حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الجزء الأول ::: 16 ـ 30
(16)
    (9) ودرسنا بعمق وشمول سيرة ملوك بني العباس الذين عاصرهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد كانت سيرتهم شبيهة إلى حد بعيد بسيرة ملوك الأمويين الذين اتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، وليس في سيرتهم بعد الدراسة الجادة أي جد أو نشاط للعمل الصالح ، وما ينفع المسلمين ، وانما كانت سيرهم غنية بالملذات ، وثرية بالشهوات ، فقد انفقوا علي لياليهم الحمراء ، في بغداد ، الملايين من أموال المسلمين ، وقد حظي بالثراء من قبلهم المغنون والعابثون والماجنون ، في حين أن الفقر والبؤس قد اخذا بخناق الناس.
    وكان من مظاهر حكمهم أن شرعت سياطهم ، وشهرت سيوفهم ، وفتحت أبواب سجونهم للأحرار ، وفي طليعتهم السادة العلويون الذين كانوا يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية وقد لاقى الزراع ، وذوو الحرف ، وأرباب الصناعات ضروبا قاسية ومرهقة من المحن والخطوب من الجباة الذين كانوا يجلبون الخراج وسائر الضرائب ، فكانوا يأخذونها بمنتهى الشدة ، والقسوة ، إذ قد الهبت سياطهم أبدان الناس ، وامعنوا في ظلمهم إلى حد بعيد.
    (10) أما دراسة التأريخ الاسلامي فيجب أن تكون موضوعية ونزيهة وبعيدة عن التيارات المذهبية ، والعواطف التقليدية ، فقد خلط التأريخ بكثير من الموضوعات أوجبت خفاء الحق ، وستر الحقائق ، فمن الواجب بذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من السقيم ، والحق من الباطل.
    وكان من بين ما مني به التأريخ من الخلط والخبط اضفاء النعوت الكريمة ، والألقاب العظيمة على الكثيرين من ملوك بني أمية وبني العباس ، فقد لقبوا بخلفاء الله في الأرض ، وهذا اللقب الكريم يمثل الحق ، والعدل ، والقانون ، وأعوذ بالله أن يتصف به أمثال يزيد ومروان والوليد ، وأمثالهم من ملوك بني العباس الذين حولوا حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.
    إن بعض المؤرخين والكتاب يرون أن المقياس في سمو الشخص وعظيم مكانته استيلاؤه على كرسي الحكم ، وتسلمه لزمام السلطة العامة في البلاد ، وهذا ليس بصحيح اطلاقا ، فان المقياس في الفكر الاسلامي هو ما يسديه الحاكم من


(17)
الخدمات للأمة في عالم الاقتصاد ، والثقافة ، والامن والرخاء ...
    ولو جرد المؤرخون ، والكتاب لقب الخليفة ، وغيره من الألقاب العظيمة ، من هؤلاء الملوك ، وأضفوها على الذين خدموا القضايا العظيمة للأمة ، لأدوا بذلك خدمة كبرى إلى التأريخ الاسلامي.
    فقد تعرض الاسلام لكثير من النقود من المستشرقين وغيرهم من الحاقدين على الاسلام بسبب ما صدر عن بعض هؤلاء الملوك من الأعمال المجافية لروح العدالة والقانون معتقدين بأنهم يمثلون الاسلام في تصرفاتهم واعمالهم ، ولو أن الناقدين راجعوا احكام الاسلام لوجدوها ندية خلاقة تساير العدل ، وتواكب الفطرة ، وليس فيها ـ والحمد لله ـ ما يساير الظلم بل فيها ما يناهضه ويناجزه ، فالتصرفات الشاذة من بعض ملوك المسلمين لا تمت إلى الاسلام بصلة ، ولا يؤاخذ بشئ منها.
    (11) وليس هذا أول كتاب صدر عن حياة الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، فقد صدرت عن حياته عدة دراسات باللغة العربية وغيرها ، ومن أهمها ـ فيما أحسب ـ حياة الإمام الرضا (ع) للسيد جعفر مرتضى ، فقد كان ثريا مع تحقيقاته وبحوثه.
    ولا يحكي ما الف عن هذا الامام العظيم واقع شخصيته ، فذاك أمر بعيد المنال ، فقد كان ( عليه السلام ) يحمل ثراء فكريا لا حدود له ، فهو من أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ، سدنة الاصلاح الاجتماعي ، وورثة علوم النبي ( صلى الله عليه وآله ).
    (12) وقبل أن أفعل هذا التقديم ، وأنهي هذا العرض الموجز لما في هذا الكتاب من بحوث أرى من الحق علي أن ارفع آيات الشكر والامتنان إلى سماحة استاذنا المعظم حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حسين الخليفة على ما أولاني من الرعاية واللطف والمساعدات في طبع بعض كتبي ...
    كما أن من الحق والوفاء أن أشيد بالجهد الخلاق الذي أسداه إلي سماحة الحجة العلامة الكبير أخي الشيخ هادي شريف القرشي من ملاحظاته القيمة على هذا الكتاب ، ومراجعاته لبعض الموسوعات التي استفدت منها


