فـتـح الابــواب ::: 211 ـ 225
(211)
الأخبار المخالفة للرقاع بطريق موافقتها لمذهب العامة ، وهذا الوجه تضمّن مع القدح التوقف وترك العمل بها والتباعد عنها.
    الوجه الأخر : إنّ من الذين رووا (1) العمل بالأخبار في الاستخارة بالرقاع الست من الثقات هم الذين رووا (2) الأخبار التي ما في ظاهرها ذكر الاستخارة بالرقاع ، مثل الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيّ ، وشيخنا أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي ، والكراجكي ، وهم من أعيان الثقات ، فاما يترك العمل بالجميع فلا يعمل شيء منه أويعمل بالجميع ، ( ومن العمل بالجميع ) (3) فقد ذكرنا ونذكر ليتأمل ترجيح العمل بالرقاع الستّ ، وهذا لا معدل للمنصف عنه ، ولا يمكن ترك العمل بالجميع عند ذوي الافهام ، لأنّ وجوه هذه الأخبار وجوب ترك كلّ ما (4) عمل به من أمثالها في سائر فروع الشرائع والأحكام.
    ويقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس : واعلم أنّ ترجيح العمل بالستّ الرقاع في الاستخارات له وجوه غير ما ذكرنا ، مزيلة أيضاً للشبهات ، على ما أذكره من تفصيل الفوائد والإِشارات ، وما عرفت أنّ الله جلّ جلاله تفضّل بمثلها على ما عرفت حديث الاستخارة منه (5) أو سمعتها في وقتنا عنه ، وإنّما دلّني الله عزّ وجلّ في ترجيح العمل بالرقاع الستّ في الاستخارات زيادة على ما قدّمناه من الترجيحات ، وجوه واضحات ظاهرة ، وترجيحات باهرة ، فمنها في ترجيح العمل بالست الرقاع في الاستخارات على الروايات المتضمنة للدعوات ، أنّ الاستخارة بالدعوات لا يحصل بها العلم للداعي ، هل قُبل دعاه أم لا في الحال ، وللإِجابة شروط لأن للدعاء
1 و 2 ـ في « م » رأو.
3 ـ ليس في « د ».
4 ـ في « ش » : ترك العمل كلها ، وفي « د » : ما ، ولعل الأنسب : ومن عمل بالجميع.
5 ـ في « م » : الاستخارات بدل الاستخارة منه.


(212)
شروطاً ، ولقد ذكرنا في الجزء الأول من كتاب « تتمّات مصباح المتهجد ومهمات في صلاح المتعبّد » طرفاً مما رويناه في الشروط المقتضية للابتهال ، وما الذي يمنع من الإجابة بعد أن كان الله جلّ جلاله قد أجابه فضلاً ، ثم منعه من ذلك لذنب يقع من العبد ، فيصرف عنه الإجابة عدلاً.
    الوجه الأخر : إنّ الذي يستخير بالدعوات لو وجد ما تضمّنه دعاؤه وحصل منه رجاؤه ما عَلِمَ هل ذلك من الله عزّ وجلّ في جواب أدعيته ، أم كان هذا ابتداءً من فضل الله جلّ جلاله ورحمته ، وإنما صادف تجدّد الانعام بالابتداء من الله جلّ جلاله اتفاقاً لدعاء.
    الوجه الأخر : إنّ الذي يستخير بمجرّد الدعوات ما هو مستشير الله وإنّما هو سائل ، وأنت تعلم أن المستشار يلزمه من نصيحة المستشير به ما لا يلزمه لأصحاب الدعاء والمسائل.
    الوجه الأخر : إنّ الذي يستخير (1) بمجرد الدعوات يمضي في الحاجة بعد دعائه ، ولا يدري ما بين يديه من ظفر أو كدر ، وهذا يُعرف من الاستخارة بالرقاع عند من نظر وخبر ، وكلّ فائدة نذكرها فيما بعد من ترجيح العمل بالرقاع في الاستخارات فيما له (2) الدعوات فهو ترجيح لها أيضاً على العمل بمجرد الدعوات.
    وأمّا ترجيح العمل بالستّ الرقاع المذكورة على الرواية بترجيح الخاطر ، فالجواب عنه من وجوه مأثورة :
    الوجه الأول : إنّ الذي يعتمد على الخاطر الأرجح في الاستخارات كيف يصنع إذا كان الفِعْل مثل التَرْك وهما متساويان عند عالم الخفيّات فهذا
1 ـ في « ش » : يستشير.
2 ـ في « م » زيادة : في.


(213)
يسد الباب على الذي يعمل بترجيح الخاطر ، ويبقى على صفة حائر ، وهذا جواب قاهر ، وإذا استخار بالستّ الرقاع عرف ذلك كما سيأتي شرحه على وجه باهر.
    الوجه الثاني : إنّ الذي يعمل على ترجيح خاطره كيف يصنِع إذا كان الفعل أرجح من الترك ، أو الترك أرجح من الفعل ، وهما جميعاً (1) خيرة وصواب ؟ فعساه أن يقول : أنظر أرجح الخاطرين فاعمل بهذا الباب ، قلت : كذا يعمل هو ، ولكن ما ندري الخاطر المرجوح الذي عدل عنه هل هو منهي عنه بالكلّية ؟ أو هل هو خيرة ؟ وإنْ كان الخاطر الراجح أرجح منه ، وهذا لا جواب أيضاً عنه ، والذي يستخير بالست الرقاع يتفهم له ذلك كما سيأتي كشفنا عنه. (2)
    الوجه الثالث : إنّ الإنسان بين عقله ونفسه ، وبين هواه وبين طبعه ، وبين الشيطان وبين ما يميل إليه ، لوافقه الناس ولوافقه الحياة الدنيا (3) ، فكيف يعلم يقيناً أن هذا الخاطر المترجح من جانب الله تعالى جل جلاله دون النفس والهوى والطبع والشيطان والميل الى الناس والى الحياة الدنيا ؟ وهذا لا يعلمه إلا من يفرّق بين صفات هذه الخواطر ، والعبد يعلم (4) من نفسه ضعفه عن هذا المقام الباهر ، ولعله يقول : متى رجح خاطره عَلِمَ أنه من الله عز وجلّ على اليقين فاقول : هذا يقوله من يعرف أن ما بينه وبين الله جل جلاله ذنب كالمعصومين ، وأما أمثالنا فكيف يامن الله والله جل جلاله يقول له : ( فَلاَ يَامَنُ مَكْرَ الله إلآَ الْخَاسِرُونَ » (5) ويقول جلَ جلاله عمن أخلفه في
1 ـ في « د » : معاً
2 ـ في « د » : « تحقيقه » بدل « كشفنا عنه ».
3 ـ كذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب : لموافقة الناس ولموافقة الحياة الدنيا.
4 ـ في « د » : يعرف.
5 ـ الأعرا ف 7 : 99.


(214)
وعده وكان يكذب ( فَاَعْقَبهُمْ نِفَاقاً في قُلُوبِهِمْ الى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بَما أخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوُه وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (1) أفتعرف من نفسك أنّك [ لا ] تخلف الله جلّ جلاله في الليل والنهار في الوعود ، وأمّا الكذب بالمقال أو الفعال وبلسان الحال ، فالسلامة منه بعيدة الوجود.
    أما قول الكذب بالمقال فهوأن تقول عن شيء كان لم يكن أوشيء لم يكن أنّه كان ، وأمّا الكذب بالفعال وبلسان الحال فهو أن يكون مطهر (2) العلانية وتكون سريرتهم بخلافها ، فإنّه كذب في الفعال وفي لسان الحال ، وقد أخبر الله جلّ جلاله عن قوم كره ما يفعلون ، فقال : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) (3) فكلّ هذا يسدّ عليك الثقة بترجيح الخاطر مع ما (4) تعرفه من نفسك من تقصيرك مع الله جل جلاله في معاملته في السرائر والظواهر.
    أقول : فإنْ قال قائل : قد ظهر وثبت ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع الست على الروايات المتضمنة في الظواهر لترجيح الخواطر ، والاستخارة بمجرد الدعوات وغيرها من الاستخارات فهل تجد وجهاً في العمل بروايات الاستخارة بالدعاء وترجيح الخاطر غير ما تقدّم من التأويلات ؟
    قيل له : أمّا ما كان منها موافقاً لرواية مذهب العامة فقد بيّنا ضعفها ، لجواز أن يكون الإمام عليه السلام قالها للتقية ، وإنْ كان قد رواها عنه الثقات ، وأمّا ما كان منها سليماً من التقية ومن ضعف الروايات ، فيحتمل وجوهاً :
1 ـ التوبة 9 : 77.
2 ـ في « د » : مظهر.
3 ـ الاعراف 7 : 182 ، القلم 68 : 44.
4 ـ في « د » : بما.


(215)
    الوجه الأول : لعلّ الأخبار الواردة بالاستخارات بالخاطر والدعوات تكون على سبيل التخيير بينها وبين الاستخارة بالرقاع ، وإنْ لم يحصل له بالخاطر والدعاء ما يحصل بالرقاع الستّ من الكشف والانتفاع.
    الوجه الأخر : لعلّ أخبار الاستخارة بالدعاء والخاطر الأرجح تكون مختصة بمن يحسن الخط ولا يحضره الرقاع للاستخارة مع قدرته في وقت آخر على كتابة رقاع الاستخارة.
    الوجه الأخر : لعل الأخبار الواردة بالاستخارات بالخاطر والدعوات تكون لمن لا يحسن كتابة الرقاع ولا يكون عنده من يكتب له رقاع الاستخارات.
    الوجه الأخر : لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والاستخارة بالدعوات تكون لمن لا يحسن الخطّ أيضاً ، ويجد من يكتب له ، ولا يؤثر تكليف أحد كتابة رقاع الاستخارات.
    الوجه الأخر : لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والاستخارة بالدعوات لمن يكون أعمى لا يقدر على قراءة رقاع الاستخارات ولا على من يقرؤها له في بعض الأوقات.
    الوجه الاخر : لعل أخبار الاستخارة بالخاطر والدعاء لمن يكون مستعجلا لبعض الضرورات ، فلا يسع وقته كتابة رقاع الاستخارات ، وتكون استخارةً من المهمات.
    الوجه الآخر : لعل أخبار الاستخارة بالخاطر والدعوات لمن يضيق وقته مع وجود الرقاع المكتوبات عن طول سجدة الاستخارات. وتكون استخارته تحتاج الى مائة مرة ومرة أو مائة مرة كما سوف نذكره في الروايات.


(216)
    الوجه الأخر : لعلّ أخبار الاستخارة بالخاطر والدعوات لمن يكون عنده مرض يمنعه من طول السجود للاستخارة وعدد مائة مرة في سجوده ، وتكون استخارته تحتاج الى ذلك.
    الوجه الأخر : لعلّ أخبار الاستخارة بالدعاء والخاطر والدعاء فحسب لمن يضيق وقته من اعتبار الرقاع الست المكتوبات للاستخارة ، وإنْ كان يسع وقته لطول سجدة الاستخارة ، ويكون أيضاً معافىً من الأمراض المانعة من طول السجدات ، وتكون استخارته تحتاج الى أن تكون مائة مرة ، فلا يقدر على ذلك الأوقات ، فيعمل بالدعاء والخاطر والدعوات ، فإنها أخفّ وأسرع لأصحاب الأعذار والضرورات.
     أقول : وإنّما ذكرنا وجوه هذه الاحتمالات ليكون ذكرها كاشفاً لأعذار أصحاب هذه الصفات ، وليست من البديهيات التي لا تحتاج الى كشف وتنبيه لأصحاب الاستخارات ، وهذه الوجوه التي ذكرناها منبّهة (1) على غيرها من وجوه كثيرة في التأويلات.
    وأمّا ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع الستّ على العمل برقعتين بعد صلاة ركعتين ، فالجواب عنه من وجوه :
    الوجه الأول : إنّ الرقعتين اللّتين في واحدة ( لا ) وفي واحدة ( نعم ) ، لا يفهم منها التخيير إذا كان الفعل عند الله جلّ جلاله مثل الترك على السواء ، ولعلّك تقول : فاستخير في الترك ، فإذا جاءت ( نعم ) علمت أنّ الفعل مثل الترك. فأقول : إنّك إذا استخرت في الفعل وجاءت ( نعم ) برقعة واحدة ، واستخرت في الترك وجاءت ( لا ) (2) برقعة واحدة ، يمكن أن يكون أحدهما أرجح من الاخر ، ويكون الفعل والترك خيرة ، فلا تدري أيّهما أرجح
1 ـ في « د » : مبنبة.
2 ـ في « ش » : نعم.


(217)
لتعتمد عليه ، وأنت ما تستخير برقعتين إلا في أنّ الفعل هل هو منهي عنه أم لا ، وغير خيرة أم لا ، أو هل هو مأمور به وأنّه خيرة ، وما تستخير بقلبك في معنى (1) فعله وتركه خيرة ، إلا أنّ أحدهما أرجح ، فكيف ينفهم هذا لك برقعتين في أحدهما ( لا ) وفي الأخرى ( نعم ) وهذا ينفهم بالستّ الرقاع كما سيأتي ذكره.
    الوجه الأخر : إنّ الذي يستخير برقعتين لا ينفهم له منهما ترجيح أحدهما على الآخر إذا كان الفعل مثل الترك في الخيرة ، ولكن أحدهما أرجح ، ولو استخار في الترك وجاءت في الترك ( نعم ) كما قدمناه ، وهذا الوجه غير ذلك الوجه لأنّ ذلك لا ينفهم له تساوي الترك والفعل ، ويكونان معاً خيرة ، وهذا لا ينفهم له منه ترجيح أحد الطرفين ويكونان معاً خيرة.
    الوجه الأخر : إنّ الذي يعمل في الاستخارة على رقعتين لا يدري ما بين يديه من تفصيل مواضع صفاء ما استخار فيه ، ولا تفصيل مواضع إكداره ، وهذا يعرفه إذا استخار بالرقاع الست كما نكشف إن شاء الله تعالى عن أسراره.
    الوجه الأخر : إنّ روايات الاستخارة بالرقاع الست طرقها معروفات مسندات ، وما وجدنا الى الآن في الاستخارة برقعتين في بندقتين بعد صلاة ركعتين إلا رواية واحدة مرسلة ، ضعيفة عند أهل الروايات ، وأما الرواية بصلاة ركعتين برقعتين في غير بندقتين من طين ، فما وجدنا بها إلا رواية شاذة بغير إسناد أصلاً ، ضعيفة عند أهل الروايات.
    وباعتبار ذلك الوجه وغيرها من المترجّحات ينكشف رجحان الاستخارة بالرقاع الست على ، الاستخارة ببنادق الطين والماء ، وعلى المساهمة ، وعلى
1 ـ في « د » و « ش » : شيء.

(218)
الاستخارة بالقرعة ، وغيرها من أمثال هذه الروايات التي نذكرها في أبوابها كما يتفضل الله جلّ جلاله من العنايات.
    وأما تفصيل فوائد الاستخارة بالست الرقاع زيادة على ما قدمناه كما فتحه الله جل جلاله علينا ، وعرفناه يقيناً ووجدناه ، فإنني أستخير الله جل جلاله كما قدمت الرواية بذلك على التفصيل مع روايات عرفتها من كتب أصول أصحابنا المتضمنة للأخبار والأسرار ، ما أذكرها لأجل التطويل ، ولأجل عذر جميل ، فاستخير الله في فعل شيء فتخرج الاستخارة ( إفعل ) مثلاً في ثلاث متواليات ، فاستخير الله في ترك ذلك الفعل ، لجواز أن يكون الفعل مثل الترك ، فإنْ جاءت الاستخارة في الترك في ثلاث متواليات ، عَلمتُ أن الترك مثل الفعل ، فكنتُ مخيّراً تخييراً لا ترجيح لأحدهما على الآخرفي الفعل
    وهذا عَلِمْتُه وعَلمْتُه (1) بظاهر رواية الاستخارة (2) ، لأنّني وجدت إذا كانت الاستخارة في ثلاث ( إفعل ) فيبقى الترك لا أدري هل أنا ممنوع منه ومخيّر فيه على السواء ، أو مخير فيه ، ولكن الفعل أرجح ، فلّما وجدت الحال مشتبهاً ، وجدت الروايات تتضمن كشف الحال بالاستخارات ، ووجدت روايات الاستخارات بالرقاع أيضاً تتضمّن ( إذا أراد (3) أمراً فاستخر فيه ) فدخل استخارتي في الترك تحت عموم أخبار الاستخارة عند الاشتباه في المصلحة ، وتحت عموم الأخبار إذا أردت أمراً ، وهذا الأمر كذا ، أردته (4) فاستخرت في الّترك كما ترى بمقتضى أخبار الاستخارات.
    الوجه الاخر : إنّني أستخير الله جل جلاله فتخرج الاستخارة مثلاً
1 ـ في « د » : وعملته.
2 ـ في « د » : روايات الاستخارات.
3 ـ كذا في النسخ ، ولعل الصواب : أردت.
4 ـ في « د » و « م » : أمرته.


(219)
في ثلاث متواليات ( إفعل ) لكنها في الترك ، وتكون الاستخارة ( إفعل ) ولكنها في خمس رقاع أو في أربع ، فاعلمُ أنّ الفعل أرجح من الترك ، وإن كان الجميع خيرة.
    الوجه الآخر : إنني أستخير الله فتخرج الاستخارة ( إفعل ) في خمس أو في أربع ، ثم أستخير الله في الترك فتكون الاستخارة ( لا تفعل )
فأعلمُ أن الفعل خيرة ـ ولكن فيه كدر بحسب موضع (1) الرقاع التي في خمس أوأربع التي فيها ( لا تفعل ).
    ومثال ذلك : إنني أستخير الله جل جلاله فتخرج الأولة من الرقاع ( إفعل ) والثانية والثالثة ( لا تفعل ) والرابعة والخامسة ( إفعل ) فاستخير الله في الترك فتجيء ( لا تفعل ) فأعلم أنَّني إنْ (2) أترك لقيني خطرٌ وضرر ، وأعلمُ أنّ أول الفعل صفو ، ثم بعده كدر بقدر الرقعتين اللتين خرجتا ، ثم بعده صفو وخير (3).
    مثال اخر : إنّني أستخير الله جلّ جلاله فتخرج الأولة ( لا تفعل ) والثانية والثالثة ( إفعل ) والرابعة ( لا تفعل ) والخامسة ( إفعل ) فاستخير في ترك الفعل ، فتأتي الاستخارة لا تترك ، فاعلم أنّ أول الفعل كدر بقدر الرقعة التي جاءت (4) ( لا تفعل ) وبعده صفو بقدر الرقعتين اللتين فيهما ( إفعل ) وبعدها كدر بقدر الرقعة التي جاءت ( لا تفعل ) وآخر الفعل صفو وخيرة بقدر
1 ـ في « د » : مواضع.
2 ـ في « ش » و « م » : زيادة : لم.
3 ـ في « م » زيادة : « مثال آخر : إنني أستخير الله فتخرج الأولة لا تفعل ، والثانية والثالثة إفعل ، والرابعة والخامسة إفعل ، فاستخير في الترك فتجيء لا تفعل ، فاعلم أنني إن لم اترك لقيني اخطر وضرر ، واعلم أن أول الفعل صفوثم بعده كدر بقدر الرقعتين اللتين خرجتا ثم بعده صفووخير ».
ولا يخفى اضطراب العبارة.
4 ـ في « د » و « ش » : خرجت.


(220)
الرقعة التي جاءت في الأخير ( إفعل ) ، وبالجملة فإنّ ترتيب الكدر في الفعل الذي يستخير فيه أو الترك بحسب مواضع رقاع ( لا تفعل ) والصفو بحسب مواضع رقاع ( إفعل ).
    أقول : وما يحتاج الى زيادة ضرب الأمثال ، فإنّ الاستخارة بالرقاعِ الست من أبواب العلم بالغائبات ، فاعتبر ذلك كما قلناه ، وقد وجدته محقّقاَ بغير إشكال ، ولو كان حديث الاستخارات (1) على الظنون الضعيفة ، ما كان قد بلغ النبي والأئمة صلوات الله عليه وعليهم الى ما بلغوا إليه من التهديد والوعيد على تركها بالفاظهم الشريفة ، ولا كان قد بالغوا في تكثير الروايات ، ولا كانوا يعتمدونها في أنفسهم ، ويستفتحون بها أبواب الغائبات ، ويعولون عليها عند المهمّات ، ولقد عرفنا فيها من الفوائد والعجائب ما لمِ نذكره أولاً ، ولا نذكره أيضاً فيما بعد ، وما زال (2) الله على عباده متفضلا ، ولو ذكرت آيات ما عرفته بالاستخارات من سلامتي من المخوفات وظفري بالسعادات ، احتاج ذلك الى مجلّدات.
    أقول : ولعلّك تجد من يقول لك : إذا استخرت وجاءت الاستخارة ( إفعل ) فإنّك تخير بين الترك والفعل.
    واعلم أنّ الحكم بأنك تخير قبل الاعتبار بالاستخارة في الترك قول لا ينبغي أن يحكم به ، لأنّه يجوز أن يكون الترك ممنوعاً من العمل به فيصير الفعل لازماً ، أو يكون الترك مرجوحاً فيكون الفعل راجحاً ، وإنّما إذا اعتبرت ذلك كما كنّا قدمناه بالاستخارة في ترك الفعل الذي جاءت الاستخارة فيه ( إفعل ) ، علمت عند ذلك هل أنت مخيّر في الفعل أومنهي عن ترك الفعل أو أحدهما أرجح.
1 ـ في « م » : الاستخارة.
2 ـ في « ش » و « م » : وما آل.


(221)
    أقول : ولما رأيت أخباراً كثيرة تضمّنت تخييرالإنسان فيما يقرؤه بعد الحمد في ركعتي الاستخارات هداني اللهّ جل جلاله الى أن تكون قراءتي في الركعتين كصلاة ركعتي الغفلة بين العشاءين ، فإني وجدت المستشير لله جلّ جلاله كأنه في ظلمات في رأيه وتدبيره فيما يشاور الله جل جلاله فيه بالأستخارت ، فقرأت بعد الحمد في الركعة الأولى : َ ( وأذا النونِ إذ َذهَبَ مُغَاضِباً فَظَن اَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادى في الظُلُمَات اَنْ لا إِلهَ إِلآ أَنْتَ سُبحَإنَكَ إني كُنْتُ مِنَ اَلظالمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ونَجيْنَاهُ مِنَ الْغَم وَكَذلِكَ نُنجِي الْمؤْمِنينَ ) (1) أقول عند قوله جل جلاله : ( وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنينَ ) ما معناه : يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أنا في ظلمات فيما أستشيرك فيه ، فنجني كما وعدت ، إنك تنجي المؤمنين ، واكشف لي ذلك برحمتك على اليقين.
    ثم أقرأ في الثانية بعد ألحمد : ( وَعنْدَهُ مَفَاتِحُ الغيب لا يَعْلَمُهَا إلآ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فَي البَر وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ فِيْ وَرَقَة إلا يَعْلَمُهَا ولا حبةٍ فيِ ظُلُمات الأرْضِ وَ لاَ رَطْبٍ ولا يابس إلأ فيِ كِتَابٍ مُبِينٍ ). (2)
    ثمّ أقنت بعد هذه الاية وأقول : اللهم إني أسالك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت ثم أدعوأن يفتح الله لي عن هذا الغيب الذي أستشير (3) فيه بما يكشف لي عن أسراره ودفع مضارّه ، وحقيقة الخير فيه ، بالفاظ ما أوثر ذكرها الان ، فيدعو كل إنسان بما يفتح عليه صاحب الرحمة والإحسان جل جلاله وتقدس كماله.
1 ـ الانبياء 21 : 87 ، 88.
2 ـ الأنعام 6 : 59.
3 ـ في « د » : أستخير.


(222)
    وممّا وجدت من فوائد الاستخارات : أنني كنت إِذا حصل ميقات زيارات أجد قلبي ونفسي تنازع الى الزيارة ، لأجل ورود الأخبار بثواب ذلك الميقات ، وإلا فلأيّ حال ما توجهت الى الزيارة قبل تلك الأوقات ، فاخاف أن يكون عملي لمجرد الثواب والزيارة ، ولا يكون خالصاً لوجه الله جل جلاله ، ولا لأنني أعبده لأنه جل جلاله أهل للعبادة على التحقيق ، والذي وصل إليه معرفتي أنّه لا تصح العبادة على التحقيق واليقين إلا إذا كانت العبادة لله جلَ جلاله خالصةً لأنه أهل للعبادة ، من غير التفات الى ثواب عاجل ولا اجل (1) ، فهو جل جلاله أهل لذلك وما يحتاج العبد معه الى رشوةٍ في العبادة إنْ كان من العارفين ، وقد كشفت ذلك كشفاً واضحاً في كتاب تتمات مصباح المتهجد ومهمات في صلاح المتعبد ، فكنت أعالج نفسي وقلبي على أنها (2) عند التوجه الى الزيارات ، أو عند غيرها من المندوبات التي تصح فيها الاستخارات ـ أن لا يكون الباعث لها فوائد الثواب في الزيارات فلا تُسارع الى (3) القبول مني وأجد مشقة في إخلاص ذلك ، ووقوعه على وجه يرضى به الله جل جلاله عني ، فوجدت بالاستخارات في الزيارات وغيرها مما استخرت فيه سلامة عظيمة من هذه الأفات ، وذلك أنني عند وقت الميقات لا أعلم مصلحتي أنني أُقيم عند عيالي ، ومن يكون مقيماً في البلد من إخواني لمصلحتهم ، وأنني أكون أكثر تفرغاً وأمكن من الخلوة بالزيارة من داري ، أو تكون المصلحة في الزيارة ومفارقة عيالي ، ولقاء من يكون هناك من إخواني ، وأن تكون الزيارة مع الجماعات أرجح من الزيارة في الدار مع الخلوات. ولأنني لا أدري ما يتجدد علي في السفر من الحادثات والعوائق والشواغل عن العبادات ، وكذلك ما أدري ما يتجدد علَي
1 ـ في « د » : أوآجل.
2 ـ في « د » : أنهما.
3 ـ في « د » : في.


(223)
إن أقَمْت من العوائق والحوائل التي ليست محسوبات (1) ، فهذا ما لا أعلمه إلا من جانب العالم بالعواقب والخفيات ، فإذا شرعت في الاستخارة في الزيارة ما يبقى ذلك الوقت عندي إلتفات الى ثواب ماورد في الروايات ، وإنما يبقى خاطري متعلّقاً بما يتقدّم به الله جلّ جلاله الأن في الاستخارات ، فإذا جاءت الاستخارة ( إفعل ) امتثلت ذلك الأمر المقدس ، وعبدته بالامتثال لأنه جل جلاله أهل لهذه الحال.
    ومما وجدت من طرائف الاستخارات : أنّني طلبني بعض أبناء الدنيا وأنا بالجانب الغربي من بغداد ، فبقيت اثنين وعشرين يوماً أستخيرالله جلّ جلاله كل يوم في أنْ ألقاه في ذلك اليوم ، فتأتي الاستخارة ( لا تفعل ) في أربعٍ رقاع ، أو في ثلاث متواليات ، وما اختلفت في المنع مدة اثنين وعشرين يوماً ، وظهرليِ حقيقة سعادتي بتلك الاستخارات ، فهل هذا من غير عالم الخفيات ؟
    ومما وجدت من عجائب الاستخارات : أنني أذكر أنني وصلت الحلة في بعض الأوقات التي كنت مقيماً بدار السلام ، فاشار بعض الأقوام بلقاء بعض أبناء الدنيا (2) من ولاة البلاد الحلية ، فاقمت بالحلة لشغل كان لي شهراً ، فكنت كلّ يوم أستصلحهُ للقائه أستخير الله جل جلاله أول النهار وآخره في لقائه في ذلك الوقت ، فتأتي الاستخارة ( لا تفعل ) ، فتكملت نحو خمسين استخارة في مدة إقامتي (3) ( لا تفعل ) : فهل يبقى مع هذا عندي [ ريب ] (4) ـ لو كنت لا أعلم حال الاستخارة ـ أن هذا صادر عن الله جل جلاله العالم بمصلحتي ، هذا مع ما ظهر بذلك من سعادتي ؟ وهل يقبل
1 ـ في « د » و « ش » : محسوسات.
2 ـ في « م » : الزمان.
3 ـ في البحار زيادة : كلها.
4 ـ ما بين المعقوفين من البحار.


(224)
العقل أن الإنسان يستخير خمسين استخارة تطلع (1) كلها اتفاقاً ( لا تفعل ) ؟
    وممّا وجدت من عجائب الاستخارت : أنّني قد بلغت من العمر نحو ثلاث وخمسين سنة ، ولم أزل أستخير مذ عرفت حقيقة الاستخارات ، وما وقع أبداً فيها خلل ، ولا ما أكره ، ولا ما يخالف السعادات والعنايات ، فانا فيها كما قال بعضهم :
قلـــــتُ للعاذل لمّا جاءني أيـــها الناصحَ لي في زعمهِ فــــالذي أنتَ لهُ مسـتقبح وإذا نـــحن تبــــاينَّا كذا من طريق النصح يبدي ويعيـد لا تــزد نصحاً لمن ليس يريد ما على استحسانه عنـدي مزيـد فاستماع العذل (2) شيء لا يفيد (3)
    يقول علي بن موسى بن جعفربن محمد بن ، محمد بن طاووس : وأنا أضرب لك مثلا تعرف به فضل مشاورة الله جل جلاله زيادة على ما قدّمناه أولاً ، أما تعلم من نفسك أنّك لو بنى لك البنّاء داراً وفرغ منها ، فرأيت فيها خللاً وشعثاً في بعض بنائها ، أما كنت تطلب البنّاء العارف بها وتسأله عن ذلك ، وكذلك لو أردت أن تحفر في بعض جهاتها بئراً ، وتعمل على (4) بعض سطوحها (5) غرفة ، أما كنت تستعلم من البنّاء العارف بها في أي المواضع أقوى لعمل الغرفة ، ونحو هذا من مصالح الدار ، وأنت تعرف أنّ الله جل جلاله بنى لك دار الدنيا العظيمة ، وهو العالم باسرارها المستقيمة
1 ـ في « د » : تظاهر
2 ـ العذلُ : الملامة ، وقد عَذَلتُهُ. والأسم العَذَلُ بالتحريك ، يقال عذلت فلاناً فاعتذل ، أي لام نفسه وأعتب. « الصحاح ـ عذل ـ 5 : 1762 »
3 ـ أورد المجلسي في بحار الأنوار 91 : 232/7
4 ـ في « م » : في ( 5 ) في « م » : غرفها


(225)
والسقيمة ، فكما تستعلم مصالح دارك اليسيرة [ من ] (1) البنّاء ، فاستعلم مصالح دارك الكبيرة من الله عزّوجل العالم بجميع الأشياء.
    مثال آخر : أما تعلم أنك لو اشتريت عبداً من سيّد ، قد كان العبد عند ذلك السيّد عشر سنين أو نحو هذا المقدار ، ثمّ مرض العبد عندك تلك الليلة ، فإنّك تنفذ (2) الى سيّده الأول وتساله عن ذلك المرض ، وتقول : هو أعرف ، لأنّ العبد أقام عنده أكثر منّي ، أفما تعرف أن اللهّ جل جلاله قد خلقك قبل النطفة تراباً ، ثم أودعك بطوناً بعد أن أودعك أصلاباً ، ثمّ نطفة ، ثم عَلَقَة (3) ، ثم مُضْغَةَ (4) ، ثم عظاماً ثم كسا العظام لحماً ، ثم جنيناً ، ثمّ رضيعاً ، ثمّ طفلاً ، ثمّ ناشئاً ، فما لك لا تستشيره ؟! وتستعلم منه جواباً لا يكون أبداً إلا صواباً ، ولأيِّ حال إذا تجدد عندك ما يحتاج أن تستعلمه منه جلّ جلاله لا يكون عندك سبحانه مثل سيد ذلك العبد الذي استعلمت منه مصلحته ؟! فاجعل اللهّ ـ جل جلاله إنْ كنت لا تعرف جلاله ـ كسيد ذلك العبد المذكور ، واستعلم منه ما تحتاج الى معرفته من مصالح الأمور.
    مثال آخر : أما تعرف أنك لو أردت سفراً في الشتاء ، وسفراً في الصيف ، أو في الربيع وطيب الهواء ، وما تعلم في تلك الحال ما غلب على باطنِ مزاجك من الحرارة والبرودة ، أو (5) الرطوبة ، أو (6) اليبوسة ، فهل تجد أحداً من الخلائق يعلم في تلك الحال ما غلب على باطن مزاجك ؟ ويعرفه
1 ـ ما ببن المعقوفين أثبتناه ليستقيم السياق.
2 ـ في « د » : تجيء.
3 ـ العلَقة : هي القطعة الجامدة من الدم بعد أن كانت منياً ، وبعد أربعين يوماً تصير مضغة ، وجمعها علق « مجمع البحرين ـ علق ـ 5 : 216 ».
4 ـ المضغَة بالضم : قطعة لحم حمراء فيها عروق خضرمشتبكة ، سُميت بذلك لأنها بقدرما يُمْضَغُ « مجمع البحرين ـ مضغ ـ 5 : 16 ».
5 و 6 ـ في « د » : و.
فـتـح الابــواب ::: فهرس