غيبة الإمام المهدي ::: 16 ـ 30
(16)

(17)
    اتّخذ الإمام الصادق عليه السّلام جملة من الأمور اللازمة في مجال التثقيف العقائدي والفكري الموصل تلقائيا إلى معرفة مفهوم الغيبة وصاحبها ، وإدراك هويته من قبل من يولد بعشرات السنين ، وذلك من خلال تأكيده المباشر على أمرين ، وهما :

    الأمرالأول ـ ثبوت أصل العقيدة المهدوية ، ودعمها :
    من الواضح أنّ الحديث عن الغيبة والغائب ابتداءّ ، وبيان ما يجب فعله أو تركه في زمان الغيبة ، ونحو هذا من الأمور ذات الصلة المباشرة بهذا المفهوم ، لا يجدي نفعاً ما لا يُعْلَم بأصل العقيدة المهدوية ، ولهذا أراد الإمام الصادق عليه السّلام تنبيه الامة على أصل هذه العقيدة ، وذلك من خلال دعمها بما تواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله بشأنها ، حتى لا يكون هنالك شكٌّ في الأصل الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وهو ما اتّفقت الأمة على نقله.


(18)
    فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاًًً من أهل بيتي يملأُها عدلاً كما مُلئت جوراًً » (1).
    وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول على المنبر : « إنّ المهدي من عترتي من أهل بيتي ، يخرج في آخر الزمان ، ينزّل الله له من السماء قطرها ، ويخرج له من الأرض بذرها ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاًًً كما ملأها القوم ظلماًًً وجوراًًً » (2).
    وعن أبي سعيد الخدري أيضاًًً ، عن النبي صلّى الله عليه وآله : « المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى المنف ، يملأ الأرض قسطاًً وعدلاً كما ملئت ظلماًً وجوراًً » (3).
    وعن ام سلمة قالت : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة » (4).
وعن حذيفة بن اليمان ، قال : « خطبنا رسول الله صَلّى الله عليه وآله فذكّرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله بما هو كائن ، ثم قال : لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطوّل الله عزّوجلّ
1 ـ كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي : 111.
2 ـ سنن أبي داود 4 : 107 / 4283 ، ومسند أحمد 1 : 99 ومصنف ابن أبي شيبة 15 : 198 / 19494.
3 ـ سنن أبي داود 4 : 107 / 4385 ، ومصنف عبدالرزاق 11 : 372 / 20773.
4 ـ سنن ابن ماجة 2 : 1386 / 4086 باب 34 ، وسنن أبي داود 4 : 107 / 4284 ، ومستدرك الحاكم 4 : 557 ، والمعجم الكبير / الطبراني 23 : 267 / 566.


(19)
ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاًً من ولدي اسمه اسميّ ، فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه : يا رسول الله من أي وُلْدِك ؟ قال : من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين (1). وغيرها من الأحاديث الكثيرة الاُخرى.
    وممّا يؤيّد عمق الاعتقاد بالمهدي عليه السّلام في الوجود الإسلامي ، هو منه لا يكاد يخلو كتاب حديثي من كتب المسلمين إلاّ وقد صرّح بهذه الحقيقة الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ثبوتاً قطعياً ، ويكفي في ذلك أن من أخرج أحاديث المهدي عليه السّلام من محدثي العامّة فقط بالغوا زهاء تسعين محدثا ، وقد أسندوها إلى أكثر من خمسين صحابياً (2) ، وأما من قال بصحتها أو تواترها فقد بلغوا ثمانية وخمسين عالماً من علمائهم فيما تتبعّناه (3) ، وإذا ما علمنا موقف أهل البيت عليهم السّلام وعرفنا عقيدة شيعتهم بالإمام المهدي عليه السّلام ، تيقّنا من حصول إجماع الأُمة بكل مذاهبها على ضرورة الاعتقاد بالمهدي عليه السّلام.
    وفي هذا الصدد توجد أحاديث كثيرة عن الإمام الصادق عليه السّلام في تثبيت أصل القضية المهدوية ، وهو ما اتفقت عليه كلمة المسلمين من ظهور رجل في آخر الزمان من ذرية النبي صلّى الله عليه وآله يلقب بالمهدي ليملأ الأرض
1 ـ عقد الدرر : 56 باب 1 ، وفرائد السمطين 2 : 325 ـ 326 / 575 باب 61 ، والمنار المنيف / ابن القيم 148 / 339 فصل 50 ، وكشف الغمة / الإربلي 3 : 259.
2 ـ راجع کتابنا : المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : 26 ـ 32.
3 ـ راجع كتابنا : دفاع عن الكافي 1 : 434 ـ 405 تحت عنوان : ( من قال بصحّة أحاديث المهدي عليه السّلام أو تواترها من أهل السنة ).


(20)
قسطاًً وعدلاً كما ملئت ظلماًً وجوراًً ، وانه يقتل الدجال وينزل عيسى بن مريم عليه السّلام لنصرته ، ومأتم بصلاته. ويدلّ عليه :
    1 ـ عن معمر بن راشد ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله جاء فيه : « ومن ذرّيتي المهدي ، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته ، فقدّمه وصلى خلفه » (1).
    وفي هذا الحديث تثبيت واضح لأصل القضية المهدوية ، وإشارة مجملة إلى هوية الإمام المهدي بأنّه من ذريّة الرسول صلّى الله عليه وآله ، مع التنبيه على مقامه ، بأن عيسى عليه السّلام سيكون ـ بأمر الله ـ وزيراً للمهدي وناصراً له فيه آخر الزمان وأنّه يأتم بصلاته.
    وحديث نزول عيسى لنصرة الإمام المهدي عليه السّلام أخرجه البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة (2) ، وأخرجه مسلم في صحيحه من طرق شتّى عن أبي هريرة أيضاًً (3) وجابر الأنصاري (4) ، والترمذي عن أنس (5) ، وأبو نعيم عن عبد الله بن عمرو (6) وحذيفة (7) ، وابن المنذر ، عن شهر
1 ـ أمالى الشيخ الصدوق : 287 / 320 / 4 مجلس / 39.
2 ـ صحيح البخاري 4 : 204 باب نزول عيسى عليه السّلام.
3 ـ صحيح مسلم 1 : 135 / 244 و 245 و 246 باب نوزل عيسى عليه السّلام حاكما بشريعة نبينا محمد صلّى الله عليه وآله.
4 ـ صحيح مسلم 1 : 135 / 247 من الباب السابق.
5 ـ سنن الترمذي 5 : 152 / 2896.
6 ـ الحاوي للفتاوى / السيوطي 2 : 78.
7 ـ الحاوي للفتاوى 2 : 81.


(21)
ابن حوشب ، عن أُم سلمة (1) ، وابن أبي شيبة ، عن ابن سيرين مرسلاً (2).
    ولايقال هنا إنّ تحديد هوية الإمام المهدي عليه السّلام من بين الذرية الطاهرة غير معلوم في حديث الإمام الصادق عليه السّلام ، لأّنا لا زلنا في صدد تثبيت أصل القضية المهدوية على لسان الإمام الصادق عليه السّلام ، وإثبات هذا الأصل لا يمكن اغفاله ، خصوصاًً ومن في المسلمين من شكّك فيه أنكره جملة وتفصيلاًً ، ومع هذا فإن في مثبتات الأصل المذكور تشخيصا أعلى لموضوع الهوية كما سيأتي.
    جدير ذكره أن كون المهدي من ذرية الرسول صلّى الله عليه وآله يعني كونه من ذرية أمير المؤمنين عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام ، بمعنى أنه لابدّ وأن يكون إما من ذرية الإمام الحسن السبط ، أو من ذرية الإمام الحسين السبط عليهما السّلام لانحصار ذرية الرسول صلّى الله عليه وآله بهما وبأولاًًدهما. ومن هنا جاءت الأحاديث الأخرى المثبتة لأصل القضية مصرّحة بهذا المعنى.
    2 ـ عن أبان بن عثمان ، عن الإمام الصادق عليه السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث قاله لعلي عليه السّلام : « ... كان جبريل عليه السّلام عندي آنفاً ، و أخبرني أنّ القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً ، من ذريتك ، من ولد الحسين » (3).
    3 ـ وعن معاوية بن عمار ، عن الإمام الصادق عليه السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله
1 ـ تفسير القمي 1 : 158 ، وانظر : الدر المنثور / السيوطي 2 : 734.
2 ـ المصنّف / ابن أبي شيبة 15 : 198 / 1949.
3 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 247 ـ 248 / 1 باب 14.


(22)
في حديث آخر : « ... إن جبريل عليه السّلام أتاني فأقرأني من ربي السّلام ، وقال يا محمد ... ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه ، إذا أهبطه الله إلى الأرض ، من ذرية علي وفاطمة ، من وُلد الحسين عليه السّلام » (1).
    هذا ، وأما ما قد يقال من في بعض الأحاديث ما يثبت كون المهدي حسنياً لا حسينياً ، فالجواب باختصار أنه لا يوجد حديث صحيح البتة يثبت هذا المعنى من طرق العامة ، وإنما وُجِد ذلك في حديثين فقط ، أرسل الطبري أحدهما (2) ولا حجة في المرسل ، والآخر رواه أبو داود في سننه ، قال : « حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة ، قال : حدّثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال على رضي الله عنه ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ : ( إنّ ابني هذا سيد كما سمّاه النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وسيخرج من صلبه رجلٌ يُسمّى باسم نبيّكم ، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ) ثمّ ذكر قصّه : يملأ الأرض عدلاً » (3) ، انتهى.
    وسند الحديث مجهول ومنقطع ؛ لأنّه قال : « حُدِّثْتُ » ولم يذكر اسم مَن حدّثه ، فهو مجهول إذن ، وهو منقطع أيضاًً ؛ لأنّ أبا إسحاق ـ والمراد به : السبيعي ـ لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن أمير المؤمنين على عليه السّلام كما صرّح بهذا المنذري في شرح حديث أبي داود (4) ، وقد كان عمره يوم
1 ـ روضة الكافي / الكليني 8 : 42 / 10.
2 ـ تهذيب الآثار / الطبري ـ كما في الحاوي للفتاوى / السيوطي 2 : 66.
3 ـ سنن أبي داود 4 : 108 / 4290.
4 ـ مختصر سنن أبي داود / المنذري 6 : 162 / 4121.


(23)
شهادة أمير المؤمنين علي عليه السّلام نحو سبع سنين ؛ لمنه وُلد لسنتين بقيتا من زمان عثمان (1) ، هذا فضلاًً عن اختلاف النقل عن أبي داود ، فمنهم من نقله من كتاب السنن وفيه لفظ ( الحسين ) بدلاً من لفظ ( الحسن ) ، وكذلك وجود أحاديث كثيرة اُخرى من طرق العامّة تثبت أنه من ولد الحسين عليه السّلام (2).
    وأما الشيعة الإمامية فليس في تراثها المهدوي الزاخر بهوية المهدي عليه السّلام ما يشير ـ بأدنى عبارة من حديث أو أثر ـ إلى كون المهدي من ولد الإمام الحسن السبط عليه السّلام.

    الأمر الثاني ـ بيان حكم من أنكر أصل العقيدة المهدوية :
    من خلال ما تبيّن في الأمر الأول يتّضح جدّا من إنكار أصل العقيدة المهدوية جملةً وتفصيلاً هو من قبيل الردّ على الله ورسوله صلّى الله عليه وآله ، ومن قبيل الازدراء باجماع هذه الأُمة بكل فصائلها وتياراتها على قبول أصل العقيدة المهدوية وإن اختلفوا في تفاصيلها.
    وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يبين حكم من أنكر الإمام المهدي عليه السّلام.
    فعن جابر بن عبد الله الانصاري رضى الله عنه قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من كذّب بالدجّال فقد كفر ، ومن كذّب بالمهدي فقد كفر » (3).
1 ـ تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني 8 : 56 / 100.
2 ـ اُنظر كتابنا : المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي : 62 ففيه بطلان حديث أبي داود من سبعة وجوه.
3 ـ الروض الاُنُف / السهيلي 2 : 431 ، وعقد الدرر / المقدسي الشافعي : 209 ،


(24)
    وهذا ما أكدّه علماء المذاهب الأربعة فيما حكاه لنا علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي الحنفي ( ت / 975 هـ ) ، إذ قال تحت عنوان : « فتاوى علماء العرب من أهل مكة المشرفة في شأن المهدي الموعود في آخر الزمان » إذ ورد عليهم سؤال بهذا الموضوع ، قال المتقي : « وهذه صورة السئوال : اللهم أرنا الحقَّ حقاًً وارزقنا اتباعه ، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
    ما يقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين ـ أيدّهم الله بروح القدس ـ في طائفة اعتقدوا شخصاًً من بلاد الهند مات سنة عشر وتسعمائة (1) ببلد من بلاد العجم ، يسمى : ( فره ) أَنه المهدي الموعود به في آخر الزمان ، وأنّ من أنكر هذا المهدي فقد كفر ؟ ثم حكم من أنكر المهدي الموعود ؟ افتونا ـ رضي الله تعالى عنكم » .
    قال : « وكان هذا الاستفتاء في سنة اثنتين وخمسين وتسعمّائة » (2).
    وقد نقل المتّقي الهندي رحمه الله ما أفتى به فقهاء مكّة بشأن السوال المذكور ، مبيناً اسم كل فقيه منهم ، واسم مذهبه ،
والحاوي للفتاوى / السيوطي 2 : 244 ، قال : « وأخرج أبوبكر الاسكاف في فوائد الأخبار ، عن جابر بن عبد الله ... ثم ساق الخبر !! » .
1 ـ ذكره في أول كتاب البرهان فقال في ص 67 منه : « وطائفة من بلاد الهند يعتقدون شخصاًً شريفاً ولد في الهند اسمه : السيد محمد بن سيد خان الجونفوري ـ رحمه الله وله نحو أربعين سنة ـ أنّه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان » وكتاب البرهان أّلفه كردّ على ضلالة هذه الطائفة.
2 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتّقي الهندي : 177.


(25)
كالآتي :
    1 ـ فتوى ابن حجر الهيتمي الشافعي.
    2 ـ فتوى الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي.
    3 ـ فتوى الشيخ محمد بن محمد الخطابي المالكي.
    4 ـ فتوى الشيخ يحيى بن محمد الحنبلي.
    وسنذكر خلاصة ما ذكر كل واحد منهم.

    أما الفقيه الشافعي :
    فقد نصّ على تواتر أحاديث المهدي ذاكراً علامات خروجة المتواترة ومحيلاً في ذلك إلى كتابه ( القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ).
    وقد وضّح أنَّ إنكار هذه الطائفة ظهور المهدي عليه السّلام ، إن كان إنكاراً للسُّنّة رأسا فهم كفار ، ويجب قتلهم ، وإن كان محضَ عنادٍ لأئمة الإسلام لا للسُّنّة. قال : « فهو يقتضي تعزيرهم البليغ ، وإهانتهم بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم جريمتهم وقبح طريقتهم ، وفساد عقيدتهم من حبسٍ ، وضرب ، وصفع وغيرها ، ممّا يزجرهم عن هذه القبائح ، ويكفّهم عن تلك الفضايح ، ويرجعهم إلى الحق رغما على أُنوفهم ، ويردّهم إلى اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن كفرهم وإكفارهم .. » (1).
1 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : 178 ـ 179.

(26)
    وأما الفقيه الحنفي :
    فقد أفتى ببطلان هذه الدعوى ، وقال بحق أصحابها : « ويجب قمعهم أشدَّ القمع ، وردعهم أشدُّ الردع ؛ لمخالفة اعتقادهم ما وردت به النصوص الصحيحة والسُّنن الصربحة التي تواترت الأخبار بها ، واستفاضت بكثرة رواتها من أنّ المهدي رضى الله عنه الموعود بظهوره في آخر الزمان يخرج مع سيدنا عيسى على نبينا وعليه السّلام » (1) ، ثمّ حكم عليهم بالكفر أيضاًً.

    وأما الفقيه المالكي :
    فقد أفتى ببطلان دعوى هذه الطائفة أيضاًً ، فقال : « اعتقاد هؤلاء الطائفة في الرجل الميت أنَّه المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان باطل ، للأحاديث الصحيحة الدالّة على صحّة صفة المهدي ، وصفة خروجه ، وما يتقدم بين يدي ذلك من الفتن ... » (2) ثم بيّن أنَّ اعتقادهم بهذا الرجل بأنّه هو المهدي وتكفير من خافهم ، هو الكفر بعينه ، وأفتى بوجوب استتابتهم ورجوعهم إلى الاعتقاد الحق ، وإلاّ قتلوا.

    وأما الفقيه الحنبلي :
    فقد قال : « لا ريب في فساد هذا الاعتقاد ، لما اشتمل عليه من مخالفة الأحاديث الصحيحة بالعناد. فقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسّلام كما
1 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : 180.
2 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : 181.


(27)
رواه الثقات ، عن الرواة الأثبات ، أنَّه أخبر بخروج المهدي في آخر الزمان ، وذكر مقدمات لظهوره ، وصفات في ذاته ، وأُمور تقع في زمانه ... » (1).
    وأخيراً طالب حاكم المسلمين « أن يخرج عليهم أحكام المرتدين باستتابتهم ثلاثاً ، فإن تابوا وإلاّ يَضرِبُ أعناقهم بالسيف كي يرتدع أمثالهم من المبتدعين [ و ] يريح الله المسلمين منهم أجمعين » (2).
    ومما يؤيد صحة تلك الفتاوى على لسان إمامنا الصادق عليه السّلام الأحاديث الآتيه :
    1 ـ عن صفوان بن مهران الجمال ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً صلّى الله عليه وآله نبوته ... » (3).
    وقد مرّ عن الإمام الصادق عليه السّلام في الإشارة إلى حديث الثقلين ما يوضّح المراد بالأئمة عليهم السّلام ، وسيأتي ذلك أيضاًً.
    2 ـ وعن غياث بن إبراهيم ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : « من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني » (4).
1 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : 182.
2 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : 183.
3 ـ اكمال الدين / الصدوق 2 : 333 / 1 باب 33.
4 ـ إكمال الدين 2 : 412 / 8 باب 39.


(28)
    جدير بالذكر من لفظ « القائم » وإن كان وصفاً لجميع الأئمة عليهم السّلام ، إلاّ أنه ينصرف عند الاطلاق إلى الإمام المهدي عليه السّلام كما هو صريح جميع الروايات.
    ومما يؤيّد ذلك وعلى لسان الإمام الصادق عليه السّلام :
    ـ حديث عبد الله بن سنان ، قال : « قلت لأبي عبد الله : ( يوم نَدعوا كلَ أناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (1) ؟ قال : إمامهم الذي بين أظهرهم ، وهو قائم أهل زمانه » (2).
    ـ وحديث أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وقد سُئل عن القائم عليه السّلام ، فقال : « كلنا قائم بأمر الله ، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف ، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان » (3).
    ـ وحديث محمد بن عجلان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « إذا قام القائم عليه السّلام دعا الناس إلى الإسلام جديداً ، وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ ، فضلّ عنه الجمهور ، وإنّما سُمّي القائم مهدياًً ؛ لأنه يهدي إلى أمر قد ضلّوا عنه ، وسُمّي بالقائم ؛ لقيامه بالحق » (4).
1 ـ سورة الإسراء : 17 / 71.
2 ـ أصول الكافي 1 : 536 ـ 537 / 3 باب إن الائمة عليهم السّلام كلهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه.
3 ـ أصول الكافي 1 : 536 / 2 ، والإرشاد 2 : 384.
4 ـ الإرشاد 2 : 383 ، وكشف الغمة 3 : 254 ـ 255.


(29)
    ـ هذا ، وفي حديث الحكم بن أبي نعيم ، عن الإمام الباقر عليه السّلام ما يشير بكل وضوح إلى اشتهار وصف الإمام المهدي عليه السّلام بالقائم صفوف أصحاب الأئمة عليهم السّلام (1).
    3 ـ وفي الصحيح عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في قول الله عزّوجلّ : ( يومَ يأتي بعضُ آياتِ ربّكَ لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبلُ ) (2) ، قال عليه السّلام : « الآيات : هم الأئمة ، والآية المنتظرة : هو القائم عليه السّلام ، فيومئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف ، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السّلام (3).
    وهذا الحديث الصحيح صريح بهلاك منكري الإمام المهدي عليه السّلام في غيبة ، ما لم يتداركوا أنفسهم ويتوبوا إلى الله عزّوجلّ قبل انسداد باب التوبة بظهور الإمام المنتظر عليه السّلام. ومنه يعلم وهن اعتذار بعض من اتّبعوا أهواءهم بأنهم لو أدركوا ظهور الإمام المهدي عليه السّلام لآمنوا به وأسرعوا إلى مبايعته وتصديقه. الأمر الذي يشير إلى ضرورة التصدي إلى تلك الأعذار الواهية والذرائع الخاوية ، واجتثاث جذورها من الأعماق ( ولئنِ اتّبعتَ أهواءهمْ من بعدِ ما جاءكَ من العلمِ إنكَّ إذاً لّمنَ
1 ـ أنظر الحديث في أصول الكافي 1 : 536 / 1 من الباب السابق.
2 ـ سورة الأنعام : 6 / 158.
3 ـ إكمال الدين : 18 ، من المقدمة. وأخرجه الشيخ الصدوق من طريق صحيح آخر ، عن علي بن رئاب ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في إكمال الدين : 30 ، من المقدمة أيضاًً.


(30)
الظّالمين ) (1)
    4 ـ وعن غياث أيضاًً ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية » (2).
    ويلحظ هنا ذكر الغيبة في تثبيت أصل القضية وفي حكم من أنكرها معاً ، ومنه يكتشف عمق مفهوم الغيبة المواكب لأصل القضية.
    ومن هنا كان الخطر الذي يكمن وراء إنكار الإمام المهدي عليه السّلام عظيماً ، والنتحجة التي تضمّنتها الأحاديث الثلاثة تتماشى مع روح القرآن الكريم تماماً ، قال تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتابِ وتكفرونَ ببعضٍ ) (3) فما دام الكلّ من الله عزّوجلّ فلا معنى للتبعيض فيه أصلاً ، ولهذا فمن آمن بالقرآن الكريم وأنكر سورة واحدة من سورة القصار فقد كفر وخرج عن ملة الإسلام ، فكذلك الحال هنا.
    وقد يقال : بأن هذا قياس مع الفارق ؛ إذ ليس في القرآن الكريم صحيح وضعيف ، بل هو كله من كلام الله عزّوجلّ المنقول إلينا بالتواتر ، والحديث ليس كذلك إذ فيه الصحيح والضعيف والموضوع الذي لا أصل له ، ومن ثَمَّ فإن الوعيد الشديد المذكور واقع على من أنكر أصل القضية
1 ـ سورة البقرة : 2 / 145.
2 ـ إكمال الدين 2 : 412 ـ 413 / 12 باب 39.
3 ـ سورة البقرة : 2 / 85.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس