حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 196 ـ 210
(196)
عاقل أن يفعل الخلفاء وشيعتهم ذلك !!! وهل يعقل أن يكون الخلفاء التاريخيين الذين ملكوا الجاه والنفوذ وخزائن الأموال ومن والاهم على باطل ، وهم الأكثرية الساحقة جداً من الأمة وأن يكون أهل بيت النبوة وآل محمد والقلة المستضعفة التي والتهم على الحق !!!

    لقد تبين للخلفاء التاريخيين وشيعتهم ان عدد الذين تولوا الخلافة أو الإمارة من بعد النبي بالمئات ، فكيف يوفقون بين العدد 12 وبين المئات !! لقد انقسموا إلى طوائف ، وضعت قائمة بأسماء اثني عشر خليفة ، وزعمت كل طائفة أن الأسماء الواردة في قائمتها ربما كانت هي النبي عناها رسول الله !!! والمدهش أن كافة قوائمهم تضمنت اسم معاوية ، مع كل تاريخه ، ومع كل ما فعله وتضمنت اسم ابنه يزيد الذي هدم الكعبة ، وأباح مدينة رسول الله ، وهتك أعراضها ، وقتل ابن النبي وأباد ذريته ، وتضمنت القائمة اسم مروان بن الحکم الذي لعنه رسول الله !! وهم للآن لا يعرفون من هو خاتم الخلفاء الاثني عشر.

    أخرج أحاديثه البخاري ومسلم بالوصف و 52 من علماء الحديث عند أهل السنة أخرجوه بالاسم ولکنه عندهم ليس من الاثني عشر الذين عناهم رسول الله ، فإذا كان المهدي الذي يعترفون بأنه سيفتح مشارق الأرض ومغاربها ، ويُكوّن دولة عالمية ، وينشر الإسلام فلي الأرض ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ليس خليفة من الاثني عشر على الأقل ، فمن هو الخليفة إذاً ، ومن هو خاتم الخلفاء اذاً ، وهل بعد المهدي خلفاء أو خليفة يختمهم !! إنهم أمام خيارين ، فإما أن التضحية بالدين أو بالتاريخ ، وقد عزموا على أن يثبتوا شرعية الخلافة التاريخية وأفعالها وبكل وسائل الإثبات ولو بالقوة !! لأنهم قد أشربوا ثقافتها ، واختلط فقهها مع لحمهم ودمهم ، فهي حي بشعورهم ولاشعورهم !! إنها لحالة عجيبة حقاً ، فهم يتمسكون برواية رجل يقول أنه قد سمى صحابي يقول أنه قد سمع رسول الله يقول كذا وكذا.


(197)
    ويهملون رواية أهل بيت النبوة الذين عاشوا مع الرسول تحت سقف واحد طوال حياته المباركة ، ورافقوه في حله وترحاله ، وورثوا منه علمي النبوة والكتاب ، وأكد الرسول بأنهم والقرآن ثقلان ، وأن الهدي لا يدرك إلا بهما ، وأن الله قد فرض مودتهم على الجميع ، وشهد لهم باطهارة ، وجعل الصلاة عليهم جزءاً من الصلاة المفروضة على العباد ! إن هذا لأمر عجاب !! ما سمعنا بهذا ؛ والأنكى أنهم لا يقبلون رواية من يواليهم !!! في نفس الوقت الذي يقبلون فيه رواية أعداء الله ورسوله !!
    إنها مشكلة کبرى لا يحلها إلا المهدي المنتظر خاتم الخلفاء الأئمة الشرعيين.

    للمهدي المنتظر مكانة خاصة ، ومقام رفيع عند الله سبحانه وتعالى ، فهو أحد سادات أهل الجنة قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة ، وعلى ، وجعفر والحسن والحسين والمهدي ». [ راجع تاريخ البخاري على ما في فتن ابن كثير ، وفتن ابن كثير ج‍ 4 ص 44 عن ابن ماجه ، وراجع سنن ابن ماجه ج‍ 2 ص 1368 ب 4 ح 4087 ، والطبراني ، والحاكم ج‍ 3 ص 211 ، وتاريخ بغداد ج‍ 9 ص 434 ، وراجع الحديث رقم 110 ج‍ 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي تجد عشرات المراجع ].
    ويكفي المهدي شرفاً ، ومكانته علواً أن عيسى ابن مريم يصلي خلفه ، ويرضى به إماماً له ، وقد أكله الرسول الأعظم بأن الجنة : « تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله وأمرني بحبهم : علي بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم ». [ راجع الحديث رقم 113 ج‍ 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي ]. وقد بيّن الرسول بأن « المهدي طاووس أهل الجنة ». [ راجع الحديث رقم 114 ج‍ 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي ، وراجع المراجع المدونة تحته منها عقد الدرر ص 148 ، ومصابيح السنة للبغوي ، والحاوي للسيوطي ج‍ 2 ص 83 ، والفردوس ج‍ 4 ص 222 ، وينابيع المودة


(198)
ص 181 ب 56 [. ثم إن المهدي من خيرة الله سبحانه وتعالى. قال الرسول مرة : « إن الله أختار من کل شيء شيئاً ... وأختار من الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، وأختار مني و من علي الحسن والحسين ... تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم ينفون عنه ... » راجع الحديث 122 ج‍ 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي وراجع المراجع المذکورة تحته ].
    وهذا الحديث القدسي يبين مقام المهدي ومکانته عند الله وعند رسول الله ، وجسامة المهام المناطة به. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن السدرة إلي حجب النور ، ناداني ربي جل جلاله قائلاً : وبک وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي و إمائي ، وبالقائم منکم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتکبيري وتمجيدي ، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي ، وبه أجعل کلمة الذين کفروا بي السفلى ، وکلمتي العليا ، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي ، وبه أظهر الکنوز و الذخائر بمشيئتي ، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي ، وأمده بملائکتي لتؤيده علي إنفاذ أمري ، وإعلان ديني ، ذلک وليي حقاً ومهدي عبادي صدقاً ». [ راجع الحديث رقم 123 ج‍ 1 من المعجم والمراجع المذکورة تحته ].


(199)
    الفصل الثالث :
آيات ومعجزات خاصة
بالمهدي المنتظر
    المهام الکبرى ، والمهام العظمى المناطة بالإمام المهدي مهمة تنفيذها وتحقيقها تستدعي آيات ومعجزات من نوع مکثف وخاص. فالمهدي المنتظر مکلف بأن يقطف ثمرة جهد کافة الأنبياء والرسل والأوصياء ، وأن يحقق ما تطلعوا إلى وتحقيقه ، وذلک بأن يهدي سکان الکرة الأرضية من مختلف الأديان ألى دين الله الواحد وهو الإسلام ، ومکلف بأن يکوّن دولة عالمية تشمل کافة أقاليم الکرة الأرضية براً وبحراً وجواً ، ويحمل جنسيتها کافة أبناء الجنس البشري المتواجدين علي الکرة الأرضية في زمن المهدي ، ومکلف أيضاً بأن يجعل المنظومة الإلهية قانوناً نافذاً في کافة أرجاء دولته العالمية ، وأن ينشر العدل المطلق ، ويحقق الکفاية والرخاء التام لکافة أبناء الجنس البشري ، ليتعرف العالم على طبيعة الحکم الإلهي ، ونتائج هذا إن طبق ، وليحيا أبناء الجنس البشري العصر الذهبي في ظلال هذا الحکم قبل قيام القيامة بقليل. وتلک أهداف ومهام لم يکلف بها نبي ولا رسول ولا وحي قط قبل المهدي المنتظر ، کانت مهمة النبي والرسول والوحي علي الإطلاق : « أي نبي أو رسول أو وحي » مقتصرة على بذل العناية ، وإقامة الحجة ، ولا تنصب بکليتها علي تحقيق غاية ، فالنبي أو الرسول أي نبي أو رسول ،


