حديث المنزلة ::: 31 ـ 45
(31)
    ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخبر في حديث المنزلة عن ثبوت جميع هذه المنازل القرآنية لهارون وغيرها كما سنقرأ ، عن ثبوتها جميعاً لعلي ما عدا النبوة ، لقد أخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) النبوة بعد شمول تلك الكلمة التي أطلقها ، هي تشمل النبوة إلاّ أنّه أخرجها واستثناها استثناءً ، لقيام الضرورة على أنْ لا نبي بعده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويبقى غير هذه المنزلة باقياً وثابتاً لعلي ( عليه السلام ) ، وبيان ذلك :
    إنّ عليّاً ( عليه السلام ) وإنْ لم يكن بنبي ، وهذا هو الفارق الوحيد بينه وبين هارون في المراتب والمقامات والمنازل المعنوية الثابتة لهارون ، وإنْ لم يكن بنبي ، إلاّ أنّه ( عليه السلام ) يعرّف نفسه ويذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة ، نقرأ في نهج البلاغة يقول ( عليه السلام ) :
    « ولقد علمتم موضعي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يَضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالَم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم


(32)
من أخلاقه عَلَما ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ».
    لاحظوا هذه الكلمة : « أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ».
    ثمّ لاحظوا ماذا يقول الرسول لعلي : « إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير » (1).
    أرجو الانتباه إلى ما أقول ، لتروا كيف تتطابق الايات القرآنيّة والاحاديث النبويّة وكلام علي في الخطبة القاصعة ، إنّ عليّاً وإنْ لم يكن بنبي لكنّه رأى نور الوحي والرسالة وشمّ ريح النبوّة.
    أترون أنّ هذا المقام وهذه المنزلة تعادلها منازل جميع الصحابة من أوّلهم إلى آخرهم في المنازل الثابتة لهم ؟ تلك المنازل لو وضعت في كفّة ميزان ، ووضعت هذه المنزلة في كفّة ، أترون أنّ تلك المنازل كلّها وتلك المناقب ، تعادل هذه المنقبة الواحدة ؟
1 ـ نهج البلاغة 2/182 ـ مطبعة الاستقامة بمصر ( محمّد عبده ).

(33)
    فكيف وأنْ يُدّعى أنّ شيئاً من تلك المناقب المزعومة يترجّح على هذه المنقبة ؟
    علي لم يكن بنبي ، لكنّه شمّ ريح النبوّة ، لكنْ ما معنى هذه الكلمة بالدقّة ، لا نتوصّل إلى معناها ، وعقولنا قاصرة عن درك هذه الحقيقة ، لم يكن بنبي إلاّ أنّه شمّ ريح النبوّة ، وأيضاً : لم يكن علي نبيّاً إلاّ أنّه كان وزيراً ، لمن ؟ لرسول الله الذي هو أشرف الانبياء وخير المرسلين وأكرمهم وأعظمهم وأقربهم إلى الله سبحانه وتعالى ، وأين هذه المرتبة من مرتبة هارون بالنسبة إلى موسى الذي طلب أن يكون هارون وزيراً له ، إلاّ أنّ كلامنا الان في دوران الامر بين علي وأبي بكر.
    ومن الاحاديث الشاهدة بوزارة علي ( عليه السلام ) لرسول الله ، الحديث الذي ذكرناه في يوم الدار ، يوم الانذار ، حيث قال : « فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ؟ » قال علي : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فقال : « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (1).
    وفي رواية الحلبي في سيرته : « إجلس ، فأنت أخي ووزيري
1 ـ تفسير البغوي 4 / 278 ، ومصادر أُخرى.

(34)
ووصيّي ووارثي وخليفتي من بعدي » (1).
    وفي تاريخ دمشق ، وفي المرقاة ، وفي الدر المنثور ، وفي الرياض النضرة ، يروون عن ابن مردويه وعن ابن عساكر وعن الخطيب البغدادي وغيرهم ، عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : « اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : اللهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي أخي عليّاً ، اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً ، إنّك كنت بنا بصيراً » (2).
    وأيضاً ، هذه دلالات حديث المنزلة ، لاحظوا كيف تتطابق الايات والروايات وكلام علي بالذات ؟
    إنّ لعلي ( عليه السلام ) موضعاً من رسول الله يقول : « قد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة » ، هذه القرابة القريبة في قصّة موسى وهارون قول موسى : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ) ، ومن هنا سيأتي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد ذكر حديث المنزلة في قصة المؤاخاة بينه وبين علي عليهما الصلاة والسلام.
1 ـ السيرة الحلبيّة 1 / 461.
2 ـ ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 1/120 ـ 121 رقم 147 ، الدر المنثور 5/566 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1403 هـ ، الرياض النضرة 3/118 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.


(35)
    مضافاً إلى قوله تعالى : ( وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (1).
    فإنّ الاوصاف الثلاثة هذه ـ أي الايمان والهجرة وكونه ذا رحم ـ لا تنطبق إلاّ على علي ، فيظهر أنّ القرابة القريبة هي جزء من مقوّمات الخلافة والولاية بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وقد ذكر الفخر الرازي بتفسير الاية المذكورة استدلال محمّد ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بالاية المباركة هذه ، في كتاب له إلى المنصور العباسي ، استدلّ بهذه الاية على ثبوت الاولوية لعلي ، وأجابه المنصور بأنّ العباس أولى بالنبي من علي ، لانّه عمّه وعلي ابن عمّه ، ووافق الفخر الرازي الذي ليس من العباسيين ، وافق العباسيين في دعواهم هذه ، لا حبّاً للعباسيين ، وإنّما ؟
    والفخر الرازي نفسه يعلم بأنّ العباس عمّ النبي ، ولكن العباس ليس من المهاجرين ، إذ لا هجرة بعد الفتح ، فكان علي هو المؤمن المهاجر ذا الرحم ، ولو فرضنا أنّ في الصحابة غير علي من هو مؤمن ومهاجر ، والانصاف وجود كثيرين منهم كذلك ، إلاّ أنّهم لم
1 ـ سورة الاحزاب : 6.

(36)
يكونوا بذي رحم ، ويبقى العباس وقد عرفتم أنّه ليس من المهاجرين ، فلا تنطبق الاية إلاّ على علي.
    وهذا وجه استدلال محمّد بن عبدالله بن الحسن في كتابه إلى المنصور ، وقد كان الرجل عالماً فاضلاً عارفاً بالقرآن الكريم ، والفخر الرازي في هذا الموضع يوافق العباسيين و المنصور العباسي ، ويخالف الهاشميين والعلويين حتّى لا يمكن ـ بزعمه ـ الاستدلال بالاية على إمامة علي أمير المؤمنين.
    فقوله تعالى : ( وَأُولُوا الاَْرْحَامِ ) دليل آخر على إمامة علي ، ومن هنا يظهر : أنّ استدلال علي ( عليه السلام ) وذكره القرابة القريبة كانت إشارة إلى ما في هذه الناحية من الدخل في مسألة الامامة والولاية.
    مضافاً إلى أنّ العباس قد بايع عليّاً ( عليه السلام ) في الغدير وبقي على بيعته تلك ، ولم يبايع غير أمير المؤمنين ، بل في قضايا السقيفة جاء إلى علي ، وطلب منه تجديد البيعة ، فيسقط العباس عن الاستحقاق للامامة والخلافة بعد رسول الله ، ولو تتذكرون ، ذكرت لكم في الليلة الاُولى أنّ هناك قولاً بإمامة العباس ، لكنّه قول لا يستحق الذكر والبحث عنه عديم الجدوى.


(37)
    أعلميّته بعد موسى من جميع بني إسرائيل ومن كلّ تلك الاُمّة ، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضى تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسى لامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وإلى الاعلميّة هذه يشير علي ( عليه السلام ) في الاوصاف التي ذكرها لنفسه في هذه الخطبة وفي غير هذه الخطبة.
    في هذه الخطبة يقول : « كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ».
    ويقول ( عليه السلام ) في خطبة أُخرى بعد أنْ يذكر العلم بالغيب يقول : « فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله ، وما سوى ذلك [ أي ما سوى ما اختصّ به سبحانه وتعالى لنفسه ] فعلم علّمه الله نبيّه ، فعلّمنيه ودعا لي بأنْ يعيه صدري وتضْطَمّ عليه جوانحي ».
    وأيضاً : تظهر أعلميّته ( عليه السلام ) من قوله في نفس هذه الخطبة عن رسول الله حيث خاطبه بقوله : « إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ».
    وأيضاً : رسول الله يقول في علي : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ».
    هذا الحديث هو الاخر من الاحاديث الدالة على إمامة أمير


(38)
المؤمنين سلام الله عليه ، وكان ينبغي أن نخصّص ليلة للبحث عن هذا الحديث الشريف ، لنتعرّض هناك عن أسانيده ودلالاته ، ولنتعرّض أيضاً لمحاولات القوم في ردّه وإبطاله ، وما ارتكبوه من الكذب والدسّ والتزوير والتحريف.
    أمّا ثبوت الاعلميّة لهارون بعد موسى ، فلو أردتم ، فراجعوا التفاسير في قوله تعالى : ( قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيتُهُ عَلَى عِلْم عِنْدِي ) (1) عن لسان قارون ، في ذيل هذه الاية ، تجدون التصريح بأعلميّة هارون من جميع بني إسرائيل إلاّ موسى ، فراجعوا تفسيرالبغوي (2) ، وراجعوا تفسير الجلالين (3) ، وغير هذين من التفاسير.

    وهل من شك في ثبوت العصمة لهارون ؟ وقد نزّل رسول الله أمير المؤمنين منزلة هارون ، ولم يدّع أحد من الصحابة العصمة ، كما لم يدّعها أحد لواحد من الصحابة ، سوى أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
1 ـ سورة القصص : 78.
2 ـ تفسير البغوي 4/357 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1405 هـ.
3 ـ تفسير الجلالين 2/201 ـ نشر مصطفى البابي الحلبي بمصر ـ 1388 هـ.


(39)
    وحينئذ هل يجوّز عاقل أن يكون الامام بعد رسول الله غير معصوم مع وجود المعصوم ؟
    وهل يجوّز العقل أنْ يجعل غير المعصوم واسطة بين الخلق والخالق مع وجودالمعصوم ؟
    وهل يجوز عقلاً وعقلاءاً الاقتداء بغير المعصوم مع وجود المعصوم ؟
    وإلى مقام العصمة يشير علي ( عليه السلام ) عندما يقول ويصرّح بأنّه كان يرى نور الوحي والرسالة ويشمّ ريح النبوة.
    وهل يعقل أن يترك مثل هذا الشخص ويقتدى بمن ليس له أقلّ قليل من هذه المنزلة ؟
    ولا يخفى عليكم أنّ الذي كان يسمعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنّ الذي كان يراه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هو أسمى وأجلّ وأرقى وأرفع ممّا كان يراه ويسمعه غيره من الانبياء السابقين عليه ، فكان علي يسمع ويرى ما يسمع ويرى النبي ، وعليكم بالتأمّل التام في هذا الكلام.

    أنّ الله سبحانه وتعالى أحلّ له ما لم يكن حلالاً لغيره في المسجد الاقصى ، وبحكم حديث المنزلة يتمّ هذا الامر لعلي وأهل بيته بالخصوص ، ويكون هذا من جملة ما يختصّ بأمير المؤمنين


(40)
وأهل البيت الطاهرين ويميّزهم عن الاخرين ، فيكونون أفضل من هذه الناحية أيضاً من غيرهم.
    والشواهد لهذا الحديث ولهذا التنزيل في الاحاديث كثيرة ، ومن ذلك : حديث سدّ الابواب ، وهذه ألفاظ تتعلّق بهذا الموضوع في السنّة النبويّة الشريفة المتفق عليها بين الفريقين ، وأنا أنقل لكم من بعض المصادر المعتبرة عند أهل السنّة :
    أخرج ابن عساكر في تاريخه ، وعنه السيوطي في الدرّ المنثور (1) : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب فقال : « إنّ الله أمر موسى وهارون أن يتبوّءا لقومهما بيوتاً ، وأمرهما أنْ لا يبيت في مسجدهما جنب ، ولا يقربوا فيه النساء ، إلاّ هارون وذريّته ، ولا يحلّ لاحد أن يقرب النساء في مسجدي هذا ولا يبيت فيه جنب إلاّ علي وذريّته ».
    وفي مجمع الزوائد عن علي ( عليه السلام ) قال : أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيدي فقال : « إنّ موسى سأل ربّه أنْ يطهّر مسجده بهارون ، وإنّي سألت ربّي أنْ يطهّر مسجدي بك وبذريّتك » ، ثمّ أرسل إلى أبي بكر أنْ سدّ بابك ، فاسترجع [ أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ] ثمّ قال :
1 ـ ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 1/296 ، الدر المنثور 4/383.

(41)
سمعٌ وطاعة ، فسدّ بابه ، ثمّ أرسل إلى عمر ، ثمّ أرسل إلى العباس بمثل ذلك ، ثمّ قال رسول الله : « ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي ، ولكن الله فتح باب علي وسدّ أبوابكم » (1).
    وفي مجمع الزوائد وكنز العمال وغيرهما ـ واللفظ للاوّل ـ : لمّا أخرج أهل المسجد وترك عليّاً قال الناس في ذلك [ أي تكلّموا في ذلك واعترضوا ] فبلغ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : « ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ، ولا أنا تركته ، ولكنّ الله أخرجكم وتركه ، إنّما أنا عبد مأمور ، ما أُمرت به فعلت ، إنّ أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ » (2).
    وفي كتاب المناقب لاحمد بن حنبل ، وكذا في المسند ، وفي المستدرك للحاكم ، وفي مجمع الزوائد ، وتاريخ دمشق ، ) وغيرها (3) عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة في المسجد ، فقال يوماً : « سدّوا هذه الابواب إلاّ باب علي » ، قال : فتكلّم في ذلك ناسٌ ، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الابواب غير
1 ـ مجمع الزوائد 9/114.
2 ـ مجمع الزوائد 9/115 ، كنز العمال 11/600 رقم 32887 ـ دار إحياء التراث.
3 ـ فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لاحمد بن حنبل : 72 رقم 109 ، مسند أحمد 5/496 رقم 18801 ، مستدرك الحاكم 3/125 ، مجمع الزوائد 9/114 ، ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 1/279 ـ 280 رقم 324 ، الرياض النضرة 3/158.


(42)
باب علي ، فقال فيه قائلكم ، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أُمرت بشيء فاتّبعته ».
    وهذا الحديث موجود في صحيح الترمذي ، وفي الخصائص للنسائي (1) ، وغيرهما من المصادر أيضاً.
    ولذا كانت قضية سدّ الابواب من جملة موارد قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « علي منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».
    وإلى الان ظهرت دلالة حديث المنزلة على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
    من جهة ثبوت العصمة له.
    ومن جهة ثبوت الافضلية له.
    ومن جهة ثبوت بعض الخصائص الاُخرى الثابثة لهارون.
1 ـ خصائص النسائي : 59 رقم 38.

(43)
    ننتقل الان إلى دلالة هذا الحديث على خصوص الخلافة والولاية ، فيكون نصّاً في المدّعى.
    ولا ريب في أنّ من منازل هارون : خلافته عن موسى ( عليه السلام ) ، قال تعالى عن لسان موسى يخاطب هارون : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (1).
    فكان هارون خليفة لموسى ، وعلي بحكم حديث المنزلة خليفة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فيكون هذا الحديث نصّاً في الخلافة والامامة والولاية بعد رسول الله.
    ومن جملة آثار هذه الخلافة : وجوب الطاعة المطلقة ،
1 ـ سورة الاعراف : 142.

(44)
ووجوب الانقياد المطلق ، والطاعة المطلقة والانقياد المطلق يستلزمان الامامة والولاية العامة.
    ولا يتوهمنّ أحدٌ بأنّ وجوب إطاعة هارون ووجوب الانقياد المطلق له كان من آثار وأحكام نبوّته ، لا من آثار وأحكام خلافته عن موسى ، حتّى لا تجب الاطاعة المطلقة لعلي ، لانّه لم يكن نبيّاً.
    هذا التوهم باطل ومردود ، وإنْ وقع في بعض الكتب من بعض علمائهم ، وذلك لانّ وجوب الاطاعة المطلقة إنْ كان من آثار النبوّة لا من آثار الخلافة ، إذن لم يثبت وجوب الاطاعة للمشايخ الثلاثة ، لانّهم لم يكونوا أنبياء ، وأيضاً : لم يثبت وجوب الاطاعة المطلقة لعلي في المرتبة الرابعة التي يقولون بها له ( عليه السلام ) ، إذ ليس حينئذ نبيّاً ، بل هو خليفة.
    فإذن ، وجوب الاطاعة لهارون كان بحكم خلافته عن موسى لا بحكم نبوّته ، وحينئذ تجب الاطاعة المطلقة لعلي ( عليه السلام ) بحكم خلافته عن رسول الله ، وبحكم تنزيله من رسول الله منزلة هارون من موسى. فالمناقشة من هذه الناحية مردودة.
    وإذا ما رجعنا إلى الكتب المعنيّة بمثل هذه البحوث ، لرأينا تصريح علمائهم بدلالة حديث المنزلة على خلافة علي ( عليه السلام ).
    فراجعوا مثلاً كتاب التحفة الاثنا عشرية الذي ألّفه مؤلّفه ردّاً


(45)
على الشيعة الامامية الاثنا عشرية ، فإنّه يعترف هناك بدلالة حديث المنزلة على الخلافة ، بل يضيف أنّ إنكار هذه الدلالة لا يكون إلاّ من ناصبي ولا يرتضي ذلك أهل السنة.
    إنّما الكلام في ثبوت هذه الخلافة بعد رسول الله بلا فصل ، أمّا أصل ثبوت الخلافة لامير المؤمنين بعد رسول الله بحكم هذا الحديث فلا يقبل الانكار ، إلاّ إذا كان من النواصب المعاندين لامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، كما نصّ على ذلك صاحب التحفة الاثنا عشرية.
    يقول صاحب التحفة هذا الكلام ويعترف بهذا المقدار من الدلالة.
    إلاّ أنّك لو راجعت كتب الحديث وشروح الحديث لرأيتهم يناقشون حتّى في أصل دلالة حديث المنزلة على الخلافة والولاية بعد رسول الله ، أي ترى في كتبهم ما ينسبه صاحب التحفة إلى النواصب ، ويقولون بما يقوله النواصب.
    فراجعوا مثلاً شرح حديث المنزلة في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني الحافظ ، وشرح صحيح مسلم للحافظ النووي ، والمرقاة في شرح المشكاة ، تجدوهم في شرح حديث المنزلة يناقشون في دلالة هذا الحديث على أصل الامامة والولاية ، وهذا ما كان صاحب التحفة ينفيه عن أهل السنّة وينسبه إلى النواصب.
حديث المنزلة ::: فهرس