مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: 511 ـ 517
(511)
    وقال :
لقد أكرم الله النبي محمداً وشقّ له من اسمه ليجله فأكرم خلق الله في الناس أحمد فذو العرش محمود وهذا محمد (1)
    قال الديار بكري : أنشأ أبو طالب في مدح النبي أبياتاً منها هذا البيت.
    وشقّ له من اسمه ليجله ...
    وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا فقال :
ألم تر أنّ الله أرسل عبده بآياته والله أعلى وأمجد
    وشقّ له من اسمه ليجله ...
     قال ابن هشام : ولما خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها وتودد أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من أنّه غير مسلّم رسول اللّه ولا تاركه لشيء أبداً حتى يهلك دونه. ومن تلك القصيدة قوله :
لعمري لقد كلفت وجداً بأحمد فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلها فأصبح فينا أحمد في أرومة واحببته حب الحبيب المواصل وزيناً لمن والاه رب المشاكل تقصر عنه سورة المتطاول (2)
    روى ابن الأثير : أنّ أبا طالب رأى النبي وعلي يصلّيان ، وعلي على يمينه فقال لجعفر ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ : صل جناح ابن عمك وصلّ على يساره ، وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي بقليل ، وقال أبو طالب :
فصبراً أبا يعلي على دين أحمد وكن مظهراً للدين وفقت صابراً

    1 ـ تاريخ ابن كثير ج1 ص 266 ، الإصابة ج 4 ص 115 ، تاريخ الخميس ج1 ص 254.
    2 ـ سيرة ابن هشام ج1 ص 272 وشرح النهج ج 14 ص 79.


(512)
وباد قريشاً بالذي أتيته جهاراً وقل ما كان أحمد ساحراً (1)
    روى شيخنا أبو الفتوح الرازي في تفسيره :
زعمت قريش أنّ أحمد ساحر كذبوا ورب الراقصات الى الحرم (2)
    إلى غير ذلك مما نقل وأثر منه سلام اللّه عليه ، ولو اسقصينا ما نقل عنه من الشعر في هذا الباب لخرجنا عن المقصود ، وقد نقل السيد الفخار عنه هذين البيتين في ضمن أبيات :
وانصر أحمداً فإنّ من الله فخير بني هاشم أحمد رداء عليه غير مدال رسول الاله على فترة (3)
    وقال :
يا شاهد الله علي فاشهد انّي على دين النبي أحمد (4)
    وقد أثر عن أمير المؤمنين علي ( عليها السَّلام ) أنّه قد أمره والده أبو طالب بالصبر في الدفاع عن النبي بقوله :
أصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي بصبره مشعوب
    فأجاب علي ( عليها السَّلام ) بقوله :
أتأمرني بالصبر في دين أحمد ووالله ما قلت الذي قلت جازعاً

    1 ـ اُسد الغابة ج1 ص 287 ، كما في الغدير ج7 ص 358 ، بحار الأنوار ج18 ص 221 ، مجمع البيان ج2 ص 287 ، وفي الأخير : يحض أبو طالب أخاه حمزة على اتباع النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
    2 ـ تفسير أبي الفتوح ج4 ص 212 ونقله أبو علي شمس الدين السيد فخار بن محمد الموسوي المتوفّى 630 صاحب كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص 72.
    3 ـ كتاب الحجة ص 74.
    4 ـ شرح النهج ج 14ص 78 ، وقال وقد يروى لعلي في ديوانه ، ولكنّه موجود في ديوان أبي طالب ص 75 ولم نذكر في عداد ما نقلناه عن ديوانه لمكان هذا الترديد.


(513)
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً (1)
    وأمّا ما نقل عن غير أبي طالب متضمناً تسمية النبي بأحمد ، فكثير جداً تصعب الاحاطة به ويطول الكلام بنقل ما وقفنا عليه في مجاميع التاريخ والأدب ولنكتفي بما يلي :
    قال حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في رثاه :
مفجعة قد شفها فقد أحمد أطالت وقوفاً تذرف العين جهدها فظلّت لآلاه الرسول تعدد على طلل القبر الذي فيه أحمد (2)
    وقال أيضاً في رثاه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) :
صلّى الاله ومن يحيق بعرشه والطيّبون على المبارك أحمد (3)
    وقال :
فمن كان أو يكون كأحمد نظام الحق أو نكال لملحد
    وقال في رثاه جعفر الطيار :
بها ليل منهم وابن اُمّه علي ومنهم أحمد المتخير
    وقال يرثي زيد بن حارثة :
ذاكم أحمد الذي لا سواه ذاك حزني معا له وسروي (4)
    وقال حسان :
    1 ـ شرح النهج الحديدي ج14 ص 64.
    2 ـ نقلها ابن هشام في سيرته ج2 ص 667و669 ، ونقل الثاني منهما ابن سعد في طبقاته ج2 ص 323.
    3 ـ نقلها ابن هشام في سيرته ج2 ص 667و669 ، ونقل الثاني منهما ابن سعد في طبقاته ج2 ص 323.
    4 ـ أخذنا ما نقلناه إلى هنا من شاعر عهد الرسالة من مواضع مختلفة من ديوانه راجع ص 59 ، 63 ، 65 ، 102 ، 109 ط بيروت ، تحقيق محمد عزت نصر اللّه ، مضافاً إلى المصادر الاُخرى التي أوعزنا إليها.


(514)
فمن كف أحمد قد فجرت عيون من الماء يوم الظمأ (1)
    وقال :
ففي كف أحمد قد سبّحت بتقديس ربي صغار الحصى (2)
    وقال كعب بن مالك :
فهذا نبي اللّه أحمد سبّحت صغار الحصى في كفّه بالترنم (3)
    وقد نقل عن ورقة بن نوفل أنّه بعد ما اطلع على أمر النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وأنّه ينزل عليه الناموس الأكبر الذي كان ينزل على موسى وعيسى أنشأ يقول :
فإن يك حق يا خديجة فاعلمي حديثك أيانا فأحمد مرسل (4)
    وقال :
بأنّ أحمد يأتيه فيخبره جبريل أنّك مبعوث إلى البشر (5)
    وقال :
وانّ ابن عبد اللّه أحمد مرسل إلى كل من ضمّت عليه الأباطح (6)
    وقال أحد بني عامر رداً على حسان في افتخاره بالأنصار :
بسيف ابن عبد اللّه أحمد في الوغى بكف علي نلتم ذاك فاقصروا (7)
    وقال حمزة حين أسلم ، أبياتاً منها :
إذا تليت رسائله علينا رسائل جاء أحمد من هداها تهدر دمع ذي اللهب الحصيف بآيات مبيّنة الحروف (8)

    1 ـ بحار الأنوار ج16 ص 413و414و 415.
    2 ـ بحار الأنوار ج16 ص 413و414و 415.
    3 ـ بحار الأنوار ج16 ص 413و414و 415.
    4 ـ بحار الأنوار ج18 ص 195 و 196 وراجع بلوغ الاداب ج2 ص 274 و275.
    5 ـ بحار الأنوار ج18 ص 195 و 196 وراجع بلوغ الاداب ج2 ص 274 و275.
    6 ـ بحار الأنوار ج18 ص 195 و 196 وراجع بلوغ الاداب ج2 ص 274 و275.
    7 ـ بحار الأنوار ج 20 ص 259.
    8 ـ سيرة ابن هشام ج 1 ص 293.


(515)
    وقالت عاتكة بنت عبد المطلب ترثي النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) :
يا عين جودي ما بقيت بعبرة سحاً على خير البرية أحمد (1)
    ونقل المجلسي عن الخرائج : انّ تبع بن حسان سار إلى يثرب وقتل من اليهود ثلاثمائة وخمسين رجلاً بالصبر وأراد خرابها ، فقام إليه رجل من اليهود وقال : إنّك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية ، قال : ولِ ـ مَ؟ قال : لأنّه يخرج منها من ولد اسماعيل نبي يظهر من هذه البنية ، يعني البيت الحرام ، فكف « تبع » ومضى يريد مكة ومعه اليهود وكسا البيت وأطعم الناس وهو القائل :
شهدت على أحمد أنّه رسول من الله باري النسم (2)
    وقالت صفية في تزويجه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) :
ثمّ السعود لأحمد بخديجة بنت الكمال والسعد عنه ما برح وبحر أناملها طفح (3)
    واجتمع سادة قريش وأكابرها في اليوم الثالث كعادتهم ، ونهض العباس وهو يقول :
شاع في الناس فضلكم قد فخرتم بأحمد أحمد سيد الورى وعلا في المراتب زين كل الاطائب خير ماش وراكب (4)
    وقال بعض المسلمين عند اجلاء بني النضير وربّما ينسب إلى علي بن أبي طالب ( عليها السَّلام ) :
    1 ـ الطبقات الكبرى ج2 ص 326.
    2 ـ بحار الأنوار ج 15 ص 214.
    3 ـ بحار الأنوار ج 16 ص 75.
    4 ـ بحار الأنوار ج 16 ص 72.


(516)
رسائل تدرس في المؤمنين بهن اصطفى أحمد المصطفى
    إلى أن قال :
وقلن لأحمد ذرنا قليلا فإنّا من النوح لم نشتف (1)
    

خاتمة المطاف :
    ولنختم البحث بذكر ما ورد حول أسمائه فانّ صريح الأحاديث أنّ أسماءه في القرآن أكثر من هذين ، فقد روى الصدوق في خصاله (2) أنّ لرسول اللّه عشرة أسماء : خمسة منها في القرآن ، وخمسة ليست في القرآن ، فأمّا التي في القرآن : محمد ، أحمد ، عبد اللّه ، يس ، ن ، وأمّا التي ليست في القرآن : فالفاتح ، الخاتم ، الكاف ، المقفي ، الحاشر.
    روى الشيخ الأكبر عن الكلبي (3) عن أبي عبد اللّه ( عليها السَّلام ) قال : قال لي : كم لمحمد اسم في القرآن ؟ قال : قلت : اسمان أو ثلاثة ، فقال : يا كلبي له عشرة أسماء ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) ، ( وَ مَبَشِّراً بِرَسُول يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد ) ، ( وَ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ) ، ( طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقى ) ، ( يس * وَالقُرْآنِ الحَكِيمِ ) ، ( ن وَالقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ ) ، ( يَا أَيُّهَا المُزَّمِّل ) ، ( يَا أَيُّهَا المُدَّثِّر ) ، ( قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّه ) ، فالذكر اسم من أسماء محمد ونحن أهل الذكر ، فسل يا كلبي عمّا بدا لك؟
    ومفهوم الحديثين واضح فانّ المراد من الاسم فيها أعم من الصريح والمؤوّل ومن العلم والوصف فانّ بعض ما عد اسماً له ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لا يعدو عن كونه وصفاً له كالمدثر والمزمل كما أنّ عد الحروف المقطعة علماً له إنّما هو بالتأويل المخصوص علمه لهم ( عليهم السَّلام ) ، فلاحظ.
    1 ـ سيرة ابن هشام ج2 ص 197.
    2 ـ الخصال ج2 ص 48.
    3 ـ بصائر الدرجات ص 159.


(517)
    وقال الشيخ الطوسي في التبيان : روي عن علي ( عليها السَّلام ) : سمّى اللّه تعالى النبي في القرآن بسبعة أسماء (1).
    هذه سيرة النبي الأكرم وهذه صفاته ونعوته وأسماؤه ، وما قدمناه خطوة رائدة للتعرف على نفسياته وسيرته من اُفق القرآن المبين ، أو نواة طيبة يمكن البناء عليها ، وهو باجماله يمثل شخصيته اللامعة ، ومكانته المرموقة ، التي قرن اللّه طاعته بطاعته وقال سبحانه : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه ) ( النساء ـ 80 ) ومحبّته بمحبّته وقال سبحانه : ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) ( آل عمران ـ 31 ).
    وبيعته ببيعته وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه ) ( الفتح ـ 10 ) إلى غير ذلك.
    وما أردت أن ألمح إلى جميع ما ورد في حقه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في القرآن المجيد فإنّ استخراجه عمل ضخم لا تسعه طاقة انسان واحد.
    وإنّما الذي استهدفت هو أن أشير إلى نماذج حتى يكون فتحاً للباب واستنهاضاً للهمم وتقديماً للاسوة : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللّهَ وَاليَوْمَ الآخِر وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً ).
وآخر دعوانا
أن الحمد للّه ربّ العالمين

    1 ـ التبيان ج 2 ص 475.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: فهرس