حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 106 ـ 120
(106)
    لقد فرضت كثرة ونوعية ، وصحة وتواتر ، الأحاديث الصادرة عن رسول الله نفسها على الخلفاء ، ورعاياهم ودولتهم ، فكان زخمها من القوة بحيث لم يعد بالإمكان إنكارها ، أو تجاهلها أو تكذيبها ، إنها قوة الحقائق الربانية التي يعترف بها المحب والكاره ، المؤمن والفاسق.
    لهذا كله أجمع أهل بيت النبوة ومن والاهم على أن الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت من رسول الله بالفعل ، وأنهم قد سمعوا رسول الله يتحدث بها ، وأنه قد كلفهم ببيانها ونقلها للمسلمين ، وأنهم ورثوا هذه الحقيقة كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة والكتاب.
    كذلك فقد أجمع علماء دولة الخلافة بأنه قد ثبت لديهم بالوجه القطعي بأن الأخبار المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول الله بالفعل ، وأنهم قد حصلوا تلك الأخبار بنفس الطرق والوسائل التي حصلوا فيها على أخبار النبي عن الصلاة والصيام والحج وغيرها من أحكام الإسلام ، وأنه قد ثبت لديهم صحتها وتواترها ، وعلى ذلك تسالم جميع علماء دولة الخلافة ورعاياها عبر تاريخها السياسي الطويل ، وما زال ذلك إرثاً مقدساً.

    روى الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر أكثر من خمسين صحابياً. شهدت الأكثرية الساحقة منهم بأنهم قد سمعوا رسول الله يدلي بهذه الأحاديث ويتحدث بها أمامهم وعلى مسامعهم.
    وتتبع العلماء بدقة متناهية بعض هذه الأحاديث حتى أوصلوها إلى بعض الصحابة فوقفت عندهم ، دون أن يصرحوا بأنهم قد سمعوها من رسول الله. ولا يخفى أن أحاديث المهدي كلها من أنباء الغيب ، والصحابي لا يوحى إليه ، يعلم الغيب إلا من رسول الله ، وهذا كله يعني أن الأحاديث الموقوفة عند بعض الصحابة قد صدرت بالفعل من رسول الله. ومن المستحيل عقلاً أن يتفق عدد يربو على الخمسين صحابياً على كذب !! خاصة وأنه لا مصلحة لهم بالكذب ، ولم


(107)
يكرههم أحد على ذلك ، ثم إنهم لا يعرفون شخص المهدي المنتظر على وجه اليقين ليكذبوا من أجله أو ليطمعوا بثواب عاجل منه لهذا الكذب.

    1 ـ أهل بيت النبوة وآل محمد : فعلي بن أبي طالب والسيدة فاطمة بنت محمد الزهراء والسبط الإمام الحسن ، والسبط الثاني الإمام الحسين قد أجمعوا جميعاً بأنهم قد سمعوا رسول الله يحدث بالأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ، وهؤلاء الأربعة هم أبناء النبي ، ونساء النبي ونفس النبي كما هو ثابت من آية المباهلة. وهم آل محمد ، الذين لا تجوز صلاة مسلم إن لم يصلِ عليهم ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، ولو لم يكن للأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر غير هؤلاء الرواة لكان فيهم الكفاية ، ولتحقق بهم اليقين. ثم إن الأئمة الطاهرين الثمانية الذين آلت إليهم الإمامة بعد الإمام الحسين قد رووا هذه الأحاديث ، وقدموها لأتباعهم وللأمة كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة والكتاب.

    2 ـ من بني هاشم أيضاً : كان الهاشميون أكثر الناس التصاقاً بالنبي والتفافاً حوله ، وجهاداً معه ، ودفاعاً عنه ، وبلاء في سبيله وقد وعى الكثير منهم ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير ، ونذكر من الرواة الهاشميين الذين رووا أحاديث متعلقة بالمهدي المنتظر :
    1 ـ العباس بن عبد المطلب عم النبي.
    2 ـ وعبد الله بن العباس.
    3 ـ وعبد الله بن جعفر الطيار.

    3 ـ الصحابة الأبرار : ومن الذين رووا الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر طائفة من الصحابة الأبرار الذين ثبتوا على الولاء لله ولرسول ولأهل بيت النبوة ، واجتازوا المحرم والبلاء بنفوس مطمئنة ، وفارقوا الدنيا دون أن يغيروا ويبدلوا أو ينقلبوا على أعقابهم منهم سلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ،


(108)
وجابر الأنصاري وحذيفة بن اليمان.

    4 ـ خلفاء ومرشحون للخلافة : و ممن روى الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر خلفاء ، كعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، أو ممن ترشحوا للخلافة كعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

    6 ـ من زوجات النبي : وروى أحاديث متعلقة بالمهدي المنتظر بعض زوجات النبي كأم سلمة ، وعائشة ، وأم حبيبة.

    7 ـ طائفة من الصحابة الكرام : وروى جانباً من الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر طائفة من أجلاء الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري ، وزيد بن أرقم ، وأبو سعيد الخدري ، وسهل بن سعد الساعدي ، وحذيفة بن أسيد ، ومعاذ بن جبل.

    8 ـ مثلما روتها طائفة أخرى من الصحابة : كأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن حصين ، وأنس بن مالك ، وزيد بن ثابت. [ راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ، مركز الرسالة ص 28 ، وما فوق : و « إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون » أبو الفيض الغماري ص 437 ، « ومعجم أحاديث الإمام المهدي » ، خمسة مجلدات مؤسسة المعارف الإسلامية بإشراف الشيخ علي الكوراني ].


(109)
    الفصل السادس :
علماء المسلمين الأعلام الذين
أخرجوا أحاديث المهدي
    أخرج علماء المسلمين الأعلام الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ودونوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم ، مسلمين بصحتها وتواترها.

    1 ـ علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة أهل البيت
    علماء المسلمين الأعلام الذين والوا أهل بيت النبوة ، وقالوا بحقهم الشرعي برئاسة الأمة من الناحيتين الروحية والزمنية ونقصد بهم علماء الشيعة : كالكليني ، والصدوق ، والمجلسي ، والعاملي و غيرهم ممن دونوا الأحاديث والموسوعات الدينية ، أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وتعاملوا معها كحقائق إسلامية ثابتة لديهم ، واعتبروها معارف دينية وصلت إليهم من رسول الله ، مثلما اعتبروها من أصول الدين وأساسياته ، لأن الاعتقاد بالمهدي المنتظر واعتباره ثاني عشر الأئمة الشرعيين من المسائل الأصولية والأساسية عندهم.

    2 ـ علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة دولة الخلافة
    وأخرج أحاديث المهدي المنتظر العلماء الذين والوا دولة الخلافة التاريخية رغبة أو رهبة ، وتخرجوا من مدرستها وهم من الكثرة والشهرة ومؤلفاتهم من التعدد بحيث يستحيل تواطؤهم على الاتفاق بإخراجها ، ومع ذلك فقد أجمعوا على إخراج الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ، لأن هذه الأحاديث


(110)
كانت من الثبوت والشيوع والقوة ، بحيث أنها قد فرضت نفسها فرضاً على دولة الخلافة وعلى كافة علمائها ، وتعذر تجاهلها أو إنكارها ، لأنها شقت طريقها بيسر وسهولة إلى أسماع المسلمين وقلوبهم ، ولم يكن بوسع دولة الخلافة ، ولا بوسع علمائها أن يتجاهلوا قوة هذا التيار الغلاب ، فأذعنوا أمام قوة الحقيقة الدينية ، وأخرجوا الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ، ودونوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم ، واعتبروها معلومات عن الغيب ، وحقائق دينية صادرة بالفعل عن الصادق المجرب الذي لا ينطق عن الهوى.

    1 ـ أصحاب كتب الحديث المعروفة بالصحاح الستة : البخاري ، ذكر المهدي بالوصف لا بالاسم ، وأخرج الأحاديث المتعلقة بعلامات الظهور ، وبنزول السيد المسيح ، وظهور المسيح الدجال ، وأخرج الحديث الذي يؤكد بأن إمام الأمة هو الذي سيؤم المسيح ابن مريم عند نزوله ، وشراح صحيح البخاري أعلنوا بصراحة بأن الإمام الذي عناه البخاري هو المهدي المنتظر. [ راجع فتح الباري ج‍ 6 ص 383 ـ 385 ، وعمدة القاري ج‍ 16 ص 39 ـ 40 المجلد الثامن ، وفيض الباري ج‍ 4 ص 44 ـ 47 ، وحاشية البدر الساري ج‍ 4 ص 33 ـ 47 ، والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي 140 ـ 143 ].
    ويبدو أن البخاري قد تحاشى ذكر المهدي بالاسم لأنه عندما وضع صحيحه ، كانت فرائص الدولة ترجف رعباً من هذا المهدي ، وتبحث عنه بعد أن تأكدت مخابراتها بأنه قد ولد بالفعل.
    كذلك ذكر مسلم في صحيحه المهدي بالوصف لا بالاسم ، لأن مسلم قد وضع صحيحه بنفس الفترة الزمنية ، ومع هذا فقد ذكر ابن حجر الهيثمي ، [ راجع في الصواعق المحرقة الفصل 11 ، والمتقي الهندي في كنز العمال ج‍ 14 ص 264 ، حديث 38662 ، ومحمد على الصبان في إسعاف الراغبين ص 145 ، والشيخ حسن العدوي المالكي في مشارق الأنوار ] ، أن مسلم قد ذكر في صحيحه


(111)
المهدي بالاسم وبالوصف معاً لكن الاسم قد حذف ، وبقي الوصف ، وليس أدل على ذلك من أن مسلم قد أخرج حديث الخليفة الذي يحثي المال حثياً ، ولا يعده عداً. [ راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج‍ 18 ص 38 ، وأخرج حديث خسف البيداء ج‍ 18 ص 4 ـ 7 من صحيح مسلم بشرح النووي وكلاهما من الظواهر الخاصة بالمهدي المنتظر ، التي لا تنطبق على غيره ، ولم تحدث مع غيره. وأخرج أحاديث المهدي المنتظر ابن ماجة ت 273 ه‍ ، وأبو داود ت 275 ه‍ ، والترمذي المتوفى 279 ه‍ ، وهؤلاء هم أصحاب الصحاح عند أهل السنة ].
    2 ـ وأخرج أحاديث المهدي كل علماء دولة الخلافة الأعلام الذين تألقوا خلال الفترة الزمنية الواقعة ما بين 100 ه‍ 975 ه‍ ، وقد ورد ذكرهم في كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 26 ـ 29 إصدار مركز الرسالة منهم ابن سعد صاحب الطبقات الکبرى ، وابن أبي شيبة ت 235 ه‍ ، وأحمد بن حنبل ت 241 ه‍ ، وأبوبكر الإسكافي ت 260 ه‍ ، وابن قتيبة الدينوري ت 276 ه‍ ، واليزارت 292 ه‍ ، وأبو يعلى الموصي ت 307 ه‍ والطبري ت 310 ه‍ والعقيلي ت 322 ، ونعيم بن حماد ت 328 ، وشيخ الحنابلة البربهاري ت 329 وابن حبان البستي ت 354 ، والمقدسي ت 355 ، والطبراني ت 360 ، وأبو الحسن الأبري ت 363 ، والدار قطني 385 ، والخطابي ت 388 ، والحاكم النيسابوري ت 405 ، وأبو نعيم الأصبهاني ت 430 ، وأبو عمرو الداني ت 444 ، والبيهقي ت 458 ، والخطيب البغدادي ت 463 ، وابن عبد البر المالكي ت 463 ، والديلمي ت 509 ه‍ والبغوي ت 510 ، والقاضي عياض ت 544 ، والخوارزمي الحنفي ت 568 ، وابن عساكر ت 571 ، وابن الجوزي ت 597 ، وابن الجزري ت 606 وابن العربي ت 638 ، ومحمد بن طلحة الشافعي ت 652 ، والسبط بن الجوزي ت 654 وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ت 655 ، والقرطبي المالكي ت 671 ، والكنجي الشافعي ت 658 ، وابن خلكان ت 681 ، ومحب الدين الطبري ت 694 ، والعلامة ابن منصور في مادة هدى من لسان العرب وهو متوفى عام 711 ه‍ ، وابن تيمية ت 728 ، والجويني ت 730 ، والذهبي ت 748 ، وابن الوردي ت 749 ، والزرندي الحنفي ت 750 ، وابن القيم


(112)
الجوزي 751 ، وابن كثير ت 774 ه‍ ، وابن خلدون المغربي ت 808 هـ. إلخ.
    هؤلاء هم العلماء الأفذاذ الذين تألقوا في سماء دولة الخلافة وعرفتهم الخاصة والعامة ، وكلهم قد أجمعوا على إخراج الأحاديث النبوية المتعلقة بالمهدي المنتظر.
    ويمكنك القول وبكل ارتياح ، أنه ما من محدث إسلامي على الإطلاق ، إلا وقد أخرج الأحاديث المبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان أو أخرج بعضها ، أو أخرج أحاديث عن علامات الظهور أو مشاهد من عصر الظهور.

    بالرجوع إلى معجم أحاديث المهدي الذي ألفته مؤسسة المعارف الإسلامية والواقع في خمسة مجلدات والمطبوع في قم الطبعة الأولى نجد أن : ـ
    1 ـ مجلد الأول والثاني قد اشتملا على 560 حديثناً من الأحاديث المروية بطرق السنّة والشيعة معاً والمسندة جميعها إلى النبي.
    2 ـ المجلد الثالث والرابع قد اشتملا على 876 حديثاً مسندة إلى أئمة أهل البيت ، واشترك أهل السنة برواية الكثير منها مع الشيعة الإمامية.
    3 ـ أما المجلد الخامس فقد اشتمل على 505 أحاديث وكلها من الأحاديث المفسرة لآيات قرآنية ، وقد غطت هذه الأحاديث ما أورده المفسرون من أهل السنة والشيعة.
    4 ـ وعلى هذا تكون مجموع الأحاديث المسندة إلى النبي وأئمة أهل البيت 1436 حديثاً ، فإذا أضفنا لها محتويات المجلد الخامس المشتمل على الأحاديث المفسّرة يكون مجموع الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر 1941 حديثاً. [ راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مؤسسة الرسالة ص 149. ]

    1 ـ صحة أحاديث المهدي المنتظر
    1 ـ قال الترمذي في سننه ج‍ 4 ص 505 الأحاديث أرقام 2230 و 2231


(113)
وجـ 4 ص 506 الحديث رقم 2233 عن كل واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة هذا حديث حسن صحيح. وقال في ج‍ 4 ص 506 من سننه عن الحديث رقم 2232 : « هذا حديث حسن ».
    2 ـ قال أبو جعفر العقيلي ت 322 : « وفي المهدي أحاديث جياد » الضعفاء الكبير للعقيلي ج‍ 3 ص 253 الحديث رقم 1257 في ترجمة علي بن نفيل الحراني.
    3 ـ قال الحاكم النيسابوري ت 405 ه‍ في المستدرك ج‍ 4 ص 429 و 465 553 و 558 عن كل واحد من الأحاديث الأربعة التي أخرجها : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وفي ج‍ 4 ح 450 و 557 و 558 قال عن كل واحد من هذه الأحاديث الثلاثة : « هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه » وفي ج‍ 4 ص 429 و 442 و 457 و 464 و 502 و 520 و 554 و 557 ، قال عن كل واحد من الأحاديث الثمانية : « هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ».
    4 ـ قال البيهقي ت 458 ه‍ في الأعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ص 127 : « والأحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً ».
    5 ـ وفي كتاب مصابيح السنة للبغوي ص 488 ، 491 أخرج حديثاً للمهدي في فصل الصحاح وفي ص 492 ـ 493 أخرج خمسة أحاديث للمهدي في فصل الحسان.
    6 ـ قال ابن الأثير ت 606 ه‍ في النهاية مادة « هدا » وبه سمي المهدي الذي بشر به رسول الله أنه يجيء في آخر الزمان ، [ راجع النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج‍ 5 ص 254 ]. وهذا لا يصدر إلا على من يقول بالصحة.
    7 ـ قال القرطبي في التذكرة ص 704 باب ما جاء في المهدي عن حديث ابن ماجة في المهدي إسناده صحيح.
    8 ـ قال ابن تيمية في منهاج السنة : « إن الأحاديث التي يحتج بها الحلي على خروج المهدي أحاديث صحيحة » منهاج السنة ج‍ 4 ص 211.


(114)
    9 ـ سكت الذهبي على ما صححه الحاكم في مستدركه من أحاديث المهدي وصرح بصحة حديثين ، [ راجع تلخيص المستدرك ج‍ 4 ص 553 و 558 مطبوع بهامش المستدرك ].
    10 ـ قال الكنجي الشافعي في كتابه : « البيان في أخبار صاحب الزمان عن حديث أخرجه الترمذي في سننة ج‍ 4 ص 505 وصححه هذا حديث صحيح ، وقال عن آخر هذا حديث حسن صحيح ».
    11 ـ اعتراف ابن القيم الجوزي في المنار المنيف ص 130 ـ 135 حديث 326 و 327 و 329 و 331 بحسن بعض أحاديث المهدي وصحة بعضها الآخر.
    12 ـ قال ابن كثير عن سند حديث في المهدي ، وهذا إسناد قوي صحيح ثم نقل حديثاً عن ابن ماجة وقال : هذا حديث حسن ، وقد روى من غير وجه عن النبي ». [ راجع النهاية في الفتن والملاحم ج‍ 1 ص 55 و 56 لابن كثير ].
    13 ـ قال التفازاني عن خروج المهدي في آخر الزمان : « وقد ورد في هذا الباب أخبار صحاح ». [ راجع شرح المقاصد للتفتازاني ج‍ 5 ص 312 ].
    14 ـ قال نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد ج‍ 7 ص 313 ـ 314 عن أحد حديثين واردين في المهدي المنتظر رواه الترمذي وغيره ، ورواه أحمد ، وأبو يعلى ورجالهما ثقات ، وقال عن آخر ج‍ 7 ص 115 : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ، وفي ج‍ 7 ص 116 قال عن ثالث : ورجاله ثقات وفي ج‍ 7 ص 117 قال عن رابع : رواه البزار ورجاله صحيح ، وفي ص 117 أيضاً قال عن خامس : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
    15 ـ وفي الجامع الصغير للسيوطي ج‍ 2 ص 672 رمز لبعض الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر بعلامة « صح » أي صحيح ولبعضها الآخر بعلامة « ح » أي حسن.
    16 ـ نقل القنوجي عن الشوكاني قوله بصحة أحاديث الإمام المهدي وتواترها.
    17 ـ قال ناصر الدين الألباني في مقال له بمجلة التمدن الإسلامي


(115)
دمشق / 22 ذي القعدة 1371 : « أما مسألة المهدي المنتظر فليعلم أن في خروجه أحاديث صحيحة قسم كبير منها له أسانيد صحيحة ». [ راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 34 ـ 38 ].

    2 ـ تواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
    لا خلاف بين اثنين من أئمة أهل البيت أو من أوليائهم بأن الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول الله بالفعل ، ونقلها عنه جمع كبير من المسلمين يمتنع عقلاً وبكل الموازين اجتماعهم على الكذب ، وأن هذه الأحاديث كانت معلومة بين الناس أثناء حياة الرسول وبعد وفاته ، وأنها قد تواترت واستقرت في القلوب والأذهان ، وما كانت حركة التدوين والرواية إلا كشفاً وتأكيداً لحقائق ثابتة ومستقرة.
    كذلك قإن علماء دولة الخلافة قد توصلوا عملياً لهذه النتيجة وصرحوا بتواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ، وصدر هذا التصريح عن غير واحد منهم كالسيوطي ، راجع إبراز الوهم المكنون لأبي الفيض ص 436 ، والهيثمي ، راجع الصواعق المحرقة 162 ـ 167 فصل 1 باب 11 والمتقي الهندي ، راجع البرهان على علامات مهدي آخر الزمان 178 ـ 183 ، والبزرنجي ، راجع الإشاعة لاشراط الساعة ص 87 ، وابن حجر العسقلاني ، راجع تهذيب التهذيب ج‍ 9 ص 125/ 201 واحتج القرطبي بقول الحافظ الحاكم النيسابوري « والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة » التذكرة ج‍ 1 ص 701. راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي / إصدار مركز الرسالة ص 38 ـ 43.


(116)
    الفصل السابع :
التشكك بأحاديث المهدي
بعد التيقين منها
حصول اليقين فيها
    رأينا أن أحاديث المهدي المنتظر ، قد رواها أهل بيت النبوة عن رسول الله ، وقد شهدوا أنهم قد سمعوا رسول الله يحدث بها ، ويبشر المؤمنين بالمهدي المنتظر ، وعلى ذلك قد أجمعوا ، وتناقل أهل بيت النبوة هذا الإجماع جيلاً بعد جيل. فلو لم يرويها من الأمة غيرهم لكانت رواية أهل بيت النبوة كافية ، وكانت شهادتهم صادقة ، ولكان إجماعهم حجة على المسلمين أجمعين ، لأنهم الأبناء والنساء والأنفس المنوَّه عنهم بآية المباهلة ، ولأن الله قد شهد لهم بالطهارة ، ولان الصلاة عليهم ركن الصلاة المفروضة على العباد ، ثم لأنهم أحد الثقلين.
    وبعد مائة سنة من منع كتابة ورواية الأحاديث النبوية ، والتزام دولة الخلافة ورعاياها بهذا القانون العجيب اكتشفوا خطورة هذا القانون وكم ضيعوا في جنب الله ، فانطلقوا يروون ويكتبون أحاديث نبيهم بعد مائة عام من صدورها ، وأوجدوا موازين الرواية والدراية وتواصلوا وفق هذه الموازين إلى نتيجة مفادها أن أكثر من خمسين صحابياً قد سمعوا رسول الله يحدث بأحاديث المهدي المنتظر ، ويبشر المؤمنين به.
    وكان الإخوان الذين سبقونا بالإيمان قد سمعوا رسول الله يحدث بها ، ويبشر


(117)
بالمهدي فنقلوا ما سمعوه لابنائهم ، وصدق الناس لأن هذه من أنباء الغيب التي لا مجال للاجتهاد فيها.
    وتضافر إجماع أهل بيت النبوة ، مع شهادة الخمسين صحابياً مع القناعة العامة التي تولدت عند المسلمين وتوارثوها جيلاً بعد جيل ، فصار الاعتقالد بالمهدي المنتظر وعلامات ظهوره ، وملامح عهد الظهور عقيدة عند المسلمين تقرأ تماماً مع عقيدتهم الدينية.
    وعلى هذا الأساس وبعد التحري والاثبات قام علماء الحديث الأعلام بإخراج أحاديث المهدي المنتظر ، وحكموا بصحتها وفق الموازين العامة التي أُوجدها ، وقالوا بتواترها ، وأخراجها المؤرخون وعلماء التفسير وأصحاب السِّير وأفرد لها رجال الفكر والسياسة بحوثاً خاصة ، وتكونت لدى المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم ومذاهبهم وتوجهاتهم عقيدة الاعتقاد بالمهدي المنتظر الواحدة. وهكذا تحقق اليقين بكل صوره وتصوراته القطعية.

    2 ـ أوهام الشك بعد حصول اليقين
    بعد أن حصل اليقين بعقيدة المهدي المنتظر ، وبعد أن عرف المسلمون إجماع أهل بيت النبوة على صحة هذا الاعتقاد ، وبعد أن أدلى خمسون صحابياً بشهادتهم على أنهم سمعوا الرسول يبشر بالمهدي المنتظر ويحدث بأحاديثه ، وبعد أن أخرج العلماء الأعلام هذه الأحاديث وحكموا بصحتها وتواترها كما أسلفنا ، وبعد أن صار الاعتقاد بالمهدي المنتظر عقيدة لكل المسلمين ، وصار انتظاره فرجاً ومخرجاً وعبادة ، بدأت أوهام الشك تتجدد بعد حصول اليقين تراود أذهان البعض ، ثم صرحوا بها مع علمهم بكل ما أسلفنا ، وأخذوا يشككون بصحة الاعتقاد بالمهدي المنتظر.

    الذين أبدوا شكوكهم بفكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ، أعلنوا بأن شكوكهم لم تنطلق من فراغ ، ولا هي من قبيل التشهي بل


(118)
تستند إلى أسباب معقولة منها :

    1 ـ أن البخاري ومسلم لم يرويا أي حديث صريح بالمهدي المنتظر الرد على هذا السبب :
    أ ـ لم يقل أحد من علماء الحديث أن كل ما لم يروه البخاري ومسلم غير صحيح.
    ب ـ صحيحا البخاري ومسلم لم يشتملا على كافة الأحاديث الصحيحة بدليل قول البخاري عن كتابه الصحيح : « أخرجت هذا الكتاب من مائة ألف حديث صحيح ، أو من مائتي ألف حديث صحيح ، فما أعلن البخاري صحته يزيد عما أخرجه في صحيحه بعشرات الأضعاف ».
    ج ـ إن البخاري ومسلم قد كتبا صحيحهما بتاريخ ولادة المهدي المنتظر وكان مجرد ذكر المهدي المنتظر يثير الرعب في أوصال أركان الدولة العباسية ، فكانت مخابراتها وعيونها تتحرى عن كل المواليد في ذلك التاريخ ، فمن غير المعقول بهذه الظروف أن يخاطر الشيخان بذكر لفظ المهدي المنتظر ، فلو فعلا ذلك لواجها دولة لا طاقة لهما بمواجهتها والأهم أن الدولة يمكن أن تتلف صحيحيهما.
    ومع هذا تطرق الشيخان إلى الأحاديث الواردة بخروج الدجال ، وأحاديث نزول عيسى ، وإمامة أمير المسلمين لعيسى ، فهما يعبران عن وجود الإمام المهدي : « بكلمة أمير » أو الإمام مطلقاً ثم إن شراح صحيح البخاري متفقون على أن البخاري قد يلفظ الإمام : « الإمام المهدي ». [ راجع عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ج‍ 16 ص 39 ـ 40 المجلد الثامن. وفتح الباري ج‍ 6 ص 383 ـ 385 ، وإرشاد الساري ج‍ 5 ص 419 ].
    ذ ـ أما مسلم فقد ذكر حديث عن خليفة يحثي المال حثياً ولا يعده عداً ، وذكر حديث الخسف ، وهذه أوصاف وأحديث لا تنطبق إلا على الإمام المهدي وعلامات ظهوره.
    ر ـ ثم إن الأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح الأخرى تتكامل إلي


(119)
درجة التطابق مع ما ذكره البخاري ومسلم ، مما يؤكد تحاشي الشيخين المتعمد لإغفال الإمام المهدي خشية سطوة الدولة التي كانت معبأة بالكامل ضد شبح المهدي ، وخوفاً على كتابيهما.
    ز ـ لقد تعرف علماء دولة الخلافة على أن كتب الأحاديث المشهورة عندهم هي ستة كتب ، وسموها بالصحاح ومنها صحيح البخاري ومسلم ، والكتب الأربعة الأخرى التي تحمل صفة الصحاح أخرجت أحاديث المهدي المنتظر بمعنى أن اثنين من أصحاب الصحاح قد أخرجا أحاديث المهدي المنتظر بالوصف دون أن يصرحا باسمه ، بينما أخرجٍ أربعه من أصحاب الصحاح أحاديث المهدي المنتظر وصرحوا باسمه ووصفه معاً.
    س ـ ثم إن البخاري ومسلم لم يخرجا كل الأحاديث المتفقة مع الشروط التي وضعاها فطالما كرر الحاكم النيسابوري جملة : « هذا الحديث صحيح على شروط الشيخين ولم يخرجاه ».
    ش ـ لم يرد في القرآن ولا في السنّة ، ولا أجمع المسلمون بأن البخاري ومسلم معصومان ، وأن قولهما هو القول الفصل ، عاش المسلمون قرابة قرنين ونصف بدون البخاري ومسلم وتدبروا أمورهم !!
    ص ـ ثم ما هي قيمة قولي البخاري ومسلم أمام إجماع أهل بيت النبوة أعدال الكتاب والمشهور لهم بالطهارة إلهياً ، والمفروضه مودتهم على العباد !!
    ض ـ ثم إن البخاري ومسلم ليسوا أكثر من عالمين فاضلين من علماء الحديث من جملة مئات علماء الحديث الذين تألقوا في سماء العالم الإسلامي ، ولهما شيوخ وأساتذة ، كلهم أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وقالوا بصحتها وتواترها.
    ص ـ ثم إنه ليس منطقياً أن نوقف أو أن نتجاهل حركة الأحداث الربانية لأن صحيحي البخاري ومسلم لم يشتملا عليها !!
    ظ ـ من المؤكد أن البخاري ومسلم لم يخرجوا في صحيحيهما بأن الشمس تطلع من المشرق ، وتغيب من المغرب ، فهل نتجاهل هذين الحدثين وننكرهما أو


(120)
نتنكر لهما بحجة أن البخاري ومسلم لم يتطرقا إلى هذه الناحية ! ما لكم كيف تحكمون !!

    2 ـ السبب الثاني : أن ابن خلدون ضعف بعض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر !!
    الرد على هذا السبب :
    أ ـ ملخص الموضوع وحصر تضعيفات ابن خلدون : تناول ابن خلدون 23 ، حديثاً من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر فاخضع هذه الأحاديث للنقد والدراسة فضعّف 19 عشر حديثاً ولم يحكم بالضعف على الأربعة المتبقية مما يعني أنها صحيحة في نظره ، فجاء المتشككون ، وطاروا بتضعيفات ابن خلدون كل مطار ، وأشاعوا أن ابن خلدون لا يعتقد بالمهدي المنتظر ، ويضعّف على الإطلاق الأحاديث الواردة فيه مطلقاً. وهكذا تاجر المشككون بشهرة الرجل ، وسخّروا هذه الشهرة لخدمة هواهم.
    ب ـ شهادة خطية لابن خلدون : قال ابن خلدون في تاريخه ج‍ 1 ص 555 فصل 52 ما نصه حرفياً : « اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي » انتهى كلام ابن خلدون.
    ح ـ لم يذكر ابن خلدون من الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر غير سبعة وهم الترمذي ، وأبو داود والبزار ، وابن ماجة ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، [ راجع تاريخ ابن خلدون ج‍ 1 ص 555.فصل 52 ]. وهذا يعني أنه ترك 48 عالم حديث ممن أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر أولهم ابن سعد في طبقاته ت 230 ه‍ ، وآخرهم نور الدين الهيثمي ت 807 ه‍ ، وحتى يكون الحكم سليماً يجب أن يطلع على ما أخرجه علماء الحديث ، لأن الأحاديث في كل موضوع يكشف بعضها غموض بعض ، ويؤيد بعضها بعضاً.
    قال الشيخ أحمد شاكر : إن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم وأقحم
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس