كليات في علم الرجال ::: 451 ـ 465
(451)
الثالث منه يقول : « ابن محبوب ، عن ابي جعفر محمد بن النعمان الاحول صاحب الطاق ، عن سلام بن المستنير ، عن ابي جعفر ( عليه السلام ) » (1).
    ومن المعلوم ان امثال هذه الاخبار مسندة لا مرسلة كما صرَّح به جماعة كالمجلسي الأول والسيد الجزائري وصاحب المعالم (2). قال الاخير في المنتقى :
    « اعلم أنه اتفق لبعض الاصحاب توهّم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها على طرق سابقة وهي طريقة معروفة بين القدماء ، والعجب أن الشيخ ( رحمه الله ) ربّما غفل عن مراعاتها فأورد الاسناد من الكافي بصورته ووصله بطرقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة. فيصير الاسناد في رواية الشيخ له منقطعاً ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله. ومنشأ التوهّم الذي أشرنا اليه فقد الممارسة المطلعة على التزام تلك الطريقة » (3).
    وقد تعجب صاحب « سماء المقال » من الشيخ في تهذيبه ، حيث نقل رواية عن الكليني وادعى أنها مرسلة مع أنه من باب التعليق (4) ، والرواية موجودة في باب الزيادات في الزكاة من « التهذيب » بهذا السند :
    « محمد بن يعقوب مرسلا عن يونس بن عبد الرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن ابي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) » (5) ، والرواية موجودة في « الكافي » كتاب الزكاة ، باب منع الزكاة ، ( الحديث 3 ) ولكنها مبتنية
1 ـ الكافي : 2 / 124 ـ 125 ، الحديث 1 و 2 و 3 من باب الحب في الله والبغض في الله.
2 ـ سماء المقال : 2 / 132.
3 ـ منتقى الجمان : 1 / 24 ـ 25.
4 ـ سماء المقال : 2 / 132.
5 ـ التهذيب : 4 / 111 ، الحديث 59.


(452)
على الرواية التي نقلها قبلها بهذا السند :
    « علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن اسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن ابن مسكان يرفعه عن رجل عن ابي جعفر ( عليه السلام ) » (1).
    فما رواه الشيخ عن الكليني عن يونس ليس مرسلاً ، كما ان المحدث الحر العاملي التفت إلى التعليق واتى بتمام السند ، هكذا :
    محمد بن يعقوب عن علي ، عن ابيه عن اسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن علي بن ابي حمزة ، عن ابي بصير ، عن ابي عبدالله ( عليه السلام ) » (2).
    وزعم بعض ان حذف الكليني صدر السند لعله لنقله عن الاصل المروي عنه. واجاب عنه صاحب « قاموس الرجال » ان الحذف للنقل عن اصل من لم يلقه ، بعيد عن دأب القدماء. وهذا هو المفيد في « الارشاد » حيث ينقل عن « الكافي » بقوله : « جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب ». نعم ، قد يفعلون ذلك مع ذكر طرقهم إلى الاصل بعنوان المشيخة ، كما فعل ذلك الصدوق والشيخ في الفقيه والتهذيبين (3).

    الفائدة الرابعة
    انه قد صدر الكليني جملة من الاسانيد بعلي بن محمد وقد اضطربوا في تعيينه ، منهم من جزم بكونه علي بن محمد بن إبراهيم علان ، ومنهم من اختار كونه علي بن محمد بن اذينة ، ومنهم من رجح ان المراد علي بن محمد بن بندار ، ومنهم من توقف ولم يعين احدهم.
1 ـ الكافي : 3 / 503 ، الحديث 2 و 3.
2 ـ الوسائل : 6 / 18 ، الباب 4 ، الحديث 3.
3 ـ قاموس الرجال : 11 / 41.


(453)
    قال المولى صالح المازندراني في شرحه على الكافي : « يروي مصنف هذا الكتاب كثيراً عن علي بن محمد وهو علي بن محمد بن إبراهيم الكليني المعروف بعلاّن » (1).
    اختار العلاّمة المجلسي في مواضع من « مرآة العقول » كون المراد منه علي بن محمد بن عبدالله بن اذينة الذي ذكره العلاّمة في العدّة التي تروي عن البرقي (2) وقال في موضع آخر ـ على ما حكى عنه ـ :
    « ان تعيين علي بن محمد المصدَّر في اوائل السند من بين الثلاثة المذكورة مشكل » (3).
    وذهب العلاّمة المامقاني إلى ان علي بن محمد هذا مردد بين ثلاثة وهم : علي بن محمد بن عبدلله بن اذينة ، وعلان ، والمعروف بـماجيلويه وكل منهم شيخ الكليني. ثم قال : « فحمله على احدهم دون الاخرين تحكم. والصالح لم يذكر دليله » (4).
    وادعى صاحب « قاموس الرجال » ان الظاهر تعين ارادة علان دون صاحبيه. وذلك لانه كلما ورد « علي بن محمد » عن سهل ، وقد فسر الكليني « عدة سهل » بجمع منهم « علان ». واضاف ان كون « ابن اذينة » غير ماجيلويه غير معلوم ، بل الظاهر كون « ابن اذينة » محرف « ابن لابنته » فهو متحد مع ماجيلويه (5).
    توضيح ذلك : ان علي بن محمد بن عبدالله المعروف ابوه بـ ـ ماجيلويه هو
1 ـ شرح الكافي للمولى صالح : 1 / 78 ، ذيل الحديث 2.
2 ـ مرآة العقول : 1 / 34 ، شرح الحديث 8.
3 ـ تنقيح المقال : 98 ـ 99 ، الفائدة الثامنة ، من الخاتمة فصل الكنى.
4 ـ المصدر نفسه.
5 ـ قاموس الرجال : 11 / 51 ـ 52 ـ وصرح بهذا التحريف في الصفحة 42 أيضاً.


(454)
ابن بنت البرقي ، كما صرح النجاشي في كتابه (1) اما علي بن محمد بن عبدالله ابن اذينة فهو مذكور فقط في عدة الكليني عن البرقي وليس له عين ولا اثر في موضع اخر ومن هنا استظهر المحقق التستري ان « اذينة » محرف « ابنته » والضمير راجع إلى البرقي فهو متحد مع ماجيلويه المذكور الذي تأدب على البرقي واخذ عنه العلم والادب وروى بواسطته كتب الحسين بن سعيد الاهوازي.
    وغير خفي أيضاً ان علي بن محمد المعروف بـ ـ ماجيلويه متحد مع علي بن محمد بن بندار الذي يروي عنه الكليني كثيراً.
    وعلى ضوء هذا فلو صح ما استظهره المحقق التستري يرجع الترديد إلى اثنين وهما علان وماجيلويه.
    ولكن ما ادعاه ( دام ظله ) من تعين ارادة علان دون ماجيلويه ، ليس بتام لانه قد وقع في الكافي رواية علي بن محمد عن علي بن الحسن (2) وعن ابن جمهور (3) وعن الفضل بن محمد (4) وعن محمد بن موسى (5) وغيرهم من الرجال ، وان كانت رواية علي بن محمد عن سهل كثيرة جداً ، وعلى سبيل المثال نذكر انه يوجد في « الكافي » من أول كتاب الطهارة إلى اخر الزكاة اكثر من مائة مورد ، روى الكليني في سبعين مورداً منها عن علي بن محمد ، عن سهل ، وفي سائرها عن رجال اخرين. فاطلاق كلام المحقق المذكور ليس في محله. كما ان ما ذكره صاحب « معجم رجال الحديث » بعدم ظفره في الكافي
1 ـ رجال النجاشي : 353 ، الرقم 947 ، والصفحة 59 ذيل الرقمين 136 ـ 137.
2 ـ الكافي : 3 / 185 ـ الحديث 6.
3 ـ المصدر نفسه : 37 ، الحديث 16 والصفحة 506 ، الحديث 23 ، والصفحة 527 ، الحديث 2.
4 ـ المصدر نفسه : 287 ، الحديث 5.
5 ـ المصدر نفسه : 287 ، الحديث 4.


(455)
وفي غيره على رواية محمد بن يعقوب الكليني عن علان غريب جداً (1).
    وادعى ـ دام ظله ـ أيضاً ان المراد من علي بن محمد المذكور في اوائل اسناد الكافي هو ابن بندار. واليك نص كلامه :
    « علي بن محمد من مشايخ الكليني وقد اكثر الرواية عنه في الكافي في جميع اجزائه واطلق. ومن ثم قد يقال بجهالته. ولكن الظاهر انه علي بن محمد بن بندار الذي روى عنه كثيراً فقد روى عنه في ابواب الاطعمة ثلاثة وثلاثين مورداً (2). وبهذا يتعيَّن أن المراد بعلي بن محمد في سائر الموارد هو علي بن محمد بن بندار » (3).
    ولا يخفى ما في هذا القول من النظر ، لأن موارد رواية علي بن محمد عن سهل كثيرة ـ كما أشرنا اليه ـ والمراد منه « علاّن » قطعاً لدخوله في العدة الراوين عن سهل ، كما مرَّ.
    ومن عجيب ما وقع له ـ بناء على ما اختاره ـ أن علي بن محمد بن بندار غير علي بن محمد بن عبدالله (4) ، مع أنهما متّحدان جزماً.
    والذي ظهر لنا بعد النظر في عبائر المحقّقين أن علي بن محمد المصدر في أوائل اسناد « الكافي » كثيراً ليس مجهولاً قطعاً ، بل هو إما علي بن محمد
1 ـ معجم رجال الحديث : 12 / 140 ، الرقم 8389.
2 ـ لم نظفر في كتاب الاطعمة ( ج 6 ، الصفحة 242 ـ 379 ) إلا على تسعة وعشرين مورداً روى فيها عن علي بن محمد بن بندار ، عشرون منها « علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن ابي عبدالله » ، وسبعة منها « علي بن محمد بن بندار عن ابيه » ، وواحد منها « علي بن محمد بن بندار عن محمد بن عيسى » ، وواحد منها « علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن محمد ». والمراد من أحمد بن محمد هو « أحمد بن ابي عبدالله البرقي » كما لا يخفى. وأيضاً روى في أبواب الاطعمة في موارد تسعة عن علي بن محمد بدون قيد.
3 ـ معجم رجال الحديث : 12 / 138 ، الرقم 8384.
4 ـ المصدر نفسه : الرقم 8439.


(456)
بن إبراهيم المعروف بعلاّن ، وإما علي بن محمد بن بندار المعروف أبوه بماجيلويه. وكلاهما ثقتان. فما ادَّعاه صاحب التنقيح كان أقرب إلى الصواب مما ذكر في القاموس والمعجم.

    الفائدة الخامسة
    نقل عن الاسترآبادي وحجة الاسلام الشفتي والمحقّق الكاظمي أن محمد بن الحسن الذي يروي عنه الكليني هو محمد بن الحسن الصفار ( المتوفّى عام 290 هـ ) وقوّى هذا القول العلاّمة الكلباسي والمحقّق التستري (1) ، أما المحدّث النوري فهو بعد ما نقل الوجوه المؤيدة لكون محمد بن الحسن هو الصفار ، زيّفها واستدل على خلافه بوجوه سبعة. ثم ذكر بعض من كانوا في طبقة مشايخ الكليني وشاركوا الصفار في الاسم ، مثل محمد بن الحسن بن علي المحاربي ، ومحمد بن الحسن القمي ، ومحمد بن الحسن بن بندار ومحمد بن الحسن البرناني (2).
    وأما احتمال كون محمد بن الحسن هذا هو ابن الوليد ـ كما زعمه بعض ـ فبعيد غايته ، لانه من مشايخ الصدوق وقد توفي عام 343 ، أي بعد أربعة عشر عاماً من موت الكليني.

    الفائدة السادسة
    قال صاحب « المعالم » في الفائدة الثانية عشرة من مقدمة كتابه المنتقى :
    « يأتي في أوائل أسانيد الكافي : محمد بن اسماعيل عن الفضل بن
1 ـ سماء المقال : 1 / 82 ـ قاموس الرجال : 11 / 43 ـ وأيضاً نقل في سماء المقال : 1 / 199 عن صاحب « انتخاب الجيد » ان كل ما ورد محمد بن الحسن بعد الكليني ، فهو الصفار.
2 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 543 ـ 545.


(457)
شاذان ، وأمر محمد بن اسماعيل هذا ملتبس ، لأن الاسم مشترك في الظاهر بين سبعة رجال وهم محمد بن اسماعيل بن بزيع الثقة الجليل ، ومحمد بن اسماعيل البرمكي ، ومحمد بن اسماعيل الزعفراني ـ وهذان وثقهما النجاشي (1) ـ ومحمد بن اسماعيل الكناني ، ومحمد بن اسماعيل الجعفري ، ومحمد بن اسماعيل الصيمري القمي ، ومحمد بن اسماعيل البلخي ، وكلهم مجهولو الحال » (2).
    ثم استدل على نفي كون محمد بن اسماعيل المذكور احد السبعة المذكورين وأضاف : « ويحتمل كونه غيرهم ، بل هو أقرب. فان الكشي ذكر في ترجمة فضل بن شاذان حكاية عنه وقال : إن أبا الحسن محمد بن اسماعيل البندقي النيسابوري ذكرها. ولا يخفى ما في التزام صاحب الاسم المبحوث عنه ، للرواية عن الفضل بن شاذان من الدلالة على الاختصاص به ونقل الحكاية عن الرجل المذكور يؤذن بنحو ذلك فيقرب كونه هو ... ثم ان حال هذا الرجل مجهول أيضاً إذ لم يعلم له ذكر إلا بما رأيت. فليس في هذا التعيين كثير فائدة ولعل في اكثار الكليني من الرواية عنه شهادة بحسن حاله » (3).
    وما احتمله صاحب المعالم هو ما قوّاه الكلباسي في « سماء المقال » والتستري في « قاموس الرجال » (4). ومال اليه كثير من الاعلام ، خلافاً لشيخنا البهائي في مقدمة « مشرق الشمسين » حيث اختار كون الرجل هو البرمكي الثقة ، وخلافاً لابن داود فانه قال :
1 ـ رجال النجاشي : الرقم 915 و 933.
2 ـ ان العلاّمة الكلباسي عد ستة عشر رجلاً باسم محمد بن اسماعيل وتعجب من صاحب المعالم انه ذكر ان المشتركين سبعة رجال ، كما ان المحقق الداماد انهاهم إلى اثني عشر رجلاً وادعى الشيخ البهائي انهم ثلاثة عشر.
3 ـ منتقى الجمان : 1 / 43 ـ 45.
4 ـ قاموس الرجال : 11 / 51.


(458)
    « إذا وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد بن اسماعيل ففي صحتها قولان فان في لقائه له اشكالاً فتقف الرواية بجهالة الواسطة بينهما وان كانا مرضيين معظمين » (1).
    وظاهر هذا الكلام أنه ابن بزيع ، كما قال صاحب المنتقى وناقش فيه بأن الكليني أجل من أن ينسب اليه هذا التدليس الفاحش (2).
    ولو سلمنا كون الرجل هو محمد بن اسماعيل النيسابوري فهل يحكم بصحة حديثه لكونه ثقة أو يحكم بحسنه او ضعفه لكونه مجهول الحال. قال صاحب المعالم : « ويقوى في خاطري ادخال الحديث المشتمل عليه في قسم الحسن ». وذكر الكلباسي أنه الثقة الإمامي الجليل والعالم النبيل واستشهد لقوله تارة باكثار الكليني في الكافي من الرواية عنه ، حتى قيل إنه روى عنه ما يزيد على خمسمائة حديث ، واخرى باستظهار كون الرجل من مشايخ اجازة الكليني. فحينئذ يكون حديثه صحيحاً ، كما جرى عليه المحقّق الداماد والفاضل البحراني. وفي مقابله جماعة من الاعاظم كالمجلسي الثاني وصاحب المدارك والتفرشي. ولهذا الفريق أيضاً دلائل وشواهد عديدة ، ذكرها العلاّمة الكلباسي في المقصد الثالث من كتابه (3).

    الفائدة السابعة
    ذكر العلاّمة في الفائدة التاسعة من « الخلاصة » وابن داود في رجاله انه قد يغلط جماعة في الاسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حماد بن عيسى ، فيتوهمونه حماد بن عثمان وهو غلط فان إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان ، بل حماد بن عيسى (4).
1 ـ الرجال لابن داود : 306.
2 ـ منتقى الجمان : 1 / 45.
3 ـ سماء المقال : 1 / 170 ـ 199.
4 ـ الخلاصة : 281 ؛ الرجال لابن داود : 307 ، الفائدة الرابعة.


(459)
    والأول توفي سنة 190 هـ والثاني سنة 209 هـ ( او 208 هـ ) كما صرح به النجاشي (1). حكى صاحب المنتقى كلام العلاّمة عن الخلاصة واضاف : « نبَّه على هذا غير العلاّمة أيضاً من اصحاب الرجال. والاعتبار شاهد به » (2).
    وأصل هذا الكلام ـ كما تفطن إليه السيد بحر العلوم (3) ـ مأخوذ ممّا ذكره الصدوق في مشيخة الفقيه بقوله :
    « وما كان فيه من وصية أمير المؤمنين لابنه محمد بن الحفنية ( رضي الله عنه ) فقد رويته عن ابي ( رضي الله عنه ) ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى عمَّن ذكره ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ). ويغلط اكثر الناس في هذا الاسناد فيجعلون مكان حمّاد بن عيسى ، حماد بن عثمان. وإبراهيم بن هاشم لم يلق حماد بن عثمان وانما لقى حماد بن عيسى وروى عنه » (4).
    قال صاحب « سماء المقال » :
    « والظاهر من كلام الصدوق أنه اطلع من الخارج على عدم اللقاء » (5) ، فلا جدوى لما صنعه بعض كالمحدث المتتبع النوري ( قدس سره ) من إثبات إمكان اللقاء ، لأن المدعى عدم اللقاء ، لا عدم امكانه رأساً (6) وأما ما يوجد في قليل من الروايات من رواية إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عثمان فلا يضرّ أيضاً ، لأن ظاهر مقالة الصدوق وتابعيه حصول التغليط في تعيين المطلق في المقيد المخصوص او تبديل المقيد بالمقيد وحينئذ إن ثبت عدم اللقاء يحكم إما
1 ـ رجال النجاشي : 142 ـ 143 ، الرقم 370 و 371.
2 ـ منتقى الجمان : 1 / 261 ، باب التكفين والتحنيط.
3 ـ الفوائد الرجالية : 1 / 447 ـ 448.
4 ـ الفقيه : 4 / 125 ، شرح مشيخة الفقيه.
5 ـ سماء المقال : 1 / 9.
6 ـ المصدر نفسه : 88.


(460)
بارسال الحديث او بتصحيفه. مع أن ما ذكر من موارد الخلاف لم يتحقق إلا نادراً في الغاية (1).
    ومن الشواهد التي ذكروها هي الرواية الخامسة من باب ( تحنيط الميّت وتكفينه ) بهذا الاسناد : « علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عثمان ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا : ... » (2) قال صاحب المنتقى بعد نقل هذا الحديث وتقوية كلام العلاّمة في الخلاصة ، ما هذا لفظه :
    « وقد وقع هذا الغلط في اسناد هذا الخبر على ما وجدته في نسختين عندي الآن للكافي. ويزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند بأن حماد بن عثمان لا تعهد له رواية عن حريز ، بل المعروف المتكرّر رواية حماد بن عيسى عنه » (3).
    فتحصل مما ذكرنا أنه إذا وجد في رواية : « إبراهيم بن هاشم عن حماد » فالمراد منه حماد بن عيسى لا حمّاد بن عثمان ، حتى يحكم بارسال السند او تصحيفه بناء على عدم لقاء إبراهيم لابن عثمان.

    الفائدة الثامنة
    قال ابن داود في رجاله : « إذا وردت رواية يروي فيها موسى بن القاسم عن حماد ، فلا تتوهَّمها مرسلة لكون حماد من رجال الصادق ( عليه السلام ) ، لأن حماداً إما ابن عثمان وقد بقي إلى زمن الرضا ( عليه السلام ) وروى عن الصادق والكاظم والرضا ( عليهم السلام ) وإما ابن عيسى فقد لقي الإمام الصادق ( عليه السلام ) وبقي إلى زمن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ومات غريقاً
1 ـ نقل المحقق الكلباسي عن جده السيد وعن المحدث النوري موارد عديدة من رواية إبراهيم عن ابن عثمان واجاب عن اكثرها. فراجع : 1 / 86 ـ 91.
2 ـ الكافي : 3 / 144 ، الحديث 5.
3 ـ منتقى الجمان : 1 / 261.


(461)
بالجحفة عن نيف وتسعين سنة حيث اراد الغسل للاحرام » (1).

    الفائدة التاسعة
    ان كلا من الشيخ ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي والشيخ الصدوق ابي جعفر محمد بن بابويه روى عن رجال لم يلقهم ، لكنه بينه وبينهم رجال ، فمنهم المستقيمون مذهباً ، فذاك السند صحيح ، ومنهم الموثقون مع فساد مذهبهم ، فذاك قوي. ومنهم المجروحون فذاك السند ضعيف. وقد سرد ابن داود اسامي هؤلاء في التنبيه التاسع من رجاله فليرجع من اراد (2).
    وقد عرفت حقيقة المقال عند البحث عن « شيخوخة الاجازة » وان ضعف المشايخ لا يضر بصحة الرواية إذا كان الكتاب المنقول عنه من الكتب المشهورة.

    الفائدة العاشرة
    وقع في اسناد كثير من الروايات تبلغ الفين ومائتين وخمسة وسبعين مورداً عنوان « ابي بصير » (3) فاختلف في تعيين المراد منه ، كما اختلف في تحقيق عدد من يطلق عليه هذه الكنية. فذهب بعضهم إلى اطلاقها على اثنين ، وبعض آخر على ثلاثة ، وجمع كثير على اربعة. وربما يظهر من بعضهم اكثر من هذا العدد أيضاً. قال المحقق التستري في رسالته الموسومة بالدر النظير في المكنين بابي بصير :
    « ان هذه الكنية جعلوها مشتركة بين عدة ذكر القدماء بعضهم ، وبعضهم الآخر المتأخرون ، يصل جمعهم إلى ثمانية » (4).
1 ـ الرجال لابن داود : 306.
2 ـ الرجال لابن داود : 308.
3 ـ معجم رجال الحديث : 21 / 45.
4 ـ قاموس الرجال : 11 / 60.


(462)
    لكن المشهور كما ذكرنا اشتراكها بين اربعة رجال ، كما ذهب اليه ابن داود والتفرشي والعلاّمة المامقاني. قال الأول : « ابو بصير مشترك بين اربعة : « 1 ـ ليث بن البختري 2 ـ يحيى بن ابي القاسم 3 ـ يوسف بن الحارث البتري 4 ـ عبدالله بن محمد الاسدي » (1).
    وهؤلاء الاربعة ليسوا كلهم ثقات ، كما جاء في « معجم رجال الحديث » : « وقد ذكر بعضهم ان ابا بصير مشترك بين الثقة وغيره. ولاجل ذلك تسقط هذه الروايات الكثيرة عن الحجية » (2).
    ولكن الحق كما صرح به المحقق التستري في قاموسه وفي رسالته المذكورة آنفاً والعلاّمة النحرير الخوانساري في تأليفه المنيف الموسوم بـ « رسالة عديمة النظير في احوال ابي بصير » وجمع آخر من المحققين ان المراد منه « يحيى بن ابي القاسم الاسدي الثقة ، احد فقهاء الطبقة الأولى من اصحاب الاجماع.
    ولو تنزلنا عن هذا لقلنا بانه مردد بين شخصين ثقتين : يحيى وليث ، كما في « معجم رجال الحديث » فانه قال :
    « ان ابا بصير عندما اطلق فالمراد به هو يحيى بن ابي القاسم ، وعلى تقدير الاغماض فالامر يتردد بينه وبين ليث بن البختري الثقة. واما غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية. بل لم يوجد مورد يطلق فيه ابو بصير ويراد به غير هذين » (3).
1 ـ الرجال لابن داود : 214 ، القسم الأول ، باب الكنى.
2 ـ معجم الرجال : 21 / 47.
3 ـ المصدر نفسه. ويظهر هذا أيضاً من العلاّمة الكلباسي في سماء المقال. فانه بعد استظهار انصراف ابي بصير إلى يحيى ، قال : « تنزلنا عن انصرافها فهي مترددة بينه وبين ليث كما صرح به بعض المحققين » ( سماء المقال : 1 / 115 ).


(463)
    هذا خلاصة القول فى المكنين بأبي بصير. ونشير إلى بعض التفاصيل الواردة في المقام.
    الف ـ ان عبدالله بن محمد الاسدي المذكور في الكتب الرجالية هو الذي يعبر عنه في الاسانيد بالحجال ، وعبدالله الحجال ، وعبدالله بن محمد الحجال ، وأبي محمد الحجال ، وعبدالله المزخرف ، والمزخرف (1) وهو من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) (2) فلا اشتراك بينه وبين ليث بن البختري ، ويحيى بن أبي القاسم من حيث الطبقة ، مع أن كنيته أبو محمد ولم يذكره أحد من الرجاليين بعنوان أبي بصير.
    أما « أبو بصير عبدالله بن محمد الاسدي » فليس له ذكر في الكتب الرجالية إلا ما عنونه الكشي في رجاله واعتمد عليه الشيخ الطوسي ومن تبعه فانه بعدما ذكر أبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ونقل الروايات الواردة فيه (3) أتى بهذا العنوان : « في أبي بصير عبدالله بن محمد الاسدي » ونقل في ذيله رواية واحدة ليس في سندها ولا في متنها أيّة دلالة على المعنون (4) لانّ أبا بصير المذكور فيها مطلق والراوي عنه هو « عبدالله بن وضاح » الذي كان من رواة يحيى بن أبي القاسم (5) ومن مميزات مروياته كما سنشير اليه. والرواية منقولة عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) وفيها أنّ الامام خاطب أبا بصير بقوله : « يا أبا محمد » ،
1 ـ سماء المقال : 1 / 101 ; فهرس رجال اختيار معرفة الرجال : 170. رجال النجاشي : 226 الرقم 595.
2 ـ رجال الشيخ : 381.
3 ـ اختيار معرفة الرجال : 169 ـ 174 ، الرقم 285 إلى 298 ـ والجدير بالذكر ان اكثر الروايات الواردة فيها ليست في شان ليث ، بل هي مرتبطة بيحيى بن ابي القاسم الاسدي منها الروايات برقم 289 ، 291 ، 292 ، 296 ، فراجع.
4 ـ المصدر نفسه : 174 الرقم 299.
5 ـ قال النجاشي في ترجمة عبدالله بن وضاح : « صاحب ابا بصير يحيى بن أبي القاسم كثيراً وعرف به » ( الصفحة 215 ، الرقم 560 ).


(464)
مع أنّ أبا محمد كنية يحيى أيضاً.
    فحينئذ نسأل الكشي من اين وقف على ان ابا بصير هذا ليس يحيى بن ابي القاسم ، بل هو عبدالله بن محمد الاسدي الذي يشترك مع يحيى في الطبقة والراوي ، وفي كونه مكنى بابي بصير وابي محمد ، ولم يتفطن احد غيره بوجود هذا الرجل في اصحاب الصادق ( عليه السلام ) ؟ (1). قال العلاّمة الكلباسي : « فلقد اجاد من قال : ان ظني ان ايراده ـ أي الكشي ـ هذا الخبر في هذا المقام مما لا وجه له » (2) ، وجزم المحقق التستري ان الرجل المذكور ليس له وجود اصلا وان منشأ ذكره في الكتب الرجالية المتأخرة تصحيف العنوان المذكور في الكشي واعتماد الشيخ ( رحمه الله ) وذكره في رجاله ، كذكره في اختياره ثم اتباع من تأخر عن الشيخ كابن داود ، لحسن ظنهم به (3).
    ولو اغمضنا عن هذا وفرضنا وجود هذا الرجل المكنى بابي بصير ، فلا اقل من عدم اشتهاره بهذه الكنية بحيث لو اطلقت احتمل انصرافها اليه كانصرافها إلى يحيى. يدلنا على ذلك ما اجاب به علي بن الحسن بن فضال حينما سئل عن ابي بصير فقال : اسمه يحيى بن ابي القاسم ، كان يكنى ابا محمد وكان مولى لبني اسد وكان مكفوفاً » (4).
    ولا يخفى انه لو كان رجل آخر مشتهراً بابي بصير ومشتركاً مع يحيى في كنيته الاخرى وفي كونه اسدياً ، وفي كونه من اصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، كان من الواجب على ابن فضال ان ينبه عليه ولم ينبه.
1 ـ بل ليس لهذا الرجل ذكر في رجال البرقي ولم يذكره العقيقي وابن عقدة وابن الغضائري الذين صنفوا في الرجال واخذ عنهم من جاء بعدهم.
2 ـ سماء المقال : 1 / 100.
3 ـ قاموس الرجال : 11 / 65 ـ 99 ـ وللمؤلف ـ دام ظله ـ استظهارات لطيفة في تصحيح العنوان المذكور في الكشي.
4 ـ اختيار معرفة الرجال : 173 الرقم 296.


(465)
    ب ـ ذكر الشيخ في رجاله : « يوسف بن الحارث ، بتري يكنى ابا بصير » (1) ومستنده بعض نسخ الكشي حيث جاء فيه في عنوان « محمد بن اسحاق صاحب المغازي » : « ابو بصير يوسف بن الحارث بتري » (2) فتبعهما العلاّمة وابن داود في رجالهما وذكرا الرجال بعنوان ابي بصير يوسف بن الحارث. ثم ادعى ابن داود اشتراك ابي بصير بينه وبين عبدالله المتقدم وليث ويحيى الآتيان ، كما مر.
    ولكنه يظهر من القهبائي في مجمعه ان الموجود في النسخ المصححة من الكشي هو « ابو نصر بن يوسف بن الحارث بتري » والشيخ اما استعجل في قراءته واما اخذه من نسخة اخرى وذكره بالعنوان المذكور ومال جمع من المتأخرين إلى هذا القول ، كما يظهر من « سماء المقال » (3).
    اضف إلى ذلك ان كون الرجل مكنى بكنية لا يستلزم اشتهاره بتلك الكنية وانصرافها عند الاطلاق اليه. يؤيد هذا ان الكشي ـ مع فرض صحة نسخة الشيخ ـ قيد الكنية باسم الرجل ولم يطلقها. فلا يبعد ان الشيخ أيضاً لم يرد اشتهاره بهذه الكنية ، لكن ابن داود ( رحمه الله ) اشتبه عليه الأمر وافتى بالاشتراك.
    بقى شيء وهو ان الرجل المذكور لم يكن ثقة قطعاً ، بل هو كما صرح الكشي والشيخ ـ كان بتريا والبترية هم الذين قال الصادق ( عليه السلام ) في شأنهم : « لو ان البترية صف واحد ما بين المشرق إلى المغرب ما اعز الله بهم دينا » والبترية هم اصحاب كثير النوا ، والحسن بن صالح بن حي ، وسالم بن ابي حفصة ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل وابي المقدام ثابت
1 ـ رجال الشيخ ، اصحاب الباقر ، باب الياء ، الرقم 17.
2 ـ اختيار معرفة الرجال : 390 الرقم 733 ـ وما في هذه النسخة المطبوعة مطابق لما ذكره القهبائي.
3 ـ سماء المقال : 1 / 98 ؛ مجمع الرجال : 5 / 149.
كليات في علم الرجال ::: فهرس