فـتـح الابــواب ::: 196 ـ 210
(196)
تفويضي إليك أمري ، برحمتك التي وسعت كلّ شيء ، اللهَم أوقع خيرتك في قلبي وافتح قلبي للزومها ، يا كريم ، آمين ربّ العالمين ، فإنه إذا قال ذلك اخترت له منافعهُ في العاجل والاجل » (1).
    ومن ذلك ما نرويه عن مولانا عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) في الدعاء للاستخارة.
    أخبرني شيخي الفقيه العالم محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني بإسنادهما الذي قدّمناه إلى جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ فيما ذكرناه ، رواه عن جماعةٍ ، عن الشيخ أبي هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثني أبومحمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفربن عبيدالله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب (2) ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، قال : حدّثني محمد بن المظفر أبو العباس الكاتب (3) ، عن أبيه [ عن ] (4) محمد بن سلمان (5) المصري ، عن
1 ـ رواه الراوندي في أدعية السر : 1 ، 28 ، والكفعمي في البلد الأمين : 504 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار : 91 : 267/ 21 ، و 95 : 325 ، ونقل قطعة منه الشيخ النوري في مستدرك الوسائل 1 : 449 / 8.
2 ـ أبو محمد الحسن بن محمد الأكبر بن يحيى النسابة بن الحسن بن جعفربن عبيدالله الأعرج بن الحسين الأصغر بن السجاد ( عليه السلام ) ، وهو المعروف بابن أخي طاهر ، وأبي محمد الديداني ، لأن عمه طاهر بن يحيى النسابة ، من مشايخ الصدوق والمفيد ، وروى عنه جماعة منهم ابن زرقويه وأبوعلي بن شاذان ، توفي في سنة 358 هـ و دفن في منزله بسوق العطش.
    « ميزان الاعتدال 1 : 521/ 943 ، نوابغ الرواة : 101 ».
3 ـ كذا في النسخ ، وذكر النجاشي والطوسي في ترجمة المتوكل بن عمير : ( محمد بن مطهر ) ، وعنونه تبعاً لهما الشيخ الطهراني في نوابغ الرواة وقال : والظاهر اتحاد صاحب الترجمة مع محمد بن أحمد بن مسلم المطهري.
أنظر « رجال النجاشي : 426/ 1144 ، الفهرست : 262/ 579 ، نوابغ الرواة : 307 ».
4 ـ أثبتناه من البحار.
5 ـ في « د » : سلقان ، وفي البحار ، شلقان ، وفي نوابغ الرواة : 307 : شلمغان.


(197)
علي بن النعمان الأعلم ، عن عمير بن المتوكل بن هارون البلخي ، عن أبيه (1) ، عن يحيى بن زيد ، وعن مولانا جعفر بن محمد الصادق ( عليهم السلام ) فيما روياه من أدعية الصحيفة عن مولانا زين العابدين ( عليه السلام ) من نسخةٍ تاريخ كتابتها سنة خمس عشرة وأربعمائة ، قال : وكان من دعائه ( عليه السلام ) في الاستخارة :
    « اللّهم إنّي أستخيرك بعلمك ، فصلِّ على محمّد وآل محمّد (2) ، واقضِِ لي بالخيرة ، وألهمنا معرفة الاختيار ، واجْعَل ذلك ذريعة إلى الرضا بما قَضيْتَ لنا ، والتسليم لما حَكَمْتَ ، فأزح عنّا رَيْبَ الارتياب (3) ، وأيّدنا بيقين المخلصين ، ولا تَسُمْنَا (4) عجز المعرفة عما تخيّرت ، فنغمِط (5) قدرك ، ونكره موضع (6) قضائك ، ونجْنَحَ (7) إلى التي هي أبعد من حسن العاقبة ، وأقرب إلى ضدّ العافية ، حَبّبْ إلينا ما نكره من قضائك ، وسَهلْ علينا ما نستصعب من حُكْمِكَ ، وَألهمنا الانقياد لما أوردت علينا من مشيئتك ، حتّى لا نُحبَّ تأخير ما عجلت ، ولاتعجيل ما أخّرت ولا نكرهُ ما أحببتَ ولا نتخيّر ما كرهتَ ، واختم لنا بالتي هي أحسن ، وأحمدُ عاقبةً ،
1 ـ قال النجاشي : « متوكل بن عُميربن المتوكل ، روى عن يحيى بن زيد دعاء الصحيفة » وقال الشيخ الطهراني معقباً : ولكن المذكور في السند المتداول للصحيفة المتوكل بن هارون.
    أنظر « رجال النجاشي : 428/ 1144 ، نوابغ الرواة : 307 ».
2 ـ في المصدر ، وفي نسخة من « م » : وآله.
3 ـ في « ش » : ريب أهل الارتياب.
4 ـ قال العلامة المجلسي في البحار 91 : 270 ، مبيّناً : « ولا تسمنا » بضم السين أي لا تورد علينا ، وفي بعض النسخ بالكسر ، قال الكفعمي رحمه الله [ في المصباح : 395 ] : أي لاتجعله سِمَة وعلامة لنا ، والأولى أن يقال : إنه برفع السين أي لا تولنا أي تجعلنا ضعفاء المعرفة ، ومنه قوله تعالى : ( يسومونكم سوء العذاب ) أي يولونكم.
5 ـ غَمِطَ النعمة بالكسر : اي احتقرها ولم يشكرها.أنظر « الصحاح ـغمط ـ 3 : 1147 ».
6 ـ في « د » و « ض » : مواضع.
7 ـ أي نميل.


(198)
وأكرم مصيراً ، إنّك تفيد الكريمة ، وتعطي الجسيمة (1) ، وتفعل ما تريد وأنت على كلّ شيء قدير" (1).

    ذكر الشيخ محمد بن علي بن محمد في كتاب له في العمل ما هذا لفظه : دعاء الاستخارة عن الصّادق ( عليه السلام ) ، تقوله بعد فراغك من صلاة الاستخارة ، تقول :
    « اللهمّ إنّك خلقت أقواماً يلجؤون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم ، وتصرّفهم وعقدهم [ وحَلّهم ] (4) ، وخلقتني أبرأ إليك مِن اللّجاءِ إليها ، ومِن طلب الاختيارات بها ، وايقن أنك لم تُطْلِعْ أحداً على غيبك في مواقعها (5) ، ولم تُسهّلْ له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها (6) ، وأنّك قادرٌ على نقلها في مداراتها في مسيرها عن السعود العامَة والخاصّة إلى النحوس (7) ،
1 ـ قال الكفعمي في هامش ص 396 من المصباح : الكريمة : « كل شي ، يكرم ، وكرائم المال خيارها ، والجسيمة : العظيمة ، جسم الشيء أي عظم » ، وفي « ش » والبحار : وتعطي الحسنة.
2 ـ الصحيفة السجادية : 182 ، دعاؤه في الاستخارة ، وأورده الكفعمي في مصباحه : 394 ، والبلد الأمين : 162 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 269/ 22.
3 ـ في « م » : وأما.
4 ـ أثبتناه من البحار.
5 ـ الضمير فيه وفيما بعده راجع إلى النجوم ، أي لم تطلع أحداً على ما هو مغيب من حواس الخلق من أحوالها المتعلقة بها في مواقعها ومنازلها وأوضاعها.
6 ـ أي إلى ان يحصّل فعلاً من أفعالها بالنسبة إليه ، وهذا لا يدل أن لها تأثيراً ، اذ يمكن أن يكون النفي باعتبار عدم قدرتها وتأثيرها ، لكن يدل ما بعده على أنه جعل الله فيها سعادة ونحوسة ، لكنها تتبدّلان بالدعاء والصدقات والحسنات والسيئات ، وبالتوكل على مالك الشرور والخيرات.
7 ـ « السعود العامة » ما يعم جميع الناس ، والخاصة ما يخص شخصاً أو صنفاً ، وكذا النحوس الشاملة والمفردة.


(199)
ومن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود ، لأنّك تمحوما تشاء وتَثبت وعندك أمُّ الكتاب (1) ، ولأنّها خلق من خلقك ، وصنعةٌ من صنعتك (2) ، وما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله ، واستمدّ الاختيار لنفسه ، وهم أولئك ، ولا أشقيت من اعتمد على الخالق الذي أنتَ هو لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك.وأسألك (3) بما تملكه وتقدر عليه وأنت به مَليُّ (4) وعنه غني وإليه غير محتاج وبه غير مكترث ، من الخيرة الجامعة للسلامة والعافية والغنيمة لعبدك من حدث (5) الدنيا التي إليك فيها ضرورته لمعاشه ، ومن خيرات الاخرة التي عليك فيها معوّله ، وأنا هوعبدك.
     اللهم فتَولَ يا مولاي اختيار خير الأوقات لحركتي وسكوني ، ونقضي وإبرامي ، وسيري وحلولي ، وعقدي وحلّي ، واشدُدْ بتوفيقك عزمي ، وسدّد فيه رأيي ، واقذفه في فؤادي ، حتى لا يتأخّر ولا يتقدم وقته عني ، وأبرم من قدرتك كلّ نحس يعرض بحاجز حتم من قضائك يحول بيني وبينه ، ويباعده منّي ويباعدني منه في ديني ونفسي ومالي وولدي وإخواني ، وأعذني (6) من
1 ـ إقتباس من قوله تعالى في سورة الرعد 13 : 39 : يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
2 ـ في البحار : صنيعك.
3 ـ الظاهر « سالك » لا « أسالك ».
4 ـ المليءُ بالهمز : الثقة الغني ، وقد مَلُؤ ، فهو مليء بين الملاء والملاءة بالمد.وقد أولع الناس فيه بترك الهمزرتشديد الياء. « النهاية ـ ملأ ـ 4 : 352 ».
5 ـ متعلق بالسلامة والعافية ، ويمكن تعلقه بالغنيمة أيضاً بتضمين ، فقوله ( عليه السلام ) : « من خيرات » معطوف على قوله : « من الخيرة » ، ويحتملل تعلق « من حدث » بالغنيمة فقط ، والمراد به الخيرات ، وإنما عبر كذلك لأنها في جنب خيرات الأخرة كانها ليست بخيرات ، ولا يبعد أن يكون تصحيف « من خيرات » ، وعلى هذا قوله « من خيرات الاخرة » معطوف على قوله « من خيرات الدنيا ».
6 ـ في البحار : واعذني به ، أي بالحاجز أو بحتم القضاء.


(200)
الأولاد (1) والأموال والبهائم والأعراض (2) ، وما أحضره وما أغيب عنه ، وما استصحبه وما أخلفه ، وحصِّنّي من كلّ ذلك بعياذك من الأفات والعاهات والبليات ، ومن التّغيير والتبديل ، والنقمات والمثلات ، ومن كلمتك الحالقة (3) ، ومن جميع المخوفات (4) ، ومن سوء القضاء ، ومن درك الشقاء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن الخطأ والزلل في قولي وفعلي ، ومَلّكني الصواب فيهما (5) ، ( بلا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ) (6) ، بلا حول ولا قوّة إلا بالله حرزي وعسكري ، بلا حول ولا قوّة إلا بالله سلطاني ومقدرتي ، بلا حول ولا قوّة إلا بالله عزي ومنعتي.
    اللهمّ أنت العالم بجوائل فكري ، وحوابس (7) صدري ، وما يترجّح في الإقدام عليه والإحجام عنه مكنون ضميري وسري ، وأنا فيه بين حالين : خير أرجوه وشرّ أتقيه ، وسهو يحيط بي ودين أحوطه ، فإنْ أصابتني الخيرة التي أنت خالقها (8) لتهبها لي لا حاجة بك إليها بل بجود منك علي بها غنمت وسلمتَ ، وإنْ أخطأتني خسرت وعطبت.
1 ـ أي من بلية الاولاد ، أو « من » بمعنى « في » كما قيل في قوله تعالى : ( ماذا خلقوا من الأرض ) وقوله سبحانه ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) ، أو للتعليل.
2 ـ العَرَض بالتحريك : متاع الدنيا وحطامها « النهاية ـ عرض ـ 3 : 214 ».
3 ـ اي حكمك بالعقوبة المستأصلة ، قال ابن الأثير : الحالِقة : الخصلة التي من شأنها أن تحلق : أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسىَ الشعر. « النهاية ـ حلق ـ 1 : 428 ».
4 ـ في « د » والبحار : المخلوقات.
5 ـ أي في قولي وفعلي.
6 ـ تكررت العبارة في « ش » ثلاث مرات ، وفي البحار : بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، بلا حول ولا قوة الأ بالله الحليم الكريم ، بلا حول ولا قوة الا بالله العزيز العظيم.
7 ـ في البحار : وجوائس ، وقال المجلسي : أي ما يتخلل في صدري من الوساوس والخيالات ، أوما يتردد من ظنون صدري في المخلوقات ، قال الجوهري : الجوس مصدر قولك : جاسوا خلال الديار أي تخللوها فطلبوا ما فيها كما يجوس الرجل الأخبار أي يطلبها وكذلك الاجتياس.
8 ـ أي مقدرها.


(201)
اللهم فارشدني منه (1) إلى مرضاتك وطاعتك ، وأسعدني فيه بتوفيقك وعصمتك ، واقض بالخير والعافية والسلامة التامة الشاملة الدائمة لي فيه حتم أقضيتك (2) ، ونافذ عزمك ومشيئتك ، وإنني أبرأ إليك من العلم بالأوفق من مباديه وعواقبه ، ومفاتحه وخواتمه ، ومسالمه ومعاطبه ، ومن القدرة عليه ، وأقرّ أنه لا عالم ولا قادر على سداده سواك ، فانا أستهديك وأستفتيك وأستقضيك وأستكفيك وأدعوك وأرجوك ، وما تاه من استهداك ، ولا ضلّ من استفتاك ، ولا دُهي من استكفاك ، ولا حال (3) من دعاك ، ولا أخفق من رجاك ، فكِن لي عند أحسن ظنوني ، وآمالي فيك ، يا ذا الجلال والإكرام ، إنك على كلّ شيءٍ قدير.
     استنهضت (4) لمهمّي هذا ولكلّ مهمّ ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وتقرأ (5) : ( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ ألْعَالَمِينَ * ألرَّحْمَنِ ألرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْم ألدِّينِ * إياكَ نَعْبُدُ وإياكَ نَسْتَعِينُ * أهْدِنَا ألصِّرَاطَ ألْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ألَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ألْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالّينَ ) (6).
    ( بِسْمِ أللّهِ الرحْمَنِ الرحِيمِ * قُلْ أعُوذُ برب الناس * مَلِكِ النَّاسِ * إله الناس *مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَاسِ * ألْذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ
1 ـ الضمير راجع إلى الأمر الذي أراد الخيرة فيه بقرينة المقام ، أو إلى الخيرة بتأويل مع أنه مصدر ، والأول أظهر.
2 ـ مفعول « اقض » أوقائم مقام المصدرأي قضاءً حتماً.
3 ـ أي لا يتغيْر عن النعمة أو لا يتغيْرلونه خيبة ، وفي بعض النسخ « خاب » وهو أصوب.
4 ـ يقال : استنهضته لامر كذا إذا أمرته بالنهوض له ، وهي هنا كناية عن الاستعانة والتوسل بالسور الكريمة والأسماء العظيمة والايات الجسيمة.
5 ـ في البحار زيادة : وتقول.
6 ـ سورة الفاتحة : 1.


(202)
الناس* من الجنة والناس ) (1).
    ( بِسْمِ أللّهِ الرًحْمَنِ الرحيم *قُلْ اَعُوذُ بِرَبِ الْفَلَق * مِنْ ِشر مَا خلق* ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حَاسِدٍ إذَا حَسَدَ ) (2).
    ( بسم الله الرحمن الرحيم * قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد وَلم يولد * ولم يكن له كفواً أحد ) (3).
    وتقرأ سورة تبارك فتقول : ( تَبَارَكَ الّذي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ على كلل شَيءٍ قَديرٌ ) (4) ثم تتلوها جميعها إلى آخرها (5) ، ثم قلِ : ( وَإذَا قَرَاتَ الْقُرَآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ألَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالاخِرةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وَفي آذَانِهِمْ وَقراً وَإذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ في الْقُرآنِ وَحْدَهُ وَلوْا عَلَى أدْبَارِهِمْ نُفُوراً (6) *أولئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (7) * أفَرَأيْتَ مَنِ أتَّخَذَ اِلهَهُ هَواهُ وَاَضَلَّهُ الله عَلى عِلْمٍ وَخَتَمِ عَلَىِ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ الله افَلا تَذكَّرُون (8) * وَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرِ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَاَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ انّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِم اَكِنَةً اَنْ يَفْقَهُوهُ وَفي آذَانِهِمْ وَقْراً واِنْ تَدعُهُمْ اِلَى الهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا اَذاً اَبداّ (9) * الذينَ قَالَ لَهُمُ
1 ـ سورة الناس : 114.
2 ـ سورة الفلق : 113.
3 ـ سورة الإخلاص : 112.
4 ـ تبارك 67 : 1.
5 ـ في البحار : وتقرأ سورة تبارك الذي ييده الملك إلى آخرها.
6 ـ الإسراء 17 : 45 ، 46.
7 ـ الأعراف 7 : 179.
8 ـ الجاثية 45 : 23.
9 ـ الكهف 18 : 57.


(203)
ألنَّاسُ اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُم فَزَادَهُمْ اِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ أللّهِ وَفضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَأتَّبعُوا رِضْوانَ اللّهِ والله ذُو فَضْلٍ عَظيم (1) * فَاضْرِبْ لَهُمْ طَريقاً في الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى (2) * لا تَخافَا اِنني مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَاَرى ) (3).
    واستنهضت لمهمي هذا ولكلّ مهمّ أسماء الله العظام ، وكلماته التوام.
    وفواتح سور القرآن وخواتيمها ، ومحكماتها وقوارعها (4) وكلّ عوذة تعوّذ بها نبيّ أو صدّيق ، حم شاهت الوجوه وجوه أعدائي فهم لا يبصرون ، وحسبي اللهّ ثقة وعدّة ونعم الوكيل ، والحمد للهّ ربّ العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد واله الطاهرين » (5).
    يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : إعتبروا قول الصادق عليه السلام في أوائل هذا الدعاء : « وما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله ، واستمدّ الاختيار لنفسه وهم أولئك ، ولا أشقيت من اعتمد على الخالق الذي أنت هو » فهل ترى له عليه السلام اعتماداً في كشف وجوه الصواب إلا على ربّ الأرباب دون ذوي الألباب.
    ثمّ اعتبر قوله صلوات الله عليه : « إنّني أبدأ إليك من العلم بالأوفق من مباديه وعواقبه ، ومفاتحة وخواتمه ، ومسالمه ومعاطبه ، ومن القدرة عليه » فهو عليه السلام تبرّأ من العلم بذلك واستمدّ العلم به من الله جل جلاله فيما
1 ـ آل عمران 3 : 173 ، 174.
2 ـ طه 20 : 77.
3 ـ طه 20 : 46.
4 ـ أي التي تقرع القلوب بالفزع أو تقرع الشياطين والكفرة والظلمة وتدفعهم وتهلكم « من بيان البحار ، وكذا ما تقدم من إيضاح لبعض عبارات النص ».
5 ـ نقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 270/ 23 ، والنوري في مستدرك الوسائل 1 : 448/ 7 و 2 : 24/ 5.


(204)
يستخيره بالاستخارة ، فمن ذا بعده يدعي معرفة الأوفق من مباديه وعواقبه ، ومفاتحه وخواتمه ، ومسالمه ومعاطبه ، بغير معرفة ذلك من العالم بالأسرار والخفيّات.
    دعاء يروى عن مولانا الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام ، يرويه عن أبيه موسى بن جعفر الكاظم في الاستخارات ، يرويه عن الصادق عليهم السلام.
    حدّث أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري (1) ، قال : حدّثني أبو القاسم هبة اللهّ بن سلامة المقرىء المفسّر (2) ، قال : أخبرنا أبوإسحاق إبراهيم بن أحمد البزوريّ (3) ، قال : أخبرنا علي بن موسى الرضا ، قال : سمعت أبي موسى بن جعفر ، قال : سمعت أبي جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام يقول : « من دعا بهذا الدعاء لم ير في عاقبة أمره إلا ما
1 ـ هو ابن هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد ، أبو محمد التلعكبري ، المتوفى سنة 385 هـ ، ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن الربيع وترحم عليه ، وذكر روايته عن أبيه أُنظر « معجم رجال الحديث 17 : 318 ».
2 ـ هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي ، أبو القاسم : مقرىء ، مفسر ، نحوي ، ضرير ، كانت له حلقة في جامع المنصور ، من أحفظ الأئمة للتفسير ، له كتب عديدة ، توفي في بغداد. سنة 410 هـ.
انظر « تاريخ بغداد 14 : 70 ، طبقات المفسرين للداودي 2 : 348/ 663 ، تذكرة الحفاظ 3 : 1051 ، معجم الأدباء 19 : 275/ 106 ، بغية الوعاة 2 : 323 ، غاية النهاية 2 : 351 ، معجم المفسرين 2 : 710 »
3 ـ إبراهيم بن أحمد بن ابراهيم بن عبد الله ، أبو اسحاق المقرىء البزوريّ ، كان من أهل القرآن والسير ، حدث عن جماعة وروى عنه كثيرون ، ذكرهم الخطيب في تاريخه ، توفي يوم الخميس لست بقين من ذي الحجة سنة 361 هـ ، مما يدلّ على سقوط راوٍ بعده ، وإلا كيف يروى عن الامام الرضا ( ع ) المتوفى سنة 203 هـ ، إلا إذا قلنا بارسال الحديث ، على أنني بحثت كثيراً متتبعاً مشايخه لعلي أعثر على من له رواية عن الرضا ( ع ) ، فلم أصل الى نتيجة.
أنظر « تاريخ بغداد 6 : 16/ 3046 ، غاية النهاية 1 : 4 ، لسان الميزان 1 : 28/ 44 ».


(205)
يحبه ، وهو :
    اللّهمّ إنّ خيرتك تنيل الرغائب ، وتجزل المواهب ، وتطيّب المكاسب ، وتغنم المطالب ، وتهدي الى أحمد العواقب ، وتقي من محذور النوائب ، اللّهمّ إنّي أستخيرك فيما عقد عليه رأي ، وقادني إليه هواي ، فأسألك يا ربّ أن تسهّل لي من ذلك ما تعسّر ، وأن تعجّل من ذلك ما تيسّر ، وأن تعطيني يا رب الظفر فيما أستخيرك (1) فيه ، وعوناً بالإنعام فيما دعوتك ، وأن تجعل يا ربّ بُعده قُرباً ، وخوفه أمناً ، ومحذوره سلماً ، فإنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علام الغيوب ، اللّهمّ إن يكن هذا الأمر خيراً لي في عاجل الدنيا و[ اجل ] (2) الآخرة ، فسهّله لي ويسّره عليّ ، وإنْ لم يكن فاصرفه عنّي ، واقدر لي فيه الخيرة ، إنّك على كلّ شيء قدير ، يا أرحم الراحمين » (3).
    وهذا الدعاء مروي أيضاً ‌عن مولانا محمد‌بن علي الجواد صلوات الله عليه بزيادة على ما أشرنا إليه.

    دعاء مولانا المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين في الاستخارات ، وهو آخر ما خرج من مقدّس حضرته أيام الوكالات.
    روى محمد بن علي بن محمد في كتاب جامع له ، ما هذا لفظه :
1 ـ في البحار : إستخرتك.
2 ـ ما بين المعقوفين من البحار.
3 ـ أورده الكفعمي في المصباح : 393 ، والبلد الأمين : 161 ، ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 1 : 299 ، عن أبي محمد الفحام ، عن محمد بن أحمد الهاشمي ، عن عيسى بن احمد المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن العسكري ، عن آبائه ، عن الصادق عليهم السلام قال : كانت استخارة الباقر عليه السلام : اللهم ان خيرتك ـ الى قوله ـ النوائب ، ثم ذكر بقية الدعاء ، باختلاف في ألفاظه ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 275/ 24 ، والنوري في مستدرك الوسائل 1 : 448/ 6.


(206)
استخارة الأسماء التي عليها العمل ، ويدعو بها في صلاة الحاجة وغيرها ، ذكرأبو دُلَف محمد بن المظفر (1) رحمة الله عليه أنّها آخر ما خرج :
    « بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي عزمت به على السموات والأرض ، فقلت لهما : ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا : أتينا طائعين ، وباسمك الذي عزمت به على عصا موسى فإذا هي تلقف ما يأفكون ، وأسألك باسمك الذي صرفت به قلوب السحرة إليك حتى قالوا : آمنّا بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون ، أنت اللهّ ربّ العالمين ، وأسألك بالقدرة التي تبلي بها كلّ جديد ، وتجدّد بها كلّ بال ، وأسألك بحقّ كلّ حق هو لك ، وبكلّ حق جعلته عليك ، إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي واخرتي أنّ تصلّي على محمد وآل محمد ، وتسلّم عليهم تسليماً ، وتهيّئه ليِ وتسهله عَلَيّ ، وتلطّف لي فيه برحمتك يا أرحم الراحمين ، وإنْ كان شراً لي في ديني ودنياي واخرتي ، أنْ تصلّي على محمد وآل محمد ، وتسلّم عليهم تسليماً ، وأنْ تصرفه عني بماشئت ، وكيف شئت ، ( وحيث شئت ) (2) ، وتُرضيني بقضائك ، وتبارك لي في قدرك ، حتّى لا أحب تعجيل شيء أخَرْته ، ولا تأخير شيء عجّلته ، فإنّه لا حول ولا قوة إلاّ بك ، يا عليّ يا عظيم يا ذا الجلال والإكرام » (3).
    يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : لعلّ
1 ـ محمد بن المظفر ، أبو دُلَف الأزدي ، كان قد سمع الحديث كثيراً ، ثم اضطرب عقله ، له كتاب أخبار الشعراء.
راجع ترجمته في « رجال النجاشي : 395/ 1057 ، رجال العلاّمة : 163/ 149 ، معجم رجال الحديث 17 : 264/ 11801 »
2 ـ ما بين القوسين ليس في « د » و « ش ».
3 ـ أورده الكفعمي في المصباح : 5 39 ، والبلد الأمين : 63 1 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 275/ 25 ، والنوري في مستدرك الوسائل 1 : 448/ 5.


(207)
يسبق الى بعض الخواطر أنّ مولانا المهدي صلوات الله عليه لمّا جاءت الغيبة الطويلة جعل هذا ـ دعاء الاستخارة ـ عند ذوي البصائر عوضاً عن لقائه ومشاورته ، وينبّههم بذلك على جلالة فضل مشاورة اللهّ جل جلاله واستخارته ، فإنّ هذا الدعاء ما عرفت فيما وقفت عليه أنّ أحداً طلبه منه ، وإنما صدر ابتداءً عنه في آخر المهمّات ، وهذا مفهوم عند ذوي البصائر والديانات.


(208)

(209)
    الباب التاسع     يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : إعلم أنّ من وجوه ترجيح العمل بالرقاع الست في الاستخارات ، أنّ العامل بها يكون عاملاً بكلّ خبر عام في الاستخارة مما يمكن أن تكون الاخبار بالرقاع الست مخصّصة لتلك الأخبار العامة سقط منه اخبار العمل بالرقاع ، ومع إمكان العمل بالجميع لا يجوز إسقاط شيء منها ، فرجح كما ترى العمل باخبار الاستخارة بالرقاع المذكورة.
    الوجه الأخر : إن العامل في الاستخارة على الأخبار الواردة بالاستخارة بالرقاع الست يكون عاملا بكل خبر ورد في الاستخارة مجملاً ، مما يمكن أن تكون أخبار الاستخارة بالرقاع الست مبينة لتلك الأخبار المجملة ، فإذا عمل بتلك الأخبار المجملة فحسب سقط منه أخبار العمل


(210)
بالرقاع الموصوفة ، ومع إمكان العمل بالجميع ـ كما قدمناه ـ (1) لا يجوز إسقاط شيء منها ، فظهر ترجيح العمل باخبار الاستخارة بالرقاع المذكورة ، وهذا الوجه غير الوجه الأول ، لأن ذلك بتخصيص العموم ، وهذا بيان المجمل.
    الوجه الأخر : ان متى أمكن العمل بالجمع بين الأخبار المختلفات في ظاهر الروايات ، على وجه من الوجوه ، سواء كان ذلك بتخصيص العموم ، أو ببيان المجمل ، أو بغير ذلك من التأويلات ، فالواجب العمل بالجميع مع الإمكان ، وسنذكر تأويلات محتملات للأخبار الواردة ، بما عدا الأخبار المتضمّنة للرقاع الست في الاستخارات.
    الوجه الاخر : إن الأخبار الواردة في الاستخارة بغير الست الرقاع ، قد روى كثير من المخالفين من طريقهم نحوها أو مثلها ، فلعلّ الذي ورد من طريق أصحابنا ممّا يخالف الاستخارة بالرقاع يكون قد ورد على سبيل التقيّة ، وهذا حجَة واضحة قوَية في ضعف الأخبار المخالفة للرقاع الست ، عند من أنصف من أهل البصائر الدينيّة.
    الوجه الأخر : إنّ الأحاديث وردت من جانب الخاصّة بما معناه أن إذا وردت أحاديثنا مختلفة ، انّنا نأخذ بابعدها من مذهب العامة (2) ، والعمل باخبار الرقاع الست على الوجه الذي ذكرناه في الاستخارات أبعد من مذاهب أكثر (3) العامة ، عند من اطلع على ما ذكره الجمهور في صحاحهم من الروايات ، وهذا الوجه غير الذي قبله ، لأن ذلك تضمّن القدح والتوقف في
1 ـ في « د » و « ش » : قلناه.
2 ـ أفرد العلامة المجلسي باباً خاصاً في كتابه بحار الأنوار 2 : 219 ، الباب 29 ، تحت عنوان : علل اختلاف الأخبار وكيفية الجمع بينها والعمل بها ووجوه الاستنباط ، وبيان أنواع ما يجوز الاستدلال به ، فراجع.
3 ـ ليس في « د » و « ش »
فـتـح الابــواب ::: فهرس