مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: 501 ـ 510
(501)
    وقد بلغ من العظمة موقفاً إلى أنّ اللّه وملائكته يصلّون عليه ، فأمر اللّه سبحانه المؤمنين أن يصلّوا عليه ويسلّموا تسليماً وقال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( الأحزاب ـ 56 ).
    روى الشافعي عن أبي هريرة أنّه قال لرسول اللّه كيف نصلّ ـ ي عليك؟ قال : « تقولون : اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ثمّ تسلمون عليّ » (1).
    قال ابن حجر صح عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول اللّه قد عرفنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّ ـ ي عليك؟ قال : قولوا اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ـ إلى أن قال ـ وروي عنه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أنّه قال : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء؟ قال : تقولون : اللّهمّ صلّ على محمد وتمسكون ، بل قولوا : اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) (2).
    وقد نسب الزرقاني هذين البيتين إلى الإمام الشافعي :
يا آل بيت رسول الله حبّكم كفاكم من عظيم القدر أنّكم فرض من الله في القرآن أنزله من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (3)
    وإلى أنّه وصل إلى الذروة من ع ـ ظمة الخلق وقوة الروح وصفاء النفس ورجاحة العقل بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ) ( القلم ـ 4 ).
    غير أنّ من المحتمل أن يكون « الخلق » بمعنى الدين ، أي أنّك على دين عظيم كما عليه قوله سبحانه : ( إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأوَّلِينَ ) ( الشعراء ـ 137 ) فالمقصود اكبار الدين الذي بعث النبي لبيانه وابلاغه ، ويؤيده قوله سبحانه بعده : ( فَسَتُبْصِرُ
    1 ـ مسند الشافعي ج2 ص 97.
    2 ـ الصواعق ص 144.
    3 ـ شرح المواهب ص 7.


(502)
وَيُبْصِرُونَ بِأَييِّكُمُ المَفْتُون ) أي فسترى يا محمد ويرون الذين رموك بالجنون ( بأيكم المفتون ) أي أيكم المجنون الذي فتن بالجنون أأنت أم هم ، وحيث إنّك على دين عظيم يؤيدك اللّه وينصرك عليهم (1).
    وإلى دماثة خلقه وحسن معاشرته ورأفته وعطفه على أعدائه ، وتنزهه عن فظاظة الخلق ، وغلظة القلب بقول سبحانه : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) ( آل عمران ـ 159 ).
    وإلى ما رزق من قلب نقي وسريرة طيّبة ورغبة شديدة في خير المؤمنين وعظم ثقته بحسن نياتهم بقوله : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ خَيْر لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) ( التوبة ـ 61 ).
    وإلى حيائه وصبره على ما يؤذي نفسه من أصحابه وتجنّبه من كسر قلوبهم وجرح عواطفهم بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعام غَيْرَ ناظِرينَ إِينهُ وَلَكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسينَ لِحَدِيث إِنّ ذلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْي مِنَ الحَقِّ ) ( الأحزاب ـ 53 ).
    وإلى ما فطر من رحمة ورأفة وبر وحرص شديد على مصلحة قومه وشعوره بما يلم بهم من آلام وما ينالهم من مشاق ، وما يلقي من جهد وعنت في سبيل ازالة آلامهم وتخفيف ما يشق عليهم ، واشتياقه إلى ارشاد الناس وهدايتهم واشفاقه ورأفته بالمؤمنين وعطفه عليهم بقوله : ( لَقَدْ جآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( التوبة ـ 128 ).
    وإلى غزارة علمه بقوله سبحانه : ( وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) ( النساء ـ 113 ).
    وإلى طهارة روحه وأهل بيته من الرجس ودرن الشرك والمعاصي بقوله سبحانه :
    1 ـ راجع مجمع البيان ج5 ص 233.

(503)
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ( الأحزاب ـ 33 ).
    وإلى عكوفه على عبادة ربّه وتهجّده في الليل وسهره في طريق طاعة اللّه بقوله سبحانه : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ) ( المزمل ـ 20 ).
    وإلى أنّه رسول اللّه إلى الناس كافة وخاتم النبيين وأنّ اللّه سبحانه حافظ لدينه وكتابه إلى يوم القيامة بقوله : ( وَ مآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كآفَّةً لِلنَّاسِ تَشِيراً وَ نَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( سبأ ـ 28 ) ، وبقوله : ( ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَداً مِّنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيماً ) ( الأحزاب ـ 40 ) ، وبقوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر ـ 9 ).
    وإلى أنّه مصدق لما بين يديه من الكتب بقوله : ( وَلَمَّا جَآءَهَمُ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ) ( البقرة ـ 101 ).
    وإلى صبره في طريق هداية الاُمّة بقوله : ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ ) ( النحل ـ 127 ).
    وإلى أجره عند اللّه سبحانه بقوله : ( وَإِنَّ لَكَ لاََجْراً غَيْرَ مَمْنُون ) ( القلم ـ 3 ).
    وإلى قربه منه سبحانه ، وتأثير استغفاره في حق الاُمّة ، وأنّهم لو طلبوا منه أن يستغفر لهم ، لوجدوا اللّه تواباً وغافراً لذنوبهم بقوله سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جآؤوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) ( النساء ـ 64 ).
    إلى أن عاد القرآن فأشار إلى عظمة قدره وجلالة شأنه بتوصيفه بأنّه : رسول نبي اُمّي ، مكتوب اسمه في التوراة والانجيل ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم الاصر ، ويرفع عنهم الاغلال حيث قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَ يَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَ يُحِلّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ


(504)
الخَبَآئِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي اُنْزِلَ مَعَهُ ، اُولِئِكَ هُمُ المُفْلِحْونَ ) ( الأعراف ـ 157 ).
    كما وصفه بأنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، شاهد ، مبشر ، نذير ، داع إلى اللّه ، سراج منير ، ورحمة للعالمين ، وأنّه أحد الأمانين في الأرض ، وأنّه سبحانه لا يعذّب الناس وهو فيهم تجد كل هاتيك الصفات والثناء في الآيات التالية :
    ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً ) ( الأحزاب : 45 ـ 46 ).
    ( وَما أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ( الأنبياء ـ 107 ).
    ( وَما كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَما كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ( الأنفال ـ 33 ).
    وفي الوقت نفسه لا يقتصر القرآن على بيان روحياته ونفسياته فقط بل يطري النبي ويصفه كوصف محب متجلد فيوجه نظره السامي إلى تسمية أعضائه الظاهرة المهمة.
    فيصف بصره بقوله : ( ما زَاغَ البَصَرُ وَما طَغَى ) ( النجم ـ 17 ).
    ووجهه بقوله : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) ( البقرة ـ 144 ).
    وقلبه بقوله : ( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ( البقرة ـ 97 ).
    وفؤاده بقوله : ( ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى ) ( النجم ـ 11 ).
    وصدره بقوله : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَ وَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ) ( الانشراح : 1 ـ 3 ).
    وصوته بقوله : ( يآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ


(505)
النَّبِيِّ ) ( الحجرات ـ 2 ).
    إلى أن يعود القرآن فيحلف بعمره ويقول : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( الحجر ـ 72 ).
    ويصف سيره وعروجه في الليل إلى المسجد الأقصى ومنه إلى السموات العلى بقوله : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) ( الإسراء ـ 1 ) (1).
    ويبين نهاية سيره وأنّه قد بلغ إلى سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى قال سبحانه : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى * ما زَاغَ البَصَرُ وَ مَا طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرى ) ( النجم : 13 ـ 18 ).
    ويصف أوليات حياته وأنّه لم يزل محروساً بعين اللّه سبحانه ومشمولاً لعنايته ، قال سبحانه : ( وَالضُّحى * وَالليلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى * وَ وَجَدَكَ ضآلاً فَهَدى * وَ وَجَدَكَ عآئِلاً فَأَغْنى * فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَر * وَ أَمَّا السَّآئِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( الضحى : 1 ـ 11 ).
    كما يصف شرح صدره لتحمل عبء النبوّة ، ورفع الوزر الذي انقض صدره فقال : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَاكَ عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) ( الشرح : 1 ـ 8 ).
    ويشير إلى نزول الوحي عليه وأنّ معلّمه شديد القوى إذ قال سبحانه : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى * ذُو مرَّة فَاسْتَوى * وَ هُوَ بِالاُفُقِ الأعْلى ) ( النجم : 1 ـ 7 )
    1 ـ راجع في قصة المعراج إلى سورة النجم الآية السادسة إلى الثامنة عشر.

(506)
وقال سبحانه : ( ذلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) ( آل عمران ـ 44 ) .
    وإلى براءته من كل ما يلصق به من تهمة ، فقال سبحانه : ( فَلا اُقْسِمُ بِالخُنَّسِ * الجَوَارِ الكُنَّسِ * وَالَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رُسُول كَرِيم * ذِي قُوَّة عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِين * مُّطَاع ثمَّ أَمِين * وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُون * وَلَقَدْ رَآهُ بِالاُفُقِ المُبِينِ * وَما هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِين * وَما هُوَ بِقَولِ شَيْطن رَّجِيم ) ( التكوير : 15 ـ 25 ).
    وإلى لزوم الاستجابة لدعوته وإنّ فيها حياتهم ، قال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ( الأنفال ـ 24 ) وقال سبحانه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران ـ 31 ).

أسماؤه في القرآن :
    إنّ القرآن يتفنّن في توصيف النبي وذكره بل في تسميته والايماء إليه ، فتارة يشير إليه بإحدى الصفات العامة الشاملة لكل انسان كما في قوله : ( فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) ( النجم ـ 10 ) غير أنّ في إضافة العبد إلى نفسه الماعاً إلى تكريمه وتقربّه منه سبحانه : واُخرى يخاطبه بالألقاب الخاصة بأنبيائه ورسله ويقول : ( يآ أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ ) ( الأنفال ـ 65 ) ، ( يآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِكَ ) ( المائدة ـ 67 ) (1).
    وثالثة يخصّه باسميه اللذين كان يدعى بهما في الإسلام أعني محمداً وأحمد ، أمّا الأوّل فقد جاء في مواضع أربعة من القرآن :
    1 ـ ( ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خَاتَمَ
    1 ـ نعم جاء في بعض الوثائق التاريخية والمجاميع الحديثية أنّ أسماءه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يس ، طه ، ن ، غير أنّه لم يحقق ذلك إذ من المحتمل جداً أن تكون من الحروف المقطعة كما عليه أعلام التفسير.

(507)
النَّبِيِّينَ ) ( الأحزاب ـ 40 ).
    2 ـ ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) ( آل عمران ـ 144 ).
    3 ـ ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّد ) ( محمد ـ 2 ).
    4 ـ ( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْتَهُمْ ) ( الفتح ـ 29 ).
    وأما الثاني فقد جاء في موضع واحد حيث يقول سبحانه : ( وَمَبَشِّراً بِرَسُول يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ( الصف ـ 6 ).
    وليس الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بدعاً من بين الرسل في كونه ذا اسمين فقد سبقه في ذلك ثلّة من الأنبياء كيوشع بن نون وهو ذو الكفل في القرآن ويعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل ويونس وهو ذو النون وعيسى وهو المسيح (1) وعلى ذلك فلا إشكال في أن يكون للرسول الأعظم إسمان : محمد وأحمد ، ويظهر من الروايات المتظافرة أنّ اسمه في السماء أحمد ، فقد جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ومما سأله أنّه لم سمّيت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً؟ فقال النبي : « أمّا محمد فإنّي محمود في الأرض ، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء » . (2)
    ولعلّ المراد من السماء عالم الوحي ويطابق مضمونه ما تعطيه آية الصف من تبشير المسيح بمجي نبي اسمه أحمد. وروى أهل السير والتاريخ عن الباقر ( عليها السَّلام ) : انّ « آمنة » اُم النبي اُمرت في المنام وهي حامل برسول اللّه أن تسميه أحمد وسماه جده محمداً بالهام من اللّه تفاؤلاً بأن يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة التي يحمد عليها ، وإلى ذلك يشير أبو طالب بقوله :
وشقّ له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

    1 ـ سأل الشامي أمير المؤمنين ( عليها السَّلام ) عن ستة من الأنبياء لهم أسمان فأجاب بما ذكرناه وأضاف الخضر وهو حلقيا ومحمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وهو أحمد صلوات اللّه عليهم. عيون أخبار الرضا ص 136 ، بحار الأنوار ج16 ص90.
    2 ـ أمالي الصدوق : ص112 ، علل الشرائع ص53 ، معاني الأخبار ص 19 ، بحار الأنوار ج16ص 94.


(508)
    وفي الخصائص الصغرى : « أحمد » ولم يسم به أحد قبله (1) فإنّ العرب كانوا مأنوسين بلفظ « محمد » لأنّه سمّي به في زمن النبي وقد عد بعضهم من سمّي بمحمد ستة عشر ونظمهم بقوله :
انّ الذين سمّوا باسم محمد من قبل خير الخلق ضعف ثمان
    وأمّا أحمد فلم يسم به أحد قبله بل منع اللّه بحكمته أن يتسمّى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله منذ خلقت الدنيا وفي خلال حياته الشريفة حتى لا يدخل لبس أو شك على ضعيف القلب ، وأوّل من سمّي بأحمد في الإسلام ولد جعفر بن أبي طالب (2). وكذلك محمداً أيضاً لم يسم به أحد قبل وجوده ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وميلاده ولم يتحقق ذلك إلاّ بعد أن شاع أنّ نبياً يبعث في الحجاز اسمه محمد وقد قرب زمنه فسمّى بعضهم حينئذ أبناءهم بذلك وحمى اللّه تعالى هؤلاء من أن يدعي أحد النبوّة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه شيء من سماتها إلى أن تحققت دعوة النبي (3).
    لا ريب أنّ أحمداً أحد أسمائه المعروفة ولا يتردد في تسميته بهذا الأسم من له أدنى تتبع في سيرته وتاريخ حياته ، وما قيل في حقه من المدائح في الإسلام وقبله يوضح أنّه كان يدعى بهذا الإسم منذ نعومة أظفاره.
    وهذا أبو طالب شيخ الأباطح حامي النبي وكفيله يذكره في أشعاره بهذا الاسم ويسمّيه به ومثله حسان به ثابت شاعر الرسول في عهد الرسالة ، ومادحه وغيرهما من الشعراء المخضرمين ، تراهم أصفقوا على تسميته بأحمد من دون تردد ولا ريب ، كل ذلك يدل على أنّ البيت الذي ولد ونشأ فيه النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قد أسماه بهذا ، والبيئة التي شب وترعرع فيها ، كان تعرفه به.
    1 ـ السيرة الحلبية ج1 ص 93.
    2 ـ كتب إلينا المحقق التستري في ملاحظاته على الكتاب أنّه لم يجد بأحمد بل كانوا مسمين بـ « عون » و « عبد اللّه » و « محمد ».
    3 ـ المصدر نفسه ص 95 ـ 97 بتلخيص منّا.


(509)
شبهة تافهة اختلقها رجال الكنيسة :
    إنّ الغرب بعد أن تم غزوه لبلاد الشرق واحتلّها بالحديد والنار ، طفق يغزو الأفكار ويبث الشبهات وقد بعث رجال التبشير إلى هذه البلاد لتحريف أفكار شباب الإسلام منه ثمّ توجيههم إلى المسيحية أوّلاً واللادينية ثانياً ، حتى يسهل اصطيادهم وسحق حقوقهم ونهب منابعهم وأموالهم ، ومن الشبهات التافهة التي نشرها بعض رجال الكنيسة في بلادنا قولهم :
    إنّ المسيح بشّر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد غير أنّه لا ينطبق على نبي الإسلام فإن إسمه « محمد » بنص القرآن الكريم واتفاق المسلمين وغيرهم ، والذي بشّر به المسيح إنّما هو أحمد ، وحينئذ فإنّ ما بشّر به هو غير ذاك ، ونحن نتربص بفارغ الصبر مجيء نبي آخر اسمه أحمد ، يكون خاتم الأنبياء والمرسلين.
    وتلك شبهة لا تحتاج إلى الجواب ، ولا غرو من مبدعها فإنّ من يعمد إلى تغيير الشرائع بالتحريف ، لا يتعفف عن تحويل الأسماء عن مسمياتها إلى غيرها مما يرشده إليه هواه ، إذ من الضروري أنّ أحمد أحد أسماء نبيّنا ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وكانت الحجاز والحرم والبيت ومن يعيش فيها ، تعرفه بهذا الاسم كما كانت تعرفه باسمه الآخر.
    أضف إلى ذلك أنّه لما نزل قوله سبحانه : ( ومبشّراً برسول يأتي من بعده اسمه أحمد ) لم يعترض على النبي أحد من المسيحيين ولا من غيرهم ، بل لم ينبس أحد ببنت شفة ، بأنّ من بشّر بمجيئه المسيح إنّما هو أحمد ، وأي صلة بينك وبين هذه البشارة ، بل سكتوا عنه وتلقّوه أمراً مسلماً وهذا دليل على أنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كان معروفاً بهذا الاسم يوم ذاك بل منذ ولادته ونعومة أظفاره (1).
    ودونك نماذج مما وقفت عليه من شعر عمّه وغيره ممن ذكروا النبي في أشعارهم
    1 ـ والأوهن من تلك الشبهة ما حسبه بعض المغفلين من أنّ الآية اخبار عن نبوّة غلام أحمد القادياني ذلك المتنبئ المشعوذ الذي خدم الاستعمار البريطاني عند احتلال الهند.

(510)
`بهذا الاسم وسمّوه به ، ونكتفي من الكثير بالقليل ، حذراً من الاطالة :
    قال أبو طالب رحمة اللّه عليه :
ألا أنّ خير الناس نفساً ووالداً إذا عدّ سادات البرية أحمد (1)
    وقال :
إن يكن ما أتى به أحمد اليوم سناء وكان في الحشر ديناً (2)
    وقال :
وقوله (3) لأحمد أنت امرء وإن كان (5) أحمد قد جاءهم خلوف الحديث (4) ضعيف النسب بحق ولم يأتهم بالكذب (6)
    وقال :
تنالون أحمد أو تصطلوا ظباة الرماح وحد القضيب (7)
    وقال :
أرادوا قتل أحمد ظالموه وليس بقتلهم فيهم زعيم (8)
    وقال :
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا لعزاء من عض الزمان ولا كرب (9)

    1 ـ ديون أبي طالب ص 13.
    2 ـ المصدر نفسه ص 19.
    3 ـ وفي مجمع البيان : وقالوا.
    4 ـ وفي المجمع : اللسان.
    5 ـ وفي المجمع : « إلاّ أن ».
    6 ـ مجمع البيان ج2 ص 287 ط صيدا.
    7 ـ المصدر نفسه ص 26.
    8 ـ المصدر السابق ص 29.
    9 ـ المصدر نفسه ص 20 وتجد بعض تلكم العسجدية مبثوثة في طيات الكتب والمعاجم ونرى المقام غنياً عن الاشارة لمصادرها غير إنّا أخذناها من ديوانه المطبوع بالنجف الأشرف في المطبعة الحيدرية وجامع ديوانه هو عبد اللّه بن مهزم البصري كما صرح به النجاشي في فهرسته ص 151 وذكر طريق روايته إليه ، وذكره شيخنا في الذريعة ج14 ص 195.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثالث ::: فهرس