فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: 571 ـ 585
(571)
هو اللابشرط القسمي ، لكن ببركة مقدمات الحكمة. والا فنفس اللفظ لا يدل الا على الماهية المهملة التي تكون مقسما للكلي العقلي وغيره.
    فتحصل من جميع ما ذكرنا :
    ان الاشكال على المشهور بان الاطلاق لو كان مستفادا من اللفظ يلزم ان تكون المطلقات من الكليات العقلية ، مما لا وجه له. كما أن ارجاع اللابشرط القسمي إلى بشرط لا أو بشرط شيء ، مما لا وجه له. كما أن جعل الفرق بين اللابشرط المقسمي واللابشرط القسمي بالاعتبار ، مما لا وجه له ، فان كل ذلك مما لا يمكن التصديق به.
    نعم : هنا امر آخر وقع محل الكلام بين الاعلام ، وهو ان الكلي الطبيعي الذي وقع محل الكلام في وجوده وانتزاعيته ، هل هو مفاد اللابشرط المقسمي أو اللابشرط القسمي ؟.
    ذهب المحقق السبزواري في منظومته إلى أن الكلي الطبيعي هو اللابشرط المقسمي. (1) وذهب آخرون إلى أنه هو اللابشرط القسمي. وعلى كلا التقديرين فهو كلام آخر لا دخل له بما نحن فيه من كون اللابشرط القسمي غير اللابشرط المقسمي حقيقة ، وغير بشرط لا وبشرط شيء. وان كان الحق في ذلك المقام هو كون الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط القسمي ، ولا يمكن جعله من اللابشرط المقسمي ، وذلك لان الكلي الطبيعي عبارة عن حقيقة الشيء الذي يقال في جواب ما هو والجامع بين جميع المتفقة الحقيقة من الافراد الخارجية الفعلية وما يفرض وجودها. والماهية بشرط لا ـ عبارة عن الماهية المجردة عن كل خصوصية حتى خصوصية وجودها الذهني ، وليست الماهية بشرط لا من افراد الحقيقة ، بل ليست هي الا عبارة عن المفهوم والمدرك العقلاني ، وليست هي الفرد العقلاني المجرد عن
1 ـ قال المحقق السبزواري في منظومته
كلي الطبيعي هي المهية إذ ليس بالكلية مرهونا وجوده وجودها شخصية بكل الأطوار بدا مقرونا
( منظومة السبزواري ، قسم المنطق ص 22 ـ 21 )


(572)
المادة فان الفرد العقلاني هو من افراد الحقيقة ، كما يقال : ان لكل حقيقة فردين : فردا خارجيا ماديا ، وفردا مجردا عقلانيا ، وهو المسمى ( برب النوع والمثل الأفلاطونية ) واما الماهية بشرط لا فليست هي الفرد العقلاني ، بل هي كما عرفت من الكليات العقلية وليست الا عبارة عن المفهوم ، والمفهوم غير المصداق.
    فلو كان الكلي الطبيعي هو اللابشرط المقسمي يلزم ان تكون الماهية بشرط لا من افراد الحقيقة ، لما عرفت من أن الكلي الطبيعي عبارة عن الحقيقة الجامعة بين الافراد. وليس الانسان بشرط لا مثلا من افراد حقيقة الانسان حتى يقال : ان المقسم هي الحقيقة ، وافرادها : الماهية بشرط لا ، وبشرط شيء ، و لا بشرط ، فلابد ان يكون الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي الذي يكون تمام حقيقة الافراد الخارجية. وعلى كل حال : فهذا بحث آخر لا يرتبط بما نحن فيه.
    وإذ قد عرفت ما ذكرناه فاعلم : ان الحق هو كون أسماء الأجناس موضوعة بإزاء اللابشرط المقسمي كما هو مقالة السلطان ، وليست موضوعة بإزاء اللابشرط القسمي كما هو مقالة المشهور. وذلك : لوضوح ان استعمال الانسان في الماهية بشرط لا ، كقولنا ( الانسان نوع ) وفي الماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط كقولنا ( الانسان ضاحك ) يكون بوزان واحد وعلى نهج فارد بلا تصرف وعناية. ولو كان الانسان موضوعا لللابشرط القسمي لكان استعماله في الماهية بشرط لا على نحو التجوز والعناية. ومما يقطع به انه ليس للانسان وضعان : وضع يكون باعتبار ما يحمل عليه من المقولات الثانوية ويكون من الماهية بشرط لا ، ووضع يكون باعتبار ما يحمل عليه من الخارجيات. ويقطع أيضا انه ليس استعمال الانسان في أحدهما على نحو الحقيقة وفي الآخر على المجاز ، فلابد ان يكون موضوعا للجامع بينهما ، و ليس ذلك الا اللابشرط المقسمي ، وهو المهية المبهمة المهملة القابلة للانقسامات وحينئذ فنفس اللفظ لا دلالة له على شيء من الأقسام ، واستفادة كل واحد من الأقسام يحتاج إلى امر آخر وراء مدلول اللفظ. واستفادة ان المراد هو المهية بشرط لا أو أحد القسمين الآخرين انما يكون من عقد الحمل ، فان المحمول ان كان من المعقولات الثانوية فلابد ان يكون المراد من الموضوع هو المهية بشرط لا ، وان كان من


(573)
الخارجيات ـ كالعتق والاكرام والاكل والضرب ـ فلابد ان يكون المراد من الموضوع هو الماهية لا بشرط ، أو بشرط شيء.
    والامر الذي يستفاد منه ان المراد من الموضوع هو اللابشرط القسمي الذي يكون هو معنى الاطلاق هو المعبر عنه بمقدمات الحكمة. فمقدمات الحكمة انما نحتاج إلهيا لاستفادة ان المراد من اللفظ الموضوع للمهية المبهمة هو المهية المرسلة التي يتساوى فيها كل خصوصية ونقيضها.
    وفى أسماء الأجناس نحتاج إلى اعمال مقدمات الحكمة في موردين ، باعتبار كل من التقييد الأنواعي والتقييد الافرادي. بخلاف الألفاظ الموضوعة للعموم ، فإنه نحتاج فيها إلى مقدمات الحكمة في ناحية المصب باعتبار التخصيص الأنواعي فقط ، واما باعتبار الافرادي فنفس العام يتكفل ذلك بلا حاجة إلى مقدمات الحكمة. كما أن في المطلقات نحتاج إلى احراز كون المتكلم في مقام البيان من الخارج ولو بمعونة الأصل العقلائي ، كما سيأتي انشاء الله ، وفي العموم نفس أدلة العموم تقتضي كون المتكلم في مقام البيان. فالفرق بين العام الأصولي والمط يكون من جهتين. وعلى كل حال ، ان مقدمات الحكمة مركبة من عدة أمور :
    الأول :
    ان يكون الموضوع مما يمكن فيه الاطلاق والتقييد وقابلا لهما ، وذلك بالنسبة إلى الانقسامات السابقة على ورود الحكم. واما الانقسامات اللاحقة ـ كقصد القربة واعتبار العلم والجهل بالحكم ـ فهي ما لا يمكن فيها الاطلاق و التقييد ، فلا مجال فيها للتمسك بالاطلاق ، وفي الحقيقة هذا خارج عن مقدمات الحكمة ، بل هذا الامر يكون محققا لموضوع الاطلاق والتقييد.
    الثاني :
    كون المتكلم في مقام البيان ، لا في مقام الاجمال. وان لايكون الاطلاق تطفليا ، بحيث يكون الكلام مسوقا لبيان حكم آخر. كما في قوله تعالى : (1) « فكلوا
1 ـ المائدة ، 4

(574)
مما أمسكن عليكم » فان الكلام مسوق لبيان حلية ما يصطاده الكلب المعلم ، و ليس اطلاق « كلوا » واردا لطهارة موضع عضه أو نجاسته ، فهو في الحقيقة من هذه الجهة يكون مجملا ليس في مقام البيان. واعتبار هذا الامر في صحة التمسك بالمطلقات مما لا شبهة فيه. ولا شبهة أيضا في عدم استفادة الاطلاق من الأدلة الواردة في بيان أصل تشريع الاحكام ، كقوله تعالى : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمثال ذلك ، فان ورود ذلك في مقام التشريع يكون قرينة على أن المتكلم ليس في مقام البيان ، كما أن الاطلاق التطفلي المسوق لبيان شيء آخر يكون كذلك ، أي يكون قرينة على أنه ليس المتكلم في مقام البيان.
    واما فيما عدا هذين الموردين وفرض الكلام خاليا عن قرينة كون المتكلم ليس في مقام البيان ، فالأصل العقلائي يقتضى كون المتكلم في مقام البيان لو فرض الشك في ذلك. وعلى ذلك يبتنى جواز التعويل على المطلقات من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات ، فإنه لا طريق لنا إلى احراز كون المتكلم في مقام البيان الا من جهة الأصل العقلائي ، لمكان ان الظاهر من حال كل متكلم هو كونه في مقام بيان مراده ، وكونه في مقام الاهمال والاجمال يحتاج إلى احراز ذلك ، والا فطبع الكلام والمتكلم يقتضى ان يكون في مقام البيان ، وذلك واضح.
    الثالث :
    عدم ذكر القيد : من المتصل والمنفصل ، لأنه مع ذكر القيد لا يمكن ان يكون للكلام اطلاق ، وذلك أيضا واضح.
    فإذا تمت هذه الأمور الثلاثة ، فلا محالة يستفاد من الكلام الاطلاق ، و لا يحتاج في استفادة الاطلاق إلى شيء آخر وراء هذه الأمور الثلاثة.
    نعم : ذكر في الكفاية (1) أمرا رابعا ، وهو عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب. والمراد من وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ، هو ثبوت القيد المتيقن بحسب دلالة اللفظ وظهوره ، لا بحسب الحكم وواقع الإرادة ، فان ثبوت المتيقن بحسب
1 ـ كفاية الأصول ، الجلد الأول ص 384 « ثالثتها انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب. »

(575)
واقع الإرادة مما لا يتوهم دخله في صحة التعويل على المطلقات ، وانما الذي يمكن دخله في ذلك هو عدم وجود المتيقن في مقام التخاطب ومرحلة دلالة اللفظ وظهوره.
    والانصاف : ان وجود المتيقن في هذه المرحلة أيضا مما لا دخل له بالمقام ، الا إذا رجع إلى انصراف اللفظ إلى القدر المتيقن ، أو انصراف اللفظ عما عداه ، على اختلاف في كيفية الانصراف. واما مع عدم رجوعه إلى الانصراف فهو مما لا عبرة به ، كان هناك قدر متيقن في مقام التخاطب أو لم يكن ، فإنه على أي حال يصح التعويل على المطلق من غير فرق بين ان نقول : ان المراد من كون المتكلم في مقام البيان ، كونه في مقام بيان كل ما له دخل في متعلق حكمه وموضوعه النفس الأري ـ كما هو الحق والمختار ـ أو كونه في مقام بيان ما له دخل في ضرب القاعدة والقانون ، كما هو مسلكه ( قده ) من أن المطلقات انما وردت لضرب القاعدة والقانون لا لبيان المراد النفس الأمري ، فإنه على كل تقدير يكون وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا اثر له ، لأنه لو كان المراد النفس الأمري أو القانوني هو القدر المتيقن في مقام التخاطب لا خل ببيانه وما بينه ، و ليس وجود المتيقن بيانا ولا يصلح للبيانية ، فان من أوضح مصاديق القدر المتيقن في مقام التخاطب هو ورود العام والمط في مورد خاص كقوله عليه السلام : (1) خلق الله الماء طهورا ـ في مورد السؤال عن ماء بئر بضاعة ، فان المورد هو المتيقن المراد من اللفظ المط مع أنه لا يخصص المط بالمورد ، لا قال به أحد ولا هو ( قده ) قال به.
    فمن ذلك يظهر : ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب مما لا اثر له ، و لا يصلح لهدم الاطلاق ، بل حاله حال وجود المتيقن في الحكم والمراد النفس الأمري الذي اعترف ( قده ) بأنه مما لا اثر له.
    نعم : لو كان تأسيس مقدمات الحكمة لأجل خروج الكلام عن اللغوية وعدم بقاء المخاطب في حيرة بحيث لا يفهم من الكلام شيئا ، لكان لثبوت القدر المتيقن دخل في ذلك ، لان وجود المتيقن في البين يوجب خروج الكلام عن اللغوية وان المخاطب يفهم عن الكلام ذلك ، الا ان تأسيس مقدمات الحكمة ليس لأجل
1 ـ المستدرك ، الجلد 1 الباب 13 من أبواب الماء المطلق. الحديث 4 ص 28

(576)
ذلك ، بل لأجل استخراج ما هو الموضوع النفسي الأمري ، أو لأجل استخراج ما اراده المتكلم من اللفظ بالإرادة الاستعمالية من باب ضرب القاعدة والقانون ، على ما اختاره ( قده ). وثبوت القدر المتيقن في مقام التخاطب لا دخل له في ذلك ، لأنه لايكون بيانا ولا يصلح للبيانية ، الا إذا رجع القدر المتيقن إلى حد الانصراف ، سواء كان من الانصراف إليه ، ليكون بمنزلة القيد المذكور في الكلام ويكون المتكلم كأنه بين القيد في اللفظ. أو كان من الانصراف عنه ، بحيث يكون اللفظ منصرفا عما عدى القدر المتيقن وان لم ينصرف إليه بخصوصه ، فيكون القدر المتيقن ح مما يصلح للبيانية وان لم يكن مقطوع البيانية كما في القسم الأول. ولكن مجرد وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يصلح لان يكون بيانا ولا لان يكون مما يصلح للبيانية ، والا لكان المورد أولى بذلك ، لأنه أوضح مصاديق القدر المتيقن ، مع أنه قد عرفت عدم الالتزام به.
    فتحصل : ان الاطلاق يتوقف على أمرين لا ثالث لهما. الأول : كون المتكلم في مقام البيان. الثاني : عدم ذكر القيد متصلا كان أو منفصلا ، فان من ذلك يستكشف انا عدم دخل الخصوصية في متعلق حكمه النفس الأمري ، قضية تطابق عالم الثبوت لعالم الاثبات.
    الامر الخامس :
    بعد ما عرفت ان أسماء الأجناس موضوعة لللابشرط المقسمي ، ظهر لك : ان التقييد لا يوجب المجازية ، كما عليه المحققون من المتأخرين ، فان اللفظ لم يستعمل ح الا في معناه ، والخصوصية انما تستفاد من دال آخر.
    نعم : المجازية انما تلزم بناء على مقالة المشهور : من كون الألفاظ موضوعة لللابشرط القسمي وان الاطلاق يستفاد من نفس اللفظ بحسب وضعه ، فالتقييد يوجب استعمال اللفظ في خلاف معناه ، لان التقييد يضاد الاطلاق من غير فرق بين التقييد المتصل أو المنفصل ، فان التقييد لا محالة يوجب انسلاخ اللفظ عن الخصوصية المأخوذة فيه التي هي الاطلاق وتساوى كل خصوصية ونقيضها ، و لا يمكن بقاء تلك الخصوصية مع التقييد متصلا كان أو منفصلا ، فالتقييد بناء على


(577)
مسلك المشهور لامحة يوجب المجازية. كما أنه بناء على ما هو الحق : من وضع الألفاظ للابشرط المقسمي لا يوجب المجازية مط ، متصلا أو منفصلا. فالقول بالتفصيل بين المتصل والمنفصل ـ بعدم استلزام التقييد للمجازية في الأول واستلزامه في الثاني ـ مما لا وجه له على كل حال ، وذلك واضح ، الا ان الشأن في صحة اخذ الاطلاق مدلولا لفظيا.
    إذا عرفت هذه الأمور
    فاعلم : ان الكلام يقع ح في حمل المط على المقيد ، والبحث عن ذلك يقع من جهات :
    الجهة الأولى :
    انه إذا ورد مط ومقيد متنافيان ، فلا بد من الجمع بينهما بحمل الامر في المط على المقيد ، لا بحمل الامر في المقيد على الاستحباب وكونه أفضل الافراد ، ولا بكونه من قبيل الواجب في واجب مط ، من غير فرق بين كون ظهور الامر في المط في الاطلاق أقوى من ظهور الامر في المقيد في التقييد ، أو أضعف ، فإنه على كل حال لابد من حمل المطلق على المقيد من غير ملاحظة أقوى الظهورين. وذلك لان الامر في المقيد يكون بمنزلة القرينة على ما هو المراد من الامر في المط ، والأصل الجاري في ناحية القرينة يكون حاكما على الأصل الجاري في ذي القرينة.
    اما كونه بمنزلة القرينة ، فلانه وان لم يتحصل لنا بعد ضابط كلي في المايز بين القرينة وذيها ، الا ان ملحقات الكلام : من الصفة ، والحال ، والتميز ، بل المفاعيل ، تكون غالبا بل دائما قرينة على أركان الكلام : من المبتدأ والخبر والفعل و الفاعل.
    نعم : في خصوص المفعول به مع الفعل قد يتردد الامر بينهما في أن أيا منهما قرينة والآخر ذو القرينة ، كما في قوله : لا تنقض اليقين بالشك ، فإنه كما يمكن ان يكون عموم اليقين ـ في تعلقه بما له من اقتضاء البقاء وعدمه ـ قرينة على ما أريد من النقض الذي لابد من تعلقه بما له اقتضاء البقاء ، كذلك يمكن العكس. ومن هنا وقع الكلام في اعتبار الاستصحاب عند الشك في المقتضى. وكذا في ( لا تضرب


(578)
أحدا ) فإنه يمكن ان يكون عموم الأحد للاحياء والأموات قرينة على أن المراد من الضرب الأعم من المولم وغيره ، ويمكن العكس.
    وبالجملة : لا يمكن دعوى الكلية في باب الفعل والفاعل والمفعول به ، بل قد يكون الفعل قرينة على الفعول به ، وقد يكون المفعول به قرينة على الفعل ، الا انه فيما عدى ذلك من المتممات وملحقات الكلام كلها تكون قرينة على ما أريد من أركان الكلام.
    وإذا عرفت ذلك فنقول : ان الأصل الجاري في القرينة يكون حاكما على الأصل الجاري في ذيها من غير ملاحظة أقوى الظهورين ، كما هو الشأن في كل حاكم ومحكوم. ومن هنا كان ظهور ( يرمى ) في رمى النبل مقدما على ظهور ( أسد ) في الحيوان المفترس ، وان كان ظهور الأول بالاطلاق والثاني بالوضع والظهور المستند إلى الوضع أقوى من الظهور المستند إلى الاطلاق.
    والسر في ذلك : هو ان أصالة الظهور في ( يرمى ) تكون حاكمة على أصالة الحقيقة في ( أسد ) ، لأن الشك في المراد من ( الأسد ) يكون مسببا عن الشك في المراد من ( يرمى ) ، وظهور ( يرمى ) في رمى النبل يكون رافعا لظهور ( الأسد ) في الحيوان المفترس. فلا يبقى للأسد ظهور في الحيوان المفترس حتى يدل بلازمه على أن المراد من ( يرمى ) رمى التراب ، فان الدلالة على اللازم فرع الدلالة على الملزوم ، و ظهور ( يرمى ) في رمى النبل يرفع دلالة الملزوم.
    وبذلك يندفع ما ربما يقال : ان مثبتات الأصول اللفظية حجة ، فكما ان أصالة الظهور في ( يرمى ) تقتضي ان يكون المراد من الأسد هو الرجل الشجاع ، كذلك أصالة الحقيقة في الأسد تقتضي ان يكون المراد من ( يرمى ) رمى التراب ، لان لازم أصالة الحقيقة هو ذلك.
    توضيح الدفع : هو ان ( يرمى ) بمدلوله الأولى يقتضى ان يكون المراد من الأسد هو الرجل الشجاع ، لان ( يرمى ) عبارة عن رامي النبل وذلك عبارة أخرى عن الرجل الشجاع. وهذا بخلاف أسد ، فإنه بمدلوله الأولى غير متعرض لحال ( يرمى ) وان المراد منه رمى التراب ، بل مدلول الأولى ليس الا الحيوان المفترس.


(579)
نعم : لازم ذلك هو ان يكون المراد من ( يرمى ) رمى التراب ، ودلالته على لازمه فرع دلالته على مدلوله وبقاء ظهوره فيه ، وظهور ( يرمى ) يكون مصادما لظهور ( أسد ) في الحيوان المفترس وهادما له ، فلا يبقى له ظهور في الحيوان المفترس حتى يدل على لازمه وذلك واضح.
    وإذا عرفت ذلك ، ظهر لك : ان المقيد يكون بمنزلة القرينة بالنسبة إلى المطلق ، لان القيد لا يخلو : اما من أن يكون وصفا ، أو حالا ، أو غير ذلك من ملحقات الكلام ، وقد تقدم ان ملحقات الكلام كلها تكون قرينة ، وأصالة الظهور في المقيد تكون حاكمة على أصالة الظهور في المط حتى لو فرض ان ظهور المطلق في الاطلاق أقوى من ظهور المقيد في التقييد ، فلا يبقى للمط ظهور في الاطلاق حتى يحمل الامر في المقيد على الاستحباب ، أو واجب في واجب. هذا إذا كان القيد متصلا.
    وأما إذا كان منفصلا ، كما لو قال : أعتق رقبة ، وقال أيضا : أعتق رقبة مؤمنة ، فتمييز ان المنفصل يكون قرينة أو معارضا ، هو ان يفرض متصلا وانه في كلام واحد ، فان ناقض صدر الكلام ذيله يكون معارضا ، وان لم يكن مناقضا يكون قرينة. ففي المثال لابد من فرض المؤمنة متصلة بقوله : ( أعتق رقبة ) الوارد أولا ، إذ الذي يوهم المعارضة هو قيد المؤمنة ، والا فالدليلان يشتركان في وجوب عتق الرقبة ، فالذي لابد من فرضه متصلا هو قيد المؤمنة ، ومعلوم : ان التقييد بالمؤمنة تكون قرينة على المراد من المطلق. فلا فرق بين المتصل والمنفصل سوى ان المتصل يوجب عدم انعقاد الظهور للمطلق ، وفي المنفصل ينعقد الظهور الا انه يهدم حجيته. ولعله يأتي لذلك مزيد توضيح انشاء الله.
    الجهة الثانية :
    قد عرفت : ان مورد حمل المطلق على المقيد انما هو في صورة التنافي ، و التنافي لايكون الا بوحدة التكليف ، ووحدة التكليف تارة : يعلم بها من الخارج فهذا مما لا اشكال فيه. وأخرى : تستفاد وحدة التكليف من نفس الخطابين.
    وتفصيل ذلك : هو انه اما ان يذكر السبب لكل من المطلق والمقيد ، واما


(580)
ان لا يذكر السبب في كل منهما ، واما ان يذكر السبب في أحدهما دون الآخر. و صورة ذكر السبب في كل منهما ، اما ان يتحد السبب ، واما ان يختلف ، فهذه صور أربع لا خامس لها.
    الصورة الأولى :
    ما إذا ذكر السبب في كل منهما مع اختلافه ، كما إذا ورد : ان ظاهرت فاعتق رقبة ، وان أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة ، فهذا لا اشكال فيه في عدم حمل المطلق على المقيد ، لعدم التنافي بينهما ، وذلك واضح.
    الصورة الثانية :
    ما إذا اتحد السبب كما لو قال : ان ظاهرت فاعتق رقبة ، وان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة ، وفي هذه الصورة أيضا لا اشكال في حمل المط على المقيد ، لأنه من نفس وحدة السبب يستفاد وحدة التكليف ، فيتحقق التنافي بينهما.
    الصورة الثالثة :
    ما إذا ذكر السبب في أحدهما دون الآخر ، كما لو قال : أعتق رقبة ـ بلا ذكر السبب ، وقال أيضا : ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة ، أو بالعكس ، بان ذكر السبب في المط دون المقيد ، وفي هذه الصورة يشكل حمل المط على المقيد ، لأنه لا يتحقق هنا اطلاقان ومقيدان : أحدهما في ناحية الواجب وهو عتق الرقبة مط وعتق الرقبة المؤمنة ، وثانيهما في ناحية الوجوب والتكليف وهو وجوب العتق غير مقيد بسبب و وجوب العتق مقيدا بسبب خاص من الظهار في المثال المذكور. وتقييد كل من الاطلاقين يتوقف على تقييد الاطلاق الاخر ، فيلزم الدور.
    بيان ذلك : هو انه قد عرفت ان حمل المط على المقيد يتوقف على وحدة التكليف ، وفي المثال تقييد أحد الوجوبين بصورة تحقق سبب الآخر يتوقف على وحدة المتعلق ، إذ عند اختلاف متعلق التكليف لا موجب لحمل أحد التكليفين على الآخر ، كما لو ورد تكليف مطلق متعلق بشيء ، وورد تكليف مقيد متعلق بشيء آخر. ووحدة المتعلق في المقام يتوقف على حمل أحد التكليفين على الآخر ، إذ لو لم يحمل أحد التكليفين على الآخر ولم يقيد وجوب العتق المطلق بخصوص صورة الظهار


(581)
لم يتحقق وحدة المتعلق ، لان أحد المتعلقين هو عتق الرقبة المطلقة ، ومتعلق الآخر هو عتق الرقبة المؤمنة ، فيتوقف حمل أحد المتعلقين على الآخر على حمل أحد التكليفين على الآخر ، ويتوقف حمل أحد التكليفين على الآخر على حمل أحد المتعلقين على الآخر ، فيلزم الدور من حمل المط على المقيد في هذه الصورة ، والظاهر أنه لا دافع له ، فتأمل.
    الصورة الرابعة :
    ما إذا لم يذكر السبب في أحدهما وكان كل منهما مط بالنسبة إلى ذكر السبب ، وفي هذه الصورة لابد من حمل المط على المقيد إذا كان المطلوب في كل منهما صرف الوجود لا مط الوجود ، ولا يتوقف الحمل في هذه الصورة على العلم بوحدة التكليف من الخارج ، بل نفس كون المطلوب فيهما صرف الوجود مع كون التكليف الزاميا يقتضى حمل المط على المقيد. وذلك لان قوله : أعتق رقبة مؤمنة ـ يقتضى ايجاد صرف وجود عتق الرقبة المؤمنة ، ومقتضى كون الحكم الزاميا هو انه لابد من ايجاد عتق الرقبة المؤمنة وعدم الرضا بعتق الرقبة الكافرة ، والمفروض ان المطلوب في المطلق أيضا صرف الوجود ، ومقتضى كون المطلوب صرف وجود العتق وايجاب عتق الرقبة المؤمنة هو وحدة التكليف وكون المطلوب هو المقيد ليس الا. ومن هنا يظهر : ان الركن في حمل المط على المقيد ، هو كون الحكم الزاميا ، ولا يجرى في التكاليف المستحبة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح انشاء الله تعالى.
    الجهة الثالثة :
    الكلام في حمل المط على المقيد ، هو فيما إذا لم يكن دليل المقيد واردا لبيان المانعية ، والجزئية ، والشرطية ، بان يكون أمرا أو نهيا غيريا ، فإنه لو كان كذلك فلا اشكال في حمل المط على المقيد ، وذلك واضح. فالكلام في المقام انما هو فيما إذا كان امر المقيد أو نهيه نفسيا.
    ثم إن المطلوب في المط والمقيد اما ان يكون صرف الوجود ، واما ان يكون مط الوجود. فان كان المطلوب مطلق الوجود فلا موجب لحمل المطلق على المقيد ، الا إذا اقتضاه خصوص المقام ، من غير فرق بين ان يكون ذلك في التكاليف أو


(582)
في الوضعيات ، وبين ان يكون التكليف أمرا أو نهيا ، وبين ان يكون الزاميا أو استحبابيا ، فان لا منافاة بين المطلق والمقيد. نعم : ذكر المقيد عقيب المطلق لا بد ان يكون لخصوصية ولو كانت تلك الخصوصية شدة الاهتمام بالمقيد ، الا ان ذلك لا يوجب الحمل ، فلا منافاة بين قوله : في الغنم زكاة ، وبين قوله : في الغنم السائمة زكاة ، الا إذا علم من خصوصية المقام ان القيد سيق لبيان التقييد ، فيندرج في الأمر والنهي الغيري الذي تقدم ان التقييد فيه لازم الغيرية. هذا إذا كان المطلوب مطلق الوجود.
    وأما إذا كان المطلوب صرف الوجود فتارة : يكون أحدهما أمرا والآخر نهيا. وأخرى : يكون كل منهما أمرا أو كل منهما نهيا. فان كان الأول فلا يخلو اما ان يندرج في باب النهى عن العبادة ، واما ان يندرج في باب المطلق والمقيد ، واما ان يندرج في باب اجتماع الأمر والنهي ، واما ان يندرج في باب تعارض العموم من وجه ، ويلحق كل باب حكمه. ففي مثل قوله ( صل ولا تصل في الحرير ) يكون من النهى عن العبادة. وفي مثل قوله ( أعتق رقبة ولا تعتق الرقبة الكافرة ) يندرج في باب المط والمقيد ، ولابد من حمل المطلق على المقيد ولا يحمل النهى على الكراهة ، لما تقدم من حكومة أصالة الظهور في المقيد على المط ، فظهور النهى في الحرمة يكون مقدما على ظهور المط في الاطلاق. هذا إذا كانت النسبة بين الدليلين العموم المط ، كما هو محل البحث. وان كانت النسبة العموم من وجه فيندرج اما في باب اجتماع الأمر والنهي ، إذا كانت نسبة العموم من وجه بين نفس متعلق التكليف وهو الفعل والترك المطالب به الصادر من المكلف اختيارا كقوله : صل ولا تغصب ، واما في باب التعارض بالعموم من وجه إذا كانت النسبة بين متعلق المتعلق من الموضوعات الخارجية كقوله : أكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، هذا إذا كان أحد الدليلين أمرا و الآخر نهيا.
    وان كان كل منهما أمرا أو نهيا مع كون المطلوب صرف الوجود فتارة : يكون الحكم الزاميا ، وأخرى : استحبابيا. فان كان الزاميا فتارة : يكون الاطلاق والتقييد في كل من الوجوب والواجب ، بان كان الوجوب في أحدهما مطلقا وفى


(583)
الآخر مقيدا والواجب أيضا كذلك كقوله : أعتق رقبة ، وقوله : ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة ، وهذا قد تقدم حكمه : من أنه لا يحمل فيه المط على المقيد لا في طرف الوجوب ولا في طرف الواجب ، لاستلزامه الدور.
    وأخرى : يكون الاطلاق والتقييد في ناحية الوجوب فقط ، أو في ناحية الواجب فقط. فان كان في ناحية الوجوب فقط فتارة : يكون تقييد الوجوب بمثل الشرط والغاية ، بحيث تكون القضية ذات مفهوم ، كقوله : أعتق رقبة ، وقوله : ان جائك زيد فاعتق رقبة. وأخرى : يكون تقييد الوجوب بغير ذلك مما لا يقتضى المفهوم كقوله : أعتق رقبة ، وقوله : أعتق رقبة عند الظهار. فان كان تقييد الوجوب بما يقتضى المفهوم فهذا خارج عن محل الكلام ، فان مقتضى المفهوم هو انتفاء الوجوب عند عدم الشرط فيقيد الوجوب المطلق لا محالة. وان كان تقييد الوجوب بما لا يقتضى المفهوم ـ كالمثال المتقدم ـ فحكمه حكم تقييد الواجب من لزوم حمل المط على المقيد ، فان مقتضى قوله : عند الظهار أعتق رقبة ، هو انه عند الظهار لا بد من عتق الرقبة وعدم الرضا بتركه عند الظهار ، ومقتضى اطلاق قوله : أعتق رقبة ، هو جواز ترك العتق عند الظهار والعتق في غير حال الظهار ، وحيث انه لا يجتمع لزوم العتق عند الظهار مع جواز تركه عنده مع كون المتعلق واحدا والمطلوب صرف وجود العتق ، فيتحقق المنافاة بين الوجوب المط والوجوب المقيد ولا بد من حمل المط على المقيد. هذا إذا كان التقييد في ناحية الوجوب.
    وأما إذا كان التقييد في ناحية الواجب كقوله : أعتق رقبة ، وقوله : أعتق رقبة مؤمنة ، فقد تقدم الكلام فيه وانه لا بد من حمل المط على المقيد. ونزيد في المقام وضوحا فنقول : ان المحتملات في المثال أربعة :
    1 ـ احتمال ان يكون المطلوب واحدا وهو نتيجة حمل المط على المقيد.
    2 ـ احتمال ان يكون الامر في المقيد استحبابيا فيكون المقيد أفضل الافراد.
    3 ـ احتمال ان يكون الامر في المقيد لبيان كونه واجبا في واجب.
    4 ـ احتمال ان يكون الواجب متعددا ويكون هناك تكليفان : تكليف


(584)
بالمط ، وتكليف بالمقيد.
    والأظهر من هذه الاحتمالات بحسب الأصول اللفظية : هو الاحتمال الأول ، إذ الاحتمال الثاني قد تقدم ضعفه ، من حيث إن الأصول اللفظية الجارية في المقيد لمكان كونه قرينة تكون حاكمة على الأصول اللفظية الجارية في المط ، فيكون ظهور الامر في المقيد في الوجوب مقدما على ظهور المط في الاطلاق ، ولا تصل النوبة إلى حمل الامر في المقيد على الاستحباب ، لان حمله على الاستحباب انما هو من جهة ظهور المط في الاطلاق وأقوائية ظهوره في ذلك من ظهور الامر في المقيد في الوجوب ، وعلى فرض التساوي يتردد الامر بين الامرين : بين حمل المط على المقيد ، وبين حمل امر المقيد على الاستحباب ، هذا. ولكن قد عرفت : انه في باب القرينة وذيها لا يلاحظ أقوى الظهورين ، بل يكون ظهور القرينة وان كان أضعف مقدما على ظهور ذيها وان كان أقوى ، فالاحتمال الثاني ساقط.
    وكذا الحال في الاحتمال الثالث ، بل هو أضعف من الثاني ، فإنه يلزم رفع اليد عن ظهور الامر المقيد في كون الواجب هو الجملة المركب من القيد والمقيد ، إذ لو حمل الامر فيه على كونه لبيان كون القيد من الواجب في الواجب يلزم ان يكون الواجب في قوله : أعتق رقبة مؤمنة ، هو خصوص القيد ، وانه سيق لبيان وجوب ذلك فقط ، وهذا ينافي ظهوره في وجوب الجملة والمركب من القيد والمقيد ، فحمله على وجوب خصوص القيد يوجب هدم ظهوره بالمرة ، بل ذلك أردأ من حمل الامر فيه على الاستحباب ، لان حمل الامر على الاستحباب ليس بعزيز الوجود ، بخلاف حمله على ذلك ، فإنه يحتاج إلى دليل قوى مفقود في المقام.
    فبقى الاحتمال الرابع ، وهو تعدد التكليف ، وقد تقدم ان تعدد التكليف وكون الواجب هو كل من المط والمقيد ينافي كون المطلوب هو صرف الوجود مع كون التكليف بالمقيد الزاميا ، فان معنى الالزام هو عدم الرضا بخلو صفحة الوجود عن المقيد وانه لابد من اشغال صفحة الوجود به ، وهذا بخلاف المط فإنه يقتضى جواز ترك القيد ، فيتحقق التنافي بينهما ، ويتعين ح حمل المط على المقيد جمعا بين الدليلين ، فتأمل جيدا. هذا كله فيما إذا كان التكليف بالمط والمقيد الزاميا.


(585)
    وأما إذا كان التكليف استحبابيا ، ففي جميع أقسامه لا موجب لحمل المط على المقيد. أما إذا كان التكليف الاستحبابي في كل منهما مط وكان التقييد في ناحية المستحب كما إذا قال : يستحب الدعاء ، وقال أيضا : يستحب دعاء كميل ، فلانه لا يتحقق شرط الحمل ، إذ لا منافاة بينهما بعد ما كان المقيد جايز الترك ، فلا منافاة بين استحباب الدعاء والمط واستحباب الدعاء المقيد.
    وأما إذا كان التقييد في ناحية كل من التكليف والمكلف به كما إذا قال : يستحب الدعاء ، وقال أيضا : ان جاء زيد يستحب دعاء كميل مثلا ، فلانه إذا كان التكليف الإلزامي على هذا الوجه لا يحمل فكيف بالتكليف الاستحبابي ؟.
    وأما إذا كان التقييد في ناحية التكليف فقط ، فان لم يكن التقييد مما يقتضى المفهوم كما إذا قال : يستحب الدعاء ، وقال أيضا يستحب الدعاء عند رؤية الهلال ، فلانه وان قلنا في التكليف الإلزامي بالحمل ، الا انه في التكليف الاستحبابي لا موجب للحمل لمكان تفاوت مراتب الاستحباب. فلا منافاة بين الاستحباب المطلق والاستحباب المقيد ، بل ذهب شيخنا الأستاذ مد ظله إلى عدم الحمل حتى فيما إذا كان التقييد يقتضى المفهوم كما إذا قال : يستحب الدعاء ، وقال أيضا : ان جائك زيد يستحب الدعاء ، فان تفاوت مراتب الاستحباب يكون قرينة على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية. والمسألة بعد لا تخلو عن الاشكال ، بل ربما يستشكل في القسم السابق ، بل فيما إذا كان التقييد في ناحية المستحب فقط. فتأمل في المقام جيدا.
    وقد تمت مباحث المط والمقيد في الليلة التاسعة والعشرين من شهر ربيع
الأول سنة 1348
وله الحمد أولا وآخرا
وانا العبد المذنب محمد علي الكاظمي الخراساني.
فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس