حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 181 ـ 195
(181)
ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ 1 ص 113 ].
    2 ـ ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي » ... [ راجع الداني ص 94 ، وعقد الدرر ص 39 ب 3 ، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ 1 ص 114 ].
    3 ـ ومثله قوله صلي عليه وآله وسلّم : « المهدي يخرج في آخر الزمان » ... [ غيبة الطوسي ص 111 ، وإثبات الهداة ج‍ 3 ص 502 ، والبحار ج‍ 51 ص 73 ـ 74 ، ومنتخب الأثر ص 168 ، ومعجم الأحاديث ج‍ 1 ص 114 ـ 115 ].
    4 ـ ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ... يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت به في أول الزمان » ... راجع [ الطبراني في الكبير ج‍ 3 ص 52 ح 2675 ، وفي الأوسط على ما في مجمع الزوائد ، وصفة المهدي لابي نعيم علي ما في عقد الدرر ، وينابيع المودة ، وبيان الشافعي ص 478 ، ودخائر العقبى مختصراً ص 44 ، وعقد الدرر ص 151 ، ومجمع الزوائد ج‍ 9 ص 165 ، وينابيع المودة ص 223 ، والإزاء ص 136 ، وکفاية الأثر 62 ، وكشف الغمة ج‍ 3 ص 592 ].
    5 ـ مثله قوله عن المهدي : « يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة ». [ راجع مواليد الأمة ووفياتهم ص 201 ، والصراط المستقيم ج‍ 2 ص 260 ـ ، وإثبات الهذاة ج‍ 3 ص 615. ومعجم الأحاديث ج‍ 1 ص 211 ].
    6 ـ ومثله قوله عن المهدي : « يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد ». [ ابن حماد ص 98 ، ابن أبي شيبة ص 196 ح 19486 ، وأحمد بن حنبل ج‍ 3 ص 5 و 48 ـ 49 ـ 60 و 98 ، وصحيح مسلم ج‍ 4 ص 2234 وص 2235 ، وأبو يعلى ج‍ 2 ص 421 ، ابن حبان ج‍ 8 ص 240 ، والحاكم ج‍ 4 ص 454 ، والداني ص 98 ، والفردوس ج‍ 5 ص 510 ، ومجمع الزوائد ج‍ 7 ص 316 ، ومقدمة ابن خلدون ص 250 ، وراجع معجم أحاديث الأمام المهدي ج‍ 1 ص 231 ـ 236 تجد بقية المراجع ].
    والأحاديث النبوية التي سقناها كنماذج لحتمية ظهور الإمام المهدي تنم


(182)
وتوحي بما لا يخفى على الانسان العادي ، بأن الإمام المهدي سيظهر في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا ، وبعد ظهوره بزمن يطول قليلاً أو يقصر ستنتهي دورة الحياة الدنيا ، وتقوم الساعة حيث ستبدأ دورة الحياة الأخري.


(183)


(184)

(185)
    الفصل الأول :
اسم المهدي المنتظر واسم
أبيه وجده ورهطه وكنيته
عند أهل بيت النبوة ومن والاهم
    أجمع عمداء أهل النبوة ، أو شيوخ آل محمد ، أو الأئمة الأعلام الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب ، والذين اختارهم الله ، وأعدّهم وأهّلهم لقيادة الأمة ومرجعيتها طوال عصر ما بعد النبوة ، والذين سماهم رسول الله بأسمائهم قبل أن يولد تسعة منهم ، بأن المهدي المننتظر هو العميد أو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو :
    الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي الأعظم ، وحفيد بنته البتول الزهراء الهاشمي ، ويكني بأبي القاسم ، وقد نهى الأئمة الكرام عن ذكر اسمه ـ ربما خوفاً عليه ـ فعرف بمجموعة من الاصطلاحات منها الصاحب ، والقائم ، وصاحب الزمان ، وصاحب الدار والحضرة المقدسة ، والرجل ، والغريم. [ راجع في رحاب أئمة أهل بيت النبوة مجلد 2 ـ 3 ـ 5 ص 5 لمحسن الأمين ].
    وعندما يُجمع الأئمة الأعلام على أمر من الامور ويحدثون به فانهم لا يجمعون ولا يحدثون بناء على رأي أو اجتهاد منهم ، إنما يجمعون ويحدثون بناء


(186)
علي حديث رسول الله ، فقد جزم الأئمة الاعلام بأنهم قد سمعوا ووعوا وتيقنوا يقيناً بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أخبرهم بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن المكنى بأبي القاسم ، وهو خاتم الأئمة ، وتبعاً لاجماع أئمة أهل بيت النبوة الأعلام أجمعت شيعتهم التي والتهم ، وتتلمذت على أيديهم ، ونهلت علومهم. وتحقق عند الشيعة اليقين القاطع بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله وخاتم النبيين هو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو ابن النبي وحفيده ، والبقية الباقية من عترته أهل بيته الطاهرين وآله الأكرمين ، وصار هذا اليقين جزءاً أصيلا من العقيدة الدينية الإسلامية عندهم ، وسمة من أبرز سمات مذهبهم. وهكذا وصل أئمة أهل بيت النبوة الأعلام ، وهم ناصية آل محمد وتاج أهل بيته إلى القول الفصل واليقين المطلق بهذه الناحية ، وأوردوا شيعتهم ومواليهم المخلصين نفس المورد ، فتحقق اليقين الكامل عند أهل بيت النبوة وشيعتهم ، بأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة الاثنى عشر ، وهو محمد بن الحسن ... حتى ينتهي برسول الله أباً وجداً بعلي بن أبي طالب أباً وجداً ، وبالسيدة البتول الزهراء ابنة النبي أماً وجدة. وهكذا حسم بيت النبوة بما ورثوه من علمي النبوة والكتاب اسم المهدي المنتظر ، واسم أبيه وجده ورهطه وكنيته ونعموا هم ومواليهم بسلام اليقين ، وراحته.

    1 ـ لكي تقف على الحقائق المجردة
    أسست بطون قريش الخلافة التاريخية على أساس أن الهاشميين : « على الأخص عترة النبي وأهل بيته » قد أخذوا النبوة ولا ينبغي لهم ، ولا حق لهم بأخذ الملك أيضاً. بل يتوجب أن يكون الملك لبطون قريش تتداوله في ما بينها ، ولا حرج إن آلت الخلافة لأي مسلم يرى رأي هذه البطون ، ويخلص لقضيتها ولو كان من الموالي : « لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته واستخلفته » ، ثم إن قيادة بطون قريش لم تكن ترى لأهل بيت النبوة وللهاشميين فضلاً أو مكانة خاصة أو


(187)
تميزاً عن غيرهم ، وحتى تنجح بطون قريش بدعاويها استولت على السلطة ، أو الخلافة بالقوة والقهر وكثرة الأتباع ، وسلمت حكم الولايات والأعمال وقيادات الجيش والمناصب العليا في الدولة لأبناء البطون ، وشانئي أهل بيت النبوة والكارهين لولايتهم ، وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة بالأحاديث النبوية التي ذكرت فضائلهم وأكدت على حقهم الشرعي بقيادة الأمة ومكانتهم التأسيسية المميزة في الأمة ، فإن قيادة بطون قريش التي صارت دولة منعت منعاً باتاً كتابه ورواية أحاديث رسول الله ، ورفع مؤسسوها وخلفاؤها شعار : « حسبنا كتاب الله » ، بمعنى أن القرآن يُغني عن حديث النبي ، وعلّلت ذلك بقولها : أن أحاديث النبي تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين. وبقي منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية سارياً قرابة مائة عام ». ولما آلت الأمور إلى معاوية جنّد كافة طاقات دولة الخلافة وامكانياتها وقاد بنفسه حملة کبرى يمكن أن نسميها : « حملة الفضائل » كلف أركان دولته بأن يرووا كافة الفضائل التي ذكرها رسول الله عن الخلفاء الثلاثة الأُول ، وخاصة الثالث وكافة الفضائل الواردة بحق أي رجل من الصحابة لم يوال آل بيت النبوة ، ولم يفعل معاوية ذلك حباً بالخلفاء ، ولا بالصحابة ولكن إرغاماً لأنوف آل بيت النبوة وحتى تضيع فضائل أهل بيت النبوة ويميّع الاحكام الشرعية ، ويطمس أي دليل بيت النبوة بقيادة الأمة ، بدليل مرسومه الملكي الموجه لعماله والذي جاء بفقرة منه : فلا تدعو لأبي تراب « يقصد الإمام على » أو لأحد من أهل بيته « يقصد آل محمد وعترته أهل بيته » فضيلة يرويها أحد من المسلمين إلا وتأتوني بما يناقضها في الصحابة !! [ راجع شرح النهج ج‍ 3 ص 595 تحقيق حسن تميم نقلاً عن المدائني ]. ولم يكتف معاوية بذلك بل فرض على كل رعيته أن يسبوا علياً بن ابي طالب بالعشي والأبكار وأن يلعنوه ، ومن لا يفعل ذلك فقد حل دمه ، ولم يكتف ابن هند بذلك بل اعتبر أن موالاة أهل بيت النبوة ومحبتهم من جرائم الخيانة العظمى ، وعقوبتها القتل وهدم الدار ، وقطع العطاء عن الذرية والتجريد من الحقوق المدنية ، فلا تقبل شهادة من يحب علياً ، أو أحداً من أهل بيت النبوة ، ولما نفذت مراسيم معاوية بحذافيرها ، وتمخضت عن مئات الألوف من الفضائل المروية والمختلفة ، كما يقول ابن نفطويه ، ولما


(188)
استقرت سنّة اللعن والشتم وكراهية أهل بيت النبوة ومن والاهم حولت دولة معاوية والدولة الأموية عامة هذه السنن وتلك المرويات المختلفة إلى مناهج تربوية وتعليمية تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات ، وتناقلتها الأجيال كمسلمات ، وبقيت هذه المناهج سارية المفعول وسياسة عامة للدولة الأموية طوال ألف شهر ، ولما سقطت الدولة الأموية ، وأفل النجم الأموي الرهيب ، لم تسقط الثقافة الأموية ، ثقافة الرعب والإرهاب وقلب الحقائق ، بل أثمرت فقه الهوى الذي صار الأساس الواقعي للفقه الذي عرف بالإسلامي فيما بعد ، وبعد قرابة مائة عام اقتنع المسلمون بضرورة كتابه الأحاديث النبوية وروايتها لمحت الدولة العباسية وأحست بهذا الاقتناع ولم تر بأساً من عدم اعتراضه ، ولا حاجة لاستمرارية منع رواية وكتابة احاديث الرسول ، بل رأت فيه الفرصة لدعم الحكم العباسي ، فالعباس عم النبي وله فضائل ، والعباسيون من بني هاشم ، وللهاشميين مواقف في التاريخ. فتفتحت أبواب رواية وكتابة الأحاديث النبوية في هذا المناخ السائد والمناخ الوراثي المسيطر.

    بعد أن توقفنا بالفقرة السابقة وبعمق عند الأساس الذي قامت عليه دولة الخلافة ، وعلى الطريقة التي تكونت منها الثقافة التاريخية المعاوية تماماً لأهل بيت النبوة ، والمنكرة لأي حق من حقوقهم ، وعلى المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي ، والغاية من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية ، يمكنك أن تتفهم وتفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي واسم أبيه ورهطه. لما رفع الحظر وتفتحت الابواب والمنافذ على رواية وكتابة الأحاديث النبوية وفوجي ء علماء أهل السنة ورعايا دولة الخلافة التاريخية لحجم ونوعية وزخم الأحاديث والاخبار التي تحدثت عن المهدي المنتظر الذي بشر به النبي ، وهي من الكثرة ومن الصحة ومن التواتر ومن الشيوع بحيث لا يمكن تجاهلها ، وهي فوق هذا وذاك مناقضة لواق وثقافقة دولة الخلافة التاريخية ، فاحتارت الدولة العباسية المشرفة بطريقة غير مباشرة على الرواية والكتابة والحاكمة الفعلية للعلماء الذين يروونه ويكتبون هذه


(189)
الأحاديث والاخبار فيمكن الدولة العباسية ، كما كان ممكناً للدولة الأموية من قبل ، وكما كان ممكناً إلى خليفة أن يقتل أي عالم أو أي انسان لأي سبب يراه دون بيان الأسباب ، فحسبت الثقافة التاريخية المستقرة بالنفوس ليس أمام المسلم الا الالتزام بالطاعة ، أو مواجهة الموت ، وقد فهم علماء دولة الخلافة مضامين هذه الثقافة وقواعد اللعبة ، فلم يحرجوا الدولة ، ولم يحرجوا أنفسهم فقاموا بعملهم ضمن الإطار العام لهذه اللعبة الرهيبة.

    بحثنا هذه الناحية من قبل ، ولا بأس من بحثها بمنتهى الاختصار لغايات الربط المحكم للبحث
    1 ـ المهدي رجل مجهول الهوية والاسم ولا يعرف له نسب في العرب ، إنما هو مجرد شخص من الأمة ، هذه مضامين حديث من الأحاديث التي تدخلت الدولة العباسية بوضعها ، أو أحد الأحاديث التي رواها طاقم معاوية ، ووجدها العلماء مكتوية وجاهزة ، وما يدرينا أن العلماء لم يقووا على مواجهة العامة بحقيقة ؛ أن المهدي من ذرية النبي ومن آل على لأن العامة قد أُشربت الثقافة التاريخية وفقه الهوى ، فكان لا بد من اعداد العامة لتقبل حقيقة المهدي بالتمهيد بهذا العموم العجيب ، وقد ورد حديثان بهذا المضمون أشرنا اليهما بالبحوث السابقة.
    2 ـ يبدو أن الحديث الاول قد أثار ردة فعل وتساؤلات مثل : لماذا لا يكون المهدي من ذرية الخليفة الأول ، أو الثاني أو الثالث ، أو من ذرية معاوية أو الحكم بن العاص ، أو من ذرية العباسيين على الأقل ، لقد أحدث الحديث الأول بلبلة فرووا حديثاً ينفي أن يكون المهدي من أمة محمد كلها ، ويبين بأن المهدي هو المسيح ابن مريم ، وهذه أول مرة يُذكر فيها اسم المهدي « المسيح ابن مريم » وما يدرينا أيضاً ان هذا الحديث من الأحاديث التي روتها طواقم رواة معاوية بعد أن تيقنوا من أن المهدي من ذرية النبي وآل علي ، فأرادوا أن يصرفوا هذا الشرف


(190)
والتکليف الإلهي ، وأن يطعموه لعيسي ابن مريم کحل وسط ، وقد ثبت لعلماء أهل السنة أن هذا الحديث موضوع ومکذوب ، بالرغم من جودة صناعته ، و أن بعض الرواة لا وجود لهم بالواقع إنما هم من صنع الأوهام.
    3 ـ ثم خطر ببال بعض الأذکياء المرتزقة ، أو خططت أجهزة الدولة العباسية لتروي بواسطة أجهزتها وعناصرها المتخصصة أحاديث تفيد ، بأن المهدي من ذرية العباس بن عبد المطلب عم النبي ، ومثل هذه الروايات تجر معتماً للرواة وترضي الدولة ، وتوطد حکمها ويستعقلها العامة ، فالعباس عم النبي بالفعل ، والعباسيون هم الحکام ، ومن بيدهم العطاء و الجاه والنفوذ ، وشاعت هذه الأحاديث وروج لها جهاز الدولة ، وليس من المستبعد أنها قد أُدخلت بالمناهج التربوية والتعليمية المعتمدة في دولة بني العباس ، و نکاد أن نقطع بأن هذه النماذج الثلاثة من مخلفات روايات طواقم معاوية التي حرصت علي صرف کل خير وشرف عن أهل بيت النبوة وإعطائه لأي کان غيرهم ، ولما شرع العلماء برواية وتدوين الأحاديث النبوية ومنها أحاديث المهدي وأخباره وجدوا هذه الروايات مکتوبة وجاهزة ، وجزءاً من المناهج التربوية التي استقرت بنفوس الرعية طويلاً ، فنقلوها کما هي ، ومن يقوي علي الجهر بحرمان البيت العباسي الحاکم من هذا الشرف !! بل إن نقلها دليل موضوعية !! وحجة للعالم !! وإثبات وجود !!


(191)
    الفصل الثاني :
علماء أهل السنة يکتشفون أن المهدي المنتظر
من أهل البيت ومن ذرية النبي
وأن اسمه محمد !!!
    الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم ورثة علمي النبوة والکتاب ، وهم المرجعية والقيادة الشرعية للأمة ، وقد أهلهم الله ورسوله للإجابة علي أي سؤال جواباً يقينياً
    لکن الأکثرية الساحقة جداً من رعايا دولة الخلافة ، بما فيهم العلماء کانوا يجهلون ذلک جهلاً تاماً ، وتلک نتيجة طبيعية للثقافة التاريخية التي مکنتها دولة الخلافة في النفوس ، والتي أشرنا إليها بعمق و إيجاز قبل قليل ، ثم بدأ علماء دولة الخلافة يکتشفون المکانة الشرعية لأهل بيت النبوة و المؤهلات العلمية للأئمة الأعلام ، ولکن علماء أهل السنة لم يکونوا علي يقين من ذلک ، ثم إن هناک حالة القسر الاجتماعي والفجوة النفسية التي صنعتها ثقافة التاريخ ، والتي تحول دون التيقن من معلومات أهل بيت النبوة !!
    لذلک أوجد علماء دولة الخلافة لأنفسهم قواعد ووسائل معينة لرواية أحاديث الرسول ، وتمييز صحيحها من باطلها ، وقويها من ضعيفها ، وجدوا واجتهدوا بطلب أحاديث الرسول ، وممن رووا ؟ عن الثقاة ، « ومستوري الحال » ،


(192)
وعن المجاهيل وعن أولياء الجميع ، ولكنهم لم يرووا عن أي رجل متهم بموالاة أهل بيت النبوة ، أو التشيع لهم ، لأنهم رأوا في ذلك اخلال : « بالأمانة والموضوعية » ووفق قواعد هذه الموضوعية ، لا حرج على العلماء لو رووا أحاديث النبي عن معاوية ، أو عن الحكم بن العاص ، أو رجل من شيعتهم ومن مواليهم ، لكن الحرج كل الحرج والإخلال « بالموضوعية العليمة » يتأتي من الرواية عن أي شخص من موالي أهل بيت النبوة !! حتى ولو كان نقياً تقياً صادقاً قدّيساً ، لأن الثقة وو الامانة والتشيع لأهل بيت النبوة عندهم لا يجتمعان !!! لقد قال أحدهم عن الشافعي عندما سئل عنه ليس بثقة ، والسبب أن الشافعي كان يجهر بحب أهل بيت النبوة !! ولما قيل لذلك العالم أن زيداً من الناس ثقة وهو شيعي اندهش ذلك العالم وعبر عن حقيقة مشاعره بقولة : « شيعي وثقة » !!!!!.
    هذه هي طبيعة الموضوعية التي التزمتها غالبية العلماء من شيعة دولة الخلافة ، ومع هذا فقد توصلت إلى نتائج مذهلة حقاً !!!

    1 ـ لقد تبين لعلماء أهل السنة بعد رواياتهم المكثفة لأحاديث الرسول ، ووفق مناهجهم وقواعدهم الموضوعية أن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته. [ الحديث 44 و 55 و 57 و 59 و 62 و 69 و 70 و 84 و 88 و 95 و 96 من احاديث معجم الإمام المهدي ج‍ 1 ، وراجع عشرات المراجع المبينة إزاء كل منها وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها ].
    2 ـ وأبعد من ذلك فقد أكدّ علماء أهل السنة أن المهدي المنتظر من ولد فاطمة. [ راجع الحديث 74 و 81 من أحاديث الإمام المهدي ، وراجع المراجع المذكورة تحتها ، والحديث 77 والحديث 99 ]. وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها أيضاً ].
    3 ـ وأوضح من ذلك فقد توصل علماء أهل السنة على ان المهدي المنتظر من ولد الحسين بن علي بن ابي طالب. [ الحديث 75 و 76 والحديث رقم 100


(193)
جـ 1 من معجم الأحاديث ]. وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها أيضاً.
    4 ـ وروى علماء أهل السنة أحاديث عن النبي تضمنت بانه قد قال : « المهدي من ولدي » أي من أحفاده وذريته الطاهرة. [ راجع الحديث رقم 64 و 72 و 75 و 86 من أحاديث معجم أحاديث الإمام المهدي ، وراجع المراجع المدرجة تحت كل واحد منها ]. وقد صحت هذه الأحاديث عند علماء أهل السنة ، وتواترت.
    5 ـ وتبين لعلماء أهل السنة أيضاً بأن رسول الله قد قال : بأن اسم المهدي كاسم الرسول « محمد ». [ راجع الحديث 60 و 64 ، « اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي » و 75 من أحاديث الإمام المهدي ج‍ 1 ثم ذكروا هذه الأحاديث بصيغة اخرى فقالوا أن رسول الله قد قال : « بأن اسم المهدي يواطىء اسم النبي. [ راجع الحديث 68 و 90 و 97 و 98 و 99 ، وقدروا أن المواطأة تعني المشابهة أي ان اسم المهدي يشبة اسم النبي ] !!
    وقد صحت عندهم هذه الأحاديث وتواترت أيضاً ، واقتنع بصحتها العامة والخاصة فيهم.
    ومعنى ذلك فان شيعة الخلفاء أو أهل السنة قد تيقنوا بأن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته ، ومن صلب علي بن أبي طالب ، وبالتحديد من صلب الحسين ، ومن أحفاد فاطمة بنت النبي ، وأن اسمه كاسم الرسول « محمد » وهذا خط الدفاع الثاني وهم لم يتجاوزوه قيد أنملة ، فلا يمكنهم الاعتراف بأن المهدي هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة وخاتمهم ، لأنهم لو فعلوا ذلك لانهار البناء على ساكنيه ، ولسحبوا ضمناً بساط الشرعية والمشروعية من تحت أقدام الخلافة التاريخية كلها ، ولكانوا شركاء بالجرم !! ولكن ما توصل إليه علماء أهل السنة الأفذاذ في هذا المجال يعتبر انجازاً علمياً بكل الموازيين ، وتمرداً مذهلاً على ثقافة التاريخ والحواجز النفسية التي ترسخت في نفوس العامة والخاصة من شيعة الخلفاء وبعض علماء أهل السنة تجاهلوا تلك الثقافة التاريخية وأثرها وصرحوا علناً بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل


(194)
بيت النبوة وقد أشرنا إلى مؤلفاتهم في بحوثنا السابقة.

    أجمع أئمة أهل بيت النبوة الاعلام على ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد سمى الأئمة الشرعيين من بعده ، وحصرهم بأثني عشر خليفة أو اماماً ، وأن الرسول الأعظم قد اكد وبكل وسائل التأكيد ، بان علياً بن ابي طالب هو اول الخلفاء أو الأئمة الشرعيين ، وأن المهدي المنتظر محمد بن الحسن هو خاتم الخلفاء ، أو الأئمة الشرعيين المؤهلين الهياً للمرجعية وقيادة الأمة.
    وتبعاً لإجماع أئمة أهل بيت النبوة أجمعت شيعتهم التي تتلمذت على أيديهم ، ونهلت العلوم منهم مباشرة ، وصارت هذه المعلومات من الحقائق الدينية التي يرسلون صحتها ارسال المسلمات.
    وقد روى أهل السنة أحاديث عن رسول الله صحت وتواترت عندهم ، مفادها أن المهدي هو آخر الأئمة وخاتمهم مثل قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « بنا يختم الدين كما بنا فتح » ... [ ابن حماد ص 102 ، والطبراني في الاوسط ج‍ 1 ص 136 ـ 157 ، والبيهقي علي ما في عقد الدرر ، وعقد الدرر ص 25 ب 1 وص 142 ب 7 ، ومجمع الزوائد ج‍ 7 ص 216 ، ومقدمة ابن خلدون ص 253 ب 53 ، والحديث رقم 154 من المعجم ].
    ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً : « الأئمة من بعدي اثني عشر ، اولهم انت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها ». [ مناقب ابن شهر اشوب ج‍ 1 ص 298 ، وغاية المرام ص 710 ب 142 ح 18 ، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 492 ـ 493 ، منتخب الاثر ص 58 ، والحديث رقم 155 من المعجم ].
    ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً : « يا على اني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وكائن منكما .. عدتهم عدة أشهر السنة اخرهم يصلي عيسى ابن مريم خلفه ». [ النعماني ص 57 ب 4 ج‍ 1 ، ومنتخب الاثر ص 29 ، والبحار ج‍ 36 ص 272 ،


(195)
والحديث رقم 157 من المعجم ج‍ 1 ].
    ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم « يا على الأئمة الراشدون ... من ولدك اثني عشر ، وانت أولهم وآخرهم اسمه اسمي يخرج فيملأ الأرض عدلا وقسطاً ». [ الحديث رقم 156 ج‍ 1 من المعجم ، والنعماني ص 92 ب 4 ح 27 ، ومنتخب الاثر ص 60 ـ 61 ، والبحار ج‍ 6 ص 259 ].

    1 ـ أهل بيت النبوة ومن والاهم وتخرج من مدرستهم يؤكدون بأن الأئمة أو الخلفاء الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر ، وأن الله قد اختارهم وأعدهم وأهلهم للقيادة والمرجعية من بعد النبي ، وسماهم لرسوله وتسعة منهم لم يولدوا بعد ، وأن دور الرسول كان مقتصراً على إعلان ما أوحى اليه من ربه. وكان أول أولئك الأئمة علي بن أبي طالب ، وآخرهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر وأنه قد حيل بينهم وبين الممارسة الفعلية لحقهم الشرعي بخلافة النبي وقيادة الامة من بعده ، لأن الأمة قد اتبعت الغالب وخذلت الأئمة الشرعيين.
    2 ـ والخلفاء التاريخيون ومن والاهم وتخرج من مدارسهم يؤكدون جميعاً ، بان الرسول بالفعل قد أكد وبيّن ، بأن الخلفاء أو الامراء أو الأئمة أو النقباء من بعده اثني عشر ، وقد جزموا بصدور هذا عن رسول الله وصحت عندهم هذه الأحاديث وتواترت وأرسلوها إرسال المسلمات.
    ولكنهم جميعاً لا يعرفون اسماء هؤلاء الاثني عشر ، ويدعّون بأن الرسول لم يسمّ أي واحد منهم !! ولا يعرفون أول الاثني عشر ولا خاتمهم.

    إذا صدق الخلفاء وشيعتهم أهل بيت النبوة وما قالوه عن الاثني عشر اماماً فمعنى ذلك أن الخلفاء وشيعتهم قد أدانوا أنفسهم ، وأقروا اقراراً شرعياً ، بانهم قد غصبوا الأمر من أهله ، وأخرجوه من معدنه. وفي ذلك قلب كامل للواقع التاريخي كله وسحب لبساط الشرعية من تحت أقدام كافة الخلفاء التاريخيين ، ولا يتصور
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس