مفاهيم القرآن ـ جلد الراربع ::: 301 ـ 310
(301)
6
الشفاعة في الاَدب العربي
    لم يكن شعر السلف الصالح مجرد ألفاظ مسبوكة في بوتقة النظم ، أو كلمات منضّدة على أسلاك القريض فحسب ، بل كان شعرهم حافلاً بالاَبحاث الراقية من المعارف المستقاة من الكتاب والسنّة وشاملاً لدروس عالية من الفلسفة والعبر والموعظة الحسنة والاَخلاق. (1)
    كما أنّ الشعر يوَرّخ الاَحداث أصدق تاريخ ، ويخلد الوقائع أبعد تخليد ، ألست عندما تسمع أحداً ينشد قول الاَنصار عند طلوع النبي في هجرته إلى المدينة :
طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع
    تتذكر قدوم الرسول وهجرته من دار موطنه إلى دار هجرته ، وتلك الحفاوة الجماهيرية البالغة ، وذلك الاحتفال العظيم بشكل لا يمكن أن تصوره الكلمات المبعثرة المنثورة.
    على أنّ الشعر الذي يدور حول المعارف الموجودة في الكتاب والسنّة خير مرآة للمراد من الآيات والاَحاديث الواردة في هذا المضمار ، فإنّ العرب كانوا بفطرتهم السليمة يفهمون ما هو المقصود من الآية والحديث ، ثم يصوغونه في
    1 ـ اقتباس من ما ذكره العلاّمة المحقق الاَميني في غديره : 2/3.

(302)
شعرهم من دون أن يتأثروا في فهمه بالآراء المسبقة أو الاَفكار المفروضة عليهم ، مثلاً اتفق الموَرخون على أنّ النبي الاَكرم قام في يوم الغدير وألقى خطابه في ذلك المحتشد ، وقال في حق علي ( عليه السلام ) :
    « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ولكن المتأخرين عن زمن الرسالة اختلفوا فيما يقصده النبي من تلك الجملة في هذا المحتشد العام ، ولكن إذا رجعنا إلى ما صاغه حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة حول هذا الموضوع وكان حاضراً في ذلك المشهد ، يتجلّى مفاد الحديث بأجلى مظاهره ، ويصير شعره مرآة اللغة ، وقرينة على المراد فإنّه قام ـ بعد ما ألقى النبي خطابه التاريخي ـ وألقى شعراً ارتجالياً في محضره وقال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم فقال فمن مولاكم ونبيكم إلهك مولانا وأنت نبينا فقال له قم يا علي فإنّني بخم واسمع بالنبيِّ مناديا فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا ولم تلق منا في الولاية عاصيا رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
    ولاَجل ذلك أفردنا فصلاً لذكر الآبيات الواردة حول الشفاعة التي نظمت في العهود السابقة ، وبالتدبّر فيها يرتفع كثير من الاِبهامات التي نسجتها أوهام المتأخرين حولها ، ويُعلم أنّ الشفاعة كانت أمراً مسلماً عند السلف الصالح ، وكان طلبها من أصحابها أمراً جائزاً رائجاً ، ولا نأتي في هذا الفصل إلاّ بقليل من كثير ، فإنّ الاِشباع وبسط الكلام لا تتحملهما هذه الرسالة.


(303)
    1. ونبدأ بما أنشأه عبد اللّه بن رواحة في محضر النبي ارتجالاً وقال :
انّي تفرست فيك الخير أعرفه أنت النبي ومن يحرم شفاعَته فثبَّتَ اللّه ما آتاك من حسن واللّه يعلم ان ما خانني البصرُ يوم الحساب فقد أزْرَى به القدرُ تثبيتَ مُوسى ونَصْراً كالذي نصروا (1)
    2. قالت صفية بنت عبد المطلب في قصيدتها التي رثت بها النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم :
ألا يا رسول اللّه أنت رجاوَنا وكنت بنا برّاً ولم تك جافياً
    والمقصود من قولها : أنت رجاوَنا كون النبي ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) مرجو الشفاعة.
    3. قال الشاعر المفلق أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الملقب بالسيد المتوفّى عام 173 هـ.
إنّي امروٌَ حميريٌّ حين تنسبني ثم الولاء الذي أرجو النجاة به جدي رعين وأخوالي ذوو يزن يوم القيامة للهادي أبي حسن (2)
    وقال :
على آل الرسول وأقربيه أليسوا في السماء وهم نجوم سلام كلّما سجع الحمام وهم أعلام عز لا يرام
    ( إلى أن قال ) :
أُولئك في الجنان بهم مساغي وجيرتي الخوامس والسلام (3)

    1 ـ الاستيعاب : 3/900.
    2 ـ ذكره المرزباني في معجم الشعراء كما في الغدير : 2/210.
    3 ـ ذكره العلاّمة الاَربلي في كشف الغمة كما في الغدير : 2/228.


