حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 211 ـ 225
(211)
    قال الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حول هذا الموضوع : « يا محمد بن محمد إن في القائم من آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم شبهاً من خمسة من الرسل : « يونس بن متى ، ويوسف بن يعقوب ، وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فأمّا شبهه من يونس بن متى ، فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن ».
    2 ـ وأما شبهه من يوسف بن يعقوب ، فالغيبة عن خاصته وعامته واختفاؤه من أخوته واشكال أمره على أبيه مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.
    3 ـ وأما شبهه من موسى عليه السّلام فدوام خوفه ، وطول غيبته ، وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده ، مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وايَّده على عدوه.
    4 ـ وأما شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد ، وقالت طائفة مات ، وقالت طائفة قتل وصلب.
    5 ـ وأما شبهه من جده المصطفى فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله الجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب وانه لا ترد له راية ... » [ راجع الحديث رقم 770 مجلد 3 من أحاديث الإمام المهدي ، راجع المراجع المذكورة تحته ].
    والمعنى أن الإمام المهدي ليس أول من يغيب ، وأنه ليس في الغيبة عجب.

    روي الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة ، والعلماء الأكابر من شيعتهم أحاديث نبوية تتضمن بعض الصفات الجسدية للإمام المهدي المنتظر.
    وجاء في بعضها أن المهدي هو : « الطريد الفريد الوحيد ... » [ الحديث رقم 595 ] وفي آخر : « أنه فتى من قريش آدم ضرب من الرجال » ... [ الحديث


(212)
602 ] ، وفي ثالث : « إنه رجل أجلى الجبين ، أقنى الأنف ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، أبلج الثنايا ، يفخذه اليمنى شامة » ... [ الحديث 594 ] ، في حديث رابع ، وُصف المهدي : « بأنه رجل أبيض اللون ، مشرب بالحمرة ، مبدح البطن ، عريض الفخذين ، عظيم مشاس المنكبين ، بظهره شامتان شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي ، .. وأن الله قد أعطاء قوة أربعين رجلاً .. [ الحديث رقم 593 ] ، وجاء في [ الحديث رقم 592 ] أن المهدي يشبه رسول الله في الخلق والخلق ... وأنه سيظهر شاباً دون الأربعين. [ راجع الحديث رقم 691 ، وجاء في الحديث رقم 900 ] ، أن المهدي سيرجع شاباً ، ووصف المهدي في حديث بأنه : « الطريد الفريد الوحيد ... » [ الحديث رقم 595 ] ، وجاء أيضاً أن المهدي إذا خرج کان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قوياً في بدنه ، حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة في الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها. [ راجع الحديث 1211 ، وجاء في الحديث رقم 1147 ] ... أن القائم من ولدي يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة ، ثم يغيب غيبة في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة.
    كذلك فقد روى العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء : « أهل السنة » طائفة من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن بعض أوصاف المهدي ، وقد صحت هذه الأحاديث عندهم ، وتواترت وشاعت بين المسلمين مثل قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف » وقد روى هذا الحديث الترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي وغيرهم من علماء الحديث الأفذاذ ». [ راجع الحيث رقم 71 ج‍ 1 من المعجم عشرات المراجع المذكورة تحته ].
    ومثل قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « المهدي من ولدي ، وجهه كالقمر الدري ، اللون لون عربي ، والجسم جسم اسرائيلي .. [ راجع الحديث رقم 72 وعشرات المراجع المذكورة تحته ]. وروى علماء أهل السنة قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « المهدي منا أهل البيت ، أشم الأنف أقنى ، أجلى » ... [ راجع الحديث رقم 88 ، والمراجع المذكورة تحته ] : ورووا قوله أيضاً « يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنة رجل من بني إسرائيل ». [ راجع الحديث رقم 91 ج‍ 1 والمراجع المذكورة تحته ].وقوله :


(213)
    « المهدي رجل أزج أبلج أعين ... يستوي على منبر دمشق وهو ابن ثماني عشر سنة ». [ راجع الحديث رقم 92 ]. وقوله : « المهدي شاب من أهل البيت » ، [ الحديث رقم 94 ] ، وقوله : « ليبعثن الله تعالى من عترتي رجلاً أفرق الثنايا ، أجلى الجبهة ... » [ الحديث رقم 149 ].
    هذه الأكثرية الساحقة من الأحاديث النبوية التي رواها أهل بيت النبوة وشيعتهم ، وصحت عندهم وتواترت ، تليها الأحاديث النبوية التي رواها علماء شيعة الخلفاء ـ أهل السنة ـ وصحت عندهم وتواترت ، وشاعت مضامين هذه الأحاديث بين المسلمين قاطبة ، فاعتقدوا بها لانهم قد جزموا أن هذه الأوصاف قد صدرت بالفعل عن رسول الله ، إذا لا مجال للاجتهاد بمثل هذه الأمور ، وقد غطت هذه الأحاديث الثغرة المتعلقة بالأوصاف الجسدية من نظرية المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله.


(214)
    الفصل الخامس :
دولة أهل بيت النبوة
ومدة حكم الإمام المهدي المنتظر
    أئمة أهل بيت النبوة الأعلام على يقين تام من ربهم ونبيهم ، بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله وأعلنهم رسوله ، هو خاتم الأئمة الشرعيين فلا إمام من بعده لأن الأئمة اثني عشر فقط.
    وهم على يقين من ربهم ونبيهم بحتمية ظهور المهدي المنتظر ، وحتمية انتصاره ، وحتمية نجاحه بتكوين دولة أهل بيت النبوة العالمية التي ستحكم العالم كله ، ويتجنس بجنسيتها كافة أبناء الجنس البشري المتواجدين فوق الكرة الأرضية في عصرها الذهبي ، وأن هذه الدولة ستكون آخر الدول ، حيث سيحكم الإمام بعده إلى أحد عشر مهدياً بالتتابع ، وكلهم من شيعة أهل البيت المخلصين السائرين على خط أهل البيت القويم ، وهم يدعون الناس خلال فترة حكمهم إلى موالاة أهل بيت النبوة و معرفة حقهم. [ راجع الحديث رقم 1149 ج‍ 4 من المعجم والمراجع المدونة تحته ]. وشيعة أهل بيت النبوة المخلصين صار لهم نفس اليقين التام بكل ما ذكرناه آنفاً.

    إذا كان المهدي المنتظر سيكوّن دولة عالمية تحكم العالم كله ، فما هي


(215)
الفترة الزمنية التي يستمر فيها حكم الإمام المهدي ! أو بتعبير آخر كم سنة سيحكم الإمام المهدي المنتظر بعد ظهوره وتكوينه للدولة العالمية ورئاسته لها ؟.
    روى عبد الله بن الحارث حديثاً عن الإمام علي يجيب على هذا السؤال اذ قال له الإمام علي : « يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول اليه ، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عهد إلىَّ أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين ». [ راجع الحديث رقم 673 ج‍ 3 ].
    وروي عن الإمام جعفر الصادق عندما سئل عن ذلك انه قال : « سبع سنين تطول له الأيام حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه » ... [ راجع الحديث رقم 1150 ج‍ 4 من المعجم ».
    وروي عن الإمام الباقر قوله : يملك القائم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً كما بعث أهل الكهف في كهفهم ... [ راجع الحديث رقم 859 ].
    وروي أهل السنة عن الإمام على قوله : « يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة ». [ راجع الحديث 674 وراجع المراجع المذكورة تحته ].
    وروى عن الأمام جعفر انه قال « يملك القائم عليه السّلام تسع عشرة سنة وأشهراً ».
    وروي ابن حماد حديثاً لم يسنده إلى النبي جاء فيه : « فيلبث عيسى والمؤمنون سنوات في بيت المقدس » ...

    وروي العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء حديثاً عن النبي جاء فيه ... فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ الأرض قسطاً ... يرضى عنه ساکن السماء وساکن الأرض ... لا تدع السماء من قطرها ... ولا تدع الأرض من مائها .. حتى تتمنى الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ... وروى هذا الحديث أيضاً وأخرجه علماء كبار من شيعة أهل البيت. [ راجع الحديث رقم 44 ج‍ 1 من المعجم الكثيرة المدونة تحته ].


(216)
    وروى علماء شيعة الخلفاء حديثاً عن الرسول تحدث فيه عن الرخاء والوفرة في عهد الإمام المهدي وعن كثرة المال ، وزهد الناس أو تسع سنين ، ثم لا خير في العيش بعده ». [ راجع الحديث رقم 53 وعشرات المراجع المدونة تحته ].
    وقد تفرد عماء أهل السنة بهذا الحديث. وروى أكابر علماء شيعة أهل البيت عن رسول الله حديثاً يتفق معه بالمضمون جاء فيه : « فيمكث سبع أو ثمانية أو تسعاً » « أي سنة » ولا خير في العيش بعد هذا أو قال : « لا خير في الحياة بعدهن ». [ راجع الحديث رقم بلا على الصفحة 95 من المجلد الأول من المعجم ].

    1 ـ لا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن وجود أي تناقض ، ولا حدث أي تناقض في أقوال الأئمة ، لأنهم قد نهلوا من مشكاة واحدة ، واذا حدثوا فهم لا يقولون برأيهم ، وإنما حديثهم حديث رسول الله لأنهم ورثة علمي النبوة والكتاب ، وإذا وجد تناقض فهو ناتج من الروايات الخاطئة أو المختلفة عنهم ، وليس وارداً أيضاً بأن الأئمة الكرام لا يعرفون بالضبط والدقة الفترة الزمنية لحكم الإمام المهدي فلدى الأئمة القدرة والتأهيل الإلهي للإجابة على كل سؤال ، ومن الطبيعي أن مدة حكم الإمام المهدي سؤال ، ومن الجائز أن يسأله أي واحد من الناس لاي واحد من الأئمة ومن المحتوم أن الإمام يعرف الجواب اليقيني ...
    وقد لاحظت أن الإمام علىّ قد ذكر بأن رسول الله عهد اليه بأن لا يخبر أحداً عن مقدار هذه المدة الا الحسن والحسين ، لأنهما امامان بالتوالي ، وقد لا حظنا أن الإمام الباقر قد حدد هذه ب 309 سنوات ، وأن الإمام الصادق قد حددها بسبعين سنة « من سنيكم ».
    وروي عن الإمام جعفر أن المهدي يملك تسع عشرة سنة وأشهراً.
    2 ـ تاريخياً كانت دولة الخلافة وأركانها ، وحتى الرعايا ينظرون بتوجس


(217)
وحذر وريبة لائمة أهل بيت النبوة ، ولمن والاهم وخصهم بالولاء والمحبة ، ويلوح لي أن الأجهزة السرية لدولة الخلافة طوال التاريخ كانت تتربص بالأئمة الكرام وتحاول أن تحصي عليهم أنفاسهم ، فتعرف ما يقولون وما يتحدثون به ، ثم تستدعيهم رئاسة دولة الخلافة من حين إلى حين لتحاسبهم حساباً عسيراً على كل ما يصدر عنهم من أحاديث ، وكلمة المهدي شبح مرعب للخلفاء ، ودولة أهل بيت النبوة هاجس مجرد ذكره يسبب للخلفاء وأركان دولتهم الجنون التام.
    ثم إن الكثير من زوار الأئمة كانوا بمثابة الجواسيس أو العيون على الأئمة ليسألوهم ويحصلوا منهم على أجوبة ثم يكتبون تقاريراً بذلك إلى أسيادهم وأولياء نعمتهم ، وفي كثير من الأحيان کانت تلک العيون اللعينة تزور وتحرف و تهول عن عمد ما تسمعه من الإمام. وعندما أذِنت دولة الخلافة بکتابة ورواية أحاديث الرسول بعد مائة عام من المنع ، كانت مرويات طواقم معاوية قد استقرت تماماً ، وعرفت من الجميع ، وكانت الرعية تتحاشى أهل بيت النبوة لأن الاختلاط بهم يشكل خطراً ، فضلاً عن ذلك فان المناهج التربوية والتعليمية المعتمدة في دولة الخلافة التاريخية أظهرت أهل بيت النبوة بمظهر الناس ، ولم تعطهم أية مميزة ، فعلى بن أبي طالب صحابي ، مثله مثل معاوية في أحسن الظروف ، والحسن والحسين مثلهما مثل يزيد بن معاوية !!! فما هو الداعي للرواية عن الحسن أو الحسين وأبو هريرة موجود !!! بل على العكس كانت وسائل إعلام دولة الخلافة تظهر أبا هريرة بصورة العالم المرجع ، والصحابي الجليل الموالي لأمير المؤمنين ، وتظهر الإمام الحسن أو الحسين بصورة الشاب الذي لا علم له الذي يتربص الدوائر بأمير المؤمنين ويترقب الفرص للخروج عليه !!! هذا هو المناخ الذي كان سائداً.

    أن دولة أهل بيت النبوة لن تزول بموت المهدي المنتظر بل ستستمر ، ويحكم من بعده أحد عشر مهدياً ، إنه من الجائز جداً أن مدة ال‍ 309 سنوات


(218)
الواردة في الحديث هي المدة التي ستستمر فيها دولة أهل بيت النبوة !! ومن المؤكد أن الإمام المهدي سيكافح كفاحاً رهيباً حتى يدين العالم كله بالطاعة لدولته ، وهنا يبرز تساؤل مهم وهو منذ متى يبدأ حكم المهدي ؟ لأن المهدي في البداية سيحكم بقعة محدودة من الكرة الأرضية ، ثم يتوسع حتى يسيطر على العالم ، فهل نعتبر مدة حكم المهدي مبتدئة من تاريخ حكمه لأول أقليم ، أو من التاريخ الذي تتم فيه للمهدي السيطرة على العالم كله ؟ هذه بعذ الإشكلات التي لا بد من خلها قبل الجزم بمدة حكم الإمام المهدي.
    وأكبر الظن أن مدة حكم الإمام المهدي ، سبعاً أو تسعاً أو تسع عشر سنة وأشهراً أو ثلاثين سنة ، ولكن من المؤكد إنها ليست أقل من سبع سنين ولا أكثر من 70 سنة.


(219)
    الفصل السادس :     قياماً بواجب البيان ، واضفاء طابع الأهمية على المهدي ، وعصره الذهبي ، شَخَّصَ رسول الله ، حالة الأمة والعالم قبل ظهور الإمام المهدي بسلسلة متكاملة من الأحاديث النبوية التي صحت وتواترت عند أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم ، وعند الخلفاء وشيعتهم ، والتي شاعت بين المسلمين كافة ، فاعتقدوا بها لأنهم قد جزموا بانها قد صدرت من رسول الله بالفعل ، حيث انها قد أخرجت بنفس الوسائل والأساليب التي أخرجت بها احكام دينهم من صلاة وصوم وزكات ... .
    ومن يمعن النظر بتلك الأحاديث الشريفة ، ويتجرد ، لا يخالطه أدنى شك بأنها قد صدرت بالفعل عمن لا ينطق عن الهوى ، وحالة ثم يتيقن بأن الرسول الأعظم قد نجح نجاحاً منقطع النطير بتشخيص حالة الأمة ، وحالة العالم قبل ظهور الإمام المهدي ! فکأن العالم بماضيه وحاضره ومستقبله رجل مريض ممدد على فراش المرض ، وقد وضعت تحت تصرف الرسل أحدث المعدات التي توصل إليها العقل البشري في کل مجال ، والرسول متخصص في كل ناحية ، بعد ذلك شخص حالة العالم الممدد أمامه تشخيصاً علمياً دقيقاً ، فوصف الداء وصفاً تاماً ،


(220)
وأكد بأن العالم كله مشرف على الهلاك والتلاشي من الحياة ، وأن الدواء الوحيد الذي يُشفي العالم وينقذة هو الإمام المهدي المنتظر الذي سيضع حجر الأساس ويبني دولة آل محمد ، فالمهدي المنتظر هو الدواء الفرد والوحيد ، فليس على وجه الأرض إنسان واحد له القدرة على انقاذ العالم ، مما يعانيه آنذاك إلا المهدي المنتظر. والمدهش حقاً أن هذه الصورة العلمية المتكاملة الدقيقة قد رسمها رسول الله بالكلمة ، وبالكلمة الطيبة وحدها ، وأن هده الصورة قد شقت طريقها إلينا و ثبتت بوجه الأعاصير ، وحافظت على نقائها وأصالتها على الرغم من أن دولة الخلافة قد منعت رواية وكتابة الأحاديث النبوية طوال فترة المائة عام التي تلت انتقال النبي إلى جوار ربه !! لكنها العناية الإلهية ، والتوفيق الإلهي ، والإصرار الإلهي على إقامة الحجة ، وترشيد حركة الكون وفق نواميس الابتلاء الإلهي. فتبارك الله رب العالمين حقاً وصدقاً.

    1 ـ انكساف الشمي والقمر قبل خروج المهدي
    1 ـ أكد الرسول الأعظم أن الشمس ستنكسف في شهر رمضان مرتين قبل خروج المهدي. [ راجع الحديث رقم 174 ابن حماد ص 61 ، وملاحم ابن طاووس ص 46 ب 72 ، وعقد الدرر ص 111 ب 4 ف 3 ، والحاوي للسيوطي ج‍ 2 ص 82 ].
    2 ـ وبيّن بأن المهدي لا يخرج حتى تطلع مع الشمس آية [ الحديث رقم 173 ، وعبد الرزاق ج‍ 7 ص 373 ح 20775 ، و ابن حماد ص 91 ، والبيهقي كما في عقد الدرر ص 106 ب 4 ف 3 ، والحاوي للسيوطي ج‍ 2 ص 75 ] ... .
    3 ـ وبين الرسول أنه بين يدي المهدي انكساف لخمس تبقين رمضان والشمس لخمس عشرة منه. [ راجع الحديث رقم 780 والمراجع المدونة تحته ].
    4 ـ وروي عن رسول الله قوله : آيتان قبل قيام القائم عليه السلام لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض ، تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره !! [ راجع الحديث رقم 71 برواية الأمام الباقر ].
    5 ـ وروى الإمام الباقر أيضاً فقال : « إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق


(221)
السموات والأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان ، وتنكسف الشمس في النصف منه » ... [ الحديث رقم 782 ، وراجع الحديث رقم 1020 و 1021 ج‍ 4 من المعجم و 172 ج‍ 1 ]. فإذا ظهرت هذه الآيات التي لا يمكن لأي انسان أن ينكرها فان المهدي المنتظر سيظهر حتماً في أثرها.

    2 ـ مناد من السماء ينادي
    روى أئمة أهل بيت الأعلام عن رسول الله « أحاديث المنادي من السماء » ، وجزموا بــأن هذه الأحاديث قد صدرت عن رسول الله بالفعل ، وتناقلوها عنه كابراً عن كابر ، حتى صارت من المسلمات وأجمعوا على صحتها وتواترت بينهم ، وتبعاً لروايات أهل بيت النبوة وأجمعت شيعتهم. وسلّمت بما سلموا به.
    كذلك فقد روى : أحاديث المنادي من السماء » العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء ، وتوصلوا إلى ذات النتيجة التي توصل لها أئمة أهل بيت النبوة ، فجزموا وتيقنوا أن أحاديث النداء قد صدرت بالفعل عن رسول الله ، لأن هذه الأحاديث صحت عندهم وتواترت.
    وأجمعت الأمة بشقيها : « أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم ، والخلفاء التاريخيون وشيعتهم أيضاً « أهل السنة » على أنه عند ظهور المهدي المنتظر سينادي مناد من السماء ... وتحول هذا الإجماع إلى قناعة ومعتقد ، اعتقد به كافة المسلمين.

    1 ـ روى أكابر علماء شيعة أهل البيت ، والعلماء الأعلام من شيعة الخلفاء « أهل السنة » على أن رسول الله قد قال : « يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ». [ راجع الحديث رقم 112 ج‍ 1 من المعجم رواه الطبراني على ما في الفصول المهمة ص 298 ف 12 ، والحاوي السيوطي ج‍ 2 ص 61 على ما في بيان الشافعي ص 511 ب 15 ، وتاريخ الخميس ج‍ 2 ص 288 وفرائض السمطيين ج‍ 2 ص 316 ب 61 ح 566 ـ 569 ].


(222)
    2 ـ ورووا أيضاً أن الرسول قد قال : « يخرح المهدي وعلى رأسه ملك ينادي أن هذا المهدي فاتبعوه ». [ راجع الحديث رقم 119 و 23 مرجعاً مدونة تحته ].
    3 ـ ورووا أيضاً قول النبي : « يظهر في آخر الزمان ... ينادي منادٍ بصوت فصيح هذا المهدي ». [ راجع الحديث رقم 120 ج‍ 1 والمراجع المدونة تحته ].
    4 ـ وروى عن الإمام الباقر : « ينادي منادٍ من السماء ألا إن الحق في آل محمد » ... [ راجع الحديث رقم 812 ج‍ 1 من المعجم ]. وروي أيضاً قوله : « يا سيف بن عمرة لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب » ، [ الحديث 813 ] ، وروى أيضاً : « راجع الحديث رقم 815 ] ، وروى أيضا : « توقعوا الصوت يأتيكم من قبل دمشق » ...
    5 ـ وروي أيضاً : « إنه لا يكون حتى ينادي منادٍ من السماء يسمع أهل المشرق والمغرب ، حتى تسمعه الفتاة في خدرها ». [ راجع الحديث رقم 817 ]. فالنداء من السماء علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر وهي تكسف كانكساف الشمس والقمر ايات وعلامات ومعجزات بارزة على مستوى البشر كله ، ومن غير الممكن أن يقوى عاقل يحترم نفسه على إنكارها أو تجاهلها أو المجادلة فيها. وهي فيض من مظاهر الدعم الإلهي المطلق للمهدي المنتظر حتى يتمكن من تحقيق الغايات الکبرى التي كلفه الله تعالى بتحقيقها وهذه الآيات توطد له في الأرض ، وتحفر اسمه في الذاكرة البشرية بحيث يرتبط المهدي مع مفهوم الانقاذ ومفهوم التحرر من الظلم ، ومع مفاهيم الرخاء والكفاية والعدل.

    بين الرسول الأعظم بأن المهدي المنتظر سيظهر حتماً مقضياً عندما يعم البلاء الشامل الأمة والعالم معها ، وعندما تمتلىء الأرض بالظلم والجور والعدوان ، عندئذٍ يبعث الله الغمام الهمدي لرفع هذا البلاء الشامل ، وليملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما مُلئت جوراً وظلماً ، فعموم البلاء والمتلاء الأرض بالظلم مقدمة


(223)
وسبب وعلامة ، وظهور المهدي بوجه من وجوهه نتيجة لهذه المقدمة ، وأثر لهذا السبب ، وعلامة من علامات الظهور.

    1 ـ الفتن : بيّن الرسول الأعظم بأن موجات متلاحقة من الفتن ستعصف بهذه الأمة من بعده ، حيث ستجتاح الأمة فتنة ، ثم تليها فتنة أخرى أضعاف الفتنة الأولى ، ثم تليها فتنة ثالثة لا يبقى معها لله محرّم إلا استحل ... [ راجع الحديث رقم 45 ج‍ 1 ]. وأشار مرة ثانية إلى هذه الفتن الثلاثة بحديث آخر هو [ الحديث رقم 47 ج‍ 1 ].
    ووضح رسول الله الصورة فقسم الفتن إلى أربعة ففي الأولى يصيبهم البلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ، وتنكشف الثانية وتطول الثالثة ، فكلما قبل بأنها قد انقضت تتمادى ، وتتسع ، أما الفتنة الرابعة فيصير المسلمون فيها عملياً إلى الكفر ... [ راجع الحديث رقم 46 ح 1 ]. وبسّط الرسول الصورة للمسلمين ووضحها قائلاً : بالفتنة الأولى يستحل الدم ، والثانية يستحل فيها الدم والمال ، والثالثة يستح فيها الدم والمال والفرج ، أما الرابعة فيقودها الدجال. [ راجع الحديث رقم 48 ج1 ].
    وركز الإمام محمد الباقر فتنة بالشام يطلب الناس المخرج منها فلا يجدونه. [ راجع الحديث رقم 732 ح 3 ].
    وذكر الباقر أيضاً بأنه سيكون هنالک قتل ظاهر بين الكوفة والحيرة [ الحديث رقم 732 ح 3 ].
    ويصور الرسول إحساس الناس آنذاك بقوله : « حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم ». [ الحديث رقم 44 ]. وفي حديث آخر تراه يقول : « ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت الا دخلته ولا مسلم إلا حكته ». [ الحديث رقم 43 ]. وفي حديث ثالث يصف رسول الله الحالة ... فيقول ... وحتى يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني كنت مكانك. [ الحديث رقم 50 ج‍ 1 ]. ووصف الإمام على تلك الحالة بقوله : « تمتليء الأرض ظلماً وجوراً حتى يدخل


(224)
كل بيت خوف وحرب ... ». [ الحديث رقم 565 ج‍ 3 ].
    المهدي هو الحل ، وهو الدواء وبعد أن شَخَّصَ رسول الله ، جانب الفتن أكد أن المهدي هو الوحيد الذي سيقضي على هذه الفتن ويعيد الأمور إلى نصابها ، ففي كل حديث من الأحاديث التي ذكرناها فتحه رسول الله بالقول : « حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي ... ». [ الحديث رقم 44 ج‍ 1. وفي [ الحديث رقم 45 ] قال : « ... ثم بكون فتنة فلا يبقى لله محرم الا استحل ، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً « يعني المهدي » ... [ الحديث رقم 45 ج‍ 1 ].
    وفي الحديث رقم 50 ج‍ 1 ، قال الرسول « ... لا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان « يعني المهدي ». ومثله قول الرسول أيضاً ... « ثم رقم 52 ج‍ 1 ] ، وإلى هذه المعاني أشار الأمام الباقر بقوله : « يا جابر لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه » ... [ راجع الحديث رقم 732 ج‍ 3 ].
    والخلاصة أنه عندما تتمادى الفتن وتتسع لتشمل الناس ، يصبح المهدي هو المخرج الوحيد من سلسلة الفتن التي لا تنقطع وأن تمادي الفتن علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر.

    2 ـ امتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان : الظلم والجور والعدوان والفتن المتلاحقة ، والشرور التي تعصف ببني البشر كلها ، ثمرات مرة وطبيعية لحكم الظالمين ، ولفقههم فقه الهوى الفاسد.
    فكل ظالم على الإطلاق يستولي على السلطة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع الراكضين خلفه برغيف العيش ، فإذا قبض الظالم على السلطة ، بخترع وزمرته فقه هوى خاصاً به ، ليسوس وفقه المجتمع العاثر الحظ الذي سقط بين مخالب الظالم و أعوانه ، فيفسدون بفقههم هذا کل شيء في المجتمع ، ويتبخر القسط والعدل والرحمة ، وتصبح أسماء لا مضامين لها ، وتمتلىء أرض الأقليم الذي يحكمه الظالم بالظلم والجور والعدوان ، ويغلب الناس على أمرهم فيسكتون


(225)
رغبة ، أو رهبة ، يتمادى الظلم فيسمي ظلمه عدلاً ، وقسوته رحمة ، ويقلب كل الحقائق راساً على عقب ، أو يحرفها فيمسخها ، حتى إذا ما دنت منية الظالم عهد بحکمه وبخلافته لابنه أو اخيه أو قريبه ، أو صديقه ، وتستمر دورة التغلب والعهد حتى يظهر من عالم الغيب متغلب جديد ، فتبدا عهود ظلم جديدة ودورة جديدة من دورات العهد والتعاقب على الحكم. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتولى فيها الظالمون الحكم ضاربين عرض الحائط بالشرعية الإلهية.
    ويبدو أن هذه الطريقة ستنشر عي مستوى الكرة الأرضية لها ، بحيث يستولى الظالمون في كل إقليم من أقاليم الأرض ، وفي كل مجتمع من المجتمعات البشرية على السلطة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع ، ويفرضون على مجتمعاتهم فقه هواهم ، حيث سيصبح العالم كله تحت حكم الظالمين ، وبحيث يسوس فقههم الفاسد كافة المجتمعات البشرية. ونتيجة لحكم الظالمين ولسيادة فقههم تمتلىء الأرض بالظلم والجور والعدوان ، وتكتوي البشرية بهذا الحجيم الشامل ؛ هنا فقط يظهر الإمام المهدي المنتظر ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بالحكم الإلهي ، بعد أن ملأها الظالمون بالظلم والجور الناتج عن حكمهم وفقههم ، فامتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان ، وشمول حكم الظالمين للعالم كله ، وسيادة فقههم علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر ، لأنه المؤهل الوحيد لقطع دابر الفتن ، وقصم ظهور الظالمين ، ورفع فقههم من الأرض ، وهو المؤهل الوحيد ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً. وهذا ما عناه الرسول بسيل الأحاديث التي عالجت هذه الناحية. وهذا أيضاً ما عناه الإمام الباقر بقوله : « لا يخرج المهدي حتى ترقى الظلمة ». [ راجع الحديث رقم 801 ج‍ 3 من المعجم ، وراجع الأحاديث النبوية أرقام 51 و 62 و 63 و 565 من أحاديث المعجم ].

    3 ـ الحرب والطاعون : لا يكتفي الظالم بإذلال رعيته ، وارغامها على أن تفض مشكلاتها وفق قواعد فقه الهوى الذي اخترعه ، ولا يكتفي بأن يملأ الأقليم الذي يحکمه بالظلم والجور والعدوان ، بل يطمع بأن يوسع رقعة ملكه على حساب ممالك الظالمين المحيطة به ، وتعميم فقهه ؛ هذه طبيعة ثابتة بظلمة الأرض ؛ ونتيجة لهذه المطامع تنشأ وتنشب الحروب بين الظالمين وكلها حروب عدوانية لا
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس