مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 1 ـ 10

مفاهيم القرآن
العدل والإمامة
الجز العاشر
يبحث عن العدل والإمامة
وحقوق أهل البيت ( عليهم السلام )
في القرآن الكريم وتاريخ التفسير
تأليف
العلّامة المحقّق
جعفر السبحاني


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد الله الذي قام بالقسط في خلقه ، وعدل عليهم في حكمه ، والصلاة والسلام على من كلامه ، الفصل وحكمه ، العدل سيد المرسلين وأفضل النبييّن محمّد ، وآله الطاهرين الذين انتظم بهم عقد الإمامة وتزيَّنت بهم مسند الخلافة.
    أمّا بعد :
    لقد قام الإسلام على دعائم متينة وأُسس راسخة تمثَّلت في أُصول الدين الّتي من أبرزها التوحيد والمعاد والنبوة ، وهذا ما اتّفق عليه المسلمون بكافة طوائفهم ونحلهم ، فلا يدخل أحد في حظيرة الإسلام إلا إذا آمن بتوحيده سبحانه ذاتاً وفعلاً وعبادة ، و آمن بمعاده وانّه سبحانه يبعث من في القبور ، وآمن بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وانّها الحلقة الأخيرة من نظام النبوة التي ترتبط بالسماء.
    وثمة أُصول أُخرى وقعت مثاراً للجدل والنقاش من قِبَل الفرق الإسلامية فمنهم من عدّها من جوهر الدين وصميمه ، كما أنّ منهم من عدّها من فروع الدين ، وهذه كالإمامة والخلافة بعد الرسول فهي عند السنَّة من فروع الدين ، لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرع وجود إمام عادل ذي قوة وقدرة وصولة ، فتكون الإمامة كالمقدمة لهذه المسؤولة الخطيرة ، ومنهم من يعدّها من أُصول الدين لأنّهم يرون الإمامة منصباً إلهيّاً وانّ وظيفتها هي استمرار وظائف النبوة ، وإن


(6)
كانت النبوة منقطعة بارتحال الرسول لكن الوظيفة بعد باقية.
    وكالعدل الّذي اتّفق المسلمون برمّتهم على وصفه سبحانه به ، ولكن اختلفوا في مفهوم العدل وحقيقته كما سيوافيك ، ولذلك نكرّس جلّ جهودنا على تبيين هذين الموضوعين متمثّلين بقول الصاحب بن عباد حيث يقول :
لو شُق عن قلبي يُرى وسطَه العدل والتوحيد في جانب سطران قد خُطّا بلا كاتب وحبّ أهل البيت في جانب
    ولّما كان بين الإمامة والتعرّف على أهل البيت عليهم السلام الذين طهرّهم الله ، صلة قويمة ، أثرنا فتح باب لبيان سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم.
    ومّما تجدر الإشارة إليه انّ هذه الموسوعة تشكّل الحلقة الأخيرة من سلسلة مفاهيم القرآن ، فالواجب يحتّم علينا التنويه بالسير التاريخي للتفسير لدى الإماميّة ، وقد ذكرنا من ألوان تفاسيرهم وأسماء كتبهم ما سمح به الوقت ، فانّ الإحاطة بها رهن تأليف مفرد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
جعفر السبحاني
قم ـ مؤسسة الإمام الصادق( عليه السلام )
21 شوال 1420 هـ


(7)
العدل و الإمامة
    المقدّمة
    إنّ العقيدة الإسلامية تنقسم إلى قسمين :
    الأوّل : ما يعرف بأُصول الدين.
    الثاني : ما يعرف بأُصول المذهب.
    ويراد من الأوّل ، الأُصولُ الَّتي اتّفق عليها عامة المسلمين ولم يخالف فيها أحد ، وفي الحقيقة تُناط تسمية الإنسان مسلماً بهذه الأُصول الثلاثة ، وهي كالتالي :
    أ : التوحيد بمراتبه.
    ب : المعاد.
    ج : النبوة العامة والخاصة.
    وهذه الأُصول الثلاثة قد أشبعنا البحث فيها ضمن أجزاء هذه الموسوعة ، بقي الكلام في القسم الثاني ، وهو ما يعبَّر عنه بأُصول المذهب ، التي هي عقيدة بعض المذاهب الإسلامية وهي اثنان :
    أ : العدل
    ب : الإمامة.


(8)
    أمّا الأوّل : فيؤمن به الإمامية والمعتزلة ، ويخالفهما الأشاعرة ، وسوف يوافيك تفصيل البحث فيه.
    وأمّا الثاني : فهو مما يتميّز به المذهب الإمامي الاثنا عشري عن سائر المذاهب ، كما سيوافيك.
    وربما يُثار سؤال وهو أنّه كيف يمكن عدّ الأصل الأوّل من خصائص الإمامية والمعتزلة على الرغم من أنّ كافّة الطوائف الإسلامية تصف اللّه سبحانه بالعدل ، ولا نجد بين المسلمين من يقول بأنّ اللّه ظالم ليس بعادل ؟
    والجواب : انّ ما ذكر صحيح ، وانّ جميع الفرق تصف اللّه سبحانه بأنّه عادل لا يجور ، غير أنّهم يختلفون في معنى « العدل » وكونه عادلاً لا جائراً.
    فالإمامية والمعتزلة أصفقت على أنّ العدل له مفهوم واحد ، ومعنى فارد ، اتّفق عليه قاطبة العقلاء.
    مثلاً : أخذ البريء بذنب المجرم ظلم يتنزّه عنه اللّه سبحانه ، و هكذا ، فكلّ ما حكم العقل بفعل انّه ظلم ، فاللّه سبحانه منزَّه عنه.
    وعلى ذلك فالحكم بالعدل وتمييز مصاديقه وجزئياته ، وانّ هذا عدل وذاك ظلم كلّها ترجع إلى العقل.
    وأمّا الأشاعرة فهم وان يصفون اللّه سبحانه بالعدل ، لكنّهم لا يحدّدون العدل ، بمفهوم واضح ، بل يوكلون ذلك إلى فعل اللّه سبحانه ، وانّ كلّ ما صدر منه فهو عدل ، وكلّ ما نهى عنه فهو ظلم ، وبذلك أقصوا العقل عن القضاء في ذلك المقام.
    وبعبارة أُخرى : انّ الشيعة والمعتزلة يرون أنّ للعدل والظلم ملاكاً عند


(9)
العقل ، وبه يتميز أحدهما عن الآخر ، ويوصف الفعل بالعدل أو الظلم ، ولكن الأشاعرة ينكرون ذلك الملاك ، ويرون انّ أفعاله سبحانه فوق ما يدركه العقل القاصر.
    ولذلك كلّ ما يصدر منه فهو عدل ، محتجّين بقوله سبحانه : « لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ » . (1)
    وعلى ضوء ذلك يتبين أنّ وحدة الفرق الإسلامية في وصفه سبحانه بالعدل وحدة صورية ، وإلا فالملاك عند الفرقتين للعدل غير ملاكه عند الأشاعرة. فلو أمر سبحانه بتعذيب الأنبياء والأولياء والصدّيقين فهو عند الأشاعرة عدل لا مانع من صدوره عنه ، ولكنّه عند غيرهم أمر قبيح لا يصدر منه سبحانه. وهو وإن كان متمكناً من ذلك العمل وقادراً عليه لكن حكمته سبحانه تحول دون ارتكابه.
    هذا كلّه حول العدل.
    وأمّا الإمامة : فيثار حولها نظير السؤال السابق ، فالمسلمون قاطبة يؤمنون بأصل الإمامة وانّه لابدّ للمسلمين من إمام يأتمّون به ، ولكنّهم اختلفوا في خصوصياتها ، فهل الإمامة منصب إلهي كالنبوة لا يناله إلا الأمثل فالأمثل من الأُمة ، ولا يمكن الوقوف على القائم بأعباء الإمامة إلامن خلال نصبه سبحانه ؟
    أو انّه منصِب بشري ومقام اجتماعي يقوم بأعبائه من تُعيّنه طائفة من الأُمّة ؟ وبذلك تختلف وجهة النظر في واقع الإمامة عند الطائفتين.
    نبدأ الكلام في الأصل الأوّل من أُصول المذهب ، وهو العدل الإلهي.
1 ـ الأنبياء : 23.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس