مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 281 ـ 290
(281)
من حقوق أهل البيت ( عليهم السّلام )
5
دفع الخمس إليهم
    الأصل في ضريبة الخمس ، قوله سبحانه : « وَاعْلَمُوا أنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فأنّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ الْتَقى الجَمْعانِ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَْيءٍ قَدِير ... » . (1)
    نزلت الآية يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان وهي غزوة بدر الكبرى ، واختلف المفسرون في تفسير الموصول في « ما غنمتم » هل هو عام لكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته ، كما عليه الشيعة الإمامية ، أو خاص بما يظفر به في الحرب ، وهذا بحث مهم لا نحوم حوله ، لأنّه خارج عّما نحن بصدده ، وقد أشبعنا الكلام فيه في كتابنا « الاعتصام بالكتاب والسنة » وأثبتنا بفضل القرآن والأحاديث النبوية انّ الخمس يتعلَّق بكلّ ما يفوز به الإنسان في حياته ، وانّ نزول الآية في مورد الغنائم الحربية لا يُخصص الحكم الكلي. (2)
1 ـ الأنفال : 41.
2 ـ الاعتصام بالكتاب والسنَّة : 91 ـ 105.


(282)
    إنّما الكلام في تبيين مواضع الخمس ، وقد قسّم الخمس في الآية إلى ستة أسهم ، أعني : للّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
    فالسهمان الأوَّلان واضحان ، إنّما الكلام في السهم الثالث وما بعده ، فالمراد من ذي القربى هم أقرباء النبي وذلك بقرينة الرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، وقد سبق منّا القول في تفسير آية المودة : انّ تبيين المراد من القربى رهن القرائن الحافَّة بالآية فربما يراد منها أقرباء الناس ، مثل قوله : « وَإِذا قُلتُمْ فاعْدِلُوا وَلَو كانَ ذا قُربى » . (1) المراد أقرباء المخاطبين ، بقرينة قوله : « قلتم فاعدلوا » نظير قوله : « وإِذا حضر القسمة ذوي القربى » والمراد أقرباء الميت.
    وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ « الرسول » يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية « للرسول و لذي القربى » ، و مثله قوله : « ما أفاءَ اللّهُ عَلى رسولهِ مِنْ أهلِ القُرى فللّهِ ولِلرَّسولِ وَلِذي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ » . (2) وقوله : « فَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ » . (3)
    فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني « فآت » .
    ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس ، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
    هذا هو المفهوم من الآية ، وعلى ما ذكرنا فكلّ ما يفوز به الإنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين ، يُقسّم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.
1 ـ الأنعام : 152.
2 ـ الحشر : 7.
3 ـ الروم : 38.


(283)
    ويؤيده الروايات التالية :
    1. روي عن ابن عباس : كان رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يقسّم الخمس على ستة : للّه وللرسول سهمان وسهم لأقاربه ، حتى قبض. (1)
    2. وروي عن أبي العالية الرياحي : كان رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه ، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه ، ثم يقسَّم ما بقي ، على خمسة أسهم : فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل. قال : والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه. (2)
    وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلأجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس.
    أخرج الطبري عن مجاهد ، انه قال : كان آل محمّد ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس. (3)
    وأخرج أيضاً عنه : قد علم اللّه أنّفي بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (4).
    كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) أنّ السهام الأربعة من الخمس ، لآل محمّد ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ). (5)
1 ـ تفسير النيسابوري : 4/10 ، المطبوع بهامش الطبري.
2 ـ تفسير الطبري : 4/10 ؛ أحكام القرآن : 60/3.
3 ـ الظاهر زيادة لفظ « خمس » بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.
4 ـ تفسيرالطبري : 5/10.
5 ـ الوسائل : 6/ الباب 29 من أبواب المستحقّين للزَّكاة.


(284)
    هذا ظاهر الآية ويا للأسف لعب الاجتهاد دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وظهرت أقوال لا توافق النص القرآني ، وإليك مجملاً من آرائهم :
    1. قالت الشافعية والحنابلة : تقسّم الغنيمة ، وهي الخمس إلى خمسة أسهم : واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين ، وواحد يعطى لذوي القربى وهم من انتسب إلى هاشم بالابوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء ، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
    2. وقالت الحنفية : إنّ سهم الرسول سقط بموته ، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
    3. وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
    4. وقالت الإمامية : إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الإمام أو نائبه ، يضعها في مصالح المسلمين ، والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم. (1)
    5. وقال ابن قدامة في المغني بعدما روى أنّ أبابكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم : وهو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته ، قالوا : يقسم الخمس على ثلاثة : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته وسهم قرابته أيضاً.
    6. وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
    7. وقال الثوري : والخمس يضعه الإمام حيث أراه اللّه عزّوجلّ.
1 ـ الفقه على المذاهب الخمسة : 188.

(285)
    وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإنّ اللّه تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً ، كما سمّى الثلاثة أصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب ، وأمّا جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربى ، في سبيل اللّه ، فقد ذُكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ، ورأى أنّ قول ابن عباس ومن وافقه أولى ، لموافقته كتاب اللّه وسنة رسوله. (1)
    وقد أجمع أهل القبلة كافة على أنّ رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه ، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه اللّه إليه ، واختار اللّه له الرفيق الأعلى.
    فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، ومنع بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
    قال الزمخشري عن ابن عباس : الخمس على ستة أسهم : للّه ولرسوله سهمان ، وسهم لأقاربه ، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء ، قال : وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس. (2)
    و روي البخاري في صحيحه عن عائشة أنَّ فاطمة ( عليها السّلام ) أرسلت إلى أبي بكر ، تسأله ميراثها من رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ستة أشهر ،
1 ـ الشرح الكبير على هامش المغني : 493/10 ـ 494.
2 ـ الكشاف : 126/2.


(286)
فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها. (1)
    وفي صحيح مسلم عن بريد بن هرمز ، قال : كتب نجدة بن عامر ( الحروري الخارجي ) إلى ابن عباس ، قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه ، وقال ابن عباس : واللّه لولا أن أرد عن نَتْن يقع فيه ، ما كتبت إليه ولا نُعْمةَ عينٍ ، قال : فكتب إليه إنّك سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكرهم اللّه من هم ؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا. (2)
1 ـ صحيح البخاري : 139/5 ، باب غزوة خيبر.
2 ـ صحيح مسلم : 105/2 ، كتاب الجهاد و 167 السير ، باب النساء الغازيات.


(287)
من حقوق أهل البيت ( عليهم السّلام )
6
الفيء لأهل البيت ( عليهم السّلام )
    الفيء عبارة عن الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بلا خيل ولا ركاب ، فإنّ هذه الأموال تقع تحت تصرّف الرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) باعتباره رئيساً للدولة الإسلامية ، وكان الفيء في حياة الرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أمراً هاماً في تنمية الثروة في المجتمع الإسلامي ولا سيَّما انتقال الثروة من يد الأغنياء إلى يد الفقراء.
    والأساس فيه قوله سبحانه : « وَما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللّهَ يُسَلّطُ رُُُُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير » . (1)
     « ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنياء مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقاب » . (2)
    بيَّن سبحانه أحكام الفيء ، وقال : « وَما أفاءَ اللّه عَلى رَسُولهِ مِنْهُمْ »
1 ـ الحشر : 6.
2 ـ الحشر : 7.


(288)
الضمير يرجع إلى اليهود ، ولكن الحكم سار على جميع الكفّار.
     « فَما أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكاب » أي الفيء عبارة عن الأموال التي استوليتم عليها بلا إيجاف خيل ولا إبل ولم تسيروا إليها على خيل ولا إبل.
    هذا هو الفيء ، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية ، وقال : « ما أَفاءَ اللّه عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْل القُرى » ، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك اللّه إيّاهم ذلك ، « فللّه » و « للرَّسُول » و « لذي القُربى » ، فهو للّه بالذات وللرسول و لذي القربى بتمليك اللّه إيّاهم.
    والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول اللّه وقرابته ، وهم بنو هاشم.
     « واليتامى والمساكين وابن السبيل » أي منهم ، بقرينة الرسول ، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم.
    وعلى ذلك فالفيء يقسّم على ستة أسهم :
    1. سهم للّه المالك لكلّ شيء غير محتاج لشيء ، جعل نفسه قريناً لسائر الاسماء تكريماً لهم.
    2. سهم الرسول وهو يؤمّن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الإسلامية.
    3. سهم ذوي القربى أي أقرباء الرسول ، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه.
    4. سهم اليتامى.
    5. سهم المساكين.
    6. سهم أبناء السبيل.


(289)
وبكلمة جامعة :
     « الغنيمة » ـ كلّ ما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الإسلام ، ومالا يمكن نقله إلى دار الإسلام ـ لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام ، ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.
     « الفيء » ـ كلّ ما أُخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها ـ للنبي ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، ولمن قام مقامه من الأئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين. (1)
1 ـ التبيان : 564/9.

(290)
من حقوق اهل البيت ( عليهم السّلام )
7
الأنفال لأهل البيت ( عليهم السّلام )
    وردت لفظة « الأنفال » في القرآن مرتين في آية واحدة ، قال سبحانه : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفالِ قُلِ الأَنْفالُ للّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّه وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنين » . (1)
    أقول : إنَّ الضرائب الواردة في القرآن الكريم لا تتجاوز الأربع :
    أ : الزكاة ومقسمها ثمانية.
    ب : الخمس ومقسمه هو الستة.
    ج : الفيء ومقسمه مقسم الخمس كما عرفت.
    د : الأنفال ومقسمها اثنان ، وهما ما ذكر في الآية من قوله : « للّهِ والرَّسُول » ، لكن الكلام في بيان المراد من الأنفال.
    اختلف المفسّرون في تفسير الأنفال اختلافاً كثيراً ، والذي يمكن أن يقال انّ الأنفال من النفل وهو الزائد من الأموال ، فيشمل كلّ زائد عن حاجات
1 ـ الأنفال : 1.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس