ثالثا : تاويل الايات : في بيان تاويل الايات نبدا اولا
ببيان تاويل بعض الموارد ، حسب معناها اللغوي ، و ثانيا بايرادالروايات عن ائمة
اهل البيت (ع) في ذلك.
تاويل الايات بحسب معنى الالفاظ في لغة العرب :
ا ـ خبر
ابراهيم (ع) في كسر الاصنام : في قوله تعالى ( بل فعله كبيرهم هذا فاسالوهم ان
كانوا ينطقون ) (1) تورية ، و المعنى في الكلام : فعله كبيرهم ان
كانوا ينطقون ، و يعرف ذلك من قوله تعالى بعده ( لقد علمت ما هؤلاءينطقون ) (2)
ب ـ خبر يوسف مع اخوته : قصدوا من قولهم لاخوة يوسف
( ايتها العير انكم لسارقون ) انهم سرقوا يوسف (ع) من ابيه.
اما صواع الملك فقد
قالوا عنه ( نفقد صواع الملك ) ، و لم يقولوا سرق صواع الملك ، و في هذاالكلام ـ ايضا
ـ تورية كما اتضح مما بيناه (3) .
ج ـ خبر رسول الله بعد الفتح : قال سبحانه في سورة
الفتح : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر و يتم نعمته عليك ويهديك ( انا
فتحنا لك فتحا مبيناو ينصرك الله نصرا عزيزاهو الذي انزل السكينة ... ) (4) صراطا مستقيما تفسير الكلمات :
ا ـ فتحنا : المراد
بالفتح هنا : صلح الحديبية ، و قد سماه الله فتحا لما اعقب من كسر شوكة قريش ،
و عدم استطاعتهم مناواة الرسول (ص) و تجهيز الجيوش لمحاربته ، و فتح الرسول
(ص) مكة بعدذلك.
ب ـ ليغفر : في اللغة غفر الشي ء : ستره.
ج ـ ذنبك : قال
الراغب : الذنب في الاصل الاخذ بذنب الشي ء ، يقال : اذنبته ، اي : اصبت ذنبه ، و
يستعمل في كل فعل يستوخم عقباه ، ولهذا يسمى الذنب : تبعة اعتبارا بذنب الشي ء ، و
جمع الذنب : ذنوب.
تاويل الاية بحسب معناها اللغوي : كان من خبر صلح الحديبية
ما رواه الواقدي في المغازي وقال ما موجزه : وثب عمر الى رسول الله (ص) ، و قال :
السنا بالمسلمين ؟ قال (ص) : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول
الله (ص) : انا عبد الله و رسوله و لن اءخالف اءمره و لن يضيعني ، وجعل عمر يرد
على رسول الله (ص) الكلام ، و تكلم مع ابي بكر وابي عبيدة في ذلك فردا عليه ،
وكان يقول بعد ذلك : لقد دخلني يومئذ من الشك و راجعت النبي (ص) مراجعة ما
راجعته مثلهاقط ... الخبر (5) .
و نزلت السورة تعلم بان الصلح فتح للرسول و
للمسلمين ، وان ما كان المشركون يعدونه ذنباللرسول في ما تقدم من قيامه بمكة
بتسفيه احلامهم و عيب آلهتهم ، و في ما تاخر من قتله اياهم في غزوة بدر و غيرها ،
قد ستر الله جميعها بذلكم الصلح الذي انتج كل تلكم الفتوح ، و ان قوله تعالى في
هذه السورة : ( ما تقدم من ذنبك و ما تاخر ) كقوله تعالى في حكاية قول الكليم موسى بن
عمران (ع) في سورة الشعراء : ( و لهم علي ذنب فاخاف ان يقتلون ) (6) و بناء على ما ذكرناه يكون ذنب الرسول في مقابل قومه كذنب
موسى (ع) في مقابل الاقباطبمصر.
نكتفي بهذا المقدار من بيان تاويل الايات بحسب
معناها اللغوي ، ونورد في ما ياتي بحوله تعالى تاويل الايات من الروايات : تاويل
الايات في روايات ائمة اهل البيت (ع) روى الصدوق ان المامون العباسي جمع
للامام علي بن موسى الرضا (ع) اهل المقالات من اهل الاسلام و الديانات من
اليهود والنصارى و المجوس و الصابئين ، و كان فيهم علي بن الجهم من اهل
المقالات الاسلاميين ، فسال الرضا (ع) و قال له : يا ابن رسول الله
الانبياء عزوجل : ( وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه ) ؟ و قوله في
يوسف : ( و لقد همت به وهم بها ) ؟ و قوله عز و جل في داود : ( و ظن داود انما فتناه ) ؟
و قوله في نبيه محمد (ص) : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس والله احق
ان تخشاه ) ؟ فقال مولانا الرضا (ع) : ويحك يا علي الله برايك ، فان الله عز وجل
يقول : ( و ما يعلم تاويله الا الله و الراسخون في العلم ) .
اما قوله عز و جل
في آدم (ع) : ( و عصى آدم ربه فغوى ) ، فان الله عز و جل خلق آدم حجة في ارضه ، و
خليفته في بلاده ، لم يخلقه للجنة ، و كانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض
، لتتم مقادير امر الله عز و جل ، فلما اءهبط الى الارض و جعل حجة و خليفة عصم
بقوله عز وجل : ( ان الله اصطفى آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران على العالمين
) .
و اما قوله عز و جل : ( و ذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه ) ،
انما ظن اءن الله عز وجل لا يضيق عليه رزقه ، الا تسمع قول الله عز و جل : ( و
اما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) ؟ اي ضيق عليه ، و لو ظن ان الله لا يقدر عليه
لكان قد كفر.
و اما قوله عز و جل في يوسف : ( و لقد همت به و هم بها ) ، فانها همت
بالمعصية ، و هم يوسف بقتلها ان اجبرته لعظم ما داخله ، فصرف الله عنه قتلها و
الفاحشة ، و هو قوله : ( كذلك لنصرف عنه السوء ) ، يعني القتل ، ( و الفحشاء ) ، يعني
الزنا.
و اما داود فما يقول من قبلكم فيه ؟ فقال علي بن الجهم : يقولون :
ان داود كان في محرابه يصلي اذ تصور له ابليس على صورة طيراحسن ما يكون من
الطيور ، فقطع صلاته و قام لياخذ الطير ، فخرج الى الدار ، فخرج في اثـره ، فطار الطير
الى السطح ، فصعد في طلبه ، فسقط الطير في دار اءوريا بن حنان فاطبلع داود في
اءثـرالطير فاذا بامراة تغتسل ، فلما نظر اليها هواها ، و كان اءوريا قد اءخرجه
في بعض غزواته ، فكتب الى صاحبه ان قدم اءوريا اءمام الحرب ، فقدم ، فظفر اءوريا
بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب الثانية ان قدمه امام التابوت ، فقتل اءوريا رحمه
الله ، و تزوج داود بامراءته.
فضرب الرضا (ع) بيده على جبهته و قال : انا
للّه و انا اليه راجعون ، لقد نسبتم نبيا من انبياء الله الى التهاون بصلاته حتى
خرج في اثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم بالقتل فقال : يا ابن رسول الله فقال : ويحك ،
ان داود انما ظن ان ما خلق الله عز و جل خلقا هو اعلم منه ، فبعث الله عز و جل
اليه الملكين فتسورا المحراب فقالا : ( خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق و
لاتشطط و ان هذا اخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة فقال اكفلنيها و
اهدنا الى سواء الصراط عزني في الخطاب ) ، فعجل داود (ع) على المدعى عليه
فقال : ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ) ، فلم يسال المدعي البينة على ذلك ، و لم
يقبل على المدعى عليه فيقول : ماتقول ، فكان خطيئته حكمه ، لا ما ذهبتم اليه ، الا
تسمع قول الله عز و جل يقول : ( يا داود اناجعلناك خليفة في الا رض فاحكم بين الناس
بالحق ) الى آخر الاية ؟.
فقلت : يا ابن رسول الله فما قصته مع اوريا؟ فقال
الرضا (ع) : ان المراة في ايام داود كانت اذا مات بعلها او قتل لا تتزوج بعده
ابدا ، و اول من اباح الله عز و جل له ان يتزوج بامراة قتل بعلها
داود ، فذلك الذي شق على اوريا ... الحديث (7) .
و في خبر داود خاصة عن امير المؤمنين الامام علي (ع)
انه قال : ما اوتي برجل يزعم ان داود (ع) تزوج بامراة اوريا الا جلدته
حدين ، حدا للنبوة ، و حداللاسلام (8) .
و المعنى : من قال ان داود تزوج بامراة اوريا ، اي :
قبل استشهاده.
و في رواية : من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة و
ستين.
و في رواية : و هو حد الفرية على الانبياء (9) .
و روى الصدوق ـ ايضا ـ عن الامام الصادق (ع)
مثل الوراية الاولى ، و في رواية قال : ان المراة في ايام داود (ع) كانت اذا مات
بعلها او قتل لا تتزوج بعده ابدا ، و اول من اباح الله عز و جل له ان يتزوج
بامراة قتل بعلها داود (ع) ، فتزوج بامراة اوريا لما قتل و انقضت عدتها ، فذلك الذي
شق على الناس من قتل اوريا (10) .
و لو قيل : ان ما اوردتموه معارض بما رواه القمي في
تفسيره انه قال ما موجزه : ان داود (ع) كان في محرابه يصلي ، فاذا بطائر قد وقع
بين يديه ، فاعجبه جدا و نسي ما كان فيه ، فقام لياخذه ، فطار فوقع على حائط بين
داود و اوريا ـ كان داود قد بعثه في بعث ـ فصعد داودالحائط لياخذه ، فراى امراة
جالسة تغتسل ، فلما رات ظله نشرت شعرها و غطت به بدنها ، فافتتن بها داود و رجع الى
محرابه ، و كتب الى صاحبه في ذلك البعث ان يسيروا الى موضع كيت و كيت و يوضع
التابوت بينهم و بين عدوهم و يقدم اوريا بين يدي التابوت ، فقدمه فقتل ...
الحديث بطوله (11) .
قلنا : ان هذه الرواية قد جمع فيها راويها
الروايات المتعددة الواردة في تفسير الايات بتفاسيرمدرسة الخلفاء ، و اضاف اليها من
خياله بعض القول ، ثم رواها عن الامام الصادق (ع) .
و نحن ندرس متن الرواية دون
التعرض لسندها و نقول : ورد بخصوص خبر اوريا عن الامام الصادق (ع) انه عندما سئل
عنه و قال له الراوي : ما تقول في ما يقول الناس في داود و امراة اوريا؟ فقال : ذلك
شي ء تقوله العامة (12) .
في هذا الحديث صرح الامام الصادق (ع) بان منشا قول
اناس في داود و ارملة اوريا هم العامة ، اي اتباع مدرسة الخلفاء.
اذا من الروايات
بالروايات المنتقلة ، اي المنتقلة من مدرسة الخلفاء الى مدرسة اهل البيت (13) .
و اذا بحثـنا عن مصدر هذه الرواية بكتب التاريخ و
التفسير بمدرسة الخلفاء (14) وجدنا ان رواة هذه الرواية لم يرووها عن رسول الللّه (ص) و لم يقولوا ان رسول الله (ص) قال ذلك ، ما عدارواية واحدة رواها السيوطي
في تفسير الاية عن يزيد الرقاشي عن انس ، و قد بينا في هذاالبحث زيفها في ما سبق.
في قصة زيد و زينب : كسر الرسول (ص) بتزويجه زينب من زيد قانون التكافؤ
في النسب من اعراف الجاهلية و استبدله بقانون التكافؤ في الاسلام ، و بعد هذا
الانجاز العظيم امره الله تعالى ان يكسر ـ بزواجه من مطلقة زيد ـ قانون
التبني من اعراف الجاهلية ، و في عمله هذا شابه عمل النبي داود (ع) في زواجه
بارملة اوريا وتبديله بذلك قانونا جاهليا بقانون اسلامي ، و كذلك يفعل الانبياء
في اجراء الاحكام الاسلامية ، و هكذا فعل الرسول (ص) ـ ايضا ـ في ابطاله قانون
الرباو قانون اخذ الثـار الجاهليين في حرجة الوداع بابطال ربا عمه العباس
و اهدار دم ابن عمه (15) .
هذه هي الحقيقة في امر زواج النبي داود (ع)
بارملة اءوريا وزواج خاتم الانبياء (ص) بمطلقة ابنه المتبنى زيد ، غير ان
انتشار الروايات الاسرائيلية في تاويل قصص الانبياء السابقين ، و الروايات
المختلقة في تاويل ما عداها في بعض كتب التفسير و بعض مصادر الدراسات
الاسلامية الاخرى حجبت رؤية الحق عن الباحثين ، وجعلت من الباطل حقا و من الحق
باطلا ، و اشتهرت تلك الروايات و راجت في الاوساط الاسلامية لما كان فيها من تبرير
لتورط بعض افراد السلطان الحاكمة في قضايا شهوة الجنس ، كما ان صدور المعاصي من
امثال يزيد بن معاوية و اشباهه من خلفاء بني مروان بعده و نظائرهم هو الداعي
لعامة ما نسب الى الانبياء والرسل ـ صلوات الله عليهم ـ من المعاصي و نفي
العصمة عنهم ، وتاويلهم الايات في حقهم بما يدفع النقد عن بعض الخلفاء.
1 ـ الانبياء / 63.
2 ـ الاية 65.
3 ـ مجمع البيانت في
تفسير القرآن 3 : 252.
4 ـ الايات 1 ـ 4.
5 ـ نقلته بايجاز من مغازي الواقدي 1 : 606 ـ 607.
6 ـ الاية 14.
7 ـ البحار 11 : 73 ـ 74
, عن امالي الصدوق 55 ـ 57 و طبعة اءخرى : 92 ـ 90 , و عيون
8 ـ تفسير الاية بتفسير مجمع البيان , و نور الثقلين , و تنزيه
الانبياء للشريف المرتضى : 92.
9 ـ تفسير الاية بتفسير
الخازن 4 : 35 , و الفخر الرازي 25 : 192 , و نور الثقلين 4 : 446.
10 ـ البحار 14 : 24 , و راجع تفسير نور الثقلين 4 : 446 نقلا عن عيون
الاخبار.
11 ـ البحار 14 : 23 ـ 20
, عن تفسير القمي : 562 ـ 565 , و التتمة في كتاب الاسرائيليات و
12 ـ البحار 14 : 200.
13 ـ راجع بحث الروايات
المنتقلة في : القرآن الكريم و روايات المدرستين ج2 .
14 ـ راجع تفسير الاية في تفسير الطبري , و القرطبي و ابن كثير و
السيوطي .
15 ـ في سيرة ابن هشام
4 : 275 ط.مصر عام 1356 ان رسول الله (ص) قال في خطبته في