(304)
    وقال :
ان تسأليني بقومي تسألي رجلا حولي بها ذو كلاع في منازلها في ذروة العز من أحياء ذي يمن وذو رعين وهمدان وذو يزن
    إلى أن قال :
ثم الولاء الذي أرجو النجاة به من كبّة النار للهادي أبي حسن (1)
    وقال :
يا أهل كوفان إنّي وامقٌ لكمُ أهواكم وأُواليكم وأمدحكم لحبِّكم لوصيِّ المصطفى وكفى هو الاِمام الذي نرجو النجاة به عسى الاِله ينجّيني برحمته مذ كنت طفلاً إلى السبعين والكبرِ حتماً عليّ كمحتوم من القدرِ بالمصطفى وبه من سائر البشرِ من حر نار على الاَعداء مستعرِ ومدحي الغرر الزاكين من سقرِ (2)
    4. وقال أبو محمد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي من شعراء أهل البيت الطاهرين المتقربين إليهم بولائه وشعره المقبولين عندهم لصدق نيته ، وانقطاعه إليهم :
يا سادتي يا بني علي أنتم نجوم الهدى اللواتي يا آل طه وآل صادِ يهدي بها اللّه كلّ هادِ
    إلى أن يقول :
    1 ـ الاَغاني : 7/250 ، كما في الغدير : 2/236.
    2 ـ الاَغاني : 7/277 ، كما في الغدير : 2/247.


(305)
وما تزوَّدتُ غير حبّي وذاك ذخري الذي عليه إيّاكم وهو خير زادِ في عرصة الحشر اعتمادي (1)
    ومن شعره أيضاً :
وان ضامنا دهرٌ فعذنا بعزِّكم وإن عارضتنا خفيةٌ من ذنوبنا فيبعد عنّا الضيمَ لمّا بكم عُذنا براةٌ لنا منها شفاعتكم أمنا (2)
    5. وقال أبو جعفر دعبل بن علي بن رزين الخزاعي في تائيته المعروفة :
مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوة لآل رسول اللّه بالخيف من منى ومنزل وحي مقفر العرصاتِ وبالركن والتعريف والجمرات
    إلى أن قال :
فيا وارثي علم النبي وآله لقد آمنت نفسي بكم في حياتها عليكم سلامٌ دائم النفحات وأنّي لاَرجو الاَمن بعد مماتي (3)
    6. قال الشاعر بقراط بن أشوط الوامق النصراني :
يا حبَّذا دوحة في الخلد نابتة المصطفى أصلها والفرع فاطمة والهاشميان سبطاها لها ثمر هذا مقال رسول اللّه جاء به إنّي بحبهم أرجو النجاة غداً ما في الجنان لها شبه من الشجر ثم اللقاح علي سيد البشر والشيعة الورق الملتف بالثمر أهل الروايات في العالي من الخبر والفوز مع زمرة من أحسن الزمر (4)

    1 ـ الغدير : 2/285.
    2 ـ الغدير : 2/292.
    3 ـ الغدير : 2/322.
    4 ـ الغدير : 3/10.


(306)
    7. قال الشاعر أبو الحسن علي بن عباس بن جريح البغدادي الشهير بابن الرومي في عينيته :
تتجافى جنوبهم عن وطيء المضاجع
    إلى أن قال :
أعف عنا ذنوبنا أعف عنا ذنوبنا أنت إن لم تكن لنا للوجوه الخواشع للعيون الدوامع شافع غير شافع (1)
    8. وقال الشاعر أبو القاسم أحمد بن محمد الشهير بالصنوبري في قصيدته :
    وشافع الملك الراجي شفاعتهإذ جاءه ملك في خلق ثعبان (2)
    9. قال الشاعر أبو القاسم علي بن إسحاق البغدادي الشهير بالزاهي :
أبا حسن جعلتك لي ملاذاً فكن لي شافعاً في يوم حشري ألوذ به ويشملني الزَّماما وتجعل دار قدسك لي مقاماً (3)
    10. قال الاَمير أبو فراس الحارث بن أبي علا الحمداني في قصيدته :
لست أرجو النجاة من كل ما وببنت الرسول فاطمة الطهر أخشاه إلاّ بأحمد وعلي وسبطيه والاِمام علي
    إلى أن قال :
    1 ـ الغدير : 3/4.
    2 ـ الغدير : 3/324.
    3 ـ الغدير : 3/346.


(307)
بهمُ ارتجي بلوغ الاَماني يوم عرضي على الاِله العلي (1)
    وله أيضاً :
شافعي أحمد النبي ومولاي علي والبنت والسبطان (2)
    11. قال الشاعر الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عباد :
بمحمد ووصيه وابنيهما ثم الرضا ومحمد ثم ابنه أرجو النجاة من المواقف كلها وبعابد وبباقرين وكاظم والعسكري المتّقي والقائم حتى أصير إلى نعيم دائم (3)
    وقال في مقطوعة أُخرى :
شفيع إسماعيل في الآخرة محمد والعترة الطاهرة (4)
    12. وقال الشاعر أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد الشهير بابن الحجاج البغدادي المتوفّى عام 391 هـ :
يا صاحب القبة البيضاء في النجف من زار قبرك واستشفى لديك شُفي
    إلى أن قال :
انّي أتيتك يا مولاي من بلدي راج بأنّك يا مولاي تشفع لي مستمسكاً من حبال الحق بالطرف وتسقني من رحيق شافي اللهف (5)

    1 ـ الغدير : 3/364 ـ 365.
    2 ـ الغدير : 3/364 ـ 365.
    3 ـ الغدير : 4/60.
    4 ـ مناقب آل أبي طالب : 2/165.
    5 ـ الغدير : 4/78.


(308)
    13. وقال الشاعر أبو النجيب شداد بن إبراهيم بن حسن الملقب بالطاهر الجزري المتوفّى عام 401 هـ :
حسبي عليّان ان ناب الزمان وإن فلي عليُّ بن عبد اللّه منتجعُ جاء المعاد بما في القول والعمل ولي عليُّ أمير الموَمنين ولي (1)
    14. وقال الشاعر أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي المتوفّى عام 428 هـ :
يزوّر عن حسناء زورة خائف تعرُّض طيف آخر الليل طائف
    إلى أن قال :
هواكم هو الدنيا واعلم انّه يبيض يوم الحشر سود الصحائف (2)
    15. وقال الشاعر أبو الغارات الملك الصالح المستشهد عام 556 هـ :
محمد خاتم الرسل الذي سبقت به بشارة قس وابن ذي يزن
    إلى أن قال :
ظل الاِله ومفتاح النجاة وينبو فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً ع الحياة وغيث العارض الهتن به وبالمرتضى الهادي أبي الحسن (3)
    16. قال الشيخ عبد اللّه الشبراوي الشافعي ( المتوفّى عام 1172 هـ ) في قصيدته التي أنشأها في حق الحسين ( عليه السلام ) التي مطلعها :
    1 ـ الغدير : 4/158.
    2 ـ الغدير : 4/216.
    3 ـ الغدير : 4/311.


(309)
آل طه ومن يقل آل طه حبّكم مذهبي وعقد يقيني منكم أستمدُّ بل كل من في الكـ مستجيراً بجاهكم لا يُردُّ ليس لي مذهبٌ سواه وعقدُ ـون من فيض فضلكم يستمد
    وله قصيدة أُخرى مطلعها :
يا نديمي قم بي إلى الصهباءِ واسقنيها في الروضة الغنّاءِ
    ويقول في آخرها :
يا ابن بنت الرسول إنّي محبٌّ يا كرام الاَنام يا آل طه ليس لي ملجأ سواكم وذخرٌ فتعطّف واجعل قبولي جزائي حبّكم مذهبي وعقد ولائي أرتجيه في شدّتي ورخائي (1)
    17. قال الجزري الشافعي ( المتوفّى عام 204 هـ ) في طبقات القرّاء ج 2 ص 97 والدعاء عند قبره ( أي قبر الشافعي ) مستجاب ، ولمّا زرته قلت :
زرت الاِمام الشافعي لاَنال منه شفاعة لاَنّ ذلك نافعي أكرم به من شافع (2)
    18. قال صفي الدين الحلي ( 677 ـ 752 هـ ) في قصيدة في حق النبي الاَكرم ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) مطلعها :
خمدت لفضل ولادك النيران وانشق من فرح بك الاِيوان

    1 ـ الغدير : 5/165 ـ 166 نقلاً عن كتابه الاِتحاف بحب الاَشراف : 25.
    2 ـ الغدير : 5/175.


(310)
    إلى أن قال في آخره :
فاشفع لعبد شأنه عصيانه فلك الشفاعة في محبكم إذا فلقد تعرض للاِجازة طامعاً انّ العبيد يشينه العصيان نصب الصراط وعلق الميزان في أن يكون جزاوَه الغفران (1)
    19. قال الشيخ مغامس بن داغر الحلي من شعراء القرن التاسع في قصيدة مطلعها :
حيا الاِله كتيبة مرتادها يطوى له سهل الفلا ووهادها
    إلى أن قال :
فتشفَّعوا لكبائر أسلفتها جرماً لو أنّ الراسيات حملنه هيهات تمنع من شفاعة جدكم صلى الاِله عليكم ما أرعدت قلقت لها نفسي وقل رقادها دكت وذاب صخورها وصلادها نفس وحب أبي تراب زادها سحب واسبل ممطراً أرعادها (2)
    وله في قصيدة يمدح بها النبي الاَعظم ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) ويقول في آخرها :
فهل أنال مفازاً في شفاعتكم فيا مغامس أحبس في مدائحكم ممّا احتقبت له في سائر الحقب تلك القوافي وأجر اللّه فاحتسب (3)
    20. قال الشيخ الحافظ البرسي رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي من شعراء القرن التاسع في مسمطه في حق أهل البيت ( صلوات اللّه عليهم ) :
    1 ـ الغدير : 6/38 نقلاً عن ديوانه : 47.
    2 ـ الغدير : 7/25 ـ 26.
    3 ـ المصدر نفسه : 32.
مفاهيم القرآن ـ جلد الرابع ::: فهرس