كفاية الاصول ::: 196 ـ 210
(196)
تقدير ، فيحتاج بيانه إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير ، فيكون الاطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولا عليه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب ، محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر ، بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى.
    ثم إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقريب أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ، ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ، وقضية إطلاقه أنه يؤثر كذلك مطلقا.
    وفيه أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك ، إلا أنه من المعلوم ندرة تحققه ، لو لم نقل بعدم اتفاقه.
    فتلخص بما ذكرناه ، أنه لم ينهض دليل على وضع مثل ( إن ) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم عليها قرينة عامة ، أما قيامها أحيانا كانت مقدمات الحكمة أو غيرها ، مما لا يكاد ينكر ، فلا يجدي القائل بالمفهوم ، انه قضية (1) الاطلاق في مقام من باب الاتفاق.
    وأما توهم أنه قضية (2) إطلاق الشرط ، بتقريب أن مقتضاه تعينه ، كما أن مقتضى إطلاق الامر تعين الوجوب.
    ففيه : أن التعين ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه فيما إذا كان متعددا ، كما كان في الوجوب كذلك ، وكان الوجوب في كل منهما متعلقا بالواجب بنحو آخر ، لابد في التخييري منهما من العدل ، وهذا بخلاف الشرط فإنه واحدا كان أو متعددا ، كان نحوه واحدا ودخله في المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الاطلاق إثباتا ، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مؤونة ، وهو ذكره بمثل ( أو كذا )
1 و 2 ـ في « ب » : قضيته.

(197)
واحتياج ما إذا كان الشرط متعددا إلى ذلك إنما يكون لبيان التعدد ، لا لبيان نحو الشرطية ، فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف ، كان هناك شرط آخر أم لا ، حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.
    بخلاف إطلاق الامر ، فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني ، فلا محالة يكون في مقام الاهمال أو الاجمال ، تأمل تعرف. هذا مع أنه لو سلم لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت أنه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الاطلاق من باب الاتفاق.
    ثم إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه :
    أحدها : ما عزي إلى السيد (1) من أن تأثير الشرط ، إنما هو تعليق الحكم به ، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطا ، فإن قوله تعالى : « واستشهدوا شهيدين من رجالكم » (2) يمنع من قبول الشاهد الواحد ، حتى ينضم إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الاول شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الاول شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضا ، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها ، والامثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.
    والجواب : أنه ( قدس سره ) إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو مما لا يكاد ينكر ، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الاثبات ، ودلالة القضية الشرطية عليه ، وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرد الاحتمال لا يضره ، ما لم يكن
1 ـ الذريعة : 1 / 406 ، في جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.
2 ـ البقرة / 282.


(198)
بحسب القواعد اللفظية راجحا أو مساويا ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلا ، كما لا يخفى.
    ثانيها : إنه لو دل لكان بإحدى الدلالات ، والملازمة كبطلان التالي ظاهرة ، وقد أجيب عنه بمنع بطلان التالي ، وأن الالتزام ثابت ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.
    ثالثها : قوله تبارك وتعالى (1) : « ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ».
    وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا وبالقرينة ، لا يكاد ينكر ، كما في الآية وغيرها ، وإنما القائل به إنما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة ، كما عرفت.
    بقى هاهنا أمور :
    الامر الاول : إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ، فلا (2) يتمشى الكلام ـ في أن للقضية الشرطية مفهوما أو ليس لها مفهوم ـ إلا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكنا ، وإنما وقع النزاع في أن النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا يكون لها دلالة.
    ومن هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والاوقاف والنذور والايمان ، كما توهم (3) ، بل عن الشهيد
1 ـ النور / 33.
2 ـ في « ب » : ولا.
3 ـ مطارح الانظار / 173 ، الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق.


(199)
في تمهيد القواعد (1) ، أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم ، وذلك لان انتفاءها عن غير ما هو المتعلق لها ، من الاشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شيء أو بشرطه ، مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه ، بل لاجل أنه إذا صار شيء وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له ، إلى غير ذلك ، لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق ، قد عرفت أنه عقلي مطلقا ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.
    إشكال ودفع : لعلك تقول : كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم ؟ لا نفس شخص الحكم في القضية ، وكان الشرط في الشرطية إنما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره ، فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.
    ولكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط ، إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها ، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه ، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه ، كما لا يخفى ، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الاخبار به ، ، من خصوصيات ما أخبر به
1 ـ تمهيد القواعد / 14 ، القاعدة 25 ، عند قوله : ذهب جماعة من الاصوليين إلى أن مفهوم الصفة والشرط حجة ... الخ.
الشهيد الثاني هو الشيخ الاجل زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي ولد عام 911 ه‍ ، قرأ على والده جملة من الكتب العربية والفقه ، ختم القرآن وعمره تسع سنين. ارتحل إلى بلاد عديدة وقرأ على كثير من العلماء منهم الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ، ثم انتقل إلى بلده واشتغل بالتدريس والتصنيف ومصنفاته كثيرة مشهورة أولها « الروض » وآخرها « الروضة » ومن تلامذته ابنه صاحب المعالم وصاحب المدارك ووالد البهائي وغيرهم ، استشهد سنة 966 ه‍ ( الكنى والالقاب 2 / 344 ).


(200)
واستعمل فيه إخبارا لا إنشاء.
    وبالجملة : كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط خاصا بالخصوصيات الناشئة من قبل الاخبار به ، كذلك المنشأ بالصيغة المعلق عليه ، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه ، أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له ، وأن خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره من خصوصية الاستعمال ، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك ، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي ، من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه.
    وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات (1) في مقام التفصي عن هذا الاشكال ، من التفرقة بين الوجوب الاخباري والانشائي ، بأنه كلي في الاول ، وخاص في الثاني ، حيث دفع الاشكال بأنه لا يتوجه في الاول ، لكون الوجوب كليا ، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية ، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها ، فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.
    وأورد (2) على ما تفصي به عن الاشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه ، بما حاصله : إن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب ، لما أفاده ، وكون الموضوع له في الانشاء عاما لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث أن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الالفاظ.
    وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الانشاءات والاخبارات ، إنما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما ، ولعمري ـ لا يكاد ينقضي تعجبي ـ كيف تجعل خصوصيات الانشاء من خصوصيات المستعمل
1 ـ مطارح الانظار / 173 ، في الهداية الثالثة من القول في المنطوق والمفهوم.
2 ـ المصدر المتقدم / 173 في الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق.


(201)
فيه ؟ مع أنها كخصوصيات الاخبار ، تكون ناشئة من الاستعمال ، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال ، كما هو واضح لمن تأمل.
    الامر الثاني : إنه إذا تعدد الشرط ، مثل ( إذا خفي الاذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر ) ، فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم ، لابد من التصرف ورفع اليد عن الظهور.
    إما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.
    وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء ، بخلاف الوجه الاول ، فإن فيهما الدلالة على ذلك.
    وإما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الاذان والجدران معا ، فإذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.
    وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما ، بأن يكون تعدد الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.
    ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني ، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه ، بملاحظة أن الامور المتعددة بما هي مختلفة ، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد ، فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك إيضا لا يصدر من الواحد إلا الواحد ، فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله ، وإن كان بناء العرف والاذهان العامية


(202)
على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه الخاص ، فافهم.
    الامر الثالث : إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشكال على الوجه الثالث ، وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا ، حسب تعدد الشروط ؟ أو يتداخل ، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة ؟
    فيه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساري (1) ـ التداخل ، وعن الحلي (2) التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده.
    والتحقيق : إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بكشفه عن سببه ، وكان قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط ، كان الاخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا ، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ، في مثل ( إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ) ، أو فيما إذا بال مكررا ، أو نام (3) كذلك ، محكوما بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين.
    فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه : إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت ، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وإن كان واحدا صورة ، إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط ، متصادقة على واحد ، فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة ، حسب
1 ـ مشارق الشموس 61 ، كتاب الطهارة في تداخل الاغسال الواجبة ، قال : لان تداخل الاسباب لا يوجب تعدد المسببات.
2 ـ السرائر / 55 ، في باب أحكام السهو والشك في الصلاة. هو محمد بن احمد بن ادريس الحلي ، فاضل فقيه ومحقق نبيه ، فخر الاجلة وشيخ فقهاء الحلة صاحب كتاب « السرائر » و « مختصر تبيان الشيخ » توفي سنة 598 وهو ابن خمس وخمسين ( الكنى والالقاب 1 / 201 )
3 ـ في « ب » : و.


(203)
تعدد الشروط ، إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها ، كما في ( أكرم هاشميا وأضف عالما ) ، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة أنه بضيافته بداعي الامرين ، يصدق أنه امتثلهما ، ولا محالة يسقط الامر بامتثاله وموافقته ، وإن كان له امتثال كل منهما على حدة ، كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة ، وأضاف العالم الغير الهاشمي.
    إن قلت : كيف يمكن ذلك ـ أي الامتثال بما تصادق (1) عليه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه ؟
    قلت : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين ، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له ، مع أنه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور في اتصافه بهما ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد ، فافهم.
    أو الالتزام بحدوث الاثر عند وجود كل شرط ، إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الاول ، وتأكد وجوبه عند الآخر.
    ولا يخفى أنه لا وجه لان يصار إلى واحد منها ، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه ، مع ما في الاخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد ، وإن كان صورة واحدا سمي (2) باسم واحد ، كالغسل ، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الاول تؤكد ما حدث بالاول ، ومجرد الاحتمال لا يجدي ، ما لم يكن في البين ما يثبته.
    إن قلت : وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية ، لعدم امكان الاخذ بظهورها ، حيث أن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في
1 ـ في « أ و ب » : تصادقا.
2 ـ في « أ » مسمى.


(204)
المثال ، كما مرت الاشارة إليه.
    قلت : نعم ، إذا لم يكن المراد بالجملة ـ فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال ـ هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر ، ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا ، كما لا يخفى.
    إن قلت : نعم ، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق.
    قلت : نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة [ الشرطية ] (1) في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب ، مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد ، و (2) بيانا لما هو المراد من الاطلاق.
    وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق ضرورة أن ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان ، وظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا ، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى (3).
    فتلخص بذلك ، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية ، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.
    وقد انقدح مما ذكرناه ، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ في « أ » : والا كان بيانا. ولكن شطب عليه المصنف في « ب ».
3 ـ هذا واضح بناء على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور الاطلاق معلقا على عدم البيان مطلقا ، ولو كان منفصلا ، وأما بناء على ما اخترناه في غير مقام ، من أنه إنما يكون معلقا على عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقا ، فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ وإن كان ، إلا أنه لا دوران بينهما حكما ، لان العرف لا يكاد يشك بعد الاطلاع على تعدد القضية الشرطية أن قضيته تعدد الجزاء ، وأنه في كل قضية وجوب فرد غير ما وجب في الاخرى ، كما إذا اتصلت القضايا وكانت في كلام واحد ، فافهم ( منه قدس سره ).


(205)
التي ذكرناها ، لا مجرد كون الاسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر (1) وغيره ، من ابتناء المسألة على أنها معرفات أو مؤثرات (2) ، مع أن الاسباب الشرعية حالها حال غيرها ، في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى ، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل (3) الشرطية ، ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم ، بحيث لولاه لما وجدت له علة ، كما أنه في الحكم الغير الشرعي ، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه ، وإن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما ، كما لا يخفى.
    نعم ، لو كان المراد بالمعرفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها ، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها ، بخلاف الاسباب الغير الشرعية ، فهو وإن كان له وجه ، إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما هم وأراد.
    ثم إنه لا وجه للتفصيل (4) بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه ، واختيار عدم التداخل في الاول ، والتداخل في الثاني ، إلا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني ، لانه من أسماء الاجناس ، فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد ، بخلاف الاول ، لكون كل منها سببا ، فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد.
1 ـ فخر المحققين ابو طالب محمد بن جمال الدين حسن بن يوسف المطهر الحلي ، ولد سنة 682 ، فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف كان والده العلامة يعظمه ويثني عليه ، له كتب منها « غاية السؤل » و « شرح مبادئ الاصول ». توفي سنة 771 ه‍. ( روضات الجنات 6 / 230 رقم 591 ).
2 ـ حكى الشيخ الاعظم ( ره ) نسبته إلى فخر المحققين ( ره ) واحتمل تبعة النراقي ( ره ) له في العوائد / مطارح الانظار / 175 في الهداية 6 من القول في المفهوم والمنطوق.
3 ـ في « ب » : الجملة.
4 ـ المفصل هو ابن إدريس في السرائر / 55 ، عند قوله ( قده ) : فإن سها المصلي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرات كثيرة ... الخ.


(206)
    فإن قضية اطلاق الشرط في مثل ( إذا بلت فتوضأ ) هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات ، وإلا فالاجناس المختلفة لابد من رجوعها إلى واحد ، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إليه الاشارة ، من أن الاشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد ، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.
    وأما ما لا يكون قابلا لذلك ، فلابد من تداخل الاسباب ، فيما لا يتأكد المسبب ، ومن التداخل فيه فيما يتأكد.
فصل
    الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغوية بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أخرى ملازمة له ، وعليته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له ، كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له ، إلا أنه لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة أنه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع ، وموردا للنقض والابرام.
    ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الاصل في القيد أن يكون احترازيا ، لان الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال : جئني بإنسان أو بحيوان ناطق ، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ، فيما وجد شرائطه إلا ذلك ، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره ، بل ربما قيل (1) :
1 ـ مطارح الانظار / 183.

(207)
إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق ، كي يحمل عليه ، لو لم نقل بأنه الاقوى ، لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى.
    وأما الاستدلال على ذلك ـ أي عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية « وربائبكم اللاتي في حجوركم » (1) ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر ، كما في الآية قطعا ، مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة ، أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه على الاختصاص ، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم ، فافهم.
    تذنيب : لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع ، فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه ، في مورد الافتراق من جانب الموصوف ، وأما في غيره ، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه ، وإن كان يظهر مما عن بعض الشافعية (2) ، حيث قال : ( قولنا في الغنم السائمة زكاة ، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الابل ) جريانه فيه ، ولعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه.
    وعليه فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا ، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه ، فلا وجه في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه (3) ، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف ، بأنه لا وجه للنزاع فيهما ، معللا بعدم الموضوع ، واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه ، كما لا يخفى ، فتأمل جيدا.
1 ـ النساء / 23.
2 ـ راجع المنخول للغزالي / 222 ، في مسائل المفهوم ، عند قوله : ( كقوله : في عوامل الابل زكاة ... الخ ).
3 ـ التفصيل للشيخ ، مطارح الانظار 182 ، عند قوله قده : ثم إن الوصف قد يكون مساويا...


(208)
فصل
    هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ، بناء على دخول الغاية في المغيى ، أو عنها وبعدها ، بناء على خروجها ، أو لا ؟
    فيه خلاف ، وقد نسب (1) إلى المشهور الدلالة على الارتفاع ، وإلى جماعة منهم السيد (2) والشيخ (3) ، عدم الدلالة عليه.
    والتحقيق : إنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم ، كما في قوله : ( كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام ) (4) ، و ( كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر ) (5) ، كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها ، لانسباق ذلك منها ، كما لا يخفى ، وكونه قضية تقييده بها ، وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية ، وهو واضح إلى النهاية.
    وأما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع ، مثل ( سر من البصرة إلى
1 ـ كما في مطارح الانظار / 186 ، في مفهوم الغاية ، المقام الثاني.
2 ـ الذريعة 1 / 407 ، في عدم الفرق بين الوصف والغاية.
3 ـ راجع عدة الاصول 2 / 24 ، تعليق الحكم بالغاية.
هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، ولد سنة 385 ، قدم العراق سنة 408 ه‍ ، تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابي الحسين علي بن احمد بن محمد بن ابي الجيد القمي ، ثم هاجر إلى مشهد امير المؤمنين (ع) خوفا من الفتنة التي تجددت ببغداد واحرقت كتبه وكرسي درسه ، بقي في النجف إلى ان توفي سنة 460 ه‍ له مصنفات كثيرة منها : « التبيان » و « التهذيب » و « الاستبصار » و « المبسوط » و « الخلاف » و « العدة » في الاصول. ( الكنى والالقاب 2 / 357 )
4 ـ الكافي : 5 / 313. الحديث 40 من باب النوادر ، كتاب المعيشة. باختلاف يسير.
5 ـ التهذيب : 1 / 284. الحديث 119. باختلاف يسير.


(209)
الكوفة ) ، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة ، وإن كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به ، وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا بالمغيى ، من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره ، لعدم ثبوت وضع لذلك ، وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالبا ، دلت على اختصاص الحكم به ، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد ، غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف.
    ثم إنه في الغاية خلاف آخر ، كما أشرنا إليه ، وهو أنها هل هي داخلة في المغيى بحسب الحكم ؟ أو خارجة عنه ؟ والاظهر خروجها ، لكونها من حدوده ، فلا تكون محكومة بحكمه ، ودخوله فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة ، وعليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الاول ، كما أنه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقا ، ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم ، فلا تغفل (1).
فصل
    لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم ـ سلبا أو إيجابا ـ بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ، ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا ، ومن الاثبات نفيا ، وذلك للانسباق عند الاطلاق قطعا ، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة (2) من عدم الافادة ، محتجا بمثل ( لا صلاة إلا بطهور ) ضرورة ضعف احتجاجه :
1 ـ حيث أن المغيى حينئذ هو نفس الحكم ، لا المحكوم به ليصح أن ينازع في دخول الغاية في حكم المغيى ، أو خارج عنه ، كما لا يخفى ، نعم يعقل أن ينازع في أن الظاهر هل هو انقطاع الحكم المغيى بحصول غايته [ في ] الاصطلاح ، اي مدخول إلى أو حتى. أو استمراره في تلك الحال ، ولكن الاظهر هو انقطاعه ، فافهم واستقم ، ( منه قدس سره ).
2 ـ راجع شرح مختصر الاصول للعضدي / 265 ، والتقرير والتحبير 1 / 313.


(210)
    أولا : يكون المراد من مثله (1) أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة ، إلا إذا كانت واجدة للطهارة ، وبدونها لا تكون صلاة على وجه ، وصلاة تامة مأمورا بها على آخر.
    وثانيا : بأن الاستعمال مع القرينة ، كما في مثل التركيب ، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلا ، كما لا يخفى.
    ومنه قد انقدح (2) أنه لا موقع للاستدلال على المدعى ، بقبول رسول الله صلى الله عليه وآله إسلام من قال كلمة التوحيد ، لامكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.
    والاشكال في دلالتها عليه ـ بأن خبر ( لا ) اما يقدر ( ممكن ) أو ( موجود ) وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه ، أما على الاول : فإنه (3) حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى ، لا وجوده ، وأما على الثاني : فلانها وإن دلت على وجوده تعالى ، إلا أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر ـ مندفع ، بأن المراد من الاله هو واجب الوجود ، ونفي ثبوته ووجوده في الخارج ، وإثبات فرد منه فيه ـ وهو الله ـ يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى ، ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد ، لكونه من أفراد الواجب.
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي ولد عام 80 ه‍ امام الحنفية ـ احد الائمة الاربعة عند اهل السنة ، قيل اصله من ابناء فارس ، ولد ونشأ بالكوفة ، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والافتاء ، توفي ببغداد عام 150 ه‍ ( الكنى والالقاب 1 / 50 )
1 ـ بل المراد من مثله في المستثنى منه نفي الامكان ، وأنه لا يكاد يكون بدون المستثنى ، قضيته ليس إلا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلا ، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا العرفية ( منه قدس سره ).
2 ـ رد على صاحب الفصول والشيخ ( قدس سره ) أنظر الفصول / 195 ، مطارح الانظار / 187
3 ـ في « ب » فلانه.
كفاية الاصول ::: فهرس