فـتـح الابــواب ::: 121 ـ 135
(121)
    الباب الأول     يقول عليَ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد الطاووس أيّده الله تعالى : إعلم أنّني وجدت تدبير الله جل جلاله لمصالح عباده ما ليس هو على مرادهم ، بل هو على مراده ، وما ليس هو على الأسباب الظاهرة لهم في المكروه والمأمول ، بل هو لما يعلمه الله (1) جل جلاله من مصالحهم التي لا يعلمونها ، أو أكثرها ، إلآ من جانبه جلِّ جلاله ، ومن جانب الرسول ( صلّى الله عليه واله ) ، ولو كان العقل كافياً في الاهتداء إلى تفضيل مصالحهم ، لما (2) وجَبَتْ بعثة الأنبياء ، حتى أنَ في تدبير الله جلّ جلاله في مصالح الأنام ما يكاد ينفرمنه كثيرمن أهل الإسلام.
    فلما رأيت تدبيري ما هو على مرادي ، ولا على الأسباب الظاهرة في معرفتي واجتهادي ، وعرفت أنّني لا أعرف جميع مصلحتي بعقلي وفِطْنتي ،
1 ـ لفظ الجلالة ليس في « ش » و « د ».
2 ـ في « ش » و « م » : ما.


(122)
فاحتجتُ لتحصيل (1) سعادتي في دنياي واخرتي ، إلى معرفة ذلك ممَن يعلمه جلّ جلاله ، وهو علام الغيوب ، وتيقنت أنّ تدبيره لي خير من تدبيري لنفسي ، وهذا واضح عند أهل العقول والقلوب ، ورأيت مشاورته جل جلاله بالاستخارة باباً من أبواب إشاراته الشريفة ، ومن جملة تدابيره لي بالطافه اللطيفة ، فاعتمدت عليها ، والتجأت إليها.
شعر :
لـوأنَ لـي بدلاً لم أبـتدل بـــهمُ وكــــم تَعَرض لي الأقوام غيرهم فكـيف ذاك ومــالي عنـهم بدلُ يستأذنون على قلبي فمـــاوصلوا

1 ـ في « د » : إلى تحصيل.

(123)
    الباب الثاني     يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : إعلم أنّني وجدت الله جلّ جلاله يقول عن الملائكة ـ الذين اختياراتهم وتدبيراتهم من أفضل الاختيارات والتدبيرات ، لأنّهم في مقام المكاشفة بالآيات والهدايات. أنّهم عارضوه جلّ جلاله لمّا قال لهم : ( إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا اَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ ألدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ ) (1) فقال جلّ جلاله لهم : ( إنّي اَعْلَمُ مَا لا تَعْنمُونَ ) (2) فعرّفهم بذلك أنَ علومهم وأفهامهم قاصرة عن أسراره في التدبير المستقيم ، حتّى اعترفوا في موضع آخر فقالوا : ( سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاّ مَا عَلَّمْتَنَا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيمُ ) (3).
    فلمّا رأيت الملائكة عاجزين وقاصرين عن معرفة تدبيره ، علمتُ أنّني
1 و 2 ـ البقرة 2 : 30.
3 ـ ألبقرة 2 : 32.


(124)
أعظم عجزاً وقصوراً ، فالتجأت إليه جلَّ جلاله في معرفة ما لا أعرفه إلا من مشاورته جلّ جلاله في قليل أمري وكثيره.
فصل :
    ثم وجدت الأنبياء الذين هم أكمل بني آدم ( عليهم السلام ) ، قد استدرك الله عليهم في تدبيراتهم عند مقامات ، فجرى لآدم ( عليه السلام ) في تدبيره في أكل ثمرة الشجرة ما قد تضمّنه صريح الايات ، وجرى لنوح ( عليه السلام ) في قوله : ( اِنَ أبني مِنْ اَهْلي وَاِنَ وَعْدَكَ اْلحَقُّ ) (1) ممّا لا يخفى عمّن عرفه من أهل الصدق ، وجرى لداود ( عليه السلام ) في بعض المحاكمات ما قد تضمّنه الكتاب ، حتى قال الله جلّ جلاله ( وَظَنَّ دَاوُدُ اَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَاَنَابَ ) (2) ، وجرى لموسى ( عليه السلام ) لمّا اختار سبعين رجلاً من قومه للميقات ، ما قد تضمنه صريح الآيات (3).
    فلمّا رأيت الأنبياء ـ الذين هم أكمل العباد في الإصدار والإيراد ـ قد احتاجوا إلى استدراكٍ عليهم في بعض المراد ، علمتُ أنّني أشدّ حاجة وضرورةً إلى معرفة إرشادي ، فيما لا أعرفه من مرادي إلا بمشاورته سبحانه وإشارته ، فالتجأت إلى تعريف ذلك بالاستخارة من أبواب رحمته.
فصل :
    ثمّ وجدت صريح القرآن قد تضمّن عموماً عن بني آدم بواضح البيان ،
1 ـ هود 11 : 45.
2 ـ ص 38 : 4 2.
3 ـ وهي قوله تعالى في سورة الأعراف 7 : 155 : ( وَاخْتَار مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِميقَاتنا فَلَما اَخَذَتْهُمُ الرجْفَةُ قَالَ رَبي لَوْ شِئْتَ اَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ َوإياي اَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفَهَاءُ مِنْا اِن هِيَ اِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وتَهْدي مَنْ تَشَاءُ انْتَ وَلِيُنَا فَاغْفِرْ َلنا وَأرْحَمْنَا وَاَنتَ خَيْرُ الْغافرينَ ).


(125)
فقال : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (1) وقال جلَّ جلاله : ( للّهِ الْأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (2) وقال جلَّ جلاله : ( وَلَوِ اتَبَعَ الْحَقُّ اَهْوَآءهُمْ لَفَسَدَتِ ألسَّموَاتُ وَألإرْضُ وَمَنْ فيهِنَّ بَلْ اَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ) (3) ، وهذا تصريح عظيم بالشهادة من الله جل جلاله بقصور بني آدم الذين تضمّنهم محكم هذا القرآن ، وعزلهم عن الخيرة ، وأن له جلّ جلاله الأمر من قبل ومن بعد ، وأنّ الحق لو اتبع أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ، وأنّ أهواءهم كانت تبلغ بهم (4) من الفساد إلى هذا الحدّ.
    فلمّا علمت ذلك ، وصدّقت قائله جلّ جلاله على اليقين ، هربت من اختياري لنفسي إلى اختياره لي ، باتّباع مشورته ، ورأيته قد عزلني عن الأمر (5) ، فعدلت عن أمري لنفسي ، وعوّلت على أمره جلّ جلاله ، وشريف إشارته ، وصدّقته جلَ جلاله في أنّه لو اتّبع الحقّ هواي ، فسد حالي ورأيي ، فاعتمدت على مشورة الحقّ ، وعدلت عن اتّباع أهوائي ، وهذا واضحٌ عند من أنصف من نفسه ، وعرف اشراق شمسه (6).
1 ـ القصص 28 : 68.
2 ـ الروم 30 : 4.
3 ـ المؤمنون 23 : 71.
4 ـ ليس في « ش » ، وفي « م » : لهم.
5 ـ عن الأمر : ليس في « ش ».
6 ـ في « ش » و « د » : وعرف الله أوشمسه.


(126)

(127)
    الباب الثالث     إعلم أنّني وجدت الموصوفين بالعقل والكمال ، يوكّل أحدهم وكيلاً ، يكون عنده أميناً في ظاهر الحال ، ولا يطّلع على سريرته ، فيسكن إلى وكيله في تدبيره ومشورته ، ويشكره من عرف صلاح ذلك الوكيل ، ويحمدونه على التفويض إلى وكيله فيما يعرفه من كثير وقليل ، وما رأيت أن مسلماً يجوز أن يعتقد أن الله جلّ جلاله ـ في التفويض إليه ، والتوكّل عليه بالاستخارات والمشورات ، والعمل بأمره المقدّس ـ دون وكيل غير معصوم في الحركات والسكنات.
فصل :
    ووجدت الموصوفين بالعقل والفضل يصوبون تدبير من يشاور أعقل من في بلده ، وأعقل من في محلّته ، وأعلم أهل دينه ونحلَته ، مع أن ذلك الذي يُشَاوَرُ في الأشياء لا يدّعي أنه أرجح تدبيراً من الملائكة والأنبياء ، بل ربما يكون المُستشار قد غلط في كثير من تدبيراته ، وندم على كثير من


(128)
اختياراته ، ومع هذا فيشكرون (1) هذا المستشير ، ويستدلون بذلك (2) على عقله وسداده ، ويقولون : هذا من أحسن التدبير ، أفيجوز أن يكون في المعقول والمنقول مشاورة اللهّ جلّ جلاله وتدبيره لعبده دون عاقل البلد ، وعاقل المحلّة ، وعالم النِحْلَة ؟! كيف يجوز أن يعتقد هذا أحدٌ من أهل الملّة؟
1 ـ في « م » : فيكون ، وما في المتن من « ش » و « د ».
2 ـ في « ش » : لك.


(129)
    الباب الرابع     فمن ذلك ـ في كتاب المقنعة ، تصنيف المفيد محمد بن محمد بن النعمان الذي انتهت رئاسة الإِمامية في وقته إليه ، رضوان اللّه عليه (1) ـ ما أخبرني به والدي قدّس اللّه روحه ، ونوّر ضريحه ، عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة (2) ، عن أبي علي الحسن الطوسي (3) ، عن والده ـ جدّي ـ أبي جعفر
1 ـ الجملة المعترضة لم ترد فا في « ش » و « د » ، وقد وردت فيهما بعد نهاية الطريق الثاني الاتي من طرق السيد ابن طاووس الثلاثة لكتاب المقنعة.
2 ـ الشيخ الفقيه الجليل أبو عبدالله الحسين بن هبة اللُه بن رطبة السوراوي ، من أجلاء طائفة الإمامية وفقهائهم ، رحل الى خراسان والري ، والتقى بكبار علماء الشيعة هناك ، يروي عن جماعة من العلماء ، منهم : عربي بن مسافر ، ومحمد بن أبي البركات والسيد موسى بن طاووس ، وكان يروي عن الشيخ أبي علي الطوسي ، توفي في رجب سنة 579 هـ.
    أنظر « فهرست منتجب الدين : 52/ 98 ، لسان الميزان 2 : 316/ 1290 ، أمل الامل 2 : 104/ 290 ، رياض العلماء 2 : 93 ، الثقات العيون : 83 ».
3 ـ الشيخ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، كان عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاًَ


(130)
الطوسيّ ، عن المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان بجميع ما تضمّنه كتاب المقنعة.
    وأخبرني والدي أيضاً قدّس اللّه روحه ، عن شيخه الفقيه الكمال عليّ بن محمد المدائنيّ (1) ، عن شيخه أبي الحسين سعيد بن هبة اللّه الراونديّ ، عن عليّ بن عبدالصمد النيسابوريّ (2) ، عن أبي عبداللّه جعفر الدوريستيّ (3) ، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، رضوان اللهّ
جليلاً ثقة ، قال عنه ابن حجر في اللسان : « ثم صار فقيه الشيعة لم إمامهم بمشهد علي ( رضي الله عنه ) ، وهو في نفسه صدوق ، وكان متديّناًَ » وقد قرأ على والده الشيخ الطوسي جميع تصانيفه ، كان المترجم له حياً في سنة 516 هـ كما يظهر من رواية عمادالدين الطبري عنه في هذا التاريخ في كتابه بشارة المصطفى.
    أنظر « فهرست منتجب الدين : 42/ 71 ، بشارة المصطفى : 64 ، لسان الميزان 2 : 250/ 1046 ، أمل الأمل 2 : 76/ 208 ، رياض العلماء 1 : 334 ، الثقات العيون : 66 ».
1 ـ الشيخ الفقيه علي بن محمد المدائني ، كان من أجلّة فقهاء الأصحاب في المئة السادسة ، وهو غير علي بن محمد المدائني العاميّ المذكور في كتب الرجال ، يروي عن قطب الدين الراوندي ويروي عنه السيد موسى بن طاووس.
    أنظر « رياض العلماء 4 : 244 ، الثقات العيون : 6 5 2 » ، وفي نسخة « م » زيادة : العلوي.
2 ـ الشيخ علي بن عبدالصمد بن محمد التميمي النيسابوري ، أبو الحسن السبزواري ، من فقهاء طائفة الإمامية في المئة الخامسة ، ذكره منتجب الدين في فهرسته تائلًا : « فقيه دين ثقة ، قرأ على الشيخ أبي جعفر » ، ويروي عن جمع من تلامذة الصدوق ، منهم والده عبدالصمد.
    أنظر « فهرست منتجب الدين : 109/ 222 ، النابس في القرن الخامس : 122 ».
3 ـ الشيخ أبو عبدالله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستيّ ، نسبة إلى قرية دوريست التي هي على فرسخين من الري ، ويقال لها في هذا الزمان : درشت ، بالشين المعجمة ، ثقة عين عظيم الشأن ، قرأ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وشيخ الطائفة ، ولد سنة 380 هـ وكان حياً حتى سنة 473.
    أنظر « رجال الشيخ : 459/ 17 ، المنتخب من السياق : 261/ 464 ، فهرست منتجب الدين : 37/ 67 ، أمل الامل 2 : 53/ 137 ، روضات الجنات 2 : 174/ 168 ، تنقيح المقال 1 : 244/ 1855 ، النابس في القرن الخامس : 122 ».


(131)
عليهم ، بجميع ما تضمنه كتاب المقنعة.
    وأخبرني شيخي الفقيه (1) محمد بن نما (2) جزاه الله جل جلاله خير الجزاء ، وأخبرني شيخي العالم أسعد بن عبدالقاهر بنِ أسعد بن محمد بن هبة اللهّ بن حمزة المعروف بشفروه الأصفهاني (3) جميعاً ، عن الشيخ العالم أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين الراونديّ (4) ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفرمحمد بن علي بن محسن الحلبيّ (5) ، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ ، عن شيخه محمد بن محمد بن النعمان ، فيما يرويه في الجزء الأول من كتاب المقنعة ، عن الصادق ( عليه السلام ) أنه
1 ـ ليس في « م ».
2 ـ الشيخ نجيب الدين أبو ابراهبم محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي ، كان من فضلاء وقته وعلماء عصره ، له كتب ، توفي بالنجف الاشرف سنة 645 هـ.
    أنظر « أمل الامل 2 : 310/ 945 ، الكنى والألقاب 1 : 427 ، الأنوار الساطعة في المئة السابعة : 154 ».
3 ـ الشيخ أسعد بن عبدالقاهر بوظ أسعد الأصفهاني أبو السعادات ، كان عالماً فاضلاً محققاً ، له كتب ، كان حياً في صفر سنة 635 حيث روى عنه السيد ابن طاووس الكتب والأصول والمصنفات في هذا التاريخ في مسكنه بالجانب الشرفي من بغداد.
    أنظر « فلاح السائل : 15 ، أمل الامل 2 : 32/ 89 ، تنقيح المقال 1 : 124/ 757 ، أعيان الشيعة 3 : 297 ، الأنوار الساطعة في المئة السابعة : 7 1 ».
4 ـ الشيخ عماد الدين أبو الفرج علي بن الشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي ، فقيه ثقة ، من علماء المئة السادسة.
    أنظر « فهرست منتجب الدين : 127/ 275 ، أمل الامل 2 : 188/ 559 ، الثقات العيون في سادس القرون : 190 ».
5 ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، فقيه صالح ، أدرك الشيخ الطوسي وروى عنه وعن ابن البراج ، ويروي عنه الإمامان ضياء الدين وقطب الدين الراونديان ، ويظهر أنه بقي الى المئة السادسة بقرينة رواية قطب الدين الراوندي المتوفى 573 هـ عنه.
    أنظر « فهرست منتجب الدين : 155/ 357 ، أمل الامل 2 : 289 ، النابس في القرن. الخامس : 181 ».


(132)
قال : « يقول الله عزّ وجلّ : إنّ من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ثمّ لا يستخيرني » (1).
    رواه سعد بن عبدالله في كتابه كتاب الأدعية (2) ، قال : وعنه ، عن الحسين بن [ سعيد ، عن ] (3) عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « أنزل الله : إنَّ من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخيرني » (4).
    يقول علي بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تّعالى : ووجدت هذا الحديث أيضاً في أصل من أصول أصحابنا ، تاريخ كتابته في شهر ربيع الاخر سنة أربع عشرة وثلثمائة ، يرويه عن الصادق ( عليه السلام ) قال : « قال الله تبارك وتعالى : من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخيرني » (5).
    أقول أنا : وإذا عَلِمَ المكلَّف (6) ورود الأخبار بالمشاورة لله جلّ جلاله واستخارته ، كما سوف نذكره في الأبواب ، ونكشف عن حقيقته فما يحتاج
1 ـ المقنعة : 36 ، المحاسن : 598/ 3 ، هامش مصباح الكفعمي : 393 ، ورواه الشهيد في مجموعته : 17 عن العالم ( عليه السلام ) ، وأخرجه المجلسي في البحار 91 : 222/ 1 ، والحر العاملي في الوسائل 5 : 217/ 2 والجواهر السنية : 252.
2 ـ كل ما نقله السيد ابن طاووس في كتابه هذا عن كتاب « الأدعية » أو « الدعاء » لسعد بن عبدالله سقط من نسخة « ش ».
3 ـ ما بين المعقوفين من بحار الأنوار ، وفي وسائل الشيعة : الحسين بن عثمان ، عن عثمان بن عيسى ، والصواب ما اثبتناه فى المتن.
    أنظر « رجال النجاشي : 212 ، معجم رجال الحديث 11 : 121 ».
4 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 91 : 225 ، والحر العاملي في الوسائل 5 : 217 هامش ح 2.
5 ـ أخرجه المجلسي في البحار 91 : 222.
6 ـ ليس في « د ».


(133)
إلى (1) التهديد من الله جلّ جلاله على ترك مشاورته إلى إيراد أخبار عنه جلّ جلاله وعن خاصّته ، وإنّما أوردنا (2) هذا المقدار من الأخبار لنوضحَ أنّ النقل ورد معاضداً للعقل.
    وبيان ذلك أنّك لو عرفت أنَّ الله جل جلاله قد اتى رجلاً من الحكمة والعقل والرأي مثل (3) ما اوتي لقمان ، وجعل له قدرة ـ مثلاً ـ على خلْق إنسان ، وخلْق ما يحتاج إليه هذا الإنسان من مصالحه ومراشده ، وأنَّ هذا الحكيم عارفٌ بتدبير هذا الانسان ، وبما يسلمه من مهالكه ومفاسده ، فبنى هذا الحكيم داراً لهذا الإنسان قبل أن يخلقه ، وأتقنها وكمّلها ، وما يعرف أسرار بنائها (4) وتدبيرها جميعاً غير هذا الحكيم ، ثمّ عاد إلى الإنسان الذي يريد أن يُسْكِنَه فيها (5) ، ففطره من عدم محض ، وجعله تراباً ، ثمّ ألّف من التراب جوهراً إلى جوهر وعَرَضاً (6) إلًى عَرَض ، وجعله جسماً ، وركّبه تركيباً عجيباً وكمّله تكميلاً غريباً ، ولا يطّلع على جميع تدبيرهذا الحكيم لهذا الإنسان إلا الحكيم وحده.
    فلمّا بلغ هذا الإِنسان وتكمَّل بقدرة الحكيم المذكور ، وأسكنه داره بما فيها من عجائب الأمور ، صار يَعْدِلُ عن الحكيم في معرفة أسرار الدار ، وأسرار جسده وتدبيره الذي لا يحيط بجميع قليله وكثيره سوى الحكيم المشار إليه ، من غير إساءة وقعت من الحكيم ، ولا تقصير يَحْتَجُّ به هذا الإنسان
1 ـ في « م » : إليه في.
2 ـ في « د » : أورد.
3 ـ ليس في « م ».
4 ـ في « د » : بنيانها.
5 ـ في « د » و « ش » : هذه الدار.
6 ـ العَرَض بالتحريك : ما يحل في الاسم ولا وجود له ولا شخص له ، في اصطلاح المتكلمين ما لا يقوم بنفسه ولا يوجد في محل يقوم به ، وهو خلاف الجوهر ، وذلك نحوحمرة الخجل وصفرة الوجل « مجمع البحرين ـ عرض ـ 4 : 215 ».


(134)
عليه ، أما كان كلّ عاقل يعرف ذلك يبلغ من ذمّ هذا الإنسان الغايات ، ويعتقد أنّه يستحقّ من الحكيم أن يعاجله بالنقمات ، وأن يخرب الدار التي بناها له ، وُيخْرِجه عنها ، ويخرّب جسده الذي عقَرهُ بقدرته ، ويسعيد حياته التي لا بَدَل له منها ، فالله جلَّ جلاله كان في بناء دار الدنيا وتدبيرجسد الإنسان وتأليفه وانعامه الذي وقع منه ابتداءً وتفضلاً والله أتُم وأعظم من ذلك الحكيم الذي لولا اقدار الله جل جلاله ما قدر (1) على شيء ممّا ضربناه مثلاً ، فكيف صار ذلك الإنسان بمفارقة (2) الحكيم مستحقاً للتهديد والذمّ والانتقام ، ولا يكون من عدل عن مشاورة الله جلَّ جلاله ـ كما قال الصادق ( عليه السلام ) ـ شقيّاً مذموماً عند أهل الإسلام.
فصل :
    وأخبرني شيخي العالم الفقيه محمد بن نما ، والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهانيّ معاً ، عن الشيخ العالم أبي الفرج علي بن سعيد أبي الحسين الراونديّ ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي المحسن الحلبيّ ، عن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، قال : أخبرني جماعة ، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبداللهّ ، عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أبي عمير وعن (3) صفوان ، عن عبداللهّ بن مسكان ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : » من دخل في
1 ـ في « د » : ماوقع.
2 ـ في « م » و « ش » : لمفارقة.
3 ـ في « ش » و « د » والبحار : عن ، وما في المتن من « م » موافق للوسائل ، وهو الصواب ، أي محمد بن ابي عمير وصفوان عن عبدالله بن مسكان ، لعدم ثبوت رواية ابن أبي عمير عن صفوان ، وثبوت رواية محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنهما ، وهما عن ابن مسكان.
    أنظر « معجم رجال الحديث ج 9 : 108 ، 119 وج 14 : 287 ، 288 ».


(135)
أمرمن غير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر » (1).
     وأخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما ، والشيخ أسعد بن عبدالقاهر ، بإسنادهما المذكور عن عبدالله بن مسكان ، عن ابن مَضَارِب (2) ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « من دخل في أمرٍ بغير (3) استخارة ( ثمّ ابتلي ) (4) لم يؤجر » (5).
    يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : إما يظهر لك من (6) هذين الحديثين المذكورين أنَ من دخل في أمرٍ بغير (7) استخارة فقد خرج عن ضمان الله جلّ جلاله وتدبيره ، وصار بلاؤه على (8) نفسه ، لايؤجرعلى قليله وكثيره ، أما تبيّن لك من هذا أنّه لو كان الله جلّ جلاله مع العبد إذا دخل في أمرٍ بغير مشاورته ما كان قد ضاع عليه شيء من ثواب مصيبته ، فأيُّ عاقل يرضى لنفسه أن يدخل في أمرٍ قد أعرض الله جلَّ جلاله فيه عنه ، وإذا ابتُلي فيه تبرَأ الله جلّ جلاله منه ؟ وهذا كافٍ في التهديد لأهل الإِنصاف والتأييد.
1 ـ أخرجه المجلسي في البحار 91 : 223/ 3 ، والحر العاملي في الوسائل 5 : 218/ 7.
2 ـ هو محمد بن مضارب ، بفتح الميم وفتح الضاد المعجمة والألف والراء المكسورة والباء الموحدة من تحت ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) مرتين ، تارة بقوله : محمد بن مضارب كوفي ، وأخرى : محمد بن المضارب كوفي يكنى أبا المضارب.
    أنظر « رجال الطوسي : 300/ 322 و 322/ 683 ، تنقيح المقال 3 : 188 ، معجم رجال 17 : 861/11798 ».
3 ـ في « د » : من غير.
4 ـ ليس في « م » والوسائل.
5 ـ رواه البرقي في المحاسن : 598 ، وأخرجه الحر العاملي في الوسائل 5 : 218/ 8 ، والمجلسي في البحار 91 : 223 ذيل خ 3.
6 ـ في « د » و « ش » ز يا دة : تقد ير.
7 ـ في « د » : من غير.
8 ـ في « م » : عن.
فـتـح الابــواب ::: فهرس