غيبة الإمام المهدي ::: 136 ـ 150
(136)
بطول العمر وذلك عن طريق الاعجاز الالهي وفاءً بالغرض الكبير.
    هذا ، ويعلم من أحاديث كثيرة اُخرى أنّ اُسلوب الاختفاء المذكور ليس هو الاسلوب الوحيد الذي يكتنف حياة الإمام المهدي عليه السّلام ، وانّما له عليه السّلام أن يخرج عن هذا النمط من الاختفاء إلى الظهور المؤقّت في زمان الغيبة كلما اقتضت المصلحة ذلك ، ولكن بصورة لا يستشعر من خلالها كل من يراه بأنه المهدي الموعود عليه السّلام.


(137)
    بعد تأكيد الإمام الصادق عليه السّلام على ثبوت أصل العقيدة المهدوية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وتنبيه الأمة على حكم من أنكرها ، وإخباره ـ كما مرّ ـ عليه السّلام بهوية الإمام المهدي عليه السّلام وغيبته وما سيجري عليه بعد ولادته ، فلابدّ من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لانقاذ الأمة وارشادها إلى ما يعصمها من الضلالة ، وهو ما قام به عليه السّلام خير قيام حيث اضطلع عليه السّلام بمهمة التوعية والتثقيف الاسلامي بما هو مطلوب في مرحلة غياب الإمام المهدي عليه السّلام ، كما سيتضح من العناوين الآتية :

    أولاًًً ـ الوصية بعدم إنكار الغيبة ، والنهي عن الانحراف ، ولزوم التصديق :
    إنّ معنى إنكار الغيبة ، هو إنكار وجود الإمام المهدي عليه السّلام ، وبالتالى هو عين الانحراف وعدم التصديق ، وقد مرّ ما يغني عن إعادته في خصوص من أنكر وجود الإمام ، ومن رد على آل البيت عليهم السّلام ، كمن ركب رأسه ، واتبع هواه.


(138)
    ومن هنا حاول الإمام الصادق عليه السّلام التركيز على هذه المفاصل الأساسية ، لتتّخذ الأمة حذرها ، وتكون في يقظة دائمة مما يحاول أعداء الحقّ إثارته من خرافات وشبهات حول خاتم الأئمة الإمام المهدي أرواحنا فداه.
    ويدلُّ على ذلك أحاديث لا حصر لها ، نذكر منها :
    1 ـ عن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « القائم من ولدي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنته سنتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ، ويدعوهم إلى كتاب ربي عزّوجلّ ، من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ، ومن كذبه فقد كذبني ، ومن صدق فقد صدقني ، إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره ، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلين لأمتي عن طريقته ( وسيعلمُ الذينَ ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبونَ ) (1) » (2).
    2 ـ وعن محمد بن مسلم ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، قال : « إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها » (3).
1 ـ سورة الشعراء : 26 / 227.
2 ـ إكمال الدين 2 : 411 / 6 باب 39 ، وإعلام الورى / الطبرسي 2 : 227 الفصل الثاني.
3 ـ اصول الكافي 1 : 338 / 10 و 1 : 340 / 15 باب الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : 188 / 42 باب 10 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 160 ـ 161 / 118.


(139)
ويُستفاد من هذين الحديثين لا سيّما الأول جملة من الأمور لا بأس بالاشارة السريعة إليها ، وهي :
    1 ـ وجوب معرفة الإمام المهدي عليه السّلام باسمه وكنيته وأصله الشريف.
    2 ـ إنّه متّبع لسنة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    3 ـ وجوب طاعته مطلقاًً ، كما وجبت طاعة الرسول صلّى الله عليه وآله مطلقاً.
    ومن جملة طاعة المهدي عليه السّلام ما أوصى به عليه السّلام ـ في تواقيع مشهورة عنه عليه السّلام ـ من الورع والتقوى ووجوب الانتظار ، والرجوع في أخذ معالم الدين الحنيف من الفقيه الصائن لنفسه ، المتبع آل محمد صلّى الله عليه وآله في أخلاقهم وهديهم وحلالهم وحرامهم عليهم السّلام.
    4 ـ إنّ له عليه السّلام غيبةً لابدَّ منها ، مع التحذير والوعيد الشديد لمن أنكرها.
    5 ـ ضرورة الابتعاد التام عن المعاندين في أمر الإمام المهدي عليه السّلام لما ورد فيهم من اوصاف أقلها إضلال الأمة عن الحق وأهله ، والواجب بغضهم وعدم مجالستهم أو التقرب أو التودّد إليهم ، أو سماع كلامهم ، اللهمّّ إلاّ من قبيل العمل لهدايتم ، وإلاّ فلا ، لأنهم اتّبعوا شهواتهم فضلوا وأضلو.
    ومن ضمّ هذين الحديثين إلى ما تقدم ، تتّضح سخافة القول بنجاة من يعتقد بمهدي مجهول يخلقه الله تعالى من سلالة الإمام الحسن السبط عليه السّلام في آخر الزمان ! لما في تلك الأحاديث الشريفة من دلالة واضحة على ولادة


(140)
الإمام المهدي عليه السّلام وهويته ، وإلاّ كيف يأتي الأمر بتصديقه ، وطاعته ، وهو لم يعرف بعد ؟! بل كيف يتواتر النهي عن آل محمد صلّى الله عليه وآله كلّهم في عدم إنكار غيبته ، وهو لم يولد بعد ؟!

    ثانياًً ـ وجوب الثّبات على الولاية في زمن الغيبة :
    قام أهل البيت عليهم السّلام بتأسيس القواعد المتينة في علاج ما يعترض الأمة من عقبات تقف حيال المبادئ الإسلامية التي آمنوا بها وضّحوا من أجلها.
    وقد كان إمامنا الصادق عليه السّلام حريصاً على مستقبل التشيّع بإزاء ما يراه من تلبّد الافق الإسلامي بالرياح الصفراء التي تحاول العبث بكل شيء لتغطّيه بغبارها الكثيف ، ذلك المستقبل الذي يمثّل إرادة السماء ، وطموع الرسالة ، في بقاء ثلّة على الحقّ لا يضرّها من ناوأها حتّى يأتي الله بأمره ، ثلّة خيّره تكمّل مسيرة طلائع التشيّع الذين لم تثنهم عن الحق اعتى العواصف وأقسى همجية الجاهلية الاولى ، من أمثال : سلمان ، وعمار ، وأبي ذرّ ، وأضرابهم رضي الله تعالى عنهم.
    مستقبل لا حياة فيه بغير التمسّك بعرى آل محمد صلّى الله عليه وآله ، والاستماتة من أجل بقاء نهجهم محفوراً في قلوب الاتباع ، خالداً في ضمير الزمن.
    وفي هذه الفقره ما يشير إلى الخطوات التي أمر الإمام الصادق عليه السّلام باتخاذها كضمانات أكيدة في ديمومة مستقبل التشيّع بعده ، خصوصاًً في صورة اختفاء الإمام عليه السّلام ، سواء كان ذلك بحبس من السلطات الغاشمة كما


(141)
حصل مع ولده الإمام الكاظم عليه السّلام ، أو بغير ذلك من وسائل الضغظ والتعسّف كما حصل لبقية الائمة عليهم السّلام ، أو بغيبة كما هو الحال مع الإمام المهدي عليه السّلام.
    فالأحاديث الآتية إذن هي أعمّ من اختصاصها بإمام أعين ، وانّما هي قاعدة عامّة يمكن للقواعد الشيعية تطبيقها على موردها كلما ضاق الخناق في زمانهم على واحد من الائمة الستة من ولد الإمام الصادق عليه السّلام ، وإن كان بعضها صريحاً في خصوص الإمام السادس من ولد الإمام الصادق عليه السّلام ثاني عشر الائمة الهداة الميامين : المهدي أرواحنا فداه.
    ومن تلك الأحاديث الشريفة :
    1 ـ عن عبد الله بن سنان ، قال : « دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله عليه السّلام فقال : فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدىً ولا علماً يُرى ، لا ينجو منها إلاّ من دعا دعاء الغريق ، فقال له أبي : إذا وقع هذا ليلاً فكيف نصنع ؟ فقال : أما أنت فلا تدركه ، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر » (1).
    2 ـ وعن منصور الصيقل قال : « قال أبو عبد الله عليه السّلام : إذا أصبحت وأمسيت يوماً لا ترى فيه أوصياء من آل محمد صلّى الله عليه وآله ، فاجبب من كنت تحب ، وابغض من كنت تبغض ، ووال من كنت توالي ، وانتظر الفرج
1 ـ إكمال الدين : 2 : 348/349/40 باب 33 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 159/4 باب 10.

(142)
صباحاً ومساءً » (1).
    3 ـ وعن أبان بن تغلب قال : « قال لي أبو عبد الله عليه السّلام : يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة ، يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحيّة في جحرها .. فبينما هم كذلك ، إذا أطلع الله عزّوجلّ لهم نجمهم ، قال : قلت : وما السبطة ؟ قال : الفترة والغيبة لإمامكم ! قال : قلت : فكيف نصنع فيما بين ذلك ؟ فقال : كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم » (2).
    4 ـ وعن زرارة قال : « قال أبو عبد الله عليه السّلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال : يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم » (3).
    5 ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية » (4).
    6 ـ وعن يمان التمّار قال : « كنا عند أبي عبد الله عليه السّلام جلوسا فقال لنا : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد ـ ثم فقال هكذا بيده ـ فأيكم يمسك شوك القتاد بيده ؟ ثم أطرق ملياً ، ثم قال : إنّ
1 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 158 / 3 باب 10 ، واصول الكافي 1 : 342 / 28 باب الغيبة.
2 ـ اكمال الدين : 349 / 41 باب 31 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 159 / 6 باب 10.
3 ـ إكمال الدين 2 : 350 / 44 باب 33.
4 ـ إكمال الدين 2 : 358 / 55 باب 33 ، ومعاني الأخبار / الشيخ الصدوق : 112 / 1 باب معنى طوبى.


(143)
لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتّقِ الله عبدٌ وليتمسّك بدينه » (1).

    ثالثاًً ـ التأكيد على انتظار الإمام الغائب عليه السّلام في غيبته :
    يُعدّ الانتظار في مدرسة أهل البيت عليهم السّلام من الوظائف الاساسية في عصر الغيبة ، وقد نبّه الإمام الصادق عليه السّلام على هذه الوظيفة الكفيلة ببناء الفرد بناء إسلاميا صحيحاً ، فضلاً عن كونها عبادة.
    فقد أحرج الترمذي والطبراني عن عبد الله ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : « سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزّوجلّ يُحبُّ من يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج » (2).
    وهناك أحاديث كثيرة بهذا المعنى ، عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام (3) ، وزين العابدين عليه السّلام (4) ، وكذلك عن ابن مسعود (5) ،
1 ـ اُصول الكافي 1 : 335 ـ 336 / 1 باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : 169 / 11 باب 10 ، وإكمال الدين 2 : 343 / 25 باب 33 ، واثبات الوصية / المسعودي : 267 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 455 / 465 ، والقتاد : شجر صلب ، شوكه كالابر. وخرط القتاد : مثل يضرب عند ارتكاب صعائب الامور.
2 ـ سنن الترمذي 5 : 565 / 3571 باب 116 ، والمعجم الكبير / الطبراني 10 : 124 ـ 125 / 10088.
3 ـ إكمال الدين 2 : 287. 6 باب 25 ، والجامع الصغير / السيوطي : 417 / 2719 عن ابن عساكر وابن أبي الدنيا.
4 ـ امالى الشيخ الطوسي : 405 / 907 مجلس رقم / 14.
5 ـ مجمع البيان / الطبرسي 3 : 40.


(144)
وأنس (1) ، وابن عبّاس (2) ، وابن عمر (3).
    ومن هنا قام الإمام الصادق عليه السّلام ببيان صفات وواجبات المنتظر للإمام المهدي عليه السّلام ، مسلّطاً الضوء على آثار الانتظار وفوائده ، محثّاً عليه ، مبشراً المنتظرين لظهوره عليه السّلام بأنهم من الاولياء الصاحين ، والقدوة الربانيين. ونحو هذا من الأمور الاخرى التي يمكن عرضها ـ من خلال احاديثه عليه السّلام ـ بالصورة الآتية :

    1 ـ توقف قبول العمل على الانتظار :
    عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزّوجلّ من العباد عملاً إلاّ به ؟ ، فقلت : بلى ، فقال عليه السّلام : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، والاقرار بما أمر الله ، والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ، والورع والاجتهاد ، والانتظار للقائم عليه السّلام ... » (4).
    ويمكن التماس الدليل على صحة توقف العمل على انتظار الفرج من القرآن الكريم في عَدِّهِ اليأس من رَوْح الله صفة للكافرين ، كما في قوله تعالى : ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) (5) ، وقال بشمن الكافرين : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل
1 ـ تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي 2 : 154 ـ 155.
2 ـ تلخيص المتشابه بالرسم / الخطيب البغدادي 1 : 288 ، ومسند الشهاب 1 : 62 / 46.
3 ـ أمالي الشجري 1 : 228 ، ومسند الشهاب 1 : 63 / 47.
4 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 200 / 16 باب 11.
5 ـ سورة يوسف : 12 / 87.


(145)
فجعلناهُ هناءً منثورا ) (1).

    2 ـ وصف المنتظرين بأنهم من الأولياء :
    عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالى : ( يَوم يأتِي بعضُ آياتِ رَبِّكَ لا ينفعُ نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) (2) قال عليه السّلام : « يعنى : خروج القائم المنتظر منّا ، ثم قال : يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا ، المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطعين له في ظهوره ، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » (3).
    3 ـ منزلة المنتظر لإمام الزمان عليه السّلام :
    عن العلاء بن سيابة ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « من مات منكم على هذا الأمر منتظرا ، كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم عليه السّلام » (4).
    وعن الفيض بن المختار ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان هو مع القائم في فسطاطه ، قال : ثم مكث هنيهة ، ثم قال : بل كمن قارع معه بسيفه ، ثم قال : لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله » (5).
1 ـ سورة الفرقان : 25 / 23.
2 ـ سورة الأنعام : 6 / 158.
3 ـ إكمال الدين : 2 : 357 / 54 باب 33 ، وينابيع المودة / القندوزي الحنفي 3 : 238 / 10 باب 271.
4 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 200 / 15 باب 11.
5 ـ المحاسن / البرقي : 150 / 151 باب 38.


(146)
وعن إبراهيم الكوفي ، عن الصادق عليه السّلام : « .. المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله يذبّ عنه » (1).

    4 ـ ما يجب أن يتحلّى به المنتظر وبيان أجر انتظاره :
    عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ، قال عليه السّلام : « من سره من يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ، ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده ، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدوا وانتظروا ... » (2).
    ومن الصفات الاخرى التي ينبغي على المنتظر التحلي بها ، صفة التديّن ، والابتعاد عن المعاصي والآثام بحيث يراعي تقوى الله تعالى دائماً ، ويرشدنا إلى هذا ، حديث الإمام الصادق عليه السّلام : « ... إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه » (3).

    5 ـ توجّع المنتظر وحزنه وبكاؤه على المهدي عليه السّلام في غيبته :
    عن سدير الصيرفي ، قال : « دخلت أنا ، والمفضّل بن عمر ، وأبو بصير ، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السّلام ، فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب ، مقصّر الكميّن ،
1 ـ إكمال الدين : 2 : 647 / 8 باب 55.
2 ـ كتاب الغيبة / النعماني 200 / 16 باب 11.
3 ـ اصول الكافي 1 : 335 ـ 336 / 1 باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : 169 / 11 باب 10 ، وإكمال الدين 2 : 343 / 25 باب 33 ، واثبات الوصية / المسعودي : 267 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 455 / 465.


(147)
وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عأرضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول :
    سيدي ! غيبتك نفت رُقادي ، وضيّقت عليّ مِهادي ، وابتزّت مني راحة فؤادي ، سيدي ! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد ... » (1).

    6 ـ النهي عن قسوة القلوب في فترة الانتظار :
    أخرج الصدوق عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « نزلت هذه الآية في القائم عليه السّلام : ( ولا يكونوا كالذينَ أوتوا الكتابَ من قبلُ فطالَ عليهمُ الأمدُ فقستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقونَ ) (2) » (3).
    ويوضح المعنى المذكور ، ما أخرجه النعماني في كتاب الغيبة ، عن أحمد ابن الحسن الميثمي ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السّلام ، قال : « سمعته يقول : نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد : ( ولا يكونوا كالذينَ اوتوا الكتابَ من قبلُ فطال عليهمُ الأمدُ فقستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقونَ ) في أهل زمان الغيبة ، ثم قال عزّوجلّ : ( اعلموا من اللهَ يحيى الأرضَ بعدَ موتها قد بيّنّا لكم الآيات لعلّكم تعقلون ) (4) وقال : إنّما الأمد أمد الغيبة » (5).
1 ـ اكمال الدين 2 : 352 ـ 357 / 50 باب 33 ، وينابيع المودّة / القندوزي الحنفي 3 : 310 ـ 311 / 2 باب 80.
2 ـ سورة الحديد : 57 / 16.
3 ـ إكمال الدين 2 : 668 / 12 باب 58.
4 ـ سورة الحديد : 57 / 17.
5 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 24 / من مقدمة المؤلف ، وتأويل الآيات / الاستر آبادي 2 : 662 / 14 ، عن الشيخ المفيد.


(148)
    ثم قال الشيخ النعماني معلّقا على هذا الحديث ـ : « فإنه أراد عزّوجلّ : يا امّة محمد صلّى الله عليه وآله ، أو يا معشر الشيعة ، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد. فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة » (1).

    7 ـ تهيئة وسائل القوة في فترة الانتظار :
    والمطلوب من المنتظر أن يعيش حالة التأهّب التامّ والاستعداد الكامل لنصرة الإمام المهدي عليه السّلام ، وما يتطلب ذلك من الاعداد النفسي والمادي معاً بحيث ، يكون كالجندي الذي ينتظر قائده لخوض معركه حاسمة فاصلة. وإلى هذا المعنى يشير حديث الإمام الصادق عليه السّلام : « ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً ... » (2).

    8 ـ ضرورة اعطاء العهد والبيعة للإمام المهدي عليه السّلام في غيبته :
    ويدلّ عليه دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه السّلام ، وهو دعاء عظيم في بابه ، وقد جاء فيه قوله عليه السّلام : « اللهمّّ إنّي أجدد له ـ أي : للمهدي عليه السّلام ـ يومي هذا ، وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول أبداً ... » (3).

    9 ـ طلب الرجعة في الدعاء في حال الموت قبل ظهوره عليه السّلام :
    كما في دعاء العهد أيضاًًً ، من قوله عليه السّلام : « اللهمّ إن حال بيني وبينه
1 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 24 من المقدمة ( في ذيل الحديث المذكور ).
2 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 320 / 10 باب 21.
3 ـ زاد المعاد / المجلسي : 223.


(149)
الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً ، فاخرجنى من قبري مؤتزراً كفني ، شاهراً سيفي ، مجرّداً قناتي ، ملبّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي .. » .

    10 ـ الإكثار من الدعاء في فترة الانتظار :
    والادعية الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام في هذا كثيرة جداً ، وفيها تنوع رائع من الدعاء يطلّ الداعي من خلاله على عالم فسيح ، وينفتح على حياة أخرى ملؤها التوحيد ، والعبودية الخالصة لله ، والذوبان في مناجاته سبحانه ، والاخلاص لدينه ، والمحبّة والانقياد لرسله وأوليائه عليهم السّلام.
    وفي أدعية الإمام الصادق عليه السّلام تجسيد حيّ لهذه المعاني كلها ؛ وفيما يأتي صورة مختصرة لما تضمنته بعض أدعيته الشريفة في هذا الخصوص :

    أ ـ الدعاء بالثبات على الدين في زمان الغيبة :
    عن عبد الله بن سنان ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، قال : « ستصيبكم شبهة ، فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق ، قال : يقول يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك .. » (1). ومن الواضح من هذا الدعاء أعمّ من حصره بزمان حبس الإمام الكاظم عليه السّلام وانقطاعه عن قواعده الشعبية ، بل يشمل أهل زمان الغيبة أيضاًًً.

    ب ـ الدعاء بطلب المعرفة المنجية من الضلال :
    ويدلّ عليه حديث زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، وفيه : « ... فقلت
1 ـ إكمال الدين 2 : 351 ـ 352 / 49 باب 33.

(150)
وما تأمرني لو ادركت ذلك الزمان ؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : ( اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهمّ عرّفني نبيّك ، فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ) » (1).

    ج ـ الدعاء المعبر عن الشوق والمحبة للإمام المهدي عليه السّلام :
    ومن آداب دعاء المنتظر للفرج في زمان الغيبة من يجعل من الدعاء وسيلة معبرة عن حبّه وشوقه للإمام المهدي عليه السّلام ، وذلك باهداء التحية والسّلام العاطر له عليه السّلام ، كما في دعاء الإمام الصادق عليه السّلام :
     « بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ بلّغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان ، من مشارق الأرض ومغاربها ، سهلها وجبلها ، عنّي وعن والديّ وعن ولدي وأخواني ، التحية والسّلام ، عدد خلق الله وزنة عرش الله ، وماأحصاه كتابه ، وأحاط علمه ... » (2). ؟
    وهذا الدعاء هو مقطع من دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه السّلام (3).

    د ـ الدعاء للإمام المهدي عليه السّلام بتعجيل الفرج :
    ويدلّ عليه مارواه عبّادبن محمد المدائني ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، في دعاء
1 ـ اصول الكافي / الكليني 1 : 342 / 29 باب في الغيبة ، و 1 : 337 / 5 من الباب السابق ، واكمال الدين 2 : 342 / 24.
2 ـ بحار الأنوار 86 : 61 / 69 نقله من كتاب اختيار المصباح لابن باقي.
3 ـ راجع : زاد المعاد / المجلسي : 223.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس