حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 1 ـ 15

حقيقة الإعتقاد بالإمام
المهدي (عج) المنتظر (عليه السلام)

المحامي
أحمد حسين يعقوب

الأردن/جرش


(5)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخاتم النبيين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، الذين اصطفاهم وميّزهم على علم من عباده المسلمين أما بعد :
    فبعد أن طبعت كتابي الحادي عشر « الهاشميون في الشريعة والتاريخ » صممت على الشروع بتأليف كتاب خاص عن « القضاء والافتاء عند أهل بيت النبوة » جمعت وهيأت المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع ورتبتها على طاولتي ، ولم يبق على سوى المباشرة فعلا بالكتابة بعد الموضوع ورتبتها على مباشرة فعلا بالكتابة ، بعد ذلك اجتمعت مع أخ كريم ، وصديق بارز ، فسألني عن مشاريعي الجديدة بعد طباعة كتابي الأخير فأخبرته بما عزمت عليه فقال أبو علي : لقد أثبت بالدليل القاطع في كتابيك « المواجهة » و « الهاشميون في الشريعة والتاريخ » أن عدد الأئمة الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر إماماً ، فما رأيكم لو كان كتابك الثاني عشر عن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو الإمام المهدي المنتظر ؟ ثم إنك قد غطيت بالبحث والدراسة الفكر السياسي لأهل بيت النبوة خاصة ، والنظام السياسي الاسلامي عامة من خلال مؤلفاتك فلماذا تترك هذه الثغرة لأن نظرية الإمام المهدي المنتظر مقطع بارز بالفكر والنظام السياسي الإسلامي ، وأن الإمام المهدي هو المؤسس الفعلي لدولة آل محمد التي ستكون آخر الدول وبالتالي فلا يمكنك تجاهل هذه الحقايق ، أو القفز عنها ، والاهم أن تناول الإمام المهدي بالبحث والدراسة يشكل إغلاقاً مناسباً لدائرة بحوثك عن الفكر السياسي العالمي عامة ، ولفكر أهل بيت النبوة خاصة ، وبعد ذلك فلا تثريب عليك لو طرقت أي موضوع شئت فاقتنعت


(6)
بصواب الاقتراح ، تفاءلت خيراً ، ولكني أوجست في نفسي خيفه وتهيبت كثيراً ، لأن : كافة المعلومات المتعلقة بالأمام المهدي من أنباء الغيب التي لم تقع بعد ، ولا مجال فيها للاجتهاد ولا للتحليل ، بل آلت إلى الأمة من الأحاديث النبوية الشريفة ، ثم إن الحديث النبوي نفسه قد تعرض لمحنة قاسية حيث منعت دولة الخلافة التاريخية كتابة ورواية الأحاديث النبوية منعاً باتاً قرابة مائة عام تحت شعار « حسبنا كتاب الله » وزاد المشكلة تعقيداً أن دولة الخلافة قد عزلت أئمة أهل بيت النبوة ، وهم ورثة علمي النبوة والكتاب وفرضت عليهم نوعاً من الإقامة الجبرية ، وهكذا حوُصرت أنباء الغيب محاصرة تامة ، وبعد المائه عام حدث الانفراج عن مصادر تلك الأنباء ، وبدأ المسلمون يروون ويكتبون الأحاديث النبوية علناً !! هذه الظروف تجعل الوصول إلى الحقائق الشرعيه الصادرة عن رسول الله أمراً ليس سهلاً.
    ويكمن الخوف والتهيب في منهجية عرض وتقديم نظرية الإمام المهدي المنتظر ، فالعشرات من العلماء الأجلاء قد بحثوا هذه النظرية ، وعرضوها بأشكال متشابهة ، وما ينبغي أن يكتب يجب أن يكون مختلفاً تماماً.
    ثم إن شعور النخبة المستنيره من المسلمين ولاشعور الخاصه والعامه من أبناء الجنس البشري قد انفض تماماً من حول العقائد والأنظمة الوضعية ، ويئس من قدرتها على إنقاذ البشرية ، وقد حمت عندهم وتواترت بينهم ، واقتنعوا بأن العالم الأنساني لن ينقذه ، ولن يخلصه من مستنقعات واقعه إلا المهدي المنتظر !! فعشقوه عشقاً ، وعشقوا حكومته العالمية التي سيخضع لسلطانها كافة سكان الكرة الأرضية ، والملتزمة بتطهير الأرض من الظلمة ، ونشر العدالة المطلقة في أرجائها ، وتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق لكل بني البشر ، وإتمام المصالحة التامة بينهم بعد أن تقتلع جذور الخلاف والاختلاف فيسود الانسجام التام ، هولاء بحاجة إلى دعم معنوي من الباحث ، وتنسيق خاص لأنباء الغيب المتعلق بمثل هذه الأمور ، والأهم كيف يرتقي الواقع العالمي للإمام المهدي وأهدافه وغاياته المعلنة ؟ وبتعبير أدق كيف تتسلسل الحادثات وحلقات الوقائع تسلسلاً منطقياً بحيث تؤدي أو تفضي مباشرة إلى دولة آل محمد ، أو إلى عهد الإمام


(7)
المهدي المنتظر ؟ وكيف نخلص هذا الكم من الامال من بين مخالب واقع عالمي يبعث على اليأس والقنوط ؟ كل هذا يحتاج إلى قدرة هائلة على الاستقراء والاستنباط والمقارنة وتحليل الثوابت من النصوص تحليلاً يبقيك دائماً ضمن دائرتها.
    واجتزت حواجز التهيب والخوف ، وصممت على الكتابة ، وجمعت مجموعة كبيرة من المراجع أهمها وأعظمها على الإطلاق « معجم أحاديث الإمام المهدي » الذي ألفته الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف سماحة الأخ والصديق الشيخ علي الکوراني ، وهو يقع على خمسة مجلدات اشتملت على كافة الأحاديث النبوية وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة ، وشرعت بالكتابة ، ولم أجد بحمد الله ومنّته عسراً ولا حرجاً ، لأن مولانا الإمام المهدي يُسر ويفرح.
    وبعد أن أتممت الكتاب أيقنت أن قوانينا ، ومناهجنا وأساليبنا بالتغيير ، تعكس حجم قدراتنا وقوانا المحدودة ، وأن لله نواميس وأساليب بالتغيير تعكس حجم قدرته التي استطال بها على كل شيء ، لا إله إلا هو شديد المحال ، الكبير المتعال.
    وقد اشتمل فهرس الموضوعات على الأبواب والفصول ويمكنني القول وبغير ادعاء أن الكتاب مختلف تماماً عن الكتب التي سبقته والتي عالجت نفس الموضوع ، لقد قدمت نظرية الأمام المهدي المنتظر ، بروح العصر ولغته بعد أن أصّلتها وجذرتها دينياً وتاريخاً.
    الّلهم اجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم ، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وآخر دعواهم ان الحمدلله رب العالمين.
المحامي
أحمد حسين يعقوب





(8)

(9)
حقيقة الاعتقاد بالإمام
المهدي المنتظر


(10)

(11)


(12)

(13)
    الفصل الأول :
نقض عرى الأسلام وناقضوها الأسباب والنتائج
نجاح لا مثيل له في التاريخ البشري
    لقد نجح محمد رسول الله نجاحاً لا نظير له في تاريخ البشرية. كلها ، فقد نقل العرب من دين إلى دين ، وكون لهم دولة شملت كل بلادهم ، ووحدهم وحدة حقيقية لاول مرة في التاريخ كله بمدة لا تتجاوز 23 سنة وبكلفة بشرية لم تتجاوز 389 قلتيلاً من طرفي الصراع ، ووضع تحت تصرفهم نظاماً سياسياً لو أخذوا به لدخل العالم كله في طاعتهم من غير إكراه ، ولتغير مجرى التاريخ العالمي تماماً لما اختلف اثنان قط.
    وبكل الحياد والتجرد والموضوعية ، فإن نجاح النبي محمد صل الله عليه وآل وسلم هذا نجاح لا يضاهيه نجاح في الدنيا قط ، خاصة وأنه والهاشميون من خلفه قد شقوا طريقهم بموضوعية وبحدود قدرة العقل البشري على الاستيعاب ، وتخطوا قبل النجاح عوائق عظمى لا طاقة لقدرة في الأرض على مواجهتها وتخطيها. واکتمل كل شيء. بلغ الرسالة على خير ما تُبلغ الرسالات ، وأدي الأمانة على خير ما توًدى الأمانات ، وانتهت مرحلة الإبداع والتأسس ، وخُيّر النبي صل الله عليه وآله سلم بين النبوة والملك والبقاء ، وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله ، وأعلن للأمة أنه سيمرض بعد عودته من حجة الوداع وسيموت في مرضه ، وحذرها من فتن وعواصف ومحن تتربص بها ، وتنتظر موته بفارغ الصبر لتنقض كالصاعقة. فتلغي عملياً كافة الترتيبات


(14)
الإلهية لعصر ما بعد النبوة وتضع ترتيبات بديلة توًدي لتفريغ الإسلام من مضامينه ومحتواه مع الإبقاء على القشرة أو الاسم ليكون الغطاء الشرعي للملك وضرورات توسعه وتوسيعه.

    رحمة من النبي بالأمة ، ورغبة منه بتبصيرها معالم الطريق ، وإقامة للحجة بيّن الرسول للأمة كل ما كان في الأمم السابقة ، وما كان أثناء مرحلة بناء الدعوة والدولة ، ماذا سيكون بعد موته ، وأن ما سيكون يمكن تجنبه تماماً إذا التزمت الأمة بتوجيهات نبيها ، لأن النبي لا ينطق عن الهوى ، بل يتبع ما يوحى إليه ويتكلم بالعلم الإلهي اليقيني ، وبيان ما كان وما سيكون هو جزء من رسالته ، وهو فيض الرحمتين الإلهية والنبوية ، وأكد لهم النبي أن الفتن ستزحف عليهم بعد موته وهي مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أياً من أي. قال حذيفة : قلت : « يا رسول الله ، إنّا كنا في جاهليةٍ وشر ، فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ! قال حذيفة : ما هو ؟ قال النبي : فتن كقطع الليل المظلم ، سيتبع بعضها بعضاً تأتيكم مشتبهة » [ راجع صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوة ، ورواه أحمد. راجع الفتح الرباني ج‍ 23 ، ص 38 ] ، وروى مسلم في صحيحه كتاب الفتن ج16 ص18 وأحمد في الفتح الرباني ج1ـ ص (274) عن أبي زيد أنه قال : « صلى بنا رسول الله الفجر وصعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلي ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان ، وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا ». قال أسامة : أشرف النبي على آطم من اطام المدينة ، ثم قال : « هل ترون ما أرى ؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ». [ رواه البخاري في كتاب الحج من صحيحه ج‍ 1 ص 322 ، ورواه مسلم في صحيحه ج7 ص8 ].

    لقد حذر رسول الله الموًمنين بانهم إن لم يتبعوا ما أمرهم أصحابه قائلاً : « لينقض


(15)
الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولهنّ نقضاً الحكم ، وآخرهن الصلاة ». [ رواه أحمد وابن حبان والحاكم ، راجع كنز العمال ج‍ 1 ص 238 ]. وعملية نقض العرى لن تتم من تلقاء نفسها بل سيتولاها وينفذها فريق من المسلمين المحسوبين على الأمة ، لذلك كشف رسول الله حقيقة هذا الفريق ليحذر الناس من شرورهم قبل وقوعها. قال حذيفة : « والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا ، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فأكثر ، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته ». [ رواه أبو داود في عون المعبود حديث 4243 و 4222 ] ، ووضع رسول الله النقاط على الحروف ، قال حذيفة : قال رسول الله : « إن في أصحابي اثنى عشر منافقاً منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، [ رواه الإمام أحمد والإمام مسلم ، راجع كنز العمال ج‍ 1 ص 169 ومعالم الفتن ج‍ 1 ص 67 ] ، وقال حذيقة : أشهد أن الاثنى عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد [ راجع صحيح مسلم ج‍ 17 ص 125 ] ، وروي عن عمار بن ياسر مثل ذلك. [ رواه الإمام أحمد ، راجع الفتح الرباني ج‍ 21 ص 202. ] إن اثنى عشر مجموعة تخريبية كذبت بآيات الله واستكبرت عنها كما يستفاد ذلك من الآية 40 من سورة الأعراف. واقترب الرسول من نقطة الخطر فأعلن أمام أصحابه قائلاً : « إن هلاك أمتي على يد غلمة من قريش ». [ رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوة من صحيحه ج‍ 2 ص 280 ] ثم قال : « يهلك أمتي هذا الحي من قريش » [ رواه البخاري أيضاً في كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوّة من صحيحه ج‍ 2 ص 280 ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج‍ 18 ص41 ] ، وعن ابن عباس أنه قال : قال رسول : « ولتحملنكم قريش على سنّة فارس والروم ولتؤمنن عليكم اليهود والنصارى والمجوس ». [ رواه الطبراني ، راجع محمع الزوائد ج‍ 7 ص 236 ] ، وقال الرسول مرة لأصحابه : « رواه الإمام أحمد ، وقال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح الفتح الرباني ج‍ 23 ص 240 ].
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس