حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: 226 ـ 240
(226)
ناقة للشعوب بها ولا جمل وغايتها توسيع رقعة الملك ، وتعميم الفقه الفاسد ، أو درء خطر يتهدد ملك ظالم ، وقد يكون الخطر وهمياً ، لا وجود له إلا في ذهنية الطالم المريض ويمناخ الحوب والدمار تنتشر الامراض بين الناس وعلى الاخص مرض الطاعون.
    وهذا مما عناه رسول الله بسيل الأحاديث التي تحدثت عن الفتن والتي أشرنا اليه قبل قليل. وهذا ما وضحه الإمام الباقر بقوله : « قدام القائم موتان موت أحمر وموت أبيض حيث يذهب من كل سبعة خمسة ، الموت الأحمر السيف ، والموت الأبيض الطاعون » [ الحديث رقم 994 ج‍ 1 ]. ومثله قوله : « لا يكون هذا الأمر أي لا يظهر المهدي » حتى يذهب ثلث الناس ، فقيل له : إذا ذهب ثلث الناس فما يبقي فقال عليه السلام : « أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي » [ الحديث رقم 995 ج‍ 3 من المعجم ] ، وتلك علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر.

    وذكر أئمة أهل بيت النبوة علامات أخرى لظهور الإمام المهدي منها :
    1 ـ روى عن الإمام الباقر قوله : « إذا رايتم ناراً من قبل المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد » ... [ الحديث رقم 783 ].
    2 ـ وروى عن الإمام السجاد قوله : « يكون قبل خروجه « أي المهدي » خروج رجل يقال له عون السلمي بارض الجزيرة ويكون ماواه بكريت ، وقتله بمسجد دمشق ، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند ، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عنبسة ابن أبي سفيان. [ راجع لاحديث رقم 720 ج‍ 3 ].
    3 ـ وروى عن الإمام الصادق قوله : « يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء ، وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة دماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار ». [ الحديث رقم 1047 ج‍ 4 ].
    4 ـ وروى عن الإمام على قوله : « إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلا


(227)
عن آية من آيات الله ، قيل وما هي يا أمير المؤمنين » ؟ قال : رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف ، يجعلها الله رحمة للؤمنين وعذاباً على الكافرين فإذا كان ذلك ، فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة ، والرايات الصفر تقبل من الغرب حتى تحل بالشام ، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر ، فاذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا ، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، حتى يستولى على منبر دمشق ، فإذا كان ذلك فانظروا خروج المهدي ». [ راجع الحديث رقم 631 ج‍ 3 من المعجم ولامراجع المدونة تحته ].
    5 ـ وروى عن الإمام قوله : « سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة » [ راجع الحديث 1056 ]. وقبل ظهور الإمام المهدي بسنة يفسد الثمار والتمر في النخل ». [ الحديث رقم 1055 ] ، وروى عنه أيضا : أن المهدي لا يخرج الا في وتر من السنين سنة إحدى ، أو ثلاثة ، أو خمسة ، أو سبع أو تسع ، [ الحديث رقم 1053 ] ، وروى عن الإمام جعفر قوله : « العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب ، قلت و ما هي ؟ قال وجه يطلع في القمر ويد بارزة ». [ الحديث رقم 1058 ] ، وأن المهدي سيظهر يوم السبت الموافق العاشر من محرم يوم عاشوراء ، حيث سيكون بين الركن والمقام. [ الحديث 1060 ]. قال ابن حماد في ص 2 912 : « ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة ، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة ، ...
راجع عصر الظهور للشيخ على الكوراني ص 118 وراجع الأحاديث النبوية المتعلة بالكنز وهي تحمل الارقام 294 ـ 296 ج‍ 1 ].
    6 ـ جاء في صحيح مسلم ج‍ 8 ص 180 لا تقوم الساعة حتى تخرج نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصري ، أي يصل نورها إلى مدينة بصري بسوريا [ راجع عصر الظهور ص 265 ].
    7 ـ « تنفق الأحاديث في مصادر الشيعة والسنة على أن مقدمة ظهور المهدي في الحجاز حدوث فراغ سياسي فيه وصراع على السلطة بين قبائله » راجع عصر الظهور ص 261 ، بدايته قتل ملك بسبب قضية أخلاقية ، ثم تهتز مؤسسة الحكم في الحجاز فكلما نصبوا ملكاً لا يبقى لأكثر من سنة وينتهي الأمر إلى ظهور


(228)
المهدي. [ راجا عصر الطهور ص 262 ].
    8 ـ ويفهم من بعض الأحاديث النبوية بان ارض العرب قبل ظهور المهدي بقليل أو بعد ظهوره ، ستعود مروجاً وأنهاراً ، وأكبر الظن بان هذه التغييرات الجيولوجية الجذرية في أرض العرب ستحدث بعد ظهور المهدي ـ وبعد أن تنزل السماء كل قطرها ، وتخرج الأرض كل مائها ونبتها كما بيّن الرسول ، على ضوء هذا الفيض من العطاء تحدث تلك الانقلابات الجيولوجية.
    9 ـ وبيّن رسول الله بأن الله يبعث المهدي بعد يأس وحتى يقول الناس لا مهدي ... [ راجع الحديث رقم 312 ج‍ 1 من المعجم ].
    10 ـ وبين رسول الله بان المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية ، فاذا قتلت غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض ، فأتي الناس المهدي فزفوة كما تزف العروس الى زوجها ليلة عرسها ... [ الحديث رقم 319 ، وجاء في الحديث رقم 320 « تستباح المدينة وتقتل النفس الزكية » ].
    11 ـ وتتكون قناعة خاطئة وعامة عند الناس مفادها أنه ليس للمسلمين حاجة بآل محمد فهم كغيرهم من الناس. [ راجع الحديث رقم 614 من المعجم ].


(229)
    الفصل السابع :
علامات تتزامن مع ظهور
المهدي المنتظر
    ظهور العلامات البارزة السابقة التي أشرنا اليها قبل قليل ، يفيد قطعاً بأن المهدي المنتظر قد تلقي الأمر الإلهي بالظهور ، وأنه يتأهب للظهور بالفعل ، وبالتالي يتوجب على أوليائه أن يتوقعوا ظهوره بالعشي و الإبکار ، لأن تلک العلامات بوجه من وجوهها بشائر بظهور الهدي ، بشائر بالإنقاذ والهدى.
    وهنالك نمط آخر من العلامات ، حيث يتزامن ظهور تلك العلامات تماماً مع الوقت الذي يبدأ فيه المهدي المنتظر بالظهور ، وأبرز تلك العلامات ظهور ، شخصية أموية ، حاقدة على آل محمد ، تحاول وبكل ما تيسير لها من قوة أن تحول بين المهدي وبين سعيه لإقامة دولة آل محمد ، وقد أطلقت الأحاديث على هذه الشخصية لقب « السفياني ».

    السفياني هذا من ولد أبي سفيان ، هو حفيد هند أم معاوية المعروفة باكلة الأكباد ـ لانها حاولت أن تأكل كبد حمزة سيد الشهداء ، وأبوه عنبسة. [ راجع الحديث رقم 632 ج‍ 3 من المعجم ]. ويبدو أن هذا الرجل مقيم في الوادي اليابس أو أن قاعدة انطلاقه بهذا الوادي. [ راجع الحديث رقم 631 ج‍ 3 ]. وتصف بعض الأحاديث السفياني بالقول : « بانه أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط ،


(230)
ولم ير مكة ولا المدينة ». [ الحديث رقم 804 ] ، وقد أكدت الأحاديث بان خروج السفياني من المحتوم الذي لا مفر منه .. [ راجع الحديث رقم 811 ] ، الذي رواه الإمام جعفر الصادق ونقل الشيخ علي الكوراني وهو من المتبحرين في « نظرية المهدي » بأن حركة السفياني ستستمر 15 شهراً. [ راجع عصر الظهور ، للشيخ على الكوراني ] يقضي من هذه المدة تسعة شهور في العراق. [ راجع الحديث رقم 805 ج‍ 3 ].
    ويبدو واضحاً بأن السفياني قد وعى تاريخ أجداده الأمويين وصراعهم الحافل مع النبي وآله ، وورث حقدهم الدفين على آل محمد خاصة ، والهاشميين عامة ، وأنه قد استوعب تجربة جده معاوية وأدرك ، بل وتيقن من امكانية تركيع الأمة بالقوة وحكمها بالتغلب والقهر ، ويبدو أيضاً بان السفياني رجل ذكي وخبيث ، تيقن من حتمية ظهور المهدي ، وأن هذا المهدي هاشمي ومن ذرية محمد وأنه سيُكوّن دولة لآل محمد تحكم العالم كله ، فأخذ الحقد يغلي في قلبه كالمرجل ، وصمم أن يحاول وبكل قواه صرف شرف المهدية عن المهدي الهاشمي ، تماماً ، كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة عن محمد الهاشمي ، وصمم السفياني على بناء ملك خاص بالأمويين تماماً ، كما فعل جده معاوية ، ويلوح لي بأن المهدي سيجمع حوله كل الكارهين لآل محمد والحاقدين عليهم ، وآل الدنيا سفلة المغامرين والمرتزقة ؛ ويبدو أن الرجل سينجح وسيجتاح حوران ودرعا ، وسيصل إلى دمشق ، ويعلو منبرها. [ راجع الحديث 631 ] ، ويبدو أنه سيحتل الأردن وسيغزو العراق ، ويبلغ السفياني أن المهدي المنتظر قد ظهر في مكة ، فيجهز السفياني جيشاً كبيراً لغزو المدينة والقضاء على حركة المهدي وهي في مهدها ، ويسمع المسلمون بهذا الجيش الزاحف خاصة أهل الحجاز ، ويسير جيش السفياني بالفعل ، وخلال هذه المدة يكتب السفياني للقادة الأيرانيين ليدخلوا في طاعته ، وتصل رسل السفياني إلى ايران بالفعل.
    ويبدو أن السفياني قد كتب لأمراء العالم الاسلامي ، ليدخلوا في طاعته وليس من المستبعد أنه قد يرفع شعارات الوحدة الإسلامية ، ومصلحة المسلمين ، كما فعل جده معاوية ، وفي يوم من الأيام يفاجأ السفياني بأن الجيش الذي قد


(231)
أرسل للقضاء على حركة المهدي المنتظر قد خسفت به الأرض ، ولم ينج منه غير اثنين ، أحدهما بَشَّرَ أهل الحجاز بالخسف ، والآخر أحَاطَ السفياني علماً بنبإِ هلاك الحيش كله ، ويدرك المسلمون ساعتها ، وبعد انتشار خبر هلاك جيش السفياني ، أن المهدي قد ظهر بالفعل. [ راجع الحديث رقم 810 ج‍ 3 و 809 و 997 و 803 و 758 ، راجع الأحاديث النبوية ذوات الارقام 324 و 325 و 326 ـ 329 ].
    وقد أجمعت الأمة على صحة الأحاديث وتواترها وعلى حتمية حدوث الخسف. والخلاصة أن السفياني يتلازم وجوده مع ظهور المهدي حتى قيل أنه لا مهدي بدون سفياني ، فظهور السفياني أمر محتوم. راجع [ الحديث رقم 712 ]. وتتحدث الأحاديث النبوية عن ثلاثة سفيانيين ، وما يعنينا هو السفياني الذي يرسل جيشاً إلى الحجاز للقضاء على حركة المهدي ، فيخسف بذلك ولا ينجو منه إلا اثنان فقط ، ويبدو أن « الثلاثة » على خط واحد ، ولهم هدف واحد ، وبعضهم يخلف بعضاً.

    ومن العلامات البارزة المتزامنة مع ظهور الإمام المهدي الرايات السود ، أو أصحاب الرايات السود ، وقد روى الأحاديث المتعلقة بالرايات السود الأئمة من أهل بيت النبوة ، ثم رواها أكابر علماء شيعتهم ، مثلما رواها العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء « أهل السنة » ، وقد صحت هذه الأحاديث عند الطرفين ، وتواترت عندهم وشاعت بين المسلمين ، حتى تحولت إلى قناعة عامة تقراً بالضورة مع نظرية المهدي المنتظر المستقرة أركانها وبناها في النفس الإسلامية.
    ويبدو أن أصحاب الرايات السود من إيران ، وأن السبب المباشر لخروج أصحاب الرايات السود يكمن بخروج السفياني ، فأهل إيران من موالي أهل بيت النبوة المخلصين وشيعتهم الصادقين ، والأكثرية الساحقة جداً من الإيرانيين يؤمنون بحتمية ظهور الإمام المهدي ، وأنه الإمام محمد بن الحسن العسكري ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة ، ومن مدة طويلة ، وهم يتوقعون ظهور هذا الإمام ، فعندما يخرج السفياني الأموي ، ويحاول أن يبني ملكاً أموياً جديداً على غرار ملك


(232)
معاوية وذرية الحكم بن العاص هذا الملك الذي مس أهل بيت النبوة ومن والاهم بنصب وعذاب ، فان الإيرانيين الذين وعوا التاريخ السياسي للخلافة التاريخية لن يقبلوا بتكرار ماُساة الحکم الاموي ، بل سيقاتلون حتى آخر رجل منهم للحيلولة دون ذلك ، ثم إنه حسب رصد الخاصة من الإيرانيين ، فإن آوان ظهور المهدي قد حان ، والعلامات کلها قد ظهرت ، ولا بد أن يکون ذلک الاُموي الطامع ببناء ملك لبني اُمية ، وتوحيد المسلمين تحت الراية الاُموية ، لا بد أن يكن هو السفياني اللعين الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية ، والذي يتزامن ظهوره مع ظهور الإمام المهدي ، وتلك هي الفرصة الذهبية التي ترقبها الإيرانيون ليقفوا إلى جانب المهدي المنتظر المنقذ الذي طال انتظاره ، وينالوا شرف موالاته ونصرته ، أضف إلى ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين قد تعلموا من وقائع التاريخ ، وآلوا على أنفسهم بان لا تتكرر مأساة خذلان الإمام الحسين ، فإذا كان المسلمون قد تركوا الإمام الحسين وحيداً في كربلاء ، ولم ينصروه ، فإن الشيعة الصادقة لن تترك الإمام المهدي وحيداً بل ستقف معه ، وقفة رجل واحد ، وستقاتل دونه حتى الموت.
    هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة هي التي ستقف وراء خروج أصحاب الرايات السود للتصدي لذلك المغامر الأموي ، ومن والاه ، ولنصرة الإمام المهدي المتظر والمساهمة بإقامة دولة آل محمد ، دولة العدل الإلهي التي طال انتظارها.
    قال الإمام علي : « إذا خرجت الرايات السود ... التي فيها شعيب بن صالح ، تمنى الناس المهدي فيطلبون .. فيخرج المهدي من مكة ومعه راية رسول الله ... » [ الحديث 620 ].
    وجاء في حديث آخر : « إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي » ... ويلتقي الجيش الإيراني مع جيش السفياني في منطقة « اصطخر » وتكون بين الجيشين ملحمة عظيمة ، تظهر فيه الرايات السود. [ راجع الحديث رقم 621 ]. وقد شجعت الأحاديث المسلمين على الالتحاق والانضمام لحملة الرايات السود القادمين من إيران مثل قو ل الإمام علي لأحد محدثيه « يا عامر إذا سمعت الرايات السود مقبلة ،


(233)
فاكسر ذلك الفقل وذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها ، فان لم تستطع ، فتدحرج حتى تقتل تحتها ». [ راجع الحديث رقم 624 ]. ومثل قوله : إذا رأيت أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها ، وأصبنا نحن برها ». ويبدو أن الإمام بهذا الحديث يخاطب احداً أو جماعة من أعداء أهل النبوة. [ راجع الحديث 625 ]. ويبين الإمام بأن القائم العام لحملة الرايات السود رجل من بني هاشم وعلى مقدمة جيشه رجل من بني تميم يدعى شعيب بن صالح. [ راجع الحديث رقم 623 ] ، ويقسم الإمام بأن الليل والنهار لا يذهبان حتى تجيء الرايات السود من قبل خراسان ، ويربطوا خيولهم بنخلات بيسان والفرات ، [ الحديث رقم 626 ، وراجع الحديث رقم 797 ]. ويبين الإمام جعفر الصادق ، بأن الرايات السود تخرج من خراسان وعند ظهور المهدي يبعثون له بالبيعة من العراق. [ راجع الحديث رقم 797 ].
    والأحاديث النبوية تتفق تماماً مع الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة عن النبي ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنا أهل بيت اختار الله انا الآخرة على الدنياء ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً حتى ياتي قوم من نحو المشرق اصحاب رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملأها عدلاً كما ملاوُها ظلماً فمن أدرك ذلك منكم ، فليأتهم ولو حبوا عي الثلج فإنه المهدي. [ راجع الحديث رقم 245 ، وراجع المصادر المدونة تحته منها ابن حماد ص 84 ، وابن ابي شيبة ج‍ 15 ص 235 ح 1973 ، ابن ماجة ج‍ 2 ص 366 ح 4082 ، وأبو داود ، والحاكم وقرابة أربعين مرجعاً من المراجع المعتمدة عند أهل السنة ]. وتحدث الرسول عن بلاء يلقاه أهل بيته من بعده ، حتى تأتي رايات من المشرق سوداء من نصرها نصره الله ، ومن خذلها خذله الله ... [ راجع الحديث رقم 249 ]. ومثله قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي ». [ الحديث رقم 246 ] ، ووصف رسول الله حملة الرايات السود بقوله : « تجي ء الرايات السود من قبل المشرق ، كان قلوبهم زُبرَ الحديد ، فمن سمع بهم فليأتهم ولو حبوا على الثلج ». [ الحديث رقم 250 ، والحديث رقم 251 و 253 ]. وبين الرسول مثلما بين أئمة أهل بيت النبوة أن الرايات السود الذين يحرجون لنصرة المهدي هم غير


(234)
الذين يحملون رايات بني العباس وعلى سبيل المثال قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس ، ثم يمكثون ما شاء الله ، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق ، يؤدون الطاعة للمهدي ». [ الحديث رقم 255 ]. ومثل قوله : « تخرج راية سوداء لبني العباس ، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال لهم شعيب بن صالح ... توطيء للمهدي ». [ راجع الحديث رقم 256 ]. ويتحدث الرسول عن قتال ضار يشتعل بين السفياني ورجاله وبين حملة الرايات السود والخلاصة أن خروج حملة الرايات السود يتزامن مع خروج الإمام المهدي ، و أنهم قد جاءوا لنصرته و محاربة أعدائه ، و التوطيد له. [ راجع الحديث 250 وما فوق ج‍ 1 ].

    بينت الأحاديث النبوية التي رواها أئمة أهل بيت النبوة ، والعلماء الأعلام من شيعة الخلفاء « أهل السنة » أنه بالوقت الذي يتأهب فيه المهدي المنتظر للظهور ستحدث أزمة حكم في دولة الحجاز وما حوله ، بعد ان يقتل ملك تلك الدولة ، وخمس عشرة شخصية من شخصيات تلك الدولة. [ راجع الحديث رقم 303 ج‍ 1 والمراجع المدونة تحته ]. وعلى أثر هذه الحوادث يدب الخلاف والاختلاف بين القبائل التي تدعم ذلك النظام ، وتنقسم إلى شيع وأحزاب ، ويختل حبل الأمن ، حيث ينهب الحجاج ، وتكون ملحمة بمنى ، يكثر فيها القتلى ، وتسفك الدماء ، حتى تسيل الدماء على عقبة الجمرة. [ راجع الحديث رقم 304 ج‍ 1 والمراجع المدونة تحته ].
    والخلاصة أنه لن يبقى لنظام الحجاز من الملك الا الاسم فقط وبعض خلفاء الملك المقتول لن يبقى في الحكم إلا أشهراً وبعضهم اسابيع ، آخر أياماً. [ راجع أحاديث الإمام الصادق في البحار ج‍ 52 ص 210 و 240 ، وحديث الإمام الباقر في كمال الدين للصدوق ص 665 ، حديث الإمام الرضا في البحار ج‍ 52


(235)
ص 210 ]. ويبدو أن الإمام المهدي وبتوجيه من الله تعالى سيغتنم فرصة ضعف النظام وانهياره ، فيظهر ، ويبدو أيضاً أن علية القوم ايضا سيبايعون المهدي دون أن يطلب منهم ذلك ، وأن البيعة ستكون في مكة بين الركن والمقام. [ راجع الأحاديث النبوية 303و 304 و 306و 307 و ج‍ 1 من المعجم ، وراجع المراجع المدونة تحت كل منها ].
    وما يعنينا هو التأكيد على أن ظهور الإمام المنتظر سيتزامن مع أحداث نظام حكم الحجاز ومع الفتنة التي تقع بالحجاز ، فيظهر المهدي المنتظر وذلك النظام قائم من الناحية الشكلية ، ويبايع في مكة التي تخضع اسمياً لسلطة ذلک النظام ، الذي سيقف عاجزاً أمام النفلات الأمتور من يده ومبايعة جزء من رعيته للمهدي ، وأمام الخطر الناجم عن انباء زحف جيوش السفياني إلى الحجاز واحتلالها للمدينة المنورة.


(236)

(237)


(238)

(239)
    الفصل الأول :     نظراً لعظمة وضخامة الغايات التي بعث الله الإمام المهدي لتحقيقها ولجسامة المهمات التي أناط به أمر تنفيذها ، فقد هيأ الله تعالى به فئة مؤمنة صادقة من نوع خاص ، لتحمّل معه أعباء مرحلة تأسيس وبناء دولة الحق ـ دولة آل محمد ـ. وأفراد تلك الفئة التي هيأها تعالى لنصرة المهدي هم خلاصة شيعة رسول الله ، وأهل بيته المؤمنة التي عُزلت وصمدت وتمسكت بدينها عبر التاريخ ، وحملت لواء الحق والإسلام الحقيقي وسط كثرة أدارت ظهرها للحق وللإسلام وساهمت مساهمة فعالة مع أئمة الضلالة لحل عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة وتغريبه غرية كاملة عن الحياة ، وعزل وتغريب المتمسكين به. إنها رمز الفئة الظاهرة المؤمنة الظاهرة الصابرة حتى ينزل عيسى ابن مريم. [ الحديث رقم 29 ج‍ 1 ومصادره المدونة تحته ] ، الفئة التي تمسكت بالحق ، ولم تعبأ بمن ناوأها. [ الحديث : 30 ج‍ 1 ]. إنها عصابة الحق التي لم تُبال بمن خالفها ، [ الحديث : 31 ج‍ 1 ] ، ومصادره ، انها الفئة التي أعاضت العدو على كثرته وقهرته ، [ الحديث 32 ] ، ولم تكترث بخذلان الغوغاء لها [ الحديث 33 ج1 ] ، انها الفئة المسلمة التي حفظت جوهر الدين ، وجسدت وجوده مع قلتها [ حديث رقم 37 ] ، إنها الفئة التي تفقهت في دينها ، وقامت على أمر الله ، ورفضت فقه الهوى بكل أشكاله


(240)
وألوانه ، أمام مكر تزول منه الجبال ، [ الحديث رقم 38 ج‍ 1 ، ومصادره المدونة تحته ] إنهم الناجمون بالابتلاء الإلهي ، الذين مُحصوا وغُربلوا كغربلة الزوان من القمح. [ الحديث رقم 731 ج‍ 3 ]. إنهم أولياء حقاً ، الذين تمسكوا بالثقلّين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب وبعترة النبي أهل بيته ، لذلك استحقوا شرف الولاية ، وحتى تحقق هذه السمة المميزة لهم ينادي مناد بعد الخسف مباشرة : « بأن أولياء الله هم أصحاب المهدي ». [ راجع الحديث رقم 648 ج‍ 3 ].
    لكل هذه الأسباب أجزل الله ثوابهم ، وأعطى الواحد منهم أجر خمسين شهيداً من شهداء الصحابة. [ راجع الحديث رقم 25 و 26 ج‍ 1 ].و لما سئل الرسول عن سر هذه المكافأة والجزالة الإلهية بالعطاء ، قال : إنكم لم تحملوا ما حملوا ولم تصبروا صبرهم. [ راجع الحديث رقم 26 ج‍ 1 ].

    يمد الله تعالى عبده ووليه الإمام المهدي بنوعيات ونماذج من الأنصار والأعوان تتناسب مع نبل الغايات وجسامة المهمات وخطورتها ، وهي نماذج ونوعيات بشرية نادرة ومميزة من جميع الوجوه ، ومؤهلة للمساهمة بثورة عالمية نوعية تطبع العالم سريعاً بطابعها ، وتصنع للبشرية عصراً ذهبياً ، ما فرحت بمثله قط ولن تفرح ، لأنه سيکون الثمرة الفعلية لکفاح الأنبياء والرسل والأوصياء وعباد الله الصالحين الذين واجهوا أئمة الضلالة وأعوانهم عبر التاريخ البشري ومن هذه النوعيات والنماذج.
    1 ـ 315 رجلاً من أهل الشام ـ أهل الشام الذين حكمهم معاوية ، وثقفهم بثقافة التاريخ المعادية لعترة النبي أهل بيته ، من الشام التي انطلقت منها موجات العداء لأهل بيت النبوة ، والحقد الأسود عليهم ، فبعد أن يقول الناس لا مهدي ، وبعد إياس تسير هذه الفئة المؤمنة من الشام إلى مكة ، وتستخرج المهدي من بطن مكة من دار عند الصفا ، ثم تبايعه ، ويصلي بهم المهدي ركعتين صلاة المسافر ، عند مقام إبراهيم ، وبعدها يصعد المنبر ليعلن ظهوره وبداية عهده الذهبي. [ راجع
حقيقة الإعتقاد بالإمام المهدي المنتظر ::: فهرس