حديث المنزلة ::: 76 ـ 80
(76)
    إلاّ أن من حسن الحظ أنّ ابن الجوزي يورد هذا الحديث الموضوع لكن لا في الموضوعات ، بل في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ويقول : حديث لا يصح (1).
    وأيضاً : يقول الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال : هذا حديث منكر (2).
    ويعيد ذكره أيضاً مرّتين ويقول : خبر كذب (3).
    وابن حجر العسقلاني أيضاً يكذّب هذا الحديث في لسان الميزان (4).
    وحينئذ لا يبقى مجال لاستناد أحد إلى هذا الحديث الموضوع الذي ينصّون على ضعفه أو وضعه وكذبه ، مع عدم وجوده في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن.
    الطريق الثالث :
    وتبقى الطريقة الاخيرة ، وهي ردّ حديث المنزلة وعدم قبول
1 ـ العلل المتناهية 1/199 رقم 312.
2 ـ ميزان الاعتدال 5/473 رقم 6900 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1416 هـ.
3 ـ ميزان الاعتدال 5/207 رقم 6015.
4 ـ لسان الميزان 5/9 رقم 5828 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1416 هـ ، وفيه أبوبكر فقط.


(77)
صحّة هذا الحديث ، مع كونه في الصحيحين وغيرهما كما عرفتم.
    وهذا الطريق مشى عليه كثير من علمائهم ، ممّا يدلّ على فشلهم في الطرق الاُخرى بعد عدم تمكّنهم من إبطال هذا الحديث بمناقشات علمية.
    يقول الامدي ـ وهو أبو الحسن سيف الدين الامدي ـ : إنّ هذا الحديث غير صحيح.
    وابن حجر المكي ينقل كلامه في الصواعق المحرقة (1).
    وتجدون الاعتماد أيضاً على رأي الامدي هذا في شرح المواقف (2) للشريف الجرجاني.
    ويقول القاضي الايجي في الجواب عن حديث المنزلة : إنّه لا يصحّ الاستدلال به من جهة السند (3).
    وهكذا غير هؤلاء الذين ذكرتهم ، يردّون هذا الحديث بعدم صحّة سنده ، وغير واحد منهم يعتمد على كلام الامدي.
    لكن الامدي يذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ونصّ عبارته : قد نفي من دمشق لسوء اعتقاده ، وصحّ عنه أنّه كان يترك
1 ـ الصواعق المحرقة : 73.
2 ـ شرح المواقف للجرجاني 8/362 ـ الشريف الرضي ـ قم ـ 1412 هـ.
3 ـ المصدر نفسه.


(78)
الصلاة (1).
    وأقول :
    إنْ كان ترك الصلاة عيباً مسقطاً للعدالة ، وموجباً لسقوط الشخص وكلامه ورأيه في القضايا العلمية ، فلماذا يعتمدون عليه وينقلون كلامه ؟
    ولكنْ عندي كثيرون من حفّاظ الحديث وكبار أئمّتهم المحدّثين الرواة للسنّة النبويّة ، الاُمناء على الدين ، يذكرون بتراجمهم أنّهم كانوا يتركون الصلاة ، ولو اتّسع الوقت لذكرت لكم بعضهم ، وذكرت بعض عباراتهم في الثناء عليهم وتبجيلهم وتوثيقهم وتعظيمهم ، ممّا يدلّ على أنّ ترك الصلاة التي هي عمود الدين عند المسلمين ليس بطعن في شخص من هؤلاء.
1 ـ ميزان الاعتدال 3/358 رقم 3652.

(79)
    فهذه مناقشاتهم ، وهذه محاولاتهم ، وهؤلاء علماؤهم وحفّاظهم ، والذين يعتمدون عليهم في عقائدهم ، وفي أحكامهم وفروعهم الفقهيّة ، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يقدّر لهذه الاُمّة خيرة علمائها ـ من هذه الطائفة المظلومة التي أصبح حالها كما قالت أروى بنت الحارث حال بني إسرائيل في آل فرعون ـ لولا هؤلاء ، لاندرس الدين وضاعت آثار سيّد المرسلين ، ولكن الله سبحانه وتعالى أتمّ الحجة بهؤلاء على غيرهم ، وعلى الباحثين المنصفين الذين يريدون أنْ يعرفوا الحق فيتّبعونه أين ما كان ، أنْ يتوصّلوا إلى واقعيات القضايا والاحوال.
    وإنّنا نسأل الله تعالى أن يثبّتنا على هذه العقيدة المستندة إلى الكتاب والسنّة المعتبرة المقبولة عند الكل ، وأنْ يوفّقنا لانْ نؤدّي واجباتنا وتكاليفنا في تبيين الحقائق وتوضيح الاُمور على ما هي


(80)
عليه ، ونتمكّن من مساعدة أُولئك الذين يريدون الحق ، يريدون الوصول إلى الواقع ، يريدون الحصول على حقيقة الامر ، وما فيه رضى الله ورسوله.
    وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
حديث المنزلة ::: فهرس