إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: 541 ـ 549
(541)
بالقرعة في الموارد التي لاتخرج عن إطار التعارض والتزاحم ، إلاّ مورد واحد وهو اشتباه الشاة المنكوحة بغيرها.
    1. باب قسمة الأعيان المشتركة.
    2. باب تزاحم المدّعيين عند القاضي.
    3. باب قسمة الليالي بين الزوجات.
    4. باب تداعي الرجلين أو أكثر ولداً.
    5. باب تعارض البيّنتين.
    6. توريث الخنثى المشكل.
    7. توريث المشتبهين في تقدّم موت أحدهما.
    8. باب الوصايا المتعدّدة إذا لم يف الثلث بها.
    9. باب إذا أوصى بعتق عبيده ولم يف الثلث بها بالخصوص.
    10. باب اشتباه الشاة المنكوحة بغيرها.


(542)
    الأمر الخامس
عدم ورود التخصيص على القرعة
    قد اشتهر بين الأصحاب انّ عمومات القرعة ، لأجل كثرة ورود التخصيص عليها لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب أو جماعة منهم ، وهذا ما يقف عليه المتتبع في غضون أبواب خصوصاً في كتب الشهيدين.
    ولكن الحقّ انّ عمومات القرعة صالحة للاحتجاج في موردها ولايحتاج العمل بها إلى شيء ، وذلك لأنّ من زعم ورود التخصيص عليها جعل موضوعها كل « مجهول » أو « مشتبه » أو « ملتبس » من أوّل الطهارة إلى آخر الديات.
    ثمّ رأى أنّ أكثر الموارد لا يعمل فيها بالقرعة بل يرجع إلى القواعد الأُخرى فخرج بالنتيجة التالية : انّ عمومات القرعة لأجل كثرة التخصيص لا يعمل بها إلاّ بعد عمل الأصحاب ، وأمّا على ما قلناه من اختصاص عموماتها بالتنازع والتزاحم فلم يرد عليه أي تخصيص ، ولذلك يكون العمل بالأُصول العملية مقابل القرعة عملاً بالحاكم أو الوارد ، لما عرفت من أنّ القرعة في المجهول الذي أعيت العقول في حلّه فلم يُر أيّ حلول سوى الالتجاء إلى القرعة ، وأمّا إذا كان هناك حلول من الشرع بأصل من الأُصول فأدلّة القرعة فاقدة لموضوعها.


(543)
    الأمر السادس
هل القرعة أمارة أو أصل ؟
    قد عرفت أنّ القرعة يعمل بها في موردين :
    1. إذا لم يكن واقع محفوظ معلوم للّه سبحانه وغير معلوم لنا.
    2. فيما إذا كان هناك واقع محفوظ عند اللّه غير معلوم لنا.
    أمّا المورد الأوّل فلا موضوع للبحث عن الأمارية والأصلية ، بل تكون القرعة هناك أعذر الطرق ، كما في بعض الروايات ، وإلى ذلك ينظر قول الشهيد في قواعده : ثبت عندنا قولهم : كلّ أمر مجهول ففيه القرعة. وذلك لأنّ فيها عند تساوي الحقوق والمصالح ووقوع التنازع ، دفع للضغائن والأحقاد ، والرضا بما جرت به الأقدار وقضاء الملك الجبّار. (1)
    إنّما الكلام في المورد الثاني كما في اشتباه الحرّ بالعبد (2) ، فهل القرعة أمر فاصل للنزاع أو طريق إلى الواقع ؟
    أمّا عند العقلاء فالظاهر انّها أداة لفصل الخلاف من دون إثارة حقد أو ضغينة ، وأمّا الروايات فربما يستظهر منها كونه طريقاً إلى الواقع إذا كان العامل مؤمناً موحداً مفوّضاً أمره إلى اللّه ، فهو سبحانه يوصله إلى الحقّ ويصدّه عن الخطأ وإليه يشير قوله : « إلاّ خرج سهم المحقّ » أو « السهم الأصوب » ولاتترتب على ذلك ثمرة عملية.
1. القواعد : 183 ، القاعدة 213.
2. تقدم برقم 24 و25.


(544)
    الأمر السابع
هل الإقراع وظيفة شخص خاص ؟
    إذا كانت القرعة لرفع التزاحم والتنازع فمن المتصدي للإقراع ؟ فهل هو الإمام المعصوم كما هو اللائح من بعض الروايات ؟ ، أو الأعم منه ومن نائبه كما هو اللائح من النراقي في عوائده ؟ أو التفصيل بين ما إذا كان المورد متعيّناً في الواقع كاشتباه الحرّ بالعبد وبين ما إذا لم يكن كذلك ، فالأوّل من وظائف نائب الإمام ، والثاني يقوم به كلّ الناس ؟
    وهناك وجه رابع وهو جواز قيام المتشاحّين بالقرعة إلاّ إذا كان لفضّ الخصومة ، فإنّ القضاء حسب الروايات من شؤون الإمام ( عليه السلام ) أو الجالس مجلسه كالنائب العام ، فتكون القرعة مثل الحلف وإقامة البيّنة من الأُمور التي لها صلة بالقضاء والحكومة بين الشخصين ولايقوم به إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ على ما في الروايات. (1)
    وهذا القول هو الأقوى ، إذ لو كان مجرى القرعة من قبيل التنازع والخصومة ، فكما أنّ فصلها عن طريق إقامة البيّنة أو الحلف بيد الإمام أو المنصوب من قبله خصوصاً أو عموماً ، فكذلك فصلها عن طريق القرعة ، ولو لم يكن هنا رواية دالّة على اختصاصها به ، لكفى في ذلك ما دلّ على أنّ الحكومة من شؤون الإمام.
    وأمّا إذا لم يكن كذلك ، كما إذا اتفق أرباب الأراضي المشتركة بالتقسيم عن طريق القرعة ، فلا وجه لاختصاصها بالإمام بعد كون ذلك شائعاً بين العقلاء
1. الوسائل : 18/7 ، الباب 3 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 2.

(545)
والمسلمين.
    ويؤيد ذلك ما في رواية معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد ، فولدت ، فادّعوه جميعاً أقرع الوالي بينهم ، فمن قرع كان الولد ولده » .
    فلمّا كان المورد من قبيل التخاصم وفصل الخصومة جعل القرعة من وظائف الوالي.
    نعم لو اتّفق المتنازعان على التصالح عن طريق القرعة من دون المراجعة إلى القاضي ، جاز لهما ، إذ لايشترط في التصالح سوى الرضا ، وعدم تحريم الحلال ، وتحليل الحرام لقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « الصلح جائز بين المسلمين ، إلاّ صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً » . (1)
    ثمّ إنّ المحقّق النراقي ممّن ذهب إلى أنّ القرعة من وظيفة الإمام أو نائبه الخاص أو العام بمعنى انّه لايترتب أثر على إقراع غيره ، استثنى بعض الموارد فقال : ولايخفى انّ ما ذكرناه من اختصاص القارع بالنائب العام في زمان غيبة الإمام إنّما هو من باب الأصل ، وقد يخرج عنه بدليل دال على أنّ الإذن لغيره أيضاً من إجماع أو غيره ، كما في قرعة الشاة المنكوحة ، واقتراع المدرس لتقديم بعض المتعلّمين ، والزوج للزوجات.
    وبالجملة الأصل الاختصاص بالنائب العام ، إلاّ فيما ثبت جواز اقتراع الغير أيضاً.
    ثمّ قال : إنّ صاحب الوافي من متأخّري المتأخّرين جمع بين ما دلّ على
1. الوسائل : 13/164 ، الباب 3 من أبواب الصلح ، الحديث 2.

(546)
اختصاص القرعة بالإمام وبين ما يدلّ على العموم بحمل الأوّل ، على ما إذا كان العمل فيما يقرع عليه متعيّناً في الواقع ، والثاني على ما لم يكن متعيّناً وأريد التعيّن بالقرعة ، ثمّ أورد عليه بأنّه جمع بلا شاهد. (1)
    والسيرة العقلائية هنا أوضح طريق لكشف الحقيقة ، فانّ الأمر المتنازع فيه كان يرجع إلى الحياة الشخصية للإنسان فهو يتصدى للقرعة ، وأمّا إذا كانت القرعة من لوازم القضاء بعد إقامة البيّنة أو حلف المنكر فيكون من شؤون الوالي فيرجع إليه.
    ويؤيد ذلك ما رواه العلاّمة المجلسي من أنّ أبناء يعقوب أقرعوا بينهم لمّا قال لهم يوسف ( عليه السلام ) : « إنّي أحبس منكم واحداً يكون عندي وارجعوا إلى أبيكم واقرؤوه مني السلام » وقالوا له : ... فلمّا قال يوسف هذا ، اقترعوا بينهم ، فخرجت القرعة على شمعون ، فأمر به ، فحبس. (2) فإنّ القضية كانت أمراً شخصياً دائراً بين أبناء يعقوب.
    ونظير ذلك ما رواه البخاري من اقتسام المهاجرين بالقرعة ، أخرج البخاري عن خارجة بن زيد بن خالد أنّ أُمّ العلا امرأة من الأنصار بايعت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أخبرته انّه اقتُسِم المهاجرون قُرعةً فطار لنا عثمان بن مظعون ، فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفّي فيه. (3)
    ويدلّ على ما ذكرنا من أنّه إذا كان من شؤون القضاء يقوم به الإمام أو نائبه عدة روايات :
1. عوائد الأيام : 228.
2. بحار الأنوار : 12/257.
3. صحيح البخاري : 2/72 ، باب الدخول على الميت من كتاب الجنائز.


(547)
    أ : ما رواه معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : « إذا وطأ الرجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد ، فولدت ، فادّعوه جميعاً ، أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده ، ويردّ قيمة الولد على صاحب الجارية » . (1)
    ب : مضمرة يونس ، قال في رجل كان له عدّة مماليك ، فقال : أيّكم علّمني آية من كتاب اللّه فهو حرٌّ ، فعلّمه واحد منهم ، ثمّ مات المولى ولم يدر أيّهم الذي علّمه ، أنّه قال : يستخرج بالقرعة ، قال : ولايستخرجه إلاّ الإمام ، لأنّ له على القرعة كلا ماً ودعاءً لايعلمه غيره. (2)
    إنّ التعليل الوارد في الرواية كأنّه تعليل إقناعي ، ولعلّ المراد انّه لايصحّ كلّ دعاء وكلام بل دعاء خاص لايعلمه ولايقتدر على إنشائه غيره فيختص به وبمن علّمه. والسبب الحقيقي هو انّ المورد من شؤون القضاء.
    ج : ما رواه إسحاق العزرمي والفضيل بن يسار في ميراث من ليس له إلاّ دبر ، فقد جاء في الأوّل : « يجلس الإمام ويجلس معه ناس » . وفي الثاني : « يقرأ عليه الإمام » (3). فإنّ الشبهة حكمية لايقوم بحلها إلاّ الإمام.
1. الوسائل : 18/190 ، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم ، الحديث 14.
2. الوسائل : 16 ، الباب 34 من أبواب العتق ، الحديث 1.
3. تقدما برقم 26 و27.


(548)
    الأمر الثامن
العمل بالقرعة عزيمة أو رخصة
    قد عرفت أنّ مورد القرعة ، تارة يكون أمراً معيناً في الواقع مجهولاً عندنا ، وأُخرى في كلّ أمر مردّد بين شيئين أو شخصين أو أكثر غير متعيّن في الواقع يطلب فيه التعيّن ، وقد ثبت جواز القرعة شرعاً في كلّ من القسمين ، بقي الكلام في أنّها عزيمة حتى يتعيّن بناء الأمر عليها أو رخصة حتى يجوز العدول عنها إلى غيرها ؟
    لا شكّ انّه لو كان مورد التنازع من الحقوق التي يجب تعيينها ، سواء أكان معيناً في الواقع ومجهولاً عندنا كالخنثى المشكل بناء على أنّ الخنثى ليست طبيعة ثالثة ، أو لم يكن معيناً في الواقع ولكنّه يجب تعيّنها كما لو نذر عتق أوّل مملوك ملكه فملك أكثر من واحد ، أو يوصي بعتق رقاب أربعة من عبيده العشرين ، فانّه لايمكن عتق الأربعة المبهمة ولاخمس الكل مشاعاً ، لعدم صدق الرقبة على الجزء بل بحسب عتق المعين.
    ففي هذه الموارد التي فيها أمر إلزامي بالعمل بالحق ، يكون العمل بالقرعة فيها عزيمة ، والمفروض انّه لاطريق آخر هناك. وأمّا إذا لم يكن هناك حق يجب تعيينه أو العمل به ، كتقديم أحد المتعلّمين في التدريس ، أو تقديم إحدى الزوجتين في المتعة ، أو كان فلايجب العمل بالقرعة.
    وبذلك يعلم أنّ العمل بالقرعة بشخصه ليس موضوعاً لوجوب العمل وعدمه ، بل يتبع موردها في الحقوق التي يجب التحفّظ عليها وعدمها.


(549)
    ثمّ إنّ هنا بحثاً آخر وهو انّه إذا استخرج المحق بالقرعة ، فهل يجوز العدول عنه ؟ الظاهر لا ، لأنّ الإقراع يجعل الخارج بالقرعة محكوماً بحكم شرعي ، ففي الخنثى المشكل إذا خرج السهم باسم الذكر يكون محكوماً شرعاً بكونه ذكراً ، وكذا في مورد النذر والإيصاء بالعتق فإذا خرج بالقرعة تعيّن عتقه ، ومثله ما ورد النصّ بالعمل بالقرعة فيه ، كمسألة الشاة المنكوحة.
    هذا تمام الكلام في أحكام القرعة ، وهناك بحوث استطرادية ترك شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ البحث فيها إلى رغبة الحاضرين حتى يخوضوا في غمارها على ضوء ما سبق.
نحمده سبحانه ونشكره على إتمام النعمة وإكمال الرسالة ،
وقد لاح بدر تمامه في شهر شوال المكرّم
من شهور عام 1420 من الهجرة النبويّة
بيد مؤلّفها ، محمد حسين الحاج العاملي
عامله اللّه بلطفه الخفيّ
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الرابع ::: فهرس