مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 21 ـ 30
(21)
فإنّ يد اللّه على الجماعة وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من النّاس للشّيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب ألا من دعا إلى هذا الشّعار فاقتلوه ، ولو كان تحت عمامتي هذه » (1).
    وقال (عليه السلام) في حديث آخر : « من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه عزّ وجلّ أجذم » (2).
    وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) : « من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه » (3).
    إلى غير ذلك من النصوص الإسلاميّة الداعية إلى رصّ الصفوف ، وتعميق الوحدة ، وجمع الكلمة ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يمكن ان يتحقّق إلاّ بوجود دولة وجهاز يؤلّف بين الآراء ويجمع الكلمة ، ويوفّق بين المصالح ، ويحافظ على العلاقات ، ويعيد الشاذّ إلى رشده والخارج إلى صفّه ، إذ لولا ذلك الجهاز(الدولة) لذهب كلُّ فريق مذهباً ، واتّخذت كلُّ جماعة طريقاً ، وتمزّق المجتمع أشتاتاً ، وعادت الوحدة اختلافاً وتفرقة.
    وصفوة القول : أنّ الدولة عامل الوحدة ورمز الت آلف ، بقدر ما هي طاردة للفرقة ، وما نعة عن التخالف.
    الثانية : أنّ ملاحظة ذات القوانين الإسلاميّة في مختلف المجالات الحقوقيّة والاجتماعيّة والماليّة تفيد أنّ طبيعتها تقتضي وجود الدولة.
    فالإسلام الذي دعا إلى الجهاد والدفاع ، ودعا إلى إجراء الحدود والعقوبات على العصاة والمجرمين ودعا إلى انصاف المظلوم ، وردع الظالم ، وسنّ نظاماً خاصاً وواسعاً للمال.
    إنّ الدعوة إلى كلّ هذه الأحكام تدلُّ ـ بدلالة التزاميّة ـ على أنّ اللّه قد فرض وجود دولةً قويةً تقوم بإجرائها في المجتمع.
    إنّ الإسلام ليس مجرد أدعية خاوية أو طقوس ومراسيم فرديّة يقوم بها كلُّ فرد في
    1 ـ نهج البلاغة الخطبة 123 طبعة عبده.
    2 ـ الكافي 1 : 405 كتاب الحجة.
    3 ـ الكافي 1 : 405 كتاب الحجة.


(22)
بيته ومعبده ، بل هو نظام سياسيّ وماليّ وحقوقيّ واجتماعيّ واقتصاديّ واسع وشامل ، وما ورد في هذه المجالات من قوانين وأحكام تدلُّ بصميم ذاتها على أنّ مشرّعها افترض وجود حاكم يقوم بتنفيذها ورعايتها. لأنّه ليس من المعقول سنُّ مثل هذه القوانين دون وجود قوة مجرية وسلطة تنفيذيّة تتعهد إجراءها وتتولّى تطبيقها ، مع العلم بأنّ سنّ القوانين وحده لايكفي في تنظيم المجتمعات.
    ولقد استدلّ السيد المرتضى على لزوم الحكومة ببيان لطيف هذا حاصله : « إنّ بقاء الخلق يتوقّف على اُمور منها الأمر والنهي. قال اللّه تعالى ( يَا أَيٌّها ألّذينَ ءَامَنُواْ اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييِكُمْ ) (الأنفال : 24) ، وفسّر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    ولقوله سبحانه : ( وَلَكُمْ فِى القَصَاصِ حَياةٌ يَاأُولِى الألْبَابِ ) (البقرة : 179) ، فصار الأمر بالمعروف هنا المتمثّل في الاقتصاص من القاتل مبدءاً للحياة.
    فإذا كان الأمر والنهي كما توحي هذه الآيات مبدءاً للحياة، وجب أن يكون للناس إمام يقوم بأمرهم ونهيهم ، ويقيم فيهم الحدود ، ويجاهد فيهم العدو ، ويقسّم الغنائم ، ويفرض الفرائض ـ أبواب مافيه صلاحهم ـ ويحذّرهم عمّا فيه مضارّهم .. ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب بقاء الخلق .. فوجبا وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع أحد ، ولفسد التدبير ، وكان ذلك سبباً لهلاك العباد » (1).
    هذا هو ماتفيده النظرة إلى الأحكام والتشريعات الإسلاميّة التي لم تنزّل إلاّ للتنفيذ ، ولم تشرّع إلاّ للتطبيق.
    أمّا النصوص الإسلاميّة المصرّحة بضرورة قيام الدولة ووجودها فهي أكثر من أن تحصى ، وقد مرّ في الجزء الأوّل قسم منها ونشير هنا إلى ما لم نشر إليه هناك :
    قال الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديث طويل حول ضرورة وجود
    1 ـ المحكم والمتشابه للسيد المرتضى : 50.

(23)
الحكومة في الحياة البشريّة : « إنّا لانجد فرقةً من الفرق ولا ملّةً من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدّين والدُّنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق لما يعلم أنّه لابدّ لهم منه ، ولاقوام لهم إلاّ به فيقاتلون به عدوّهم ويقسّمون به فيئهم ، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم » (1).
    وقد بلغت أهمية الدولة والحكومة في نظر الإسلام حداً جعلت هي السبب الأساسيُّ في صلاح أو فساد الاُمّة ، حيث قال النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي ، وإذا فسدا فسدت امّتي ... ».
    قيل : يا رسول اللّه ومن هم ؟
    قال : « الفقهاء والامراء » (2).
    إنّ ضرورة وجود الدولة والحكومة في الحياة البشريّة الاجتماعيّة بديهيّة جداًعقلاً وشرعاً وتاريخيّاً بحيث لا تحتاج إلى سرد المزيد من الأدلة والاستشهادات ولذلك نكتفي بهذا القدر.
    ولأجل هذه الأهمية التي تحظى بها الحكومة الإسلاميّة يتعيّن على علماء الإسلام أن يبذلوا غاية الجهد في توضيح معالمها ومناهجها وخطوطها وخصائصها في جميع العصور و العهود.
    وسوف نذكر أنّ هذه الناحية الحسّاسة من حياتنا الاجتماعيّة قد أهملت في أكثر القرون كتابةً وتحقيقاً و دراسةً.

نماذج من الوظائف الحكوميّة في الأحاديث
    لم يكن وجود( الحكومة ) ووظائفها في النظام الإسلاميّ بدعاً يمكن أن يدّعيه
    1 ـ علل الشرائع : 253 ، الحديث مفصّل وجدير بالمطالعة.
    2 ـ تحف العقول : 42.


(24)
أحد بدون دليل في القرآن أو السُّنّة.
    فمن يطالع الأحاديث والأخبار الواردة عن النبيّ والأئمّة الطاهرين يجد سلسلةً من الوظائف المخوّلة إلى( الإمام ) وهو يدلُّ بالدلالة الإلتزاميّة على وجود الحكومة في النظام الإسلاميّ ، وأنّ الأئمّة كانوا يعتبرون وجود الإمام والحاكم أمراً مفروضاً ولذلك كانوا يعتبرون هذه الاُمور من وظائف الحاكم.
    وبالتالي، أنّ ما يمكن أن يستظهر من خلال الروايات الكثيرة لزوم وجود(دولة) تقوم بالأعمال الاجتماعيّة الكثيرة التي لم يكلّف بها في الإسلام مسؤول خاص من عامّة الناس ، بل جعل أمر إجرائها والقيام بها على عاتق الإمام( أو الحاكم ).
    وذلك يدل على لزوم وجود جهاز تنفيذيّ يقوم بهذه المسؤوليات والأعمال الاجتماعيّة الحيويّة ، ويدلُّ على أنّ الحكومة قد كانت مفروضة الوجود في نظرهم.
    واليك نماذج من الأحاديث التي توكل بعض الأعمال إلى( الإمام) والحاكم اللّذين يعدّان رمزاً للحكومة. وما ذكرناه في هذه الصحائف قليل من كثير ، ولم نأت بالجميع ابتغاءً للإختصار ، ويمكن للقارئ الكريم أن يجد أكثر ما ذكرناه إذا تصفّح المجاميع الحديثيّة لاسيّما الأجزاء العشرة الأخيرة من وسائل الشيعة :
    1 ـ يقول الإمام الصادق في الأنفال : « وما أخذ بالسّيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذّي يرى كما صنع رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بخيبر » (1).
    2 ـ وفي الزكاة لمّا سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عمّا يعطى المصّدّق(أي الذي يجبي الصّدقات ) قال : « ما يرى الإمام ولا يقدّر له شيء » (2).
    3 ـ وفي تقسيم الزكاة قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « والغارمين .. يجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدّقات ».
    1 ـ وسائل الشيعة 6 : 129.
    2 ـ وسائل الشيعة 6 : 144.


(25)
    « وفي سبيل اللّه قوم يخرجون في الجّهاد ليس عندهم ما يتقوُّون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجُّون به أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصّدقات حتّى يقووا على الحجّ والجهاد ، وابن السبيل أبناء الطريق يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصّدقات » (1).
    4 ـ وفي احياء الأراضي الميّتة قال الإمام أمير المؤمنين : « من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة فإذا ظ ـ هر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه » (2).
    5 ـ سئل الباقر (عليه السلام) عن المفطر في رمضان بلا عذر مستحلاّ ً ، فقال (عليه السلام) : « يسأل هل عليك من افطارك إثم ؟ فإن قال : لا ، فإنّ على الإمام أن يقتله ، وإن قال : نعم فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً » (3).
    6 ـ وفي رؤية الهلال قال الإمام الباقر (عليه السلام) : « إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشّمس ، وإن شهدا بعد زوال الشّمس ، أمر الإمام بافطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة( أي صلاة العيد) إلى الغد فصلّى بهم » (4).
    7 ـ وفي أمر إقامة الحجّ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لو عطّل النّاس الحجّ لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحجّ إن شاؤوا وإن أبوا .. فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ » (5).
    8 ـ وفي ادارة اُمور الحجّ روي أنّه لمّا حجّ إسماعيل بن عليّ بالنّاس سنة أربعين ومائة( أي كان أمير الحجّ )فسقط أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) عن بغلته فوقف عليه إسماعيل( أي توقّف) فقال له الصادق (عليه السلام) : « سر فإنّ الإمام لا يقف » (6).
    1 ـ وسائل الشيعة 6 : 145 ـ 382.
    2 ـ وسائل الشيعة 6 : 145 ـ 382.
    3 ـ وسائل الشيعة 7 : 178 ـ 199.
    4 ـ وسائل الشيعة 7 : 178 ـ 199.
    5 ـ وسائل الشيعة 8 : 85 ـ 290.
    6 ـ وسائل الشيعة 8 : 85 ـ 290.


(26)
    9 ـ ومثله ما روي عن علي بن يقطين قال : رأيت أبا عبد اللّه(الصادق) (عليه السلام) وقد حجّ فوقف الموقف فلمّا دفع الناس منصرفين سقط أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن بغلة كان عليها فعرفه الوالي الذي وقف بالناس تلك السّنة وهي سنة أربعين ومائة فوقف على أبي عبد اللّه (عليه السلام) [أي توقّف لأجله] فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : « لاتقف فإنّ الإمام إذا دفع بالنّاس لم يكن له أن يقف » (1).
    وكان الذي وقف بالناس في تلك السنة اسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس.
    10 ـ قال النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في أداء دين الغريم : « ما من غريم ذهب إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته إلاّ برء هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما يديه من أموال المسلمين » (2).
    11 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) في ذلك أيضاً : « إنّ الإمام يقضي عن المؤمنين الدّيون ما خلا مهور النّساء » (3).
    12 ـ قال الإمام الكاظم (عليه السلام) في ذلك أيضاً : « من طلب هذا الرّزق من حلّهليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه ، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه ورسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقض كان على الإمام قضاؤه ، فإنلميقض كان عليه وزره. إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( إِنّما الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْها ـ إلى قوله ـ وَالْغَارِمِين ) (التوبة : 60) فهو فقير مسكين مغرم » (4).
    13 ـ قال الإمام الرضا (عليه السلام) في ذلك أيضا : « المغرم إذا تديّن أو استدان في حقّ أجّل سنةً فإن اتّسع ، وإلاّ قضى عنه الإمام من بيت المال » (5).
    14 ـ قال الإمام عليّ (عليه السلام) في مسؤولية الحاكم اتجاه ثقافة الاُمّة : « على الإمام
    1 ـ وسائل الشيعة 8 : 290.
    2 ـ مستدرك الوسائل 2 : 491.
    3 ـ وسائل الشيعة 15 : 22.
    4 ـ قرب الإسناد : 179.
    5 ـ الكافي1 : 407 ونقله العيّاشي في تفسيره 1 : 155.


(27)
أن يعلّم أهل ولايته حدود الإسلام والإيمان » (1).
    15 ـ قال الإمام عليّ (عليه السلام) من كتاب له إلى قثم بن العبّاس وهو عامله على مكّة : « واجلس لهم العصرين فافت المستفتي ، وعلّم الجاهل وذاكر العالم » (2).
    16 ـ قال الإمام علّي (عليه السلام) في مسؤوليّة الحاكم اتجاه أصحاب الفكر والمهن : « يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء والجهّال من الأطبّاء والمفاليس من الأكرياء » (3).
    17 ـ قال الإمام الباقر (عليه السلام) في مسؤولية الحاكم اتّجاه الاسر والعوائل : « من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ، ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرّق بينهما » (4).
    18 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) في مسؤوليّة الحاكم في أمر المساجين : « على الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم ، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم إلى السّجن » (5).
    19 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً في مسؤوليات الحكام اتّجاه الفسّاق والمنحرفين خلقيّاً : « الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره، لأنّه أمين اللّه في خلقه وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ، ويمضي ويدعه ».
    قلت : وكيف ذلك ؟
    قال : « لأنّ الحقّ إذا كان للّه ، فالواجب على الإمام إقامته ، وإذا كان للنّاس فهو للنّاس » (6).
    20 ـ في موقف الإمام اتجاه المحارب ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا كانت
    1 ـ غرر الحكم : 215.
    2 ـ نهج البلاغة قسم الكتب الرقم 67.
    3 ـ وسائل الشيعة 18 : 221.
    4 ـ وسائل الشيعة 15 : 223.
    5 ـ وسائل الشيعة 18 : 221 ـ 244.
    6 ـ وسائل الشيعة 18 : 221 ـ 244.


(28)
الحرب قائمةً ولم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكلُّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ... وإن .. » (1).
    21 ـ وفي أمر القصاص قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا اجتمعت العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيُّهم شاؤوا » (2).
    22 ـ وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « من قتله القصاص بأمر الإمام فلا ديّة له في قتل ولا جراحة » (3).
    23 ـ وقال الإمام الباقر (عليه السلام) في رجل قتل مجنوناً كان يقصد قتل الرجل : « أرى أن لا يقتل به ولا يغرّم ديّته وتكون ديّته على الإمام ولا يبطل دمه » (4).
    24 ـ وقال الإمام الباقر (عليه السلام) حول أعمى فقأ عين صحيح : « إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ ، هذا فيه الديّة في ماله ، فإن لم يكن له مال فالدّية على الإمام ولا يبطل حقُّ امرىء مسلم » (5).
    25 ـ وقال الإمام الباقر (عليه السلام) في رجل جرح رجلاً في أوّل النهار وجرح آخر في آخر النّهار : « هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل ... الخ » (6).
    26 ـ وقال في حكم من قتل وعليه دين وليس له مال : « إن قتل عمداً قتل قاتله وأدّى عنه الإمام الدّين من سهم الغارمين » (7).
    27 ـ وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في الرجل يقتل وليس له وليّ إلاّ الإمام : « إنّه ليس للإمام أن يعفو ، له أن يقتل أو يأخذ الديّة » (8).
    28 ـ وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتيل في زحام ونحوه لايدرى من قتله : « إن كان عرف له أولياء يطلبون ديّته أعطوا ديّته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرىء مسلم لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام » (9).
    1 ـ وسائل الشيعة 11 : 53.
    2 ـ 9 ـ وسائل الشيعة 19 : 31 ـ 47 ـ 52 ـ 65 ـ 77 ـ 92 ـ 93 ـ 109.


(29)
    29 ـ وقال الإمام علي (عليه السلام) فيمن لم يكن له من يحلف معه ولم يوثق به على ما ذهب من بصره وأبى أن يحلف : « الوالي يستعين في ذلك بالسّؤال والنّظر والتثبُّت في القصاص والحدود والقود » (1).
    30 ـ وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في ميّت قطع رأسه قال : « عليه الديّة » ، فقيل فمن يأخذ ديّته؟ قال : « الإمام .. هذا للّه » (2).
    31 ـ وقال (عليه السلام) في القاتل عمداً إذا هرب : « إن كان له مال أخذت الديّة من ماله وإلاّ فمن الأقرب فالأقرب ، وإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرىء مسلم ».
    وفي رواية اخرى : « ثمّ للوالي بعد أدبه وحبسه » (3).
    32 ـ وقال الصادق (عليه السلام) في من قتل خطأً إذا مات قبل دفع الديّة وليس له عاقلة : « إن لم يكن له عاقلة، فعلى الوالي من بيت المال » (4).
    هذا والملحوظ، أنّ بعض الروايات وإن كان ظاهراً في الإمام المعصوم إلاّ أنّ كثيراً من هذه الروايات ظاهر في مطلق القائم بالإعمال المذكورة سواء أكان معصوماً أم غير معصوم ، وهو يعني مطلق الحاكم الإسلاميّ.
    ويدلُّ على ذلك رواية 8 و 9 حيث يسمّي فيهما الإمام الصادق (عليه السلام) أمير الحاجّ والوالي بالإمام ممّا يدلّ على أنّ لفظ الإمام الموجود في هذه الرواية وأشباهها يراد به مطلق الحاكم الإسلاميّ ووليّ أمر المسلمين وليس الإمام المعصوم المصطلح في علم الكلام.
    ويؤيّد هذا الاتّجاه ما قاله صاحب وسائل الشيعة في تعليقه على إحدى الروايات المشتملة على لفظ الإمام كالروايات المذكورة هنا : « الإمام العدل أعمُّ من المعصوم » (5).
    وصفوة القول، أنّ الناظر في هذه الروايات يجد أنّ هناك أحكاماً اجتماعيّةً
    1 ـ 5 ـ وسائل الشيعة 19 : 220 ـ 248 ـ 303 ـ 304 ـ 402.

(30)
اقتصاديّةً أخلاقيّةً وغيرها، جعلها الإسلام على عاتق الإمام أو الوالي أو من شابههما وذلك يفيد أنّ ماهيّة هذه الأحكام ماهيّة خاصّة يتوقّف تحقيقها في الخارج على وجود سلطة وجهاز يجريها في المجتمع ، وقد عبّر في هذه الروايات ـ عن تلك السلطة والجهاز ـ بالإمام والوالي أو السلطان أي صاحب السلطة ، وذلك يدلُّ ـ بالدلالة الإلتزاميّة ـ على أنّ هذه أحكام سلطانيّة ، وواجبات حكوميّة لا تنفكُّ عن وجود السلطة والدولة وقد فرضها الأئمّة (عليهم السلام) مسلّمة الوجود في الواقع الخارجي.
    وإنمّا أدرجنا لك نموذجاً من هذه الأحاديث لإثبات أمر واحد هو، أنّ الحكومة الإسلاميّة أمر مسلّم الوجود وإيجادها فريضة يتوقّف عليها الكثير من الأحكام الدينيّة ، ومع ذلك كيف يسمح البعض لأنفسهم أن يقولوا : إنّ الإسلام يمكن أن يطبّق في المجتمع دون حاجة إلى حكومة قويّة ، وسلطة سياسيّة قادرة.
    قال الإمام الخميني قائد الثورة الإسلاميّة في محاضراته عن الحكومة الإسلاميّة : « والحقُّ أنّ القوانين والأنظمة الاجتماعيّة بحاجة إلى منفّذ. في كلّ دول العالم لا ينفع التشريع وحده ، ولا يضمن سعادة البشر ، بل ينبغي أن تعقب سلطة التشريع سلطة التنفيذ فهي وحدها التي تنيل الناس ثمرات التشريع العادل.
    لهذا قرّر الإسلام إيجاد سلطة التنفيذ إلى جانب سلطة التشريع فجعل للأمر وليّاً للتنفيذ إلى جانب تصدّيه للتعليم والنشر والبيان » (1).
    وصفوة القول، أنّ ضرورة وجود الحكومة في الحياة الاجتماعيّة ممّا دلّ عليه العقل والكتاب والسُّنّة وسيرة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم والأئمّة بما لا يقبل جدلاً ، ولذلك نكتفي بما سردناه لك وفيه كفاية.
    1 ـ الحكومة الإسلاميّة للإمام الخمينيّ : 24.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس