فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: 556 ـ 570
(556)
جهة العلة المنصوصة المعبر عنه بلحن الخطاب. ومنصوص العلة هو ما إذا كان مساويا ، والامر في ذلك سهل إذ يرجع ذلك إلى الاصطلاح. والمقصود في المقام : هو بيان صورة تعارض العام مع المفهوم الموافق والمساوي الذي هو مورد منصوص العلة ، وتعارض العام مع المفهوم المخالف.
    فنقول : اما تعارض العام مع المفهوم الموافق ، فقد نقل الاتفاق على تقديم المفهوم على العام وتخصيصه به ، ولو كانت النسبة بين المفهوم والعام العموم من وجه ، من دون لحاظ النسبة بين المنطوق والعام ، هذا.
    ولكن التحقيق ، هو ان يقال : انه في المفهوم الموافق لا يمكن ان يكون المفهوم معارضا للعام من دون معارضة منطوقه ، لأنا فرضنا ان المفهوم موافق للمنطوق وان المنطوق سيق لأجل الدلالة به على المفهوم ، ومع هذا كيف يعقل ان يكون المنطوق أجنبيا عن العام وغير معارض له ؟ مع كون المفهوم معارضا له. فالتعارض في المفهوم الموافق انما يقع ابتداء بين المنطوق والعام ، ويتبعه وقوعه بين المفهوم والعام. ففي مثل قوله : أكرم خدام العلماء ، ولا تكرم الفساق ، يكون التعارض بين نفس وجوب اكرام خدام العلماء وبين حرمة اكرام الفاسق بالعموم من وجه ، ويتبعه التعارض بين المفهوم وهو وجوب اكرام نفس العلماء وبين العام وهو حرمة اكرام الفساق. وكذا في مثل قوله تعالى : « لا تقل لهما أف » مع قوله : اضرب كل أحد ، فان قوله : اضرب كل أحد يدل بالأولوية على جواز قول « أف » لكل أحد ، فيعارض هذا العام بما له من المفهوم مع قوله « لا تقل لهما أف » ويتبعه المعارضة لمفهوم قوله : « لا تقل لهما أف » وهو حرمة ضرب الأبوين ، بالعموم المطلق.
    وبالجملة : كلما فرض التعارض بين المفهوم الموافق والعام ، فلامحة يكون التعارض بين المنطوق والعام ، ولا بد أولا من علاج التعارض بين المنطوق والعام و يلزمه العلاج بين المفهوم والعام. إذا عرفت ذلك ، فنقول : ان التعارض بين المنطوق والعام تارة : يكون بالعموم المطلق مع كون المنطوق أخص ، وأخرى : يكون بالعموم من وجه. وما كان


(557)
بالعموم المط فتارة : يكون المفهوم أيضا أخص مط من العام ، وأخرى : يكون أعم من وجه. ولا منافاة بين كون المنطوق أخص مط من العام وكون المفهوم أعم من وجه ، كما في مثل قوله : أكرم فساق خدام العلماء ، وقوله : لا تكرم الفاسق ، فان النسبة بينهما يكون بالعموم المط ، مع أن بين مفهوم قوله : أكرم فساق خدام العلماء ( و هو اكرام فساق نفس العلماء الملازم لاكرام نفس العدول من العلماء بالألوية القطعية ) وبين العام ( وهو قوله : لا تكرم الفاسق ) يكون العموم من وجه ، إذ المفهوم حينئذ يكون اكرام مط العالم عادلا كان أو فاسقا.
    فان كان بين المنطوق والعام العموم المط فلا اشكال في تقديم المنطوق على العام أو تخصيصه به على قواعد العموم والخصوص ، ويلزمه تقديم المفهوم الموافق على العام مطلقا سواء كان بين المفهوم والعام العموم المط أو العموم من وجه. أما إذا كان العموم المط ، فواضح. وأما إذا كان العموم من وجه ، فانا قد فرضنا ان المفهوم أولى في ثبوت الحكم له من المنطوق وأجلى منه ، وان المنطوق سيق لأجل إفادة حكم المفهوم ، فلا يمكن ان يكون المنطوق مقدما على العام المعارض له مع أنه الفرد الخفي والمفهوم لا يقدم عليه مع أنه الفرد الجلي.
    والحاصل : ان المفهوم الموافق يتبع المنطوق في التقدم على العام عند المعارضة ولا يلاحظ النسبة بين المفهوم والعام ، بل تلاحظ النسبة بين المنطوق والعام ، فلو قدم المنطوق على العام لأخصيته فلامحة يقدم المفهوم عليه مط ، لوضوح انه لا يمكن اكرام خادم العالم الفاسق وعدم اكرام العالم الفاسق في المثال المتقدم ، وذلك واضح. وبذلك يظهر الخلل فيما أفيد في المقام ، فراجع. هذا كله في المفهوم الموافق.
    واما المفهوم المخالف : فقد وقع الخلط فيه أيضا في جملة من الكلمات ، حتى أن الشيخ (1) ( قده ) توقف في تقديم المفهوم على العام أو العام عليه في آية النباء ،
1 ـ فالمحكى عن الشيخ قدس سره في التقريرات :
    « واما مفهوم المخالفة فعلى تقدير القول بثبوته في قبال العام وعدم التصرف في ظاهر الجملة الشرطية والاخذ بظهورها ، لا اشكال في تخصيص العام به كما عرفت وانما الاشكال في أن الجملة الشرطية أظهر في إرادة الانتفاء عند الانتفاء بينهما أو العام


(558)
حيث أفاد ان مفهوم قوله تعالى : « ان جائكم فاسق بنبأ » الخ معارض بعموم التعليل ، وهو قوله تعالى : « لئلا تصيبوا قوما بجهالة » لان المفهوم يدل على حجية قول العادل الذي لا يفيد العلم ، وعموم التعليل يدل على عدم اعتبار قول من لم يفد العلم ، لأنه من إصابة القول بجهالة ، سواء كان ذلك قول العادل أو لم يكن. و النسبة بين المفهوم والتعليل العموم المطلق ، لان المفهوم لا يعم الخبر المفيد للعلم
أظهر في إرادة الافراد منه ، فمرجع الكلام إلى تعارض الظاهرين ، ربما يقال ان العام أظهر دلالة في شموله لمحل المعارضة كما قلنا بذلك في معارضة منطوق التعليل في آية النبأ مع المفهوم على تقدير القول به بالنسبة إلى خبر العدل الظني ، فان قضية عموم التعليل عدم الاعتماد على الخبر الظني ، ومقتضى المفهوم ثبوته ، و عموم التعليل أظهر ولا سيما إذا كان العام متصلا بالجملة الشرطية. وربما يقال بتقديم الظهور في الجملة الشرطية كما قلنا في تعارض المفهوم مع العمومات الناهية عن العمل بغير العلم.
    وبالجملة : فالانصاف ان ذلك تبع الموارد ، ولم نقف على ضابطة نوعية يعتمد عليها في الأغلب كما اعترف بذلك سلطان المحققين. » ( مطارح الأنظار ، مباحث العام والخاص. ص 208 ).
    وذكر قدس سره في الفرائد :
    « الثاني ( مما أورد على دلالة الآية بما ليس قابلا للذب عنه ) ما أورده في محكى العدة والذريعة والغنية و مجمع البيان والمعارج وغيرها ، من انا لو سلمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم ، لكن نقول : ان مقتضى عموم التعليل وجوب التبين في كل خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا ، فيعارض المفهوم والترجيح مع ظهور التعليل. » ثم ذكر بعد سطور في جواب لا يقال ، بقوله :
    « .. لأنا نقول ، ما ذكره أخيرا من أن المفهوم أخص مطلقا من عموم التعليل مسلم الا انا ندعي التعارض بين ظهور عموم التعليل في عدم جواز العمل بخبر الواحد الغير العلمي وظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في ثبوت المفهوم ، فطرح المفهوم والحكم بخلو الجملة الشرطية عن المفهوم أولى من ارتكاب التخصيص في التعليل ، واليه أشار في محكى العدة بقوله : لا نمنع ترك دليل الخطاب لدليل والتعليل دليل ، وليس في ذلك منافاة لما هو الحق و عليه الأكثر من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة ، لاختصاص ذلك أولا بالمخصص المنفصل ، ولو سلم جريانه في الكلام الواحد منعناه في العلة والمعلول ، فان الظاهر عند العرف ان المعلول يتبع العلة في العموم والخصوص ..
    وذكر في مقام الجواب عن الايراد الأول من الايرادات القابلة للدفع ، بقوله :
    « ان المراد بالنبأ في المنطوق مالا يعلم صدقه ولا كذبه ، فالمفهوم أخص مطلقا من تلك الآيات ( أي الآيات الناهية عن العمل بغير العلم ) فيتعين تخصيصها بناء على ما تقرر من أن ظهور الجملة الشرطية في المفهوم أقوى من ظهور العام في العموم ، واما منع ذلك فيما تقدم من التعارض بين عموم التعليل وظهور المفهوم فلما عرفت من منع ظهور الجملة الشرطية المعللة بالتعليل الجاري في صورتي وجود الشرط وانتفائه في إفادة الانتفاء عند الانتفاء فراجع. » ( فرائد الأصول ، مباحث حجية الظن ، ص 66 ـ 65


(559)
لخروج ذلك عن الآية بالتخصيص ، فالمفهوم مختص بالخبر العدل الغير المفيد للعلم ، و التعليل يعم خبر العدل وغيره. ومقتضى القاعدة تخصيص عموم التعليل بالمفهوم ، الا ان قوة التعليل وابائه عن التخصيص يمنع عن ذلك. وهذا بخلاف الآيات الناهية عن العمل بالظن ، فان النسبة بينها وبين المفهوم وان كانت العموم المطلق أيضا ، الا انه لا مانع من تخصيص تلك الآيات بالمفهوم لعدم اباء تلك الآيات عن التخصيص. هذا حاصل ما افاده الشيخ ( قده ) في تعارض المفهوم المخالف مع العام في آية النبأ.
    ولكن لا يخفى عليك ضعف ذلك ، لان التعليل مهم بلغ من القوة لايكون أقوى من المفهوم الخاص ، والآيات الناهية عن العمل بالظن أيضا آبية عن التخصيص ، وكيف يمكن تخصيص مثل قوله تعالى : « ان الظن لا يغنى من الحق شيئا » ؟.
    فالانصاف : انه في مثل الآية لا يلاحظ النسبة ، بل المفهوم يكون مقدما على الآيات الناهية عن العمل بالظن وعن عموم التعليل بالحكومة ، لان خبر العدل بعد ما صار حجة يخرج عن كونه ظنا وعن كونه إصابة القوم بالجهالة ، ويكون علما ، كما حققناه في محله. فينبغي اخراج مثل الآية الشريفة عما هو المبحوث عنه في المقام : من تعارض المفهوم المخالف والعام ، لكون المفهوم حاكما على العام. ولو قطع النظر عن الحكومة ، فالمفهوم أيضا يقدم على العام. ولا يصغى إلى أن العام في مثل الآية يكون متصلا بالقضية الشرطية فلا تكون القضية ظاهرة في المفهوم ، لصلاحية كل من القضية الشرطية والعام للتصرف في الآخر ، بخلاف ما إذا لم يكن العام متصلا بالقضية الشرطية ، حيث إن العام يخصص بالمفهوم ولكن لا مط ، بل يختلف باختلاف الموارد ، فرب مورد يكون العام قرينة على عدم كون القضية ذات مفهوم ، و ربما ينعكس الامر ويكون ظهور القضية في المفهوم قرينة على التصرف في العام و تخصيصه به.
    هذا حاصل ما افاده بعض الاعلام في باب تعارض المفهوم الخالف مع العام.
    ولكن الانصاف : ان ذلك كله خلاف التحقيق ، بل التحقيق هو ان المفهوم المخالف مهما كان أخص مط من العام يقدم على العام ، سواء كان بين


(560)
المنطوق والعام العموم المط ، أو العموم من وجه. ومهما كان بين المفهوم والعام العموم من وجه يعامل مهما معاملة العموم من وجه ، فربما يقدم العام وربما يقدم المفهوم في مورد التعارض ، من غير فرق في ذلك أيضا بين ان يكون بين المنطوق و العام العموم المط أو العموم من وجه.
    والحاصل : ان الفرق بين المفهوم الموافق والمخالف من وجهين :
    الأول :
    ان في المفهوم الموافق يلاحظ التعارض والعلاج أولا بين المنطوق والعام ، و يتبعه العلاج بين المفهوم والعام ، بخلاف المفهوم المخالف ، فان التعارض وعلاجه أولا وابتداء انما يكون بين المفهوم والعام ، إذ المنطوق ربما لايكون معارضا أصلا.
    الثاني :
    ان المنطوق في المفهوم الموافق لو قدم على العام لأخصيته ، فالمفهوم أيضا يقدم على العام مط ولو كان نسبته مع العام العموم من وجه كما عرفت. بخلاف المفهوم المخالف ، فإنه لو كان بين المفهوم والعام العموم من وجه يعامل معهما معاملة العموم من وجه ، فربما يقدم العام على المفهوم في مورد التعارض ويخصص المفهوم به ، إذ المفهوم العام قابل للتخصيص ولا تخرج القضية بذلك عن كونها ذات مفهوم ، وذلك كله واضح.
    إذا عرفت ذلك
    فنقول : ان المفهوم المخالف ، مهما كان أخص من العام يقدم على العام و يخصص به مط ، سواء كان العام متصلا بالقضية التي تكون ذات مفهوم أو منفصلا ، ولا يصلح العام ان يكون قرينة على عدم كون القضية ذات مفهوم ، وذلك لما تقدم منا في باب المفاهيم : من أن العبرة في كون القضية ذات مفهوم هو ان يكون القيد راجعا إلى الحكم ، لا إلى الموضوع.
    وبعبارة أخرى : يكون التقييد في رتبة الاسناد ، لا في الرتبة السابقة على الاسناد ، فإنه لو كان التقييد قبل الاسناد كان القيد راجعا إلى الموضوع وتكون القضية مسوقة لفرض وجود الموضوع ، بخلاف ما إذا كان التقييد في رتبة الاسناد ،


(561)
فان القيد يكون ح راجعا إلى الحكم ويكون من تقييد جملة بجملة ، على ما تقدم تفصيله في باب المفاهيم.
    والقضية الشرطية مثلا بعد ما كانت ظاهرة في كون القيد راجعا إلى الحكم ، حيث إن القضية الشرطية وضعت لتقييد جملة بجملة ـ على ما عرفت سابقا ـ فتكون القضية الشرطية بنفسها ظاهرة في كونها ذات مفهوم. وأصالة العموم في طرف العام لا تصلح ان تكون قرينة على كون القيد راجعا إلى الموضوع ، لان العموم انما يستفاد من المقدمات الحكمة الجارية في مصب العموم ، وظهور القضية في المفهوم يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة في طرف العام ، فيكون ظهور القضية في المفهوم حاكما على ظهور العام في العموم ، لان كون القضية ذات مفهوم وان كان أيضا بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، الا ان مقدمات الحكمة الجارية في طرف المفهوم تكون بمنزلة القرينة على أن المراد من العام هو الخاص. والعام لا يصلح لان يكون قرينة على كون القضية الشرطية سيقت لفرض وجود الموضوع ، لان كون القضية مسوقة لفرض وجود الموضوع يحتاج إلى دليل يدل عليه ، بعد ما لم يكن الشرط مما يتوقف عليه الحكم عقلا ، فتأمل جيدا. هذا إذا كان المفهوم أخص مط من العام.
    وأما إذا كان أعم من وجه : فيعامل معهما معاملة العموم من وجه ، فربما يقدم المفهوم في مورد الاجتماع ، وربما يقدم العام ، فان العام لا يزيد على الدليل اللفظي العام من حيث كونه قابلا للتخصيص ، ولا تخرج القضية عن كونها ذات مفهوم عند تقديم العام ، كما كانت تخرج عن ذلك فيما إذا كان المفهوم أخص ، بل القضية بعد تكون ذات مفهوم ، غايته انه مخصص ، وذلك واضح.
    المبحث الثامن :
    انه لا ينبغي الاشكال في جواز تخصيص العام الكتابي بالخاص الخبري ، و مجرد كون الكتاب قطعي الصدور لا يمنع عن ذلك ، بعد ما كان التعارض بين ظهور الكتاب الذي هو ظني وأدلة التعبد بالخبر الواحد ، وحكومة أدلة التعبد على أصالة الظهور. وما ورد من طرح الاخبار المخالفة للكتاب لا يشمل المخالفة بالعموم و الخصوص ، فان ذلك ليس من المخالفة عرفا وذلك كله واضح.


(562)
المقصد الخامس : في المطلق والمقيد
    وقبل الخوض في المقصود ينبغي تقديم أمور :
    الامر الأول :
    الاطلاق هو الارسال ، يقال : أطلق الدابة ـ أي أرسلها وأرخى عنانها ـ في مقابل تقييدها. والظ ان لايكون للأصوليين اصطلاح خاص في الاطلاق والتقييد غير ما لهما من المعنى اللغوي و العرفي. كما أن اختلاف المط من حيث كونه : شموليا تارة ، وبدليا أخرى ، انما هو من ناحية الحكم. وليس الاطلاق الشمولي مغايرا للاطلاق البدلي ، بل الاطلاق في الجميع بمعنى واحد وهو الارسال ، غايته ان الحكم الوارد على النكرة أو الطبيعة تارة : يقتضى البدلية كالنكرة الواقعة في سياق الاثبات والحكم الوارد على الطبيعة بلحاظ صرف الوجود ، حيث إن نتيجة البدلية في المقام الامتثال والاكتفاء بفرد واحد. وأخرى : يقتضى الشمول كالنكرة أو الطبيعة الواقعة في حيز النفي ، أو الطبيعة الواقعة في حيز الاثبات بلحاظ مط الوجود ، فالبدلية والشمولية انما يستفادان من كيفية تعلق الحكم بالنكرة والطبيعة مع كون الاطلاق في الجميع بمعنى واحد.
    وبذلك يظهر النظر في تعريف المط : بأنه ما دل على شايع في جنسه ، فان التعريف بذلك ينطبق على الاطلاق المستفاد من النكرة ، ولا ينطبق على الاطلاق الشمولي ، وان أمكن توجيه التعريف على وجه ينطبق على كل من قسمي الاطلاق ، الا انه يرد على التعريف على كل حال ان الظاهر منه كون الاطلاق و التقييد من صفات اللفظ ، حيث إن المراد من الموصول هو اللفظ مع أن الظاهر هو كون الاطلاق والتقييد من صفات المعنى ، كالكلية والجزئية ، واتصاف اللفظ بهما


(563)
انما يكون بالتبع والعرض والمجاز. والامر في ذلك سهل بعد وضوح المراد.
    ثم إن الاطلاق والتقييد كما يردان على المفاهيم الافرادية كذلك يردان على الجمل التركيبية. ومعنى اطلاق الجملة هو ارسالها وعدم تقييدها بما يوجب ظهورها في خلاف ما تكون ظاهرة فيه لولا تقييدها بذلك ، فإنه قد تكون الجملة التركيبية لو خليت ونفسها ظاهرة في معنى ، وكان تقييدها موجبا لانقلاب ظهورها كما في الجمل الطلبية ، فان اطلاق الامر والطلب يقتضى النفسية العينية التعيينية ، و التقييد يوجب الغيرية أو التخييرية أو الكفائية ، على اختلاف كيفية التقييد ، و كالعقد فان اطلاقه يقتضى نقد البلد أو التسليم والتسلم ، وتقييده يقتضى خلاف ذلك.
    والفرق بين اطلاق المفاهيم الأفرادية والجمل التركيبية ، هوان اطلاق المفاهيم الأفرادية يقتضى التوسعة ، وتقييدها يقتضى التضييق. بخلاف اطلاق الجمل التركيبية ، فان اطلاقها يقتضى التضييق ، وتقييدها يقتضى التوسعة.
    بل ربما يكون اطلاق الجملة موجبا لتضييق مفهوم مفرداتها ، بحيث لو لم تكن المفردات واقعة في ضمن الجملة لكان مفهومها موسعا ، الا ان وقوعها في ضمن ذلك يوجب تضييق مفهومها. وهذا كما في كون اطلاق العقد يقتضى نقد البلد ، فان الدرهم لولا وقوعه في ضمن العقد من جعله ثمنا أو مثمنا كان مفهومه عاما يعم كل درهم نقد البلد وغيره ، الا انه لما وقع في ضمن العقد اقتضى اطلاقه نقد البلد. وليس ذلك لأجل انصراف الدرهم إلى نقد البلد ، بل لأجل اطلاق العقد وعدم تقييده بالأعم من نقد البلد ، والا لكان الاقرار بالدرهم موجبا للانصراف إلى نقد البلد ، بحيث ليس له التفسير بغيره ، والظ انه لم يقل به أحد.
    وعلى كل حال : لا اشكال في أن الجمل التركيبية تتصف بالاطلاق و التقييد ، كاتصاف المفاهيم الأفرادية بهما. ومحل الكلام في مبحث المط والمقيد انما هو في المفاهيم الأفرادية ، واما الجمل التركيبية فليس لها مبحث مخصوص ، وليس لاطلاقها ضابط كلي ، بل الجمل التركيبية تختلف حسب اختلاف المقامات. و البحث في باب المفاهيم كلها يرجع إلى البحث عن اطلاقها وتقييدها ، لما تقدم من


(564)
ان الضابط في كون القضية ذات مفهوم ، هو رجوع الشرط أو الوصف أو الغاية إلى الحكم ، فيكون من تقييد الجملة الطلبية.
    الامر الثاني :
    قد عرفت ان الاطلاق هو بمعنى الارسال والشمول والمراد من الشمول هو شمول الطبيعة لما يندرج تحتها وينطبق عليها انطباق الكلي على مصاديقه. فالمعاني الحرفية لا تتصف بالاطلاق والتقييد ، لان المعاني الحرفية وان قلنا : بان الموضوع له فيها عام ، الا ان عموم الموضوع له في الحروف يكون بمعنى آخر غير عموم الموضوع له في الأسماء ، فان معنى عموم الموضوع له في الأسماء هو كون المعنى قابل الصدق على كثيرين ، وهذا انما يكون إذا كان تحت ذلك المعنى : أنواع ، أو أصناف ، أو افراد ، يكون ذلك المعنى منطبقا عليها انطباق الطبيعي على مصاديقه ، وهذا يحتاج إلى أن يكون للمعنى تقرر في وعاء العقل والتصور ، والمعاني الحرفية ـ على ما حققناه في محله ـ لايكون لها تقرر الا في موطن الاستعمال ، وتكون ايجادية محضة ، فالكلية في الحروف تكون بمعنى آخر ، قد تقدم بيانه عند البحث عن المعاني الحرفية. وذلك المعنى غير قابل لورود الاطلاق والتقييد عليه ، وذلك واضح كوضوح ان الاعلام الشخصية لا تتصف بالاطلاق والتقييد بالمعنى المتقدم ، وانما يكون اطلاقها باعتبار الطوارئ والحالات ، إذ ليس تحت الاعلام افراد قابلة الانطباق عليها.
    وحينئذ ينبغي خروج الاعلام عن محل الكلام ، كخروج الجمل التركيبية ، فان محل الكلام في المقام انما هو في الاطلاق القابل لان يكون جزء مدلول اللفظ ـ على ما ينسب إلى المشهور في مقابل مقالة سلطان المحققين ـ على ما سيأتي تحقيقه. وفي الاعلام لا يمكن ان يتوهم دخول الاطلاق باعتبار الطوارئ والحالات في مدلول اللفظ ، بحيث تكون التسوية بين القيام والعقود جزء مدلول لفظ زيد ، فان هذا ضروري الفساد ، لوضوح ان لفظ زيد موضوع للذات المشخصة مع قطع النظر عن الحالات والطواري ، واطلاقها لذلك انما يكون بمقدمات الحكمة. فالاطلاق المبحوث عنه بين المشهور وسلطان المحققين في كونه جزء مدلول اللفظ أو عدم كونه جزء مدلول اللفظ ، انما هو في العناوين الكلية القابلة الصدق على


(565)
كثيرين ، كأسماء الأجناس وما يلحق بها من العناوين العرضية.
    الامر الثالث :
    لا اشكال في أن التقابل بين الاطلاق والتقييد ليس من تقابل السلب والايجاب ، لان تقابل السلب والايجاب انما يكون بين الوجود والعدم المحمولين على الماهيات المتصورة ، لان الماهية المتصورة في العالم اما ان يحمل عليه الوجود ، واما ان يحمل عليها العدم ، ولا يمكن اجتماعهما في الماهية ولا ارتفاعهما عنها. والاطلاق و التقييد ليسا كذلك ، لامكان ارتفاعهما عن المحل الغير القابل لهما ، كما في الانقسامات اللاحقة للمأمور به بعد ورود الامر ، كقصد التقرب ، والعلم بالامر ، و الايصال في المقدمة ، فإنه في جميع هذا لا اطلاق ولا تقييد ، فإذا امتنع التقييد بأحد هذه الأمور ( كما حقق في محله ) امتنع الاطلاق بعين امتناع التقييد ، لان الاطلاق ليس الا عبارة عن تساوى وجود ذلك القيد وعدمه ، فإذا امتنع لحاظ ذلك القيد امتنع لحاظ التسوية أيضا وذلك واضح.
    فالتقابل بين الاطلاق والتقييد لا يمكن ان يكون تقابل السلب والايجاب ، فلم يحتمله أحد. فيدور الامر ح بين ان يكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، أو تقابل التضاد. فبناء على ما ينسب إلى المشهور : من أن الاطلاق جزء مدلول اللفظ و لا نحتاج في استكشاف الاطلاق إلى مقدمات الحكمة ، يكون الاطلاق ح أمرا وجوديا ، ويكون التقابل بينهما تقابل التضاد. وبناء على مسلك السلطان : من أن الاطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة وليس جزء مدلول اللفظ ، يكون الاطلاق ح أمرا عدميا ، ويكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة. وعلى كلا المسلكين لا بد ان يردا على المحل القابل لهما ، ويمكن ح ارتفاعهما بانتفاء المحل القابل ، وان كان في المحل القابل لا يمكن ان يرتفعا ، فلا يمكن ان يكون الانسان لا أعمى ولا بصيرا ، وان كان الجدار مثلا لا أعمى ولا بصيرا ، لعدم قابلية الجدار لذلك.
    والحاصل : ان التقابل بين القيام واللاقيام تقابل السلب والايجاب ، لان القيام هو بنفسه من الماهيات المتصورة مع قطع النظر عن المحل ، فهو اما موجود واما معدوم ، وقد عرفت : ان التقابل بين الوجود والعدم تقابل السلب والايجاب ، و


(566)
التقابل بين قيام زيد ولا قيامه تقابل العدم والملكة ، فان عدم قيام زيد يكون من العدم النعتي ، كما أن قيام زيد يكون من الوجود النعتي.
    والتقابل بين الوجود والعدم النعتي دائما يكون تقابل العدم والملكة.
    والتقابل بين القيام والعقود تقابل التضاد ، لان تقابل التضاد يكون بين الوجوديين.
    والتقابل بين الاطلاق والتقييد يدور امره بين ان يكون من تقابل العدم و الملكة ، أو من تقابل التضاد. وسيأتي ما هو الحق انشاء الله.
    الامر الرابع :
    في تحرير ما هو محل البحث فيما ينسب إلى المشهور وما ينسب (1) إلى السلطان : من كون الاطلاق يتوقف على مقدمات الحكمة كما هو مقالة السلطان ، أو انه لا يتوقف كما هو مقالة المشهور.
    فنقول : انه لا اشكال في أن الاختلاف لا يرجع إلى الاختلاف في معنى الاطلاق ، بحيث يكون الاطلاق عند المشهور غير الاطلاق عند السلطان ، بل ليس للاطلاق الا معنى واحد ، وهو الارسال أو تساوى كل خصوصية مع عدمها ، بحيث يكون معنى ( أعتق رقبة ) في قوة قولنا : ( أي رقبة ) وهذا مما لا نزاع فيه ولا اشكال. وانما النزاع في أن هذه التسوية هل هي جزء مدلول اللفظ ؟ أو انها تستفاد من مقدمات الحكمة ؟ والحق انها تستفاد من مقدمات الحكمة. ولتوضيح ذلك ينبغي تمهيد مقدمة.
    وهي انهم قسموا الماهية إلى : الماهية لا بشرط ، والماهية بشرط لا ، والماهية بشرط شيء. واللابشرط وبشرط لا تستعمل بمعنيين.
    الأول : هو ما يذكرونه في باب الفرق بين الجنس والفصل والمادة
1 ـ هذا ما افاده سلطان المحققين قدس سره في حاشيته على المعالم في ذيل قول صاحب المعالم « فلانه جمع بين الدليلين .. » ، في مباحث المطلق والمقيد ص 155 ، « طبعت هذه الحاشية في المعالم المطبوع سنة 1378. المكتبة العلمية الاسلامية »

(567)
والصورة ، والفرق بين المشتق ومبدء الاشتقاق. والمراد من بشرط لا في هذا الباب هو لحاظ الشيء بشرط لا عما يتحد به ، أي لحاظ الجنس بشرط عدم اتحاده مع الصورة ، وكذا لحاظ الصورة بشرط عدم اتحادها مع الجنس ، وهما بهذا الاعتبار آبيان عن الحمل ، ولا يصح حمل أحدهما على الآخر ، ولا حملهما على ثالث. ويقابل هذا اللحاظ لحاظ الجنس لا بشرط عما يتحد معه ، وكذا الصورة. وهما بهذا الاعتبار غير آبيين عن الحمل ، ويصح حمل أحدهما على الآخر ، وحملهما على ثالث. وكذا الكلام في باب المشتق ومبدئه ، وقد تقدم تفصيل ذلك في مبحث المشتق. والمراد من بشرط لا ولا بشرط في تقسيم الماهية غير هذا المعنى من لا بشرط وبشرط لا ، بل اللابشرطية والبشرط اللائية في تقسيم الماهية انما يكون باعتبار الطوارئ و الخصوصيات اللاحقة للماهية.
    وتفصيل ذلك : هو ان الماهية تارة : تلاحظ بشرط عدم انضمام شيء من الخصوصيات إليها ، بل تكون مجردة عن كل ما عداها من الطوارئ والاعراض ، وهي بهذا المعنى تكون من الكلية العقلية ولا موطن لها الا العقل ، ويمتنع صدقها على الخارجيات وحمل شيء من الخارجيات عليها ، بل محمولاتها تكون من المعقولات الثانوية كقولنا : الانسان نوع ، أو حيوان ناطق ، وما شابه ذلك من المحمولات العقلية ، لوضوح انه لا وجود للماهية المجردة عن كل خصوصية ، وهذه هي الماهية بشرط لا.
    وأخرى : تلاحظ الماهية مقيدة بخصوصية خاصة : من العلم ، والايمان ، و العدالة ، وغير ذلك من الخصوصيات الخارجية اللاحقة للماهيات ، وهذه هي الماهية بشرط شيء ، وهذا مما لا اشكال فيه ولا كلام. وانما الاشكال والكلام في معنى الماهية لا بشرط ، والفرق بينها وبين اللابشرط المقسمي ، فإنه قد اضطربت كلمات الاعلام في ذلك. فمنهم من فسر اللابشرط القسمي بما يرجع إلى الكلي العقلي ، وجعل اللابشرط المقسمي الكلي الطبيعي. ومنهم من جعل الكلي الطبيعي اللابشرط القسمي. وينبغي أولا ان يقطع النظر عما قيل في المقام ، و يلاحظ ان المعنى المتصور لللابشرط في مقابل بشرط لا وبشرط شيء ما هو ؟ حيث إن


(568)
البحث في المقام عقلي وأمره راجع إلى ما يتصوره العقل.
    فنقول : قد عرفت الاعتبارين للماهية ، وان الماهية تارة : تكون مجردة عن كل خصوصية ، وهي الكلي العقلي. وأخرى : تكون منضمة إلى خصوصية خاصة ، هي الماهية المشروطة والمقيدة. والمعنى الثالث للماهية الذي يكون في مقابل هذا هو الماهية المرسلة المطلقة ، أي الماهية التي تكون محفوظة في جميع الخصوصيات والطواري المتقابلة والقدر المشترك الموجود في جميع ذلك ، وهو ذات الرقبة مثلا المحفوظة في ضمن الايمان ، والكفر ، والعلم ، والجهل ، والرومية ، و الزنجية ، وغير ذلك من الخصوصيات والطواري ، فإنه لا اشكال في أن هناك ما يكون قدرا مشتركا بين جميع تلك الخصوصيات القابل لحمل كل خصوصية عليه كما يقال : الرقبة مؤمنة ، والرقبة كافرة ، وكذا رومية ، أو زنجية ، وغير ذلك. وهذا المعنى هو الذي يصح ان يجعل مقابلا للمعنيين الآخرين ، ويستقيم حينئذ تقابل الأقسام و يتميز بعضها عن بعض.
    ومنه يتضح فساد اخذ الارسال قيدا في معنى اللابشرط القسمي ، فإنه لا معنى لاخذ الارسال قيدا ، إذ المراد من الارسال ان كان بمعنى التجرد يرجع حينئذ إلى بشرط لا ولا يكون قسما آخر ، وان كان المراد من الارسال هو عدم صلاحية الماهية للتقييد بشيء ، فهذا مما لا يرجع إلى محصل.
    والحاصل : انه لا اشكال في أن التقسيم لا بد ان يكون على وجه لا تتداخل فيه الأقسام بعضها مع بعض ، فلا بد ان يكون لكل من الماهية بشرط شيء ، و الماهية لا بشرط ، والماهية بشرط لا ، معنى يختص به ولا يرجع إلى الآخر. وقد عرفت معنى الماهية بشرط لا ، وهو بشرط التجرد عن جميع الخصوصيات الخارجية ، وان ذلك يكون كليا عقليا. وعرفت أيضا معنى الماهية بشرط شيء ، وهو بشرط الانضمام إلى خصوصية خاصة من الخصوصيات الخارجية أو الذهنية ، وان ذلك هو معنى التقييد والاشتراط. وبعد ذلك لا بد ان يكون للماهية لا بشرط معنى لا يرجع إلى الماهية بشرط ، لا ، ولا إلى الماهية بشرط شيء ، والا يلزم تثنية الأقسام لا تثليثها.
    والمعنى القابل لان يكون للماهية لا بشرط ـ غير الماهية بشرط التجرد وغير


(569)
الماهية بشرط عدم التجرد ـ هو ما ذكرنا. وليس المراد من لا بشرط هو اللابشرطية عن البشرط اللائية والبشرط الشيئية ، بحيث يكون بشرط لا قسما من لا بشرط ، و بشرط شيء قسما آخر ، وكان لا بشرط يجتمع مع كل منهما ، فإنه يكون حينئذ لا بشرط مقسما لهما لا قسيما ، والمفروض ان الماهية لا بشرط القسمي قسيم للماهية بشرط لا و للماهية بشرط شيء لا انها مقسم لهما بحيث صح اجتماعه مع كل منهما ، فان هذا من شان اللابشرط المقسمي ، لا اللابشرط القسمي. فلا بد ان يكون لللابشرط القسمي معنى لا يجامع بشرط لا ولا بشرط شيء.
    وحاصل ذلك المعنى : هو الماهية المرسلة السارية في جميع الخصوصيات و الطوارئ المجامعة لها لا على نحو يكون الارسال قيدا لها ، حتى يقال : ان ذلك يرجع إلى بشرط لا أو بشرط شيء ـ كما قيل ـ فان ذلك ضروري البطلان ، فان المراد من الماهية المرسلة ، هو نفس الماهية وذات المرسل الساري في جميع الافراد والمحفوظ مع كل خصوصية والموجود مع كل طور.
    وليس الفرق بين هذا المعنى من اللابشرط القسمي واللابشرط المقسمي اعتباريا ـ كما قيل ـ فإنه لا معنى لكون الفرق بينهما اعتباريا مع كون بشرط لا و بشرط شيء من اقسام اللابشرط المقسمي وهما يضادان اللابشرط القسمي ، بل الفرق بين اللابشرط القسمي واللابشرط المقسمي لابد ان يكون واقعيا ثبوتيا لا اعتباريا لحاظيا ، فان المراد من المقسم ، هو نفس الماهية وذاتها من حيث هي ، على وجه تكون الحيثية مرآة للذات ، فتأمل ـ فإنه قد يقال : ان الماهية من حيث هي ليست الا هي لا موجودة ولا معدومة ولا يصح حمل شيء عليها ، والمقسم لابد وأن يكون قابلا لحمل الأقسام عليه ، فلا يصح ان يقال : المقسم الماهية من حيث هي هي.
    وعلى كل حال : اللابشرط المقسمي هو ما يكون مقسما لكل من : لا بشرط ، وبشرط لا ، وبشرط شيء. وهذا غير اللابشرط القسمي الذي يكون مضادا وقسيما لبشرط لا وبشرط شيء. وقد عرفت : ان ارجاع اللابشرط القسمي إلى بشرط لا أو بشرط شيء مما لا يمكن ، لما عرفت : من أن الشرط لا يرجع إلى الكلي العقلي ، و


(570)
الكلي العقلي قسم واحد.
    ومن الغريب : ما صدر عن بعض المحققين في المقام ، حيث أشكل على المشهور القائلين : بان الاطلاق والارسال جزء مدلول اللفظ ولا يحتاج إلى مقدمات الحكمة ، بأنه يلزم ان يكون الاطلاق ح كليا عقليا ويمتنع صدقه على الخارجيات ، فلا يصح ان يتعلق طلب بالمط حيث لا يمكن امتثاله. والذي أوجب الوقوع في هذا الوهم ، هو اخذ الارسال قيدا للماهية ، فارجع اللابشرط القسمي إلى الكلي العقلي. وحيث إن المشهور ذهبوا إلى أن الألفاظ موضوعة لللابشرط القسمي ، فأشكل عليهم ان المط يكون ح من الكليات العقلية وانه يرجع إلى الماهية بشرط لا.
    وهذا الاشكال والكلام بمكان من الغرابة ، لوضوح ان الاطلاق ليس له حقيقتان ، بل الاطلاق على ما عرفت : هو عبارة عن تساوى الخصوصيات. وقولنا مثلا ( أعتق رقبة ) بمنزلة قولنا ( أي رقبة ) غايته ان المشهور ذهبوا إلى أن هذه التسوية جزء مدلول اللفظ ، وسلطان المحققين ومن تبعه ذهبوا إلى أن هذه التسوية تستفاد من مقدمات الحكمة. فهل يمكن ان يقال : ان الاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة يكون كليا عقليا ؟ أو هل يمكن ان يقال : ان الاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة غير الاطلاق الذي يكون جزء مدلول اللفظ ؟ مع أنه ليس للاطلاق الا حقيقة واحدة ومعنى فارد.
    فدعوى : ان الاطلاق الذي يقول به المشهور هو الماهية المقيدة بالارسال و يرجع إلى الماهية بشرط لا ويكون من الكلي العقلي ، مما لا محصل لها. بل الاطلاق الذي يقول به المشهور ، هو الماهية المرسلة أي ذات المرسل الموجود في ضمن جميع الخصوصيات والمحفوظ عند جميع الطوارئ ، وهو معنى اللابشرط القسمي في مقابل بشرط لا ، وبشرط شيء. وتكون أسماء الأجناس عند المشهور موضوعة للماهية اللابشرط القسمي وعند السلطان موضوعة للماهية اللابشرط المقسمي المحفوظة مع بشرط لا وبشرط شيء ، ولا بشرط. وليست التسوية والارسال داخلة في معاني أسماء الأجناس ، وانما تستفاد التسوية من مقدمات الحكمة ، ويكون المراد من اللفظ
فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس