المعرفة.


(527)
الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ). (1) والمساهمة في الآية بمعنى المقارعة مأخوذة من إلقاء السهام ، و « الدحض » الزلق ويطلق على السقوط.
    وقد جاءت القصة أيضاً في سورة القلم من دون إشارة إلى المساهمة ، قال سبحانه : ( وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَولا أَنْ تَدارَكَهُ نعمةٌ مِنْ رَبِّهِ لََنُبِذَ بالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُوم ). (2)
    قال الطبرسي : واختلفوا في سبب ذلك ، قيل : إنّ السفينة اجتثت ، فقال الملاّحون : إنّ هاهنا عبداً آبقاً ، فإنّ من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لاتجري ، فلذلك اقترعوا ، فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات. (3)
    ولكن الظاهر انّ الإلقاء كان لأجل إيجاد الخفّة في السفينة ، ويشهد على ذلك قوله « الفلك المشحون » . فعلى الأوّل يكون المورد ممّا هو معلوم واقعاً ومجهول ظاهراً ، بخلاف الثاني فيكون من قبيل المردّد واقعاً وظاهراً ، فتعيّن العبد الآبق من قبيل الأوّل بخلاف طلب الخفة بإلقاء شخص في البحر من قبيل الثاني ، وعلى كلّ تقدير فالمورد من قبيل تزاحم الحقوق ، أي من قبيل تزاحم مصلحة الجميع مع مصلحة الفرد ، فالأمر دائر بين غرق الجميع أو غرق واحد منهم فالثاني هو المتيقّن ويتمسّك في تعيين الفرد بالقرعة.
1. الصافّات : 139 ـ 141.
2. القلم : 48 ـ 49.
3. مجمع البيان : 8/716.


(528)
    الثالث : القرعة في السنّة الشريفة
    وردت القرعة في السنّة الشريفة وفيها روايات بصدد إعطاء الضابطة الكلية ، كما فيها روايات خاصة لموارد معينة ، وإليك بيان كلتا الطائفتين :

    الروايات العامّة في القرعة
    1. روى الصدوق باسناد صحيح عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : أوّل من سُوهم عليه مريم بنت عمران ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : ( وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إِذ يلقُونَ أَقلامهم أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَريم ) والسهام ستّة ; ثمّ استهموا في يونس لمّا ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللّجة ، فاستهموا فوقع على يونس ثلاث مرّات ، قال : فمضى يونس إلى صدر السفينة ، فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه ؛ ثمّ كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه اللّه غلاماً أن يذبحه ، فلمّا ولد عبد اللّه لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في صلبه ، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد اللّه ، فخرجت السهام على عبد اللّه ، فزاد عشراً ، فلم تزل السهام تخرج على عبد اللّه ويزيد عشراً ، فلمّـا أن خرجت مائة خرجت السهام على الإبل ، فقال عبد المطلب : ما أنصفتُ ربي ، فأعاد السهام ثلاثاً ، فخرجت على الإبل فقال : الآن علمت أنّ ربّي قد رضي ، فنحرها. (1)
    2. عن سيّابة وإبراهيم بن عمر جميعاً ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في رجل قال : أوّل مملوك أملكه فهوحرّ ، فورث ثلاثة ، قال : « يقرع بينهم ، فمن أصابه القرعة أُعتق ، قال : والقرعة سنّة » . (2)
1. الوسائل : 18/189 ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 12.
2. الوسائل : 18/187 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 2.


(529)
    3. عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « بعث رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عليّاً ( عليه السلام ) إلى اليمن ، فقال له حين قدم : حدّثني بأعجب ما ورد عليك ، فقال : يا رسول اللّه أتاني قوم قد تبايعوا جارية ، فوطأها جميعهم في طهر واحد ، فولدت غلاماً فاحتجوا فيه ، كلّهم يدّعيه ، فأسهمت بينهم ، فجعلته للّذي خرج سهمه وضمَّنته نصيبهم ، فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ليس من قوم تنازعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلى اللّه ، إلاّ خرج سهم المحقّ » . (1)
    ورواه الصدوق هكذا : « ليس من قوم تقارعوا ... » (2) ثمّ ذكر بقية الحديث كما في الوسائل. ولعلّ الأوّل أصحّ ، لأنّ التقارع فرع التنازع ، ولعلّه سقط من قلمه.
    4. روى محمد بن حكيم ( حكم ) قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن شيء فقال لي : « كلّ مجهول ففيه القرعة » قلت له : إنّ القرعة تخطئ ، وتصيب ، قال : « كلّ ما حكم اللّه به فليس بمخطئ » . (3)
    ثمّ إنّ المراد من الموصول في قوله : « كل ما حكم اللّه فليس بمخطئ » أحد أمرين :
    الأوّل : أن يكون المراد حكمه سبحانه بإعمال القرعة ، فهو بما انّه ذو مصلحة تامة مصيب ليس بمخطئ.
    الثاني : أن يكون المراد هو نفس القرعة والمساهمة فهي مصيبة ، كما هو الظاهر من الرواية التالية :
    5. روى الصدوق ، قال : قال الصادق ( عليه السلام ) : « ما تنازع قوم ففوّضوا أمرهم
1. الوسائل : 18/188 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 5 و6.
2. الوسائل : 18/188 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 5 و6.
3. الوسائل : 18/189 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 11.


(530)
إلى اللّه عزّوجلّ ، إلاّ خرج سهم المحقّ » . (1)
    6. روى الصدوق أيضاً : أيُّ قضية أعدل من القرعة إذا فوِّض الأمر إلى اللّه ، أليس اللّه يقول : ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضين ). (2)
    وقد رواهما الصدوق بصورة حديث واحد ، والظاهر انّ الجمع من فعل الراوي وهما حديثان ، ولأجل ذلك جعلنا لكل رقماً خاصاً.
    7. روى منصور بن حازم ، قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن مسألة : « فقال هذه تخرج بالقرعة ـ ثمّ قال : ـ فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلى اللّه عزّوجلّ ، أليس اللّه يقول : ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضين ) ؟ » . (3)
    والحديث جَمَع بين مضمون الحديثين السابقين اللّذين نقلهما الصدوق.
    8. روى الشيخ في النهاية قال : روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السَّلام ، وعن غيره من آبائه وأبنائه ( عليهم السلام ) من قولهم : « كلّ مجهول ففيه القرعة » فقلت له : إنّ القرعة تخطئ وتصيب ، فقال : « كلّ ما حكم اللّه به فليس بمخطئ » . (4) وهو نفس الحديث الماضي تحت الرقم 4.
    9. العيّاشي في « تفسيره » عن الثّمالي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في حديث يونس ( عليه السلام ) قال : « فساهمهم فوقعت السّهام عليه ، فجرت السنّة : أنّ السّهام إذا كانت ثلاث مرّات أنّها لاتخطئ ، فألقى نفسه ، فالتقمه الحوت » . (5)
1. الوسائل : 18/190 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 13.
2. الوسائل : 18/190 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 13.
3. الوسائل : 18/191 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 17.
4. الوسائل : 18/191 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 18.
5. الوسائل : 18/192 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 22.


(531)
    10. ما رواه العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : ذكر أنّ ابن أبي ليلى وابن شبرمة دخلا المسجد الحرام ، فأتيا محمّد بن عليّ ( عليه السلام ) ، فقال لهما : « بما تقضيان ؟ » فقالا : بكتاب اللّه والسنّة ، قال : « فما لم تجداه في الكتاب والسنّة ؟ » قالا : نجتهد رأينا ، قال : « رأيكما أنتما ؟! فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيّين في بيت ، فسقط عليهما فماتتا ، وسلم الصبيّان » ؟ قالا : القافة ، قال : « القافة يتجهّم منه لهما » ، ( وفي بعض النسخ القافة يلحقهما بهما ) قالا : فأخبرنا ، قال : « لا » . قال ابن داود مولى له : جعلت فداك قد بلغني : أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « ما من قوم فوّضوا أمرهم إلى اللّه عزّوجلّ وألقوا سهامهم ، إلاّ خرج السّهم الأصوب » فسكت. (1)
    11. عن إسحاق العرزمي قال : سئل وأنا عنده ـ يعني : أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) ـ عن مولود ولد وليس بذكر ولا أُنثى ، وليس له إلاّ دبر ، كيف يورث ؟ قال : « يجلس الإمام ( عليه السلام ) ويجلس معه ناس ، فيدعوا اللّه ، ويجيل السّهام على أيّ ميراث يورّثه ، ميراث الذّكر أو ميراث الأُنثى ؟ فأيّ ذلك خرج ورثه عليه ـ ثمّ قال : ـ وأيّ قضيّة أعدل من قضيّة يجال عليها بالسّهام ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( فَساهَمَ فكانَ مِنَ الْمُدحضين ). (2)
    ورواه ثعلبة بن ميمون ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ).
    كما رواه عبد اللّه بن مسكان ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ). والجميع رواية واحدة وإن جاءت في الوسائل بصورة روايات متعدّدة.
    هذه هي الروايات العامة وفيها كفاية ، وقد نقلها صاحب الوسائل في
1. الوسائل : 17/593 ، الباب 4 من أبواب ميراث الغرقى ، الحديث 4.
2. الوسائل : 17/579 ـ 580 ، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، الحديث 1 ، 3 و4. وسيوافيك نقل هذه الرواية في ضمن الأخبار الخاصّة ، والداعي إلى النقل هنا هو الذيل وهناك هو الصدر.


(532)
الأبواب التي أشرنا إليها ، وإليك ما رواه المحدّث النوري في مستدركه.
    12. روي في دعائم الإسلام : عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد اللّه ( عليهم السلام ) أنّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل. (1)
    والظاهر أنّ الحديث منقول بالمعنى ، وأنّ الراوي انتزع هذا المفهوم من حكمهم بالقرعة في موارد مختلفة.
    13. قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « وأيّ حكم في الملتبس أثبت من القرعة ؟ أليس هو التفويض إلى اللّه جلّ ذكره ؟! » . (2)
    14. روي في فقه الرضا : وكلّ ما لايتهيأ الإشهاد عليه ، فإنّ الحقّ فيه أنّ يستعمل القرعة. وقد روي عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) أنّه قال : « فأيّ قضيّة أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى اللّه ؟! » . (3)
    15. روى أحمد بن محمّد بن عيسى بسنده إلى عبد الرحيم قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : « إنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان إذا ورد عليه أمر لم يجئ فيه كتاب ولم تجر به سنّة ، رجم فيه ـ يعني ساهم ـ فأصاب ـ ثمّ قال : ـ يا عبد الرحيم وتلك من المعضلات » . (4)
    هذه هي الروايات العامة التي يستفاد منها انّ القرعة قاعدة عامة في مورد التنازع والتزاحم ويدل على ذلك التعابير التالية الواردة فيها :
    أ : « تنازعوا » .
    ب : « فوّضوا » .
    ج : « سهم المحق » .
1. مستدرك الوسائل : 17/373 ، كتاب القضاء ، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 1.
2. مستدرك الوسائل : 17/374 ، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 2 و4.
3. مستدرك الوسائل : 17/374 ، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 2 و4.
4. مستدرك الوسائل : 17/378 ، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 14.


(533)
    د : « السهم الأصوب » .
    وكلّها ظاهرة في التنازع ، وبهذه التعابير يقيد ما ظاهره الإطلاق مثل ما رواه محمد بن حكيم قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن شيء ، فقال لي : « كلّ مجهول ففيه القرعة » . (1) ولعلّ المراد من شيء في السؤال ما فيه التنازع أو التزاحم.
    وبذلك يظهر ما نقلناه عن الدعائم انّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل. (2)
    فلعلّ المراد من قوله : « فيما أشكل » ما أشكل لأجل التنازع والتزاحم ، كما يظهر أيضاً مفاد ما نقلناه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي جعفر من أنّ عليّاً كان إذا ورد عليه أمر لم يجئ فيه كتاب ، ولم تجر فيه سنّة ، رجم فيه ( يعني ساهم ). (3) فالمراد الموضوعات التي لم يرد في علاج الشبهة فيها شيء من الكتاب والسنّة.
    فهذه الأحاديث الثلاثة التي توهم الإطلاق تقيد بما تضافر من أنّ موضعها هو التشاح. نعم ورد في الكتب الفقهية من « أنّ القرعة لكلّ أمر مشتبه أو مشكل » فلم نجد لهما مصدراً. نعم عقد البخاري في صحيحه باباً في كتاب الشهادات أسماه « باب القرعة في المشكلات » . (4) ولم ينقل في ذلك الباب حديثاً بهذا اللفظ ، بل ذكر قضايا جزئية ، وسيوافيك في القسم التالي.

    الروايات الخاصة
    قد ورد إعمال القرعة في موارد خاصة ، وهي على طوائف ، نذكر من كلّ طائفة حديثاً أو حديثين ونحيل محلّ الباقي إلى التعليقة.
1. تقدّم برقم 4.
2. تقدّم برقم 12.
3. تقدّم برقم 15.
4. صحيح البخاري : 3/181 ، كتاب الشهادات.


(534)
    الطائفة الأُولى : القرعة عند تعارض البيّنتين
    16. عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « كان عليّ ( عليه السلام ) إذا أتاه رجلان ( يختصمان ) بشهود ، عدلهم سواء وعددهم ، أقرع بينهم على أيّهما تصير اليمين ، وكان يقول : اللّهمّ ربّ السّماوات السّبع ( وربّ الأرضين السّبع ) أيّهم كان له الحقّ فأدّه إليه » .
    ثمّ يجعل الحقّ للّذي يصير عليه اليمين إذا حلف. (1)
    17. عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في شاهدين شهدا على أمر واحد ، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه ( شهد الأوّلان ) واختلفوا قال : « يقرع بينهم ، فأيّهم قرع عليه اليمين وهو أولى بالقضاء » . (2)
    الطائفة الثانية : القرعة فيما لو اشتبه الولد
    18. عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) ، قال : « إذا وقع الحرّ والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادّعوا الولد ، أُقرع بينهم ، وكان الولد للّذي يُقرع » . (3)
    19. عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « إذا وطأ رجلان أو
1. الوسائل : 18/183 ، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 5 و6. ولاحظ ما يرجع إلى هذه الطائفة الوسائل : الباب 12 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 7 و8 و11 و12.
2. الوسائل : 18/183 ، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 5 و6. ولاحظ ما يرجع إلى هذه الطائفة الوسائل : الباب 12 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 7 و8 و11 و12.
3. الوسائل : 18/187 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 1. ولاحظ أيضاً الوسائل : الجزء14 ، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث 2 و3 و5. وأيضاً الوسائل الجزء17 ، الباب 10 من أبواب ميراث ولد الملاعنة ، الحديث 1 ; والمستدرك ، الجزء 17 ، الباب 11 من كيفية الحكم ، الحديث 15.


(535)
ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت ، فادّعوه جميعاً ، أقرع الوالي بينهم ، فمن قُرع ، كان الولد ولده ، ويردّ قيمة الولد على صاحب الجارية » . (1)
    ولا يخفى انّ العمل بالقرعة ـ كما مرّ ـ فيما لو استعصت الحلول ، وأمّا لو تمكّن بطريق آخر معرفة ذلك ، كإجراء الاختبارات الطبيّة لمعرفة فصيلة دم المولود كي يتم على ضوئه إلحاقه بالأب الذي ولد منه ، تنتفي حينئذ الحاجة إلى القرعة.
    الطائفة الثالثة : نذر عتق أوّل عبد يملكه
    20. عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في رجل قال : أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، فورث سبعة جميعاً ، قال : « يقرع بينهم ويعتق الذي خرج سهمه » . (2)
    21. عن عبد اللّه بن سليمان ، قال : سألته عن رجل ، قال : أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، فلم يلبث أن ملك ستّة ، أيّهم يعتق ؟ قال : « يقرع بينهم ، ثمّ يعتق واحداً » . (3)
    وقد عرفت رواية سيابة وإبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في هذا المجال ، وتقدمت ضمن الروايات العامّة برقم 2.
    الطائفة الرابعة : الإيصاء بعتق ثُلث مماليكه
    22. عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن الرجل يكون له
1. الوسائل : 18/187 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 14.
2. الوسائل : 18/190 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 15.
3. الوسائل : 16/59 ، الباب 57 من كتاب العتق ، الحديث 2.


(536)
المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم ، فقال : « كان علي ( عليه السلام ) يسهم بينهم » . (1)
    23. وروى محمد بن مروان ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « إنّ أبي ترك ستّين مملوكاً ، فأقرعت بينهم ، فأخرجت عشرين ، فأعتقتهم » . (2)
    الطائفة الخامسة : في اشتباه الحرّ بالمملوك
    24. عن المختار ، قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) ، فقال له أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : ما تقول في بيت سقط على قوم ، فبقي منهم صبيّان أحدهما حرّ والآخر مملوك لصاحبه ، فلم يُعرف الحرّ من العبد ؟ فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا ونصف هذا.
    فقال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « ليس كذلك ، ولكنّه يقرع بينهما ، فمن أصابته القرعة فهو الحرّ ، ويعتق هذا فيجعل مولى هذا » . (3)
    25. عن حمّاد ، عن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « قضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم ، وبقي صبيّان ، أحدهما حرّ والآخر مملوك ، فأسهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بينهما ، فخرج السّهم على أحدهما فجعل له المال ، وأعتق الآخر » . (4)
1. الوسائل : 16/65 ، الباب 65 من أبواب العتق ، الحديث 1 و2. ولاحظ سنن الترمذي : 3/640 ، ومسند أحمد : 4/426 ، وسنن ابن ماجة : 2/59.
2. الوسائل : 16/65 ، الباب 65 من أبواب العتق ، الحديث 1 و2. ولاحظ سنن الترمذي : 3/640 ، ومسند أحمد : 4/426 ، وسنن ابن ماجة : 2/59.
3. الوسائل : 18/188 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 7.
4. الوسائل : 18/189 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 8. وانظر أيضاً الوسائل : 16/37 ، الباب 24 من أبواب العتق ، الحديث 1 ; والجزء 13 ، الباب 43 من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث 1 ; والجزء17 ، الباب 4 من أبواب ميراث الغرقى ، الحديث 5.


(537)
    الطائفة السادسة : في ميراث الخنثى المشكل
    26. روى إسحاق العزرمي ، قال : سئل وأنا عنده ـ يعني أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) ـ عن مولود ولد وليس بذكر ولا أُنثى ، وليس له إلاّ دبر كيف يورّث ؟ قال : « يجلس الإمام ( عليه السلام ) ويجلس معه ناس فيدعو اللّه ويجيل السهام على أيّ ميراث يورثه ، ميراث الذكر أو ميراث الأُنثى ؟ فأي ذلك خرج ورثه عليه ـ ثمّ قال : ـ وأيّ قضيّة أعدل من قضيّة يجال عليها بالسّهام ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( فساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدحَضين ) » . (1)
    27. عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن مولود ليس له ما للرّجال ولا له ما للنّساء ؟ قال : « يقرع عليه الإمام أو المقرع ، يكتب على سهم عبد اللّه ، وعلى سهم أمة اللّه ، ثمّ يقول الإمام أوالمقرع : اللّهمّ أنت اللّه لاإله إلاّ أنت عالم الغيب والشّهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بيّن لنا أمر هذا المولود كيف ... ثمّ تجال السهام على ما خرج ورّث عليه » . (2)

    الروايات المتفرّقة
    وثمة روايات في موضوعات مختلفة لاتدخل تحت عنوان واحد ، نشير إلى قسم منها :
    28. انّ النبي إذا كان سافر أقرع بين نسائه. (3)
    29. « انّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ساهم قريشاً في بناء البيت ، فصار لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم )
1. الوسائل : 17/579 ، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، الحديث 1 و2. وانظر ذلك الباب أيضاً الحديث 3 ، 4.
2. الوسائل : 17/579 ، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، الحديث 1 و2. وانظر ذلك الباب أيضاً الحديث 3 ، 4.
3. سنن ابن ماجة : 2/59 ، باب القضاء بالقرعة.


(538)
من باب الكعبة إلى النصف ، ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود » . (1)
    30. انّ اللّه تبارك وتعالى أوحى إلى موسى ( عليه السلام ) انّ بعض أصحابك ينمّ بك فاحذره ، فأمر اللّه سبحانه بالإقراع. (2)
    31. أتى علياً ( عليه السلام ) من إصفهان مال فقسّمه ، فوجد فيه رغيفاً ، فكسّره سبع كُسر ، ثمّ جعل على كلّ جزء منه كسرة ، ثمّ دعا أُمراء الأسباع فأقرع بينهم. (3)
    32. أقرع رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بين أهل الصفة للبعث إلى غزوة ذات السلاسل. (4)
    33. أخرج البخاري عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأوّل ثمّ لم يجدوا إلاّ أن يَسْتَهِمُوا عليه لاستَهَمُوا. (5)
    إلى غير ذلك من الروايات المتفرقة المثبتة في الأبواب ، وكلّها واردة في موضع التنازع والتزاحم ، إلاّ حديث واحد وهو التالي :
    عن محمد بن عيسى ، عن الرجل ( عليه السلام ) أنّه سُئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة ؟ قال : « إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً ، حتى يقع السهم بها ، فتذبح وتحرق ، وقد نجت سائرها » . (6)
    ولعلّ هذا الحديث هو الحديث الوحيد الذي أمر فيه بالعمل بالقرعة ، وليس من موارد التنازع ولاتزاحم الحقوق.
1. المستدرك : 17/376 ، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 10.
2. المستدرك : 17/375 ، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 5.
3. الوسائل : 11 ، الباب 41 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 13.
4. إرشاد المفيد : 162 ، ضمن سلسلة مؤلّفات المفيد.
5. صحيح البخاري : 3/182 ، كتاب الشهادات ، الباب 30.
6. الوسائل : 16/358 ، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث 1.


(539)
    والرواية واردة على خلاف القاعدة المقتضية للاجتناب عن الجميع ، ولعلّ الاكتفاء بالقرعة ، لأجل أنّ ترك الجميع مستلزم للضرر الهائل ، وعلى ذلك فالرواية مختصة بموردها لاتتعدى عنها إلى غيرها.

    الأمر الرابع
في تحديد مفاد أدلّة القرعة
    الإمعان في السيرة العقلائية في القرعة وما ورد حولها من الروايات يُشرف الفقيه على أنّ موضوع القرعة لايتجاوز عن مورد التنازع والتزاحم ، فإذا استعصت الحلول على العقلاء في أمر ، يتشبّثون بالقرعة ، لأنّها حل وسط يرضى به كافة الأطراف المتنازعة ، وهذه السيرة تكون كالقرينة المنفصلة على صرف الإطلاقات على فرض وجودها في أدلّة القرعة إلى موضع التنازع والتزاحم.
    هذا حول السيرة ، وأمّا العناوين الواردة فيها فلاتتجاوز عن خمسة ، والجميع ناظر إلى مورد التعارض والتزاحم إمّا بالتصريح ، أو بإمعان النظر في مورده ، وإليك هذه العناوين :
1. القرعة سنّة الحديث 2
2. كلّ مجهول ففيه القرعة الحديث 4
3. انّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل الحديث 12
4. كلّ مالا يتهيّأ الإشهاد عليه الحديث 14
5. أمر لم يجئ فيه كتاب ولم تجر به سنّة الحديث 15


(540)
    أمّا العنوان الأوّل ، فإنّه وإن دلّ على أنّها سنّة ، لكنّها سنّة في المورد الذي وردت القرعة فيه ، أعني : ما إذا نذر أن يعتق أوّل مملوك يملكه فورث أكثر من واحد ، فإنّ المورد من قبيل التزاحم بين العبيد الثلاثة.
    وأمّا الثاني ، فانّ ظاهره وإن كان يعطي جواز إعمال القرعة في كلّ مجهول ، لكنّه اقترن بلفظة « شيء » في صدر الحديث ، وهو يصلح أن يكون قرينة على التخصيص ، وليس هذا من قبيل كون المورد مخصصاً ، بل من قبيل احتفاف المطلق بما يصلح للقرينية ، وهو « الشيء » والذي يحتمل أن يراد منه شيء خاص وهو التنازع ومعه لايعبأ بالمطلق.
    وأمّا العنوان الثالث ، فقد رواه دعائم الإسلام على نحو يظهر انّه عبارة منتزعة من عدة أقضية ، قال : عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد اللّه ( عليهم السلام ) أنّـهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل. وهو ظاهر في أنّ التعبير للراوي لا للإمام.
    وأمّا الرابع ، فهو ظاهر في مورد التنازع على أنّ العنوان لفقه الرضا ، وهو يصلح للتأييد لا للاحتجاج.
    وأمّا العنوان الخامس ، فهو راجع إلى أقضية الإمام علي ( عليه السلام ) ، وفي الوقت نفسه لا صلة له بالشبهة الحكمية ، لأنّ وظيفة الإمام بيان حكمها فينحصر بالشبهات الموضوعية ، ولايبعد حملها على صورة التنازع.
    ونركّز في الختام على أنّه لم يرد عنوان « المشتبه » ولا « المشكل » ولا « الملتبس » في عناوين الباب ، وإنّما الوارد هو ما ذكرناه.
    وبما انّك وقفت على حصيلة الروايات واختصاصها بالتنازع لانطيل البحث في هذه العناوين ، وممّا يؤيد اختصاصها بالتنازع عمل الأصحاب
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس