مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 91 ـ 100
(91)
بغافل عن خطرهم ، وقد أوصى في أواخر حياته بتجهيز جيش بقيادة أُسامة بن زيد بغية مواجهة الروم.
    3. خطر المنافقين
    المنافقون هم الذين استسلموا للمدِّ الإسلامي وأسلموا بألسنتهم دون قلوبهم إمّا خوفاً أو طمعاً ، فكانوا يتجاهرون بالولاء للإسلام ، ويخفون نواياهم السيئة ويتحيّنون الفرُص بغية الانقضاض على المسلمين والإطاحة بهم.
    ولقد بلغ خطر المنافقين بمكان أصبح يهدد كيان المجتمع الإسلامي ، لأنّهم كانوا يحيكون مؤمرات خفيّة ينقاد لها السُّذّّج من الناس ، ولأجل ذلك شدّد القرآن الكريم على ذكر عذابهم أكثر من أي صنف آخر ، وقال : « إِنَّ المُنافِقينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النّار ... » . (1)
    ويحدّثنا التاريخ كيف لعب المنافقون دوراً خبيثاً وخطيراً في تعكير الصف الإسلامي وإتاحة الفرصة لأعداء الإسلام بغية تمرير مخططاتهم سواء أكان قبل انتشار صولة الإسلام وبعده.
    وعلى هذا فكان من المحتمل بمكان أن يتحد هذا الخطر الثلاثي الاجتثاث جذور الإسلام عقب رحيل النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وغياب شخصه عن ساحة الصراع السياسي.

    سيادة الروح القبلية على المجتمع الإسلامي الفتي
    لقد كانت الروح القبلية سائدة على المجتمع الإسلامي الفتيّ يومذاك ، وكان لرئيس القبيلة نفوذ واسع بين أفراد قبيلته ، وقد كان الولاء للقبيلة متوغلاً في
1 ـ النساء : 145.

(92)
نفوسهم حتى بعد إسلامهم رغم ما تلقّوه من التعاليم الإسلامية والتربية القرآنية ، ولذلك كانت تلك النزعة تظهر بين الفينة والأُخرى وينشب بسببها النزاع ويكاد يتسع لولا حكمة الرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وتدبيره.
    ويكفي في ذلك ما رواه أهل السير في تفسير قوله سبحانه : « يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأَذلُّ وَللّه ِالعِزَّةَ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ » . (1)
    وقد نشب نزاع في العام السادس من الهجرة في أرض بني المصطلق عند ماء ، حيث تنازع رجلان أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار على سقي الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الأنصاري فقال : يا معشر الأنصار ، والآخر قال : يا معشر المهاجرين ، فاجتمع من كلٍ ّرهطٌ بسيوفهم ، فلولا حكمة النبيّ ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لسالت دماء في أرض العدو حيث قدم النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) قال : « دعوها فانّها دعوى منتنة » (2) يعني أنّها كلمة خبيثة لأنّها من دعوى الجاهلية ، وجعل اللّه المؤمنين إخوة وحزباً واحداً.
    وكم لهذا الموقف من نظائر في التاريخ ، وبإمكانك أن تقرأ دور شاس بن قيس الذي كان شيخاً من اليهود كيف خطّط لإثارة النعرات الطائفية بين الأوس والخزرج حتى كادت أن تندلع الفتنة بينهما مرة أُخرى إلا أنَّ النبيّ ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أخمدها بحكمة بالغة ، قائلاً : يا معشر المسلمين اللّه اللّه ، أبدعوى الجاهلية وانا بين أظهركم بعد أن هداكم اللّه للإسلام وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألّف به بين قلوبكم » . (3)
1 ـ المنافقون : 8.
2 ـ السيرة النبوية : 290/2 ـ 291.
3 ـ السيرة النبوية : 555/1 ـ 557.


(93)
    كل ذلك يدل على وجود رواسب الجاهلية بين قبيلتي الأوس والخزرج حتى بعد اعتناقهم الإسلام وانضوائهم تحت لوائه. ويشهد على ذلك مضافاً إلى ما مرّ ما أخرجه البخاري في صحيحه في قصة الإفك ، قال : قال النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) هو على المنبر : « يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي واللّه ماعلمت على أهلي إلا خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً ، وما يدخل على أهلي إلا معي » .
    قالت عائشة : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا يا رسول اللّه أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.
    قالت : فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ـ ، قالت : وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة ـ فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمرو اللّه ، واللّه لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يُقتل.
    فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمراللّه ، لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.
    قالت عائشة : فثار الحيّان ( الأوس والخزرج ) حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) قائم على المنبر.
    قالت : فلم يزل رسول اللّه يخفّضهم حتى سكتوا وسكت. (1)
    فكيف يجوز والحال هذه أن يترك الرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أُِِمَّته المفطورة على العصبيات القبلية ، وعلى الاستئثار بالسلطة والزعامة وحرصهاً على النفس ، ورفض
1 ـ صحيح البخاري : 189/5 ، باب غزوة بني المصطلق.

(94)
سلطة الآخر ؟
    فهل كان يجوز للنبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أن يترك تعيين مصير الخلافة لأُمَّة هذه حالها ، وفي تعيينه قطع لدابر الاختلاف والفرقة ؟
    وهل كان من المحتمل أن تتفق كلمة الأُمَّة جمعاء على واحد ، ولا تخضع للرواسب القبلية ، ولا تبرز إلى الوجود مرة أُخرى ما مضى من الصراعات العشائرية وما يتبع ذلك من حزازات ؟
    أم هل يجوز لقائد يهتم ببقاء دينه وأُمّته أن يترك أكبر الأُمور وأعظمها وأشدها دخالة في حفظ الدين ، إلى أُمة نشأت على الاختلاف ، و تربَّت على الفرقة ، مع أنّه كان يشاهد الاختلاف منهم في حياته أحياناً ، كما عرفت ؟
    إنّ التاريخ يدل على أنّ هذا الأمر قد وقع بعد وفاة النبيّ ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في السقيفة حيث سارعت كلّ قبيلة إلى ترشيح نفسها للزعامة ، منتحلة لنفسها أعذاراً وحججاً وطالبة ما تريد بكلّ ثمن حتى بتجاهل المبادئ وتناسي التعاليم الإسلامية والوصايا النبوية.
    فقد ذكر ابن هشام تحت عنوان « أمر سقيفة بني ساعدة ، تفرق الكلمة » (1) نقلاً عن عمر بن الخطاب ما يدل على اختلاف الكلمة وعدم الاتفاق على أحد.

    فذلكة وتحليل
    هذه صورة مصغرة من تاريخ المسلمين في العصر الأوّل ، وقد عرفت أنّ الأعداء كانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر للقضاء عليهم من الخارج والداخل.
1 ـ السيرة النبوية : 659/2 ـ 660.

(95)
    ومن جانب آخر كانت الرواسب القبلية خامرة في نفوسهم تبرز بين الحين والآخر.
    فهذه الظروف تفرض على قائد حكيم كالنبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أن يفكِّر مليّاً في مستقبل الأُمة الإسلامية بعد رحيله ، فيخطّط تخطيطاً حكيماً للحيلولة دون مضاعفات الخطر الثلاثي والتعصبات القبلية التي تهدد كيان الإسلام وتقوّض أركانه من خلال نصب قائد بأمر من قبل اللّه سبحانه يقود الأُمة الإسلامية إلى ساحة الجهاد بُغية دفع الأخطار المحدقة بهم ، وبقداسته ومثاليته وكونه منصوباً من اللّه سبحانه يقطع دابر الخلاف في تعيين الخليفة ، وهذا بخلاف ما لو ترك الأُمة على حالها والعدو ببابها والنزاع القبلي على قدم وساق.

    الصحابة وموَهلات القيادة
    لم تبلغ الأُمّة الإسلامية ـ كما يشهد عليه التاريخ ـ المستوى الفكري الذي يوَهلها إلى تدبير أُمورها وإدارة شؤونها وقيادة سفينتها إلى ساحل الأمان دون حاجة إلى نصب قائد من اللّه سبحانه.
    وقد كان عدم بلوغ الأُمّة هذا المستوى أمراً طبيعياً ، لأنّ إعداد أُمّة كاملة بحاجة إلى مزيد من الوقت ولا يتيسر ذلك في فترة وجيزة تبلغ 23 سنة ، وهي حافلة بأحداث مريرة ومشحونة بحروب طاحنة.
    إنّ إعداد مثل هذه الأُمة لا يمكن في العادة إلا بعد انقضاء جيل أو جيلين ، و بعد مرور زمن طويل يكفي لبلورة التعاليم الإسلامية ورسوخها في أعماق النفوس بحيث تخالط مفاهيمُ الدين دماءهم ، وتتمكن العقيدة في نفوسهم إلى حد


(96)
يحفظهم من التذبذب والتراجع إلى الوراء.
    وهذا الحد من الكمال لم يكن حاصلاً في فترة قصيرة ، وتشهد على ذلك الأحداث والوقائع التي كشفت عن تأصُّل الأخلاق الجاهلية في نفوسهم وعدم تغلغل الإيمان في قلوبهم ، حتى أنّنا نجد أنّ القرآن يشير إلى ذلك تعليقاً على ما حدث ووقع منهم في معركة أُحد ، إذ يقول سبحانه : « وَما محمّدٌ إِلا رَسُولٌ قد خلَتْ مِنْ قَبلهِ الرُّسلُ أَفَإِنْ ماتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيئاً وسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ » . (1)
    ويقول أيضاً : « وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيءٍ » . (2)
    وربما يتصوَّر أنّ هذه النكسات تختص بالسنين الأُولى من الهجرة ، ولا تختص بالسنين التي أعقبت وفاة النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لانتشار الإسلام في الجزيرة العربية واعتناق خلق كثير منهم الإسلام ، ولكن التاريخ يرد تلك المزعمة ويثبت عدم بلوغهم الذروة في أمر القيادة بحيث تغنيهم عن نصب قائد محنّك من جانبه سبحانه.
    وهذه هي غزوة « حنين » التي غزاها النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في السنة الثامنة ، وقد أُصيب المسلمون بهزيمة نكراء تركوا النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في ساحة الوغى ولم ينصره سوى عدد قليل ، فلمّا رأى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) تفرَّق المسلمين حينها قارعهم بصوت عال ، وقال : « أيّها الناس هلمُّوا إليّ أنا رسول اللّه » ، إلى غير ذلك من الكلمات التي علّمها لعمَّه العباس حتى يُجهر بها ، وقد نقل القرآن الكريم إجمال تلك الهزيمة ، وقال : « لََقَدْ نَصَرَكُمُ
1 ـ آل عمران : 144.
2 ـ آل عمران : 154.


(97)
اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ » . (1)
    إَّن قوله سبحانه : « ولَّيتم مدبرين » يعرب عن عدم نهوضهم بمهمة الدفاع عن النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، ومثل هذه الأُمَّة بحاجة ماسّة إلى نصب قائد محنّك يلمَّ شعثهم ولا يصح تفويض أُمورها إلى جماعة هذه حالهم وهذا مقدار ثباتهم في ساحات الحرب والدفاع عن كيان الدين.
    وهناك كلمة قيمة للشيخ الرئيس في بيان الأُسلوب الأفضل للحكومة الإسلامية حيث يقول : الاستخلاف بالنص أصوب ، فانّ ذلك لا يوَدي إلى التشعب والتشاغب والاختلاف. (2)
1 ـ التوبة : 25.
2 ـ الشفاء ، الفن 13 في الإلهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الخامس ، ص 564.


(98)
    الفصل الثاني
أهل السنَّة ومعالم الحكومة الإسلامية
    إنّ النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) هو القائد الذي تفانى في أداء رسالة ربّه وهداية أُمَّته بكلّ إخلاص وعزيمة ، ولم يكن شيء عنده أعزّ من هداية الناس وبقاء شريعته والنظام الذي يحمي الشريعة ، فعلى ذلك كان على مفترق طرق :
    أ : أن ينصب قائداً محنكاً يخلفه في كلّ مهامه و يقطع دابر الخلافات بعده ويكون عمله نموذجاً للآخرين.
    ب : أن يبيِّن معالم الحكومة وخصوصياتها بكلّ دقة وتفصيل ، حتى تستغني الأُمة بذلك عن التنصيب ويكون كلامه هو الملهم عبْر الأجيال في تعيين نوع الحكومة للمسلمين.
    بيد أنّ التصور السائد عند أهل السنّة هو أنّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لم يسلك الطريق الأوّل ولم ينصب خليفة بعده ، بل ترك الأمر إلى الأُمَّة ، ومع ذلك لا يوجد في مجموع ما بأيدينا من الكتاب والروايات المروية في الصحاح والمسانيد شيء يرسم الخطوط العريضة لنوع الحكومة وأركانها وخصائصها وصفات الحاكم وبرامجه ، مع أنّه تكلم في أبسط الأُمور فضلاً عن أخطرها ، كما هو واضح لمن طالع الصحاح والمسانيد خصوصاً فيما يرجع إلى حياة الإنسان.


(99)
    ولمّا وجد علماء أهل السنة أنفسهم أمام تلك المعضلة حاولوا حلَّ عقدتها بترسيم خطوط عريضة لحكومة إسلامية من عند أنفسهم تارة باسم الشورى ، وأُخرى باسم أهل الحل والعقد ، وثالثة باتخاذ حكومة الخلفاء الأربعة وما يليها أُسوة وبياناً لنوع الحكومة الإسلامية وخصوصياتها.
    كلّ ذلك يعرب عن أنّ علماء أهل السنة لم يتجردوا عن كلّ رأي مسبق فأخذوا خصوصيات الحكومات القائمة بعد النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) حجّة شرعية للمسلمين عامة.
    مع أنهم لم يعتمدوا في إقامة دعائم الحكومة على دليل قرآني أو سنة نبوية ، وإنّما وضعوا حلولاً استحسانية والتي لا تكون حجّة إلا على أنفسهم.
    وها نحن نطرح هذه الفروض على بساط البحث كي يعلم مدى إتقانها.

    هل الشورى أساس الحكم الإسلامي ؟
    هناك من اتخذ الشورى أساساً للحكم الإسلامي ، واستدلُّوا على ذلك بآيتين :
    الأُولى : قوله سبحانه : « ... وََشاوِرْهُمْ فيالأَمْرِ فَإذا عَزمْتَ فَتَوَكّلْ عَلئ اللّهِ ... » (1) قائلين بأنّه سبحانه أمر نبيَّه بالمشاورة تعليماً للأُمَّة ، بأن يتشاوروا في مهام الأُمور ومنها الخلافة.
    والذي يوَخذ عليه : انّ الخطاب موجّه إلى الحاكم الذي ثبت كونه حاكماً بوجه من الوجوه ثمّ أمره بالمشاورة في غير هذا الأمر. بأن يشاور أفراد الأُمّة فيما
1 ـ آل عمران : 159.

(100)
يرجع إلى غير أصل الحكومة ، غاية الأمر يتعدّى عنه إلى غير النبيّ ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) من أفراد الأُمّة ، لكن مع حفظ الموضوع ، وهو إذا تمت حكومة فرد و ثبتت مشروعيته ، فعليه أن يشاور الأُمّة ، وأمّا المشاورة في تعيين الإمام والخليفة عن طريق الشورى فلا تعمُّه الآية.
    الثانية : قوله سبحانه « وَ أمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ » . (1)
    استدلُّوا بالآية على أنّ نوع الحكومة يتلخص في الشورى فإنّ إضافة المصدر ( أمر ) إلى الغير ( هم ) يفيد العموم والشمول لكل أمر ، ومنه الخلافة والإمامة فالمؤمنون بحسب هذه الآية يتشاورون في جميع أُمورهم حتى الخلافة.
    يلاحظ عليه : أنّ الآية تأمر بالمشورة في الأُمور الموضوعة على عاتق المؤمنين فلابدّ أن يحرز أنّ هذا الأمر ( تعيين الإمام ) أمر مربوط بهم فما لم يحرز ذلك لم يجز التمسك بعموم الآية في مورده.
    وبعبارة أُخرى انّ النزاع في أنّ الخلافة هل هي مفوّضة إلى الأُمَّة ، أو هي أمر مختص بالسماء ؟ و مادام لم يحرز كون هذا الموضوع من مصاديق الآية لا يحتج بها على أنّ صيغة الحكومة الإسلامية هي الشورى.
    نقد فكرة أنَّ الشورى أساس الحكم
    1. ومما يدل على أنّ الشورى لم تدخل حيز التنفيذ طيلة التاريخ هي انّ بيعة أبي بكر قد انعقدت بخمسة ، وهم : عمر بن الخطاب ، أبو عبيدة الجراح ، أسيد بن حضير ، بشر بن سعد ، و أسلم مولى أبي حذيفة.
1 ـ الشورى : 38.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس