|
|||
(241)
الإجماع أو الخروج عن الدين.
ولو كان الوجه فيها العلم الإجمالي : فالاحتياط يكون هو الأصل من باب حكم العقل بلزومه إرشادا حذرا عن مخالفة التكاليف وتحصيلا لامتثالها. وهذا الحكم العقلي لا يمكن أن يستتبع الحكم الشرعي المولوي لأنه واقع في سلسلة معلولات الأحكام. لا أقول : إنه لا يمكن للشارع جعل ايجاب الاحتياط طريقا في موارد العلم الإجمالي ، فان اقتضاء العلم الإجمالي للتنجيز عقلا لا يمنع عن جعل الشارع في مورده حكما ظاهريا طريقيا بعنوان الاجتناب عن المحتملات ، إذ العقل إنما يستقل بقبح المخالفة للتكليف المعلوم بالإجمال وأنه لابد من الخروج عن عهدته. وليس للعقل حكم بوجوب الإتيان بالمحتملات في الشبهات الوجوبية أو حرمة الإتيان بها في الشبهات التحريمية ، فان الحكم بالوجوب والحرمة من وظيفية الشارع ، وليس وظيفة العقل سوى الحكم بلزوم إفراغ الذمة عما اشتغلت به من التكليف ، غايته أن فراغ الذمة عن ذلك يتوقف عقلا على الجمع بين المحتملات فعلا أو تركا ـ حسب اختلاف الشبهات ـ فللشارع جعل حكم ظاهري طريقي بوجوب الإتيان بالمحتمل بما أنه محتمل أو حرمة تركه كذلك (1) 1 ـ أقول : معنى الحكم الطريقي : هو الايجاب في ظرف المطابقة والترخيص في طرف المخالفة. وإن وجه منجزيته للتكاليف المحتملة أحد الوجهين اللذين ذكرناهما في باب جعل الطرق : أحدهما : كشف الايجاب المزبور عن اهتمام الشارع تعرضه بنحو لا يرضى بتركه في ظرف الجهل به ، ومثل هذا الاحتمال منجز عقلا وموضوع لحكمه بدفع الضرر المحتمل ، لا قبح العقاب بلا بيان. وثانيهما : كونه بيانا في ظرف الجهل ، بمعنى ملازمة وجود التكليف الواقع مع بيانه في ظرف الجهل الملازم لاحتمال البيان المستلزم لارتفاع موضوع حكم العقل بقبح العقاب في ظرف الجزم بعدم البيان ، وحينئذ لا مجال للحكم الطريقي إلا مجرد التنجز بلا اقتضائه الجزم بالوجوب لا نفسيا ولا مقدميا ، ولذا لا يكاد ينتج الجزم بالقربة أيضا. وعليه : فبعد استقلال العقل بمنجزية العلم ، لا يبقى مجال للايجاب الطريقي. نعم : لا بأس بتتميم الكشف ولو من جهة إثماره في الرخصة في إتيان مشكوك الوجوب بعنوان وجوبه الموجب هذا الترخيص لإخراج (242)
ويكون الغرض من ذلك الوصلة إلى التكليف الواقعي ، سواء كان المحتمل من أطراف العلم الإجمالي ، أو كان من الشبهات البدوية ، ك « باب الدماء والفروج والأموال ».
ولا يتوهم : أن حكم الشارع بوجوب الاحتياط في موارد استقلال العقل به لغو لا يترتب عليه أثر عملي ، فإنه لو فتحنا باب هذا الإشكال يلزم عدم صحة حكم الشارع بالإباحة الظاهرية في موارد استقلال العقل بالبرائة ، وعدم صحة حكم الشارع بالبناء على بقاء التكليف عند الشك في بقائه في موارد استقلال العقل بالاشتغال. وحل الإشكال في الجميع ، هو ان وظيفة العقل ليس الحكم بالوجوب أو الحرمة أو الإباحة ، بل وظيفته إدراك الحسن والقبح ، سواء كان إدراكه واقعا في سلسلة علل الأحكام أو في سلسلة معلولاتها ، غايته أنه لو وقع في سلسلة المعلولات لا يصح للشارع جعل حكم مولوي على طبق ما أدركه العقل ، للزوم التسلسل. وأما جعل حكم آخر مغاير لما أدركه العقل فهو بمكان من الإمكان وإن اتحدا في النتيجة ، والعقل إنما يحكم لزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال وليس على طبقه حكم مولوي من الشارع ، بل المدعى أن الحكم الشرعي يتعلق بالمحتمل بما أنه محتمل لغرض الوصول إلى التكليف الواقعي ، فدعوى استحالة تعلق الجعل الشرعي بالاحتياط في موارد العلم الإجمالي مما لا ينبغي الإصغاء إليها. ولكن مجرد صحة الجعل لا يكفي ما لم يقم دليل عليه ، وإلا فنفس العلم الإجمالي لا يقتضي ذلك ، لأن حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة بالإجمال يكفي في لزوم الاحتياط والجمع بين المحتملات. المورد عن التشريع ، ولكن ليس ذلك شأن كل حكم طريقي ، ولو بمثل ايجاب الاحتياط وأمثاله العارية عن لسان التنزيل ، فليس شأنها حينئذ إلا التنجيز المعلوم لغويته في ظرف منجزية العلم الإجمالي ، كما لا يخفى. (243)
فلو استندنا في بطلان المقدمة الثانية إلى العلم الإجمالي ومنجزيته للتكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع المشتبهة كان الاحتياط هو الأصل من جهة حكم العقل به إرشادا ، لا من جهة جعل الشارع له طريقا ـ كما هو مقتضى الوجهين الأولين ـ ولأجل اختلاف حكم الاحتياط من حيث حكم العقل به إرشادا أو من حيث جعل الشارع له طريقا تختلف نتيجة مقدمات الانسداد من حيث الكشف والحكومة والتبعيض في الاحتياط ، على ما سيأتي تفصيله.
الأمر الثاني : للاحتياط مراتب ثلاث : المرتبة الأولى : الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة : من مظنوناتها ومشكوكاتها وموهوماتها ، على وجه يقتضي إحراز جميع التكاليف الواقعية على ما هي عليها ، وهذه المرتبة من الاحتياط تخل بالنظام النوعي والشخصي ، لكثرة الوقايع المشتبهة وانتشارها في جميع ما يتوقف عليه النظام : من المعاش والمعاشرة والمحاورة والعقود والايقاعات وغيرها ، ولا إشكال أن التجنب عن جميع ذلك يخل بالنظام. المرتبة الثانية : الاحتياط الموجب للعسر والحرج من دون أن يستلزم اختلال النظام ، بل مجرد الضيق الذي لا يناسب الملة السهلة السمحة. المرتبة الثالثة : الاحتياط الذي لا يوجب العسر والحرج ، فإذا كان الحاكم بلزوم الاحتياط في الوقايع المشتبهة هو العقل من جهة اقتضاء العلم الإجمالي ، فبطلان كل مرتبة سابقة يوجب تعين المرتبة اللاحقة ، لأن الضرورات عند العقل تتقدر بقدرها ، فإذا بطل الاحتياط المخل بالنظام ولم يجز العمل به عند العقل تتعين المرتبة الثانية ، وإذا بطلت المرتبة الثانية بأدلة نفي العسر والحرج ـ على ما سيأتي بيانه ـ تتعين المرتبة الثالثة ، فإذا فرضنا أن الاحتياط في جميع الوقايع المشتبهة ـ من المظنونات والمشكوكات والموهومات ـ (244)
يوجب اختلال النظام يتعين الأخذ بالمظنونات والمشكوكات إذا لم يستلزم الاحتياط فيهما ذلك ، وإذا كان الاحتياط فيهما يوجب العسر والحرج وقلنا : إن أدلة العسر والحرج تنفى الاحتياط الموجب لذلك وإن كان الحاكم بالاحتياط هو العقل على الأقوى ـ خلافا لبعض الأعاظم على ما سيأتي بيانه ـ كان اللازم الأخذ بالمظنونات فقط ، أوهى مع بعض المشكوكات على وجه لا يلزم منه العسر والحرج. والسر في ذلك هو ما عرفت : من أن الضرورات عند العقل تتقدر بقدرها ، ولا يعقل أن يكون بطلان مرتبة موجبا لسقوط ساير المراتب ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في الأمور اللاحقة. هذا إذا كان الملزم بالاحتياط حكم العقل إرشادا من جهة العلم الإجمالي.
وإن كان الملزم بالاحتياط هو الحكم الشرعي من جهة نصبه طريقا إلى إحراز التكاليف في الوقايع المشتبهة ، فقد عرفت : أن الطريق الواصل بنفسه هو الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة (1) فإذا فرضنا بطلان هذا الطريق من جهة استلزامه اختلال النظام ، فتعيين بقية مراتب الاحتياط تحتاج إلى معين آخر ، فإنه من الممكن أن يكون الشارع قد جعل الاحتياط في بعض الوقايع طريقا ، ومن الممكن أيضا أن يكون قد جعل الظن طريقا محرزا. وإن كان يمكن أن يقال : إن الوجهين الأولين يقتضيان نصب الشارع طريقا واصلا إلى العباد والطريق الواصل بنفسه هو الاحتياط الذي لا يخل بالنظام ، فان الاحتياط المخل بالنظام مما يستقل العقل بقبح نصبه ، ولازم ذلك : هو كون الطريق المنصوب شرعا الاحتياط في الشبهات على وجه لا يلزم منه اختلال النظام ، فيتعين التبعيض في الاحتياط ، إلا ان يقوم إجماع على بطلان التبعيض 1 ـ أقول : الأولى أن يقال : ويعبر عنه بالطريق الموصل لا الواصل ، وإلا لا اختصاص في الطريق الواصل بالاحتياط ، بل كلما علم بجعله من قبل الشارع فهو الطريق الواصل احتياطا كان أو طريقا ، بمعنى الوسطية في الإثبات بمصطلحه ، كما شرحناه. وحينئذ لا موجب على الشارع من جعل خصوص الاحتياط لمحض كونه بنفسه موصلا ، بل له أن يجعل طريقا آخر بتتميم كشفه وبجعله موصلا قبال الاحتياط ، كما لا يخفى. (245)
في الاحتياط أو على أن بناء الشريعة ليس على الامتثال الاحتمالي ـ على ما سيأتي بيانه ـ حينئذ جعل الظن طريقا.
ومن ذلك يظهر : أن نتيجة مقدمات الانسداد ، إما أن تكون التبعيض في الاحتياط (1) وإما أن تكون حجية الظن ، ولا تصل النوبة إلى الحكومة بمعنى الامتثال الظني ، وسيأتي تفصيل ذلك ، فانتظر. الأمر الثالث : قد تقدم : أن التعرض للوقايع المشتبهة بعد الفراغ عن عدم جواز إهمالها لابد وأن يكون بأحد الطرق الثلاثة المقررة للجاهل : من التقليد والرجوع في كل شبهة إلى الأصل الجاري فيها والاحتياط في جميع الشبهات. وقد عرفت : بطلان التقليد والرجوع إلى الأصل الجاري في كل شبهة. وأما بطلان الاحتياط في جميع الوقايع : فقد استدل عليه بوجهين : الأول : الإجماع على عدم وجوب الاحتياط. الثاني : استلزامه العسر والحرج ، بل اختلال النظام. أما الإجماع : فيمكن تقريبه بوجهين : الأول : الإجماع على عدم وجوب إحراز جميع المحتملات في الوقايع 1 ـ أقول : تعين التبعيض في ظرف اختلال النظام إنما يتم مع الالتزام بمنجزية العلم الإجمالي ، فمثل هذا الجعل في أحد المحتملات الغير الموجب لاختلال النظام ، إذ لولا منجزية العلم لا يكون مجرد الجعل الواقعي منجزا ، ومنجزية هذا العلم فرع كون عدم إهمال الوقايع والخروج عن الدين مستندا إلى هذا العلم ، بحيث لولاه أو لولا منجزيته يستقل العقل بقبح العقاب. وأما لو قلنا بأنه لو فرض عدم منجزية هذا العلم أيضا لا يجوز أيضا ترك التعرض لامتثال الأحكام بنحو يوجب محذور الخروج عن الدين ، فلا محيص حينئذ من كشف منجز آخر موجب لانحلال العلم المزبور. وبعد ذلك نقول : إن تعين هذا المنجز أما مسند إلى حكومة العقل أو العلم الإجمالي في المرتبة الثانية ، ولا مجال للأخير ، إذ يجرى الكلام السابق فيه وهلم جرا ، فيتعين الأول من حكومة العقل ، وحينئذ فلا محيص لك من الالتزام بعدم تعطيل العقل عن حكمه ، فلم لا تلتزم به من الأول المانع عن كشف جعل أصلا ؟ فتدبر بعين الدقة. (246)
والجمع بينها بفعل كل ما يحتمل الوجوب وترك كل ما يحتمل الحرمة.
الثاني : الإجماع على أن بناء الشريعة المطهرة ليس على امتثال التكاليف بالاحتمال ، بل بنائها على امتثال كل تكليف بعنوانه : من الوجوب والحرمة ، لا بمعنى اعتبار قصد الوجوب والحرمة ، بل معنى : أن الإتيان بالشيء بما أنه محتمل الوجوب أو محتمل الحرمة أو محتمل الإباحة ـ بحيث يكون الإتيان بمتعلقات التكاليف بعنوان الاحتمال وبرجاء انطباقه على المكلف به ـ أمر مرغوب عنه شرعا ليس بناء الشريعة عليه. وهذان الوجهان من الإجماع وإن لم يقع التصريح بهما في كلام القوم ، إلا أنه مما يقطع باتفاق الأصحاب عليهما (1) كما مر نظيره في دعوى الإجماع على عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة. وقد عرفت : أن الإجماع التقديري كالمحصل الفعلي في الاعتبار. ونتيجة هذين الوجهين من الإجماع تختلف ، فإنه على الوجه الثاني تكون النتيجة حجية الظن شرعا المعبر عنها بالكشف ، من غير فرق بين أن يكون المدرك في المقدمة الثانية ( وهي عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة ) هو الإجماع أو الخروج عن الدين أو العلم الإجمالي ، ولا يمكن أن تكون النتيجة التبعيض في الاحتياط ، كما لا يمكن أن تكون النتيجة الامتثال الظني المعبر عنه بالحكومة ، فان في التبعيض في الاحتياط أيضا يكون الامتثال احتماليا ، والمفروض أن بناء الشريعة ليس على الامتثال الاحتمالي ـ كما هو مفاد الوجه الثاني من تقريب الإجماع على بطلان الاحتياط ـ فوجوب العمل بالمظنونات من الوقايع المشتبهة الذي هو المقصود من دليل الانسداد ليس لأجل التبعيض في 1 ـ أقول : عمدة الكلام في إثبات هذا الإجماع ، لأنه أول شيء ينكر ، بل غاية ما عليه الإجماع عدم بناء الشريعة على الاحتياط الناشئ من قبل منجزية العلم الإجمالي تماما أو تبعيضا ، لا عدم إتيان مظنون التكليف لكونه مظنونا ومنجزا بهذا الظن ، كيف والقائلين بالحكومة ليس مرامهم إلا هذا ! فكيف يدعى اتفاق الأصحاب على خلافه ؟ ولقد أشرنا إلى ذلك في الحاشية المكتوبة في أول المسألة فذلكة لمرامه. (247)
الاحتياط إذا كان بطلانه في جميع الوقايع من جهة قيام الإجماع على أن بناء الشريعة على الإتيان بكل تكليف بعنوانه ، بل لأجل كشف ذلك عن أن الشارع جعل الظن طريقا محرزا للواقع مثبتا للتكاليف المعلومة بالإجمال. وليس وجوب العمل بالمظنونات أيضا لأجل حكم العقل بلزوم التنزل إلى الامتثال الظني عند تعذر الامتثال العلمي ، فان الامتثال في الامتثال الظني أيضا يكون بنحو الاحتمال الذي فرضنا أن بناء الشريعة ليس على ذلك.
فالامتثال الظني مما لا يمكن أن يحكم العقل به مع انعقاد الإجماع على وجوب الإتيان بكل تكليف بما هو هو لا بما أنه محتمل ، وإنما يحكم العقل بالامتثال الظني في الشبهات الموضوعية عند تعذر الامتثال العلمي أو تعسره ، كموارد الجهل بالقبلة ، وكتردد الفوائت اليومية بين الأقل والأكثر ، ونحو ذلك من موارد اشتباه المكلف به لأجل الشبهة الموضوعية ، فان العقل يستقل بلزوم الإطاعة والامتثال الظني مع تعذر الامتثال العلمي والإجمالي ، وهذا أجنبي عن المقام ، فان العمل بالمظنونات لا يلازم الظن بامتثال التكاليف المنتشرة في الوقايع المشتبهة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح ( إن شاء الله تعالى ). والغرض في المقام مجرد بيان أن قيام الإجماع على الوجه الثاني ، وهو وجوب امتثال التكاليف بعناوينها الخاصة (1) يكشف كشفا قطعيا على أن 1 ـ أقول : اقتضاء الإجماع على عدم بناء الشرع على الإتيان بمحتمل التكليف بما هو محتمل حجية الظن بلا واسطة شيء مساوق دعوى الإجماع على حجية الظن ، فيخرج حينئذ من نتيجة دليل الانسداد ، فلا محيص من كون هذا الاقتضاء بواسطة ضم بقية المقدمات ، ومرجعه بالأخرة إلى العلم بجعل وسط في البين الموجب لعدم الأخذ بجميع المحتملات ، فيؤخذ بالأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة ، وحينئذ لنا أن نقول : إن هذا العلم الإجمالي لولا منجزيته وموصليته لهذا الجعل لما يكون مجرد الوسطية بوجوده الواقعي منجزا للواقع. وحينئذ لنا أن نقول : أن منجزية هذا العلم فرع كون المدرك لبطلان الخروج عن الدين هذا العلم ، ومع فرض عدمه وكشف منجز آخر خرج هذا العلم عن المنجزية والموصلية ، فتحتاج في تعيين الوسط المجعول وايصاله إلى منجز آخر ، وهذا المنجز أيضا لا يمكن أن يجعل وسطا آخر في تعين الوسط الأول ، وإلا فهلم جرا ، فلا محيص من انتهاء الأمر إلى حكم العقل واستقلاله بكون الموصل للوسط المجعول هو الظن ، فانتهى الأمر بالأخرة إلى لزوم (248)
الشارع نصب الظن طريقا محرزا للتكاليف موصلا إليه عند انسداد باب العلم بها ، سواء كان عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة لأجل الإجماع ، أو الخروج عن الدين ، أو العلم الإجمالي.
وأما على الوجه الأول من تقريب الإجماع على بطلان الاحتياط ( وهو قيام الإجماع على عدم وجوب الجمع بين المحتملات ) فالنتيجة تختلف حسب اختلاف الوجوه الثلاثة في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة المتقدمة في المقدمة الثانية. فإنه لو كان الوجه في عدم جواز إهمال الوقايع هو العلم الإجمالي كانت النتيجة التبعيض في الاحتياط لا محالة ، لأن العلم الإجمالي كان يقتضي الجمع بين جميع المحتملات ، وقد انعقد الإجماع على عدم وجوب الجمع ، وذلك لا يقتضي سقوط الاحتياط رأسا عن جميع الأطراف بل عن بعض الأطراف ويبقى بعضها الآخر على ما يقتضيه العلم الإجمالي من الاحتياط. وعلى هذا تبقي مقدمات الانسداد عقيمة لا تصل النوبة إلى المقدمة الرابعة لاستنتاج النتيجة ، وسيأتي بيانه. وإن كان الوجه في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة هو الإجماع أو الخروج عن الدين اللذان كانا يقتضيان جعل الشارع طريقية الاحتياط في جميع الوقايع ، فقيام الإجماع على عدم وجوب الجمع بين جميع المحتملات وإن كان يبطل جعل الشارع طريقية الاحتياط في الجميع ، ولكن لا يقتضي جعل الشارع طريقية الظن ، فإنه كما يمكن ذلك يمكن جعل التبعيض في الاحتياط ، الأخذ بالظن والاحتمال الراجح في تعيين ما هو وسط ، وذلك يبطل الإجماع المزبور ، إذ بالأخرة يرجع إلى امتثال الأحكام بالاحتمال لا بالجزم. نعم : ينتهى النوبة إلى الجزم بمقتضى المقدمة الرابعة بناء على منجزية العلم وموصليته من باب التبعيض في الاحتياط في المرة الثانية ، ولكن بطلان الخروج عن الدين يمنع عن وصول النوبة إلى منجزية العلم الإجمالي رأسا. (249)
من جهة أنه هو الطريق الواصل بنفسه وطريقية الظن يحتاج إلى جعل لم يثبت ، فالتبعيض في الاحتياط لا ينحصر أن يكون بالزام من العقل في أطراف العلم الإجمالي عند تعذر الاحتياط في الجميع ، بل يمكن أن يكون بجعل شرعي.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : أن قيام الإجماع على أنه « ليس بناء الشريعة على العمل بالاحتمال » يقتضي حجية الظن شرعا مطلقا سواء كان المستند في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة الإجماع ، أو الخروج عن الدين ، أو العلم الإجمالي. وقيام الإجماع على عدم وجوب الجمع بين المحتملات في الوقايع المشتبهة يقتضي التبعيض في الاحتياط ، إما عقلا إن كان المستند في عدم جواز إهمال الوقايع هو العلم الإجمالي ، وإما شرعا إن كان المستند في ذلك هو الإجماع أو الخروج عن الدين. هذا كله إذا كان الوجه في بطلان الاحتياط الإجماع بكلا تقريبيه. وإن كان الوجه فيه كونه موجبا للعسر والحرج فالنتيجة أيضا تختلف حسب اختلاف الوجوه الثلاثة ـ المتقدمة في المقدمة الثانية ـ فإنه لو كان الوجه في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة العلم الإجمالي ، فالنتيجة هي التبعيض في الاحتياط مطلقا ، كان الاحتياط التام في جميع الوقايع مما يخل بالنظام أو كان مما يوجب العسر والحرج ، فإنه على كلا التقديرين العقل لا يلزم بالاحتياط التام ، بل يستقل بقبحه إذا كان مما يخل بالنظام ، فلابد من التبعيض في الاحتياط إلى حد لا يلزم منه العسر والحرج ، وسيأتي الوجه في ذلك. ولو كان الوجه في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة هو الإجماع أو الخروج عن الدين فان كان الاحتياط التام مما يخل بالنظام ، فالعقل يستقل أيضا بعدم نصب الشارع الاحتياط المخل بالنظام طريقا إلى امتثال التكاليف الواقعية ، بل يقبح على الشارع الإلزام بسلوك طريق يؤدى إلى اختلال النظام النوعي والشخصي ، فلابد حينئذ : إما من ايجاب التبعيض في (250)
الاحتياط ، وإما من نصب الظن طريقا ، على ما تقدم بيان ذلك.
وإن كان الاحتياط التام مما لا يخل بالنظام ، بل كان يلزم منه مجرد العسر والحرج : ففي بطلان الاحتياط واستكشاف عدم نصب الشارع له طريقا من عموم أدلة نفي العسر والحرج إشكال ، من حيث إن أدلة نفي العسر والحرج كأدلة نفي الضرر إنما تكون حاكمة على الأدلة الأولية المتكفلة لبيان الأحكام المترتبة على الموضوعات الواقعية الشاملة باطلاقها لحالة الضرر والعسر والحرج ، فلابد وأن يكون لمتعلق الحكم الواقعي حالتان : حالة يلزم منها الضرر والعسر والحرج ، وحالة لا يلزم منها ذلك لتكون أدلة نفيها حاكمة على دليل الحكم الواقعي وموجبة لنفي الحكم عن المتعلق أو الموضوع الذي يلزم منه الضرر والعسر والحرج. وأما لو اختص الحكم الواقعي بما يلزم منه الضرر أو العسر والحرج دائما بحيث لم يكن له حالة لا يلزم منها ذلك ـ كوجوب الخمس والزكاة والجهاد ونحو ذلك من الأحكام الضررية ـ فلا يمكن أن تكون أدلة نفي الضرر والعسر والحرج حاكمة على دليل الحكم ورافعة له ، لأن الحكم رتب من أول الأمر على الموضوع الضرري ، فكيف يمكن أن يكون دليل نفي الضرر حاكما على دليله ! مع أن الضرر محقق لموضوع الحكم ومتعلقه ، فلا يعقل أن ينفيه ، فان الموضوع إنما يستدعى ثبوت الحكم لا نفيه ، والاحتياط في المقام يكون كالخمس والزكاة والجهاد ليس له حالة لا يلزم منها العسر والحرج ، فان الاحتياط عبارة عن الجمع بين المحتملات : من المظنونات والمشكوكات والموهومات في الوقايع المشتبهة ، والاحتياط على هذا الوجه يوجب العسر والحرج دائما ، فلو أوجبه الشارع ونصبه طريقا إلى ما في الوقايع المشتبهة من التكاليف ـ كما هو مقتضى الوجهين الأولين اللذين بنيت عليهما المقدمة الثانية ـ كان كايجاب الخمس والزكاة لا يمكن أن تكون أدلة نفي العسر والحرج حاكمة على دليل ايجابه وموجبة لنفي وجوبه. وتوهم : أن من أدلة نفيهما يستكشف عدم ايجاب الشارع الاحتياط (251)
ونصبه طريقا (1) فاسد ، فان أدلة نفيهما إنما تكون حاكمة على أدلة الأحكام المجعولة في الشريعة ، وليس من شأنها نفي جعل حكم في الشريعة أو إثباته ابتداء باعتبار وجود مناط الجعل وعدمه ، فان بناء أدلة نفي العسر والحرج ليس مجرد الإخبار عن أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه العسر والحرج.
وبالجملة : لا إشكال في أن أدلة نفي العسر والحرج لا تنفى الأحكام التي يختص تشريعها بحال يلزم منه العسر والحرج ، فلو كان مدرك عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة هو الإجماع أو الخروج عن الدين الموجبان لنصب الشارع الاحتياط طريقا في حال انسداد باب العلم والعلمي كان اللازم وجوب الاحتياط وإن استلزم العسر الحرج ، ولا تصل النوبة إلى حجية الظن أو التبعيض في الاحتياط. وهذا بخلاف ما إذا كان المدرك لعدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة العلم الإجمالي ، فإنه لا محيص عن التبعيض في الاحتياط بمقدار لا يلزم منه العسر والحرج. ولا موجب لسقوط الاحتياط رأسا في جميع الوقايع المشتبهة ـ كما قيل ـ فان الضرورات تتقدر بقدرها ، فلو اضطر المكلف إلى الاقتحام في بعض أطراف العلم الإجمالي كان الاضطرار موجبا عقلا للترخيص فيما يدفع به 1 ـ أقول : يكفي في دفع هذا التوهم ما أفيد من منع نظر دليل نفي العسر إلى تكليف يكون من لوازمه العسر ، بلا احتياج إلى هذه المقدمة ، إذ على فرض شمول دليل نفي الحرج لنفي جعل حكم في الشريعة يختص أيضا بنفي جعل حكم له حالتان ، ويرفع حالة العسرية على فرض وجوده ولا يرفع حكما مختصا على فرض الوجود حال الحرج. نعم : الذي يرد على أصل التقريب هو أن دليل نفي الحرج لو كان ناظرا إلى صرف ايجاب الاحتياط التام من الشارع ، فالأمر كما أفيد. وأما لو كان ناظرا إلى الحكم الواقعي المشكوك على فرض الوجود ، فلا شبهة في أن له حالتان : فدليل العسر يرفع فعلية الواقع بالنسبة إلى مثل هذه الحالة المشتبهة الموجبة لعسرية امتثاله دون غيرها ، وبمثل هذا الرفع التقديري يستكشف عدم ايجاب الاحتياط ، لأنه من تبعات وجود التكليف الواقعي على فعليته حتى في هذا الحال ، كما لا يخفى. ثم إن رفع التكليف الواقعي في هذا الحال ليس المراد أيضا رفعه مطلقا ، بل الغرض رفعه بمقدار يقتضي العسر في هذا الحال لا مطلقا ، ونتيجة ذلك أيضا ليس إلا التبعيض في الاحتياط ، كما لا يخفى ، فتدبر. (252)
الاضطرار ، سواء كان الاضطرار من جهة لزوم الضرر أو العسر والحرج أو غير ذلك من الأسباب ، وسواء كان الاضطرار إلى البعض المعين أو غير المعين (1) غايته أنه إذا كان إلى المعين يتعين دفع الاضطرار به بخصوصه ، وإن كان إلى غير المعين يكون المكلف بالخيار في دفع الاضطرار بكل واحد من الأطراف ، وليس له التعدي عن غير ما يدفع به الضرورة ، فان مقتضى العلم الإجمالي عقلا هو لزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال بأي وجه اتفق ، لأن المفروض أن العلم الإجمالي كالتفصيلي يقتضي التنجيز ، فبمجرد العلم الإجمالي يتنجز التكليف ، غايته لو صادف دفع الاضطرار بمتعلق التكليف كان ذلك موجبا
1 ـ أقول : إذا كان الاضطرار مقارنا للعلم وكان متعلقا بطرف معين ، كيف يمكن دعوى منجزية العلم الإجمالي بالنسبة إلى الطرف الآخر ، إذ بالاضطرار المزبور بعد فرض سرايته إلى الواقع على فرض وجوده في المضطر إليه يرتفع العلم الإجمالي بالتكليف ، ومع ارتفاعه لا يبقى مجال وجوب الاحتياط عن الطرف الآخر ، لكون الشبهة بدويا ، كما هو الشأن في خروجه من محل الابتلاء. نعم : ما أفيد صحيح بالنسبة إلى الاضطرار بغير المعين ، فإن هذا الاضطرار مانع عن الجمع بين المحتملين ، ولازمه كون سرايته إلى الواقع رافعا لإطلاق التكليف في كل طرف ، بنحو يقتضي وجوب إتيانه ولو في حال وجود الآخر. وبهذا الإطلاق يحكم العقل أيضا بالجمع بين المحتملين ، فإذا ارتفع إطلاق التكليف لا أصل التكليف فالعلم الإجمالي بأصل التكليف في كل واحد من الطرفين باق ، غايته في كل واحد مشروط بعدم اتيان غيره ، ولازمه إلزام العقل بعدم تركهما ، ولازمه في هذا الظرف التخيير في إتيان أحد الطرفين ، إذ بهذا المقدار يقطع بالخروج عن عهدة المعلوم بالإجمال. وبمثل هذا البيان أيضا حققنا المسألة في باب الاشتغال ، فراجع. ثم أقول : إن ما أفيد من تعين الظن بمقتضى ما ذكرنا إنما يتم على فرض الالتزام بالعلم بتكليف مطلق في المظنونات مثلا ومقيد في غيره بنحو الترتب ، كي يبقى العلم الإجمالي بحاله ، وإلا فمع تعين الترخيص في خصوص الأبعد مطلقا يرتفع العلم أيضا رأسا ، ولا يبقى مجال الأخذ بالمظنون ، ولكن هذا الالتزام بالترتب أيضا ينتج لزوم العمل بالأبعد في ظرف مخالفة الأقرب ، وهو أيضا خلاف مسلك أهل الانسداد ، وبنائهم على الرخصة في ترك الأبعد مطلقا ، وحينئذ مثل هذا الممشى لا يتم حتى بناء على اقتضاء العلم الإجمالي في المنجزية ، فضلا عن العلية ، لأن الترخيص المطلق ملازم لمنع التكليف في مورده على الإطلاق ، ومعه لا يبقى علم إجمالي بالتكليف أصلا ، وعليه فلا يكاد انتهاء النوبة على مسلك منجزية العلم الإجمالي وأدلة الحرج إلى مرام القائل بالتبعيض ومرجعية الظن في حال الانسداد والترخيص في غيره مطلقا ، فتدبر فيما ذكرنا ، ولا يغرك طول البيان وتفصيله الغير المنتهى إلى مفهوم محصل !. (253)
للعذر عقلا ، وأما الطرف الآخر غير المضطر إليه فهو باق على حكمه السابق لولا عروض الاضطرار ، وحيث لم يؤمن من أن يكون هو متعلق التكليف فالعقل يستقل بلزوم التحرز عنه واستحقاق العقوبة عليه عند الاقتحام فيه وصادف كونه هو متعلق التكليف المعلوم بالإجمال. وأقصى ما تقتضيه حكومة أدلة رفع الاضطرار ونفى الضرر والعسر والحرج على أدلة الأحكام الواقعية ، هو أنه لو صادف كون متعلق التكليف أو موضوعه هو المضطر إليه ( إذا كان الاضطرار إلى المعين ) أو هو الذي دفع به الاضطرار ( إذا كان إلى غير المعين ) كان موجبا إما لرفع التكليف واقعا وإما لعدم تنجزه على الوجهين في أن الاضطرار هل يوجب التوسط في التكليف أو التوسط في التنجيز ، على ما سيأتي بيانه في محله.
فالقول بأن الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي يوجب سقوط التكليف رأسا وجواز الاقتحام في غير ما يدفع به الاضطرار مطلقا ، سواء كان الاضطرار إلى المعين أو غير المعين وسواء كان طرو الاضطرار قبل العلم الإجمالي أو بعده (1) ضعيف غايته ، فان الضرورات تتقدر بقدرها ، ولا معنى لسقوط التكليف عن موضوع لعروض الاضطرار إلى موضوع آخر ، سواء أريد من السقوط السقوط الواقعي أو السقوط عن التنجز. وإن أردت الاطلاع على أطراف الكلام فراجع تنبيهات الاشتغال ، فإنه قد استوفينا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه في ذلك المقام. فتحصل : أن استلزام الاحتياط في جميع الوقايع المشتبهة العسر والحرج يوجب التبعيض في الاحتياط بترك الاحتياط في الموهومات والاحتياط في المظنونات والمشكوكات إن كان الاحتياط فيهما لا يستلزم العسر والحرج ، وإلا فبترك المشكوكات كلا أو بعضا والاحتياط في المظنونات ، ولو استلزم الاحتياط 1 ـ أقول : لو ترجع إلى ما ذكرنا ترى في إطلاقه تأمل ، بل ليس لك أخذ نتيجة القائل بالتبعيض من هذه المقدمات ، فتدبر. (254)
في المظنونات العسر والحرج تعين التبعيض في الاحتياط بترك بعض المظنونات.
وبالجملة : لما كانت التكاليف المعلومة بالإجمال منتشرة بين المظنونات والمشكوكات والموهومات وكان الاحتياط في الجميع موجبا للعسر والحرج تعين التبعيض في الاحتياط على وجه لا يلزم منه محذور العسر والحرج ، ولكن ليس المكلف بالخيار بترك الاحتياط في أي من الطوائف الثلاث ، فان الخيار في دفع الاضطرار بأي واحد من أطراف العلم الإجمالي إذا كان الاضطرار إلى غير المعين إنما هو فيما إذا كانت الأطراف متساوية الإقدام بالنسبة إلى التكليف المعلوم بالإجمال فيها ولم يكن لأحدها مزية توجب أقوائية احتمال تعلق التكليف به ، وإلا كان اللازم عقلا دفع الاضطرار بما يكون الاحتمال فيه أضعف (1) فان الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي إنما استقل به العقل لأجل رعاية التكليف المعلوم بالإجمال. فبالمقدار الذي يمكن رعاية التكليف ـ ولو بقوة الاحتمال ـ يتعين عقلا ، ففي المقام ليس للمكلف الاحتياط في الموهومات والمشكوكات وترك الاحتياط في المظنونات ، فان احتمال ثبوت التكاليف في المظنونات أقوى من ثبوتها في المشكوكات ، كما أن احتمال ثبوتها في المشكوكات أقوى من ثبوتها في الموهومات ، فإذا امتنع الاحتياط في الجميع ـ لمكان العسر والحرج ـ تعين الاحتياط في المظنونات أو مع المشكوكات وترك الاحتياط في الموهومات ، لما في المظنونات من المزية التي توجب تعينها عقلا وهي كونها أقرب الإصابة إلى الواقع من الموهومات ، وذلك كله واضح ، وإنما أطلنا الكلام فيه ولم نكتف بالإشارة دفعا لشبهة غرست في أذهان طلبة العصر (2) منشأها ما أفاده المحقق الخراساني ( قدس سره ) في هذا المقام : من منع 1 ـ أقول : لكن عليك بالمراجعة إلى الحاشية الطويلة السابقة ، ترى بالتأمل فيها ما في هذه الكلمات وعدم الوصول بها إلى النتيجة. 2 ـ أقول : بيني وبين ربى ـ مع تطويل الكلام وتكرار المرام ـ لا يكاد وصولك نتيجة التبعيض بنحو هو مقصود القوم ، لابتناء النتيجة على مقدمة باطلة على ما حققناه في الحاشية السابقة ، فراجع وتأمل بعين الإنصاف. (255)
حكومة أدلة نفي العسر والحرج على ما يحكم به العقل من الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي أولا ، ومن عدم وجوب التبعيض في الاحتياط على فرض تسليم الحكومة ثانيا.
وحاصل ما أفاده في وجه منع الحكومة : هو أن مفاد أدلة نفي الضرر والعسر والحرج إنما هو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، ومقتضى التوفيق بينها وبين أدلة الأحكام التكليفية والوضعية ـ المتعلقة بما يعم الضرر والعسر والحرج ـ هو تخصيص أدلة الأحكام بما عدا مورد الضرر والعسر والحرج وإن كانت النسبة بين آحاد أدلة الأحكام وأدلة نفيهما العموم من وجه ، إلا أن التوفيق العرفي يقتضي تقديم أدلة نفيهما على أدلة الأحكام. وليس وجه التقديم حكومة أدلة نفيهما عليها كما أفاده الشيخ ( قدس سره ) لأنه يعتبر في الحكومة أن يكون أحد الدليلين شارحا ومفسرا لما أريد من الآخر ، وليس أدلة نفي الضرر والعسر والحرج شارحة لأدلة الأحكام ، فلا حكومة بينهما ، إلا أنه مع ذلك تقديم أدلة نفيهما على أدلة الأحكام ، لما بينهما من الجمع العرفي بتخصيص أدلة الأحكام بغير موارد الضرر والعسر والحرج. ولكن هذا فيما إذا كانت الأحكام بنفسها تستلزم الضرر والعسر ، وفي المقام إنما يلزم العسر والحرج من حكم العقل بالاحتياط والجمع بين المحتملات في الوقايع المشتبهة لا من نفس الأحكام ، فلا وجه لتقديم أدلة نفي العسر والحرج على الاحتياط العقلي ، إلا إذا قلنا : إن مفاد أدلة نفي العسر والحرج نفي الحكم الذي ينشأ من قبله العسر والحرج وإن كان ذلك بضميمة حكم العقل ، فتقدم أدلة نفيهما على حكم العقل بالاحتياط. هذا حاصل ما أفاده في وجه منع تقديم أدلة نفي العسر والحرج على الاحتياط العقلي. وأما ما أفاده من المنع عن التبعيض في الاحتياط على تقدير تسليم الحكومة : فلم يبين وجهه ، ولعله مبنى على ما اختاره : من الملازمة بين حرمة |
|||
|