حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الجزء الأول ::: 31 ـ 45
(31)
    عناصره النفسية اما عناصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومكوناته النفسية فكانت ملتقى للفضيلة بجميع أبعادها وصورها ، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الانسان الا وهي من ذاتياته ؟ ، ومن نزعاته ، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام بكل مكرمة ، وحباه بكل شرف وجعله علما لامة جده ، يهتدي به الحائر ، ويرشد به الضال ، وتستنير به العقول.
    وهذه بعض خصاله ، وعناصر مكارم أخلاقه :
    أما أخلاق الإمام الرضا ( عليه السلام ) فإنها نفحة من أخلاق جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) الذي امتاز على سائر النبيين بهذه الظاهرة الكريمة ، فقد استطاع ( صلى الله عليه وآله ) بسمو أخلاقه أن يطور حياة الانسان ، وينقذه من أوحال الجاهلية الرعناء ، وقد حمل الإمام الرضا ( عليه السلام ) أخلاق جده ، فكانت من أهم عناصره.
    انظروا ما يقوله إبراهيم بن العباس عن مكارم أخلاقه يقول :
    ما رأيت ، ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، ما جفا أحدا قط ولا قطع على أحد كلامه ، ولا رد أحدا عن حاجة ، وما مد رجليه بين جليسه ، ولا اتكأ قبله ، ولا شتم مواليه ، ومماليكه ، ولا قهقه في ضحكة ، وكان يجلس على مائدته ومماليكه ومواليه قليل النوم بالليل ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها كثير المعروف والصدقة وأكثر ذلك في الليالي المظلمة (1).
    وحكمت هذه الكلمات ما اتصف به الامام من مكارم الأخلاق وهي :
    أ ـ انه لم يجفو أي أحد من الناس سواء أكانوا من أحبائه أم من أعدائه ، وانما كان يقابلهم ببسمات فياضة بالبشر.
1 ـ حياة الإمام محمد الجواد ( ص 37 ).

(32)
    ب ـ انه لم يقطع على أي أحد كلامه ، وانما يتركه حتى يستوفي حديثه.
    ج ـ من معالي أخلاقه انه لم يمد رجليه بين جليسه وانما يجلس متأدبا.
    د ـ انه لم يتكئ قبل جليسه ، وانما يتكئ بعده ، مراعاة له.
    ه‍ ـ إنه لم يشتم أي أحد من مماليكه ومواليه ، وان أساءوا له.
    و ـ انه لم يترفع على مواليه ومماليكه ، وكان يجلس معهم على مائدة الطعام.
    ز ـ انه كان كثير العبادة ، وكان ينفق لياليه بالصلاة وتلاوة كتاب الله.
    ح ـ انه كان كثير المعروف والصدقة ، على الفقراء وكان أكثر ما يتصدق عليهم في الليالي المظلمة لئلا يعرفه أحد.
    هذه بعض مكارم أخلاقه التي شاهدها إبراهيم بن العباس ، ومن معالي أخلاقه انه كما تقلد ولاية العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الاسلامية لم يأمر أحد من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وانما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه.
    ويقول الرواة : إنه احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحدا بتهيئته له ، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمام في السوق فيشغل فيه ، وانما حمامات الملوك في قصورهم.
    ولما دخل الامام الحمام كان فيه جندي ، فأزال الامام عن موضعه ، وأمره أن يصب الماء على رأسه ، ففعل الامام ذلك ، ودخل الحمام رجل كان يعرف الامام فصاح بالجندي هلكت ، أتستخدم ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
    فذعر الجندي ، ووقع على الامام يقبل أقدامه ، ويقول له متضرعا يا بن رسول الله ! هلا عصيتني إذ أمرتك ؟.
    فتبسم الامام في وجهه وقال له ، برفق ولطف : إنها لمثوبة وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه (1).
    ومن سمو أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السايس والبواب (2) وقد اعطى بذلك درسا لهم ، لقاء التمايز بين الناس وانهم جميعا على صعيد واحد.
    ويقول إبراهيم بن العباس : سمعت علي بن موسى الرضا يقول : حلفت بالعتق ، ولا احلف بالعتق الا أعتقت رقبة ، وأعتقت بعدها جميع ما أملك ، ان كان
1 ـ نور الابصار ( ص 138 ) ، عيون التواريخ 3 / 227 مصور.

(33)
يرى أنه خير من هذا ، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه ، إذا كان ذلك بقرابة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا أن يكون له عمل صالح فأكون أفضل به منه (1).
    وقال له رجل : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أبا.
    فقال ( عليه السلام ) : التقوى شرفتهم ، وطاعة الله احفظتهم.
    وقال له شخص آخر : أنت والله خير الناس.
    .. فرد عليه قائلا : لا تحاف يا هذا خير مني من كان أتقى الله عزوجل ، وأطوع له ، والله ما نسخت هذه الآية ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم (2).
    وأثر عنه من الشعر في ذلك قوله :
لبست بالعفة ثوب الغنى لست إلى النسناس مستأنسا إذا رأيت التيه من ذي الغنى ما ان تفاخرت على معدم وصرت أمشي شامخ الرأس لكنني آنس بالناس (3) تهت على التائه بالياس (4) ولا تضعفت لافلاس (5)
    ودلل هذا الشعر على سمو مكارم الإمام ( عليه السلام ) التي هي ملء فم الدنيا ، والتي هي موضع الاعتزاز والفخر للمسلمين.

    زهده : ومن ذاتيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) وعناصره الزهد في الدنيا ، والاعراض عن مباهجها وزينتها.
    وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد قال :
    كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف ، وعلى مسح (6) في الشتاء ، ولباسه الغليظ من
1 ـ البحار 12 / 28.
2 ـ البحار 12 / 28.
3 ـ النسناس : دابة وهمية على شكل الانسان.
4 ـ التيه : الكبر.
5 ـ المناقب 4 / 361. (1)
6 ـ المسح : الكساء من الشعر.


(34)
الثياب حتى إذا برز الناس تزيأ (1).
    ويقول الرواة : إنه التقى به سفيان الثوري ، وكان الامام قد لبس ثوبا من خز ، فأنكر عليه ذلك وقال له : لو لبست ثوبا أدنى من هذا ؟
    فأخذ الإمام ( عليه السلام ) يده برفق ، وأدخلها في كمه فإذا تحت ذلك الثوب مسح ، وقال ( عليه السلام ) له : يا سفيان الخز للخلق ، والمسح للحق ... (2).
    لقد كان الزهد من أبرز الذاتيات في خلق الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومن أظهر مكوناته النفسية ، ويجمع الرواة انه حينما تقلد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة ، ولم يقم لها أي وزن ولم يرغب في أي موكب رسمي ، وكره مظاهر العظمة التي يقيمها الناس لملوكهم.

    سخاؤه : ولم يكن شئ في الدنيا أحب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) من الاحسان إلى الناس والبر بالفقراء ، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من جوده واحسانه كان منها ما يلي :
    1 ـ انه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان ، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل.
    وقال له : إن هذا المغرم ...
    فأجابه الامام : بل هو المغنم لا تحدث مغرما ما ابتغيت به أجرا وكرما (3).
    انه ليس من المغرم في شئ صلة الفقراء والاحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى ، وانما المغرم هو الانفاق بغير وجه مشروع كانفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنيين والعابثين.
    2 ـ ووفد عليه رجل فسلم عليه ، وقال له :
    أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك ، ومصدري من الحج ، وقد نفذت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فان رأيت أن
1 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 178 ، المناقب 4 / 361.
2 ـ حياة الإمام محمد الجواد ( ص 39 ).
3 ـ حياة الإمام محمد الجواد ( ص 40 ).


(35)
ترجعني إلى بلدي ، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك.
    فقال له : اجلس رحمك الله واقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا ، وبقي هو وسليمان الجعفري ، وحيثمة ، فاستأذن الامام منهم ودخل الدار ثم خرج ورد الباب وخرج من أعلى الباب.
    وقال : أين الخراساني.
    فقام إليه فقال ( عليه السلام ) له : خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك ، ولا تتصدق بها عني.
    وانصرف الرجل مسرورا قد غمرته نعمة الامام.
    والتفت إليه سليمان فقال له : جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت ، فلماذا سترت وجهك عنه ...
    فاجابه ( عليه السلام ) : انما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته ، أما سمعت حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة ، والمذيع بالسيئة مخذول ... أما سمعت قول الشاعر :
متى آته يوما لأطلب حاجة رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه (1)
    3 ـ ومن سخائه أنه إذا أتي بصفحة ؟ طعام عمد إلى أطيب ما فيها من طعام ، ووضعه في تلك الصفحة ثم يأمر بها إلى المساكين ، ويتلو هذه الآية ( فلا اقتحم العقبة ) ثم يقول : علم الله عزوجل أن ليس كل انسان يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة (2).
    4 ـ ومن بوادر جوده وكرمه أن فقيرا قال له :
    أعطني على قدر مروتك ...
    فاجابه الامام : لا يسعني ذلك ..
    والتفت الفقير إلى خطأ كلامه فقال ثانيا : اعطني على قدر مروتي ...
    وقابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا : اذن نعم .. وأمر له بمائتي دينار (3) ان مروءة الامام لا تعد فلو أعطاه جميع ما عنده فان ذلك
1 ـ البحار 12 / 28.
2 ـ البحار 12 / 28.
3 ـ المناقب 4 / 361.


(36)
ليس على قدر مروءته ورحمته التي هي امتداد لمروءة جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ).
    5 ـ ومن معالي كرمه ما رواه أحمد بن عبيد الله عن الغفاري.
    قال : كان لرجل من آل أبي رافع ، مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، علي حق فتقاضاني ، وألح علي ، فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم توجهت نحو الإمام الرضا ( عليه السلام ) وكان في العريض ، فلما قربت من بابه خرج وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه ، استحييت منه ، ووقف لما رآني فسلمت عليه وكان ذلك في شهر رمضان ، فقلت له :
    جعلت فداك لمولاك علي ـ فلان ـ علي حق ، شهرني ، فأمرني بالجلوس حتى يرجع فلم أزل في ذلك المكان حتى صليت المغرب ، وأنا صائم وقد مضى بعض الوقت فهممت بالانصراف ، فإذا الامام قد طلع وقد أحاط به الناس ، وهو يتصدق على الفقراء والمحوجين ، ومضيت معه حتى دخل بيته ، ثم خرج فدعاني فقمت إليه ، وأمرني بالدخول إلى منزله فدخلت ، واخذت أحدثه عن أمير المدينة فلما فرغت من حديثي قال لي : ما أظنك أفطرت بعد.
    قلت : لا فدعاني بطعام ، وأمر غلامه أن يتناول معي الطعام ولما فرغت من الافطار أمرني أن ارفع الوسادة ، وآخذ ما تحتها فرفعتها فإذا دنانير فوضعتها في كمي ، وأمر بعض غلمانه أن يبلغوني إلى منزلي ، فمضوا معي ، ولما صرت إلى منزلي دعوت السراج ونظرت إلى الدنانير فإذا هي ثمانية وأربعون دينارا ، وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين دينارا ، وقد كتب على دينار منها ان حق الرجل عليك ثمانية وعشرين دينارا ، وما بقي فهو لك (1).
    هذه بعض بوادر كرمه ، وهي تنم عن نفس خلقت للإحسان والبر والمعروف.

    تكريمه للضيوف : كان ( عليه السلام ) يكرم الضيوف ، ويغدق عليهم بنعمه واحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم ، وقد استضافه شخص ، وكان الامام يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فبادر الضيف لاصلاحه فوثب الامام ، وأصلحه بنفسه ، وقال لضيفه : انا قوم لا نستخدم أضيافنا (2).
1 ـ البحار 12 / 28.
2 ـ البحار 12 / 18.


(37)
    عتقه للعبيد : ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) عتقه للعبيد ، وتحريرهم من العبودية ، ويقول الرواة : انه أعتق الف مملوك (1).
    احسانه إلى العبيد :
    وكان الإمام ( عليه السلام ) كثير البر والاحسان إلى العبيد ، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل ( بلخ ).
    قال : كنت مع الإمام الرضا ( عليه السلام ) في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة فجمع عليها مواليه ، من السودان وغيرهم.
    فقلت : جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فأنكر عليه ذلك
    وقال له : ان الرب تبارك وتعالى واحد ، والام واحدة ، والجزاء بالاعمال ... (2).
    ان سيرة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) كانت تهدف إلى الغاء التمايز بالتقوى والعمل الصالح.

     علمه : والشئ البارز في شخصية الإمام الرضا ( عليه السلام ) هو احاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف ، فقد كان باجماع المؤرخين والرواة اعلم أهل زمانه ، وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين ، وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم.
    وقد تحدث عبد السلام الهروي عن سعة علومه ، وكان مرافقا له يقول : ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء والأديان ، وفقهاء الشريعة.
    والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد الا أقر له بالفضل ، وأقر له على نفسه بالقصور.
    ولقد سمعته يقول : كنت اجلس في ( الروضة ) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم ، وبعثوا إلي المسألة فأجيب عنها .. (3).
1 ـ الاتحاف ؟؟ بحب الاشراف ( ص 58 ).
2 ـ البحار 12 / 18.
3 ـ كشف الغمة 3 / 107.


(38)
    لقد كان الامام اعلم أهل زمانه ، كما كان المرجع الاعلى في العالم الاسلامي الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة ، والفروع الفقهية.
    ويقول إبراهيم بن العباس :
    ما رأيت الرضا يسأل عن شئ قط إلا علم ، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الأول ، إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيب ... (1).
    لقد كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) من عمالقة الفكر في الاسلام وهو ممن صنع للمسلمين حياتهم العلمية والثقافية.
    وقال المأمون : ما اعلم أحدا أفضل من هذا الرجل ( يعني الإمام الرضا ) على وجه الأرض .. (2).
    وقد دللت مناظراته في خراسان والبصرة والكوفة حيث سئل عن أعقد المسائل ، فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتخصص وقد أذعنت له جميع علماء الدنيا ـ في عصره ـ وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم.
    معرفته بجميع اللغات :
    وظاهرة أخرى من علومه ومعرفته التامة ، واحاطته الشاملة بجميع اللغات ، ويدلل على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السندي.
    قال : سمعت بالهند ان لله في العرب حجة ، فخرجت في طلبه ، فدللت على الرضا ( عليه السلام ) فقصدته وانا لا أحسن العربية ، فسلمت عليه بالسندية ، فرد علي بلغتي.
    فجعلت أكلمه بالسندية ، وهو يرد علي بها.
    وقلت له : اني سمعت ان لله حجة في العرب ، فخرجت في طلبه.
    فقال ( عليه السلام ) : انا هو ، ثم قال لي : سل عما أردته فسألته عن مسائل فأجابني عنها بلغتي (3) ( عليه السلام ) وقد اكد هذه الظاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالامام ، يقول أبو الصلت الهروي :
    كان الرضا ( عليه السلام ) يكلم الناس بلغاتهم ، فقلت له : في ذلك فقال :
1 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 180 ، الإمام الجواد ( ص 42 ) ، الاتحاف بحب الاشراف.
2 ـ أعيان الشيعة 4 / ق 2.
3 ـ البحار 12 / 15.


(39)
يا أبا الصلت انا حجة الله على خلقه ، وما ان الله ليتخذ حجة على قوم ، وهو لا يعرف لغاتهم ، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أوتينا فصل الخطاب ، وهل هو الا معرفته اللغات. (1).
    وروى ياسر الخادم قال : كان لأبي الحسن ( عليه السلام ) في البيت صقالبة ، وروم ، وكان أبو الحسن قريبا منهم فسمعهم يتكلمون بالصقلبية والرومية ، ويقولون : انا كنا نقصد كل سنة في بلادنا ، ولا نقصد ها هنا ، ولما كان من الغد بعث إليهم من يقصدهم (2).
    ونظم هذه الظاهرة الشيخ محمد بن الحسن الحر في أرجوزته يقول :
وعلمه بجملة اللغات من أوضح الاعجاز والآيات (3)

    الملاحم والاحداث : وأخبر الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن كثير من الملاحم والاحداث قبل وقوعها ، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر به ، وهي تؤكد ـ بصورة واضحة ـ أصالة ما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) المزيد من الفضل والعلم ، كما منح رسله ، ومن بين ما أخبر به ما يلي :
    1 ـ روى الحسن بن بشار قال :
    قال الرضا : ان عبد الله ـ يعني المأمون ـ يقتل محمدا ـ يعني الأمين
    ـ فقلت له : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون.
    قال نعم : عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد
    ... وكان يتمثل بهذا البيت :
وان الضغن بعد الضغن يفشو عليك ، ويخرج الداء الدفينا (4)
    ولم تمض الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين وسنعرض لذلك في بحوث هذا الكتاب.
    2 ـ ومن بين الاحداث التي أخبر عنها : إنه لما خرج محمد بن الإمام الصادق بمكة ، ودعا الناس إلى نفسه ، وخلع بيعة المأمون ، قصده الإمام الرضا ، وقال له : يا عم
1 ـ المناقب 4 / 333.
2 ـ المناقب 4 / 334.
3 ـ نزهة الجليس 2 / 107.
4 ـ المناقب 4 / 335 ، جوهرة الكلام ( ص 146 ).


(40)
لا تكذب أباك ، ولا أخاك ـ يعن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ـ فان هذا الامر لا يتم ، ثم خرج ، ولم يلبث محمد الا قليلا حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي ، فانهزم محمد ومن معه ، وطلب الأمان ، فآمنه الجلودي ، وصعد المنبر وخلع نفسه.
    وقال : ان هذا الامر للمأمون وليس لي فيه حق (1).
    3 ـ روى الحسين نجل الإمام موسى ( عليه السلام ) قال : كنا حول أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، ونحن شبان من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته.
    فقال الرضا : لترونه عن قريب كثير المال ، كثير التبع ، فما مضى إلا شهر ونحوه ، حتى ولي المدينة وحسنت حاله (2).
    4 ـ روى محول السجستاني قال : لما جاء البريد باشخاص الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، إلى خراسان كنت انا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فودعه مرارا كل ذلك يرجع إلى القبر ، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب ، فتقدمت إليه ، وسلمت عليه ، فيرد السلام ، وهنأته.
    فقال : ذرني فاني اخرج من جوار جدي ، فأموت في غربة ، وادفن في جنب هارون ، قال : فخرجت متبعا طريقه ، حتى وافى خراسان فأقام فيها وقتا ثم دفن بجنب هارون (3).
    وتحقق ما أخبر به فقد مضى إلى خراسان ، ولم يعد منها واغتاله المأمون العباسي ، ودفن إلى جانب هارون.
    5 ـ روى صفوان بن يحيى قال : لما مضى أبو إبراهيم ـ يعني الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ـ وتكلم أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) خفنا عليه فقيل له : انك قد أظهرت أمرا عظيما ، وانا نخاف عليك هذا الطاغية ـ يعني هارون ـ فقال ( عليه السلام ) ليجهد جهده فلا سبيل له علي (4).
    وتحقيق ذلك فان هارون لم يعرض له بسوء ، وقد اكد الامام هذا المعنى لبعض أصحابه.
    فقد روى محمد بن سنان قال : قلت : لأبي الحسن الرضا في أيام هارون
1 ـ البحار 12 / 13.
2 ـ الفصول المهمة ( ص 229 ) ، بحار الأنوار 12 / 13.
3 ـ الاتحاف بحب الاشراف ( ص 59 ) ، أخبار الدول ( ص 114 ).
4 ـ أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 97.


(41)
انك قد شهدت نفسك بهذا الامر ، وجلست مجلس أبيك ، وسيف هارون مقطر الدم ـ اي من دماء أهل البيت وشيعتهم –
    فقال ( عليه السلام ) : جرأني على هذا ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ان اخذ أبو جهل من رأسي شعرة ، فاشهدوا أني لست بنبي ، وانا أقول لكم : ان أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بامام (1).
    لقد أعلن ( عليه السلام ) غير مرة ان هارون لا يعرض له بسوء ، وأنه يدفن إلى جانب هارون ، فقد روى حمزة بن جعفر الأرجاني خرج هارون من المسجد الحرام من باب.
    وخرج علي الرضا من باب فقال ( عليه السلام ) : يا بعد الدار وقرب الملتقى ان طوس ستجمعني وإياه (2).
    واكد الامام دفنه بالقرب من هارون في كثير من الأحاديث فقد روى موسى بن هارون قال : رأيت عليا الرضا في مسجد المدينة ، وهارون الرشيد يخطب ، قال ( عليه السلام ) : تروني وإياه ندفن في بيت واحد (3).
    6 ـ ومن بين الاحداث التي أخبر عنها انه أخبر عن نكبة البرامكة ، فقد روى مسافر قال : كنت مع أبي الحسن علي الرضا ، فمر يحيى بن خالد البرامكي ، وهو مغط وجهه بمنديل من الغبار ، فقال ( عليه السلام ) : مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة.
    وأضاف الامام قائلا : وأعجب من هذا انا وهارون كهاتين ، وختم إصبعيه السبابة والوسطى. قال مسافر : فوالله ما عرفت معنى حديثه في هارون الا بعد موت الرضا ، ودفنه بجانبه (4).
    7 ـ روى محمد بن عيسى عن أبي حبيب النباجي قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، قد وافى النباج (5) ونزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة وكأني مضيت إليه ، سلمت عليه ، وكان بين يديه طبق من خوص فيه تمر
1 ـ أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 97.
2 ـ الاتحاف بحب الاشراف ( ص 59 ).
3 ـ الاتحاف بحب الاشراف ( ص 59 ).
4 ـ الاتحاف بحب الاشراف ( ص 59 ).
5 ـ النباج : منزل لحجاج البصرة.


(42)
صيحاني ، وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان ثماني عشر تمرة ، فتأولت الرؤيا بأني أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما كان عشرين يوما كنت في ارض تعمر لي بالزراعة ، إذ جاءني من اخبرني بقدوم الرضا من المدينة ونزوله في ذلك المسجد.
    ورأيت الناس يسعون إليه ، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه في المنام ، وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني.
    فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : زدني يا بن رسول الله.
    فقال : لو زادك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لزدناك (1).
    8 ـ روى جعفر بن صالح قال : اتيت الرضا ، فقلت : امرأتي حامل فادع الله ان يجعله ذكرا.
    فقال : هما اثنان ، فانصرفت وقلت : اسمي أحدهما محمدا ، والآخر عليا ، ثم اتيته فقال لي : سم واحدا عليا والآخر أم عمرو فلما قدمت الكوفة رأيتها ولدت غلاما وبنتا ، فسميت الذكر عليا ، والأنثى أم عمرو (2).
    وذكر الرواة بوادر كثيرة من الملاحم والاحداث التي أخبر عنها قبل وقوعها وهي تدلل على ما منحه الله من العلم بمجريات الاحداث الذي خص به أولياءه وعباده الصالحين.

    عبادته وتقواه : ومن أبرز ذاتيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسكه به ، وقد ظهر ذلك في عبادته ، التي مثلت جانبا كبيرا من حياته الروحية التي هي نور ، وتقوى وورع يقول بعض جماعته :
    ما رأيته قط إلا ذكرت قوله تعالى : ( كانوا قليلا في الليل ما يهجعون ) ويقول الشبراوي عن عبادته : إنه كان صاحب وضوء وصلاة ، وكان في ليله كله يتوضأ ويصلي ، ويرقد وهكذا إلى الصباح (3).
    لقد كان الإمام ( عليه السلام ) اتقى أهل زمانه وأكثرهم طاعة لله تعالي اسمعوا ما يرويه رجاء بن أبي الضحاك عن عبادة الامام ، وكان المأمون قد بعثه إلى
1 ـ كشف الغمة 3 / 103 ، جامع كرامات الأولياء 2 / 156 ، نور الابصار.
2 ـ جوهرة الكلام ( ص 146 ).
3 ـ الاتحاف بحب الاشراف ( ص 59 ).


(43)
الامام ليأتي به إلى ( خراسان ) ، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو يقول : والله ما رأيت رجلا كان اتقى لله منه ، ولا أكثر ذكرا له في جميع أوقاته منه ، ولا أشد خوفا لله عزوجل.
    كان إذا أصبح صلى الغداة فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ، ويحمده ويكبره ، ويهلله ، ويصلي على النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار ، ثم يقبل على الناس يحدثهم ، ويعظهم إلى قرب الزوال ، ثم جدد وضوءه ، وعاد إلى مصلاه.
    فإذا زالت الشمس قام وصلى ست ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، ويقرأ في الأربع في كل ركعة الحمد لله ، وقل هو الله أحد ، ويسلم ، وفي كل ركعتين يقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، ثم يؤذن ، ثم يصلي ركعتين ثم يقيم ، ويصلي الظهر.
    فإذا سلم سبح الله وحمده ، وكبره ، وهلله ما شاء الله ، ثم يسجد سجدة الشكر ، ويقول فيها مائة مرة شكرا لله ، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات ، يقرأ في كل ركعة الحمد لله ، وقل هو الله أحد ، ويسلم في كل ركعتين ، ويقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة ، ثم يؤذن ، ثم يصلي ركعتين ويقنت في الثانية.
    فإذا سلم قام وصلى العصر ، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ، ويحمده ، ويكبره ، ويهلله ، ثم يسجد سجدة يقول فيها : مائة مرة حمدا لله ، فإذا غابت الشمس ، توضأ وصلى المغرب ثلاثا باذان وإقامة ، وقنت في الثانية ، قبل الركوع وبعد القراءة.
    فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ، ويكبره ، ويهلله ما شاء الله ، ثم يسجد سجدة الشكر ، ثم يرفع رأسه ، ولا يتكلم ، حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بتسليمتين ، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، وكان يقرأ في الأولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يمسي ، ثم يفطر.
    ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث ، ثم يقوم فيصلي العشاء والآخرة أربع ركعات ، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة فإذا سلم جلس في مصلاه يذكر الله عزوجل ويسبحه ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير


(44)
والتهليل والاستغفار ، فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل ، فصلى ثمان ركعات ويسلم في كل ركعتين ، يقرأ في الأولين منها في كل ركعة الحمد وثلاثين مرة قل هو الله أحد.
    ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات يسلم في كل ركعتين ، ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع ، ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثم يصلي الركعتين الباقيتين ، يقرأ في الأولى الحمد وسورة الملك.
    وفي الثانية الحمد وهل اتى على الانسان ، ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع ، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات ، ويقنت في الثانية ، ثم يقوم فيصلي الوتر ركعة يقرأ فيها الحمد ، وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة ، وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة ، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة ويقول في قنوته :
    اللهم صل على محمد وآل محمد ، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك انه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت وتعاليت ...
    ثم يقول : استغفر الله وأسأله التوبة سبعين مرة ، فإذا سلم جلس في التعقيب ما شاء الله ، وإذا قرب الفجر قام فصلى ركعتين الفجر يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، فإذا طلع الفجر اذن وأقام وصلى الغداة ركعتين ، فإذا سلم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس ، ثم سجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار ... (1).
    لقد عرض هذا الحديث بالتفصيل إلى صلاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) المفروضة ونوافلها ، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم ، والتعقيبات التي يؤديها معنى ذلك أنه كان في أغلب أوقاته مشغولا بعبادة الله تعالى.
    لقد سرى حب الله في قلب الامام ، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار عنصرا من عناصره وذاتيا من ذاتياته.

    دعاؤه في قنوته : وكان الإمام ( عليه السلام ) يدعو بهذا الدعاء الجليل في قنوته.
1 ـ البحار 12 / 26 ـ 27 وفي الحديث بقية إلى بيان بعض أذكاره وعباداته وقرائته لبعض السور في صلاته المندوبة.

(45)
    الفزع ، الفزع إليك ، يا ذا المحاضرة والرغبة ، الرغبة إليك يا من به المفاخرة ، وأنت اللهم مشاهد هواجس النفوس ، ومراصد حركات القلوب ، ومطالع مسرات السرائر من غير تكلف ولا تعسف ، وقد ترى اللهم ما ليس عنك بمنظور ، ولكن حلمك من أهله عليه جرأة وتمردا ، وعتوا وعنادا ، وما يعانيه أولياؤك من تعفية آثار الحق ، ودروس معالمه ، وتزايد الفواحش.
    واستمرار أهلها عليها ، وظهور الباطل ، وعموم التغاشم ، والتراضي بذلك المعاملات والمتفرقات ، قد جرت به العادات ، وصار كالمفروضات والمسنونات اللهم فبادر الذي من أعنته به فاز ، ومن أيدته لم يخف لمز عاز ، وخذ الظالم أخذا عنيفا.
    ولا تكن له راحما ولا به رؤوفا اللهم بادرهم اللهم عاجلهم اللهم لا تمهلهم اللهم غادرهم بكرة وهجرة ، وسحرة وبياتا ، وهم نائمون وضحى وهم يلعبون ، ومكرا وهم يمكرون وفجأة وهم آمنون اللهم بددهم ، وبدد أعوانهم ، وأقلل أعضادهم واهزم جنودهم وأقلل حدهم ، واجتث سنامهم واضعف عزائمهم اللهم امنحنا أكنافهم.
    وملكنا أكنافهم ، وبدلهم بالنعم وبدلنا من محاذرتهم وبغيهم بالسلام ، وافنمناهم أكمل المغنم ، اللهم لا ترد بأسك الذي إذا حل بقوم فساء صباح المنذرين ... (1).
    وحكى هذا الدعاء نقمة الإمام ( عليه السلام ) على الظالمين والمستبدين من حكام عصره الذين أغرقوا العالم الاسلامي بالمحن والخطوب وأرغموا المسلمين على ما يكرهون ، وهذا الدعاء من الأدعية السياسية التي حكت الأوضاع الراهنة في ذلك العصر.
    دعاؤه في سجدة الشكر :
    روى سليمان بن جعفر قال : دخلنا على الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وهو
1 ـ مهج الدعوات ( ص 73 ).
حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الجزء الأول ::: فهرس