مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: 281 ـ 290
(281)
    7 ـ الطريقة المثلى في الاشارة إلى ترك التقليد : ألّفهما صديق حسن خان القنوجي البخاري المتوفّى سنة 1307 ، وطبعا بالاستانة عام 1295.
    8 ـ حصول المأمول من علم الاُصول : له أيضاً طبع في الجوائب سنة 1296.
    9 ـ مقالة صاحب السعادة أحمد تيمور باشا ابن إسماعيل بن محمد المولود في القاهرة سنة 1288 وهي تحت عنوان نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة ، طبعت مستقلة في القاهرة سنة 1344.
    10 ـ ما كتبه محمد فريد وجدي في دائرة معارفه في مادتي « جهد وذهب » وما كتبه يعد أبسط ما كتب في الموضوع.
    11 ـ أعلام الموقعين عن ربّ العالمين : للحافظ ابن القيم.
    12 ـ تاريخ حصر الاجتهاد : لشيخنا العلاّمة الطهراني المتوفّى يوم الجمعة 13 ذي الحجة عام 1389.
    إلى غير ذلك من المؤلفات ، وقد أشار إلى غير ما ذكرنا صديق حسن خان في كتابه حصول المأمول في علم الاُصول ص 198.

الحقيقة بنت البحث :
    كلمة موجزة ومثل سائر ، يهدف إلى أوضح الحقائق وأنصعها ويفيد أنّ الوقوف على الحقيقة وإماطة الستر عن وجهها وليد النقاش العلمي ووليد المحادثة وهذا مما لا يرتاب فيه أحد ويدركه كل من له حظ من الفكر والنظر.
    وفي الحقيقة إنّ التقاء أفكار ذوي الآراء كالتقاء الأسلاك الكهربائية ، فكما أنّ الأشعة الكهربائية ، تتفجر من اتصالها سلباً وإيجاباً ، فكذلك نور الحقيقة يشع أمامنا بتبادل الفكرتين وتعارضهما بالنفي والإيجاب.
    إذ طالما يتخيل للانسان أنّه صائب في فكره ونظره ، فإذا عرضه للبحث والنقاش


(282)
وتوارد عليه النفي والاثبات ربّما ظهر وهنه وضعفه.
    نعم يجب على الباحث عن الحقيقة أن يعرض آراءه وأفكاره للجو الهادئ المتحرر عن التعصب لفئة غابرة ، أو فكرة حاضرة ، الشاخص أمام كل رأي فارغ عن الدليل والبرهنة ، فالاجتهاد بهذا النحو رمز كشف الحقيقة ، رمز خلود الإسلام وبقائه ، رمز كونه غضاً طرياً في كل عصر وجيل.
    نعم ربّما يجد الناشئ الجديد في نفسه حرجاً عند وقوفه على اختلاف أصحاب الآراء والمذاهب في اُصول الإسلام وفروعه ، ويتخيله حاجزاً يعرقل خطاه عن الوصول إلى الواقع ، ويتمنّى رفع الخلاف الفكري في المسائل من رأس بتأسيس مؤتمرات علمية من ذوي الأفكار.
    بل ربّما نسمع من بعض الشباب سؤالاً يوجهه إلى الهيئات العلمية الإسلامية ويقول كان في وسع النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أن يجمع اُصول الإسلام وفروعه وكل ما يرجع إليه في كتاب ، ويتركه بين الاُمّة حتى يسد بذلك باب التقوّل من بعده على المتقوّلين ، فلماذا لم يفعل ذلك؟!
    لكنّه رأي غير ناضج ، إذ لو جمعها النبي في كتاب وسلمه إلى الاُمّة ، لاستولى الركود الفكري والتدهور العقلي على عقلية الاُمّة ، وانحسر كثير من المفاهيم والقيم الإسلامية عن ذهنيتها ، وأوجب ضياع العلم وتطرق التحريف إلى اُصوله وفروعه حتى إلى الكتاب الذي كتب فيه كل صغير وكبير.
    فلم تقم للإسلام دعامة ، ولا حفظ كيانه ونظامه ، إلاّ على ضوء هذه البحوث العلمية والنقاشات الدارجة بين العلماء ، ورد صاحب فكر على ذي فكر آخر بلا محاباة.
    وقد حكى شيخنا العلاّمة المتضلّع شيخ الشريعة الاصفهاني (1) في مقدمة
    1 ـ فقيه متضلّع ، اُصولي بارع ، خبير باسرار الحديث والتفسير فهو ممن يضن بهم الدهر إلاّ في فترات يسيرة ، كان رحمه اللّه آية في الذكاء والحفظ ، أثنى عليه كل من أدركه وقرأ عليه ، توفّي عام 1339 هجرية قمرية في النجف الأشرف ودفن في الصحن الحيدري.

(283)
كتابه (1) عن بعض الأعلام كلاماً يعرب عمّا قلناه ، قال : إنّ عدم محاباة العلماء بعضهم لبعض من أعظم مزايا هذه الاُمّة التي أعظم اللّه بها عليهم النعمة ، حيث حفظهم عن وصمة محاباة أهل الكتابين ، المؤدية إلى تحريف ما فيها ، وإندارس تينك الملتين ، فلم يتركوا لقائل قولاً فيه أدنى دخول إلاّ بيّنوه ، ولفاعل فيه تحريف ، إلاّ قوّموه ، حتى اتضحت الآراء وانعدمت الأهواء ودامت الشريعة البيضاء على ملئ الآفاق بأضوائها وشفاء القلوب بها من أدوائها ، مأمونة عن التحريف ، ومصونة عن التصحيف.

شبهة حول الاجتهاد الدارج في عصرنا :
    ربّما يختلج في اذهان بعض القصر من الناس عدم مشروعية الاجتهاد الدارج في أعصارنا هذه مستدلاً بأنّ الفقه في هذه الأعصار أخذ لنفسه صورة فنية ، وجاء على طراز سائر العلوم العقلية الفكرية بعدما كان في أعصار المتقدمين من العلوم البسيطة المبنية على سماع الأحكام من النبي والأئمّة وبثّها بين الناس من دون أن يجتهد الراوي في تشخيص حكم اللّه ويرجّح دليلاً على الآخر ، أو يقيده أو يخصّص واحداً بالآخر ، إلى غير ذلك من الاُصول الدارجة في زماننا.

الجواب عن الشبهة :
    إنّ ذلك أشبه شيء بالشبهة ويمكن الجواب عنه بوجهين :
    الأوّل : أنّ الاجتهاد بالمعنى الوسيع وأعمال النظر في الروايات ، والتدقيق في دلالتها ، وترجيح بعضها على بعض ، كان موجوداً في أعصارهم ، دارجاً بين أصحابهم فإنّ الاجتهاد وإن توسع نطاقه في أعصارنا وبلغ مبلغاًعظيماً ، إلاّ أنّ أصل الاجتهاد بالمعنى الجامع بين عامة مراتبه كان دارجاً في تلك الأعصار وأنّ الأئمّة أرجعوا شيعتهم إلى فقهاء أعصارهم ، وكانت سيرة الناس الرجوع إليهم من دون تزلزل وتردد ، أمّا ما يدل
    1 ـ ابانة المختار ، مخطوط نحتفظ بنسخة منه.

(284)
على وجود الاجتهاد بهذا المعنى في أعصارهم فعدة روايات هي :
    1 ـ ما رواه ابن ادريس في « مستطرقات السرائر » نقلاً عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه ( عليها السَّلام ) قال : إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم أن تفرّعوا (1).
    2 ـ ما روى عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا ( عليها السَّلام ) : « قال علينا القاء الاُصول وعليكم التفريع » (2) فإنّ التفريع الذي هو استخراج الفروع عن الاُصول الكلية الملقاة ، وتطبيقها على مواردها وصغرياتها ، إنّما هو شأن المجتهد وما هو إلاّ الاجتهاد ، نعم التفريع والاجتهاد يتفاوت صعوبة كما يتفاوت نطاقه حسب مرور الزمان ، فإذا قال ( عليها السَّلام ) : لا تنقض اليقين بالشك ، أو روي عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : لا ضرر ولا ضرار ، كان على المخاطبين وعلى علماء الأعصار المستقبلة استفراغ الوسع في تشخيص صغرياتها وما يصلح أن يكون مصداقاً له أو لا يصلح ، فهذا هو ما نسميه الاجتهاد.
    3 ـ ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد اللّه ( عليها السَّلام ) يقول : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا إنّ الحكمة لتصرف على وجوه ولو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب (3).
    فإنّ عرفان معاني الكلام ليس إلاّ تشخيص ما هو الأظهر بين المحتملات ، بالفحص عن القرائن الحافّة بالكلام وبعرض أخبارهم على الكتاب والسنّة إلى غير ذلك ممّا يتضح به المراد ، ويتعيّن ما هو المفاد ، وليس هذا إلاّ الاجتهاد.
    4 ـ ما رواه الصدوق في عيونه بإسناده عن الرضا ( عليها السَّلام ) قال : من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ، ثم قال : إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ومتشابهاً كمتشابه القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا (4) فإنّ رد المتشابه إلى محكمه يجعل أحدهما قرينة على الآخر ، لا يتحقق
    1 ـ وسائل الشيعة ج18 : ص41 ـ 42 ، كتاب القضاء الباب 6 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 51و52.
    2 ـ وسائل الشيعة ج18 : ص41 ـ 42 ، كتاب القضاء الباب 6 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 51و52.
    3 ـ الوسائل ج 18 كتاب القضاء الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث 27و22.
    4 ـ الوسائل ج 18 كتاب القضاء الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث 27و22.


(285)
بدون الاجتهاد.
    5 ـ الروايات الواردة في تعليم أصحابهم كيفية استفادة الأحكام والفروع عن الذكر الحكيم ، مثل قول الإمام الباقر ( عليها السَّلام ) بعد ما سأله زرارة بقوله : ألاّ تخبرني من أين علمت أنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك وقال : يا زرارة قاله رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ونزل به الكتاب عن اللّه عزّ وجلّ قال : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ، ثم قال : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثم فصل بين الكلام فقال : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) فعرفنا حين قال : ( برءوسكم ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْن ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما ثم فسّر ذلك رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فضيّعوه (1).
    6 ـ ما في رواية عبد الأعلى مولى آل سام بعد ما سأل الإمام عن حكم المسح على المرارة. قال : هذا واشباهه يعرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ قال اللّه تعالى : ( وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج ) ( الحج ـ 78 ) امسح على المرارة ، فقد أوضح على السائل كيفية الاستنباط ، ورد الفروع على اُصولها (2) ونظير ما تقدم بل أقوى منه ما في مرسلة (3) يونس الطويلة الواردة في أحكام الحائض والمستحاضة ، فإنّ فيها موارد ترشدنا إلى طريق الاجتهاد إلى غير ذلك من الروايات المرشدة إلى دلالة الكتاب وكيفية الاستدلال ، وهي منبثّة في طيات أبواب الفقه فراجع :
    7 ـ قول الباقر ( عليها السَّلام ) لزرارة ومحمد بن مسلم حيث سألا أبا جعفر الباقر ( عليها السَّلام ) وقالا له : ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ
    1 ـ الوسائل ج 1 أبواب الوضوء الباب 23 الحديث 1.
    2 ـ الوسائل ج1 أبواب الوضوء الباب 39 الحديث 5.
    3 ـ وسائل الشيعة ج2 أبواب الحائض الباب 3 الحديث 4.


(286)
يقول : ( وَ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ ) ( النساء ـ 101 ).
    فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر ، قالا قلنا : إنّما قال اللّه عزّ وجلّ : ( فليس عليكم جناح ) ولم يقل : « افعلوا » فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال ( عليها السَّلام ) : أوليس قد قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ الصَّفَا وَ المَرْوَةَ مِنَ شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) ( البقرة ـ 158 ).
    ألاّ ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض لأنّ اللّه عزّ وجلّ ذكره في كتابه وصنعه نبيه وكذلك التقصير شيء صنعه النبي وذكره اللّه في كتابه (1).
    8 ـ مقبولة عمر بن حنظلة ورواه المشايخ العظام في جوامعهم وتلقاها الأصحاب بالقبول ، بل عليها المدار في كتاب القضاء وهي تصرح بوجود الاجتهاد بالمعنى الدارج في زماننا في عصر الصادق ( عليها السَّلام ) ودونك متنها : سألت أبا عبد اللّه ( عليها السَّلام ) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحل ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً لأنّه أخذ بحكم الطاغوت ـ إلى أن قال : ـ قلت : كيف يصنعان؟ قال : ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي جعلته عليكم حاكماً ومن ردّه فإنّما بحكم اللّه استخف ، وعلينا قد رد والراد علينا كالراد على اللّه وهو على حد الشرك باللّه ، قلت : فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.
    قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه؟ قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به ، المجمع
    1 ـ الوسائل ج 5 : ص538 ، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث2.

(287)
عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، إلى آخر ما أفاده وفيه إرشاد إلى كيفية استنباط الحكم عن الكتاب والسنّة ، وعلاج الخبرين المتعارضين بعرضهما عليهما (1).
    9 ـ روى العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا ( عليها السَّلام ) قال : ذكر أنّ ابن أبي ليلى وابن شبرمة دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن علي ( عليها السَّلام ) فقال لهما : بما تقضيان؟ فقالا : بكتاب اللّه والسنّة ، قال : فما لم تجداه في الكتاب والسنّة؟ قالا : نجتهد رأينا ، قال ( عليها السَّلام ) : رأيكما أنتما؟
    فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت وسقط عليهما فماتتا وسلم الصبيان؟ قالا : القافة ، قال : القافة يتجهم منه لهما ، قالا : فاخبرنا؟ قال : لا !!
    قال ابن داود : مولى له جعلت فداك بلغني أنّ أمير المؤمنين علياً ( عليها السَّلام ) قال : ما من قوم فوّضوا أمرهم إلى اللّه وألقوا سهاهم إلاّ خرج السهم الأصوب فسكت (2).
    10 ـ روى الصيقل عن أبي عبد اللّه ( عليها السَّلام ) قلت : رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فتزوّجها رجل متعة أتحل للأوّل؟ قال ( عليها السَّلام ) : لا ، لأن اللّه تعالى يقول : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا ... ) ( البقرة ـ 230 ) والمتعة ليس فيها طلاق (3).
    11 ـ روى الحسن بن الجهم قال : قال لي أبو الحسن الرضا ( عليها السَّلام ) : يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوّج نصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك؟ قال : لتقولنّ فإنّ ذلك تعلم به قولي ، قلت : لا يجوز تزويج نصرانية على مسلمة ولا على غير مسلمة ، قال : ولِ ـ مَ؟ قلت : لقول اللّه : ( وَ لاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ( البقرة ـ 221 ) قال : فما تقول هذه الآية :
    1 ـ الوسائل كتاب القضاء ج 18 الباب التاسع من أبواب صفات القاضي الحديث 1.
    2 ـ التهذيب ج 9 باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ص 359.
    3 ـ الوافي ج3 أبواب النكاح باب تحليل المطلّقة لزوجها ص 47.


(288)
    ( وَ المُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَ المُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ؟ ( المائدة ـ 5 ) قلت فقوله : ( ولاتنكحوا المشركات ) نسخت هذه الآية فتبسّم ( عليها السَّلام ) ثم سكت (1).
    12 ـ بل يظهر من كثير من الروايات وجود الاجتهاد بين أصحاب الأئمّة ونورد من تلكم الروايات حديثاً واحداً.
    روى حسن بن محمد بن سماعة قال : سمعت جعفر بن سماعة وسئل عن امرأة طلقت على غير السنّة : ألي أن أتزوّجها؟ فقال : نعم ، فقلت : أليس تعلم أنّ علي بن أبي حمزة ، روى : « إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً على غير السنّة فإنّهنّ ذوات الأزواج » ؟ فقال : يا بني رواية علي بن أبي حمزة أوسع على الناس ، قلت : وأي شيء روى علي بن أبي حمزة؟ قال : روى عن أبي الحسن أنّه قال : الزموهم من ذلك ما ألزموا به أنفسهم ، وتزوّجوهنّ فأنّه لا بأس بذلك (2).
    فقد اجتهد جعفر بن سماعة حيث قدم الخبر الثاني على الأوّل باحدى ملاكات التقديم.
    وقد ألّف في هذا المضمار العلاّمة الحجة السيد عبد الرسول الشيرازي رسالة ممتعة وطبع قسم منها في بعض المجلاّت نسأل اللّه أن يوفّقه لنشر الجميع.

الخامس : حقوق الحاكم الإسلامي :
    من الأسباب الباعثة على بقاء الدين وكونه ذا مادة حيوية صالحة لحل المشاكل والمعضلات الطارئة ، كون الحاكم الإسلامي بعد النبي ممثلاً لقيادته الحكيمة في اُمور الدين والدنيا ، التي من شأنها أن توجّه المجتمع البشري إلى أرقى المستويات الحضارية الصحيحة ، فقد منح مثل هذا الحاكم بنص الشريعة الإسلامية كافة الصلاحيات
    1 ـ الوافي ج3 ص 26 باب نكاح الذمية المشركة.
    2 ـ الوافي ج2 كتاب الطلاق ص 161 باب أنّ المخالف يقع طلاقه.


(289)
المؤدية إلى حق التصرف المطلق في كل ما يراه ذا مصلحة للاُمّة ، لأنّه يتمتع بمثل ما يتمتع به النبي والإمام من النفوذ المطلق ، إلاّ ما يعد من خصائصهما.
    وإلى ذلك يشير شيخ الاُمّة الميرزا النائيني في أثره الخالد « تنبيه الاُمّة وتنزيه الملة » ويقول : « فوّض إلى الحاكم الإسلامي وضع ما يراه لازماً من المقررات لمصلحة الجماعة وسد احتياجاتها ، في اطار القوانين الإسلامية » (1).
    مثلاً إذا رأى الحاكم ، أنّ المصلحة تقتضي فتح طريق أو شارع ، فقد فوض إليه ذلك الأمر ، فله أن يقرر وينفذ ما يحقق هذه الغاية ، في ضوء العدل والانصاف كاجبار أصحاب الأراضي التي يمر بها الطريق على بيع أراضيهم ووضع ضريبة على صنف خاص من الشعب ، أو كلّه لتأمين هذه الغاية.
    وله أن يقرر ما يراه مناسباً لتنظيم السير ، متوخياً في ذلك سلامة النفوس وسهولة الذهاب والاياب ، كل ذلك في إطار القوانين العامة الإسلامية.
    وهذه الحقوق كانت ثابتة في الدرجة الاُولى ، للنبي الأعظم ، لقوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ( الأحزاب ـ 6 ) وبعده لخلفائه المعصومين ، أئمّة الدين ، وفوضت من بعدهم ، إلى علماء الاُمّة وفقهائهم الذين اُلقيت على كواهلهم اُمور تدبير حياة الاُمّة ، وصيانة الشريعة ، بالأدلّة القطعية المقررة في محلها.
    إنّ الحاكم الإسلامي إذا نجح في تأسيس حكومة إسلامية في قطر من أقطار الإسلام أو في مناطقه كلّها وتوفرت فيه الشرائط والصلاحيات اللازمة وأخص بالذكر العلم الوسيع والعدل ، يجب على المسلمين اطاعته ، وله من الحقوق والمناصب والولاية ، ما للنبي الأكرم من اعداد القوات العسكرية ودعمها بالتجنيد وتعيين الولاة وأخذ
    1 ـ تنبيه الاُمّة وتنزيه الملة ص 97 ولا ينافي ما ذكره شيخ الاُمّة المحقق النائيني مع ما حققناه في الجزء الأول من كون التقنين والتشريع مختصاً باللّه سبحانه ، فإنّ ما يضعه الحاكم الإسلامي ، أو مجلس الشورى إنّما هو من قبيل التخطيط ، وتطبيق الكليات على مواردها لا من قبيل التشريع والتأسيس.

(290)
الضرائب وصرفها في محالها إلى غير ذلك ...
    وليس معنى ذلك أنّ الفقهاء والحكّام الإسلاميين مثل النبي والأئمّة في جميع الشؤون والمقامات حتى في الفضائل النفسانية والدرجات المعنوية فإنّ ذلك رأي تافه لا يركن إليه ، إذ إنّ البحث إنّما هو في الوظائف المخوّلة إلى الحاكم الإسلامي والموضوعة على عاتقه لا في المقامات المعنوية والفضائل النفسانية ، فإنّهم صلوات اللّه عليهم في هذا المضمار في درجة لا يدرك شأوهم ولا يشق لهم غبار حسب روائع نصوصهم وكلماتهم.
    وليست السلطة مفخرة للحاكم يعلو بها على سائر المحكومين بل هي من وجهة النظر الإسلامية مسؤولية اجتماعية كبرى أمام اللّه سبحانه أوّلاً ، وأمام المسلمين ثانياً ، والجهة الجامعة ما بين الحاكم والإمام في إدارة دفة الحكم وسياسة العباد ليس لها أي ارتباط بالمثل الخلقية والصفات النفسانية (1).
    وهذه الوجوه التي مرت عليك بالاجمال أوجبت خلود الشريعة ، وبقاءها وصلاحها لإدارة المجتمع في الأعصار كلّها ، مع اختلافها في الحضارة والتقدم.

الأمر الثاني مرونة أحكامه :
    من الأسباب الدافعة إلى صلوح الإسلام للبقاء والخلود ، مرونة أحكامه التي تمكّنه من أن يماشي جميع الأزمنة والحضارات ، وقد تمثّلت هذه المرونة باُمور :

1 ـ الإسلام دين جامع والاُمّة الإسلامية اُمة وسط :
    إنّ من الأسباب التي أوجبت خلود الدين الإسلامي ، وأعطته الصلاحية للبقاء مع اختلاف الظروف وتعاقب الأجيال ، كونه ديناً جامعاً بين الدعوة إلى المادة والدعوة
    1 ـ ولاية الفقيه للاُستاذ الأكبر الإمام الخميني ـ قدّس اللّه سرّه ـ ص 63 ـ 66 وقد أشبعنا الكلام حول حقوق الحاكم الإسلامي في الجزء السابق فلاحظ.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: فهرس