حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 16 ـ 30
(16)
    وعندما ذكر رسول الله الغلمة من قريش ، والحي من قريش طالب الناس باعتزالهم قائلاً : « لو أن الناس اعتزلوهم ». [ راجع صحيح البخاري ج‍ 2 ص 280 وصحيح مسلم ج‍ 18 ص 39 ومعالم الفتن ج‍ 1 ص 303 ].
    ثم وقف النبي طويلاً عند بني أمية وحذر الأمة منهم ، فبين أن أكثر بطون قريش بعضاً لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية ، وبنو أمية ، وبنو مخزوم ... [ راجع المستدرك على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم ، وكنز العمال ج‍ 11 ص 169 حديث 31074 ] تحديث عن الشجرة الملعونة وعن رؤى نزو الأمويين على منبره نزو القردة وتيقن المسلمون من استياء النبي البالغ من تلك الرؤيا ، [ رواه الحاكم في المستدرك ج‍ 3 ص 171 ، وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج‍ 6 ص 243 ، ورواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي ] وتحدث النبي عن اصحاب الخطر من بني أمية ، وركز عليهم واحداً واحداً ، وحذّر الأمة منهم. ثم وقف النبي وقفة طويلة وخاصة عند الحكم بن العاص والد وجد الخلفاء الامويين ، فقال أمام أصحابه : « ويل لأمتي مما في صلب هذا » [ رواه ابن عساكر راجع الكنز ج‍ 11 ص167 ] ، وقال أيضاً : « ويل لأمتي من هذا وولد هذا » ، [ الكنز ج‍ 11 ص 167 والإصابة لابن حجر ج‍ 2 ص 29 ] ، وقال النبي لأصحابه عن الحکم : « إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء ، وبعضكم يومئذ شيعته ، [ رواه الدار قطني الكنز ج‍ 11 ص 166 وابن عساكر ج‍ 11 ص 360 والطبراني ج‍ 11 ص 667 ].
    وبعد أن كشف الرسول حقيقة هذا الخطر لعنه رسول الله ، ولعن ولده. [ قال الهيثمي ، رواه أحمد والبزار والطبراني راجع الزوائد ج‍ 5 ص 241 ]. قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم : « إن رسول الله لعن أباك » [ رواه البزار ومجمع الزوائد ج‍ 5 ص 21 ] ، وقال الحسن بن علي لمروان : لقد لعنك الله على لسان رسوله ، وانت في صلب أبيك [ رواه أبو يعلى مجمع الزوائد ج‍ 5 ص 240 ، وابن سعد وابن عساكر ج‍ 11 ص 357 وابن كثير في البداية ج‍ 8 ص 280 ]. وحتى يكون الأمر معلوماً أمام الجميع أمر رسول الله


(17)
بنفي الحكم بن العاص ، فنفاه الرسول من المدينة أن الحكم بن العاص عدو لله ولرسوله ، وبقي الحكم منفياً طوال عهد النبي المبارك ، وبعد وفاة النبي راجع عثمان أبا بكر لإعادة الحكم فرفض ذلك أبو بكر ، وبعد وفاة أبي بكر راجع عثمان عمر فرفض ذلك ، ولما آلت الخلافة لعثمان أدخله معززاً ، واتخذ ابنه مروان رئيساً لوزرائه ، ولما مات الحكم أقام عثمان على قبره فسطاطاً تعبيراً عن حزنه وعميق مصابه بموت الحكم [ راجع الإصابة ج‍ 2 ص 29 ].
    استمع المسلمون إلى كافة تحذيرات الرسول مما سيكون !! وتعجبوا كيف يكون ذلك !! وهل يعقل أن تنقض عرى الإسلام كلها !! فأراد الرسول أن يحذر أصحابه أنفسهم ، وأن يضعهم إمام مسؤولياتهم فذكرهم أنه سينتظرهم على الحوض وفاجأهم قائلاً : « ... وليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يُحال بيني وبينهم. [ راجع صحيح بخاري ج‍ 4 ص 141 كتاب الدعوات وصحيح مسلم ج‍ 5 ص 153 كتاب الفضائل والفتح الرباني ج‍ 1 ص 192 ] ، وفي رواية عن عبد الله : « فأقول يا رب أصحابي !! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ». [ صحيح البخاري كتاب الدعوات ج‍ 1 ص 141 وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج‍ 15 ص 159 ، ورواه أحمد والبيهقي ، راجع كنز العمال ج‍ 11 ص 418 ] ، وفي رواية عن أبي هريرة : « فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ». راجع صحيح البخاري ج‍ 4 ص 142 باب الصراط ] ، وفي رواية عن ابن عباس : « فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ». [ راجع صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج‍ 3 ص 160 ، وصحيح مسلم ج‍ 17 ص 194 ] ، ونادى منادٍ فقال هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله! قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم » [ راجع صحيح البخاري ج‍ 4 ص 142 كتاب العدعوات باب الصراط ]. هذه التحذيرات التي أطلقها الرسول بمواجهة أصحابه كانت إغلاقاً للدائرة فقد بين كل شيء على الإطلاق ، فمن وعي بيانه تيقن أن الوقائع التي جرت بعد وفاته ، ما كانت إلا ترجمة حرفية ، لكل ما حذر منه ، وباختصار شديد قال رسول الله : « وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ». [ رواه ابن


(18)
ماجه راجع الكنز ج‍ 11 ص 370 ، وقال الألباني له منابع قوي عند الإمام أحمد كتاب السنة ج‍ 1 ص 27 ].

    لغايات إكمال الحلقة ، وحتى لا يضل الناس بعد هدى ، وتبياناً لما سيكون قال النبي لأصحابه ومنهم أصحاب الخطر : « أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن ، يضعه على غير مواضعه ، ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره » ، [ رواه الطبراني في الأوسط ، راجع معالم الفتن ج‍ 1 ص 91 ] ، لأن الله تعالى قد خصص فئة معينة لفهم القرآن فهماً يقينياً ، وهم أهل البيت والمتأول يقف بما ليس له به علم ، ويتولى مهمة مخصصة لغيره ، ولأن هذا المتأول محكم بهواه فسيضطر ، لترك النصوص الشرعية التي لا تتفق حتماً مع هواه ، واتباع ارائه الشخصية ، مما يعني إهمال مضامين النصوص الشرعية وإحلال التحليلات والاراء الشخصية محلها تحت شعار أن هذا المتأول مشفق وناصح لله ولرسوله ، وانه يرى مالا يرون !!! وبيّن الرسول أن القرآن سيقرأه في زمن الأزمان ثلاثة « مؤمن ومنافق وفاجر ». [ رواه الحاكم وأقره الذهبي في ذيل المستدرك ج‍ 4 ص507 ] ، ولكن لا يمسه ولا يفهم المقصود الشرعي منه إلا المطهرون ، وليقنع الرسول أصحابه ، بأن ما يقوله يقيناً ومن عند الله ، فقد ذكرّ أصحابه قائلاً : « لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا ». [ رواه الطبراني في الكبير ، راجع كنز العمال ج‍ 11 ص181 ].
    أما الشق الآخر من الخطر المحدق الذي حذر منه رسول الله فهو رجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره !! لقد أعلن رسول الله بأمر من ربه حديث الثقلين ، وبيًن بأمر من ربه قد ترك هذين الثقلين. خليفتين من بعده ، وبين أيضاً بأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس هم أهل البيت أحد الثقلين ، بمعنى أن النقاط موشوعة على الحروف وأن كل شيء مرتب تربيناً إلهياً محكماً ، وأخطر ما حذر الرسول من الوقوع فيه بعد موته هو ادعاء عمرو أو


(19)
زيد من الناس انه أحق بالأمر أي (بقيادة الأمة) ومس القرآن من أهل بيت النبوة وأن « مصلحة المسلمين » تقتضي ، تقديم المفضول على الأفضل ، وهكذا وبجرة قلم ينقضوا أعظم عروة من عرى الأسلام ، وهي نظام الحكم ويلغوا كافه الترتيبات الإلهية المتعلقة بها ، وكافة النصوص الشرعية التي تعالجها مستندين إلى الرأي الشخصي ، والتأويلات الخاطئة ، وهكذا يضلون ويضلون الأمة ، ويدخلوها ... والعالم معهم في ليل طويل ، لا آخر له. وقد حذرهم الرسول إن فعلوا ذلك قائلاً : « إنه سيلي أمركم بعدي رجال يُطفئون السنّة ، ويُحدثون البدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. وعندما سأله ابن مسعود : كيف بي إذا أدركتهم ؟ أجابه النبي قائلاً : « يابن أم عبد ، لا طاعة لمن عصى الله » ، قالها ثلاث مرات. [ رواة أحمد ، الفتح الرباني ج‍ 29 ص 23 وقال : حديث ].

    إن نقض عرى الإسلام لم يتم الياً أو بصورة عفوية إنما كان وراء عملية النقض ، تخطيط محكم ، وعقول كبيرة كانت تعرف ما تريد وتسعى ، بلا كلل ولا ملل لتحقيق ما تريد ، وتقف وراءها جموع إلهها هواها ، ولا همّ لها إلا هدم دين الإسلام وتفريغه نهائياً من مضامينه ، والإبقاء على قشوره ليستقيم لها الملك الذي جاءت به النبوة. وقد أشرنا إلى قيادات النقض ، بالقدر الذي تحتمله عقول العامة ، ونشير الآن إلى الجموع التي وقفت خلف تلك القيادات التي تولت كبر عملية نقض عرى الإسلام وهذه الجموع هي :

    1 ـ بطون قريش : منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة والكتاب ، وطوال مدة ال‍ 15 سنة التي سبقت الهجرة النبوية ، وبطون قريش ال‍ 23 تقف وقفة رجل واحد ضد محمد ، وضد بني هاشم ، وقد استعملت بطون قريش كافة سهام كيدها ، وفنون مكرها ، وتآمرت على قتل النبي مرات متعددة ، لأنها ببساطة تحسد الهاشميين ، وتكره ما أنزل الله ، ولا تريد أن يكون النبي من بني هاشم ، ولما هاجر النبي جيّشت بطون قريش الجيوش ، واستعدت العرب على


(20)
النبي ، وحاربته حرباً لا هوادة فيها ، وبعد حروب طاحنة ، ولما هزمها النبي إضطرت مكرهة أن تدخل ، أو أن تتظاهر بالدخول في الإسلام ، وبنفس الوقت أخفت تركة صراع طويل ، وحسداً متمكناً من النفوس ، وحقداً دفيناً ألقي أجرانه في القلوب. ولما رأت بطون قريش أن النبوة قد أسفرت عن مُلْك رأت من مصلحتها أن تعترف بهذه النبوة طمعاً بالأنقضاض على الملك ذات يوم ، وعندما تيقنت البطون بأن الرسول قد رتب مرحلة ما بعد النبوة ، وأنه قد عين خليفتين من بعده « كتاب الله وعترة النبي أهل بيته » ، صممت بطون قريش أن تستولي على الملك من بعد النبي ، وأن تحارب الإسلام بأسلحته فروّجت ، بإن الإسلام قد جاء بالعدل والمساواة والانصاف ، وليس من العدل ولا من الإنصاف أن ينال الهاشميون الملك والنبوة معاً ، وأن تحرم بطون قريش من هذين الشرفين معاً ، الأفضل أن يختص الهاشميون بالنبوة ، وأن تختص بطون قريش بالملك تتداوله فيما بينها ، لذلك صممت بطون قريش على فرض هذه الغاشمة بعد وفاة النبي ، وهكذا نقضت بطون قريش عملياً العروة الأولى من عرى الإسلام ، وهي الحكم. واتحدت ضد آل محمد بعد وفاة النبي تماماً ، كما اتحدت ضد النبي ، وحاربت آل محمد بكل وسائل الحرب وفنونه ، تماماً كما حاربت النبي من قبل ، واستعدت عليهم العرب ، تماماً كما استعدت العرب على النبي من قبل !! وكانت بطون قريش على استعداد أن تمد يدها للشيطان إن ساعدها على تحقيق ذلك كله. وقد وثقنا ذلك في كتابنا « المواجهة » وسقت 394 دليلاً على ذلك من عيون المراج المعتمدة عند أهل السنة ، فليرجع إليه من يشاء.

    2 ـ المنافقون : وهم العمود الفقري للجموع التي دعمت نقض عرى الإسلام ، وكانت لهم قواعد في المدينة ، وما حولها وفي مكة وما حولها ، وقد حمل عليهم القرآن حملات متكررة حتى كشفهم وعّراهم على حقيقتهم ، ووضع الله ورسوله معياراً لمعرفة المؤمن من المنافق ، فمن وإلى علياً بن أبي طالب وأحبه ، فهو مؤمن ، ومن عاداه وأبغضه فهو منافق. [ راجع على سبيل المثال صحيح الترمذي ج‍ 2 ص 299 ومسند أحمد بن حنبل ج‍ 6 ص 292 وصحيح النسائي ج‍ 2 ص 27 وخصائص النسائي وصحيح ابن ماجة ص 2 ].


(21)
وكتابنا « الهاشميون في الشريعة والتاريخ » ص 225 يشتمل على عشرات المراجع والمثير للدهشة أنه لم يرو راو قط أن أحداً من المنافقين على الإطلاق قد عارض أي خليفة ، أو امتنع عن بيعة أي خليفة ، أو تلكأ عن نصرة أي خليفة من الخلفاء الذين حكموا الأمة عبر التاريخ ، والوحيد الذي عارضه المنافقون وامتنعوا عن بيعته هو علي بن أبي طالب ، وهكذا فعلوا مع ابنه السبط الإمام الحسن !! أتحدى أي عالم على وجه الأرض أن ينقض هذه الحقيقة !! بل الأعظم من ذلك أنه بعد موت النبي اختفت المخاوف من ظاهرة النفاق ، واندمح المنافقون في المجتمع اندماجاً تاماً !! ووقفوا بكل قواهم مع دولة الخلافة ، ومارسوا حياتهم بحرية ، وأصبح الولاء للدولة هو المعيار لتمييز الحق من الباطل ، فمن يوالي دولة الخلافة فهو على الحق ، أو مستور الحال بغض النظر عن إيمانه أو نفاقه ! ومن يعارضها فهو على الباطل ، وشاق لعصا الطاعة ، ومفرق للجماعة ، ودمه حلال للخليفة !!

    3 ـ الذين في قلوبهم مرض : وهم غير الفئة المنافقة ، ويمكن أن نسميهم بأصحاب المصالح ، أو ضعاف الإيمان ، وقد وصفهم القرآن الكريم وصفاً دقيقاً ، وقد ساهمت هذه الفئة في نقض عرى الإسلام.

    4 ـ الذين في قلوبهم زيغ : وهم فئة رابعة متميزة عن غيرها من الفئات ، وهؤلاء يفرون من الوضوح إلى الغموض ، ومن الحق إلى الباطل ، وهم التاركون للنص الآخذون بالرأي حرصاً على مصلحة الإسلام والمسلمين !!!

    5 ـ أصحاب التخشع الكاذب : فئة يتظاهر أفرادها بالورع ، والتقي والدين ، وهم كاذبون ولهم القدرة على خداع كل الناس ، وأبرز مثال على هذه الفئة ابن ذي الثدية ، فقد خدع أبا بكر ، وخدع عمر رضي الله عنهما ، وتصور أنه خاشع تقي فكلف رسول الله أبا بكر ليقتله فلم يفعل تقديراً لخشوعه ، ثم كلف الرسول عمر فلم يفعل ، لأنه قد اغتر بخشوعه ، فأمر الرسول علياً بقتله فلم يجده ، وأخبر الرسول. أن هذا المتخشع الكاذب مارق ، وأن علياً سيقتله ذات يوم وقتله علي بالنهروان بالفعل ، [ راجع البداية والنهاية لابن كثير ج‍ 7 ص 299 ، ومجمع الزوائد ج‍ 6 ص 227 ]. وقد ساهمت هذه الفئة بنقض عرى الإسلام ، وقد كشف


(22)
الله ورسوله حقيقة هذه الفئة ، كما كشف حقيقة غيرها من الفئات التي ستقود. وتتبنى عملياً عملية نقض عرى الإسلام.

    من خلال الترابط والتكامل بين القرآن وبيان النبي لهذا القرآن ، وبمتابعة من الوحي الإلهي الذي لم يتوقف ، بيّن الترتيبات الإلهية لمرحلة ما بعد موت النبي ، وأثبت بالدليل القاطع ، بأن هذه الترتيبات محكمة ، وأنها صنع الله ، وهي الهدى بعينه ، وهي الصراط المستقيم نفسه.
    ونجح النبي نجاحاً منقطع النظير في وصف الطريق التي سيسلكها المسلمون بعد وفاته ، وكشف مخاطرها ومنعطفاتها ، وتحديد الأعداء تحديداً دقيقاً ، وبيان طريق النجاة من كل خطر ، والمنهج الفرد لهزيمة الشيطان وأوليائه. وهكذا وضع الله ورسوله تحت تصرف طلاب المهدي التصوّر اليقيني ، لما هو كائن ولما ينبغي أن يكون ، فقامت الحجة على الجميع ، فمن يترك الطريق القويم لا يتركها بشبهة ، أو بعذر لأنه لا شبهه مع اليقين ، إنما يتركها منحرفاً متعمداً مع سبق الإصرار.

    بعد أن وضع النبي تحت تصرف المسلمين التصوّر اليقيني لما هو كائن ، ولما ينبغي أن يكون ، وبعد أن رسم لهم مخططاً للطريق التي سيسلكونها بعد وفاته ، مرض كما أخبرهم من قبل ، وأعلن أنه سيموت في مرضه ، وأنه سيلخص لهم الموقف خطياً ، فيؤمنهم ضد الضلالة والانحراف تأميناً شاملاً ، وضرب موعدًا لكتابة توجيهاته النهائية ، وما جلس النبي مع خلّص أصحابه ، وفي الوقت الذي همّ بكتابة توجيهاته النهائية فوجئ النبي وخلص من أصحابه ، بجمع كبير من بطون قريش يدخل حجرة النبي دون استئذان ، ويجلسون دون دعوى متجاهلين بالكامل وجود النبي ، ولم يثن هذا التصرف النبي عما أراد ، فقال النبي لخلّص أصحابه : « قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً » ، فتجاهل


(23)
جمع بطون قريش وجود النبي ، وتجاهلوا ما قاله ، ووجهوا كلامهم للخلّص من أصحابه قائلين : « إن النبي قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله » أن النبي يهجر حسبنا كتاب الله استفهموه ! إنه يهجر !!! القرآن وحده يكفينا ولا حاجة لوصية الرسول !!!
    احتج الخلّص من أصحاب النبي على هذا التصرف المستغرب ، واصطدموا مع جمع البطون ، وعلت الأصوات بين أصحاب النبي الخلًص القلة ، وبين الكثرة من بطون قريش ، وتنازعوا ، فأطلّت النسوة من وراء الستر ، وقلن : ألا تسمعون رسول الله يقول : قرّبوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ؟ فنهرهن أحد الصحابة قائلاً لهن : « إنكن صويحبات يوسف » هنا تكلم النبي فقال : « إنهن خير منكم » ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، قوموا فلا ينبغي عندي تنازع !! وهكذا صرف النبي النظر عن كتابه توجيهاته الخطية ، إذ لو أصر النبي على الكتابة لأصرت بطون قريش في ما بعد على أن الكتابة قد صدرت عن النبي وهو يهجر حاشاه ، مع ما يستتبع ذلك من خطر ماحق على دين نفسه ، وهكذا نجحت بطوتن قريس ومن لف لفها يإخراج النبي من التأثير على سير الأحداث بلحظات حاسمة ، وحرقت الأمة والعالم من الاستفادة من توجيهات النبي النهائية الخطية. وما ذكرناه حقائق رواها البخاري في صحيحه في ست روايات ، ورواها مسلم في صحيحه والنووي في شرحه على صحيح مسلم وابن القيم الجوزي في تذكرة الخواص ، وأبو حامد الغزالي في سر العالمين ، وكشف ما في الدارين ، ولا خلاف إطلاقاً بين المسلمين على صحة وحقيقة هذه الوقائع ، وهكذا صدمت بطون قريش خاطر النبي الشريف ، وقصموا ظهر الإسلام بالفعل. وتلك حادثة فريدة من نوعها في التارنخ السياسي إسلامي ، فما من خليفة على الإطلاق إلا وقد مرض قبل موته ، واشتد به الوجع أكثر مما اشتد الوجع برسول الله. وما من خليفة على الإطلاق إلا وقد كتب توجيهاته النهائية أثناء مرضه ، وقبل موته ، ولم يصدف على الاطلاق أن قال أحد لأي خليفة من الخلفاء أنت تهجر ، أو أن الوجع قد اشتد بك ، وأنه لا حاجة لنا بوصيتك ، ولا بتوجيهاتك لأن القرآن عندنا وهو يكفينا ويغنينا عنك !! . بل على العكس فقد كانت وصايا الخلفاء وهم على هذه الحالة تنفذ كأنها وحي إلهي


(24)
تنزلت به الملائكة علناً ، وعلى رؤوس الأشهاد !!! وبعض الخلفاء وهو مشرف على الموت أوحى لقتل كل من لا يلتزم حرفياً بتوجيهاته النهائية التي أصدرها ، وهو مريض على فراش الموت ، ومع هذا نفذت تلك التوجيهات بدقة متناهية.

    لم تكن مواجهة بطون قريش للنبي في الحجرة المقدسة وقولهم له « أنت تهجر ، والقرآن يغنينا عنك ، ولا حاجة لنا بوصيتك » وليدة لحظتها إنما كانت الحلقة قبل الإخيرة من مخطط أعدّ له بدقة ، ونفّذ خطوة بعد خطوة. كانت بطون قريش ومن لف لفها تُريد أن تبقى من الدين والنبوة فقط ، ما هو ضروري لبقاء الملك الذي تمخضت عنه النبوة وما لا يتعارض مع هذا الملك ، تريد في النهاية الاستيلاء على هذا الملك بالقوة والقهر والتغلب ، وأن تنسف كافة تعاليم الدين وترتيباته التي تتعارض مع أهدافها تلك. لقد أدركت هذه الجبهة خطورة البيان النبوي ، وقدرة النبي على إيصال ما يريد إلى قلوب سامعيه ، وأدركت إحكام الترتيبات الإلهية لذلك ، وأثناء حياة النبي وصحته كانت بطون قريش تشكك بكل ما قاله النبي ، وتصد عن كتابه أحاديث النبي. قال عبد الله بن عمرو بن العاص : « كنت اكتب كل شيء سمعته من رسول الله ... فنهتني قريش وقالت : الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى ... [ راجع سنن أبي داود ج‍ 2 ص 126 ، وسنن الدارمي ج‍ 1 ص 125 ومسند أحمد بن حنبل ج‍ 2 ص 162 و 207 و 216 والمستدرك للحاکم ج‍ 1 ص 105 و 106 وجامع بيان العلم لابن عبد البر ] ، وكانت بطون قريش تشيع بأن الرسول يفقد السيطرة على أعصابه ، فيسب ويشتم ويلعن من لا يستحق ذلك ، [ راجع صحيح البخاري ، مسلم كتاب الدعوات باب قول النبي من « من آذيته » ، وصحيح كتاب البر والصلة ، باب من لعنه النبي ] ، وأن النبي قد سُحر وأنه يُخيل إليه أنه قد فعل الشيء وما فعله .. [ راجع صحيح البخاري ، بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، وصحيح مسلم باب السحر ] .. إلي آخره من تلك الأراجيف والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة ، واساس لها من الصحة ، ولما أدركت البطون الطامعة بالملك فشل إشاعاتها ، واستبطأت أجل النبي صممت على


(25)
قتله ، وشرعت في جريمتها في غزوة تبوك ، ولكن الله حمى نبيه ؛ كل ذلك يجري تحت خيمة الإسلام التي استظلت بها الفئة الطامعة بالملك ، فجاء يوم الرزيّة كما يسميه ابن عباس ، وهو يوم المواجهة في الحجرة المقدسة ليكشف الأسرار ، وليظهر حقيقة توجهات البطون الحاقدة على بني هاشم.
    كانت جبهة الصد عن سبيل الله تشكل فريقاً حقيقياً ، حزباً منظماً ، رتب كل شيء ، واقتسم الملك والغنائم ، حتى قبل موت النبي ، وجاءت المواجهة في الحجرة المقدسة بمثابة استعراض للقوة ، ولإقناع أولياء النبي بأنه لا فائدة ترجى من المعارضة ، فإما أن يقبلوا بترتيبات البطون وما قبلته من الإسلام ، أو يواجهوا الموت ، ويتوقعوا عودة الشرك بعد التوحيد ، وهذا يفسر اضطرار بعض الصحابة الكرام لمجاراة هذا التيار الساحق. وكانت هذه الجبهة تضم بطون قريش التي قاومت النبي قبل الهجره ، وحاربته بعد الهجرة ، ثم اضطرت مكرهة للدخول في الإسلام ، وتضم المنافقين من أهل المدينة ، ومن حولها ؛ منافقون من أهل مكة ، وممن حولها من الأعراب بالإضافة إلى المرتزقة من الأعراب الذين لا همّ لهم إلا الكسب ، الذين ينتظرون من تدور عليه الدوائر ليأكلوه ، والقاسم المشترك بين هذه الفئات هي كراهيتهم لآل محمد ، وعدم قبولهم بأن يجمع الهاشميون النبوة والملك معاً !!! لأن في ذلك إجحاف بحق البطون !! فهل من العدل ـ برأي البطون ـ أن يجمع الهاشميون النبوة والملك ، وأن ينالوا الشرفين ، ويحوزوا الفخرين معاًً وتُحرم بقية البطون !! أليس محمد من قريش !! لماذا يرث سلطانه الهاشميون وحدهم !! ومن الذي يضمن للبطون أن الهاشميين لن يجحفوا عندما يؤول المُلك إليهم بعد وفاة النبي !! ثم إن الهاشميين قد وتروا بطون قريش أثناء حروبها مع النبي ، فما من بطن من بطون قريش إلا وقتل منه الهاشميون ، فهل تقبل بطون قريش رئاسة الذين قتلوا أبناءها ، ويتّموا أطفالها ورمّلوا نساءها !! إن من مصلحة الإسلام أن تتوحد بطون قريش خلفه ، ولن تتحفف هذه الوحدة إلا أذا استُبعِدَ الهاشميون عن الملك ، وسلمت قيادة المسلمين لبطون قريش ، ومن والاها من العرب خاصة وأن الجميع يتلفظون بالشهادتين والبواطن لله. أما الاحتجاج بالترتيبات التي أعلنها النبي في غدير خم ، فالنبي بشر والناس أعلم بشؤون


(26)
دنياهم !!! وهكذا صارت الفتنة كوجوه البقر ، لا تدري أياً من أي ، وأصبح أولياء النبي أقلية يخافون مرة ثانية أن يتخطفهم الناس من حولهم. وقد وثقنا كل ذلك بكتابنا ؛ المواجهة.
    وهكذا افترق الإسلام عن السلطان « مع أنهما توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه ، فالإسلام أس والسلطان حارس ، وما لا أس له يهدم ، وما لا حارس له ضائع ». [ رواه الديلمي ، راجع كنز العمال ج‍ 6 ص 1 ]. ومع الأيام آلت الخلافة لمن لا مؤهل له ، إلا الغلبة وكثرة الأتباع ولمن لا يعرف من الدين إلا اسمه !!!


(27)
    الفصل الثاني :
بطون قريش وأنصارها يستولون عملياً
علي مقاليد الدولة الإسلامية
    قبل فتح مكة كانت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية وسط أغلبية ساحقة من المشركين والمنافقين والمرتزقة من الأعراب. وبعد فتح مكة ودخول العرب بالإسلام بقيت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية أيضاً وسط أكثرية ساحقة من المنافقين والمرتزقة من الأعراب وحديثي الدخول بالإسلام الذين يجهلون تاريخه ورجاله. وفي الحالتين كان وجود النبي كقيادة إسلامية ، والتفاف الفئة المؤمنة الصادقة حوله الضمانة الوحيدة لنقاء الحكم الإسلامي وبقائه. وهنا يكمن سر تركيز النبي المكثف على من يخلفه. لقد أدركت بطون قريش هذه الناحية ، ورأت أن استغلالها هي الطريق الوحيد للوصول إلى الملك ، وفصل السلطان عن الإسلام ، لذلك استغلت هذه البطون سماحه الإسلام وعدالته ، وجمعت حولها كافة العناصر التي اشتركت بمقاومة النبي ومحاربته سابقاً ، وانصب هدفها على عزل الفئة المؤمنة عن المجتمع تهميشها تماماً ودس الوقيعة بين رموزها ، واستعمال الكثرة الساحقة ، كطريق فرد للاستيلاء على الدولة الإسلامية. والتفرد بالملك الذي تمخضت عنه النبوة !! وكمرحلة أولى رأت البطون أن تسند رئاسة الدولة لرموز إسلامية مقبولة ومعروفة « الخليفة الرمز » على أن تكون بطانته ، وقادة جنده وعمال ولايته وأهل الحل والعقد عنده ، وبعد أن تضرب جذور البطون في الأرض تُلغي فكرة الخليفة الرمز وتستولي علنا ورسمياً على كافة مقاليد الدولة الإسلامية ، وتفرض على الناس مناهجها التربوية والتعليمية وخلال هذه المدة تمنع رواية


(28)
الحديث النبوي وكتابته ، حتى تطمُسَ كلّ ما يذكر الناس بالحقيقة وبالشرعية السياسية الإلهية. وسواء في عهد الخليفة الرمز ، أو عندما استولت البطون على مقاليد الدولة ، كانت الفئة المؤمنة مهمشة تماماً. وراجت قناعة بأن أفرادها لا يصلحون للقيادة ، وغير موالين لدولة البطون ومتحفزين لشق عصا الطاعة ، ومفارقة الجماعة !! ومن مصلحة الإسلام والمسلمين ، ومن دواعي استقرار الدولة أن تبقى هذه الفئة تحت الرقابة المباشرة للخليفة الرمز وبطانته ، وأن لا يتولى أفرادها أي مصلحة من المصالح العلمية ، بمعنى أن الفئة عملياً تحت الإقامة الجبرية ، فنادراً أن يأذن الخليفة لأحد من أفرادها بمغادرة العاصمة إلى الأقاليم البعيدة عن إشرافه المباشر. ولأن الخليفة عادل فقد كان يغدق على الشخصيات البارزة من أفراد هذه الفئة المؤمنة الأموال من بيت مال المسلمين تأليفاً لقلوبها ، واتقاء لخطرها وطمعاً باستقرار الدولة ، حتى صارت تلك الشخصيات من أصحاب الملايين في مجتمع أكثريته الساحقة جائعة ومحتاجة !! .

    عندما نجح التحالف الذي قادته بطون قريش ، بالاستيلاء على مقاليد الدولة اختفت المعايير التي كانت سائدة في زمن الرسول ، فلم يعد منها البلاء في سبيل الله ، ولا السابقة في الإسلام ، ولا العلم ، ولا الإخلاص لله ولرسوله ، وحلت محلها معايير جديدة أهمها ؛ موالاة دولة البطون ، وإرضاء رموزها والأكثرية الساحقة ، والقدرة على تنفيذ سياسة الدولة وبرامجها التربوية والتعليمية ، ومعاداة أعداء الدولة ، من قيمتهم ، بحيث لا يتقي لهم شأن ولا ذكر ، وإرغام أنوفهم لتبقي دوماً في التراب !

    قال ابن حجر في فتح الباري « والذي يظهر من سيرة عمر رضي الله عنه في أُّمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط ، بل كان يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة السياسية ، فلأجل ذلك استخلف معاوية


(29)
والمغيرة بن شعبة ، وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم ، [ راجع فتح الباري ، الأحكام ج‍ 13 ص 198 ].
    قال حذيفة : « أمين سر رسول الله » لعمر بن الخطاب يوماً : « يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر ». [ راجع كنز العمال ج‍ 5 ص 77 ] « والله يا عمر إنك تستعين من يخون وتقول ليس عليك شيء وعاملك يفعل كذا وكذا » [ راجع تاريخ الطبري ج‍ 5 ص 31 ] ، وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويستعملهم فجار أو منافقون أو منفقون أو خونه لله ولرسوله ولكنه كان يبرر استعماله لهم بالقول ، « نستعين بقوة المنافق ، وإثمه عليه » [ رواه ابن أبي شيبة والبيهقي ، راجع كنز العمال ج‍ 4 ص 614 ] وهكذا صارت الاستعانة وتأمير الفاسقين والمنافقين والفجار طمعاً بقوتهم سُنّة ونظرية تتبناها دولة البطون وتنفذها بوفاء ، فأينما وجدت القوة ، تعني الالتزام بسياسة الدولة العامة ، والولاء لها ، وكراهية أعدائها ، وحرمان أُلئك الأعداء وأوليائهم من كافة الواظائف العامة ، والکارثة حقاً أن « أعداء » الدولة ومعارضيها سواء بالعلن أم بالسر هم أولياء النبي وقرابته الأدنون ، ومن قام الإسلام كله على أكتافهم !!

    بعد أقل من شهرين على وفاة الرسول الأعظم تم عزل كافة العمال والولاة والأمراء الذين عينهم الرسول ، وقتل بعضهم شر قتلة ، كمالك بن نويرة ، ونجا أسامة بن زيد الذي عينه الرسول أميراً على جيش من العزل بأعجوبة !! وعينت الدولة طواقم جديدة من الولاة والأمراء بدلاً من الذين عينهم رسول الله ، واقتسمت بطون قريش الوظائف العامة ، وحصل البطن الأموي على نصيب الأسد ، لأن هذا البطن قد ساهم مساهمة فعالة بإقامة دولة البطون. وهذا البطن مشهور بعداوته للنبي وببغضه لآل النبي ، وحقده عليهم ، فالعرب كلهم بل العالم بأسره يعلم بأن أبا سفيان وأولاده خاصة ، والأمويين عامة هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول الله طوال فترة ال‍ 15 سنة التي سبقت الهجرة ، وأنهم هم الذين جيّشوا


(30)
الجيوش وألبوا العرب على رسول الله وحاربوه بكل فنون القتال ، وعادوه بكل وسائل العداء حتى أحيط بهم عندما فتح الرسول مكة ، فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين ، وکتموا إحباطهم وحقدهم على آل محمد ، لأنهم فئة موتورة ، فما من بيت من بيوت البطن الأموي إلا وأصاب الهاشميون منه مقتلاً ، وقد بيّن الرسول لأصحابه ، بأن الأمويين هم أکثر بطون قريش بغضاً لآل محمد ، وأنهم طامعون بملک النبوة لأنه رآهم ينزون علي منبره نزو القردة ، وطلب من الناس أن يعتزلوهم وأن يحذروا منهم ، وبعد وفاة النبي بفترة وجيزة ولت الدولة يزيد بن أبي سفيان قائداً عاماً لجيش الشام ، ولما مات يزيد عينت أخاه معاوية أميراً على الشام خلفاً لاخيه ، [ راجع البداية والنهاية ج‍ 8 ص 118 ، وتاريخ الطبري ج‍ 5 ص 69 ، والاستيعاب ج‍ 3 ص 596 وكنز العمال ج‍ 13 ص 606 ] وأطلق عمر بن الخطاب يد معاوية في بلاد الشام ، وأعطاء الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء ، وليتصرف على الوجه الذي يراه ، بلا رقيب ولا حسيب ، فقد قال عمر لمعاوية يوماً : « ... لا آمرك ولا أنهاك » ، [ راجع البداية والنهاية ج‍ 8 ص 125 ، وتاريخ الطبري ج‍ 6 ص 184 ] ، وكان عمر بؤطد له بين الناس فيقول عن معاوية : « إنه فتى قريش وابن سيدها » ، [ راجع البداية والنهاية ج‍ 8 ص 125 ، والاستيعاب ج‍ 8 ص 397 ] ، وكان يقول للناس : « تذكرون كسرى وعندكم معاوية » ، [ راجع تاريخ الطبري ج‍ 6 ص184 ] ، وخاطب عمر أصحاب الشورى قائلاً : « إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام » ، [ راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج‍ 5 ص 535 ] وكان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج ، وأنه سيخرج ذات يوم ، فقد صرح عمر في يوم من الايام قائلاً : « يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق ». [ راجع الدلائل لابن سعد ، وكنز العمال ج‍ 12 ص 354 ]. ومع هذا لم يتعرض له عمر ، إنما تركه ليكمل استعداداته وعدته ويخرج في الوقت المناسب !! وكان وراء تأمير عمرو بن العاص ، فقد أعلن عمر أمام علية القوم قائلاً : « لا ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً ». [ راجع الإصابة ج‍ 5 ص 3 ] ، واستعان عمر بقوى الوليد بن عقبة ، مع أن الوليد فاسق بنص القرآن ، وكان يسكر علناً وصلى بالناس وهو سكران. [ راجع الإصابة
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس