مفاهيم القرآن ـ جلد الراربع ::: 381 ـ 390
(381)
نعم بقي هنا سوَال
    وهو انّه إذا سلمنا انّ النبي والرسول لا يقصد منهما أزيد مما يفيده لفظهما بحسب المفهوم ولا فرق بينهما إلاّ في المعنى الجوهري الذي يدلاّن عليه ، وانّ ما ذكر من الفروق كلها خارج عن صلب المعنى وما وضع له اللفظ ، فكيف نفسر قوله سبحانه : ( وَاذْكُرْ فِي الكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَصادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (1) وقوله سبحانه : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْرَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي اُمْنِيَّتِهِ ) ؟ (2)
    * الجواب
    إنّ مفاد هذه الآيات على ما حقّقناه واضح ، أمّا فيما إذا وقعا وصفين لشخص واحد مثل قوله سبحانه : ( وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (3) وقوله سبحانه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاَُمِّيَّ ) (4) فالمراد الدلالة على أنّه واجد لكلا المنصبين ، ومتصف بكلتا الحيثيتين إذ للفرد الموحى إليه ، المبعوث من اللّه سبحانه لاِبلاغ أحكامه ، شوَون ومناصب أو صفات وحالات ، فبما انّه يوحى إليه وله اتصال بالمبدأ الاَعلى ومطلع على الغيب أو منبىَ عنه فهو نبي ، وبما أنّه يتحمل رسالة من اللّه تعالى ويتم حجته على العباد ، ويجب عليه إرشاد الناس وإنذارهم ، فهو رسول ( رُسُلاً مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ ). (5)
    1 ـ مريم : 54.
    2 ـ الحج : 52.
    3 ـ مريم : 54.
    4 ـ الاَعراف : 157.
    5 ـ النساء : 165.


(382)
    وأمّا إذا استعملا على وجه يشيران إلى طائفة مثل قوله سبحانه : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (1) فإنّ الظاهر انّ كل واحد من اللفظين يشير إلى طائفة وجماعة واحدة ولا يدل على تعدد الطائفتين مصداقاً ، وانّ الموصوف بالنبوة غير الموصوف بالرسالة حسب الوجود ، بل يمكن أن يكون اللفظان بما لهما من المعنى حاكيين عن جماعة واحدة لهم شأن النبوة والرسالة ، فيصير هدف الآية : انّا ما أرسلنا أحداً من هذه العصابة إلاّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيته ، غير انّه طلباً لجلية الحال وتوخياً في استيعاب كل واحد منهم بلا استثناء ، وانّ الحكم يعم رسولهم ونبيّهم عطف أحدهما على الآخر ، طلباً لشمول الحكم لهم جميعاً ، وانّ بلوغهم مرتبة النبوة والرسالة ، ما منعهم عن هذه الهواجس.
    وان أبيت إلاّ عن ظهور الآية في تعدّد الطائفتين وجوداً ومصداقاً وانّ هنا مجموعتين : أنبياء ورسلاً ويفترق بعضها عن بعضها فعندئذ نقول : قصارى ما يمكن أن يقال انّ كل واحد من اللفظين إذا انفرد بالذكر ، لا يدل إلاّ على المعنى الذي أشرنا إليه ، من دون دلالة على أحد من هذه الفروق ، ومن دون أن نلتزم بالتفرقة بينهما بواحد من هذه الفروق ، مثلاً إذا قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (2) فلا يقصد من لفظ النبي ، إلاّ كونه المطّلع على الغيب والمنبىَ عنه من دون أن يشير إلى واحد من هذه الفروق.
    وإذا قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) لا يقصد منه إلاّ صاحب الرسالة والمبعوث إلى الناس لاِبلاغ كلام ، أو تنفيذ عمل من دون أن يدل على كونه ذا كتاب ، أو شريعة جديدة ، أو معايناً للملك ، وآخذاً منه
    1 ـ الحج : 52.
    2 ـ الاَحزاب : 45.


(383)
الوحي ، فإنّ واحداً من هذه المعاني لا يخطر ببال أي عربي عند سماع هذين اللفظين.
    نعم إذا اجتمعا في الذكر ، وأشارا إلى طائفتين مثل قوله سبحانه : ( وما أرسلنا من رسول ولا نبي ) ، فالاعتراف بظهور الآية فيما ادّعاه القائل من دلالة اللفظين على أنّ هنا طائفتين ، مختلفتين ، لكل منهما صفة وخاصية ، يدفعنا إلى إبداء الفرق بينهما بأحد من الوجوه المذكورة في كلمات القوم مضافاً إلى ما يفيده لفظهما فيكون وزان النبي والرسول وزان الظرف والجار والمجرور والفقير والمسكين ، « إذا افترقا اجتمعا ، وإذا اجتمعا افترقا » وقد عرفت حال الوجوه السالفة ، وأقربها إلى الاعتبار هو الوجه الرابع الموَيد ببعض الروايات.

الثاني : منصب النبوة أسمى من مقام الرسالة
    انّ منصب النبوّة أسمى من مقام الرسالة ، والنبي بما هو نبي ، أشرف من الرسول بما هو رسول ، لما عرفت انّ الحيثية المقومة للنبوة ، هي الاتصال باللّه واستعداد النفس لوعي ما ينزل به الوحي من المبدأ الاَعلى ، والحيثية المقومة للرسالة هي تحمل تنفيذ عمل أو ابلاغ قول من المرسل ، وأين شرف الاتصال باللّه والمبدأ الاَعلى من شرف تحقيق عمل في الخارج أو إبلاغ كلام عن شخص إلى الغير ؟
    وقد عرفت أنّ النبي لم يستعمل في القرآن إلاّ في الاِنسان الموحى إليه ، المبعوث من ناحيته سبحانه إلى الناس ، وأمّا الرسول فقد توسع فيه القرآن ولا يختص بالاِنسان الموحى إليه من اللّه ، بل يستعمل في الاَعم.
    وبذلك يمكن أن يقال : إنّ النبي في مصطلح القرآن أفضل من مطلق الرسول ، فإنّ في توصيف الشخص بكونه نبياً يدل على كونه قد احتل مكانة مرموقة ، وليس كذلك عند وصفه بكونه رسولاً ، إذ يحتمل أن يكون نبياً مرسلاً من


(384)
جانب اللّه أو من جانب نبيه ، أو شخص ثالث ولا يتأتى مثل هذا الاحتمال في النبي وبذلك يعلم سر إطراء عدة من الاَنبياء بالرسالة أوّلاً وبالنبوة ثانياً ، قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاَُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوراةِ وَالاِِنْجِيلِ ) (1) ويقول سبحانه : ( وَاذْكُرْ فِي الكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (2) وقال عز اسمه : ( واذْكُر فِي الكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (3) ، وقال عزّ من قائل : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ). (4)
    ترى أنّه سبحانه عندما أراد إطراء نبي من الاَنبياء وتوصيفه بما فيه من الصفات ، يصفه أوّلاً بكونه رسولاً ثم يردفه بكونه نبياً ، وما ذاك إلاّ لما أوضحناه من سمو مقام النبي وكرامته على مطلق الرسول وأحقيته منه عند الاِطلاق ، فلو كان الاَمر على ما اشتهر بين الناس من أحقية الرسول وأفضليته ، لما صحّ له سبحانه أن يترقى من الوصف العالي إلى ما هو أنزل منه ، خصوصاً إذا كان في مقام الاِطراء والمدح ، كما هو الحال في الآيات كلّها غير الرابعة.

الثالث : النبوة أساس رسالة الاِنسان من اللّه
    النبوة أساس رسالة الاِنسان من اللّه سبحانه ، إذ رسالة الاِنسان من جانب اللّه سبحانه لاِبلاغ أمره أو زجره لا تتحقّق إلاّ باتصاف الرسول بالنبوة وارتقاء نفس النبي إلى حد يقدر معه على وعي الوحي ، ويصبح به جديراً بنزول كلام الرب عليه ، إذ الرسول الذي أمرنا اللّه بوجوب اتباعه واقتفائه ، وحرمة التخلف
    1 ـ الاَعراف : 157.
    2 ـ مريم : 54.
    3 ـ مريم : 51.
    4 ـ الحج : 52.


(385)
عن أمره ونهيه ، كما هو صريح قوله سبحانه : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ) (1) هو المبعوث من جانب اللّه ، المبلّغ عنه أحكامه ودساتيره ، الموَدي عنه سبحانه كل ما يقوله ، من صغير وجليل ، ولا يصير الاِنسان موَدياً عنه سبحانه إلاّ إذا استمسك بباب الوحي واعتصم به واستند إليه في قوله ونقله وإبلاغه واتصف بالتنبّوَ به. (2)

الرابع
    قد تبين في الاَمر المتقدم ، انّ القسم الخاص من الرسول (3) أعني : الاِنسان المبعوث من جانب اللّه سبحانه ، هو نفس النبي مصدقاً وانّ النسبة بينهما من حيث المصداق هي التساوي ، وعلى ذلك فلا فرق بين أن تقول : « محمد رسول اللّه وخاتم النبيين » أو تقول : « وخاتم الرسل » للتلازم بين الاَمرين ، من حيث المصداق ، فلو فرض أنّه أوصد باب النبوة وختم نزول الوحي إلى أي إنسان ( كما تشير إليه مادة النبأ والنبوة ) فعند ذاك يختتم باب الرسالة الاِلهية أيضاً بلا ريب وتردّد ، لاَنّها تحقيق ما تحمّله النبي من جانب اللّه عن طريق الوحي ، فإذا انقطع الوحي ، والاتصال بالمبدأ الاَعلى والاطلاع على ما عنده سبحانه ، فعند ذاك ، فقد أحد أركان الرسالة ، أو ركنها الركين ، أي التبليغ من جانب اللّه مستنداً إلى الوحي فتصير
    1 ـ النساء : 64.
    2 ـ ويدل على ذلك ما استفاض نقله عن الصادقين عليمها السَّلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً وانّ اللّه تعالى اتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً ، وانّ اللّه اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، وانّ اللّه تعالى اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ». ( الكافي : باب طبقات الاَنبياء والرسل : 94 ).
    3 ـ قد عرفت أنّ الرسول في القرآن هو صاحب الرسالة سواء تحملها من اللّه ، أو من جانب نبيّه أو من جانب شخص عادي ، ولاَجل ذلك خصصنا الكلام بالقسم الخاص.


(386)
الرسالة عندئذ منتفية بانتفاء موضوعها.
    فإذا كان محمد ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) خاتماً للنبيّين ، أي مختوماً به الوحي والاتصال فهو خاتم الرسل والمرسلين (1) طبعاً ، لاَنّ رسالة الاِنسان من جانب اللّه سبحانه ، عبارة عنبيان وإبلاغ ما أخذه منه عن طريق الوحي ، فلا تستقيم رسالة أي إنسان منجانبه سبحانه ، إذا انقطع الوحي والاتصال به تعالى ، ولا يقدر أن يتقولأيابن أُنثى بالرسالة من ناحيته عز وجل ، إذا كانت النبوة موصدة باعترافه.
    وبذلك يعلم أنّ كلا اللفظين ( « خاتم النبيين » و « خاتم الرسل ) » وإن كانا مفيدين لمعنى واحد ، إلاّ أنّ اختيار الاَوّل على الثاني لاَجل أنّ النبوة أساس للرسالة من جانب اللّه ، حيث إنّه يجب أن يعتمد الرسول في إبلاغه وإنذاره وإرشاده ، على الوحي والاتصال باللّه سبحانه ، ولا يفيده إلاّ لفظ النبي دون غيره ، فإذا أصحر المتكلم بإنهاء الوحي وانقطاعه من السماء إلى الاَرض إلى يوم القيامة وقال « إنّه خاتم النبيين » أي انّه آخر من يوحى إليه ، وانّه لن يوحى من بعده إلى أحد يلزم منه ختم باب الرسالة الخاصة بطريق أولى ، ويكون من باب إفادة المقصد ببيّنة وبرهان ، كما لا يخفى (2) وأمّا ختم الرسالات الاَُخر ، كرسالة الملك من اللّه سبحانه فلا صلة له بالبحث ، سواء أكان بابها مفتوحاً أو موصداً ، وأمّا الرسالة من جانب النبي والرسول ، فلا نبي بعده ، حتى يكون لهذا النبي ، رسول وأمّا الرسالة من
    1 ـ المراد ، القسم الخاص من الرسالة ، لا الرسالة من جانب النبي ولا من جانب الشخص العادي.
    2 ـ قال العلاّمة الطباطبائي ـ دام ظلّه ـ بعد ما اختار في معنى الرسالة والنبوة ما أوضحنا ، وأقمنا برهانه ـ ما هذا لفظه : ولازم ذلك أن ترتفع الرسالة بارتفاع النبوة ، فإنّ الرسالة من أنباء الغيب فإذا انقطعت الاَنباء ، انقطعت الرسالة. الميزان : 16/346.


(387)
ناحية فرد عادي ، فهو خارج عن المقصود.
    هذا ما أوصلنا إليه التدبر في آيات الذكر الحكيم وكلمات الفطاحل الاَعلام ، ونردف المقام بالبحث عن الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام.


(388)
بحث وتنقيب
    قد اضطربت الروايات المروية عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، حول تفسير الرسول والنبي ، اضطراباً يعسر إرجاعها إلى أمر واحد إلاّ بإمعان وتدبّر عميق ، وتلك المأثورات على أقسام ننقلها تحت أقسام ، حتى تسهل الاِشارة إليها :
    الاَوّل : ما يسوق منصبي النبوة والرسالة إلى أربع درجات ولا يفرّق بينهما قيد شعرة :
    أخرج الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي (1) ، عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور عنه قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « الاَنبياء والمرسلون على أربع طبقات (2) فنبي منبىَ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبييرى في المنام ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلى أحد ، وعليه امام ، مثل ما كان إبراهيم ع (3) لوط ، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت
    1 ـ قال الغضائري : حديثه يعرف تارة وينكر أُخرى ، ويجوز أن يخرج شاهداً ، وقد استثنى ابن الوليد وابن نوح وابن بابويه من روايات « محمد بن أحمد بن يحيى » ما رواه عن « أبي يحيى الواسطي » وقرّره الشيخ في فهرسته والنجاشي في رجاله. راجع قاموس الرجال : 5/43.
    2 ـ ويحتمل أن يكون المراد ، انقسام مجموع الصنفين إلى أربعة ، لا كل واحد ، وعندئذ يخرج الحديث عن الدلالة على هذا القسم.
    3 ـ الظاهر من التمثيل بـ « لوط » من جهة انّ عليه إماماً ، لا من جهة انّه لا يعاينه حتى ينافي قوله سبحانه : ( ولما جاءت رسلنا لوطاً سيىَ بهم وضاق بهم ذرعاً ) ( هود : 77 ) ولا من جهة انّه لم يبعث إلى أحد حتى ينافي قوله تعالى : ( وانّ لوطاً لمن المرسلين ) ( الصافات : 133 ).


(389)
ويعاين الملك ، وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا ، كيونس ، قال اللّه تعالى : ( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مائةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (1) ( قال : يزيدون ثلاثين ألفاً ) وعليه إمام ، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين ( الملك ) في اليقظة وهو إمام مثل أُولي العزم (2) ، وقد كان إبراهيم نبياً وليس بإمام حتى قال اللّه : ( إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمينَ ) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً ». (3)
    والرواية مع قطع النظر عمّا تحتاج إليه من توجيه ، كما أشرنا إليه في التعليقة ، تخالف ما استظهرناه من الآيات من كون كل نبي مبعوثاً إلى الناس ، وانّه ليس لنا نبي لا يعدو نفسه ، كما هو نص الرواية ، إلاّ على بعض الوجوه ، كما هو الحال في بدء الوحي وقبل الاَمر بالاِنذار ، ولكنّه يوَيد ما أوضحناه من كونه النسبة بين الرسول (4) والنبي هي المساواة حسب المصداق.
    وأمّا ما أخرجه الكليني بسند موثق عن ابن أبي يعفور ، قال : سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) يقول : « سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أُولو العزم من الرسل ، وعليهم دارت الرحى : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ». (5) فليس من أحاديث هذا الباب ، بل غايته انّ هناك نبياً ومرسلاً ، وأمّا تساوي النبوة والرسالة ، والنبي والرسول فلا يستفاد منه أصلاً.
    1 ـ الصافّات : 147.
    2 ـ قد حدّد أولو العزم بقيود أربعة : من روَية في المنام ، وسماع صوت الملك ، ومشاهدته ، وهو إمام.
    3 ـ الكافي : 1/174 ، 175 ، باب طبقات الاَنبياء والرسل والاَئمّة.
    4 ـ المراد الرسالة من اللّه فلا تغفل.
    5 ـ الكافي : 1/84 ، باب طبقات الاَنبياء والرسل.


(390)
    الثاني : ما يخصص النبوة بتجلّ ـ ي اللّه لنبيه في اليقظة ، ولا يطلقها على غيره من مراتب الوحي. (1)
    روى الصدوق عن زرارة قال : قلت لاَبي عبد اللّه ( عليه السلام ) جعلت فداك : الغشية التي تصيب رسول اللّه إذا أُنزل عليه الوحي؟ فقال : « ذلك إذا لم يكن بينه وبين اللّه أحد ، ذاك إذا تجلّى اللّه له » ، قال : ثم قال : « تلك النبوة يا زرارة » وأقبل يتخشع. (2)
    ويمكن توجيهه بحملها على الدرجة الكاملة من النبوة ، وإن كانت النبوة غير منحصرة في هذا القسم ، كما ينبىَ عنه قوله ( عليه السلام ) تلك النبوة ، فلا ينافي ما أوضحناه.
    وأمّا حديث الغشية ، فقد أوضحه الاِمام في رواية أُخرى بقوله : « إنّ جبريل إذا أتى النبي لم يدخل عليه حتى يستأذنه ، فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد ، وإنّما ذلك عند مخاطبة اللّه عزّ وجلّ إياه بغير ترجمان وواسطة ». (3)
    الثالث : ما يظهر منه اختصاص النبوة بالاِيحاء في المنام ، والرسالة بمعاينة الملك. (4).
    1 ـ وقد نقله قولاً في مجمع البحرين مادة « نبأ ».
    2 ـ التوحيد : 115 ، طبعة مكتبة الصدوق.
    3 ـ راجع البحار : 18/102.
    4 ـ الظاهر انّ المراد من الملك في هاتيك الروايات هو جبرئيل ، ولو كان مطلق من كلّمه الملك أو رآه رسولاً ، يلزم أن تكون سارة زوجة إبراهيم ومريم بنت عمران رسولتين ، بل كل من كلّمه الملكان ببابل ، رسولاً ، وعند ذلك يمكن أن يقال : إنّ المراد من الملك فيها هو جبرئيل وله بين الملائكة شأن عظيم وهو رسول كريم ، ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين.
    وقد جعل المجلسي في « مرآة العقول » : 1/134 هذا المعنى أحد الاحتمالات.
مفاهيم القرآن ـ جلد الرابع ::: فهرس