كليات في علم الرجال ::: 256 ـ 270
(256)
بالغلو ، فصار ذلك الاعتقاد مبدأً للتضعيف ، ومن تتبع رجاله يقف على ان النجاشي متأثر جداً بطريقة ابن الغضائري ، وان بعض تضعيفاته أو كثيراً منها إذا لم يذكر لها وجهاً ، كان لاعتقاد الغلو في الراوي ، وقد عرفت عند البحث عن كتاب ابن الغضائري ان مفهوم الغلو لم يكن محدوداً آنذاك ، حتى يعرف به الغالي من المقصر.
    وهذا الاحتمال وان لم يكن له دليل ، إلا انه مظنون لمن راجع رجال النجاشي. وعلى ذلك فلا يعد تضعيفه نقضاً للقاعدة التي استنبطها الأصحاب من طريقة هؤلاء الثقات ، والتزامهم بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.
    4 ـ عبد الله بن خداش المنقري : روى الكليني عن ابي علي الأشعري ؛ عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الله بن خداش المنقري انه سأل ابا الحسن ( عليه السلام ) عن رجل مات وترك ابنته وأخاه ، قال : المال للابنة (1).
    قال النجاشي : « عبد الله بن خداش ، ابو خداش المهري ضعيف جداً ، وفي مذهبه ارتفاع ، له كتاب أخبرناه ابن شاذان ، عن أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا ابي ، قال حدثنا سلمة بن الخطاب عنه بكتابه » (2).
    اقول : ان النجاشي وان ضعفه ، لكن تضعيفه بقرينة قوله « وفي مذهبه ارتفاع » لأجل اعتقاده بأنه غال ، لا لانه ليس بصدوق. والظاهر كما عرفت ان النجاشي كان متأثراً بابن الغضائري في تضعيف الراوي في بعض الأحيان لأجل كونه راوياً لبعض ما يتراءى منه الغلوّ ، حسب عقيدة النجاشي وزميله ابن الغضائري ، مثل ذلك لا يمكن الاعتماد عليه.
1 ـ الكافي : ج 7 كتاب المواريث باب ميراث الولد ، الحديث 4 ، ومستدرك الوسائل الجزء 17 ، الباب 5 من ابواب ميراث الابوين ، الحديث 2.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 604.


(257)
    أضف إلى ذلك أن الكشي نقل وثاقته عن عبدالله بن أبي عبدالله ، محمد بن خالد الطيالسي ، فتوثيقه ممّا يعتنى به. قال الكشي : « محمد بن مسعود ، قال أبو محمد عبدالله بن محمد بن خالد : (1) أبو خداش ، عبدالله بن خداش المهري. ومهرة : محلَّة بالبصرة وهو ثقة » ثم نقل عنه أنه كان يقول : « ما صافحت ذمّياً قطّ ، ولا دخلت بيت ذمّي ، ولا شربت دوءً قط ، ولا افتصدت ولا تركت غسل يوم الجمعة قطّ ، ولا دخلت على وال قطّ ، ولا دخلت على قاض قطّ ».
    وقد اختلف ضبط اسم والده ، والمشهور هو بالدال كما في مواضع من رجال الشيخ في اصحاب الكاظم وأصحاب الجواد ( عليهما السلام ) ، فضبطه بأبي خداش المهري البصري ، ولكن ابن داود ذكر أنه رأى في كتاب الرجال للشيخ بخطّه في رجال الصادق ( عليه السلام ) عبدالله بن خداش البصري.
    ثم الظاهر أن المنقري هو تصحيف المهري. وقد قال الفيض ( قدس سره ) في هامش الوافي : « الصحيح المهري ـ بفتح الميم والهاء الساكنة قبل الراء ـ مكان المنقري ».
    5 ـ معلّى بن خنيس : وقد روى عنه صفوان على ما في فهرست الشيخ في ترجمة معلّى. قال : « معلّى بن خنيس يكنّى أبا عثمان الأحول له كتاب ، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه عن صفوان ، عنه » (2). والاجابة عن هذا النقض واضحة.
    أما أولاً : فقد مرَّ أن المعلى بن خنيس ثقة ، وما اُثير حوله من الشبهات ليست بتامَّة ، وكفى بذلك ما نقله الشيخ في « الغيبة » في حقّه ، يقول :
1 ـ المراد منه ابو العباس الطيالسي وقد يكنى بابي محمد فلا تغفل.
2 ـ الفهرست : الرقم 721.


(258)
« وكان معلّى من قوّام ابي عبدالله ( عليه السلام ) وإنما قتله داود بن علي بسببه ، وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور ، فروي عن ابي بصير قال : لمّا قتل داود بن علي « المعلى بن خنيس » ، فصلبه ، عظم ذلك على ابي عبدالله ( عليه السلام ) واشتدّ عليه وقال له : يا داود ، على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى عيالي ؟ والله إنه لأوجه عند الله منك ... في حديث طويل. وفي خبر آخر أنه قال : أما والله لقد دخل الجنة » (1).
    وثانياً : إن المعلى قتل قبل ثلاث وثلاثين ومائة ، كما مرَّ في بحث مشايخ ابن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ممَّن توفي عام 210 ، فكيف يمكن له أن ينقل عنه ، مع ان بين الوفاتين 77 سنة فما زاد ، ولم يكن صفوان من المعمرين الذين عاشوا إلى مائة وأزيد ، ولذلك ان من القريب سقوط الواسطة بين صفوان ومعلى بن خنيس. ويشهد على ذلك قول النجاشي في ترجمة معلى بن خنيس : « له كتاب .... أخبرنا أبو عبدالله بن شاذان ، قال : حدثنا علي بن حاتم ، قال : حدثنا محمد بن عبدالله بن جعفر ، عن أبيه ، عن أيوب ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي عثمان معلى بن زيد الاحول ، عن معلى بن خنيس بكتابه » (2).
    فيظهر من ذلك أن ما نقلناه آنفاً من الفهرست هو ترجمة معلى بن عثمان ( او ابن زيد ) الاحول ، لا معلى بن خنيس والنسخة محرّفة لما عرفت من بُعد رواية صفوان عن معلى بن خنيس أولاً ، ولأن « أبا عثمان » كنية معلى بن عثمان ( أو ابن زيد ) كما ذكر النجاشي والشيخ نفسه في رجاله ثانياً.
    إلى هنا وقفت على حال النقوض المتوجهة إلى الضابطة التي نقلها الشيخ
1 ـ الغيبة : 210 ( طبعة النجف ) ، ولاحظ ما ورد حول قتله من الروايات في تنقيح المقال الجزء الثالث ، الصفحة 230.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 1115.


(259)
في حقّ الفقهاء الثلاثة وليس النقض منحصراً بما ذكره صاحب « معجم رجال الحديث » أو مؤلف « مشايخ الثقات » بل هناك نقوض اُخر يعرف الجواب عنها بالاحاطة بما ذكرناه. وإليك الكلام في أحوال البزنطي الشيخ الثالث ، الذي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.

    3 ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البزنطي ( المتوفّى عام 221 هـ )
    قال النجاشي : « أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر زيد ، مولى السكون ، أبو جعفر ، المعروف بالبزنطي ، كوفي لقي الرضا وأبا جعفر ( عليهما السلام ) ، وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب منها : الجامع قرأناه على أبي عبدالله الحسين بن عبيدالله ، قال : قرأته على أبي غالب أحمد بن محمد الزراري ، قال حدثني به خال أبي محمد بن جعفر ، وعمّ أبي علي بن سليمان قالا : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه به. وكتاب النوادر ـ إلى أن قال : ـ ومات أحمد بن محمد سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد وفاة الحسن بن علي بن فضال بثمانية أشهر. ذكر محمد بن عيسى بن عبيد أنه سمع منه سنة عشرة ومائتين » (1) والبزنطي أحد الفقهاء الثلاثة الذين ادّعى الشيخ أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. وقد جاء في الكتب الاربعة في أسناد روايات تبلغ زهاء 788 مورداً ، وقد أنهى صاحب « معجم رجال الحديث » مشايخه في الكتب الاربعة وغيرها فبلغ 115 شيخاً ، والثقات منهم 53 شيخاً ، والباقي إما مهمل أو مجهول ، وقليل منهم مضعف نظراء.
    1 ـ المفضَّل بن صالح : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي نصر وابن محبوب ، جميعاً عن المفضل بن صالح ، عن
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 180.

(260)
محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : كنت مع أبي في الحجر فبينما هو قائم يصلي إذا أتاه رجل فجلس اليه فلمّا انصرف ، سلّم عليه ثم قال : إني أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلا أنت ورجل آخر ، قال : ما هي ... (1).
    وقد تعرَّفت على حال هذا النقض عند البحث عن مشايخ صفوان فلا نعيد.
    2 ـ حسن بن علي بن أبي حمزة : روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : قلت له : إن أبي هلك وترك جاريتين ... (2).
    وفيه أولاً : إن علي بن أبي حمزة ونجله الحسن ومعاصرهما زياد بن مروان القندي ، ابتلوا بالشَّتم والطعن واللعن ، لذهابهم إلى الوقف ، ولكنه كان راجعاً إلى اعتقادهم الفاسد ، ولا ينافي وثاقتهم الروائية.
    وثانياً : إن هناك روايات تدلّ على رجوع الوالد والولد عن الوقف وصيرورتهما مستبصرين ، وقد نقلا النصّ على إمامة الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومنها هذه الرواية ؛ فترى انّ النَّجل يذهبالى الإمام الرضا ( عليه السلام ) يسأله عن مسألة شرعية راجعة إلى تركة أبيه ، ولولا اعتقاده لما كان لسؤاله معنى ، وقد عرفت بعض هذه الروايات عند البحث عن النّقوض المتوجّهة إلى مشايخ ابن أبي عمير ، فلا نعيد.
    3 ـ عبدالله بن محمد الشامي : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبدالله بن محمد الشامي ، عن
1 ـ الكافي : ج 4 ، كتاب الحج ، باب بدء البيت والطواف ، الحديث 2.
2 ـ التهذيب : 8 / 262 باب التدبير ، الحديث 953.


(261)
حسين بن حنظلة ، عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : أكل الكباب يذهب بالحمى (1).
    وروى أيضاً عن عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة قال : الدباء يزيد في الدماغ (2).
    وروى البرقي في المحاسن بسنده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة ، عن احدهما ( عليهما السلام ) قال : السمك يذيب الجسد (3).
    اما وجه النقض فان عبداللَّه بن محمد ، من رجال كتاب « نوادر الحكمة » وقد ضعف عدة من رجالها ، وذكرها النجاشي في ترجمة مؤلفها ، منهم عبد اللَّه بن محمد الشامي ، واليك نص النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي : « كان ثقة في الحديث إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثنى من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ، ما رواه عن موسى بن محمد الهمداني ـ إلى ان قال : او عبد الله بن محمد الشامي ، او عبد الله بن أحمد الرازي ... » (4).
    اقول : ان عبد اللَّه بن محمد الشامي ، الذي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى صاحب « نوادر الحكمة » غير عبد اللَّه بن محمد الشامي الذي يروي عنه البزنطي ، فان الأول شيخ صاحب النوادر وتلميذ أحمد بن محمد بن
1 ـ الكافي : ج 6 كتاب الاطعمة باب الشواء والكباب ، الحديث 4.
2 ـ الكافي : 6 / 371 كتاب الاطعمة باب القرع ، الحديث 4.
3 ـ المحاسن : 476 ، الحديث 483.
4 ـ رجال النجاشي : الرقم 939.


(262)
عيسى قال الشيخ : « عبد الله بن محمد يكنى ابا محمد الشامي الدمشقي يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وغيره من اصحاب العسكري ( عليه السلام ) » وقال في فصل من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) : « عبد الله بن محمد الشامي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى » وهذا هو الذي استثناه ابن الوليد من روايات كتاب « نوادر الحكمة ».
    واما عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، فهو متقدم على سميّه بواسطتين : 1 ـ أحمد بن محمد بن عيسى 2 ـ أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، وذلك لأن ابن عيسى يروي كثيراً عن البزنطي ، وهو يروي عن عبد الله بن محمد الشامي ، فلا يمكن ان يكونا شخصاً واحداً.
    وبعبارة اخرى ؛ توفي مؤلف النوادر حوالي 290 ، وتوفي أحمد بن محمد بن عيسى بعد 274 ، أو بعد 280 ، وتوفي البزنطي 221 ، فكيف يمكن ان يروي صاحب « نوادر الحكمة » عن شيخ البزنطي وهو عبد الله بن محمد الشامي. ومنشأ الاشتباه اتحاد الراويين في الاسم والنسبة.
    ولأجل ان يقف القارئ على تعددهما ذاتاً وطبقة ، فليلاحظ ما رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا باب النص على الرضا ( عليه السلام ) قال : حدثنا ابي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ومحمد بن علي ماجيلويه ـ رضي اللَّه عنهم ـ قالوا حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ( مؤلف نوادر الحكمة ) عن عبد الله بن محمد الشامي ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين مولى ابي عبدالله ( عليه السلام ) ... (1). ترى فيه ان عبد الله بن محمد الشامي يروي عن علي
1 ـ عيون اخبار الرضا : 16 ، الطبعة الحجرية.

(263)
بن اسباط بواسطة ، وكان علي بن اسباط معاصراً لعلي بن مهزيار ، وقد دارت بينهما رسائل ، وعلي بن مهزيار متأخر عن البزنطي (1). وليسا في طبقة واحدة ، فكيف يمكن ان يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر ، شيخاً للبزنطي ؟ ولأجل ذلك يحكم بتعدد الراويين.
    4 ـ عبد الرحمن بن سالم : روى الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن اسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر ... (2).
    وروى ايضاً بهذا السند عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ... (3).
    وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : من غسل فاطمة ( عليها السلام ) ؟ ... (4).
    اقول : ويروي عنه ابن ابي عمير أيضاً. روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن ابيه ،
1 ـ توفي ابن مهزيار في ايام إمامة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، روى الكليني مكاتبته عنه في الحج لاحظ ج 4 ، الصفحة 30 باب بلا عنوان بعد باب الحج عن المخالف ، وقد تقلد الإمام العسكري ( عليه السلام ) الإمامة بعد وفاة ابيه عام 254 هـ ، وعلى ذلك يكون موت ابن مهزيار حوالي تلك السنة.
2 ـ الوسائل : ج 1 باب 4 من ابواب الوضوء ، الحديث 4.
3 ـ الوسائل : ج 2 باب 22 من ابواب غسل الميت ، الحديث 1.
4 ـ الوسائل : ج 2 باب 24 من ابواب غسل الميت الحديث 6 والظاهر سقوط الواسطة بين أحمد بن محمد بن عيسى ، وعبد الرحمن بن سالم وهو أحمد بن محمد بن ابي نصر ، كما في الاستبصار الرقم ( 730 ) ويشهد بذلك السندان السابقان.


(264)
عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وان كان حلالاً ؟ ... (1).
    وقع بعنوان « عبد الرحمن بن سالم » في اسناد ثلاث وعشرين رواية ، فهو يروي عن ابي بصير وابيه ، واسحاق بن عمار ، والمفضل بن عمر ، وروى عنه ابن ابي عمير ، وابن ابي نصر ، والحسن بن ظريف ، وسهل بن زياد ، ومحمد بن أسلم وغيرهم.
    قال النجاشي : « عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الكوفي العطار ـ وكان سالم بياع المصاحف ـ وعبد الرحمن اخو عبد الحميد بن سالم ، له كتاب » ثم ذكر سنده اليه (2). وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق ( عليه السلام ) كما عده البرقي من اصحابه (3).
    ولم يضعفه إلا ابن الغضائري وقال : « روى عن ابي بصير ، ضعيف » ومن المعلوم ان تضعيفاته غير موثوق بها ، لما أوضحنا حالها.
    حصيلة البحث : قد تعرفت على النقوض المتوجهة إلى الضابطة من جانب المحقق مؤلف « معجم رجال الحديث » والفاضل المعاصر مؤلف « مشايخ الثقات » وان شيئاً منها لا يصلح لأن يكون نقضاً للقاعدة ، وذلك لجهات شتى نشير اليها :
    1 ـ ان شيئاً منها من هؤلاء الضعاف لم يكونوا مشايخ للثقات ، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم ، وانما توهمت الرواية عنهم بسبب وجود « عن » مكان « الواو » ، فتصحيف العاطف بحرف الجر ، صار سبباً لأوهام كثيرة. وقد نبه
1 ـ الكافي : 5 / 497 ، كتاب النكاح باب الاوقات التي يكره فيها الباه.
2 ـ رجال النجاشي : الرقم 629.
3 ـ رجال الشيخ : الرقم 711.


(265)
على هذه القاعدة صاحب « منتقى الجمان » كما أوضحناه فتصور العديل استاذاً لهم.
    2 ـ ان كثيراً ممن اتهم بالضعف ، مضعفون من حيث المذهب والعقيدة ، لا من حيث الرواية ، وهذا لا يخالف وثاقتهم وصدقهم في الحديث. وقد وقفت في كلام الشيخ على ان المراد من الثقات هم الموثوق بهم من حيث الرواية والحديث لا المذهب ، وبعبارة اخرى كانوا ملتزمين بالنقل عن الثقات سواء كانوا إماميين أم غيرهم.
    3 ـ ان منشأ بعض النقوض هو الاشتراك في الاسم بين المضعف وغيره ، كما مر نظيره في عبد الله بن محمد الشامي.
    4 ـ ان بعض من اتهم بالضعف لم يثبت ضعفهم أوّلاً ، ومعارض بتعديل الآخرين ثانياً. وعلى ضوء ما تقدم ، تقدر على الاجابة عن كثير من النقوض المتوجهة إلى الضابطة ، التي ربما تبلغ خمسة واربعين نقضاً. وأغلبها مستند إلى سقم النسخ وعدم إتقانها.
    نعم من كان له إلمام بطبقات الرواة ، وميز الشيخ عن التلميذ ، يقف على كثير من الاشتباهات الواردة في الاسناد التي لم تقابل على النسخ الصحيحة.
    فابتلاؤنا بكثير من هذهالاشتباهات وليد التقصير في دراسة الحديث ، وعدم معرفتنا بأحوال الرواة ، وطبقاتهم ومشايخهم وتلاميذهم ، وفقدان النسخ الصحيحة.

    محاولة للاجابة عن النقوض
    ان هنا محاولة للاجابة عن هذه النقوض لا بأس بطرحها ، وهي :
    ان شهادة الشيخ في المقام لا تقصر عن شهادة ابن قولويه وعلي بن


(266)
إبراهيم في أول كتابيهما بأنهما لا يرويان فيهما إلا عن ثقة. فكما انه يجب الاخذ بشهادتهما مطلقاً ، إلا إذا عارضها تنصيص آخر ، وعند التعارض اما ان يتوقف ، او يؤخذ بالثاني لو ثبت رجحانه ، فهكذا المقام يؤخذ بهذه الشهادة إلا إذا ثبت خلافها ، او تعارضت مع نصّ اخر ، فكما ان ثبوت الخلاف في مورد شهادة ابن قولويه وعلي بن إبراهيم ، لا يضر بالاخذ بقولهما في غير مورده فهكذا المقام.
    وجه ذلك ان الشهادة الاجمالية في هذه المقامات تنحل إلى شهادات حسب عدد الرواة ، فالتعارض او ثبوت الخلاف في موارد خاصة يوجب عدم الأخذ بها في الموارد التي ثبت خلافها دون ما لم يثبت ، وقد اورد على هذه المحاولة بوجهين :
    الوجه الأول : ان هذا الجواب انما يتم لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس هؤلاء الثلاثة ، بأن كانوا مصرحين بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة فعند ذلك تؤخذ بشهادتهم إلا في صورة التعارض او ثبوت الخلاف ، اما إذا كانت الشهادة مستندة إلى نفس الشيخ ، بأن يشهد هو ( قدس سره ) بأن هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فعندئذ يكون الوقوف على مشايخ لهم مضعفين بنفس الشيخ ، موجباً لسقوط هذه الشهادة عن الاعتبار فلا يبقى لها وثوق.
    والفرق بين كون الشهادة منتهية إلى نفس الأقطاب الثلاثة ، وكونها منتهية إلى نفس الشيخ واضح ، إذ لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس المشايخ ، يكون معناه انهم شهدوا على انهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة عندهم. فاذا تبين الخلاف ، او تعارض مع تنصيص اخر ، يحمل على انه صدر اشتباهاً من هؤلاء في هذه الموارد المتبينة ، فحسبوا غير الثقة ثقة فرووا عنه. وهذا لا يضر بالاخذ بها في غير تلك الموارد وكم له من نظائر في عالم الشهادات.


(267)
    واما إذا كانت الشهادة منتهية إلى نفس الشيخ ، وكانت شهادته على انهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، مبنية على استقرائه في مشايخهم ، فلا تعتدّ بها إذا تبين الخلاف ، واعلم انهم يروون عن غير الثقة أيضاً ، إذ عندئذ يتبين ان استقراء الشيخ كان استقراء ناقصاً غير مفيد لامكان انتزاع الضابطة الكلية ، فلا يصح الأخذ بها لبطلان اساسها.
    هذا ما يرومه معجم رجال الحديث. وان كانت العبارة غير وافية بهذا التقرير ، ولكن الإجابة عن هذا الاشكال ممكنة بعد الدقة في عبارة « العدة ». لأن الظاهر من عبارة الشيخ هو استكشاف الطائفة التزامهم بأنهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، على وجه كانت القضية مشهورة في الأوساط العلمية قبل زمن الشيخ إلى ان انتهت اليه ، فعند ذاك يكون الشيخ حاكياً لهذا الاستكشاف ، لا انه هو الذي كشف ذلك ، وادعى الإجماع عليه. ألا ترى انه يقول : « سوت الطائفة بين ما يرويه هؤلاء وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ».
    فالطائفة التي سوت بين ما يرويه هؤلاء هي التي كشفت هذا الالتزام عنها وعرفها الشيخ ، وبذلك يسقط الاشكال عن الصلاحية ، لانه كان مبنياً على ان الشيخ هو الذي كشف الضابطة عن طريق الاستقراء ، وبالعثور على مشايخ ضعفهم الشيخ نفسه في كتبه ، يكون ذلك دليلاً على نقصان الاستقراء.
    ولكنك عرفت ان احتمال كون الشيخ هو المستكشف ، فضلاً عن كون استكشافه مبنياً على الاستقراء ، أمر لا توافقه عبارة « العدة ». وعلى ذلك يؤخذ بهذه الشهادة ، ويحكم بوثاقة مشايخهم عامة ، وان لم يذكروا في الكتب الرجالية بشيء من الوثاقة والمدح.
    الوجه الثاني : ربما يقال ان هذه المحاولة انما تنتج في المسانيد ، فيحكم بوثاقة كل من جاء فيها إلا من ثبت ضعفه. وأما المراسيل فلا تجري


(268)
فيها ، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة هي من ثبت ضعفه فعندئذ لا يمكن الأخذ بها ، لأنه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية (1).
    وأجاب عنه السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ على أساس حساب الاحتمالات ، وحاصله : أن الوسيط المجهول إذا افترضنا أنه مردّد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير ، وكان مجموع من روى عنه أربعمائة شخص ، وكان ثابت الضعف منهم بشهادة أخرى ، لا يزيدون على خمسة أو حوالي ذلك ، فعندئذ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد الخمسة المضعفة 80/1 ، وإذا افترضنا أن ثابت الضعف من الاربعمائة هم عشرة ، يكون احتمال كون الوسيط المحذوف منهم 40/1 ومثل هذا الاحتمال لا يضرّ بالاطمئنان الشخصي ، وليس العقلاء ملتزمين على العمل والاتباع ، إذا صاروا مطمئنين مائة بالمائة.
    ثمَّ إنه ( قدس سره ) أورد على ما أجاب به إشكالاً هذا حاصله : إن هذا الجواب إنما يتم إذا كانت الاحتمالات الاربعمائة في الوسيط المجهول ، متساوية في قيمتها الاحتمالية ، إذ حينئذ يصحّ أن يقال احتمال كونه أحد الخمسة المضعفين قيمة 80/1 ، وإذا فرضنا أن ثابت الضعف عشرة في أربعمائة ، كان احتمال كون الوسيط أحدهم 40/1 ، وأما إذا لم تكن الاحتمالات متساوية ، وكانت هناك أمارة احتمالية تزيد من قيمة احتمال أن يكون الوسيط المجهول أحد الخمسة ، فسوف يختلّ الحساب المذكور ، ويمكن أن ندّعي وجود عامل احتمالي ، يزيد من قيمة هذا الاحتمال ، وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل او بعض اصحابه ، ونحو ذلك من التعبيرات التي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء ، وعدم الوثوق بالرواية ، يناسب أن يكون المرويّ عنه أحد أولئك الخمسة ، وإلا لما
1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 80 ، ومشايخ الثقات : 41.

(269)
كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه وعندئذ يختلّ الحساب المذكور ويكون المظنون كون المرويّ هو أحد الخمسة ، لا أحد الباقين ، فتنقلب المحاسبة المذكورة (1).
    ولا يخفى أن الجواب المذكور غير واف لدفع الاشكال ، وعلى فرض صحّته فالذي اُورد عليه غير تامّ.
    أما الأول ، فلأن العقلاء في الاُمور المهمّة ، يحتاطون بأكثر من ذلك ، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة 80/1 فلو علم العقلاء أن قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية ، لا يقدمون على السكنى في أحدها ، كما أنه لو وقفوا على أن السيل سيجرف إحدى السيارات التي تبلغ العدد المذكور لا يجرأون على ركوب أي منها ، وهكذا غير ذلك من الامور الخطيرة.
    نعم الاُمور الحقيرة التي لا يهتمّ العقلاء باضرارها ، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتى بأقل من النسبة المذكورة. والشريعة الالهية من الامور المهمة ، فلا يصحّ التساهل فيها ، مثل ما يتساهل في الاُمور غير المهّمة.
    ولأجل ذلك قلنا إن أصل الجواب غير تامّ. اللّهم إلا أن يقال : إنَّ تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة ، يكشف عن أنه اكتفى في العمل بالشريعة ، بالمراتب النازلة من الاطمئنان ، وإلا لما سوَّغ العمل بقول الثقة على وجه الاطلاق ، وليس قول كل ثقة مفيداً للدرجة العليا من الاطمئنان.
    وأما الثاني ، وهو أن الاشكال غير وارد على فرض صحَّة الجواب ، فلأن النجاشي يصرّح بأن وجه إرساله الروايات ، هو أن اُخته دفنت كتبه في حال استتاره ، وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدَّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي
1 ـ مشايخ الثقات : 44 ـ 45.

(270)
الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله (1).
    وعلى هذا فقوله « عن رجل » وما شاكله ، لأجل أنه نسي المرويّ عنه ، وإلا لصرّح باسمه ، لا كأنه بلغ من الضعف إلى درجة يأنف عن التصريح باسمه ، حتى يستقرب بأنه من أحد الخمسة الضعاف.
    نعم هاهنا محاولة لحجيّة مراسيله لو صحت لاطمأنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة كانت من الثقات لا من الخمسة الضعاف.
    وحاصلها أن التتبع يقضي بأن عدد رواياته عن الضعاف قليل جدّاً بالنسبة إلى عدد رواياته عن الثقات ، مثلاً إنه يروي عن أبي أيوب في ثمانية وخمسين مورداً ، كما يروي عن ابن اذينة في مائة واثنين وخمسين مورداً ، ويروي عن حمّاد في تسعمائة وخمسة وستّين مورداً ، ويروي عن عبد الرحمن بن الحجّاج في مائة وخمسة وثلاثين مورداً ، كما يروي عن معاوية بن عمّار في أربعمائة وثمانية وأربعين مورداً ، إلى غير ذلك من المشايخ التي يقف عليها المتتبّع بالسبر في رواياته.
    وفي الوقت نفسه لا يروي عن بعض الضعاف إلا رواية او روايتين او ثلاثة ، وقد عرفت عدد رواياته في الكتب الاربعة عن هذه الضعاف.
    فاذا كانت رواياته من الثقات أكثر بكثير من رواياته عن الضعاف ، يطمئن الانسان بأن الواسطة المحذوفة في المراسيل هي من الثقات ، لا من الضعاف. ولعلّ هذا القدر من الاطمئنان كاف في رفع الاشكال.
    نعم لمّا كانت مراسيله كثيرة مبسوطة في أبواب الفقه ، فلا جرم إن الانسان يذعن بأن بعض الوسائط المحذوفة فيها من الضعفاء.
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 887.
كليات في علم الرجال ::: فهرس