(200)
مطلب بأن يبلّغ رسالات ربه ، وأن يبذل العناية الكافية بهداية قومه ، وأن يثبت بأنه حقيقة نبي الله ورسوله ، فإذا رفضت هذ الامة أو تلك مضامين الرسالة الإلهية ، فإن هذا الرسول أو ذاك غير مخوّل بجر الناس إلى الحق جراً ، وإلزامهم بالاعتراف بمضامين الرسالة الإلهية قسراً ، لأن الفئة العليلة المؤمنة التي آمنت به وصدقت بمضامين الرسالة الإلهية لا تقوى على مواجهة الأكثرية الساحقة الكافرة بتلك المضامين والمواجهة بهذ الحالة لون من ألون الانتحار ، لأن نتائج المواجهة محسومة سلفاً وفقاً لموضوعية وقواعد عملية « الابتلاء الإلهي » التي يجب أن تجري في مناخ حيادي ، حتى يخضع العمل للثواب أو العقاب !! وأمام عدم قدرة الفئة المؤمنة على المواجهة ، ولانه لا بد من عقاب الذين كذبوا رسولهم ، وكفروا بمضامين رسالته ، فقد ختمت أكثر الرسالة الإلهية بالعذاب النكر الذي صبَّه الله تعالى على الاكثرية الفاسدة التي آمنت بباطل أئمة الضلالة ، وكفرت بالحق الذي جاءت به الرسالات الإلهية ، فتصبح رسالة كل نبي سطر في تاريخ الهداية الإلهية ، ومشعل يتالق نوره وسط عالم ملأه المجرمون بالظلمات.

    إذا كان النبي ، أي مكلف الهياً ببذل عناية بقوم وعلى رقعة محدودة من الأرض ، فأن الإمام المهدي مكلف الهياً بتحقيق غابة على مستوى الكرة الأرضية وعلى مستوى العالم كله ، وتحقيق غايات الإمام المهدي كاملة ، وتنفيذ المهام المنوطة به من المحتومات الإلهية التي لا مفر من تحقيقها ، لأن الله تعالى قد حتم ذلك ، وكلف الإمام المنتظر بتحقق كافة الغايات الإلهية التي حددها تعالى بنفسه ، وأن ينفذ كافة المهام الإلهية التي وضعها الله تعالى بنفسه ، ووعد الإمام المهدي بالدعم المطلق ، والتأييد المطلق اللازمين لتحقيق الغايات الکبرى والأهداف العظمى ، فلا بد أن يدخل سكان الكرة الأرضية في زمن المهدي بالإسلام ، ولا بد من أن يكوّن المهدي دولته العالمية الشاملة لكل بقاع الأرض ، ولا بد أيضاً من أن تكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ على كل سكان الأرض ، ولا بد من نشر العدالة المطلقة ، وتحقيق الاكتفاء التام والرخاء المطلق لكل بني البشر ،


(201)
هذه أوامر الله ، وتلك مشيئته التي لا راد لها ، وهي حتميات لا بد من وقوعها بالكم والكيف الذي أرادة الله.

    الأهداف والمهام الکبرى المناطة بالإمام المهدي المنتظر تحقيقها على مستوى الكرة الأرضية ، وعلى مستوى بني البشر جميعاً تحتاج إلى آيات ومعجزات كافية ، وناطقة بالحق ، فاذا كان النبي موسى المكلف بإنقاذ بني اسرائيل من قبضة الفرعون ، وهداية الاقليم المصري يحتاج إلى تسع آيات بينات ، ومع أنه قد أظهر هذه الآيات التسع الا أن مصر لم يهتدوا ، وأثمرت هذه الآيات عن انقاذ بني اسرائيل فقط وهدايتهم إلى حين ، ومع أن الآيات والمعجزات الربانية قد تتابعت وأظهرها موسى جميعاً إلا أن بني اسرائيل قد انحرفوا انحرافاً كبيراً ، وعبدوا العجل عندما غاب عنهم موسى أياماً معدودات ، وحال الأنبياء جميعاً لم تختلف كثيراً عن حال موسى ، ومعاناتهم لم تقل عن معاناته ، إذا کان هذا الکم والکيف من المعجزات قد أظهرهما الله تعالى و أيد بهما موسى لغايات انقاذ بني إسرائيل من قبضة فرعون وهدايتهم ، وهم مجرد عشيرة ، فما هو حجم الآيات والمعجزات التي تلزم لتحقيق المحتويات المكلف الإمام المهدي بتحقيقها وهي على مستوى الكرة الأرضية ومستوى الجنس البشري !!! من المؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود الإمام المهدي بالآيات والمعجزات اللازمة والكافية لتحقيق الغايات ، وانجاز المهمات التي كلفه الله تعالى بتحقيقها وانجازها.

    قال الإمام جعفر الصادق : « ما من معجزة من معجزات الانبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا ، لاتمام الحجة على الاعداء ». [ راجع الحديث رقم 931 من معجم احاديث الإمام المهدي ج‍ 3 ص 380 ، واثبات الرجعة للفضل بن شاذان واثبات الهداة ج‍ 3 ص 700 ، ومنتخب الاثر ص 312


(202)
ح 3 ]. والإمام جعفر الصادق لا يحدث مثل هذا الحديث برأيه أو تحليله أو استناجاته ، انما يحدثه رواية عن أبيه ، وعن جده عن رسول الله ، وهذا ثابت عن الأئمة الكرام بأنهم إذا حدثوا فانما يحدثون عن رسول الله ، فضلاً عن ذلك ، فان هذا الجزم من رجل وامام معروف بالصادق لا يتسع به الرأي ولا الاجتهاد ، وعلى أي حال ، فان أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود المهدي بالآيات والمعجزات الكافية لتحقيق الغايات الکبرى ، وتنفيذ المهام العظمى التي أناط الله تعالى بالمهدي تحقيقها وتنفيذها وان هذه الأحاديث صحيحة ومتواترة عندهم ، وهم يجزمون بأنها قد صدرت من رسول الله بالفعل ، وتبعاً لإجماع أئمة أهل بيت النبوة وجزمهم ويقينهم أجمعت وتيقنت بأن رسول الله قد أكد بالفعل ، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر على يد المهدي المنتظر الآيات والمعجزات الكافية ، لتحقيق الغايات الکبرى التي كلفه الله تعالى بتحقيقها. وهذا الاجماع والجزم واليقين من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان من شيعة أهل بيت النبوة المخلصين.
    1 ـ فمع المهدي راية النبي الغالبة الحديث رقم 771 ، ومعه سلاح النبي الحديث رقم 772 ، ومعه مواريث النبي الحديث رقم 773 ، ومعه عصا موسى وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها ، وانها لتنطق إذا استنطقت ، اعدت للمهدي ليصنع ، كما كان موسى يصنع بها ، وانها لتروع وتلقف ، ومعه حجر موسى لا ينزل المهدي منزلا الا انبعثت عين منه ، فمن كان جائعا شبع ومن كان ظماناً روي. [ راجع الحديث 775 و 777 ].
    2 ـ ينادي مناد من السماء ألا إن الحق في آل محمد الحديث 813 ، وينادي المنادي : « ان المهدي من آل محمد ، فلان بن فلان باسمه واسم ابيه الحديث 815 ، ويسمع هذا النداء أهل المشرق والمغرب ، حتى تسمعه الفتاة في خدرها الحديث 817.
    3 ـ ويخرج المهدي المصحف الذي كتبه علي كما انزله الله بخط يده ، ويإملاء رسول لله ، ويخرج الجامعة التي فيها بيان حكم کل شيء حتى أرش


(203)
الخدش. [ راجع الحديث رقم 1115 ].
    4 ـ وروي أن الملائكة الذين نصروا محمد يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدوا حتى ينصروا المهدي ، الحديث 824.

    1 ـ « يخرج الإمام المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ». [ راجع الحديث رقم 118 ج‍ 1 من المعجم. راجع بيان الشافعي ح 511 ب 15 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 298 ، وقال : روته الحفاظ كأبي نعيم ، والطبراني ، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج‍ 2 ص 61 ، وتاريخ الخميس ج‍ 2 ص 288 عن أبي نعيم ].
    2 ـ ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يخرج المهدي وعلى راسه مَلَك ينادي ان هذا هو المهدي فاتبعوه. [ رواه الطبراني ، وأبو نعيم ، وبيان الشافعي ص 512 ب 16 ، راجع الحديث رقم 119 ج‍ 1 ].
    3 ـ يظهر في آخر الزمان على راسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادي منادٍ بصوت فصيح هذا هو المهدي ، الحديث 120.
    4 ـ « مع المهدي راية رسول الله المغلبة » ... [ الحديث رقم 133 ج‍ 1 وابن حماد ص 98 ، وملاحم ابن طاووس ص 68 ب 140 ، وعرف السيوطي الحاوي ج‍ 2 ص 75 ].
    5 ـ في راية المهدي مكتوب البيعة لله. [ راجع الحديث رقم 134 ج‍ 1 ].
    6 ـ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « فلو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام ». [ رواة الترمذي على ما في تحفة الاشراف ج‍ 9 ص 428 ، والديلمي على ما في كنز العمال ج‍ 14 ص ص 269 ح 38684 ، والفردوس ج‍ 3 ص 372 ، وتذكرة القرطبي ص 700 ، راجع الحديث رقم 84 ج‍ 1 من أحاديث المهدي ].


(204)
    وقد صحت هذه الأحاديث وأمثالها عن أهل السنة وتواترت ، وجزموا بانها قد صدرت بالفعل من رسول الله.

    الله سبحانه وتعالى هو الذي وصف الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة بالمهدي ، وبناء على هذا الوصف الإلهي بشر رسول الله بهذا الرجل ووصفه بالمهدي أيضاً وبناء علي هذين الوصفين اعتقد المسلمون قاطبة بهذا الوصف فأطلقوة على الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة ، أو على ذلك الخليفة الذي سيملك مشارق الأرض ومغاربها ، ويكوّن دولة عالمية ، وينشر العدل والرخاء والاسلام في الكرة الأرضية. أما لماذا وصف بالمهدي ؟ فقد وردت عدة أخبار عن رسول الله وأهل بيته تجيب على هذا السؤال منها :
    1 ـ فعن الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب انه قال : « انما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ، ويخرج التوراة من مغارة في أنطاكية ويعطي حكم سليمان » [ راجع الحديث رقم 748 ج‍ 3 من المعجم ].
    2 ـ وروى حديث عن رسول الله أنه قد قال لعلي : « يا علي لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي به العرب ، كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة ، ثم قال : ومكتوب على راحته بايعوه فإن البيعة لله عز وجل. [ الحديث رقم 92 ج‍ 1 من المعجم ].
    وما يعنينا هنا أن الرسول قد قال : يقال له المهدي ، يهدي إلى امر الله ويهتدي به العرب.
    3 ـ وروى عن الإمام جعفر الصادق أنه سئل : « المهدي والقائم واحد » ؟ فقال نعم. فقال السائل : لأي شيء سمي المهدي ؟ قال الإمام : لأنه يهدي الى كل امر خفي ، الحديث رقم : 1121.
    4 ـ وروى عنه أيضاً أنه قد قال : « إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى


(205)
الاسلام جديداً ، وهداهم إلى أمر قد دُثر فضلَّ عنه الجمهور ، وانما سمي القائم مهدياً ، لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه » ... [ راجع الحديث رقم : 1122 والمراجع المذكورة تحته ].
    وعندما يظهر المهدي سيكون الإسلام أثراً بعد عين ، سيكون العالم كله في ضلالة عمياء ، يتخبط ولا يعرف طريق الهدى ، إنه فريسة الظن والتخمين حائر بأمره ، عندئذ يظهر الإمام المهدي فيهدي العالم إلى الصراط المستقيم ويدله عليها ، ويضع تحت تصرف العالم الحوافز التي تحفزه لسلوك هذا الطريق ، ومع التأكيد الإلهي ، والتوفيق ينجح المهدي المنتظر بإنفاذ العالم وهدايته إلى طريق الخير ، وينجح بتوحيد أبناء الجنس البشري ويهتدي إلى الطرق التي تشبع كافة حاجاتهم وتجعلهم يعيشون كفاية ورخاء. كل هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة تكمن خلف وصف الإمام الثاني عشر بالمهدي.


(206)
    الفصل الرابع :
غيبة الإمام المهدي المنتظر
    أجمع شيوخ آل محمد ، أو الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة ، أو العمداء الذين اعترف العالم كله بعمادتهم لأهل بيت النبوة على ان المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله هو الشيخ أو العميد أو الإمام الثاني عشر من عمداء أهل بيت النبوة ، وهو بالتحديد محمد بن الحسن ، وقبل أن يولد هذا الإمام انتشرت شائعة في أوساط الدولة العباسية ، وبين رعاياها مفاها أن مولوداً من ذرية محمد رسول الله سيولد ، وأنه سيكون المهدي المنتظر ، وأنه سيستولي على كل أقاليم الأرض : « بما فيه إقليم الدولة العباسية » وسيخضع الخاصة والعامة لحكمه بما فيهم ذرية العباس ، وخلفاء الدولة العباسية ، فأوجست الدولة العباسية في نفسها خيفة ، وحملت هذه الإشاعة على محمل الجد ، وكلفت أجهزتها السرية بمراقبة مواليد أهل بيت النبوة ، وعلى الاخص مواليد عميدهم آنذاك الحسن بن علي الهادي المعروف بالعسكري ، کان إمام العصر آنذاک أو العميد الحسن بن علي العسکري علي علم بالشائعة ، وكان يعلم علم اليقين أن ابنه محمد بن الحسن الذي سيولد هو بعينه الإمام الثاني عشر ، وهو بعينه الإمام المهدي المنتظر ، وكان الإمام العسكري يعلم بخيفة الدولة العباسية وبحركة أجهزتها السرية ، وقد حمل هذه الخيفة وحركة الأجهزة السرية العباسية على محمل الجد ، فأخفي ولادة ولده إخفاء تاماً الا على الصفوة من أوليائه ، فلم يكن أحد يعلم أن للإمام الحسن العسكري ولد ، وأن هذا الولد هو وارثه وهو العميد من بعده ، ويوم وفاة الإمام


(207)
الحسن العسكري فوجىء أركان الدولة العباسية الذين حضروا مراسم دفن الإمام بغلام لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يقول لعمه الذي تأهب ليصلي بالناس على الإمام صلاة الجنازة ، تأخر يا عم أنا أولى بالصلاة على أبي !! كان الغلام والمهدي المنتظر ، وهو العميد الثاني عشر ، فأُخذ العم من هول المفاجاة وتأخر ، وتقدم الإمام الغلام ليصلي بالناس على أبيه صلاة الجنازة وعلمت الدولة العباسية أن هذا الغلام هو العميد والإمام من بعد أبيه ، وتساءلت متى ولد !! وقدرت أنه ربما كان المهدي المنتطر فهو من ذرية النبي ، وسليل الأئمة العمداء ، وبدأت تستفيق من هول الصدمة ، وتتعجب كيف أنها لم تعرف بولادته !! وأخذت أجهزتها السرية تخطط لمراقبة الإمام والقضاء عليه ، لأنها أيقنت أنه المهدي المنتظر الذي عنته الأحاديث النبوية ، وأنه سر الإشاعة التي انتشرت بين الناس !!! بعدما عرف أركان الدولة العباسية والخاصة والعامة من رعاياها أن للامام الحسن العسكري ولد ، وأن اسمه محمد وأنه الإمام والعميد من بعد أبيه ، وأنه قد أمّ الجميع بصلاة الجنازة على أبيه ، وبعد أن ربط الناس إشاعة المهدي الموعود المنتظر بهذا الغلام ، وبعد أن صممت أجهزة الدولة العباسية على وضع الخطط والقضاء على هذا الإمام الغلام اختفى بالكامل ، وعجزت الدولة العباسية بكل قوتها عن تحديد مكان وجوده ، أو اثبات وفاته !! كأن الغلام الإمام قد تبخّر من الأرض !! وزاد من حيرة الدولة العباسية وأجهزتها السرية ، أنها قد تيقنت بأن الإمام الغلام كان يمارس مهام الإمامة على أوليائه ، فتجبى له الأموال ، ويوزعها على مستحقيها وينفقها على مصارفها الشرعية ، وأنه كان يصدر الأوامر والتوجيهات لأتباعه بواسطة سفراء ، عجزت الدولة العباسية عن معرفتهم أو معرفة أمكنة إقامتهم !! لقد كان الإمام الغلام وسفراؤه شغلها الشاغل ، ولكنها لم تصل إلى نتيجة.
    فيئست من العثور على الإمام الغلام ، ويئست من العثور على سفرائه ومن معرفة وسائل اتصالهم بالإمام ، وانتشرت الشائعات واستقر في أذهان العامة والخاصة من رعايا الدولة العباسية أن الإمام الغلام هو المهدي المنتظر بالفعل ، وقد روا أنه هو وحده الذي سيخلصهم دون أن يضطروا لتقديم أي تضحية !! بل سيأتيهم الخلاص والإنقاذ تماماً كما تعود المطر أن يأتيهم !!


(208)
    ومن ذلك التاريخ لم تره رعايا دولة الخلافة ، وإذا رأته فانها لا تعرفه ، لقد احتارت تلك الرعايا أين ذهب الغلام الإمام ، وكيف اختفى ، ولم يجزم أحد بموته ، بل ولم يدع أحد موته !! وهل يعقل أن يموت شيخ أو عميد أو إمام آل محمد ولا يعرف المسلمون بموته !! كان كل إمام من أئمة أهل البيت أو شيوخهم أو عمدائهم بمثابة البدر المتألق في السماء يعرفه المسلمون قاطبة على الرغم من محاولات الخليفة وأركان دولته للتعتيم عليه ، والحط من قدره ، والتقليل من مكانته ، فكانت رعايا دولة الخلافة تعرف طوال التاريخ ، بأن هذا الإمام أو ذاک هو ابن رسول الله ، وما من عميد أو شيخ أو إمام من عمداء أو شيوخ أو أئمة أهل بيت النبوة قد مات إلا وعرف كل المسلمين بموته ، وبكى عليه الصادقون أو تباكي عليه الخلفاء وأعوانهم !! فهل يعقل أن يموت محمد بن الحسن « المهدي المنتظر » وهو إمام وابن إمام ، وهو شيخ آل محمد وعميدهم ولا يعرف الناس عن موته !!! وحتى دولة الخلافة التي كانت تحصي على الناس أنفاسهم لا تدعي بأن هذا الإمام قد مات ، لانها لا تملك دليلاً وليس بإمكانها تلفيق دليل من عندها !!
    كل هذا يعني بان الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة هو هو محمد بن الحسن « المهدي المنتظر » ما زال حياً يرزق ، ولكنه غائب أو مغيب الهياً عن أعين الناس ، وهو يعرفهم ، ويراهم ، وقد يرونه ويعرفونه ، ولكنهم يجهلون أنه الإمام المهدي المنتظر أو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة.

    روي المسلمون أحاديث عن رسول الله تبين بأن رسول الله قد قال بأن المهدي المنتظر ، ستكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأنام. [ راجع الحديث رقم 159 والحديث رقم 160 ، 161 ]. وقد بيّن الرسول أن غيبة المهدي ضرورية لأنه يخاف القتل 167 ، بل وشجع الرسول أولياءه على موالاة الإمام المهدي وهو


(209)
غائب ، الحديث 165 ، والأهم أن الرسول قد أقسم بربه بأن المهدي سيغيب ، لأن هذه الغيبة ضرورية لتمحيص الذين آمنوا ومحق الكافرين وفق قواعد العدالة والابتلاء الإلهي ، الحديث 167 ، وقد صحت هذه الأحاديث عن رواتها ، وتواترت ، جوانباً من نظرية المهدي المنتظر التي كشف رسول الله عن وجودها على الاسلام. [ راجع الأحاديث ذوات الارقام 159 ـ 161 ـ و 164 و 165 و 167و 168 من المجلد الاول من معجم أحاديث الإمام المهدي ، وراجع عشرات المراجع المذكورة تحتها ].

    لا يوجد عاقل واحد في الدنيا ينكر بأن آل محمد ، أو عترته أهل بيته كانت طوال التاريخ فئة من المسلمين متميزة عن غيرها من الفئات ، وفي كل زمان من الأزمنة التي تلت موت النبي ، وانتهت بموت الحسن العسكري الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت كان قد وجد على رأس هذه الفئة : « أعني آل محمد وأهل بيته » رجل هو بمثابة العميد أو الشيخ لآل محمد ، وهو بمثابة الإمام الشرعي المؤهل الهياً لقيادة الأمة لو سلمت اليه ، وکان العالم كله يعرف هذا الإمام ، ويعترف به ، ويقر أنه بالفعل شيخ آل محمد ، وأنه أقرب الأحياء من أبناء عصره للنبي. وكان العالم كله يعرف بأن عمداء آل محمد أو أئمتهم علماء على الأقل ، وأنهم قد ورثوا علوم جدهم رسول الله ، أو أنهم على الأقل من علماء المسلمين !!
    تلك حقائق لا يماري فيها إلا تافه أو ناصبي لقد أجمع الأئمة أو العمداء الأحد عشر الذين تولوا رئاسة آل محمد بأنهم قد سمعوا رسول الله يؤكد بأن المهدي المنتظر ستكون له غيبة ، ثم يقبل كالشهاب الثابت على حد تعبير رسول الله ، [ الحديث رقم 159 من المعجم ]. وقد جزموا بأن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل وهم يشهدون على ذلك. فقد أكد الإمام علي أنه سمع الرسول ، وأكد الإمام الحسن ذلك ، وأكده الإمام الحسين ، مثلما أكد زين العابدين ، والباقر ، والصادق والكاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادي


(210)
والعسكري ، وهم مشيخة آل محمد طوال فترة ثلاثة قرون من الزمن ! وقد وضَّح شيوخ آل محمد الصورة فبينوا أن الإمام المهدي ستكون له غيبتان ، الغيبة الأولى يختفي فيها عن أعين السلطة وأوليائها ، وعن عامة أوليائه ، ويدير أمر أوليائه من خلال سفراء انتقاهم أبوه ، وأقر هو هذا الانتقاء ، أما الغيبة الثانية فيختفي فيها المهدي تماماً ولا يعرف مكان وجوده أحد لا من السلطة ، ولا من أوليائه.

    قال الإمام على : « أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان ، وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا به ، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة ، [ الحديث رقم 614 ] ، ويقال عنه مات أو هلك ، بل في أي واد سلك ، [ الحديث 615 ] ، ومثله قوله : والتاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق ، وعندما سئل : هل هو كائن ؟ أقسم الإمام على بأنه سيكون ، وأنه ستكون للمهدي غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه الا المخلصون. [ وراجع الحديث 618 و 691 ] ، قال الإمام زين العابدين : تخفي ولادته عن الناس ، وأن لصاحب هذا الأمر غيبتان ، [ الحديث 759و 760 ] ، وقال الإمام الباقر : لقائم أهل محمد غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى. [ راجع الحديث 895 و 904 و 906 و 907 و 908 و 913 من معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ 3 ].

    كشفت بعض الأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة عن بعض الغايات من الغيبة ، مثل الخوف من القتل ، وتمحيص المؤمن ، ومحق الكافر وفقاً لقواعد الابتلاء الإلهي ، [ الحديث 164 و 167 ]. هذا على صعيد الأحاديث النبوية ، أما على صعيد أحاديث الأئمة فنفهم منها : « ليخرج المهدي وليس لاحد بعنقه بيعة » ، [ الحديث 700 و 759 ] ، ومثله قول الإمام جعفر عندما سئل عن الغيبة فقال : « لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ، وقال لسائله أيضاً : وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله ، لأن وجه الحكمة من ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره ». [ راجع الأحاديث أرقام 906 ـ 913 والمراجع المدونة تحت كل منها ].
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس