مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: 461 ـ 470
(461)
انّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب » ؟ فقال : « سبحان اللّه ، ضع يدك على رأسي ، فواللّه ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلاّ قامت ، ثم قال : لا واللّه ، ما هي إلاّ وراثة عن رسول اللّه » (1).
    3 ـ ما روي عن الإمام الصادق : أنّه خرج وهو مغضب فلمّا أخذ مجلسه قال : يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي ، فما علمت في أي بيوت الدار » (2) ، فهذه الرواية محمولة ومفسرة بما أوضحناه ، وما سيوافيك من الأحاديث فالمقصود نفي العلم الاصالي القائم بذاتهم غير المستند إلى غيرهم ، وأمّا أنّه ( عليها السَّلام ) همّ بضرب جاريته فهربت فما علم مكانها ، فيوجّه بوجوه :
    أ ـ ما أسلفناه من كون علومهم على حسب مشيئتم وإنّهم إذا شاؤوا علموا.
    ب ـ ما وافاك من أنّ هنا مراحل ثلاثة ، مرحلة الاطلاع ، مرحلة العمل ، مرحلة الإعلام ولكلّ منها ، مقتضيات وشرائط وموانع ، وأنّه لا يستلزم العلم بالشيء العمل به ، فلعلّه ( عليها السَّلام ) أراد أن يطلع على مكانها من الطرق العادية لا غيرها.
    أضف إلى ذلك أنّ ذيل الرواية تفصح عمّا ذكرناه بوضوح ، ويعطي للإمام منزلة عظيمة ومكانة أرقى ممّن كان عنده علم من الكتاب ودونك لفظه : « قال سدير فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له : جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ، ونحن نعلم أنّك تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب؟ قال : فقال : يا سدير ألم تقرأ القرآن؟ قلت : بلى ، قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ : ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَّرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ؟ ( النمل ـ 40 ).
    1 ـ رجال الكشي ص 352 ـ 353 ط الأعلمي ، ورواه شيخنا المفيد في أماليه في المجلس الثالث ص 114 بأدنى تفاوت.
    2 ـ الكافي ج1 ص 257.


(462)
    قال : قلت : جعلت فداك قد قرأته ، قال : فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال : قلت : اخبرني به؟ قال : قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟ قال : قلت : جعلت فداك ما أقل هذا ، فقال : ياسدير ما أكثر هذا ، أن ينسبه اللّه عزّ وجلّ إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ أيضاً : ( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَي وَبَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ ) ؟ ( الرعد ـ 43 ).
    قال : قلت : قد قرأته جعلت فداك ، قال : أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم ، أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت : لا ، بل من عنده علم الكتاب كلّه ، قال : فأوما بيده إلى صدره وقال : علم الكتاب واللّه كلّه عندنا ، علم الكتاب واللّه كلّه عندنا.
    ج ـ أن يكون صدر الرواية وارداً على وجه التقية من النصاب والمخالفين لهم ولشيعتهم ، كما أنّهم ببغضهم وحسدهم على أمير المؤمنين ، إذا سمعوا ما لا يحتملونه ربّما اعترضوا بالسؤال عنه ، فيصدّهم بقوله : « إنّما هو تعلّم من ذي علم » كما نقلناه عن علي ( عليها السَّلام ) عند اخباره عن الفتن والملاحم في البصرة ، فإنّ طريق علمهم بالحوادث وغيرها ليس منحصراً بالوراثة ، كما هو ظاهر لمن راجع الأحاديث الواردة في باب علومهم ، وإنّما الوراثة أحد هذه الطرق ، غير أنّ إسناد علمهم عند الاخبار بما لا تحتمله عامّة الناس إليها كان يصدهم عن الاعتراض عليه.
    ثمّ إنّ العلاّمة الشيخ محمد الحسين المظفر ، أجاب عن حادثة الجارية وإنكاره ( عليها السَّلام ) على من يقول بأنّهم يعلمون الغيب بوجهين : ثانيها ما قدمناه أخيراً قال : « إنّهم ( عليهم السَّلام ) أعلم الناس بالناس وأعرفهم بضعف عقولهم ، وعدم تحملهم فلو إنّهم كانوا يتظاهرون دوماً ، بما منحوا من ذلك العلم ، لأعتقد بهم أهل الضعف بأنّهم أرباب أو غير ذلك ممّا يؤوّل إلى الشرك ، ولقد اعتقد بهم ذلك ، كثير من الناس ، من البدء حتى اليوم ، على أنّهم كانوا ينفون عنهم تلك المقدرة وذلك العلم أحياناً ولم يكونوا بأهل السلطة ليقيموا أود الناس بالتأديب بعد الوعظ والزجر كما سبق لأمير المؤمنين ( عليها السَّلام )


(463)
مع بعض أصحابه ».
    وقال : « بل كانوا غرضاً لفراعنة أيامهم ، وهدفاً لنبالهم ولم يكونوا بذلك المظهر عندهم ، فلو تظاهروا بتلك الخلة ، كيف ترى يحمل الحسد اُولئك الطواغيت ، على الفتك بهم وهم المحسودون على ما آتاهم اللّه من فضله وأي حائل يحجز عمّا يريدونه بهم وبأوليائهم ، وأنّهم لم يطلعوا أعدائهم ولا سواد أوليائهم على جميع ما رزقوا من ذلك الفضل ، وقد لاقوا من المصائب والنوائب والحوادث والكوارث والوقائع والفجائع ، ما تشيخ منه شم الجبال وتشيب من هوله الرضّع ، ولو لم يكونوا رزقوا ذلك الجلد والصبر على قدر ما رزقوا من الفضل ، لما استطاع أن يحمل ـ ما تحمّلوه ـ بشر وهل مات أحد منهم حتف أنفه ، دون أن يتجرع غصص السم النقيع ، أو يصافح حدود الصوارم ويعتنق قدود الرماح ، هذا فوق ما يرونه من الهتك للحرمات وتسيير العقائل والسب والسلب والغصب للحقوق والتلاعب بالدين ، وتضييع أحكام الشريعة.
    نعم لا يظهر بتلك المنح الالهية جميعها إلاّ الإمام المنتظر عجل اللّه فرجه ، لأنّه لا يخشى ذلك التسرّب إلى ضعاف البصائر ، لو صارح بما وهب من الفضل لقدرته على الردع والتأديب ، ولا يخاف حسد حاسد أو سطوة ظالم ، وهو صاحب السلطة والسيف » (1).
    4 ـ ما رواه الكشي عن عنبسة بن مصعب قال : قال لي أبو عبد اللّه ( عليها السَّلام ) : أي شيء سمعت من أبي خطاب؟ قال : سمعته يقول : إنّك وضعت يدك على صدرك وقلت له عه ولا تنس. وأنّك تعلم الغيب و ... ، قال ( عليها السَّلام ) : واللّه ما مس شيء من جسدي إلاّ يده ، وأمّا قوله : إنّي قلت أعلم الغيب فواللّه الذي لا إله إلاّ هو ما أعلم الغيب فلا آجرني اللّه في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنت قلت له (2).
    5 ـ ما أخبره صائب البصائر عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه : جعلت فداك أي شيء هو العلم عندكم؟ قال : ما يحدث بالليل والنهار ، الأمر بعد الأمر ، والشيء بعد
    1 ـ علم الإمام ص 48 ـ 49.
    2 ـ رجال الكشي ص 188.


(464)
الشيء إلى يوم القيامة (1) والحديث بصدد نفي العلم القديم عنهم ( عليهم السَّلام ) .
    6 ـ ما نقله صاحب البصائر باسناده عن ضريس قال : كنت مع أبي بصير عند أبي جعفر ( عليها السَّلام ) فقال له أبو بصير : بما يعلم عالمكم ، جعلت فداك؟ قال : يا أبا محمد إنّ عالمنا لا يعلم الغيب ولو وكّل اللّه عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة (2) وظهور الحديث فيما نرتئيه أغنانا عن البحث حوله.
    7 ـ ما خرج عن صاحب الزمان ( عليها السَّلام ) ردّاً على الغلاة من التوقيع جواباً لكتاب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي : يا محمد بن علي ، تعالى اللّه عزّ وجلّ عمّا يصفونه سبحانه وبحمده لسنا نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلاّ اللّه ) إلى أن قال : ... أشهدك وأشهد كلّ من سمع كتابي هذا أنّي برىء إلى اللّه وإلى رسوله ممّن يقول : إنّا نعلم أو نشارك اللّه في ملكه أو علينا محلاً سوى المحل الذي نصّبه اللّه وخلقنا له (3).
    وفي التوقيع قرائن كثيرة تدل على أنّ المقصود من نفي علم الغيب هو العلم الاصالي الموجب لكونهم شركاء للّه في علمه وملكه وقد أكد في التوقيع بأنّهم وجميع الأنبياء والمرسلين كلّهم عبيد للّه عزّ وجلّ فراجع إلى غير ذلك ممّا يمكن أن يقف عليه المتتبع الخبير.

خاتمة المطاف :
    قد سبق منّا في أوليات الفصل السابق (4) أنّ كلّ ما غاب عن الحس والشهود فهو غيب لا يقف عليه أحد إلاّ بإذن خاص من اللّه عزّ وجلّ وهو لا يظهره على أحد
    1 ـ بصائر الدرجات ص 94 ونقله المجلسي في بحاره ج26 ص 60.
    2 ـ بصائر الدرجات ص 94 ، راجع البحار ج26 ص 61.
    3 ـ الاحتجاج ج2 ص 288 ط النجف.
    4 ـ راجع ص 347 ـ 350 من هذا الجزء.


(465)
إلاّ من إرتضاه قال سبحانه : ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شآءَ ) ( البقرة ـ 255 ).
    غير أنّ الغيب الذي يتوقف على اذنه ومشيئته الخاصة ، هو التعرّف عليه من دون أن يتوسل بعلل وأسباب عادية كما هو الحال في علم الرسول وخلفائه ، وأمّا الاطلاع على الغيب بطرقه العادية وأسبابه الطبيعية ، كاخبار المنجّم عن خسوف القمر في ليلة مقمرة ، وكسوف الشمس في يوم معيّن ، بالاعتماد على الجداول العلمية والمحاسبات الرياضية ، فهو وإن كان علماً بالغيب وتعرّفاً على ما هو غائب عن حس العامة غير أنّه ليس علماً بالغيب في مصطلح القرآن والاخبار.
    وإن أبيت إلاّ دخوله في علم الغيب في مصطلح الذكر الحكيم فنقول : إنّ الاطلاع على الغيب بأسبابه العادية من المغيبات التي أذن اللّه لكل أحد أن يطلع عليها إذا طرقها من أبوابها ونظر إليها في ضوء العلم والتجربة.
    فقد أذن لكل من تداول علم النجوم ومارس الطب والطبابة أن يعرف وقت التربيع والخسوف والكسوف وأوضاع الكواكب وأحوالها بفضل الجداول والقوانين الرياضية ، وأن يقف على مستقبل المريض وحالاته بل واوان موته ، كما أذن لكل من درس علم الفلاحة ومارسها ، أن يعرف الشجرة ونتاجها ، والوردة وآوان تفتحها والتربة ومدى صلاحها ، وقابليتها للزراعة إلى غير ذلك ممّا يدور في حقله ، فالتنبّؤ بهذه الاُمور الغائبة ونظائرها يتحقق في ظل دراسات ومسبقات علمية ، ولا يعد ذلك آية ومعجزة ودليلاً على صلة المخبر باللّه والعوالم الغيبية بل إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على نبوغه وتوغّله في فنّه الذي تخصص فيه.
    ثمّ إنّ الرسول إذ كان ممّن ارتضاه اللّه سبحانه للتعرف على الغيب والاطلاع عليه ، فللّه سبحانه أن يظهره على غيبه عن طريق كتابه وقرآنه ، وقد وقفت على نماذج من ذلك ، كما أنّ له أن يوقفه عليه بغير هذا الطريق بقذف في روعه وتحديث من ملائكته أو غير ذلك من الطرق الغيبية فلا نرى عند ذاك فرقاً بين أن يتنبّأ بفضل كتابه المنزّل عليه


(466)
أو بطريق آخر ، فالتنبّؤ في كلا الموردين آية معجزة ودليل على صلته باللّه سبحانه غير أنّ القرآن وحي بلفظه ومعناه ، وغيره وحي بمعناه دون لفظه وكلاهما حق لا ينطق بهما النبي إلاّ عن وحي يوحى.
    وقد شغلت بال المحدّثين تلك التنبّؤات التي صدرت عن النبي عن طريق غير الوحي القرآني فعقدوا لبيانها باباً أو أبواباً ، بل ألّفوا حولها كتباً ورسالات (1).
    ونحن نذكر هنا بالرغم على ما تثيره العناصر المعاندة لأهل البيت والعادية عليهم من انكار تعرّفهم على الغيب واطلاعهم عليه ، معشار ما وقفنا عليه في صحاح القوم ومسانيدهم وكتب الحديث والتاريخ حتى يلمس القارئ خلاله ما هو الحق في المقام.

تنبّؤات نبوية :
    1 ـ تنبّأ الرسول بغلبة المسلمين على كسرى وفتح كنوزه واستقرار السلام العام في مناطقهم وبيئاتهم. قال عدي بن حاتم : بينا أنا عند النبي إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثمّ أتاه آخر فشكا قطع السبيل ، فقال يا عدي : هل رأيت الحيرة؟ قلت : لم أرها وقد اُنبئت عنها ، قال : فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلاّ اللّه ... ولئن طالت بك حياة لنفتحن كنوز كسرى ، قلت : كسرى بن هرمز؟ قال : نعم ، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملئ كفّه من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله ... قال عدي : رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلاّ اللّه ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى ، رواه البخاري (2).
    1 ـ أجمع كتاب اُلّف في هذا الموضوع لدى الشيعة ما ألّفه المحدث السيد هاشم البحراني وأسماه مدينة المعاجز ، وهو مجلد كبير طبع بإيران ويليه ما ألّفه المحدّث الحر العاملي وأسماه بـ « اثبات الهداة بالبيّنات والمعجزات » وقد طبع في مجلدات سبع وقد مرّ الايعاز إلى ما ورد فيه من الأخبار الغيبية.
    2 ـ راجع التاج ج3 ص 256.


(467)
    2 ـ قد شكا خباب بن الارت إلى النبي وكان هو متوسّد بردة له في ظل الكعبة فقال له : ألا تستنصر لنا ألا تدعو اللّه لنا؟ فقال النبي ـ مشيراً إلى ألوان التعذيب التي كانت تحل بالمؤمنين في الاُمم السالفة ـ : « واللّه ليتمنّ اللّه هذا الأمر حتى يسير المراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ اللّه أو الذئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون » رواه البخاري وأبو داود في الجهاد وبهذا المضمون أحاديث كثيرة (1).
    3 ـ تنبّأ النبي بالمستقبل المظلم الذي يواجهه الخويصرة رئيس الخوارج والمارقين وهو الذي قال لرسول اللّه : « اعدل » فقال رسول اللّه : ويلك من يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول اللّه أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال : دعه فإنّ له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ين ـ ظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء (2) وللحديث صور اُخرى نقلها في التاج (3).
    4 ـ وقد تنبّأ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بكذّاب ثقيف وقتال الروم وفتح القسطنطينية وغيره من علامات خروج المهدي وقد جمعها صاحب التاج في كتاب الفتن ، فراجع الجزء الخامس ص 296 ـ 326 تجد فيها من التنبّؤات ما لا يحصى.
    5 ـ تنبّأ رسول اللّه بقتل علي بسيف أشقى الأوّلين والآخرين وهو يبكي ، فقال علي : يا رسول اللّه ما يبكيك؟ فقال : يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأنّي بك وأنت تصلّ ـ ي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك (4) وهو أخبر في كلامه هذا عن عدة مغيبات من أنّ علياً لا يموت بحتف أنفه ، بل يقتل في شهر رمضان ، في حال الصلاة ، بالسيف ،
    1 ـ راجع التاج الجزء الثالث ص 257.
    2 ـ المصدر نفسه ج5 ص 286 كتاب الفتن.
    3 ـ المصدر نفسه ج5 ص 295.
    4 ـ عيون أخبار الرضا ج1 ص 297 ، تاريخ بغداد ج1 ص 135 الكامل للمبردج2ص132 ، نهج البلاغة ، عبده ، الخطبة 151.


(468)
ويصيب السيف بقرنه ، وتخضب منها لحيته ، وانّ قاتله شقيق عاقر ثمود في الشقاء.
    6 ـ أخبر في غزوة تبوك عن موت أبي ذر وحده بفلات من الأرض وذلك عندما أبطأ على أبي بذر بعيره فتركه وأخذ متاعه على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول اللّه ماشياً ونزل رسول اللّه في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول اللّه أنّ هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ، فقال : رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كن أبا ذر ، فلمّا تأمله القوم قالوا : يا رسول اللّه هو واللّه أبو ذر ، فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : رحم اللّه أبا ذر يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده.
    ولما سير عثمان أبا ذر إلى الربذة مات هناك ، ولم يكن معه إلاّ امرأته وغلامه ، فأوصاهما أن اغسلاني وكفّناني ثمّ ضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول اللّه ، فأعينونا على دفنه ، وقبل عبد اللّه بن مسعود في رهط من أهل العراق وقام إليهم الغلام فأخبرهم بما أمر ، فاستهل عبد اللّه بن مسعود يبكي ويقول صدق رسول اللّه تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، ثمّ نزل هو وأصحابه فواروه ، ثمّ حدثهم عبد اللّه بن مسعود حديثه وما قال رسول اللّه في مسيره إلى تبوك (1).
    7 ـ وقد خاطب ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عائشة بقوله : يا حميراء كأنّي بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين علياً وأنت ظالمة ، يا حميراء إيّاك أن تكوني أنت (2).
    8 ـ كان رسول اللّه يحث أصحابه على نصرة أمير المؤمنين في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين وقال أمير المؤمنين : أمرني رسول اللّه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (3).
    9 ـ تنبّأ النبي بما يجري على الاُمّة من بني اُميّة وقال كما قال أبو ذر لعثمان : سمعت رسول اللّه يقول : إذا كملت بنو اُميّة ثلاثين رجلاً اتخذوا بلاد اللّه دولاً ، وعباد اللّه
    1 ـ سيرة ابن هشام ج2 ص 523.
    2 ـ العقد الفريد ج2 ص 283 ، مستدرك الحاكم ج3 ص 194.
    3 ـ تاريخ الخطيب ج8 ص 340 وغيره.


(469)
خولاً ، ودين اللّه دغلاً ، فارتجّ الخليفة بسماعه فبعث إلى علي بن أبي طالب فأتاه فقال : يا أبا الحسن أسمعت رسول اللّه يقول ما حكاه أبو ذر وقص عليه الخبر ، فقال علي : نعم (1).
    يحدثنا التاريخ عن سيرة الخليفة في الغنائم والأموال وعن اقتناء جماعة من أصحاب الفتن والثورات من آل العاص وبني اُميّة ضياعاً عامرة ودوراً فخمة وقصوراً شاهقة ، وثروة طائلة وأسس الخليفة حكومة اُموية قاهرة في الحواضر الإسلامية وسلّطهم على رقاب الناس وأدلى الأمر ، في المراكز الحساسة إلى أغلمة بني اُمية وشبابهم وأشياخهم وذلّل لهم السبل وكسح عن مسيرهم العراقيل إلى غير ذلك من أحداث موبقة جرت الويلات على الاُمّة الإسلامية في أمصارها إلى أن قتل من جرائها.
    وإلى ذلك يشير النبي بقوله : سيكون اُمراء بعدي يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون (2).
    10 ـ ما أخبر به عمار إذ دخل عليه وقد أثقلوه باللبن فقال : يا رسول اللّه قتلوني يحملون علي ما لا يحملون بقوله : ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلوك إنّما تقتلك الفئة الباغية ، وأنّ آخر رزقك من الدنيا صاع من لبن أو مذقة من لبن ، وقد طلب عمار شربة فاُتي بشربة لبن ، فقال : انّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : آخر شربة تشربها في الدنيا شربة لبن وشربها ثمّ قاتل حتى قتل (3).
    11 ـ تنبّأ النبي بقتال الزبير مع أمير المؤمنين وقد برز علي ، قبل وقوع الحرب يوم الجمل وأراد أن يستفيئه إلى طاعته ، وقال ليبرز إليَّ الزبير فبرز إليه مدججاً ، فقيل لعائشة : قد برز الزبير إلى علي ( عليها السَّلام ) فصاحت : وازبيراه ، فقيل لها : لا بأس عليه منه ، أنّه حاسر والزبير دارع ، فقال له علي ـ بعد كلام دار بينه وبين الزبير ـ : ناشدتك اللّه أتذكر يوماً مررت بي ورسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) متّكىء على يدك وهو جاء من بني عمرو بن
    1 ـ تاريخ اليعقوبي ج2 ص 162 ط النجف وغيره من المصادر الوافرة.
    2 ـ مسند أحمد ج1 ص 456.
    3 ـ سيرة ابن هشام ج1 ص 497 ، اُسد الغابة ج4 ص 46.


(470)
عوف فسلّم علي وضحك في وجهي فضحكت إليه لم ازده على ذلك فقلت : لا يترك ابن أبي طالب يا رسول اللّه زهوه ، فقال لك : مه أنّه ليس بذي زهو أما أنّك ستقاتله وأنت له ظالم. فاسترجع الزبير وقال : لقد كان ذلك ولكن الدهر أنسانيه ... (1).
    12 ـ تنبّأ النبي بقتال علي ( عليها السَّلام ) على تأويل القرآن ، روى أبو سعيد قال : كنّا مع رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فانقطعت نعله فتخلّف علي يخصفها فمشى قليلاً ثمّ قال : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر وقال أبو بكر : يعني علياً ، فأتيناه فبشرناه فلم يرجع به رأسه كأنّه قد سمعه من رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) (2).
    13 ـ أخبر النبي بقتل كسرى وأنّ اللّه سلّط ابنه « شيرويه » عليه ، فقتله في شهر كذا وليلة كذا ، وذلك عندما كتب كسرى إلى « باذان » وهو باليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به ، فبعث باذان « بابويه » وكان كاتباً حاسباً ورجلاً آخر من الفرس فأعلما النبي بما قدما له ، فقال لهما رسول اللّه : أرجعا حتى تأتيان غداً ، فلمّا أتيا تنبّأ بقتل كسرى وأمر بهما أن يقولا لباذان : « ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وينتهي منتهى الخف والحافر » (3).
    14 ـ تنبّأ النبي بأنّه لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة وقد روى حصين عن أبيه جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي سمعته يقول : أنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، قال ثمّ تكلم بكلام خفي علي ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلّهم من قريش (4).
    هذا غيض من فيض ، وقليل من كثير ممّا يقف عليه المتتبع في مسانيد الحديث
    1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 366.
    2 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 23.
    3 ـ الطبقات الكبرى ج1 ص 260 ، تاريخ الكامل ج2 ص 146 ، السيرة الحلبية ج3ص278.
    4 ـ صحيح مسلم ج2 ص 191 ، ورواه غيره بصور متقاربة.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: فهرس