(18)
بالإضافة إلى تشجيعه لي في خدمة أهل البيت ( عليهم السلام ) آملا من الله تعالى ان يجازيه على ذلك كما يجازي الصالحين من عباده ، انه تعالى ولي القصد والتوفيق.
النجف الأشرف
باقر شريف القرشي
سنة 1411 ه‍ 14 شوال


(19)
    الوليد العظيم وقبل الحديث عن ولادة الامام الزكي أبي محمد ( عليه السلام ) ، وما رافقها من شؤون نعرض إلى نسبه الوضاح ، ذلك النسب الرفيع المتصل برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي هو مصدر الفيض والعطاء ، ومصدر الخير والرحمة إلى الناس ، فأي نسب أسمى وأجل من نسب الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فهو ثمرة من ثمرات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وفرع مشرق من فروعه ...
    وهذه لمحة موجزة عن أصوله الكريمة.

    الأب : أما أبو الإمام الرضا فهو الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ).
    وليس في دنيا الأنساب ارفع ولا أزكى من هذا النسب ومن المؤكد ان هؤلاء الأئمة الطاهرين هم خلفاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصياؤه ، وسنذكر في البحوث الآتية لمحة عن حياة أبيه الإمام موسى ( عليه السلام ).

    الام : أما أم الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقد تحلت بجميع مزايا الشرف والفضيلة التي تسمو بها المرأة المسلمة من العفة والطهارة ، وسمو الذات وهي من السيدات الماجدات في الاسلام ، وكانت أمة وهذا لا ينقص مكانتها ، لان الاسلام جعل المقياس في تفاوت الناس بالتقوى والعمل الصالح ، ولا أثر لغير ذلك.
    ونقل الرواة عدة أقوال في كيفية زواج الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بهذه السيدة الماجدة ، وهذه بعضها :


(20)
    1 ـ انها كانت من أشراف العجم ، وكانت ملكا للسيدة حميدة أم الإمام موسى ( عليه السلام ) ، وهي من أفضل النساء في عقلها ، ودينها واعظامها لمولاتها السيدة حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها من ملكتها اجلالا ، واعظاما لها ، وقد قالت حميدة لابنها الإمام موسى : يا بني ان تكتم جارية ، ما رأيت جارية قط أفضل منها ، ولست أشك أن الله تعالى سيظهر نسلها ، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا (1).
    2 ـ روى هشام بن أحمد قال : أبو الحسن الأول ـ هو الإمام موسى
    ـ هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم ؟
    قلت : لا.
    فقال ( عليه السلام ) : بلى قد قدم رجل ، فانطلق بنا إليه ، فركب وركبنا معه ، حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق.
    فقال له : اعرض علينا ، فعرض علينا تسع جوار ، كل ذلك يقول أبو الحسن : لا حاجة لي فيها.
    ثم قال له : اعرض علينا.
    فقال : ما عندي شئ.
    فقال له : بلى اعرض علينا
    قال : لا والله ما عندي إلا جارية مريضة.
    فقال له : ما عليك أن تعرضها.
    فأبى.
    ثم انصرف ( عليه السلام ) ثم انه أرسلني من الغد إليه.
    فقال لي : قل له : كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا ـ يعني من المال ـ فقل : قد أخذتها.
    فأتيته ، فقال له : ما أريد أن أنقصها من كذا ـ وعين مبلغا خاصا ـ فقلت : قد أخذتها ، وهو لك.
    فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
    فقلت : رجل من بني هاشم
    فقال : من أي بني هاشم ؟ فقلت : من نقبائهم ، فقال : أريد أكثر من هذا.
    فقلت : ما عندي أكثر من هذا.
    فقال : أخبرك عن هذه ، اني اشتريتها من أقصى المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب ، فقالت : من هذه الوصيفة معك ؟
    فقلت : اشتريتها لنفسي ، فقالت : ما ينبغي أن تكون عند مثلك ، ان هذه الجارية ينبغي ان تكون عند خير أهل الأرض ، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها
    قال : فاتيته بها ، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا (2).
    3 ـ روي : أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : لأصحابه والله ما اشتريت هذه الجارية إلا بأمر من الله ووحيه ، وسئل عن ذلك ، فقال : بينما أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي ، ومعهما قطعة حرير ، فنشراها ، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية ،
1 ـ عيون أخبار الرضا 1 / 14 ـ 15.
2 ـ عيون أخبار الرضا 1 / 17 ـ 18 أصول الكافي 1 / 487 ، كشف الغمة 3 / 102


(21)
فقالا : يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك ، ثم أمرني أبي إذا ولد لي ولد أن أسميه عليا ، وقالا : إن الله عزوجل سيظهر به العدل والرحمة ، طوبى لمن صدقه ، وويل لمن عاداه وجحده (1).
    هذه بعض الروايات التي قيلت في كيفية زواج الإمام موسى ( عليه السلام ) بهذه السيدة الكريمة ، وقد حباها بخالص الحب ، وأصفاه ، وكانت تنعم بالاكبار والتقدير في بيته.

    اسمها : اما اسم هذه السيدة الزكية فقد اختلفت فيه أقوال الرواة ، وهذه بعضها :
    1 ـ تكتم : وذهب كثير من المؤرخين إلى أن اسمها تكتم ، وفي ذلك يقول الشاعر في مدحه للإمام ( عليه السلام ) :
ألا ان خير الناس نفسا ووالدا اتتنا به للعلم والحلم ثامنا ورهطا وأجدادا علي المعظم إماما يؤدي حجة الله تكتم (2)
    وهذا الاسم عربي تسمى به السيدات من نساء العرب ، وفيه يقول الشاعر :
طاف الخيالان فزادا سقما خيال تكنى وخيال تكتما (3)
    2 ـ الخيزران (4).
    3 ـ أروى (5).
    4 ـ نجمة (6).
    5 ـ أم البنين (7) والظاهر أنه كنية لها.
    هذه بعض الأقوال التي قيلت في اسمها ، وليس في تحقيق ما هو الصحيح منها
1 ـ الدر النظيم في مناقب الأئمة ليوسف بن حاتم الشافعي من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين تسلسل 2879 ورقة 210.
2 ـ عيون أخبار الرضا 1 / 15 وجاء فيه أنه نسب قوم هذا الشعر إلى عم أبي إبراهيم بن العباس ، ولم أروه ، وما لم يقع به رواية ولا سماع فاني لا أحققه ولا أبطله.
3 ـ أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 80.
4 ـ تذكرة الخواص ( ص 361 ) بحر الأنساب ( ص 28 ) البحار 12 / 2.
5 ـ الصراط السوي للشيخاني القادري ورقة 169 مصور ، نور الابصار ص 138.
6 ـ كشف الغمة 3 / 102.
7 ـ الارشاد ( ص 342 ).


(22)
بذي فائدة على القراء.

    تقواها : وكانت هذه السيدة الزكية من العابدات ، فقد أقبلت على طاعة الله اقبالا شديدا ، فقد تأثرت بسلوك زوجها الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إمام المتقين والمنيبين إلى الله تعالى.
    وكان من مظاهر عبادتها أنها لما ولدت الإمام الرضا ( عليه السلام ).
    قالت : أعينوني بمرضعة.
    فقيل لها : أنقص الدر ؟
    قالت : ما اكذب : ما نقص الدر ، ولكن علي ورد من صلاتي وتسبيحي (1).
    أرأيتم هذه النفس الملائكية التي هامت بحب الله ، وانقطعت إليه فقد طلبت أن يعاونوها على ارضاع ولدها لأنه يشغلها عن أورادها من الصلاة والتسبيح.

    الوليد العظيم : وأشرقت الأرض بمولد الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد ولد خير أهل الأرض ، وأكثرهم عائدة على الاسلام ، وسرت موجات من السرور والفرح عند آل النبي ( صلى الله عليه وآله ).
    وقد استقبل الإمام الكاظم النبأ بهذا المولود المبارك بمزيد من الابتهاج ، وسارع إلى السيدة زوجته يهنيها بوليدها قائلا :
    هنيئا لك يا نجمة كرامة لك من ربك ..
    وأخذ وليده المبارك ، وقد لف في خرقة بيضاء ، وأجرى عليه المراسم الشرعية ، فاذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفرات فحنكه به ، ثم رده إلى أمه.
    وقال لها : خذيه فإنه بقية الله في أرضه .. (2).
    لقد استقبل سليل النبوة أول صورة في دنيا الوجود ، صورة أبيه امام المتقين ، وزعيم الموحدين ، وأول صوت قرع سمعه هو :
    الله أكبر.
    لا اله إلا الله.
    وهذه الكلمات المشرقة هي سر الوجود ، وأنشودة المتقين.
1 ـ عيون أخبار الرضا 1 / أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 80.
2 ـ كشف الغمة 3 / 88 ، عيون أخبار الرضا 1 / 18.


(23)
    وسمى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وليده المبارك باسم جده الامام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، تبركا وتيمنا بهذا الاسم الذي يرمز لأعظم شخصية خلقت في دنيا الاسلام ، والتي تحلت بجميع فضائل الدنيا.

    ألقابه : ولقب الإمام الرضا ( عليه السلام ) بكوكبة من الألقاب الكريمة ، وكل لقب منها يرمز إلى صفة من صفاته الكريمة.
    وهذه بعضها :
    1 ـ الرضا :
    واختلف المؤرخون والرواة في الشخص الذي أضفى على الإمام ( عليه السلام ) هذا اللقب الرفيع ، حتى غلب عليه ، وصار اسما يعرف به ، بعض الأقوال :
    أ ـ المأمون :
    وذهب فريق من المؤرخين إلى أن المأمون هو الذي منحه هذا اللقب (1) لأنه رضي به ، وجعله ولي عهده (2) ، وقد فند الإمام الجواد ( عليه السلام ) ذلك أمام جماعة من أصحابه وقال :
    إن الله تبارك وتعالى سمى ما ترضاه ، لأنه كان رضى لله عزوجل في سمائه ، ورضى لرسوله ، والأئمة من بعده صلوات الله عليهم ....
    فقال له البزنطي : ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين ( عليهم السلام ) رضى لله عزوجل ولرسوله ، والأئمة بعده ؟
    بلى ....
    لم سمي أبوك من بينهم بالرضا ؟ ....
    لأنه رضي به المخالفون من أعدائه ، كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لاحد من آبائه ، فلذلك سمي من بينهم بالرضا ... (3).
1 ـ تاريخ أبي الفداء 2 / 24 ، تأريخ ابن الأثير 5 / 183.
2 ـ البحار 12 / 4.
3 ـ علل الشرايع ، إعلام الورى البحار 12 / 2.


(24)
    ب ـ الإمام موسى :
    وذهب بعض الرواة إلى أن الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) هو الذي أضفى على ولده هذا اللقب.
    فقد روى سليمان بن حفص قال : كان موسى بن جعفر سمى ولده عليا الرضا ، وكان يقول : ادعو لي ولدي الرضا ، وقلت : لولدي الرضا ، وقال لي : ولدي الرضا ، وإذا خاطبه قال : يا أبا الحسن (1).
    هذه بعض الأقوال في منحه بهذا اللقب الكريم ، وقد علل أحمد البزنطي السبب الذي من أجله لقب بالرضا قال :
    انما سمي الرضا لأنه كان رضى لله تعالى في سمائه ، ورضى لرسوله والأئمة بعده في أرضه (2).
    2 ـ الصابر (3) :
    وانما لقب بذلك لأنه صبر على المحن والخطوب التي تلقاها من خصومه وأعدائه.
    3 ـ الزكي (4) :
    لقد كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) من أزكياء البشر ، ومن نبلائهم وأشرافهم.
    4 ـ الوفي (5) :
    اما الوفاء فهو عنصر من عناصر الامام ، وذاتي من ذاتياته ، فقد كان وفيا لامته ووطنه.
    5 ـ سراج الله (6) :
    لقد كان الامام سراجا لله يهدي الضال ، ويرشد الحائر.
    6 ـ قرة عين المؤمنين (7) :
    ومن ألقابه الكريمة انه كان قرة عين المؤمنين : فقد كان زينا وفخرا لهم ،
1 ـ البحار 12 / 3.
2 ـ البحار 12 / 3.
3 ـ جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام ( ص 143 ).
4 ـ الصراط السوي ورقة 199.
5 ـ تذكرة الخواص ( ص 361 ) الدر النظيم ورقة 210.
6 ـ الدر النظيم ورقة 210.
7 ـ الدر النظيم ورقة 210.


(25)
وكهفا وحصنا لهم.
    7 ـ مكيدة الملحدين (1) :
    وانما لقب بذلك لأنه أبطل شبه الملحدين ، وفند أوهامهم ، وذلك في مناظراته التي أقيمت في البلد العباسي ، والتي أثبت فيها أصالة القيم والمبادئ الاسلامية.
    8 ـ الصديق (2) :
    فقد كان ( عليه السلام ) كيوسف الصديق الذي ملك مصر ، فقد تزعم جميع أنحاء العالم الاسلامي ، وكانت له الولاية المطلقة عليه.
    9 ـ الفاضل (3) :
    وهو أفضل انسان ، وأكملهم في عصره ، ولهذه الظاهرة لقب بالفاضل.
    هذه بعض الألقاب الكريمة التي لقب بها وهي تنم عن سمو شخصيته وعظيم شأنه.
كنيته
    واعتاد أئمة أهل البيت عليهم السلام بتكنية أبنائهم منذ صغرهم وهذا من محاسن التربية الاسلامية الهادفة إلى ازدهار الشخصية ، واشعار الطفل بان له مكانة عند أهله ، وقد كني الإمام الرضا ( عليه السلام ) بما يلي :
    1 ـ أبو الحسن :
    كناه بذلك أبوه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) (4) فقد قال ( عليه السلام ) لعلي بن يقطين : يا علي هذا ابني ـ وأشار إلى الإمام الرضا ـ سيد ولدي ، وقد نحلته كنيتي (5).
    لقد كان الإمام الكاظم يكنى بأبي الحسن ، ولما كانت هذه الكنية مشتركة بينهما قيل للامام الكاظم أبي الحسن الماضي وللإمام الرضا أبي الحسن الثاني ، وذلك للتفرقة بين الكنيتين.
    2 ـ أبو بكر :
    وهذه الكنية نادرة ، ولم يعرف بها إلا نادرا فقد روى أبو الصلت الهروي قال :
1 ـ بحار الأنوار 12 / 4.
2 ـ بحار الأنوار 12 / 4.
3 ـ بحار الأنوار 12 / 4.
4 ـ بحار الأنوار 12 / 3.
5 ـ بحار الأنوار.


(26)
سألني المأمون يوما عن مسألة.
    فقلت : قال فيها أبو بكر : كذا وكذا.
    فقال المأمون : من هو أبو بكر ؟ أبو بكرنا ، أبو بكر العامة ؟
    قلت ، أبو بكرنا.
    قال عيسى : قلت لابن الصلت من هو أبو بكركم ؟
    فقال : علي بن موسى ، كان يكنى بها (1).
سنة ولادته
    واختلف المؤرخون اختلافا كثيرا في السنة التي ولد فيها الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وكذلك اختلفوا في الشهر الذي ولد فيه ، وهذه بعض ما أثر عنهم :
    1 ـ انه ولد سنة 147 ه‍ (2).
    2 ـ ولد سنة 148 ه‍ (3) وهذا هو المشهور بين الرواة.
    3 ـ ولد سنة 150 ه‍ (4).
    4 ـ ولد سنة 151 ه‍ (5).
    5 ـ ولد سنة 153 ه‍ (6) وهي السنة التي توفي فيها جده الصادق (7).
    هذه بعض الأقوال في سنة ولادته ، وقد اختلف المؤرخون أيضا في الشهر الذي ولد فيه.
    وهذه بعض أقوالهم :
    1 ـ أنه ولد يوم الخميس أو ليلة الخميس لاحد عشر ليلة خلت من ربيع الأول (8).
1 ـ مقاتل الطالبيين ( ص 561 ).
2 ـ نور الابصار ( ص 138 ).
3 ـ غاية الاختصار ( ص 148 ) ، بحر الأنساب ( ص 28 ) ، أصول الكافي 1 / 486 ، الارشاد ( ص 341 ) ، الدر المسلوك ورقة 139 مصور ، اخبار الدول ( ص 114 ) ، جوهرة الكلام ( ص 143 ) ، مصباح الكفعمي ، روضة الواعظين ، مرآة الجنان 2 / 11.
4 ـ المجد دون في الاسلام ( ص 87 ).
5 ـ سر السلسة العلوية ( ص 38 ).
6 ـ الدر النظيم ورقة 153 كشف الغمة ، دائرة معارف القرن العشرين 6 / 665.
7 ـ أعيان الشيعة 4 / ق / 77 ـ 78 ، وفي الارشاد أنه ولد بعد وفاة جده الإمام الصادق ( عليه السلام ) بخمس سنين ، وكذلك جاء في الدر النظيم ورقة 210.
8 ـ كشف الغمة 3 / 87.


(27)
    2 ـ ولد في ذي القعدة (1) في الحادي عشر منه يوم الخميس (2).
    3 ـ ولد في شوال في السابع منه وقيل ثامنه ، وقيل سادسه (3).
    هذه بعض الأقوال التي أدلى بها المؤرخون والرواة
صفته
    وذهب كثير من المؤرخين إلى أن الإمام ( عليه السلام ) كان أسمر شديد السمرة (4) وقيل إنه كان ابيض معتدل القامة (5) وانه كان شديد الشبه بجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (6).
    وكما شابه جده في ملامحه ، فقد شابهه في مكارم أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين.
هيبته
    أما هيبة الامام أبي محمد فكانت تعنو لها الجباه فقد بدت عليه هيبة الأنبياء والأوصياء الذين كساهم الله بنوره ، وما رآه أحد إلا هابه ، وكان من هيبته أنه إذا جلس للناس أو ركب لم يقدر أحد أن يرفع صوته من عظيم هيبته (7).
    ويقول الرواة :
    إنه إذا جاء إلى المأمون بادره الحجاب والخدم بين يديه ، ورفعوا له الستر ، ولما بلغهم أن المأمون يريد أن يبايع له بولاية العهد تواصوا على أنه إذا جاء لا يصنعون له الحفاوة والتكريم الذي كانوا يصنعونه.
    وجاء الامام على عادته فأخذتهم هيبته وبادروا إلى تكريمه كما كانوا يصنعون ، وتلاوموا فيما بينهم وأقسموا أنه إذا عاد لا يقابلوه بذلك التكريم ولما جاء ( عليه السلام ) في اليوم الثاني قاموا إليه وسلموا عليه إلا انهم لم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح فرفعته كعادته ، ولما أراد الخروج أيضا رفعت الريح الستر ، فقال بعضهم لبعض : إن لهذا الرجل شأنا ولله به عناية ارجعوا إلى خدمتكم (8).
1 ـ أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 77.
2 ـ الدر المسلوك ؟؟ ورقة 139.
3 ـ مرآة الجنان 2 / 12.
4 ـ اخبار الدول ( ص 114 ).
5 ـ الصراط السوي في مناقب آل النبي للشيخاني القادري ورقة 199.
6 ـ الدر النظيم ورقة 210.
7 ـ حياة الإمام الجواد.
8 ـ اخبار الدول ( ص 114 ) جوهرة الكلام ( ص 145 ) ، الاتحاف بحب الاشراف ( ص 58 ).


(28)
    إن لائمة أهل البيت ( عليهم السلام ) شأنا ومكانة عند الله تعالى فهو يؤيدهم ، ويسددهم بما يسدد به أنبياءه ورسله.
نقش خاتمه
    أما النقش على الخاتم وما رسم عليه من كلمات فإنه ـ على الأكثر ـ يمثل اتجاهات الشخص وميوله ، وقد وسم على خاتم الإمام الرضا ( عليه السلام ) ما يلي :
    ولي الله (1).
    وله خاتم آخر قد نقش عليه :
    العزة لله (2).
    وهذه النقوش تمثل مدى انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسكه به.

    نشأته : نشأ الإمام الرضا ( عليه السلام ) في بيت من أجل البيوت وارفعها في الاسلام ، انه بيت الإمامة ، ومركز الوحي ذلك البيت الذي اذن الله ان يرفع ، ويذكر فيه اسمه في هذا البيت العريق ترعرع الإمام الرضا ونشأ وقد سادت فيه أرقى وأسمى ألوان التربية الاسلامية الرفيعة ، فكان الصغير يحترم ويبجل الكبير ، والكبير يعطف على الصغير ، كما سادت فيه الآداب الرفيعة ، والأخلاق الكريمة ولا تسمع فيه إلا تلاوة كتاب الله ، والحث على العمل الصالح وما يقرب الانسان من ربه.
    وقد اكد علماء التربية على أن البيت من أهم العوامل في تكوين الشخص ، وبناء سلوكه ، فان كان البيت تسوده المحبة والألفة ، والعادات الرفيعة والتقاليد الحسنة ، ويجتنب فيه هجر الكلام ومره ، فان الطفل ينشأ نشأة سليمة وبعيدة عن التعقيد ، وازدواج الشخصية ، وان كان البيت مصابا بالانحراف والشذوذ ، وتنتشر فيه البغضاء والكراهية ، فان الطفل حتما يمنى بالتعقيد ، والجنوح ، والانحراف.
    اما البيت الذي نشأ فيه الرضا ( عليه السلام ) فهو من أعز البيوت وأمنعها في دنيا الاسلام ، فقد كان مركزا من مراكز الفضيلة ، ومنبعا للأخلاق الكريمة ، وقد أنجب خيرة البشر وأئمة الحق والعدل في الاسلام ويضاف إلى البيت في تكوين
1 ـ الدر المسلوك ورقة 139 ، البحار 12 / 4.
2 ـ الدر النظيم ورقة 210.


(29)
الشخص البيئة التي نشأ فيها الشخص ، وكانت البيئة التي عاش فيها الإمام الرضا ( عليه السلام ) تضم خيرة الرجال ، وخيرة العلماء الذين ينتهلون من غير علوم أبيه الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ).
    إن جميع عوامل التربية الرفيعة ، ومكوناتها الفكرية توفرت للامام أرضا ( عليه السلام ) ، فنشأ في إطارها كما نشأ آباؤه العظام الذين هم من ذخائر الاسلام.

    سلوكه : أما سلوك الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقد كان أنموذجا رائعا لسلوك آبائه الذين عرفوا بنكران الذات ، والتجرد عن كل نزعة لا تمت إلى الحق والواقع بصلة. لقد تميز سلوك الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالصلابة للحق ، ومناهضة الباطل ، فقد كان يأمر المأمون العباسي بتقوى الله تعالى ، وينعي عليه تصرفاته التي لا تتفق مع واقع الدين ، وقد ورم أنف المأمون من ذلك وضاق منه ذرعا فقدم على اقتراف أفظع جريمة وهي اغتيال الإمام ( عليه السلام ) كما سنوضح ذلك في غضون هذا الكتاب.
    وكان سلوكه مع أهل بيته وأخوانه مثالا آخر للصرامة في الحق ، فمن شذ منهم في تصرفاته عن احكام الله تعالى جافاه وابتعد عنه ، وقد حلف أن لا يكلم أخاه زيدا حتى يلقى الله تعالى حينما اقترف ما خالف شريعة الله.
    أما سلوكه مع أبنائه فقد تميز بأروع ألوان التربية الاسلامية خصوصا مع ولده الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فكان لا يذكره باسمه ، وانما كان يكنيه ، يقول : كتب إلي جعفر ، كنت كتبت إلى أبي جعفر (1) كل ذلك لتنمية روح العزة والكرامة في نفسه.
1 ـ معجم رجال الحديث 14 / 283.

(30)
حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الجزء الأول ::: فهرس