حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 91 ـ 105
(91)
ووزع العطاء حسب هذا الجدول !! وحسب هذا الجدول لم يساوِ حتى بين زوجات النبي ، وقد أدت عدم التسوية في العطاء إلى نشوء الطبقات فملك بعض الناس الملايين من الدنانير الذهبية بينما كان الآلاف من المسلمين لا يجدون رغيف العيش ، ولما رأى الخليفة الثاني تلك الآثار المدمرة لعدم التسوية في العطاء قال وبكل بساطة : « لئن استقبلت من عامي ما استدبرت لأعملن بسنة النبي وصاحبه ولأُسَوِّيَنَّ بين الناس بالعطاء » !!!
    ولما آلت الخلافة للخليفة الثالث كانت أول مراسيمه الإعلان عن عدم السماح برواية أي حديث لم يسمع به في زمن الخليفتين الأول والثاني. واستمر المنع الشامل على كتابه ورواية أحاديث الرسول. خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأُول ترسخت مفاهيم معينة عن الحديث النبوي والسنة النبوية بشكل عام وارتبطت هذه المفاهيم بالسلطة الغالبة التي أرست حجر الأساس العملي للفترة التي تلت موت النبي فإذا استعرضنا الأحاديث التي أذنت السلطة بشيوعها وانتشارها خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول نجدها منصبّة بالدرجة الأولى والأخيرة على تمجيد قريش وإبراز مكانتها كعشيرة النبي ، وعلى فضائل الخلفاء الثلاثة ومصاهرتهم للنبي ، ومكانتهم عنده ، ودورهم البارز في نصرة النبي. والتركيز على أن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة أو القيادة حق خالص للمسلمين ، فهم وحدهم أصحاب الاختصاص ببيعة من يريدون ، أما الأحاديث والسنن المتعلقة بالاحكام والعبادات والمعاملات ، فلا حرج من روايتها إن كانت لا تتعارض مع اجتهادات الخلفاء وعلومهم ، واجتهادات وعلماء أولياء الخلفاء. وهكذا خضعت كتابه ورواية الأحاديث لرقابة السلطة الصارمة ، فمنع رواية الحديث وكتابته شامل وكامل ، ولكن السلطة أذنت بل وشجعت على رواية وكتابة ما يخدم سياستها وتوجهاتها العامة ، وما يرغم أنوف معارضيها ويكبتهم ، وقربت رواة تلك الأحاديث ، فكعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة النبي يصغى إليه ، ويتكلم ويُسأل ، وتقرب مكانته ، وأبو ذر ، وعمار بن ياسر يُجبرون على السكوت ، ويطاردون في الأرض ، ويضربون وينفون من الأرض.
    وما يعنينا بأن الأحاديث المتعلقة بالأمامة أو الولاية من بعد النبي ،


(92)
و الأحاديث المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم كانت محظورة ومحصورة حصراً تاماً ، وحيل بين الناس وبين معرفتها ، و ثم تجاهل أهل بيت النبوة سياسياً تجاهلاً تاماً ، وتم استبعادهم وأولياؤهم عن كافة مراكز التأثير والخطر فتأخروا وهم المتقدمون ، وتقدم عليهم كافة المتأخرين ، فمع وجود علي بن أبي طالب يتمنى عمر بن الخطاب لو أن سالم مولى أبي حذيفة حياً ليوليه الخلافة ، و سالم هذا مولى لا يعرف له نسب في العرب ، فعمر بن الخطاب يعتقد حسب اجتهاده وموازينه أن سالم مولى أبي حذيفة هو أولى بخلافة النبي من علي بن أبي طالب ابن عم النبي ، وأول المؤمنين به ، وزوج ابنته ووالد سبطيه ، وفارس الإسلام والولي الرسمي لكل مؤمن ومؤمنة ، وسيد العرب وسيد المسلمين وإمامهم بالنص الشرعي !!
    وعندما تمنى عمر لو ان سالم أو خالد ، أو أبا عبيدة ، أو معاذ بن جبل أحياء لولي أحدهم الخلافة ، ويوضح عمر الأسباب فيقول فلو سألني ربي عن ذلك لقلت سمعت نبيك يقول ، ويروي حديثاً سمعه عن النبي في كل واحد من أولئك الذين تمنى عمر حياتهم !! والمثير حقاً أن عمر نفسه سمع النبي يقول : « من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه ، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وسمع النبي وهو يقول عن علي : « إنه وليكم من بعدي » وسمعه وهو يقول له أنت سيد العرب ، وأنت سيد المسلمين إمام المتقين ، والأهم من ذلك أن عمر نفسه قد هنأ الإمام على بالولاية في غدير خم ...
    لكنها سياسة لجم الحديث النبوي وإلزامه على السير بما يتلاءم مع توجهات السلطة وإرغام أنوف معارضيها.
    لما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب ، وبايعته الأكثرية الساحقة التي بايعت الخلفاء الثلاثة ، وجد أن دائرة الحصار والخطر على كتابه أحاديث الرسول محكمة تماماً وانه ليس من اليسير اختراقها وبيان الحقائق الشرعية للناس ، لأن مضامين هذه الدائرة قد استقرت بعد أن أصبحت منهاجاً تربوياً رسمياً للناس خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول ، فأوجد الإمام طريقة خاصة لاختراق تلك الدائرة وفتح نوافذ فيها ، فكان يشهد ويحدث شخصياً بما سمعه من النبي ، وكان يغتنم فرصة


(93)
تجمع الصحابة في اجتماع عام ويناشد قائلا : « نشدت الله امرءاً مسلماً سمع رسول الله في المكان الفلاني قد قال كذا أن يقوم ... فيقوم العشرة والعشرون ، ليشهدوا على أن الرسول قد قال كذا بالفعل ، وكان يصدف أن بعض شانئي أهل بيت النبوة الذين سمعوا رسول الله لا يقومون ، وإمعاناً بإقامة الحجة عليهم يسألهم الإمام عن سبب عدم قيامهم مع أنه يعرف أنهم قد سمعوا الرسول وهو يقول ... فيدّعون النسيان ، ويصدف أن يدعوا الإمام علي بعضهم ، ويستجيب الله لدعوة الإمام ، ويحمل السامع المنكر علامة تشهد بكذبه كما حدث يوم الرجعة ولقد استطاع الإمام علي خلال مدة حكمة أن يكشف للناس ما جهدت السلطة بإخفائه ، طوال السنين التي تلت موت النبي الأعظم خاصة الأحاديث المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي ، وبمكانة أهل بيت النبوة ، وفضائلهم. وجاء معاوية فسن ما يمكن أن نسميه بحرب الفضائل ، فسخر كافة موارد الدولة وإمكانياتها للحط من مكانة أهل بيت النبوة ، وللتشكيك بكل ما نشره علي بن أبي طالب وأولياءه عن منصب القيادة من بعد النبي ، وللتنكر لكل الفضائل التي قالها رسول الله عن أهل بيته ، ولخلط الأوراق خلطأ عجيباً أمر معاوية كافة ولاته وعماله أن لا يدعوا فضيلة يرويها أحد من المسلمين في علي وأهل بيت النبوة إلا وجاءوا بمثلها لأحد من الصحابة ، فسالت سيول الفضائل ، وانفتحت الأرض عن عشرات الآلاف من الرواة ، فرووا عشرات الألوف من الفضائل ونسبوها للرسول ، ثم أمرت الدولة بتدريس هذه المرويات في المدارس والمعاهد والجامعات ، وفرضت دراستها على العامة والخاصة ، فنشأ جيل يعتقد بصحة هذه المرويات ، ثم انتقلت هذه المرويات من جيل إلى جيل واقتصر اهتمام المسلمين عليها ، وبقي الحظر والمنع على رواية وكتابة أحاديث الرسول سارياً على ما سواها ، وإمعاناً بإرغام أنوف أهل بيت النبوة ومن والاهم أمر معاوية كافة رعاياه أن يلعنوا علياً بن أبي طالب وأهل بيته كما تلعن الشياطين ، وأن لا يجيزوا لأحد ممن يحبهم شهادة ، وأن يقطعوا عطاءهم ويهدموا دور الذين يوالونهم. [ راجع كتاب الأحداث للمدائني ، وقول ابن نفطويه في شرح النهج لابن أبي الحديد ج‍ 3 ص 595 تحقيق حسن تميم ].
    ولما تولى الخليفة الأموي الفاضل عمر بن عبد العزيز الخلافة أدرك خطورة


(94)
منع كتابه ورواية أحاديث الرسول ، وخشي أن يندرس هذا العلم ويموت مات تبقى من أهله ، فكتب إلى واليه على المدينة وكلفه بكتابة أحاديث الرسول ، ولأن الخليفة على علم بتوجهات المجتمع فقد علل قراره بخشيته من موت العلماء واندراس علم الحديث.
    فاحتج علماء عصره ، وضج المجتمع الإسلامي الذي تربى على ثقافة معينة !! وتساءل الناس متعجبين ؟ كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على اقتراف ما نهى عنه الخلفاء الثلاثة أبوبكر وعمر وعثمان !!! وأٌهمل أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز عملياً ولم ينفذ ، لأن التوجه العام للمجتمع لا يحتمل ذلك ، فمن غير الممكن أن يسمح بكتابة ورواية أحاديث صدرت عن رسول الله ، تتضمن فضائل علي بن أبي طالب ، مثلاً في الوقت الذي أمرت فيه الدولة كافة رعاياها بلعنه !! والتبروء منه !! ولا يحتمل مجتمع دولة الخلافة إبراز فضائل ومكانة أهل بيت النبوة في الوقت الذي تعتبرهم الدولة أعداء الخليفة وأعداء المجتمع !! ولكن على الرغم من أن أمر الخليفة لم ينفذ عملياً إلا أنه كان ثغرة واسعة في جدار سميك وإعداد علمي للمجتمع ليرقى من طور إلى طور !!
    وبعد قرابة مائة عام على موت الرسول اقتنع مجتمع دولة الخلافة بضرورة كتابه ورواية أحاديث الرسول ، ولم تر دولة الخلافة في ذلك ما يهود وجودها أو يمس استقرارها ن فإيديولو جيتها الواقعية قد رتُبت عملياً والستقرت في أذهان خلال مدة المائة العام التي منعت فيها رسمياً كتابه ورواية أحاديث الرسول ، لهذا كله أذنت دولة الخلافة برواية وكتابة أحاديث الرسول ، أو على الأقل لم تعترض عل هذا التوجه الجديد !!

    أ ـ على صعيد علماء دولة الخلافة
    على ضوء التوجه العام والواقع الجديدين ، انطلق علماء دولة الخلافة ليبحثوا عن كل ما صدر عن نبيهم من قول أو فعل أو تقرير قبل مائة عام !!!


(95)
وأوجدوا ضوابط علمية لعمليتي كتابه ورواية سنة الرسول من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، وبذلوا جهوداً مضنية للوقوف على كل ما قاله رسول الله بالفعل في كل أمر من الأمور ، وفي أي شخص من الأشخاص ، أو أية جماعة من الجماعات ، حتى أنهم رووا الأحاديث المتعلقة بعلي بن أبي طالب ، وأهل بيت النبوة الذين صبت عليهم دولة الخلافة كل غضبها ونقمتها وقوتها !! فرويت الأحاديث التي تتحدث عن مكانة على ، وقربه من النبي ، وجهاده المميز وسجله الحافل بالأمجاد ، ورويت أحاديث تتحدث عن مكانة أهل بيت النبوة ، وآل محمد تميزهم عن غيرهم من المسلمين التي تبرز دور آل محمد بالدفاع عن دعوة الاسلام ، وإقامة دولة الأولى ، ومعاناتهم الکبرى ، باحتضان النبي والدفاع عنه ، والجهاد بين يديه !! وأبعد من ذلك أن علماء دولة الخلافة قد رووا أحاديثاً عن رسول الله عن عدواة أبي سفيان وبنيه خاصة ، والبطن الاموي عامة لله لرسوله وعن قيادتهم لجبهة الشرك طوال فتره ال‍ 15 سنة التي سبقت الهجرة ، وأنهم حاربوا الإسلام ونبيّه طوال مدة الثماني سنوات التي تلت الهجرة ، وأنهم قد استعدوا العرب واليهود على رسول الله ، وأعظم من ذلك ، فقد روى العلماء أحاديثاً عن رسول الله ، بأن الحكم بن العاص وذريته هم أعداء الله ورسوله ، وأن الله قد لعنهم على لسان نبيه ، ومع هذا آلت خلافة الرسول لذرية الحكم ، في الوقت الذي كانت فيه ذرية النبي وآل النبي يتعرضون للتقتيل والتشريد والتطريد !!! بعد أن فرضت الدولة على العامة والخاصة لعنهم.
    وروى علماء دولة الخلافة أحاديث عن رسول الله تبين مكانة فاطمة الزهراء ، وابنيها الحسن والحسين ، عند رسول الله ، وقرابتهم القريبة ، ومنزلتهم الرفيعة في قليه الشريف. لقد أذهلت تلك المرويات العامة والخاصة من المسلمين ، وربطوها بالمحن والمآسي والآلام التي تجرعها أهل بيت النبوة مجتمعين ومنفردين !!! وبدأت قلوب المسلمين تتعاطف مع أهل البيت ، وتتيقن أن خللاً كبيراً قد حدث ، وأن لأهل بيت النبوة قضية عادلة لم تلق أبداً آذانا صاغية طوال التاريخ !!
    وفجاة قررت جموع دولة الخلافة أن تعتبر علياً بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين ، وأن تعترف به وبابنيه الحسن والحسين ، كعمداء لآل محمد الذين لا


(96)
تجوز صلاة المسلم غير الصلاة عليهم !! وأنهم والسيدة الزهراء هم أهل بيت النبوة الذين اذهب الله الرجس وطهرهم تطهيراً ، واكتشفت تلك الجموع أنها قد سارت طويلاً بالخط المعاكس للطريق الإلهي ، وشعرت تلك الجموع بالندامة لانها خذلت عليا وحسناً وحسيناً ، وسمت الحسن ، وقتلت الحسين وهما اينا رسول الله ومزقت آل محمد في كربلاء ، أو على الأقل لانهم قتلوا أمامها دون أن تنصرهم أو تحرك ساكناً.
    وهذا انقلاب حقيقي وثورة فعلية تحدث في نفسية تلك الجموع التي استجابت لمعاوية ، وخلفاء بني أمية ، ولعنت الإمام على في العشي والإبكار ، وتعبدت بكرهه وكراهية أهل بيت النبوة طمعاً بدنيا معاوية وشيعته !!!
    « ولم يجد العلماء صعوبة تذكر بكتابة ورواية الأحاديث التي احتضنتها دولة الخلافة ، والتي كانت منسجمة مع توجهات تلك الدولة ، ومع تاريخها السياسي ، لأن تلك الأحاديث كانت مروية ومكتوبة بالفعل ، وجاهزه ، وكانت تشكل المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة ، حيث كان تعلمها مفروضاً على الخاصة والعامة ، فنقلها العلماء كما هي ، مسلمين بصحتها سنداً لكثرة تداولها بين الناس ، ولانها جزء لا يتجزأ من وثائق الدولة الرسمية التي عمل بها المجتمع ، بل والاعظم من ذلك أنها قد صارت أحد مقاييس الصحة لما يروى من الحديث ، فإذا تعارض حديث مع الأحاديث التي تبنتها الدولة ، فهذا الحديث موضع شك !!! والمخرج يكمن بتضعيف رواته ، أو أحد رواته أو تكذيبهم ، أو تكذيب بعضهم ، بمعنى أن المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة كانت بمثابة رقيب ضمني على ما يروى من أحاديث الرسول ، فأي حديث يتفق مع هذه المناهج فهو صحيح وما يعارضها فهو موضع شك ، ومع هذا لم تكن هنالك موانع فعلية من رواية أي حديث ، هذا بحد ذاته إنجاز ، بل وثورة فعلية کبرى أطلّ من ابوابها ونوافذها الرأي الآخر مدعوماً بالسند الشرعي ، وهذا ما كان ممنوعاً طوال التاريخ.
    والخلاصة أن علماء دولة الخلافة لم يتوقفوا أبدا عن تقييد كل ما ذكر بأنه قد صدر عن الرسول ، فكانوا يروونه ، ويقيسونه بموازينهم العلمية التي أوجدوها ، خصيصاً لهذه الغاية ، ويخرجونه للناس ويكتبونه بصحاحهم أو مسانيدهم ، أو


(97)
تواريخهم ، أو سيرهم أو مؤلفاتهم ؛ إنها انطلاقة عظيمة لأحياء كل ما وأدته دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي الطويل !!
    ومن الطبيعي أن تعترض هذه الانطلافة الکبرى معوقات کبرى أيضاً فظهر الكذابون الذين تعمدوا الكذب على رسول الله ، إما تأييد لتاريخ قد استقر ، أو دفاعاً عما تهوى الأنفس ، أو نكاية وإرغاما لأنف خصم ، وقد يكون الكذب لصالح الرسول كما زعم بعضهم حيث قالوا : « إننا لا نكذب على الرسول إنما نُكذب له » وبرع بعض الرواة بالرواية كماً وكيفاً وخلطوا فهمهم لما سمعوه من الرسول ، بأرائهم الشخصية ، وسوَّقوا الاثنين معاً فإما ان ترفضهما معا أو تقبلهما معاً !!
    ومع هذا فقد تمخضت تلك الانطلاقة الکبرى عن ثروة علمية عظمى ، تجد فيها الجزء الاعظم من الحقيقة ، التي تطمئن بها القلوب. لكن لا أحد من علماء دولة الخلافة قد أدعى بأن ما أخرجه من الأحاديث هو عين ما صدر عن رسول الله باللفظ والمعني ، بلا زيادة ولا نقصان والأحاديث التي وصلتنا عن النبي بهذا الوصف : « لفظاً ومعنى ، وبلا زيادة أو نقصان » أندر من النادر !! وهكذا ألحقت دولة الخلافة بالعالم والعلم خسارة فادحة عندما منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول ، بالوقت الذي أجازت فيه رواية وكتابة حتى الخرافات والأساطير ، ولولا جهود العالم لضاع الأثر والعين معاً ولكن الله غالب على امره.
    وتمخضت تلك الانطلاقة الکبرى عن تدوين الكم الهائل من الأحاديث في مجموعة كبيرة من كتب الحديث أبرزها عند أهل السنة ستة كتب عُرفت بالصحاح وهي : « صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود ، وسنن ابن ماجة ، وسنن الترمذي ، وسنن النسائي » ، ومنهم من يقدم سنن الدارمي على سنن النسائي ، بالإضافة إلى المستدركات على هذه الصحاح ، ومجموعة من المسانيد.

    ب ـ رواية وكتابة الحديث عند أهل البيت وأوليائهم
    أهل البيت بما ورثوه من علمي النبوة والکتاب ، وبما خصهم الله به من مكانة ، لا ترقى إليها مكانة ، وبما أسند أليهم من وظائف وتكاليف شرعية ، على يقين تام ومطلق بعمق الارتباط والتكامل والتعاضد بين كتاب الله القرآن الكريم


(98)
وبين بيان النبي لهذا لكتاب ، مثلما هم على يقين تام بأن أحدهما لا يُغني عن الآخر. وهم على علم بتركيز النبي المكثف والخاص على هذه الناحية.
    وقد تحدث أئمة أهل البيت عن مجموعة حقوقية شرعية کبرى قد ورثوها عن رسول الله اسمها « الجامعة » أملاها رسول الله وكتبها الإمام علي بن أبي طالب بخط يده ، وكلف رسول الله علياً أن يحتفظ بها ، وأن يورثها للأئمة من بعده وهي تشتمل على العلم كله ، القضاء والفرائض ، وما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش ، وما خلق الله من حلال ولا حرام إلا وضوابطه بهذه الجامعة ، وأن هذه الجامعة لم تدع لأحد كلاماً. ويبدو أن هذه المجموعة قد أملاها رسول الله خصيصاً للأئمة القادة من أهل البيت ليحكموا بها إذا تولوا حكم الناس ، لأن فيها حكم الله.
    وتحدث الإمام على عن صحف كثيرة عنده ، ووصف تلك الصحف بأنها « قطايع » أي مخصصات رسول الله وأهل بيته. ويروي علماء دولة الخلافة أنه بعد فترة من موت رسول الله جاء علي بن أبي طالب وهو يحمل كتاب الله وتفسيره على ظهره ، وأنه قد عرض على قيادة دولة البطون أن يحكم بينهم بما أنزل الله وما أملى رسوله ، وأن هذه الدولة رفضت العرض.
    ويبدو من كثير من الأحاديث إن لدى أئمة أهل البيت كتابين اخرين قد كتبا بخط الإمام علي وعلى عهد رسول الله ، ويسمى أحد هذين الكتابين : « بمصحف فاطمة » وفيه أنباء من الحوادث الكائنة والمتعلقة بالأئمة ، أما الكتاب الآخر فيسمى ب‍ « الجفر » وهو يشتمل على أنباء من الحوادث الكائنة عموماً ». [ راجع بصائر الدرجات ص 144 ـ 148 ـ 156 و 160 ، وأصول الكافي ج‍ 1 ص 241 وص 57 والوافي ج‍ 2 ص 125 ومعالم المدرستين ج‍ 2 ص 300 ـ 312 وكتابنا الخطط السياسية ص 191 ـ 197 ]. ومن المؤكد أن ذلك قد حدث بالفعل فرسول الله متيقن أنه ميت لا محالة ، وموقن من حاجة الأمة إلى بيان كافة الأحكام الشرعية بياناً قائماً على الجزم واليقين ، وهو بيانه الشريف ، ولأن علياً بن أبي طالب هو المخول شرعاً بالبيان بعد وفاة الرسول ، ولأنه من الرسول بمنزلة هارون من موسى باعتراف قادة دولة البطون ، ولان الإمام علي أعظم علماء


(99)
الأمة وأعلمهم بإقرار كافة الخلفاء ، ولأنه قارىء كبير في أمة أمية يندر فيها القارىء ، ولأنه باب مدينة العلم. فقد أملى عليه رسول الله الحكم الشرعي لكل شيء ، وكلف النبي علياً أن يجمع ذلك في كتاب ليكون مرجعاً ، للأمة في بيان القرآن بعد وفاة النبي ، وكلف النبي علياً أن يحتفظ بهذا الكتاب ، وأن يسلمه لأولاده الأئمة ليتوارثوه حسب ترتيب خاص ، ويبينونه للأمة بعد وفاة النبي ، ويحكمون بموجبه إن سلمت الأمة بحقوقهم ، فتكون علوم هذا الكتاب من الأدلة المادية لمرجعيتهم ولحقهم بالقيادة والبيان من بعد النبي. ثم إن سادة أهل بيت النبوة كانوا يقيمون مع النبي في بيت واحد طوال حياة النبي المباركة وكان النبي يزقهم بالعلم زقاً ، ويفيض عليهم من عجائب علمه ومن أخبار المستقبل البعيد ، وكانت تلك المعارف بكل الموازين ثروة کبرى خصهم الله بها فمن غير المعقول أن لا يحفظوا تلك الثروة ويكتبوها !!! ليحتجوا بها القوم ، ولينتفعوا بها ، ويورثوها لذارياتهم تأكيداً للطهر والتميز ، هم إن العلوم التي أفاضها رسول الله على أهل بيته هي بيان للقرآن ومن الضروري أن يحتفظ بها أهل بيت النبوة ليكون لديهم بيان القرآن ، وليحملوا هذا البيان للإنسانية في كل زمن ، إن هذا البيان هو علم النبوة ، وقد كلف الله نبيه أن يورث الأئمة الإعلام من ذريته علمي النبوة والكتاب.
    والخلاصة أنه لما قبض الله نبيه ، كان أهل بيت النبوة قد وعوا علمي النبوة والكتاب بالتمام والكمال ، ووثقوا من هذين العلمين كل ما يحتاج إلى توثيق ، فما من سؤال على الإطلاق ! إلا ويعرف عميد أهل البيت في زمانه جوابه ، وما من أمر من أمور الدنيا والاخرة إلا ويعرف هذا العميد كلياته وتفاصيله الدقيقة ، وحكم الشرع الحنيف فيه ، وكل هذه المعارف موثقة ومعروفة عندهم ومعلومة علم اليقين.
    أثناء مرض النبي الذي قبض منه ، تجاهلت بطون قريش البيان النبوي تجاهلاً كاملاً ، واستولت على السلطة ، وحجَّمت أهل بيت النبوة بالقوة ، وعتمت على كل فضائلهم وتنكرت لمقامهم ومكانتهم تنكراً تاماً ، وجردتهم من كافة حقوقهم ثم أصدرت مراسيم منعت فيها رواية وكتابة أحاديث رسول الله ، وقررت أن القرآن


(100)
وحده يكفي ، ولا حاجة لبيان النبي ، لأن بإمكان أي إنسان أن يفهم القرآن حسب رأي البطون !! ورواية أحاديث النبي وكتابة هذه الأحاديث تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين ، وقيادة البطون ترى أن منع الاختلاف والخلاف يتحقق عندما تمنع رواية وكتابة أحاديث الرسول !!!
    وبدأت قيادة البطون بتطبيق مراسيمها بصراحة تامة ، فكانت تحرق كل ما وصل إليها من أحاديث الرسول ، وكانت تتصيد كل ما هو مكتوب من أحاديث الرسول فتتلفه ، وحرمت مراراً وتكراراً تلك الأحاديث مثلما حرمت روايتها تحريما كاملاً ، إلا ما كان يخدم توجهاتها وسياستها ، وبهذه الظروف خبأ أهل بيت النبوة كنوز العلم الثمينة والنادرة والتي تلقوها من رسول الله مباشرة ، خوفاً عليها ، وتناقلوها كابراً عن كابر ، وأفاضوا منها سراً على أولياهم ، وكانت دولة الخلافة تراقبهم مراقبة دقيقة ، وتتمني لو تجد تلك الکنوز النادرة لتحرقها تحريقاً ، وتتلفها إلى الأبد. ونجح أئمة أهل بيت النبوة بإخفاء تلك الكنوز العلمية ، ورغم المنع المفروض على رواية الحديث إلا أنهم نحجوا بتسريب الكثير الكثير من معارفهم إلى المسلمين عامة ، وإلى أوليائهم خاصة ، بالرغم من رقابة الدولة الصارمة ، وأدعية الإمام زين العابدين المعروفة من الأمثلة الحية فالأدعية أحاسيس عميقة صادقة استوحاها الإمام من علمي النبوة والكتاب ، ومن خلالها بث شكواه ولوعته وحزنه العظيم ، ثم كتبها بخط يده لينقلها إلى الأجيال اللاحقة ، ومع أنها أدعية إلا أنه كان خائفاً عليها كما خافت أم موسى على ولدها ، فكان ينقلها من مكان إلى مكان ، ومن حرز إلى حرز لأن دولة الخلافة الأموية لو عثرت عليها لمزقتها تمزيقاً ولحرقتها تحريقاً. لأن دولة الخلافة أرادت أن تمحو من ذاكرة المسلمين نهائياً ووألي الأبد كل الأحكام الشرعية المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي والمتعلقة بمكانة أهل النبوة ، حتى لا يبقى الشريعة أثر يدين استيلائها على القيادة بالقوة والتغلب وكثرة الاتباع.
    وخلال مدة المائة سنة التي حرمت فيها دولة الخلافة كتابه ورواية أحاديث الرسول ، عاش الإسلام والفئة المتنورة من المسلمين محنة کبرى ، ووطأة عظمى وكان أهل البيت الكرام أكثر الناس أحساساً بالمحنة والوطأة وما زاد الطين بلة أن


(101)
المجتمع الإسلامي أو العامة وهم الأكثرية تحولت إلى حارس ومدافع عن شرعية تحريم كتابة ورواية أحاديث الرسول.
    ولما تحوّل الرأي العام ، وأقبل علماء دولة الخلافة على كتابة ورواية أحاديث الرسول ، ولم تعترض دولة الخلافة على هذا التحول وذلك الاقبال ، تنفس أهل بيت النبوة الصعداء ، فراقبوا عن كثب عمليتي رواية وكتابة الحديث ، ورسموا لها الطريق الاقوم : « سأل رجل الإمام جعفر الصادق عن مسألة فأجابه ، فقال الرجل : أرايت أن كان كذا وكذا ماذا يكون القول » ؟.
    فقال جعفر : « مه ما أجبتك فيه من شيء فهو من رسول الله لسنا ممن رأيت في شيء ، وقوله : « مهما أجبتك بشيء فهو من رسول الله لسنا نقول برأينا » وقال مرة : « لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ، ولكن حدثنا ببينة من ربنا ، بيّنها لنبية ، فبيّنها لنا » وكان يقول : « لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابراً عن كابر ، نكتنزها كما يكتنز الناس ذهبهم وفضتهم ». [ راجع بصائر الدرجات ج‍ 2 ص 29 و 301 وكتابنا الخطط السياسية ص 187 ـ 189 ]. وقول الإمام جعفر هذا دعوة لمن أرادوا البحث عما صدر عن رسول الله ليرجعوا إلى أهل بيت النبوة ، فهم وحدهم الذين يملكون مفاتيح البيان النبوي ، وهي دعوة من الإمام للمعنيين برواية وكتابة أحاديث الرسول ، للفصل التام بين آرائهم الشخصية وما قاله الرسول.
    وبدأ أهل البيت يفيضون على الناس مما آتاهم الله من علمي النبوة والكتاب ، وبالحدود التي تتقبلها وتتحملها نفسية العامة التي تربت تربية ثقافية مناهضة لأهل بيت النبوة وموالية لدولة الخلافة.
    واصطدمت علوم أهل بيت النبوة مع الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي ، وسمحت بكتابتها وروايتها ، بل واعتبرتها جزءأً من مناهجها التربوية والتعليمية ، وبحكم العادة والتكرار آمنت العامة بحتمية صدورها عن رسول الله.
    واصطدمت روايات أهل بيت النبوة بسيل من روايات الفضائل التي اشتراها معاوية وأولياؤه من الطامعين بدنياه ، ثم عممها بقوة الدولة ونفوذها ، وأجبر العامة


(102)
والخاصة على الاقتناع بها والتسليم بصحتها ، وذلك لإرغام أنوف أهل بيت النبوة ، وتمييز وإبطال الفضائل الحقيقية التي خصهم الله بها !!
    ومع أن دولة الخلافة لم تعترض على إقبال علمائها على كتابة ورواية أحاديث الرسول ، ولم تعترض على تحوّل الرأي العام وتأييده لهذا العمل ، إلا أنها ضاقت ذرعاً بأهل بيت النبوة وأوليائهم ، وشككت بقدرتهم وبما يروونه ، وشككت بحيادهم أيضاً. وتأثر علماء الدولة بذلك تأثراً كبيراً ، فإذا ثبت لديهم أن هذا الراوي أو ذاك يوالي أهل بيت النبوة أو بتقدمهم على غيرهم ، أو يقول برئاستهم للأمة ، أو بتقدمهم على الخلفاء الثلاثة الأُول اعتبروه كاذباً أو غير ثقة ، وبالتالي لم يأخاذوا بروايته ولما اكتشف بعض علماء الدولة أن الشافعي يوالي أهل بيت النبوة وصفه ابن معين بأنه ثقة !!!
    وعلى أي حال فقد انطلق أولياء أهل بيت النبوة يروون الأحاديث عن الرسول وعن الأئمة وفق القواعد والأصول الشكلية التي كان يروى فيها علماء دولة الخلافة. وكان الشيخ الكليني المتوفى سنة 329 ه‍ أول من ألف موسوعة بالحديث ، ثم تلاه الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381 ه‍ ، ثم الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 ه‍ ، ثم المجلسي « البحار » ثم الحر العاملي « الوسائل » وقد أحرقت موسوعة الشيخ الطوسي كما أحرق الكثير من كنوز أولياء أهل بيت النبوة ، ولكنهم صمدوا ونقلوا ما وصل إليهم من كنوز وعلوم أهل بيت النبوة التي غطت كل ما يحتاجه الناس في دنياهم وآخرتهم. [ راجع كتابنا الخطط السياسية ص 192 ـ 209 لتقف على تفاصيل ذلك ].


(103)
    الفصل الخامس :
الآن يمكننا أن نتبين
موقع المهدي في السنة النبوية
    بعد استعراضنا لتاريخ رواية وكتابة الأحاديث النبوية ، والظروف التي أحاطت بهذا التاريخ لدى دولة الخلافة وعلمائها من جهة ، ولدى أهل بيت النبوة وأولياهم من جهة أخري ، بعد وقوفنا على ما رواه الطرفان عن المهدي المنتظر وعلامات ظهوره ، عصر هذا الظهور ، يتبين لنا بوضوح ساطع أن المهدي المنتظر حقيقة من الحقائق الدينية الرئيسة التي أجمع المسلمون علي صحتها وتواترت أنباء هذه الحقيقة بينهم ، تواتراً لا يقل عن تواتر أركان الإسلام ، وأساسياته الضرورية ، وأن ما رواه الطرفان عن رسول الله في هذا الموضوع هو جزء لا يتجزأ من المعارف والمعلومات الدينية التي جاء بها الإسلام كدين ، وأن هذه المعارف والمعلومات جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام وتعاليمه.

    تخرجت الأمة الإسلامية من مدرستين لا ثالث لهما.
    المدرسة الأولى : وهي مدرسة دولة الخلافة التاريخية ومن والاها من علماء المسلمين رغبة أو رهبة وقد أجتمع أساتذة وخريجو هذه المدرسة على أن المهدي المنتظر حقيقة دينية ، بشّر بها الرسول وأنه سيظهر ذات يوم ، ورووا مئات الأحاديث عن رسول الله التي تحدثت عن المهدي ونسبه ، وعن حتمية ظهوره ،


(104)
وعن علامات الظهور ، وعن عصر ظهوره ، ووفق معايير هذه المدرسة وموازينها ، فقد أجمع أساتذتها وخريجوها بأن تلك الأحاديث صحيحة ، ومتواترة وأنها قد رواها جمع كبير من الصحابة الكرام والعلماء الذين يمتنع عقلاً اجتماعهم على الكذب ، وأن هذه الأخبار قد شاعت بين المسلمين وتناقلتها أجيالهم جيلاً عن جيل ، واطمأنت لها القلوب فتحولت إلى جزء لا يتجزأ من العقيدة الدينية والإسلامية.
    المدرسة الثانية ، وهي مدرسة أهل بيت النبوة : أساتذتها أئمة أهل البيت الإعلام الذين تتلمذوا على يد الرسول شخصياً ، وعاشوا وإياه تحت سقف واحد طوال حياته المباركة ، وأورثهم علمي النبوة والكتاب ، وعهد إليهم بوظيفة بيان ما أنزل الله من بعده كل في عصره ، وقد تخرج على أيديهم علماء أفذاذ نبغوا بعلمي النبوة والكتاب ، وقد أجمع أئمة أهل بيت النبوة وخريجو مدرستهم على أنهم قد سمعوا رسول الله يبشر بالمهدي المنتظر ، ويسميه باسمه محمد بن الحسن وأنه حفيد النبي ، وأنهم سمعوا رسول الله يصفه وصفاً دقيقاً ، ويؤكد على حتمية ظهوره ، مثلما سمعوه وهو يبين علامات هذا الظهور ، ويصف عهد المهدي وما فيه من عدل ورخاء وسيادة على العالم كله ، وظهور لدين الإسلام على كل الأديان ، وأن هذا المهدي هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة ، ومن لا يعتقد بذلك فليس من شيعة أهل البيت ولا من مواليهم الخلص. بمعنى أن هذا الاعتقاد جزء من حقيقة موالاة وتولى أهل بيت النبوة. ثم إنه ما من إمام من الأئمة الأخيار إلا وقد بشّر بالمهدي المنتظر ، وروى عن جده رسول الله أحاديث تتعلق بذات المهدي وصفاته ، وعلامات ظهور ومظاهر العدل ، والعزة ، والمرخاء في عصر الظهور ، ثم إن الأحاديث التي رواها العلماء الموالون لأهل بيت النبوة في صحاحهم وكتب حديثهم تتحدث بالتفصيل عن المهدي ، ويعتبرون ظهوره فرجاً وانتظار هذا الفرج قربي إلى الله وديناً.

    لقد رأيت قبل قليل إجماع المدرستين الإسلاميتين الوحيدتين في العالم


(105)
الإسلامي على حقيقة أن رسول الله بالفعل قد بشر بالمهدي المنتظر ، وأكد حتمية ظهوره ، بحيث أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر المهدي المنتظر فيه ، ولا خلاف بين اثنين من كون المهدي من أهل بيت النبوة.
    فهل يعقل بربك أن يجمع أهل النبوة وأولياؤهم ، وعلماء دولة الخلافة والخلفاء وأولياؤهم وهم على طرفي نقيض على أسطورة منسوبة للدين ، أو على الكذب على رسول الله ، أو التقول عليه !!
    يمكن لدولة الخلافة بجبر فريقاً من الأمة على هدم الكعبة نفسها وهي أقدس مقدسات المسلمين ، وتجبر الفريق الآخر على السكوت ، ويمكنها أن تنهتک أعظم حرمات الإسلام فتقتل ابن النبي ، وتقتل وتبيد ذرية النبي ، وتسبي بناته وباعصاب هادئة بايدي فريق من الأمة مع ضمان سكوت الفريق الآخر ، ويمكنها أن تستبيح مدينة النبي ، فتفض بكارات بناتها وتنهب أموالها ، وتقتل الأكثرية الساحقة من سكانها وتأخذ البيعة من الناس على أنهم خَوَلٌ وعبيد لخليفة يتصرف بهم تصرف المالك بملكه وأشيائة !! كما حدث ذلك في التاريخ فعلاً ، بمعنى أن دولة الخلافة قادرة على فعل كل ما تريده ، ولکنها لا تستطيع أن تجبر الأمة لتقتنع قناعة تامة ، وتختلق على رسول الله الأنبياء المتعلقة بالمهدي المنتظر ، ولنفترض بأنها استطاعت أن تقود رعاياها ، وتسخر مواردها في حملة اختلاق کبرى على رسول الله ، فهل يمكنها أن تجبر أئمة بيت النبوة على المشاركة بمثل هذه الحملة !! وهل يمكنها أن تجبر الأمة على اقتراف جريمتي الكذب والاختلاق على رسول الله !! وهم نماذج بشرية فذة تعتبر الموت سعادة والحياة مع الضالمين شقاء لا يطاق !!
    ثم ما هي مصلحة الخلفاء ، أو رعاياهم ، أو دولتهم ليجمعوا على حقيقة أن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة !! وهم الخلفاء الذين كانوا يؤمنون أن العبيد الموالي وأعداء الله ورسوله أولى بالخلافة من آل محمد ، فهل يعقل أن يعلوا يايديهم الدليل الذي سيدينهم !!
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس