غيبة الإمام المهدي ::: 1 ـ 15

سلسلة المعارف الإسلامية
45
غيبة الإمام المهدي
عند الإمام الصادق عليهما السّلام
السيد
ثامر هاشم العميدي
تحظى إصدارات المركز
بالمتابعة والتقويم والإشراف العلمي


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَنُريدُ أن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفُوا
فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارثِينَ
)


(4)

(5)
    الحمد لله الواحد الأحد ، وصلواته وسلامه على نبينا محمد واله حجج الله على العباد إلى الأبد ، أما بعد ...
    فان من المسلمات التي تركت بصماتها واضحة في تاريخ الفكر الإسلامي ، وبناء حاضره وأثّرت فيه برسم معالم مستقبله ؛ هو الاعتقاد الراسخ بإخبار أهل البيت عليهم السّلام جميعاً عن الإمام المهدي عليه السّلام قبل ولادته وغيبته ، وعلى هذا فليس البحث في غيبة الإمام المهدي قبل ولادته عليه السّلام تسجيلاً حرفيًا لقضية من قضايا الماضي ، بقدر ما هو وصل بين جزء من تاريخ هذه العقيدة في عصر الإمام الصادق عليه السّلام والتعرف على جذورها في تلك الفترة ، وادراك عمقها وامتدادها في عصور الإسلام ، وبين تاريخ تحقّقها على صعيد الواقع ؛ لما بينهما من ارتباط وثيق.
    ولا شكّّ أن من يكون حليف القرآن وقرينه ـ والقرآن فيه تبيان لكل شيء ـ قادر على من يوقفنا على ما في ظاهره وباطنه ، ويحدّثنا عن غيبة الإمام المهدي قبل ولادته عليه السّلام ، كما لو كان معه. « ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط ، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط » ؛ ولهذا قال القاضي ابن أبي ليلى لمّا سأله نوح بن دراج : « أكنت تاركاً قولاً قلته أو قضاءً قضيته لقول أحد ؟ قال : لا ، الا رجل واحد ! قلت : من هو ؟ قال : جعفر بن محمد » ، ذلك هو إمامنا الصادق عليه السّلام ، الحارس الأمين لمنظومة القيم والمفاهيم الإسلامية بنظر الكل ، حيث لم يدع مجالاً لأحد من يشوهها أو يحرفها . ومن عاش في كبد الحقيقة ، لا تكون الإستضاءة بأقواله استضاءةً بجزء من الماضي ؛ لأن الحقيقة في الحياة ليس لها عمر محدّد ، بل تحمل عناضر الخلود والبقاء معها ، وكلما دار عليها الزمان تتجدّد ؛ ولهذا كانت حركته عليه السّلام وفعله وقوله وتقريره تجسيداً حيّاً لحركة الرسالة في خطواتها الفكرية والروحية والعلمية ، في مساحات الزمن الماضي والحاضر والمستقبل ، اذ امتاز عليه السّلام بواقعية مع الحياة على ضوء الإسلام ، فكان غنيا بمفاهيم الرسالة ، متمسّكاً بمنهجها ، دقيقا في فكرها ، واضحاً في تجسيدها حريصاً على لونها ، مقتدياً بها في ضرورة العلم والعمل والتفكير والتخطيط. وعلى هذا فلس ما جاء عنه عليه السّلام بحاجة في عرضه إلى أكثر من تجريده عن أيّة أفكار دخيلة عليه أو أقوال مزيفة مكذوبة منسوبة اليه ، ولم يعرفها أحد من أصحابه ولم يروِها شيعته. وممّا عُلم عنه عليه السّلام وبنحو اليقين ، منه لم يغادر الحياة شهيداً إلا وقد جعل العقيدة بالمهدي عليه السَّلام ، عميقة الفكر ، ثابتة الأساس ، متينة الحجة ، واضحة مشخصّة ، مع تطويقه سائر الدعايات المضادّة التي عملت ولا زالت تعمل على تشويه تلك العقيدة ، حتى أحالها إلى رماد. ومن أقواله الثابتة ثبوت الحقيقة ، والواضحة وضوح الشمس في رائعة النهار ، تصريحه بهوية الإمام المهدي عليه السّلام ، وإمامته ، وغيبته ، وظهوره في آخر الزمان ؛ بما يمكن معه القول الحازم بأنه


(6)
أراد عليه السّلام تحريك هذه العقيدة في وجدان الأمة على الدوام ، لما تمتلكه من فلسفة قادرة على خلق العمل الصالح وتهذيب النفوس بالورع ومحاسن الأخلاق ، مع التطلّع الجادّ إلى بناء المستقبل ، بما يناسب حجم اللقاء بالمهدي عليه السّلام في يومه الموعود. ولكي تدرك ـ مع هذا ـ منها ليست بانتظار فكرة طموحة قابلة للزوال ، وانّما هي بانتظار حقيقة من حقائق الإسلام الكبرى التي لابدّ وأن تقع في مستقبل تاريخه. وبهذا تستطيع أن تفهم من العقيدة بمهدي مجهول يخلقة الله في آخر الزمان عقيدة لا تثير اليقظة في العقول ، ولا تحرّك الوعي في الأحساس ولا تفتح القلوب ، شأنها شأن الأفكار الميتة التي قد تأخذ فراغاً في الفكر ، ولكنها لا تهب الحياة شيئاًً.
    واذا كانت اساليب الكذب والافتراء أعجز من أن تقتل فكرة أو تخنق مبدأ ، وطرق الغشّ والتضليل أضعف من أن تحجب نور الحقيقة وتهمش دور العقيدة ، فان من الغباء اذن جعل العقيدة بالإمام المهدي عليه السّلام انهزاماً عن الواقع وانعزالاً عن الحياة ، او هروباً وانسحابًا عن مشاكل الأمة !! هذا في الوقت الذي يُسمع فيه نداء أهل البيت عليهم السّلام من عمق التاريخ الإسلامي بضرورة أن يكون انتظار الإمام المهدي عليه السّلام في غيبته محفّزاً إيجابياً ودافعاً قويا لتحقيق ما أراده الله ورسوله صلي الله عليه وآله في أن يكون بناء الحياة بشكل أفضل.
    وهكذا عاشت عقيدتنا بالإمام المهدي عليه السّلام ولا زالت في قلب المعركة معركة الحق والباطل ، ولن يكون غريباً اذن أن يرى المتتبع لهذه العقيدة اتجاهات دخيلة عليها نمت ضمن نطاق اسلامي من طراز خاص يحتضن تلك الاتجاهات تارة ، ويغذّيها بتشجيع الزيف والخداع لأجل من يتبوّأ أنصاره مكاناً واسعاً خدمة لفكرة محرّفة وغاية مسمومة ، وبدعاية كذوب على أنها نتاج إسلامي موضوعي خالص تارة أخرى ؛ تبريراً لما بُعتقد من خرافات وأوهام ، ومن هنا صار دعمها طريقا منتجاً لإشاعتها ونشرها في الوسط الإسلامي حيث اتصالها بالحسّ الديني العميق ؛ وهكذا فقدت العقيدة بمهدي مجهول ـ كواحدة من تلك الخرفات ـ مبررات وجودها ؛ إذ لا انسجام لها مع الواقع ، ولا مع الحياة ، ولا مع المبادي الإسلامية في تلك العقيدة التي أفاض بها هذا الكتاب وحصرها بواحد من أهل البيت عليهم السّلام وهو ملاذ الفقهاء أُستاذ العلماء في عصره ، وامام الأُمّة في زمانه الصادق عليه السّلام.
    وأخيراً فإْن هذا الكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ إنما هو صفعة قوية بوجه أولئك الذين أنكروا ولادة الإمام المهدي عليه السّلام وكذبوا بغيبته ، ولبنة جديدة تُضاف إلى صرح الثقافة المهدوية الحقّة ، ودليل على الطريق.
    والله الهادي إلى سواء السبيل
مركز الرسالة


(7)
    الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على نبيّنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين ، صلاة زاكية نامية متّصلة متواترة لا غاية لأمدها ولا نهاية لآخرها ، وسلّم تسليماً كثيراً. وبعد .. ..
    فإنّ الحديث عن الإمام المهدي الحجة ابن الحسن عليهما السّلام خصب الميادين متعدّد الجوانب ، واسع الاطراف ، ولا حصر للمؤلفات التي كُتِبَت ـ شرقاً وغرباً ـ حوله ، حتي يُخال للباحث وهو يرى كثرة المؤلفات والبحوث المعدّة حول هذا الموضوع منه قد أُغلِقَ تماماً ، ومن طْرقه من جديد لن يأتي بشيءٍ جديد.
    ومع كل هذا قد نبغ في الآونة الاخيرة من يتّهم متكلمي الإمامية في أوآخر القرن الثالث وبداية الرابع الهجريين ، بأنهم ـ ولأجل أن يستمر المذهب الاثني عشري بعد وفاة الإمام العسكري بلا عقب ـ حاولوا ببراعتهم الكلامية اقناع عامّة المذهب بولادة الحجة ابن الحسن الغائب الذي لم يُولد بعد !!.
    وقد كنت آمل في كتاب ( المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ) ـ الذي صدر سنة 1417 / هـ ، وطبع ثلاث مّرات ، وتُرجم إلى خمس لغات ـ أن ينبّه على مدارك ذلك الاتهام ويخفّف من غلواء مرّوجيه عبر الأقمار الصناعية ّكلما اتيحت لهم الفرصة ، ولكنهم بقوا كما بدأوا ! ومن هنا وجدت نفسي أمام اختيار صعب ، فعدت اليهم مرّةً أخرى لأرسم الصورة الواضحة لعمق العقيدة المهدوية في الفكر الشيعي قبل ولادة متكلمي الشيعة ـ الذين اتهموا باختلاق مفهوم


(8)
الغيبة والغائب ـ بأكثر من مائة عام ؛ ولهذا جاء البحث محصوراً بالغيبة والغائب عند الإمام الصادق عليه السّلام وحده ، فنقول :
    عاش الإمام الصادق عليه السّلام في عصرّين مختلفين : عصر ضعف الدولة الأموية حتى آلت إلى السقوط سنة 132 هـ على أيدي العباسيين ، و عصر انشغال بني العباس في تثبيت أقدامهم بالسلطة. ومعنى هذا ، من الدولة الأموية في عهد الإمام الصادق عليه السّلام ـ الذي تولّى الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الباقر عليهما السّلام سنة ( 114 هـ ) ـ لم تكن قادرة على ممارسة نفس دورها الإرهابي في الحدّ من نشاط أهل البيت عليهم السّلام كما كانت تمارسه في عهود آبائه عليهم السّلام
    كما منّ الدولة العباسية لم تعلن ارهابها على الإمام عليه السّلام في بداية حكمها كما أعلنته عليه بعد حين وعلى الأئمة المعصومين من أولاًًده عليهم السّلام فيما بعد ، وصولا إلى دورهم البغيض في غيبة آخر الأئمة الإمام المهدي عليه السّلام
    ومن هنا وجد الإمام عليه السّلام الفرصة النسبية سانحة للإنطلاق في أرحب الميادين ، ولهذا نجد اسمه الشريف يتردّد على ألسنة المؤرّخين والمحدّثين والمفسّرين والفلاسفة والمتكلّمين أكثر من سائر الأئمة الآخرين عليهم السّلام ، ولعلّ خير ما يعبرّ لنا عن هذه الحقيقة هو الإمام الصادق عليه السّلام نفسه فيما رواه عنه أوثق تلامذته.
    فعن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : « كان أبي عليه السّلام يفتي في زمن بني أميه من ما قتل البازي والصقر فهو حلال ، وكان يتقيهم ، وأنا لا أتّقيهم ، وهو حرام ما قتل » (1).
1 ـ فروع الكافي / الكليني 6 : 208 / 8 كتاب الصيد ، باب صيد البزاة والصقور ،

(9)
    ونحو هذا ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام أيضاًً (1) ، ونظيره ما رواه زرارة وأبو عمر الأعجمي عن الإمام الصادق عليه السّلام من المنع عن مسح الخفيّن في الوضوء تقيّة وكذلك في النبيذ ومتعة الحج (2).
    فهذه النصوص وأمثالها تصوّر لنا بوضوح حالة الانفراج السياسي النسبي الذي عاشه الإمام الصادق عليه السّلام في ظلّ الدولتين.
    وقد كانت وظيفة الإمام الصادق عليه السّلام صعبة للغاية ، اذ شاهد خطورة الموقف الإسلامي ، وعاصر تلوّث المجتمع المسلم بالمفاهيم الدخيلة الوافدة إليه عن طريق الفلسفات الأجنبية التي تسلّلت رويداّ إلى ساحته عبر القنوات الكثيرة التي شقّتها حروب العصر الأموي ( 40 ـ 132 هـ ) ، وبدايات العصر العباسي الأول ( 132 ـ 234 هـ ) ، وما نتج عن هذا وذاك من نشوء التيّارات الفكرية الخطيرة ، وانقسام المسلمين إلى مذاهب وفرق عديدة ، مع بروز حركة الزندقة والإلحاد بفعل تلك الرواسب الثقافية المسمومة ، فضلاًً عن استشراء حالة الفساد الإداري والخُلقي في عاصمة الخلافة ـ دمشق أولاًً ، وبغداد ثانياً ـ ومن ثَمَّّ تصدير الانحراف إلى شرائح المجتمع من قصور الخلفاء أنفسهم ، ويشهد على كلّ هذا ما وصل إلينا من أدب البلاطين في ذينك العصرين ، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أمثلة لا حصر لها تصوّر لنا حالة البذخ
والفقيه / الصدوق 3 : 204 / 932 ، والتهذيب / الشيخ الطوسي 9 : 32 / 129 ، والاستبصار / الشيخ الطوسي 4 : 72 / 265
1 ـ فروع الكافي 6 : 207 / 1 ، من الباب السابق ، والتهذيب 9 : 32 / 130 ، والاستبصار 4 : 72 / 266.
2 ـ فروع الكافي 3 : 32 / 2 باب مسح الخفّين من كتاب الطهارة ، و 2 : 217 / 2 باب التقية ، والمحاسن / البرقي : 259 / 309 ، والخصال / الصدوق 32 : 79.


(10)
الاقتصادي ، والترف الفكري ، والتحلّل الخلقي الذي أصاب الأمة على أيدي حكّامهم وأمرائهم في الدولتين الأموية والعباسيّة.
    فليس أمام الإمام الصادق عليه السّلام اذن إلا اعادة تشكيل وعي الأمة من جديد ، وتعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمّة التغيير الكبرى ، وهو ما استطاع عليه السّلام أن يحققه في تلك الفترة القصيرة ؛ اذ استطاع وبكلّ جدارة أن يعيد للإسلام قوّته ونظارته ، بعد أن أرسى قواعد الفكر الصحيح على أُسسه. فوقف كالطود الأشمّ بوجه تلك العواصف الكثيرة التي أوشكت أن تعصف بكلّ شيء من بقايا الحقّ وأهله ، وجاهد جهاداً علمياً عظيماً ، حتى تمكّن بحكمته وعطائه وعلمه وإخلاصه لله عزّ شأنه وتفانيه في دين جدّه صلّى الله عليه وآله أن يصبغ الساحة الفكرية والثقافية في عصره ـ بعد أن تدنت بها القيم والأخلاق ـ بمعارف الإسلام العظيم ، ومفاهيمه الراقية ، واستطاع تحويل تلك المفاهيم إلى غذاء روحي يومي ، فنقلها من الواقع النظري إلى حيّز التطبيق الفعلى مبتدأً ذلك بروّاد مدرسته العظيمة التي كانت تضمّ ما يزيد على أربعة آلاف رجل ، ّوكلّهم من تلامذته ، حتى صاروا مشاعل نور أضاءت لكل ذي عينين من أفراد الأمة ما أظلمّ عليه.
    وهكذا استمرّت مدرسة الإمام الصادق عليه السّلام في أداء رسالتها يغذّيها ـ من بعده ـ الأئمة من وُلده عليهم السّلام بفيض من علم النبوّة ونور الولاية ، ولم يخبُ ضوؤها بتعاقب الزمان وتجدّد الملوان ، ويشهد لخلودها واتّساعها منّك واجد في كلّ عصر قطباً من أقطابها يشار له بالبنان ، وتشدّ إليه الرحال من كلّ فجّ عميق.
    وما كان هذا ليتمّ بسهولة لولا الجهاد العلمي الحثيث المتواصل الذي بذله الإمام الصادق عليه السّلام حتى اكتسب الواقع الثقافي الإسلامي بفضل مدرسته


(11)
المباركة مناعة قويّة ضدّ وباء الانحراف ، ذلك الوباء الذي كان ضارباً أطنابه على مرافق عديدة من الفكر الإسلامي ، فضلاًً عمّا تركه من تشويش وتضادّ في جزئيّات العقيدة ، ناهيك عمّا أصاب ( الإمامة ) من تداعيات خطيرة في المجتمع المسلم ، حتى أبيحت وضح النهار لكل جبّار عنيد ، وصار كلّ من غلب بحدّ السيف أوصياءً مفروض الطاعة ! هذا في الوقت الذي صحّ فيه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله برواية الفريقين منه قال : « الخلفاء إثنا عشر كلّهم من قريش » (1) ، وصحّ أيضاًً قوله صلّى الله عليه وآله : « من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة » (2) ، كما تواتر عنه صلّى الله عليه وآله حديث الثقلين الذي جعل الكتاب وعترته أهل بيته صنوين متلازمين ما بقيت الدنيا ، وعاصمين من الضلالة لكل من تمسّك بهما ، إنهما لن يفترقا
1 ـ صحيحح البخاري 4 : 164 باب الاستخلاف من كتاب الأحكام ، وصحيح مسلم 2 : 119 باب الناس تبع لقريش من كتاب الامارة أخرجه من تسعة طرق ، ومسند أحمد 5 : 90 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107. وإكمال الدين \ الشيخ الصدوق 1 : 270\16 و 1 : 272\19 ، والخصال \ الشيخ الصدوق 2 : 469 و 475.
2 ـ أصول الكافي 1 : 303\5 ، و 1 : 308\1 ، 2 ، 3 و 1 : 378\2 ، وروضة الكافي 8 : 29\123 ، والإمامة والتبصرة من الحرية \ الصدوق الأول 219 \69 و 70 و 71 ، وقرب الإسناد \ الحميري : 351\ 1260 ، وبصائر الدرجات \ الصفار : 259 و 509 و 510 ، واكمال الدين 2 : 412 ـ 413\10 و 11 و 12 و 15 باب 39 ، ورجال الكشي في ترجمة سالم بن أبي حفصة : 235\ رقم الترجمة ( 428 ).
    ونحوه في صحيحح البخاري 5 : 13 باب الفتن ، وصحيح مسلم 6 : 21 ـ 22 \1849 ، ومسند أحمد 2 : 83 و 3 : 446 و 4 : 96 ، والمعجم الكبير \ الطبراني 10 : 350 \ 10687 ، ومسند الطيالسي : 259 ، ومستدرك الحاكم 1 : 77 ، وسنن البيهقي 8 : 156 و 157.


(12)
حتى يردا على النبي صلّى الله عليه وآله والحوض. (1)
    وهكذا تعيّن المقصود بالاثني عشر ، واتضح المعنى بامام زمان كل جيل من أجيال الأمة بما لا يحتاج معه الي مزيد تأمّل أو تفكير.
    وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : « سُئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ) من العترة ؟ فقال عليه السّلام : منا ، والحسن ، والحسين ، والائمّة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهدّيهم ، لا يفارقون کتاب الله عزّوجلّ ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله حوضه (2).
    ولو لم يكن الأمركما قلناه لجعل صلّى الله عيله وآله مناط الاعتصام من الضلالة بطاعة من وصل إلى السلطة وقاد المسلمين طوعاً أو كرهاً. وأما من تكون النجاة بالتمسّك بالثقلين دون غير هما بمنطوق الحديث ومفهومه ، فالعقل يأبى أن يكون الإمام القدوة غير المنجي من الضلالة.
    وفي هذا البحث مقطع قصير من مقاطع الإمامة ، بل مفصل خطير من مفاصلها وهو « غيبة الإمام المهدي عند الإمام الصادق عليهما السّلام » ، ونظرا لاتّصال
1 ـ سيأتي تخريج حديث الثقلين الشريف في الفصل الثاني من الباب الأول في هذا البحث.
2 ـ رواه الفضل بن شاذان في إثبات الرجعة كما في مختصره : 208 / 6 ، عن ابن أبي عمير ، عن غياث بن ابراهيم ، عن الإمام الصادق عليه السّلام. وأخرجه الصدوق بسند صحيحح ، عن ابن أبي عمير ، عن غياث ، عنه عليه السّلام. إكمال الدين 1 : 240 ـ 241 ، 64 باب 22 ، وعيون أخبار الرضا عليه السّلام 1 : 60 / 55 ، ومعاني الأخبار : 90 / 4 باب معنى الثقلين والعترة.


(13)
هذا الموضوع الحسّاس اتصالاً وثيقاً بحياتنا المعاصرة فكرا وسلوكا وعقيدة ، ارتأيت أن أبحث هذا الموضوع عند الإمام الصادق عليه السّلام لنرى كيف طرح الإمام الصادق عليه السّلام موضوع غيبة الإمام عليه السّلام ؟ وإذا كان هناك ما يوضّح لنا هوية الإمام الغائب المنتظر بلا لبس أو إبهام ، فهل وُجِدَ مثله في فكر الإمام الصادق عليه السّلام ؟ أو منه طرح موضوع الغيبة مجرّداً عن هوية الغائب وترك علامات استفهام حول اسمه ونسبه الشريف ؟
    لقد حرص الإمام الصادق عليه السّلام على إشاعة مفهوم غيبة الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام ، وبثّ الفكر المهدوي الأصيّل في وجدان الأُمة التي اختلط عليها الحابل بالنابل ، وامتزج عندها الحقّ بأضغاث الباطل نتيجة لما لحق هذا الفكر من تضادّ وتشويش أدّيا إلى ظهور دعاوى المهدوية الباطلة التي حاولت الالتفاف على الحقيقة المهدوية الناصعة.
    ومن هنا قام الإمام الصادق عليه السّلام بتهيئة الأجواء العلميّة لفهم الغيبة ومعرفة من هو المهدي الذي سيغيب ، وذلك من خلال اتخاذ الخطوات الآتية :
    تتمثّل الخطوة الأولى بدعم العقيدة المهدوية وإرجاعها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي أكّدها بأقوى ما يمكن حتى تواترت عنه صلّى الله عليه وآله ، ثمّ بيان الإمام عليه السّلام حكم من أنكرها.
    وتتمثّل الخطوة الثانية بترسيخ القواعد الكاشفة عن هوية الإمام المهدي عليه السّلام من دون الخوض في تفاصيل الهوية الشريفة.
    وانحصرت الخطوة الثالثة في مجال تشخيص هوية الإمام الغائب عليه السّلام وكيفية الانتفاع به في غيبته.


(14)
    وهكذا يسّر الإمام الصادق عليه السّلام السبل الكفيلة لمعرفة الإمام الغائب قبل ولادته بعشرات السنين ، وهو ما تكفّل به الباب الأول من البحث ، وذلك في ثلاثة فصول عالجت الخطوات الثلاث المذكورة على الترتيب.
    وأما عن مفهوم الغيبة فقد احتضنه الإمام الصادق عليه السّلام وأولاًه أهمية خاصة ، وهو ما تكفّل به الباب الثاني في فصول أربعة.
    تناولت : العناية بالغيبة وبيان معطياتها ، وتأكيد الإمام الصادق عليه السّلام على وقوعها وطولها ، وبيان ما مطلوب في زمانها ، وأخيراً الكشف عن عللها.
    وعقدنا الباب الثالث لنرى من خلاله موقف الإمام الصادق عليه السّلام من دعاوى المهدوية التي أدركها ، وعاصر بعضها ، أو التي نشات باطلاً بعده وذلك في خمسة فصول ، رد فيها الإمام الصادق عليه السّلام على دعاوى الكيسانية والأموية والحسنية والعباسية والناوويسة والواقفية ، مع إعطاء القواعد اللازمة والضوابط العامّة المتقنة لمعرفة قيمة أيّة دعوى من هذا القبيل ثم جاء الفصل السادس والأخير ليكشف عن أجوبة الإمام الصادق عليه السّلام على الشبهات المثارة حول الموضوع ؛ الأمر الذي أدّى إلى تعرية جميع المزاعم التاريخية التي حاولت الالتفاف على مفهوم الغيبة ، أو هوية الإمام الغائب عليه السّلام سواءً تلك التي ظهرت في زمان الإمام الصادق عليه السّلام ، أو قبله ، أو التي نشأت بعد حين وتلاشت فجأة حيث اتضح الصبح لذي عينين.
وآخر دعوانا من الحمدلله ربّ العالمين
وصلّى الله على نبينا وسيدنا محمد وآله الهداة الأطهار الميامين.


(15)
الفصل الأول :
    دعم الإمام الصادق عليه السّلام للعقيدة المهدوية وبيان حكم من أنكرها
الفصل الثاني :
    ترسيخ الإمام الصادق عليه السّلام للقواعد الكاشفة عن هوية الإمم الغائب
الفصل الثالث :
    تشخيص الإمام الصادق عليه السّلام لهوية الغائب وكيفية الانتفاع به في غيبته
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس